Wahm Thawabit
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genres
16
إلى أن فرضية داروين عن التطور بالانتخاب الطبيعي لم تكن مجرد نظرية جديدة، إنما هي نوع جديد من النظرية، نظرية أطاحت بالطرائق الماهوية في التفكير البيولوجي واستبدلت بها ما أسماه ماير «التفكير السكاني (المجتمعي)»
population thinking . •••
لدراسة النزعة الماهوية لدى الأطفال أهمية كبرى لأسباب عديدة، أولها أنها شاملة بدرجة لافتة؛ فهي شاملة عبر الزمن (تناولها المفكرون عبر ما لا يقل عن ألفي عام)، وعبر تعاليم فلسفية مختلفة فيما بينها اختلافا جذريا (اعتنقها - على سبيل المثال - مفكران متباينان تباين أفلاطون وجون لوك)، وربما عبر الثقافات. من المهم إذن أن نكشف سر هذه المجموعة من الافتراضات الراسخة، وأن نفحص منشأها ومتضمناتها الحسنة والسيئة للفكر البشري.
والسبب الثاني أنها تكشف لنا قدرات لدى الأطفال لم نكن نتوقعها في السابق. لقد كانت الفكرة الواسعة الانتشار هي أن مفاهيم الأطفال محدودة داخل الصفات العيانية والحسية والواضحة، فإذا بدراسة الماهوية في الأطفال تكشف أنهم يدمجون ضروبا شتى من الملامح الخفية داخل تصوراتهم تتضمن الأجزاء الداخلية والوظائف والعلل والتمييزات الأنطولوجية. من شأن ذلك أن يلهمنا تحولا في نظراتنا الخاصة بنمو المعرفة، فإذا كانت البناءات غير الملاحظة قائمة منذ البداية، فلا يمكن إذن أن تكون الملامح السطحية الملاحظة هي الأكثر امتيازا أو بساطة أو أساسية. تلك هي «المتضمنات الحسنة» للماهوية بالنسبة للتفكير البشري.
السبب الثالث أن الماهوية - فيما يبدو - تعزز «التنميط»
stereotyping
وتتبطنه. وتلك هي «المتضمنات السيئة» للماهوية في التفكير البشري. لنقل صراحة: إن التنميط يستعير الإطار اللغوي والتصوري للماهوية. فتعامل الجماعات البشرية المختلفة على أنها منمازة (متمايزة) على نحو خفي عميق، ويفترض في الفروق بين الجماعات الاجتماعية أنها محتومة وثابتة ومتأصلة جبليا. وبقدر ما يتقبل الناس هذه الطريقة في التفكير سيكون لهم أساس للتعامل مع الفروق الجماعية الاجتماعية على أنها محورية لهوية فرد من الأفراد، ولجلب استنتاجات عن الفرد قائمة على الجماعة التي ينتسب إليها الفرد، ولإلصاق دوافع وتفسيرات مختلفة بأولئك الذين ينتمون لجماعات اجتماعية مغايرة لجماعتنا. إن الشخص الذي يمارس التنميط يعامل الجماعات الاجتماعية على أنها «أنواع طبيعية»
natural kinds .
وسبب آخر من الأهمية بمكان، وهو أن لدراسة الماهوية متضمنات تعليمية واجتماعية؛ فقد أشار بعض الباحثين إلى أن الافتراضات الماهوية تعيق محاولات تدريس نظرية التطور. وبصفة أعم يمكننا أن نقول: إن الكثير من معرفتنا عن العالم إنما نتوصل إليه بواسطة الاستدلالات وليس بالتدريس المباشر؛ ومن ثم فإن أي وصف مكتمل لعملية اكتساب المعرفة ينبغي أن ينظر بعين الاعتبار إلى الشروط التي تعزز وتشجع التفكير الاستدلالي لدى الأطفال. إن الافتراض الماهوي عن الفئات التصنيفية، واللغة الماهوية عن الفئات يؤثران تأثيرا بليغا في استدلالات الأطفال.
Unknown page