عبس البروفيسور لكنه لم يرد. وابتسم الفتى، الذي أدرك جزئيا أن هذا ليس حقيقيا، لكنه لم يكن متيقنا تماما، وقال: «أهذا صحيح؟»
صاح ييتس مستاء من هذا الشك المجحف: «بالطبع صحيح! إنه أصح مما قد تظن. اسأل هذا الدكتور نفسه عما إذا كان هذا صحيحا أم لا. والآن يا بني، هلا تسلم هذه حين تعود إلى المكتب؟ فلتخبرهم أن يرسلوها على عجل إلى نيويورك. كنت أود أن أكتب عليها «عاجلة»، لكن ذلك لا يجدي أي نفع ودائما ما يثير غضب عامل التلغراف.»
أخذ الفتى الورقة ووضعها في حافظته.
وتابع ييتس: «سيتكفل المرسل إليه بثمنها.»
أجاب الفتى بشيء من التعالي كما لو كان يمنحه ائتمانا نيابة عن شركة التلغراف: «أوه، لا بأس.» وأضاف قائلا: «حسنا، وداعا. آمل أن تتحسن قريبا يا سيد ييتس.»
هب ييتس واقفا على قدميه ضاحكا، وتبعه إلى السياج. «أصغ إلي أيها الفتى، أرى أنك كفء بما فيه الكفاية. ربما سيسألونك حين تعود. فماذا ستقول؟» «أوه، سأخبرهم بمدى صعوبة المهمة التي خضتها كي أجدك، وأعرفهم أن أي أحد سواي ما كان ليقدر عليها، وسأقول إنك سقيم جدا. لن أخبرهم أنك أعطيتني دولارا!» «بالضبط يا بني، سوف تنجح. هاك خمسة دولارات، ورقة واحدة. وإذا قابلت أيا من السعاة الآخرين، أعدهم معك. فلا جدوى من إضاعة وقتهم الثمين في هذه البلدة الصغيرة.»
دس الفتى الورقة النقدية في جيب صداره بلا مبالاة كما لو كانت تساوي خمسة سنتات وليس دولارات، وامتطى حصانه المتعب، ولوح بيده مودعا الصحفي. واستدار ييتس وسار ببطء عائدا إلى الخيمة. ارتمى مرة أخرى في الأرجوحة الشبكية. وكما توقع، كان البروفيسور أشد صمتا من أي وقت مضى، ومع أن ييتس كان مهيئا لهذا الصمت، فقد انزعج منه. كان يشعر بمرارة القسوة بسبب وجوده مع رفيق غير متعاطف تماما كهذا. «اسمع يا رينمارك؛ لماذا لا تقول شيئا؟» «لا شيء يقال.» «أوه، نعم، بل يوجد. أنت لا تتقبل تصرفي، أليس كذلك؟» «لا أظن أن قبولي أو عدمه سيحدث أي فارق.» «أوه، نعم، بل سيحدث. فالمرء يحب أن يحظى باستحسان حتى أقل الناس شأنا. أصغ إلي، كم تأخذ من النقود مقابل أن تقبل تصرفي؟ يتحدث الناس عن عذاب الضمير، لكنك تسبب عذابا أشد مما يسببه أي ضمير صارم لدى أي شخص على الإطلاق. يستطيع المرء أن يتدبر شأن ضميره، ولكن حين يواجه ضميرا متجسدا في شخص إنسان آخر، يكون خارج سيطرته. أصغ إلي، الوضع كالتالي: أنا هنا من أجل الهدوء والراحة. وقد حظيت بكليهما، وأظن أن لدي ما يبرر ...» «أصغ إلي يا سيد ييتس، أرجوك أن تعفيني من أي فلسفة رخيصة بشأن هذه المسألة. لقد سئمت ذلك.» «وأظنك قد سئمتني أيضا؟» «حسنا، نعم، بعض الشيء، إن كنت تريد أن تعرف.»
هب ييتس ناهضا من الأرجوحة الشبكية. ولأول مرة منذ شجاره مع بارتليت على الطريق، رأى رينمارك أنه يستشيط غضبا. كان المراسل الصحفي واقفا بيدين مقبوضتين وعينين وامضتين، وقد بدا عليه شيء من التردد. أما الآخر، فكان عاقدا حاجبيه الكثيفين، صحيح أنه لم يكن في وضعية عدوانية، لكنه كان متأهبا بكل وضوح لهجوم من ييتس. قرر ييتس في النهاية أن يتحدث بلسانه وليس بقبضتيه. ولم يكن هذا لشعور لديه بالخوف؛ لأنه لم يكن جبانا. لقد أدرك المراسل الصحفي أنه هو الذي جر رينمارك إلى المحادثة رغما عنه، وتذكر أنه هو الذي دعاه إلى مرافقته. ومع أن هذه الذكرى كبحت يديه، فلم تؤثر إطلاقا في لسانه.
قال ببطء: «أعتقد أنك ستستفيد من أن تسمع لمرة واحدة رأيا صريحا منصفا محايدا عن شخصيتك. فمنذ فترة طويلة وأنت لا تتعامل إلا مع طلاب، يعتبرون كلمتك قانونا؛ لذا قد تكون مهتما بمعرفة رأي رجل خبير بالحياة وأمور الدنيا فيك. إن بضع سنوات من العمل في مهنة التدريس تكفي لإفساد أكابر الملائكة. والآن، أظن أنه من بين كل ال...»
قوطعت جملته بصيحة قادمة من عند السياج: «أيا أيها السيدان، هل تعرفان أين يعيش رجل يدعى ييتس؟»
Unknown page