Ustura Wa Turath

Sayyid Qimni d. 1443 AH
156

Ustura Wa Turath

الأسطورة والتراث

Genres

وهكذا فإن «اليازجي»، ممثلا للثيوزوفيرية، يطلب شطب التوراة من تاريخ المسيحية ومقدساتها، وقد عمد إلى ذلك بطول كتابين بين أيدينا،

65

عامدا إبان ذلك إلى إبراز الفروق الجوهرية بين إله موسى التوراتي المرعب الدراكولي، وبين إله المحبة والسلام مسيح الأناجيل، لكن «يازجي» يؤكد، بذلك، على جانب واحد من صورة مسيح الأناجيل، وهو الجانب المتأثر بثقافة المنطقة، وتتضح صبغته الزراعية واضحة في المسيح الروحاني السماوي، وصاحب الملكوت الأخروي، مهملا في الصورة نفسها المسيح الممسوح بالصبغة البدوية والفكر اليهودي، والتي صبغته بصورة «ابن داود» صاحب الملكوت الأرضي لإسرائيل، وما كان ممكنا له كمؤمن المطالبة برفض آخر لجزء من الأناجيل؛ نظرا للتعشق التام بين الصيغتين في المقدس المسيحي الإنجيلي؛ مما اضطره إلى اللجوء إلى التفسيرات الرمزية والتأويلية للجانب المطبوع بوجهة النظر الإسرائيلية من المسيح كملك لليهود من نسل «داود»، فجاء مبتسرا ومتكلفا وغير مقنع، لا للمؤمن المسيحي ولا للباحث المحايد الموضوعي، ولا لغير المؤمنين بالمسيحية، بينما الأمر الواضح لدينا هو ما أوضحناه، أن المسيح الإنجيلي قد جمع ثقافتين متنافرتين تماما وجذريا، تم دمجها في عصر الدمج الإمبراطوري إبان السيطرة الرومانية وفي العصر الهيليني بالتحديد، ثقافة الراعي وثقافة المزارع، أو الراسب اليهودي والتراث الوطني للمنطقة، وذلك التراث الذي تمثل إبان ظهور المسيح وقبله، في مجموعة ديانات الفداء الزراعية، التي تدين جميعا في كثير من تفاصيلها لأهم العقائد المصرية القديمة، هي عقيدة الثالوث الأوزيري « أوزيريس الأب

Osiris ، إيزيس الأم

ISIS ، حوريس الابن

Horus »، التي سبق أن أفردنا لها كتابا خاصا صدر عن دار فكر مؤخرا بعنوان: «أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة». وهي عقيدة تحتاج منا وقفة متعجلة، بما يتفق والمساحة المتاحة في هذه الدراسة القصيرة، وإضافة إلى هذا العرض السريع يمكن الاستعانة بالكتاب المشار إليه، مع أربعة بحوث سبق وفصلنا فيها القول عن ديانات الخصب الفدائية، ورصدنا بياناتها في الهامش.

66

وبالعودة إلى العصر الهيليني الروماني، نجد أنه قد انتشر على صفحة الخصب، شرقي المتوسط مجموعة من العقائد المتشابهة، تأسست على نتاج الخبرات القديمة للمزارع مع الطبيعة، وكونت مجموعة من المفاهيم عن آلهة للخير وأخرى للشر، وعبدت عادة ثالوثا إلهيا مثل فيه دور الأب، الإله المختص بالخصب ريا ومياها طامية، وتصوره إذ كان نهرا في البلاد التي تعتمد في ريها على الأنهار، أو في السماء الممطرة في البلاد التي تعتمد على الأمطار، كإله ذكر يخصب الأرض دوما بلقاحه المائي؛ لذلك تصوروا الأرض إلهة أنثى، تعطي مولودها زرعا، وهو بدوره «الزرع» إله يقوم بتمثيله الإله الابن في الثالوث المقدس للعائلة الإلهية، وغالبا ما اندمج الأب في الابن بحيث أصبحا أقنوما واحدا، يمثله إله واحد، هو إله الماء، وفي الوقت نفسه إله النبات.

وكما يموت الزرع، يجف ثم يعود إلى الحياة، فقد تصوروا إله الخصب تجري أموره على الوتيرة نفسها، فهو قد مات ثم قام في صيرورة خالدة أبدا، فموته مؤقت، وخلوده هو الحقيقة المطلقة، وهي تصورات تتسق وتفكير الإنسان آنذاك، وتعبر بصورة شعرية دينية عن علاقة الإنسان بالزرع الذي تتوقف عليه حياته واستقراره المجتمعي؛ لذلك كان لا بد من العمل الجاد في الأرض لمساعدة هذا الإله المحب العطوف على العودة إلى الحياة مرة أخرى، فأضفت على العمل في الأرض صبغة القداسة، وربطت المواطنة والعمل بالإيمان، بحيث يعد أي إهمال في حق الأرض ورب الزرع كفرا مبينا (ولم يزل العرف في مصر يعد تفريط المزارع في الأرض الزراعية بالذات، دون غيرها، سبة وعارا لا تمحوهما أية محاولات تكفير بديلة). وهكذا كانت العقيدة القديمة ضامنة للمجتمع سلامته واستمراره مترابطا، كناتج لارتباطه المستقر بالأرض، ما دامت تعطي، وهي لا تعطي إلا بالعمل، وبالإيمان بها وبهذا العمل.

وقد دخلت عقائد الفداء مختلف المواطن الخصيبة، بتطورات وتغيرات حذفت منها وأضافت، كناتج طبيعي للجدل الاجتماعي وما يفرزه من تغيرات على مستوى النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وصراع طبقي حاضر دوما في هذا الجدل، حتى بلغت كمال نضجها في انضوائها تحت راية الإله المصري «أوزير» رب الثالوث المصري، ورمز النيل والغلة في آن واحد، بل اندمجت فيه تماما، وذلك في العصر الهيليني الروماني، الذي اصطلح المؤرخون على تسميته بما أسماه لسان حال الجماهير آنذاك: عصر الآلام، كناتج لسيطرة السلطان العسكري الروماني، وواضح لدينا أن هذا الانضواء قد بدأ تفاعلا ثوريا اندمجت فيه مختلف ديانات الفداء في منظومة واحدة، تحت راية «أوزير» المصري، كقيادة لشكل أيديولوجي موحد في مواجهة القمع الروماني، بعد أن أتيحت لهذا الإله مجموعة من العوامل جعلت منه قيادة روحية وأيديولوجيا ثورية، كما أدت إلى انتشار عالمي لعقيدته مع زوجته «إيزي» وابنه حور، حتى فرض وجوده على إيمان الرومان أنفسهم فعبدوه مع أسرته باسم «سيرابيس

Unknown page