Wujudiyya Muqaddima Qasira
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
عند هذه المرحلة يقدم المفهوم الوجودي المتعلق بالوجود في الموقف المساعدة. مرة أخرى، هي حالة مراعاة للتفكير الملموس. ومرة أخرى، ليست المسألة في طرح أفكار جديدة بقدر ما هي في إعادتنا إلى رؤى تقليدية حتى لو لم يكن سياقها المفاهيمي كذلك. يستدعي هذا إلى ذاكرتنا حالتين للتفكير «الملموس» لدى أرسطو، وهما تمييزه بين العدالة والإنصاف (المساواة) وبين مفهومه للشخص الحصيف. في الحالة الأولى يمكن للمرء أن يتجنب عدم الإنصاف في تطبيق القانون غير المقترن بالأدلة بالنظر إلى تفاصيل القضية. والتمييز بين نص وروح القانون هو تعبير آخر لنفس هذا الاهتمام بالملموس.
بشكل ما، لا تعد فكرة خلق المواقف جديدة، فهي على الأقل بقدم مفهوم أرسطو عن الشخص الحصيف، وهو مثالنا الثاني. هذا هو الشخص الذي يعرف التصرف المناسب في الوقت المناسب وفي ظل الظروف المناسبة. قد تفهم الحصافة، مثلما يقول عالم الأخلاق جوزيف بايبر، على أنها «ضمير الموقف». يوجد تماسك واضح في القرارات «الحصيفة» حسب المنظور الأرسطي؛ فهي ثمرة دائرة معينة غير مفرغة؛ فالشخص الأخلاقي هو شخص يتخذ قرارات أخلاقية، لكن يجب أن يتعلم أن يكون شخصا أخلاقيا عن طريق اتخاذ هذه القرارات. هذا هو واقع الأمر. لا توجد نقطة بداية مطلقة؛ فالمرء دائما ما يكون في خضم الأشياء. ونحن نجد أنفسنا في النسخة الأخلاقية من الدائرة الهيرمينوطيقية.
ومثل الشخص الحصيف، يحكم الشخص الوجودي «في الموقف». لكن في حين «يكتشف» الحصيف الفعل الصواب، «يقرر» الوجودي الفعل الصواب. إنه «مبتكر» في حين أن الأرسطي مستقص. يتخذ الفرد «الصادق» قراره في ظل إدراكه الكامل لخطأ حكمه. لكن الشخص الصادق - كما رأينا - سيجعل الاختيار في ضوء أفضل الأدلة المتاحة دون استبداد، وفي ضوء تعزيز الحرية، اختيارا سليما بالمضي فيه وتنفيذه.
في هذا الإطار من السقوط الأخلاقي الحر يلبي الوجودي متطلبات ما بعد الحداثيين نحو الممارسة الأخلاقية دون التزام ميتافيزيقي أو قواعد وقوانين غير قابلة للانتهاك. ومثلما اقترحنا، يمكن أن تبدأ وجهة النظر السارترية عن خلق لتخصيص القيم يعبر عن الحرية، ويحافظ عليها على مدار حياة المرء في تلبية هذه المتطلبات ما بعد الحداثية في عالم ما بعد بعد حداثي. لو كانت وجهة النظر الحداثية للأخلاق - مثلما يدعي عالم الأخلاق زيجمونت بومان - هي الإصرار على أن الصراع بين استقلالية الحيوانات العاقلة وتبعية الإدارة العاقلة (بين الغايات والوسائل) قابل للحل نظريا، على الرغم من أنه لم يحل بعد ، في حين يكمن الموقف ما بعد الحداثي في القبول الاختياري بعدم قابليته للحل وتعزيز ما ينتج من تعددية للاختيارات، فإن الموقف الوجودي لما بعد بعد الحداثة يقدم كلا من قوة المثل الأخلاقي (على سبيل المثال: الوجود الصادق في مدينة الغايات لسارتر) والرغبة الواضحة في العيش في غموض حتمي، حسبما يقترح ميرلوبونتي ودي بوفوار. لا يختلف هذا عن تحذير أرسطو بعدم السعي إلى دقة أعظم في عالم الأخلاق أكثر مما يتيح الأمر، وبصفة خاصة، عدم البحث عن حلول كمية للمشكلات الأخلاقية. ولو لبى الخيار الوجودي المتطلب ما بعد الحداثي للبقاء بشكل غير ميتافيزيقي؛ وبالتالي غير أرسطي حتما في هذا السياق، فإنه يبقى «حداثيا» في التزامه بالفلسفة الإنسانية، لكنها فلسفة من تشكيله هو.
هوامش
المراجع
الفصل الأول
Albert Camus,
The Plague (New York: Vintage, 1991).
Foucault (Oxford: Blackwell, 1995).
Unknown page