Warathat Mamalik Mansiyya
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
وعثرت على تذكار من السامريين: نشرة إخبارية مطبوعة بأربع لغات؛ العربية، والإنجليزية، والعبرية، والخط ذاته الشبيه بخيوط العنكبوت الذي كنت قد رأيته على مباني قريتهم سنة 1998. كان هذا هو الخط السامري القديم، وهو نسخة أقدم من الكتابة العبرية. ومدون أسفل كل صفحة من الكتيب الصغير الرمز الاصطلاحي «إيه بي - ذا سماريتان نيوز [أخبار الطائفة السامرية]». سجل الكتيب أن عيد الفصح الذي أقيم عام 2001 في ذروة الانتفاضة الفلسطينية جرى بطريقة سلمية. وكان الفلسطينيون قد وافقوا على تجنب أي مواجهة مع القوات الإسرائيلية. تلقيت الشكر على تدخلي؛ فبعد زيارتي الأولى للسامريين، زرتهم عدة مرات أخرى، بما في ذلك تلك المرة التي طلبوا مني فيها تشجيع الفلسطينيين على تعليق القتال أثناء عيد الفصح.
لا يعني ذلك أنهم كانوا يواجهون أي صعوبة في التعامل مع الفلسطينيين، فكما أوردت النشرة: «تلقى السامريون، الذين نزلوا من الجبل إلى نابلس لشراء البقالة من أجل العيد، ترحيبا حارا من السكان ... فسكان نابلس يتعاملون مع الوجوه الغريبة بارتياب ... ومع ذلك ، عندما عرف الزبائن أنفسهم بأنهم سامريون، سرعان ما تحولت الشكوك إلى ابتسامة عريضة مصحوبة بالمصافحات.» أثناء قراءتي لهذه الكلمات، تساءلت عما إذا كان من المحتمل أن السامريين يمثلون شيئا أكثر روعة من أسباط إسرائيل العشرة المفقودة؛ إذ يمكن أن يكونوا جسرا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لذلك كنت آمل أن يشكلوا فصلا جيدا في هذا الكتاب. فأفكارهم وعاداتهم، التي تشبه أفكار اليهود وعاداتهم، ستكون مألوفة لدى معظم القراء أكثر من تلك الموجودة في فصول الكتاب الأخرى. لكن وجود هذه الطائفة، التي وصفها الباحث الإسرائيلي ناثان شور بأنها «ربما تكون أصغر مجموعة من الناس احتفظوا على مدى قرون عديدة بوعي وطني خاص بهم»، قد يساعد في إلقاء الضوء على ما يجعل مجموعة من الناس يعتبرون أنفسهم أمة. فما الذي يجعلنا نرسم الخط الخفي بيننا وبينهم؟
عندما زرت السامريين للمرة الأولى، كان الكثيرون لا يزالون يأملون في إمكانية تحقيق السلام الدائم. وبعد أكثر من عقد من الزمان، تلاشت تلك الآمال. كنت خائفا مما قد أجده إذا عدت. لكنني كنت عازما على الذهاب؛ لأنني كنت قد تلقيت دعوة. كنت قد كتبت إلى محرر نشرة إيه بي الإخبارية، بنياميم تسيداكا (التهجئة السامرية لاسم بنيامين)، آملا في أن يتذكرني من المدة القصيرة التي أمضيتها في القرية. لم يرد في البداية. لكن بعد بضعة أسابيع تلقيت رسالة بريد إلكتروني غريبة من حسابه: «سيقام قربان الفصح هذا العام ظهر يوم الجمعة، الموافق الرابع من مايو 2012.» كان موقعا على الرسالة باسم «بيني»، ويبدو أنها قد أرسلت إلى قائمة طويلة من الأطراف التي يحتمل أن تكون مهتمة. تلت ذلك قائمة قراءات من سفر اللاويين وتعليمات بشأن متى ينبغي قراءتها. وفيما يخص وقت عيد الفطير [الفصح]، أوصت الرسالة بتناول ماتزوث كوشير (فطير غير مخمر) وحرمت المعكرونة. وحتمت ضرورة أن يصلي المرء في اتجاه الشرق؛ إلا إذا كان في الهند أو روسيا، ففي هذه الحالة يجب عليه مواجهة جهة الجنوب الغربي. من الواضح أن قربان الفصح وعيد الفطير كانا عيد الفصح، على الرغم من اختلاف التاريخ السامري عن التاريخ اليهودي. (لدى المجموعتين تقويمان مختلفان قليلا، ويمكن أن يكون العيد السامري قبل النسخة اليهودية بيومين أو ما يصل إلى شهر بعدها.)
قررت أن الرابع من مايو سيكون وقتا مناسبا لزيارة بيني والسامريين. ومع ذلك، يجب أولا أن أتمكن من اجتياز سلطات الحدود الإسرائيلية. كان لدي سبب لأن أعتقد أن هذا سيكون صعبا. فجواز سفري كان يحتوي على أختام من كل دولة تقريبا يمكن أن تثير شكوكهم: العراق، وإيران، والمملكة العربية السعودية، وأفغانستان، وباكستان. كان ذلك قد تسبب في احتجازي لدى وصولي إلى مطاري شيكاغو ولندن؛ لا أستطيع إلا أن أتخيل ما سيحدث في تل أبيب ذات الوعي الأمني. ومع ذلك، فقد قضيت، قبل وقت طويل، بضعة أسابيع في تعلم العبرية، أثناء عملي في القدس. وظننت أن هذا قد يساعدني في التخفيف من حدة التوتر قليلا مع السلطات، لكنني أدركت بعد ذلك أن كل ما كنت أتذكره هو أغنية عاطفية. وشككت في أن ينجح ذلك في استمالة أي شخص.
كانت حارسة الحدود في مطار بن جوريون في حيرة من أمرها. قالت: «هل أنت قادم لعيد الفصح؟ لكن عيد الفصح انتهى.» حاولت أن أوضح أنه كان يوجد عيد فصح آخر، تحتفل به في قرية صغيرة في الضفة الغربية مجموعة تسمى السامريين، وعندما قلت ذلك، أدركت أنها لم تكن قد سمعت بهم من قبل. رافقني أحدهم جانبا إلى غرفة انتظار خاصة في زاوية من صالة الوصول، مخصصة للأفراد المشتبه بهم الذين يلزمهم استجواب مكثف. جلست على مقعد. وكانت مجموعة من النساء الفلسطينيات على المقعد المقابل لي. وبجواري كان يجلس صبي ذو بشرة داكنة له «بيئوت» (سوالف طويلة) ويضع كبة (غطاء رأس، يسمى أيضا يارمولكه) اليهود الأرثوذكس ومعه كيس ضخم من السلع الاستهلاكية عليه ملصقات باللغة العربية. أخبرني أنه من اليمن، وقد عاد لتوه من زيارة لعائلته في قرية بالقرب من عاصمة ذلك البلد، صنعاء. منذ أشهر قليلة، كان واحدا من أربعمائة يهودي متبقين في اليمن؛ وكان الآن ينتظر الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
لحسن الحظ كان الاستجواب قصيرا؛ لأن أحد العاملين في المطار كان قد سمع عن السامريين وجاء لنجدتي. وهكذا في غضون بضع ساعات كنت قد ركبت حافلة متجهة إلى القدس وكنت أحاول أن أصف لراكبة أخرى، سائحة من الدول الإسكندنافية، المعالم السياحية التي عاودت تذكرها على الفور. خلفنا كانت مدينة تل أبيب الساحلية التي بناها مهاجرون يهود في القرن العشرين، وهنا على اليسار كانت قرية أبي غوش العربية، وأمامنا كانت القدس، «أورشليم الذهبية»، كما وصفتها أغنية إسرائيلية ناجحة من الستينيات. وكان أكثر شيء ذهبي في المدينة هو قبة مزارها الإسلامي الرئيسي. ولكن مثلما كان الحجر الأبيض لمباني القدس يعكس ضوء الشمس المتغير، كانت شخصية المدينة تتغير وفقا للزاوية التي يراها منها المرء. فهي مكان الحكومة الإسرائيلية، لكنها أيضا وجهة رئيسية للسياح المتدينين والعلمانيين على السواء؛ وجوهرة معمارية لا تزال أسوار مدينتها معلما بارزا يمكن رؤيته من على بعد أميال، لكنها أيضا مدينة حدودية، في كثير من الأحيان يجد فيها المتدينون والعلمانيون، اليهود والعرب أنفسهم في منافسة حزينة على المكان، وعلى التحرر من الخوف.
بعد وصولي إلى فندقي في ذلك المساء، اتصلت ببيني تسيداكا وسألته عن أفضل طريق للوصول إلى قرية اللوز، على جبل جرزيم. أجاب بأن المسألة سهلة؛ فكل ما كان علي فعله هو ركوب حافلة فلسطينية صغيرة من عند باب العامود، في البلدة القديمة بالقدس. وستقلني شمالا إلى مدينة رام الله في الضفة الغربية التي يسير شئونها الفلسطينيون؛ وهناك يمكنني ركوب حافلة أخرى، تحمل لوحة أرقام فلسطينية، لتقلني إلى نابلس. ومن نابلس يمكنني أن أستقل سيارة أجرة. بدا هذا مناسبا؛ إذ كنت قد ركبت حافلات فلسطينية صغيرة من قبل. ولكن كان ثمة شيء آخر أردت التحقق منه قبل بدء الرحلة. كنت أعلم أنه في بعض الأحيان كانت توجد قيود على سفر المركبات الفلسطينية في الضفة الغربية. لذلك اتصلت بالمحافظ الفلسطيني لمدينة نابلس للتأكد من أنني سأتمكن من الوصول إلى القرية. بدا المحافظ مذعورا. وقال: «لقد أغلقوا كل الطرق من أجل عيد الفصح السامري. لن تنجح أبدا في الوصول. تعال الأسبوع المقبل.» حاولت أن أقول إنني كنت قادما من أجل عيد الفصح تحديدا، لكنه كان قد أنهى المكالمة. وصرت في حيرة من أمري. لكن عندما فكرت في البدائل، أدركت أنه كانت توجد طريقة أخرى للوصول إلى السامريين.
عندما استولت إسرائيل على القدس الشرقية وما وراءها من أراض، حتى نهر الأردن، في حرب سنة 1967، كان يوجد العديد من اليهود، بما في ذلك في حكومة إسرائيل، ممن أرادوا الانسحاب في أسرع وقت ممكن. كان لدى الآخرين رؤية أكثر توسعية وأرادوا الاحتفاظ بالأراضي المحتلة. وجادلوا بأن حدود إسرائيل السابقة لا يمكن الدفاع عنها. كانت المشاعر الدينية في جانبهم؛ فقد صارت البلدة القديمة في القدس، إلى جانب ما تبقى من الهيكل القديم، في قبضة اليهود لأول مرة منذ عام 70 بعد الميلاد. تمسكت إسرائيل بذلك، ومنذ ذلك الحين اتخذت سلسلة من الإجراءات المصممة بوضوح لجعل القدس الشرقية جزءا لا يتجزأ من إسرائيل.
كما اعتقدت مجموعة من الإسرائيليين المتدينين أن بقية الأرض الواقعة بين الحدود الشرقية السابقة لإسرائيل ونهر الأردن - المنطقة المعروفة باسم الضفة الغربية - يجب أن تظل إلى الأبد جزءا من دولة إسرائيل. فأقاموا مستوطنات هناك، في كثير من الأحيان على الأراضي التي كانت إسرائيل في الأصل قد صادرتها لأغراض عسكرية. ولأن هذا كان يمثل انتهاكا لاتفاقيات جنيف، التي تحظر على سلطة الاحتلال استخدام الأراضي المصادرة للاستيطان المدني، على الفور أثارت هذه الخطوة جدلا كبيرا. كذلك جعلت إسرائيل في مواجهة مستمرة مع القرويين الفلسطينيين الذين يعيشون بالقرب من المستوطنات، بينما كان المستوطنون أهدافا سهلة للهجمات الإرهابية. ومع ذلك، فقد انضم إلى المستوطنين المتدينين آخرون جذبتهم دوافع اقتصادية؛ حيث أتيحت الأراضي الجديدة، التي وقعت قطع كثيرة منها فوق مصادر مياه قيمة وفي مواقع استراتيجية، بتكلفة منخفضة للإسرائيليين اليهود. وكان لدى المستوطنين سيارات وحافلات تحمل لوحات أرقام إسرائيلية، مستثناة من إغلاق الطرق والقيود المفروضة على تنقل الفلسطينيين. فحتى لو كانت الطرق مغلقة في وجه الفلسطينيين، فستمر هذه السيارات؛ ومن ثم كان من الواضح أنني كنت بحاجة إلى أن أستقل إحداها. توجهت إلى محطة الحافلات المركزية في القدس لمعرفة ما إذا كان بإمكاني العثور على واحدة قد تأخذني إلى أي مكان بالقرب من قرية السامريين.
Unknown page