وإن التعبير «يرف» يستدعي معنى الطيران على وجه المياه، والإله الذي عرفه الشرق القديم، في المصورات طائرا، هو «رع» المصري، الذي كان يتمثل في شكل قرص الشمس مجتمعا، وهو الذي خرج من الغمر الأول «نون»، وهو الذي أنجب إله الهواء «شو» الذي فتق الأرض قسمين عظيمين، بعد أن كانتا رتقا، ورفع القسم الأعلى سماء أصبحت هي الإلهة «نوت».
18
ثم تزوجت السماء والأرض، أو تفاعلت ظواهرهما فأنجبا أول البشر على الأرض؛ لإتمام المهمة بزيادة المساحة المنزرعة زرعا وتفليحا وتسجيلا للوعي بدور ومهمة كل من الطبيعة والإنسان في تحقيق الغرض الأسمى. وفي قصة أخرى روى المصريون أن وحشا أول رمزوا له بالاسم «حاتحور»، أو «هاتور»، أو بالقلب اللغوي «هاروت»، وكانت إلهة أنثى، قد انطلقت تدمر بلا تمييز. وتدخل «رع» الشمس لإنقاذ البشر، وتغلب عليها بعد ملحمة بطولية كبرى، ولا ريب أن الشمس هنا كانت تقوم بدورها المعروف ضد ماء البحر الطاغي على اليابس، وهو ما رددته التوراة بوضوح، لكن بعد أن نسبت دور البطولة للرب العبري الذي قضى على البحر البدائي، ونشف البحر «ألست أنت المنشفة البحر، مياه الغمر الأولى» (إشعياء، 51: 10).
وكما أشرنا، فقد تكررت الملحمة البطولية بين الإنسان والبحر، في دلتا دجلة والفرات على رأس الخليج العربي، وسجلها السومريون، ومن بعدهم البابليون؛ ليؤكدوا أنهم عرفوا ظواهر الطبيعة بعضها ببعض، وأدركوا دور الإنسان فيها، فهذا الإله «نمو
Namu » ويعبر عنه بالمقطع الصوري الذي يصور البحر، يوصف بأنه المحيط الأول الذي أنجب السماء والأرض.
19
ثم تنجب السماء والأرض إله الهواء «إنليل»، الذي تكفل بمهام مهمة، أولها خلق الفأس أداة العمل الزراعي،
20
حتى إن خلق الفأس، تلك الأداة البسيطة، قد أعطي أهمية كبرى تليق بمقامه آنذاك، فأفردت له ملحمة كاملة مقدسة، تتحدث في الوقت نفسه قائلة:
الرب الذي يملك حقا، هو الذي أظهر للعيان
Unknown page