تنهد الرجل المتأرجح تنهيدة موبخة. «بالطبع لا يستطيع رجل عديم الخيال مثلك يا رينمارك أن يدرك فظاظة اقتراح أن يضطر رجل غارق في الحب حتى أذنيه مثلي إلى إهانة نفسه بالاهتمام بالتفاصيل المملة للشئون المنزلية. إنني واقع في غرام مزدوج، بل وأكثر بكثير؛ لذا فاقتراحك فظ ولا داعي له، كما كان ذلك الممل العجوز إقليدس يقول.» «حسنا، إذن؛ فلتكف عن النقد.» «موافق، ثمة قدر من المعقولية اللطيفة في اقتراحك الفظ. فالرجل الذي لا يستطيع، أو لا يرغب في، العمل في حقل العنب، يجب ألا ينتقد من يجمعون ثماره. والآن يا ريني، في المرة المائة التي أسألك فيها، فلتضف إلى الأفضال العديدة التي أسديتها لي بالفعل وتخبرني، بطيبتك المعهودة، ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني. أيا من هاتين الفتاتين الفاتنتين، والمختلفتين تماما، كنت ستفضل؟»
فقال الأستاذ بهدوء: «سحقا!».
صاح ييتس رافعا رأسه: «أيا ريني! هل جرحت إصبعك؟ كان ينبغي أن أحذرك من استخدام سكين حاد للغاية.»
لكن البروفيسور لم يكن قد جرح إصبعه. صحيح أن استخدامه الكلمة المذكورة أعلاه فعل لا يمكن تبريره، لكنها بدت خالية من أي صلة بالألفاظ النابية إطلاقا بطريقة تفوهه بها. فقد قالها بهدوء ورباطة جأش وشيء من البراءة. وقد دهش من نفسه حين تلفظ بها، لكن الأيام القليلة الماضية كانت قد شهدت لحظات لم تكن فيها الألفاظ العادية المستخدمة في الكتب الأكاديمية الرياضية الرفيعة مناسبة للموقف.
وقبل أن تقال أي كلمة أخرى، سمع صياح من على الطريق القريب إليهم.
صاح الصوت قائلا: «هل ريتشارد ييتس موجود؟».
فصاح ييتس وهو يثب من الأرجوحة: «نعم. من يريده؟».
فقال المنادي الذي كان شابا يمتطي حصانا: «أنا.» ارتمى من فوق ظهر حصانه المنهك، وربطه بشجيرة - مع أن ذلك لم يكن ضروريا إطلاقا، من الحالة التي كان عليها الحصان - وقفز من فوق السياج ذي القضبان، ودنا منهما عبر الأشجار. ورأى الشابان فتى طويل القامة يرتدي زي موظفي خدمة التلغراف قادما نحوهما. «أنا ييتس. ما الخطب؟»
قال الفتى: «حسنا، لقد خضت بحثا شاقا جدا عنك. هاك برقية إليك.» «كيف عرفت مكاني بحق السماء؟ لا أحد يعرف عنواني.» «هذه بالضبط هي المشكلة. كنت ستوفر على شخص ما في نيويورك كومة من الأموال لو تركت له عنوانك. الواجب ألا يذهب أحد إلى الغابة دون أن يترك عنوانه في مكتب للتلغراف، على أي حال.» كان الشاب ينظر إلى العالم من منظور موظفي التلغراف. فقد كان الناس يصنفون ما بين جيد وسيئ حسب العناء الذي يكبدون ساعي التلغراف إياه. أخذ ييتس المظروف الأصفر، الذي كان معنونا بقلم رصاص، لكنه كرر سؤاله دون أن يفتحه: «ولكن كيف وجدتني بحق السماء؟»
قال الفتى: «حسنا، لم يكن الأمر سهلا. حصاني على وشك الهلاك. أنا من بافالو. وقد أرسلوا برقية من نيويورك بألا نألو أي نفقات في سبيل إيجادك، ولم نأل بالفعل. يوجد سبعة زملاء آخرين يجوبون البلاد على ظهور الخيول بنسخ طبق الأصل من هذه البرقية، بل ويوجد زملاء آخرون ذهبوا للبحث عنك على طول شاطئ البحيرة على الجانب الأمريكي.» ثم سأل الشاب بنبرة ممزوجة بشيء من القلق: «بالمناسبة، لم يصل إلى هنا أي ساع قبلي، أليس كذلك؟». «لا، أنت الأول.» «أنا سعيد بذلك. لقد طفت كندا كلها تقريبا. حصلت على طرف أثرك منذ ساعتين، وقال أهل البيت الريفي الواقع في أسفل البلدة إنك في الأعلى هنا. أتود إرسال أي رد؟»
Unknown page