سقطت يد المراسل الصحفي إلى جانبه. واعتلت وجهه نظرة فزع، وتغير سلوكه العدواني المشاكس بسرعة مفاجئة جدا إلى حد أنها انتزعت ابتسامة من شفتي رينمارك الصارمتين المزمومتين.
تراجع ييتس إلى الأرجوحة الشبكية كمن تلقى ضربة مباغتة.
قال في حسرة: «أصغ إلي يا ريني، إنه ساع آخر من سعاة التلغراف الملاعين. فلتتكرم بالذهاب إليه وتوقع على تسلم البرقية. وقع بعبارة: «د. رينمارك نيابة عن آر ييتس.» سيضفي ذلك عليها مظهر تقرير طبي رسمي. ليت هذه الفكرة خطرت ببالي حين كان الفتى الآخر هنا. أخبره بأنني راقد.» ثم ارتمى في الأرجوحة الشبكية، وسار رينمارك، بعد لحظة من التردد، نحو الفتى الواقف عند السياج، الذي كان قد كرر سؤاله بصوت أعلى. وسرعان ما عاد حاملا المظروف الأصفر، الذي ألقاه إلى الرجل المستلقي في الأرجوحة الشبكية. فأخذه ييتس بعنف، ومزقه إلى العديد من القطع، ونثر القطع التي سقطت متطايرة من حوله على الأرض. فيما ظل البروفيسور واقفا هناك لبضع لحظات في صمت.
وأخيرا قال: «ربما سيكون كرما بالغا منك أن تواصل ملاحظاتك.»
رد ييتس قائلا بضجر: «كل ما كنت سأقوله أنك رجل ممتاز يا ريني. دائما ما تنشب مشادات بين من يخيمون معا. هذه هي مشادتنا الأولى، وأظننا سنجعلها الأخيرة. في رأيي أن التخييم في العراء أشبه بالحياة الزوجية، ويتطلب بعض الصبر والتسامح من الطرفين. ربما تكون هذه الفلسفة رخيصة، لكني أظنها دقيقة. إنني قلق جدا حقا بشأن هذا الأمر المتعلق بالصحيفة. صحيح أنني يجب أن ألقي بنفسي في الشق العميق كذلك الرجل الروماني، ولكن سحقا! فأنا أرمي بنفسي في الشقوق العميقة منذ خمسة عشر عاما، وما الفائدة التي جنيتها من ذلك؟ دائما ما توجد أزمة طارئة في أي مكتب من مكاتب الصحف اليومية. وأريدهم أن يفهموا في مكتب «أرجوس» أنني في إجازتي.» «الأرجح أنهم سيفهمون من البرقية أنك على فراش الموت.»
ضحك ييتس. ثم قال: «هذا صحيح، ولكن كما ترى يا ريني، نحن سكان نيويورك نعيش في هذا الجو من المبالغة الشديدة، ولو لم أصغ الرسالة بهذه القوة، فلن تحدث أي تأثير. يجب أن تعطي رجلا يتعاطى السم طوال حياته جرعة كبيرة. لن يصدقوا تسعين في المائة من أي كلام أقوله على أي حال؛ لذا، فكما ترى، يجب أن أبالغ بقوة قبل أن تؤتي العشرة في المائة المتبقية أي نتيجة.»
قوطعت المحادثة بطقطقة الأغصان الجافة خلفهما، فاستدار ييتس الذي كان يراقب السياج بقلق. كان بارتليت الصغير يشق طريقه نحوهما عبر الشجيرات السفلية الصغيرة. كان وجهه أحمر، وبدا جليا أنه كان يركض.
قال لاهثا: «برقيتان لك يا سيد ييتس. قال الرجلان اللذان أحضراهما إنهما مهمتان؛ لذا ركضت بنفسي بهما إلى هنا، خوفا من ألا يجداك. إحداهما من بورت كولبورن، والأخرى من بافالو.»
كانت البرقيات نادرة في الريف، وكان بارتليت الصغير يعتبر تسلم واحدة حدثا مهما في حياة المرء. لذا دهش بشدة حين رأى ييتس يتلقى هذا الحدث المزدوج بفتور، ولم يستطع منع نفسه من تصور أن ييتس تظاهر بهذا الفتور لمجرد أن يبهره. أمسكهما ييتس ولم يمزقهما في الحال مراعاة لمشاعر الشاب، الذي جاء راكضا ليسلمهما إليه. «هاك دفترين أرادا منك التوقيع عليهما. لقد كانا منهكين تماما، وأعطتهما أمي شيئا ليأكلاه.»
قال ييتس: «ستوقع نيابة عني أيها البروفيسور، أليس كذلك؟».
Unknown page