193

Wahat Cumr

واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول

Genres

Sideboard (Dressoir)

ومنضدة وكرسيين وسجادة (كلها بأربعة عشر جنيها) وما يزال الدرسوار لدينا، وكانت الشقة لا تحتاج إلى تدفئة خاصة؛ فبالمنزل تدفئة مركزية، وكان الإيجار الشهري 26 جنيها.

واستقر بنا المقام في جو هادئ بل وشاعري، وسجلنا اسمينا عند أقرب طبيبة تابعة لهيئة الصحة الوطنية

National Health Service (مثل التأمين الصحي لدينا) واسمها مونيكا لاتو

Monica Latto

وكانت من اسكتلندا هي وزوجها، (وفي أوائل السبعينيات أهداها زوجها سيارة حمراء بمناسبة العيد الخمسيني لزواجهما، وفي عام 1997م قامت نهاد وابنتي سارة بزيارتها وكانت ما تزال في قيد الحياة) وكان خريف عام 1969م ذا جمال مذهل، وكانت نزهاتنا أنا ونهاد بمثابة نزهات في الحدائق؛ فحيثما يممت أشجار وبساتين، ولكل منزل حديقة أمامية وأخرى خلفية ، وكانت زيارتنا للندن تقتصر على الذهاب إلى المسرح، ولم تلبث مكتبتنا الخاصة أن امتلأت بالكتب، واشتريت جهاز تسجيل ضخما بالتقسيط، وجهاز تليفزيون أبيض وأسود؛ فالألوان لم تأت إلى التليفزيون إلا عام 1970م، وقنعنا به، وكنا نسعد بالبرامج الوثائقية في القناة الثانية لل

B B C

وبالأفلام التي تعلمنا منها الكثير، ولم يعد كشكول مصطلحات اللغة الإنجليزية يكفي التعبيرات الجديدة، فاشترينا كشكولا جديدا، وأهم شيء هو أننا لم يكن لدينا تليفون!

وبدأت أتردد على الكلية لمقابلة المشرف على الدكتوراه، وكان على النقيض من المشرف القديم تماما، كان شابا وكان الأول هرما، وكان بشوشا متواضعا وكان الأول يتصنع الابتسام فحسب، ولم أكن أتصور أن الطابع الاسكتلندي يختلف عن الطابع الإنجليزي إلى هذا الحد، وكان وجودي في بلدة الجامعة يتيح لي أن أمكث طول اليوم في المكتبة حتى يحين موعد العمل في المساء فأذهب وأترجم ما قدر لي أن أترجم ثم أعود، وقد أقص على نهاد طرفا مما ترجمته أو أناقشها في دلالة بعض الأحداث، وأذكر أننا كنا، ذات يوم من أيام رمضان، قد اتفقنا على إعداد طعام إفطار خاص، وبينما أنا أستعد للذهاب إلى المنزل، إذ جاء المشرف ليخبرني أن الرئيس بومدين قد ألقى خطابا ويريدني أن أترجمه، فقلت له إنني على موعد للإفطار مع زوجتي، فقال لي: «تفضل .. مع السلامة!» همس: «هل تحب أن تسهر سهرة رمضانية في ترجمة الخطاب؟» وضحكت وانصرفت. كان اسمه محمود سامي، وكان تركيا من قبرص يحسده الإنجليزي على نقاء لغته وجمال نطقه، وهو يكتب اسمه «ميموت» لا «محمود»، ولكن سامي لا خلاف عليها!

كان العمل بالترجمة - كما سبق أن قلت - بالغ التنوع؛ فقد يطلب من المترجم ترجمة نصية كاملة لخطاب سياسي؛ فالإنجليز لا يقتنعون بالترجمات المحلية التي تنقلها وكالات أنباء الشرق الأوسط مثلا، أو إعداد مقتطفات من حديث مطول، أو تلخيص تعليق أذاعته إحدى الإذاعات العربية، وكانت معظم المحطات العربية تسمع بوضوح في إنجلترا، كما كان الإنجليز يهتمون بما تذيعه إذاعة موسكو العربية، ويدخل ذلك في باب دراسة الرأي العام وتأثير الإذاعة فيه، وهو لا شك نشاط إعلامي وكل نشاط إعلامي له جانبه السياسي، ولكن جانب السرية منفي تماما عنه؛ فما تذيعه إذاعة ما، هو ما تريد له أن يعلن لا أن يخفى، وهي تريد للأخبار التي تذيعها أن تعرف وتعلن لا أن تكتم وتخفى؛ ومن ثم لم أكن أرى في عملي إلا مساهمة في ترجمة المادة المذاعة بالصورة التي أحب أن تصل بها إلى الأجانب، وكان البرنامج العام من إذاعة القاهرة لا يصل بوضوح إلى لندن، بخلاف صوت العرب، وكانت الأخبار متشابهة، بل إن صوت العرب سبق البرنامج العام يوم 7 أكتوبر 1973م في إذاعة البلاغ العسكري الذي يلخص نتائج العبور العظيم في اليوم السابق في الخامسة والنصف صباحا بتوقيت لندن، وحين ترجمته وأذاعته ال

Unknown page