أسرف أبو العلاء في تجريح الإنسانية، وقد أنصف، فهذه الإنسانية الباغية تحتاج إلى من يفضح بغيها من حين إلى حين، ومن هم بنو آدم حتى يعطف عليهم أبو العلاء؟
هل عاش فيهم مصلح إلا بغصة أليمة لا يزحزحها في حلقة غير الموت؟
وهل كانت تواريخ الأنبياء إلا سلسلة من الرزايا والنكبات؟
وما الذي كان يصنع أبو العلاء والدنيا من حوله تضج بالظلم والعسف والزور والبهتان؟
إن أشعار أبي العلاء سجل صحيح لأوهام الإنسانية، فلتكذبه الإنسانية الباغية إن استطاعت.
لم يعرف الناس أن أبا العلاء رجل ضرير، وأن من كان في مثل حاله خليق بالشفقة والعطف، وهم تعقبوه بقالة السوء من أرض إلى أرض، فلتكن قالته فيهم وصمة باقية على الزمان.
ولكن ما هذا الذي صنعت بالناس يا أبا العلاء؟ إن عماك أخف من عماهم، هم جميعا مساكين صحت فيهم كلمة من يقول:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
أنت عبت النفاق على رجال الدين، فكيف غاب عنك أن رجال الدين لم يعش بينهم رجل صريح؟ أنت عبت الظلم على الحكام، فكيف غاب عنك أن الحاكم العادل جزاؤه الخسران؟ أنت أنكرت تعدد الديانات والمذاهب، فكيف غاب عنك أن لله حكمة في هذا التعدد؟
Unknown page