أوصلوا مروان إلى سكنهم الجديد، لم يبعد كثيرا عن المعسكر. قبلته أمه على الرأس وهي تذرف الحزن، وغضبت على حلق لحية ابنها، فأخبرتها حميدة أنها سقطت من تلقاء نفسها، وذهبت لتعد الطعام لمروان. بينما كان علي وإخوته يسمعون الأخبار .. فجأة نقلت إحدى القنوات مشهد قصف منزل الرئيس الأسبق، وهذا أغضب معاوية.
قالت فاطمة: أنت يا معاوية غاضب على قصف بيت الزعيم الذي بناه من مال الشعب. نحن قمنا بثورة لنزيحه، وأنت تريده أن يعود إلى عرشه. حدث شجار بين الإخوة، لم يظهر منير موقفه في هذا النقاش، بل كان سعيدا لكلام فاطمة، يؤيدها بنظراته .. فهي ما زالت على موقفها منذ اندلاع ثورة الشباب، لم يتغير رأيها كما حدث للكثيرين الذي غيروا رأيهم حسب مصالحهم الشخصية، وليس حسب مصلحة الوطن.
قدمت حميدة الطعام لمروان الذي أوصى به الدكتور وخلطته بالخلاط. وكانت أمه غصون تراقب حميدة، وهي تحقن الغذاء عن طريق أنبوبة التغذية الأنفية. قالت: «الآن ابني سيشفى. كان شيموت (سيموت) من الجوع في المستشفى.» وراحت تدعو له بالشفاء، وهي تشم رائحة نتنة تفوح من مروان، رأت أنها من الحفاضات التي لم تبدل. سمعت شجار الأخوين علي ومعاوية في صالة البيت، فخرجت بعصاها لتضربهما، وهي تقول: أبوكم على فراش الموت وأنتم تتشاجرون داخل البيت. وقفت أمام منير ورفعت عصاها، وقالت: وأنت تشتي تتزوج وعمك مريض. - يا جدة حتى البلاد مريضة وأمة الإسلام مريضة والعرب تائهون، لكن الحياة لا بد أن تستمر. نريد جيلا يصلح ما أفسده الحكام يا جدة.
بينما الجدل العقيم يدور بين أولاد مروان، كان هو في الوقت نفسه في عالمه الفردوسي، يتنسم رائحة زكية تفوح من حوله، وتمنى ألا يعود إلى عالمه الذي أتى منه، إن كان هو في حالة رؤية للمستقبل، وإن كان في حلم تمنى ألا يصحو منه.
لبست حورياته ثياب النوم، ورحن يرقصن أمامه بلياقة بدنية عالية، وموسيقى «السعادة» تطرب مروان، وأخرجته من حزنه بسبب ذكرياته الماضية. أخذن يتناوبن على تقبيله، ويشدن باللقاء الروحي معه الذي لم يجدنه مع شريكهن السابق «كريم». نادته هذه المرة سناء أصغرهن سنا للجلوس معها للقاء الروحي. كن يتناوبن معه الصغرى فالكبرى، عكس الليلة الماضية. أخبرهن بروسي أن كريم قبله وأعجب بمؤخرته. ضحكت النسوة، سألته ناريس: «كيف تقبل بروسي؟!» شعر مروان بالخزي مما قام به من عمل مشين، وراح يخبرهن بأنه لم يكن يعرف أنه آلة، وظن أنه خادمتهن، وأنه كان يريده أن يكون ملك يمينه بالحلال، ما دام هذا العالم يعاني من نقص الرجال. وسألهن لماذا بروسي ما زال يناديه بكريم؟! أفادته ناريس بأنهن تحدثن معه كثيرا عن اسم مروان، لكنه لم يتقبله.
وما أدهش مروان أنهن رفضن مضاجعته، أخبرته فرضانا ضاحكة بأن المضاجعة العادية ليس فيها لذة ونشوة كاللقاء الروحي، ثم إنها متعبة ومهينة للمرأة، وفيها هدر لطاقة الرجل، وهذه الطريقة لم تعد تستخدم إلا في حالة التلقيح لحياة جديدة، أو عند الشواذ جنسيا، وحين يرغبن في التلقيح لحياة أخرى سيعالجن ذلك الأمر.
6
علمهن مروان كيف يطهين الفطر، فكان يطبخ منه «المضبى» و«المندي» و«المسلوق» وأعجب ذلك النسوة. أما بروسي فلم يستطع أن يتعلم هذه الطريقة، فكان مروان كثيرا ما يساعده في الطبخ.
ذات ليلة جلس مروان أمام البث التليفزيوني يشاهد مزارع أشجار الفطر، يصل طولها لأكثر من مترين، تزن الواحدة منها مائة كيلوجرام. جلست النسوة إلى جواره، وراح يحدثهن عن الصلاة .. وأنكر عدم معرفتهن بها، كذلك معنى كلمتي إسلام ومسلمين، والرسول محمد بن عبد الله. وضع مروان كفه على ناصيته كمن أصيب بالصداع، وحدث نفسه: «متى كفرت اليمن بدين محمد؟ الله أكبر. هل كفرت أمة الإسلام؟!» ثم تساءل في نفسه: لماذا لم يغضب لدينه الذي قاتل من أجله؟ ثم لعن الشيطان. صمت قليلا وقال لنفسه: «ماذا أقول أنا؟ أين الشيطان هذا؟ لم أعد أحس به أو يوسوس لي! أظنه كان داخلي، وكنت ألعن نفسي صباح مساء. هل هذا اللقاح الذي أخذته قتله في داخلي؟!» قاطعت مريانا أفكاره، قائلة: يا عزيزي لا تتحير في الأمر، نحن أيضا مؤمنون بالله ولنا ديننا. ديننا هو المحبة في جيناتنا أخذناه لقاحا، أفضل من كل الأديان القديمة التي كانت تلقن شفهيا. أليس هذا هو مطلب الإله أن يعيش العالم في محبة وسلام؟
كان مروان ينصت وهو في حيرة. كيف أن مريانا دائما تجيب على تساؤلاته دون أن يسألها؟! ثم أخذ يتعرف على أعمارهن. قالت مريانا: عمري 55 سنة، وقالت سريانا: وأنا 62 سنة، وريحانة: 70، وفرح: 66، وناريس: 85، وفرضانا: 50، وسناء: 25 سنة. كان مندهشا وهن يخبرنه بأعمارهن. قالت له فرح: نراك مندهشا من أعمارنا، ولم نستغرب نحن من عمرك!
Unknown page