Yasqut Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genres
الفصل السادس
المتنبي يخاف من الإعراب
لا أظن أن هناك شعبا في العالم يعشق لغته مثل العرب. وهناك أسباب عديدة تجعل للغة مكانة خاصة في الوجدان العربي؛ فهي أولا التي نزل بها القرآن الكريم، كما أنها اللغة التي خلف لنا بها السلف تراثا أدبيا وفنيا يهز أدق أوتار النفس البشرية. ولغتنا جميلة بالفعل وتتميز بموسيقية تلقائية تطرب لها الآذان، حتى لمن لا يفهم المعاني بدقة، كما أنها لغة اشتقاقية على عكس غالبية لغات العالم القديمة والحديثة، وكلها لغات تركيبية. وميزة اللغة الاشتقاقية المرونة والسهولة في استخراج الكلمات والتراكيب الجديدة. وصدق حافظ إبراهيم حين قال على لسان العربية:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
وكل هذه المقدمات لا بد أن تؤدي إلى نتيجة منطقية واحدة: هي تمسك العرب بالتعامل بهذه اللغة الفصحى التي يعشقونها، ورفضهم لأي وسيلة أخرى للتعبير عن أنفسهم. لكن الواقع كما نعلم عكس ذلك تماما.
وهناك سؤال بسيط لا نطرحه على أنفسنا لأن ثقافتنا تملي علينا عدم الاقتراب من مناطق نعتبرها محظورة بل محرمة على التفكير. والسؤال ببساطة هو: كيف هجر العرب هذه اللغة طوعا على الرغم من عشقهم لها وتمسكهم بها؟ لماذا لا يتكلم الناس في مصر أو في العالم العربي باللسان الفصيح؟ لماذا أصبحت الفصحى وكأنها لغة إجبارية تستخدم في تحصيل العلوم والكتابة الرسمية فقط؟
فنحن نستخدم في تعاملاتنا اليومية على كل المستويات اللهجة الدارجة سواء في مصر أو في أي بلد عربي آخر. وحتى في مكة المكرمة مهد الرسول وينبوع اللغة العربية الأصيل يتحدث الناس لهجة دارجة تبعد عن العربية بقدر ما تبعد عنها اللهجات المصرية والسورية. وإذا كانت العربية لغة مقدسة كما يدعي البعض فكيف نبذها مسلمون مؤمنون بدينهم ويقيمون فرائضه ولا يدخرون وسعا في إرضاء ربهم؟
وقد وصل الأمر إلى أن العربي كان يفضل فناء الدنيا قبل فناء لغته، كما جاء على لسان الشاعر المهجري:
لغة يهون على بنيها أن يروا
Unknown page