( فالجسم مني للحبيب مؤانس
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي ) توفيت سن خمس وثلاثين - قيل ثمانين - ومائة قبرها عل رأس جبل طور زيتا شرقي بيت المقدس بجوار مصعد السيد عيس عليه السلام من جهة القبلة وهو في زاوية ينزل إليها من درج وهو مكان مأنوس يقصد للزيارة ومن النساء العابدات ببيت المقدس امرأة تسم طافية كانت تأتي بيت المقدس تتعبد فيه وامرأة أخرى تسمى لبابة ذكرهما ابن الجوزي وذكر عدة من العابدات المجهولات الأسماء ولم يؤرخ وفاة واحدة منهن وسليمان بن طرخان الهيثمي التميمي نزل بالبصر وسمع أنسا وكان يقول إذا دخلت بيت المقدس كأن لأتدخل معي حتى أخرج منه توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة ومقاتل بن سليمان المفسر قدم بيت المقدس فصل فيه وجلس عند باب الصخرة القبلي واجتمع إليه خلق كثير من الناس يكتبون عنه ويسمعون منه فأقبل بدوي يطأ بنعليه عل البلاط وطأ شديدا فسمع مقاتل فقال لمن حوله انفرجوا فانفرج الناس عنه فأهو بيده يشير إليه ويزيده بصوته أيها الواطئ أرفق بوطئك فوالذي نفس مقاتل بيده ما تطأ إلا على اجاجين الجنة وفي كلام آخر قال الإمام الشافعي رضي الله عنه الناس كلهم عيال عل ثلاثة مقاتل بن سليمان في التفسير وذكر الآخرين توفي مقاتل سنة خمسين ومائة والاوزاعي عبد الرحمن بن عمر واحد الأئمة الأعلام فقيه الشام كان رأسا في العلم والعبادة قدم بيت المقدس فصلى فيه ثمان ركعات والصخرة وراءه ثم صل فيه الخمس وقال هكذا فعل عمر بن عبد العزيز ولم يأت شيئا من المزارات وتوفي في الحمام سنة سبع وخمسين ومائة وسفيان الثوري هو ابن سعيد بن مسروق الامام العالم المجمع عل جلالته وزهده وورعه أتى المسجد الأقصى فصل فيه بموضع الجماعة واتى قبة الصخرة الشريفة وختم فيها القرآن وروى إنه اشترى ى موزا بدرهم فأكلمنه في ظلها ثم قال إن الحمار إذا وفي عليقه - أو قال علفه - زيد في عمله ثم قام يصلي حتى رحمه من رأه توفي بالبصرة سنة إحدى ى وستين ومائة وإبراهيم بن أدهم بن إسحاق من كور بلخ أحد الزهاد وهو من ثقات اتباع التابعين ومن أبناء الملوك خرج يوما يتصيد وأثار ثعلبا - أو أرنبا ؟ ؟ - و أسرع في طلبه فهتف به هاتف ألهذا خلقت أم بهذا أمرت ؟ ثم هتف به من قربوس سرجه والله ما هذا خلقت ولا بهذا أمرت فنزل عن دابته وترك الإمارة ودخل البادية وتزهد وصحب الإمام أبا حنيفة وله متن الكرامات ما هو مشهور بها قدم بيت المقدس وقام بالصخرة الشريفة وسكن الشام وتوفي بمدينة جبلة من أعمال طرابلس وقبره مشهور بها قال صاحب ( مثير الغرام ) إنه مات ببلاد الروم ووفاته في سنة إحدى وستين ومائة الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم عالم أهل مصر كان نظير مالك في العلم قيل إنه كان دخله في سنة ثمانين ألف دينار فما وجببت عليه زكاة وفي رواية لا ينقصني عليه عام إلا وعليه دين من كثرة جوده وبره وقدم بيت المقدس قال الليث لما ودعت أبا جعفر - يعني الخليفة - ببيت المقدس قال أعجبني ما رأيت من شدة عقلك فالحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك ويقال إنه كان حنفي المذهب وإنه ولي القضاء بمصر ولد سنة اثنتين وتسعين من الهجرة الشريف وتوفي يوم الخميس منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة ودفن يوم الجمعة بالرافة الصغرى وقبره أحد المزارات قال بعض أصحابه لما دفن الليث ابن سعد سمعنا صوتا يقول ذهب الليث فلا ليث لكم ومضى العلم غريبا وفتر قال فالتفتنا فلم نرا أحدا وترجمة الشافعي رحمه الله ترجمة عظيمة وكان أتي إلى قبره بالقرافة كل عشية جمعة ويستمر حتى يقرأ على قبره ختما كاملا ستمر أهل مصر يفعلون ذلك بقبره في عشية كل جمعه إلى يومنا هذا و يختلفون لك ولهم فيه اعتقاد عظيم وله شهرة ظاهرة وأحوال بارزة نفعنا الله به ووكيع بن الجراح بن مليح أبو سفيان الرواسي مولده سنة تسع وعشرين مائة وكان من أعلام وهو من الرواة عن الامام أحمد بن حنبلة رضي الله عنه روى عنه الامام أحمد أيضا وقال عنه ما رأيت أوعى للعلم منه ولا أحفظ قدم بيت المقدس وأحرم منه إلى مكة وتوفي يوم عاشوراء ودفن راجعا ممن الحج سنة تسع - قيل سنة ثمان وتسعين ومائة الامام الأعظم والحبر الأكرم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي أحد الأئمة المجتهدين الأعلام وإمام أهل السن ركن الإسلام ولد بغزة من بلاد الشام على الأصح سنة خمسين ومائة وهي التي توفي فيها الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه وقيل في اليوم الذي مات فيه خرج كتاب الام وكتاب السنن وأشياء كثيرة كلها في أربع سنين قدم المقدس فصلى فيه وقال سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله وسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ما تقول في محرم قتل زنبورا ؟ فقال قال الله تعالى ( ^ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وحدثنا ابن عيينة بن عبد الملك بن عمير عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعدي بأبي بكر وعمر حدثنا ابن عيينة عن مسعود عن قيس بن مسلم بن طارق بن شهاب أن عمر أمر المحرم بقتل الزنبور وتوفي الإمام الشافعي رضي الله عنه بمصر يوم الجمعة ودفن من يومه بعد العصر آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين بالقرافة الصغرى وقبره مشهور يزار معنا الله به وأما الأئمة الثلاثة رضي الله عنهم فلم أطلع عل شئ يدل عل قدوم أحد منهم بيت المقدس والمؤمل بن اسماعيل البصري صدوق وكان شديدا في السنة قدم بيت المقدس واعطى به قوما شيئا وداروا به تلك الأماكن توفي سنة ست ومائتين وبشر بن الحرث الحافي أحد رجال الطريقة من كبار الصالحين وأعيان الأتقياء المتورعين أصله من مرو من قرية من قراها وسكن بغداد وإنما لقب الحافي لأنه جاء إلاسكاف يطلب منه شسعا لأحد نعليه وكان قد انقطع فقال الله الاسكاف ما أكثر كلفتكم على الناس ؟ فألقى النعل من رجله وحلف لا يلبس نعلا بعدها ولد سنة خمسين ومائة قيل له لم يفرح الصالحون ببيت القدس ؟ قال لأنها تذهب الهم ولا تشتغل النفس بها وقال ما بقي عندي من لذات الدنيا إلا أن استلقي على جنبي تحت السماء بجامع بيت المقدس توفي في شهر ربيع الآخر سنة ست - قيل سبع - وعشرين ومائتين ببغداد وقيل بمرو وذو النون المصري أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم الصالح المشهور أحد رجال الطريقة قدم بيت المقدس وقال وجدت على صخرة بيت المقدس كل عاص مستوحش وكل مطيع مستأنس وكل خائف هارب وكل راج طالب وكل قانع غني وكل محب ذليل قال فرأيت هذه الكلمات أصول ما استعبد الله به الخلق توفي سنة خمس وأربعين ومائتين والسري بن المغلس السقطي قدم بيت المقدس وروى عنه جماعة قال خرجت من الرملة إلى بيت المقدس الشريف فمررت بمشرفة وغدير ماء وعشب نابت فجلست آكل من العشب واشرب من الماء فقلت في نفسي إن كنت أكلت أو شربت في الدنيا حلالا فهو هذا فسمعت هاتفا يقول يا سري فالنفقة التي بلغتك من أين ؟ توفي سنة إحدى وخمسين ومائتين ومحمد بن كرام المتكلم التي تنسب إليه الفرقة الكرامية الذي ينسب إليهم تجويز وضع الأحاديث للترغيب والترهيب وكرام - بفتح الكاف وتشديد الراء - على وزن جمال أبو عبد الله السجستاني العابد ومنهم من يقول محمد بن كرام - بكسر الكاف وتخفيف الراء - روى عن جماعة وكان حبسه طاهر بن عبد الله فلما أطلقه ذهب إلى ثغور الشام ثم عاد إلى نيسابور فحبسه محمد بن طاهر بن عبد الله فطال حبسه وكان يتأهب لصلاة الجمعة فيمنعه السجان فيقول اللهم إنك تعلم إن المنع من غيري أقام ببيت المقدس وكان يجلس للوعظ عند العمود الذي عند مهد عيسى واجتمع عليه خلق كثير ثم تبين لهم إنه يقول إن الأيمان قول فتركه أهل بيت المقدس توفي ببيت المقدس ليلا ودفن بباب أريحا عند قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وله ببيت المقدس نحو عشرين سنة وكانت وفاته في صفر سنة خمس وخمسين ومائتين قلت والباب المعروف بباب أريحا قد اندرس لطول المد واستيلاء الإفرنج ولم يبق له أثر والظاهر إنه كان عند انتهاء الذي كان يدخل بادية تبوك على التجريد والتوكل توفي بمدينة الرملة سنة اثنتين وثمانين ومائتين حكى إنه يستشفي بقبره ويستجاب الدعاء عنده قلت ولم يعلم الآن قبره لطول الزمان واستيلاء الإفرنج عل تلك الأراضي مدة طويلة رحمه الله تعالى وبكر بن سهل الدمياطي المحدث قدم إلى بيت المقدس فجمعوا له ألف دينار حتى روى لهم التفسير توفي في ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائتين وأحمد بن يحي البراز البغدادي حكي عنه أبو الحسن علي بن محمد الجلال البغدادي إنه أخبره إنه قدم من مكة إلى بيت المقدس فندم عل مجيئه وقال تركت الصلاة بمكة بمائة ألف صلاة وهنا بخمس وعشرين ألف صلاة وبمكة تنزل مائة وعشرون ألف رحمه للطائفين والمصلين والناظرين وأراد الخروج إلى مكة فرأى النبي صل الله عليه وسلم وذكر له ما خطر بباله من الفضل فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم هناك تنزل الرحمة نزولا وهنا تنصب الرحمة صبا ولو لم يكن لهذا الموضع شأن - وأشار بيده إلى موضع الإسراء عند قبة المعراج - لما اسري بي إليه فأقام الرجل بالقدس إلى أن مات به وكانت هذه الرؤيا في رجب سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة والشيخ سلامة بن اسماعيل بن جماعة المقدسي الضرير صاحب شرح المفتاح لابن القاص وله أيضا مصنف مفرد في التقاء الختانين كان عديم النظير في زمانه لأجل مما خصه الله به من حضور القلب وصفاء الذهن وكثر الحفظ وقد ذكره جماعة وأثنوا عليه توفي سنة ثمانين وأربعمائة وشيخ الإسلام الإمام العالم الحبر أبو الفرج عبد الواحد بن أحمد بن محمد ابن علي بن أحمد الشيرازي ثم المقدسي الأنصاري الحنبلي شيخ الشام في وقته وهو من أصحاب القاضي أبي يعلي بن الفراء أمام الحنابلة قدم الشام فسكن ببيت المقدس وهو الذي نشر مذهب الامام أحمد رضي الله عنه فيما حوله ثم أقام بدمشق فنشر المذهب بها وكان له اتباع وتلامذة ويقال إنه اجتمع مع الخضر عليه السلام دفعتين وكان يتكلم في عدة أوقات عل الخاطر كما كان يتكلم ابن القزويني الزاهد له تصانيف منها المبهج والإيضاح والتنصرة في أصول الدين ومختصر في الحدود في أصول الفقه ومسائل الامتحان ويقال إن له كتاب الجواهر في التفسير وهو ثلاث مجلدات توفي يوم الأحد ثامن عشر من ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربعمائة بدمشق ودفن بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى والشيخ العلامة أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي النابلسي الشافعي شيخ المذهب بالشام صاحب التصانيف مع الزهد والعبادة سمع الحديث وأمل وحدث أقام بالقدس مدة طويلة بالزاوية التي على ياب الرحمة المعروفة بالناصرية والظاهر أن تسميتها بالناصرية نسبة للشيخ نصر ثم عرفت بالغزالية لاقامة الغزالي بها ثم قدم دمشق فسكنها وعظم شأنه وحك بعض أهل العلم قال صبحت إمام الحرمين ثم صبحت الشيخ أبا إسحاق فرأيت طريقته أحسن ثم صبحت الشيخ نصر فرأيت طريقته أحسن منهما ولما قدم الغزالي إلى دمشق اجتمع به واستفاد منه ومن تصانيفه التهذيب وكتاب التقريب وكتاب الفصول وكتاب الكافي وله شرح متوسط عل مختصر شيخه سليمان بن أيوب الرازي سماه الاشارة وكتاب الحجة لتارك المحجة توفي يوم عاشوراء سنة تسعين وأربعمائة بدمشق ودفن بالباب الصغير - رحمه الله والفقيه أبو الفضل عطاء شيخ الشافعية بالقدس الشريف فقها وعلما وشيخ الصوفية طريقة كان في زمن الشيخ نصر المقدسي رحمهما اله تعالى والشيخ الإمام أبو المعالي المشرف بن المرجا بن إبراهيم المقدسي كان من علماء بيت المقدس له كتاب فضائل البيت المقدس والصخرة وما اتصل بذلك من أخبار وآثار وفضائل الشام وهو كتاب مفيد رواه بالأسانيد عنه أبو القاسم مكي الرميلي - الآتي ذكره بعده - ولم اطلع لأبي المعالي عل ترجمة ولا تاريخ وفاة ولكنه كان في عصر أبي القاسم المذكور والشيخ أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم الأنصاري الرميلي الشافعي الحافظ مولده سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة كانت الفتاوى تأتي إليه من مصر والشام وغيرهما وكان من الجوالين في الآفاق كثير التعب والنصب والسهر وكان ورعا سمع بالقدس وبلاد كثيرة وشرع في تاريخ بيت المقدس وفضائله وجمع فيه أشياء كثيرة ولما أخذ الإفرنج بيت المقدس في سن اثنتين وتسعين وأربعمائة أخذوه أسيرا وبعثوه إلى البلاد ينادي في فكاكه بألف دينار لما علموا إنه علماء المسلمين فلم يستفكه أحد فرموه بالحجارة عل باب إنطاكية حتى قتلوه رحمه الله وقال السبكي في ( طبقات الشافعية ) إنهم ببيت المقدس في اليوم الثاني عشر من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد بن يوسف الرازي الشافعي تفقه على الخجندي بأصبهان ثم استوطن بغداد مد ثم انتقل إلى بيت المقدس وسلك سبيل الورع والانقطاع إلى الله تعال إلى أن استشهد عل يد الإفرنج لعنهم الله تعال حين أخذهم القدس في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة والغزالي الإمام زين الدين حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي الشافعي ولد سنة خمسين وأربعمائة ولم يكن للطائفة الشافعية في آخر عصره مثله واشتغل في مبدأ أمره بطوس ثم قدم نيسابور وصار من الأعيان المشار إليهم وارتفعت منزلته أقام بدمشق ثم انتقل إلى بيت المقدس مجتهدا في العبادة والطاعة وزيارة المشاهد والمواضع العظيمة وأخذ في التصانيف المشهورة ببيت المقدس فيقال إنه صنف في القدس أحياء علوم الدين وأقام بالزاوية التي على باب الرحمة المعروفة قبل ذلك بالناصرية شرقي بيت المقدس فسميت بالغزالية نسبة إليه وقد خرجت ودثرت توفي بطوس يوم الاثنين رابع عشر جمادي الآخرة سنة خمس وخمسمائة رحمه الله والقاضي محمد بن حسن بن موسى بن عبد الله البلاشاعوني التركي الحنفي ويعرف بالاشتلي ولي قضاء بيت المقدس فشكوا منه فعزل ثم ولي قضاء دمشق وكان عالما في مذهب أبي حنيفة وهو الذي رتب الإقامة مثنى وكان شديد التعصب توفي في جمادي الآخرة سنة ست وخمسمائة والأمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المعروف بابن القيسراني كذا اسمه في تاريخ ابن خلكان وقيل اسمه علي بن أحمد بن محمد بن طاهر القدسي الجوال في الآفاق الجامع بين الذكاء والحفظ وحسن التصنيف وجودة الخط ولد ببيت المقدس في سادس شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وحدث سنة ستين وأول من سمعه الفقيه نصر المقدسي وكان من المشهورين بالحفظ لمعرفة بعلوم الحديث وله في ذلك مصنفات مجموعات تدل عل غزارة علمه وجودة معرفته وصنف تصانيف كثيرة منها أطراف الكتب الستة وهي صحيح البخاري ومسلم أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأطراف الغرائب تصنيف الدارقطني وكتاب الأنساب في جزء لطيف وهو الذي ذيله الحافظ أبو موسى الأصبهاني وغير ذلك من الكتب وله شعر حسن وكتب عنه غير واحد من الحفاظ منهم أبو موسى المذكور رحل إلى بغداد في سنة سبع وستين وأربعمائة ثم رجع إلى بيت المقدس وحرم منه إلى مكة وتوفي ببغداد يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الآخر سنة سبع وستين وخمسمائة ودفن بالمقبرة العتيقة بالجانب الغربي وكان ولده زرعة طاهر من المشهورين بعلو الإسناد وكثر السماع قدم بغداد للحج وحدث بها بأكثر مسموعاته وسمع منه الوزير أبو المظفر يحي بن هبيرة القيسراني - بفتح القاف والسين المهملة بينهما ياء مثناة من تحتها ثم راء مفتوحة بعد الألف نون - هذه النسبة إلى قيسري بلدة عل ساحل البحر ببلاد الشام وأبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون القرشي الكوفي الحافظ كان دينا خبيرا رحل إلى الشام وسمع الحديث ببيت المقدس وتوفي سنة عشر وخمسمائة بجبلة وحمل إلى الكوفة وأبو روح ياسين بن سهيل القابسي الخشاب توفي بنيسابور سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن مسلم المقدسي الفقيه الشافعي صاحب الذخائر ولد بالقدس سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وتفقه عل الفقيه نصر حتى برع في المذهب ودخل مصر بعد السبعين والأربعمائة وكان من الفقهاء بمصر وقرأ عليه أكثرهم روى عنه السلفي وغيره وصنف كتابا في أحكام التقاء الختانين توفي سنة ثمانية عشر أو في التي بعدها وقيل في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة الطرطوشي الإمام أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب القرشي الفهري الأندلسي المالكي قدم بيت المقدس وحج على نفقة الإمام أبي بكر الشاشي المستظهر وكان إماما عالما زاهدا سكن الشام ودرس بها مولده سنة إحدى وخمسين وأربعمائة تقريبا وتوفي ليلة السبت لأربع بقين من جمادي الأولى سنة عشرين وخمسمائة بثغر الإسكندرية والطرطوشي نسبة إلى طرطوشة وهي مدينة بالأندلس في آخر بلاد المسلمين في شرقي الأندلس على ساحل البحر وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى الأموي العثماني المقدسي النابلسي نزل بغداد وتفقه على الشيخ نصر المقدسي وكان يفتي ويدرس وهو من أهل العلم والعمل وتوفي سنة سبع وعشرين وخمسمائة عن خمس وستين سنة وأبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي العثماني المشهور بالديباجي من أولاد الديباجي بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان ومحمد الديباجي أمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب سمي الديباجي لحسنه ولأن ديباجة وجهه كانت تشبه ديباجة وجه رسول الله صل الله عليه وسلم أصله من مكة وأقام ببيت المقدس وكتب الأحاديث بها وسمعها وسكن بغداد بدرب السلسلة وهو فقيه فاضل حسن السيرة قوال بالحق كان يقال له سمي النبي صل الله عليه وسلم وشبيهه توفي يوم الأحد سابع عشر من صفر سنة تسع وعشرين وخمسمائة ودفن بالوردية وأبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله الربعي المقدسي الشافعي اشتغل عل الشيخ أبي إسحاق وسمع الحديث من الشيخ نصر المقدسي والحافظ أبي بكر الخطيب ثم دخل الغرب وسكن البرية توفي سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وأبو علي الحسن بن فرج بن حاتم المقدسي الواعظ الشافعي رو عن القاضي الرشيد المقدسي توفي في نصف شعبان سنة خمس وثلاثين وخمسمائة والإمام أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله المغربي المعافري الأندلسي الاشبيلي الحافظ المشهور دخل مع أبيه إلى المشرق سنة خمس وثمانين وأربعمائة ولقي الإمام الطرطوشي وتفقه عليه وصحب الشاشي والغزالي قدم بيت المقدس وروى عنه خلق كثير من العلماء توفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وأبو بكر الجرجاني محمد بن أحمد بن أبي بكر من أهل جرجان من عمل نيسابور قصد هو وأبو سعيد السمعاني زيارة بيت المقدس فذهبا ولم يفترقا حتى رجعا إلى العراق وكان شيخا صالحا قيما بكتاب الله دائم البكاء كثير الحزن مولده سنة خمس وستين وأربعمائة توفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتاج الإسلام أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني الشافعي صاحب كتاب الذليل لتاريخ مدينة السلام عدة مجلدات وله تاريخ مرور الأسباب وطراز المذهب في آداب الطلب وتحفة المسافر وعز العزلة والمناسك والتخيير في المعجم الكبير والأماني وغير ذلك قدم بيت المقدس زائرا له وهو في أيدي الكفار وتوفي في غرة ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة ومن عباد بيت المقدس المشهورين بالصلاح إدريس بن أبي خولة الانطاكي وعبد العزيز المقدسي وكانا صالحين ذكرهما ابن الجوزي في صفوة الصفوة وذكر لهما كرامات ولم يؤرخ وفاتهما وأما من دخل بيت المقدس واستوطنه من الزهاد والصالحين ممن لم يعرف اسمه فكثير ولهم أخبار ومناقب لم نذكرها لعدم معرفة أسمائهم وبالله التوفيق وقد انتهى ذكر ما قصدته من تراجم الأعيان بالقدس الشريف ممن كان به في الزمن السالف قبل استيلاء الإفرنج عليه ولم اظفر بغير ذلك لطول الأزمنة وانقطاع أخبار السلف باستيلاء الكفار عل الأرض المقدسة وسأذكر ما تيسر من أسماء العلماء والأعيان بالقدس الشريف ممن كان به بعد الفتح الصلاحي - كما تقدم الوعد به - إن شاء الله تعالى ولنذكر الآن نبذة يسيرة مما وقع ببيت المقدس من الحوادث والأخبار في ذلك الزمان فمن ذلك ما وقع في شهور سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة إن الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز الفاطمي خليفة مصر أمر بتخريب كنيسة القمامة من بيت المقدس وأباح للعامة ما كان بها من الأموال وامتعة وغير ذلك وكان ذلك بسبب ما انهي إليه من الفعل الذي تتعاطاه النصارى يوم الفصح من النار التي يحتالون بها بحيث يتوهم الاغمار من جهلتهم إنها تنزل من السماء وإنها مصبوغة بدهن البيلسان في خيوط الابريسم الرفاع المدهونة بالكبريت وغيره بالصنعة اللطيفة التي تروج عل العظام منهم والعوام وهم إلى الآن يستعملونها في القمامة ويسمى ذلك اليوم عندهم سبت النور ويقع فيه من المنكر بحضور المسلمين ما لا يحل سماعه ولا رؤيته من جهرهم بالكفر ورفع أصواتهم يقولون يا لدين الصليب وإظهار كتبهم ورفع الصلبان على رؤسهم غير ذلك من الأمور التي تقشعر منها الأجساد ثم لما توفي الحاكم بأمر الله في شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة ولي بعده الظاهر لا عزاز دين الله أبو الحسن علي واستمر إلى أن توفي في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة ثم تولى بعده المستنصر بالله أبو تميم معد فهادن ملك الروم على أن يطلق خمسة آلف أسير ليمكن من عمارة قمامة التي كان خربها جده الحاكم في أيام خلافته فأطلق الأسرى وأخرج ملك الروم عليها أموالا عظيمة ( قلت ) والذي يظهر أن تخريبها لم يكن تخريبا كليا بل كان في غالبها والله أعلم ورأيت في بعض التواريخ إنه في سنة سبع وأربعمائة في ربيع الأول احترق مشهد الحسين بن علي رضي الله عنه بشرارة وقعت من بعض الشعالين من حيث لم يشعر وورد الخبر بتشعب الركن اليماني من المسجد الحرام وسقوط جدار بين يدي قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنه سقطت القبة الكبيرة التي عل صخرة بيت المقدس قال الناقل وهذا من أغرب الاتفاقات وأعجبها ( قلت ) ولم اطلع عل حقيقة الحال في سقوط القبة التي عل الصخرة ولا إعادتها والظاهر أن السقوط كان في بعضها لا في كلها والله أعلم وفي سنة خمس وعشرين وأربعمائة كثرت الزلازل بمصر والشام فهدمت أشياء كثيرة ومات تحت الردم خلق كثير وانهدم من الرمل ثلثها وتقطع جامعها تقطعا وخرج أهلها منها فأقاموا بظاهرها ثمانية أيام ثم سكن الحال فعادوا إليها وسقط بعض حيطان بيت المقدس ووقع من محراب داود قطعة كبيرة ومن مسجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قطعة وفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة سقط تنور قبة الصخرة ببيت المقدس وفيه خمسمائة قنديل فتطير المقيمون به من المسلمين وقالوا ليكونن في الإسلام حادث عظيم فكان أخذ التفرنج له على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وفي جمادي الأولى سنة ستين وأربعمائة كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت بلاد الرملة ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم وانشقت الأرض عن كنوز من المال وهلك منها خمسة عشر ألف نسمة وانشقت صخرة بيت المقدس ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى وغار البحر مسيرة يوم ودخل الناس في أرضه يلتقطون منه فرجع عليهم فأهلك خلقا كثيرا منهم فسبحان من يتصرف بعبادة بما شاء وفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة في أيام المستنصر بالله العبيدي خليفة مصر استولى عل القدس والرمل آتسز بن أوق الخوارزمي صاحب دمشق وفي سنة خمس وستين أقيمت الدعوة العباسية ببيت المقدس وقطعت دعوة الفاطميين ثم استولى آتسز عل دمشق بعد استيلائه عل القدس والرملة وقطع الخطبة العلوية من دمشق فلم يخطب بعدها لهم بها وأقام الخطبة العباسية يوم الجمعة لخمس بقين من ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربعمائة فلما قتل آتسز في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة استولى بعده عل دمشق تاج الدولة الأمير تتش بن السلطان البارسلان السلجوقي وكان القدس من مضافاته عل عادة من تقدمه فقلده للأمير أرتق بن اكسك التركماني جد الملوك أصحاب ماردين واستمر ارتق مالكا للقدس إلى أن توفي في سنة أربع وثمانين وأربعمائة ثم استقر الأمر بعده في القدس لولديه ايلغازي وسقمان ابني ارتق واستمر عل ذلك إلى أن قتل تتش صاحب دمشق في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ثم سار الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش من مصر بعسكر الخليفة العلوي وهو المستعلي بأمر الله فاستولى عل القدس بالأمان في شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة وسار سقمان وأخوه ايلغازي من القدس وأقام سقمان ببلد الرها وسار أخوه ايلغازي إلى العراق وبقي القدس في يد المصريين ( ذكر تغلب الإفرنج عل بيت المقدس واستيلائهم عليه ) لما فتح الله البيت المقدس عل يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر عل يده ثم عل يد عبد الملك بن مروان وغيره من الخلفاء - كما سبق شرحه - استمر بأيدي المسلمين الخلفاء من حين الفتح العمري في سنة خمس وعشرين من الهجرة الشريفة إلى اثنتين وتسعين وأربعمائة في خلافة المستظهر بالله هو أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله العباسي خليفة بغداد وكان لبثه بأيدي المسلمين أربعمائة سنة وسبعا وسبعين سنة وكان الفاطميون قد تغلبوا عل بني العباس وأدعوا الخلافة بالمغرب من أواخر سنة ست وتسعين ومائتين في أيام المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المستنصر العباسي خليفة بغداد ثم بنوا القاهرة واستولوا عل الديار المصرية والشام ومكة واليمن وبيت المقدس وأولهم عبيد الله المهدي بالله الذي ينسبون إليه ثم ابنه أبو القاسم محمد القائم بأمر الله ثم ابنه أبو الطاهر اسماعيل المنصور بنصر الله ثم أبيه أبو تميم معد المعز الدين بأني القاهرة المحروسة عل يد القائد أبي الحسن جوهر المعروف بالكاتب الرومي فإنه جهزه من المغرب لأخذ الديار المصرية فأخذها في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وبن القاهرة المحروسة والجامع الأزهر ثم أرسل يستدعي مخدومه المعز الدين الله فحضر إلى القاهرة واستوطنها في شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة واستمر إلى أن توفي بها في يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وثلاثمائة وهو الذي تنسب إليه القاهرة فيقال القاهرة المعزية ولما بناها جوهر سماها المنصورية فلما قدم المعز لدين الله إليها سماها القاهرة وقيل إن سبب تسميتها بذلك إنها تقهر من شد عليها ورام مخالفة أمرها ولما توفي استقر بعده في الخلافة بمصر ابنه المنصور نزار العزيز بالله ثم ابنه أبو علي المنصور الحاكم بأمر الله الذي أمر بتخريب كنيسة القمامة - كما تقدم - ثم ابنه أبو الحسن عل الظاهر لا عزاز دين الله ثم ابنه أبو تميم معد المستنصر بالله الذي مكن الكفار من إعادة كنيسة القمامة - كما تقدم _ ثم ابنه أبو القاسم أحمد المستعلي بأمر الله وسيأتي ذكر من بقى منهم عند ابتداء ذكر الفتح الصلاحي إن شاء الله تعالى فلما آل الأمر إلى المستعلي بأمر الله وكانت وفاة أبيه المستنصر في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ولي الأمر بعد أبيه بالديار المصرية وكان المتولي لتدبير دولته الأفضل أبو القاسم شاهنشاه بن بدر الجمالي أمير الجيوش وفي أيام المستعلي بأمر الله اختلفت دولتهم وضعف أمرهم وانقطعت من أكثر مدن الشام دعوتهم وانقسمت البلاد الشامية بين الأتراك والإفرنج وكتان مدبر دولته الأفضل أبو القاسم شاهنشاه بن بدر الجمالي أمير الجيوش وفي أيام المستعلي بأمر الله اختلفت دولتهم وضعف أمرهم وانقطعت من أكثر مدن الشام دعوتهم وانقسمت البلاد الشامية بين الأتراك والإفرنج وكان مدبر دولته الأفضل قد استولى عل بيت المقدس في شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة - كما تقدم - وكان الفاطميون يخافون من الإفرنج خوفا شديدا فلا يطيقون مقاتلهم بخلاف الدولة الأيوبية فلما دخلت سنة تسعين وأربعمائة سار الإفرنج إلى الشام وأخذوا إنطاكية بعد أن حاصروها تسعة أشهر وملوكها في ذي القعدة وحصل بينهم وبين المسلمين وقعات وحروب وولى المسلمون هاربين وكثر القتل فيهم ونهب الإفرنج خيامهم وتقووا بأسلحتهم ثم سار الإفرنج إلى معمرة النعمان فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها فقتلوا فيها ما يزيد على ألف إنسان وسبوا السبي الكثير وأقاموا بالمعرة أربعين يوما وساروا إلي حمص وصالحهم أهلها وذلك في سنة إحدى وتسعين فلما دخلت سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة قصد الإفرنج بيت المقدس وهم في نحو ألف ألف مقاتل لعنهم الله وحاصروا بيت المقدس نيفا وأربعين يوما وملكوه في ضحى نهار الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ولبث الإفرنج يقتلون في المسلمين بالقدس الشريف أسبوعا قتا في المسجد الأقصى ما يزيد عل سبعين ألف نفس منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وساداتهم وعباداتهم وزهادهم ممن جاور في هذا الموضع الشريف وغنموا ما لا يقع عليه الحصر وجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم حصروا جميع من في القدس من المسلمين بداخل المسجد الشريف واشترطوا عليهم إنهم متى تأخروا عن الخروج بعد ثلاثة أيام قتلوهم عن أخرهم فشرع المسلمون في الإسراع والمبادرة إلى الخروج فمن شدة إزدحامهم بأبواب المسجد قتل منهم خلق كثير لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى وأخذ الإفرنج من عند الصخرة ألفين وأربعين قنديلا من فضة زنة كل منهم ثلاثة آلاف وستمائة وتنورا من فضة وزنه أربعون رطلا بالشامي وثلاثة وعشرين قنديلا من الذهب وهزم الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش بظاهر عسقلان أقبح هزيمة وكان عند الإفرنج شاعر منتجع إليهم فقال - يخاطب ملك الإفرنج وأسمه صنجلي - نصرت بسيفك دين المسيح فله درك من صنجلي وما سمع الناس فيما روي بأقبح من كسرة الأفضل فتوصل الأفضل إلى ذبح هذا الشاعر وذهب الناس هاربين عل وجوههم من الشام إلى العراق ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان مستغيثين إلى الخليفة والسلطان منهم القاضي بدمشق أبو سعد الهروي واجتمع أهل بغداد في الجوامع واستغاثوا وبكوا حتى إنهم افطروا من عظم ما جر عليهم وندب الخليفة ببغداد - وهو المستظهر بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي - الفقهاء إلى الخروج في البلاد ليحرضوا الملوك عل الجهاد فخرج الإمام أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي وغير واحد من أعيان الفقهاء وساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئا فأنا لله وإنا إليه راجعون ووقع الخلف بين السلاطين السلجوقية فتمكن الافرنج في البلاد وانزعج المسلمون في سائر ممالك الإسلام بسبب أخذ بيت المقدس غاية الانزعاج ثم استولى الافرنج على أكثر بلاد السواحل في أيام المستعلي بأمر الله فملكوا يافا وقيسارية وغيرهما من القلاع والحصون وكانت محنة فاحشة فالحكم لله العلي الكبير وكان الآخذ لهذه البلاد بيت المقدس وغيره بردويل الإفرنجي ثم في سنة إحدى عشرة - وقيل أربعة عشرة - وخمسمائة قصد الديار المصرية ليأخذها فانتهى إلى غزة ودخلها وخربها واحرق مساجدها ورحل عنها وهو مريض فهلك في الطريق قبل وصوله إلى العريش فشق أصحابه بطنه ورموا حشوته هناك فهي ترجم إلى اليوم ورحلوا بجثته فدفنوها بكنيسة قمامة بالقدس الشريف وسبخة بردويل هي التي في سبخة الرمل عل طريق الشام وهي مما يلي العريش إلى جهة مصر منسوبة إلى بردويل المذكور والحجارة الملقاة هناك والناس يقولون هذا قبر بردويل وإنما هي الحشوة لعنة الله عليه ولما أخذ بيت المقدس وغيره من المسلمين قال في ذلك مظفر الابيورديل أبياتا منها مزجنا دماء بالدموع السواجم فلم يبق منا عرضه للمزاحم وشر سلاح المرء دمع يفيضه إذا الحرب شبت نارها بالصوارم فأيها بني الإسلام إن وراءكم وقائع يلحقن الذري بالمناسم وكيف تنام العين ملأ جفونها على هفوات أيقظت كل نائم فإخوانكم بالشام يضحي قتيلهم ظهور المذاكي أو بطون القشاعم تسومهم الروم الهوان وأنتم تجرون ذيل الخفض فعل المسالم وكم من دماء قد أبيحت ومن دمي توار حياء حسنها بالمعاصم وبين اختلاس الطعن والضرب وقعة يظل لها الولدان شيب القوادم وتلك حروب من يغب عن غمارها ليسلم يقرع بعدها سن نادم سللنا بأيدي المشركين قواضبا ستعمل منهم في الطلى والجماجم يكاد لهن المستكن بطيبة ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى رماحهم والدين واهي الدعائم وتجتنبون النار خوفا من الردى ولا تحسبون العار ضربة لازم أترضي صناديد الأعارب بالأذى وتغضي عل صماة الأعاجم فليتهموا إذ لم يذودوا حمية عن الدين شنوا غيرة للمحارم وإن زهدوا في الأجر إذ حمي الوغى فهلا أتوه رغبة في المغانم واستمر بيت المقدس وما جاوره من السواحل بيد الإفرنج إحدى وتسعين سنة فلم ير في الإسلام مصيبة أعظم من ذلك وعجز ملوك الأرض عن انتزاعه منهم حتى أذن الله سبحانه وتعالى وقدر فتحه على يد من اختاره من عبادة في شهر شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فأقول - وبالله استعين وعليه أتوكل فهو حسبي ونعم الوكيل - ( ذكر الفتح الصلاحي ) الذي يسره الله تعالى على يد السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته قد تقدم ذكر تغلب الفاطميين عل غالب المملكة واستيلائهم عليها وتقدم إن أولهم المهدي بالله عبيد الله وتقدم ذكر من بعده إلى المستعلي بأمر الله الذي أخذ الإفرنج القدس في أيامه فلما مات المستعلي بأمر الله استقر بعده في خلافة مصر ابنه أبو منصور إسماعيل الظاهر بأمر الله ثم ابنه أبو القاسم عيس الفائز بنصر الله ثم ابن عمه أبو محمد عبد الله العاضد لدين الله وهو آخرهم وكان استقراره في خلافة مصر في سنة خمس وخمسين وخمسمائة وكان صاحب دمشق في ذلك الزمان السلطان الملك العادل نور الدين أبا القاسم محمود بن زنكي الملقب بالشهيد رضي الله عنه فلما دخلت سنة أربع وستين وخمسمائة تمكن الإفرنج من البلاد المصرية وتحكموا على المسلمين بها وملكوا بلبيس قهرا في مستهل شهر صفر ونهبوها وقتلوا أهلها وأسروهم ثم ساروا من بلبيس ونزلوا عل القاهرة عاشر صفر وحاصروها وكان وزير العاضد أمير الجيوش شاور فأحرق شاور مدينة مصر خوفا من أن يملكها الإفرنج وأمر أهلها بالانتقال إلى القاهرة فبقيت النار تحرقها أربعة وخمسين يوما وأرسل العاضد العلوي خليفة مصر إلى السلطان نور الدين الشهيد يستغيث به وأرسل في الكتب شعور النساء وصالح شاور الإفرنج عل ألف ألف دينار يحملها إليهم فحمل إليهم مائة ألف دينار وسألهم أن يرحلوا عن القاهرة ليقدر عل جمع المال وحمله فرحلوا ولما وصل إلى السلطان نور الدين كتب العاضد جهز الأمير أسد الدين شيركوه بن شادي إلى الديار المصرية ومعه العساكر النورية وأنفق فيهم الأموال وأعطى شيركوه مائتي ألف دينار سوى الثياب والدواب والأسلحة وغير ذلك وأرسل معه عدة أمراء منهم ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب الذي تسلطن فيما بعد وكان مسير صلاح الدين عل كره منه أحب نور الدين مسير صلاح الدين وفيه ذهاب الملك من بين يديه وكره صلاح الدين المسير وفيه سعادته وملكه ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) فإن نور الدين أمره بالمسير مع عمه شيركوه وكان شيركوه قد قال بحضرة نور الدين تجهز يا يوسف فقال والله لو أعطيتني ملك مصر ما سرت إليها فلقد قاسيت بالإسكندرية ما لا أنساه أبدا فقال شيركوه لنور الدين لا بد من مسيره معي فأمره نور الدين وهو يستقبل فقال نور الدين لا بد من مسيرك مع عمك فشكى الضيقة فأعطاه مما تجهز به فكأنما يساق إلى الموت ولما قرب شيركوه من مصر رحل الإفرنج من ديار مصر عل أعقابهم إلى بلادهم فكان هذا المصر فتحا شديدا ووصل أسد الدين شيركوه إلى القاهرة في رابع ربيع الآخر واجتمع بالعاضد وخلع عليه وعاد إلى خيامه بالخليعة العاضدية وشرع شاور يماطل شيركوه فيما كان بذلة لنور الدين قبل ذلك من تقرير المال وإفراد ثلث البلاد له ومع ذلك فكان شاور يركب كل يوم إلى أسد الدين شيركوه ويعده ويمنيه ( وما يعدكم الشيطان إلا غرورا ) ثم إن شاور عزم على أن يعمل دعوة لشيركوه وامرائه ويقبض عليهم فمنعه ابنه الكامل بن شاور من ذلك ولما رأى عسكر نور الدين من شاور ذلك عزموا عل الفتك بشاور واتفق على ذلك صلاح الدين يوسف ومن معه من الأمراء وعرفوا شيركوه بذلك فنهاهم عنه واتفق أن شاور قصد شيركوه على عادته فلم يجده في المخيم وكان قد مضى لزيارة قبر الشافعي رضي الله عنه فلقى صلاح الدين شاور وأعلمه برواح شيركوه إلى زيارة الشافعي فسارا ومن معهما جميعا إل شيركوه فوثب صلاح الدين ومن معه عل شاور وألقوه عل الأرض عن فرسه امسكوه في سابع عشر ربيع الآخر سنة أربع وستين وخمسمائة فهرب أصحابه عنه وأعلموا شيركوه بما فعلوا فحضر ولم يمكنه الإتمام لذلك وسمع العاضد الخبر فأرسل إلى شيركوه يطلب منه إنفاذ رأس شاور فقتله وأرسل رأسه إلى العاضد ودخل بعد ذلك شيركوه إلى القصر عند العاضد فخلع عليه خلعة الوزارة ولقبه الملك المنصور أمير الجيوش واستقر في الأمر وكتب له منشورا بالوزارة وتفويض أمور الخلافة إليه ولما لم يبق له منازع أتاه أجله ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة وهو لا يشعرون ) وتوفي في يوم السبت الثاني والعشرين من جمادي الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة فكانت ولايته شهرين وخمسة أيام وهي ابتداء الدولة الأيوبية وكان شيركوه وأيوب ابني شادي من بلددون وأصلهما من الأكراد وخدما عماد الدين زنكي ثم ولده نور الدين محمود وبقيا معه إلى أن أرسل شيركوه إلى مصر مرة بعد أخرى حتى ملكها وتوفي في هذه السنة على ما ذكرناه ولما توفي شيركوه طلب جماعة من الأمراء النورية التقدم عل العسكر وولاية الوزارة العاضدية فأحضر العاضد صلاح الدين وولاه الوزارة ولقبه الملك الناصر وثبت قدمه عل إنه نائب لنور الدين يخطب له عل المنابر بالديار المصرية وكان نور الدين يكتب لصلاح الدين الاسفهسلار ويكتب علامته عل رأس الكتاب تعظيما عن أن يكتب اسمه وكان لا يفرده بكتاب بل إلى الأمير صلاح الدين وكافة الأمراء بالديار المصرية يفعلون كذا وكذا ثم أرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أباه أيوب وأهله ليتم له السرور وتكون قضيته مشاكلة لقضي يوسف الصديق عليه السلام فأرسلهم إليه نور الدين فوصل والده إليه في جماد الآخرة سنة خمس وستين وخمسمائة وسلك مع والده من الدب ما جرت به عادته وألبسه الأمر كله فأبى أن يلبسه فحكمه في الخزائن كلها وأعطى صلاح الدين أهله الاقطاعات بمصر وتمكن من البلاد وضعف أمر العاضد وفي هذه السنة وهي سنة خمس وستين وخمسمائة سار الإفرنج إلى دمياط وحاصروهم وشحنها صلاح الدين بالرجال والسلاح فحاصروها خمسين يوما وخرج نور الدين فأغار عل بلادهم بالشام فرحلوا عائدين على أعقابهم ولم يظفروا بشيء منها وفي سنة ست وستين وخمسمائة سار صلاح الدين من مصر فغزا بلاد الإفرنج قريب عسقلان والرملة وعاد إلى مصر ثم خرج إلى ايلة وحاصرها وهي للإفرنج عل ساحل البحر الشرقي ونقل إليها المراكب وحاصرها برا وبحرا وفتحها في العشر الأول من ربيع الآخر واستباح أهلها وما فيها وعاد إلى مصر وعزل قضاة المصريين وكانوا شيعة ورتب قضاة شافعية وذلك في العشرين من جمادي الآخرة سنة ست وستين ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة أقيمت الخطبة العباسية بمصر وقطعت خطبة العاضد لدين الله وانقرضت الدولة العلوية الفاطمية وكان سبب الخطبة العباسية بمصر إنه لما تكن الملك الناصر صلاح الدين من مصر وحكم عل القصر وأقام فيه قراقوش الأسدي وكن خصيا أبيض وبلغ نور الدين ذلك أرسل إلى صلاح الدين يأمره حتما جزما بقطع خطبة العلويين وإقامة الخطبة العباسية فراجعه صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة فلم يلتفت إليه نور الدين وأصر عل ذلك وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلم أحد من أهله بقطع خطبته فتوفي العاضد يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة ولم يعلم بقطع خطبته واستولى صلاح الدين عل قصر الخلافة وعلى جميع ما فيه وكانت كثرته تخرج عن الإحصاء ونقل أهل العاضد إلى موضع من القصر ووكل بهم من يحفظهم وخلا القصر من سكانه ( كأن لم يغن بالأمس ) وهذا العاضد هو آخر خلفاء الفاطميين وجملة مدتهم من حين ظهور جدهم المهدي بالله عبيد الله بجلماسة في ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين إلى أن توفي العاضد في التاريخ المذكور مائتان وسبعون سنة ونحو شهر وهذا دأب الدنيا لم تعط إلا واستردت ولم تحل إلا وتمررت ولم تصف إلا وتكررت بل صفوها لا يخلو من الكدر وانقرضت دولتهم في خلافة المستضئ بأمر الله العباسي - كما تقدم - ولما وصل خبر الخطبة العباسية بمصر إلى بغداد ضربت لها البشائر عدة أيام وسيرت الخلع مع عماد الدين صندل وهو من خواص الخدام المنسوبة إلى نور الدين وصلاح الدين والخطباء وسيرت الأعلام السود ثم توفي والد الملك صلاح الدين وهو الملك الأفضل نجم الدين أبو الشكر أيوب وكان ولده غائبا عن القاهرة في جهة الكرك لأنه كان قاصدها لغزو الإفرنج فلما عاد وجد أباه قد مات وسبب موته إنه ركب بمصر فنفرت به فرسه فوقع فحمل إلى قصره وبقي أياما ومات في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ثمان وستين وخمسمائة وكان خيرا عاقلا حسن السيرة كريما كثير الإحسان ودفن إلى جانب أخيه شيركوه ثم نقلا بعد سنتين إلى المدينة الشريفة عل ساكنها أفضل الصلاة والسلام ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة فتوفي فيها الملك العادل نور الدين الشهيد هو أبو القاسم محمود بن الملك المنصور عماد الدين أبي الجود زنكي بن أق سنقر تغمده الله برحمته ومولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة وكانت وفاته يوم الأربعاء حادي عشر شوال سنة تسع وستين وخمسمائة وكان ملكه لدمشق في سنة تسع وأربعين وخمسمائة بعد أن ملك حلب وغيرهما من قبل ذلك وكان ملكا عادلا مجاهدا خيرا فتح الفتوحات واتسع ملكه وخطب له بالحرمين واليمن ومصر وخطب له في الدنيا عل جميع منابر الإسلام وبن السبل والمكاتب وأكمل سور المدينة الشريفة وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله وزهده رضي الله عنه واستقر بعده في الملك بدمشق ولده الملك الصالح إسماعيل فقصد الملك الناصر صلاح الدين دمشق وأخذها وكان الصالح توجه إلى حلب ليقيم بها وثبتت قدم الملك صلاح الدين وقرر أمر دمشق وكان دخوله إليها في سلخ ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة ثم سار إلى حمص وحماه وملكهما ثم إلى حلب وحاصرها فلم يقدر على أخذها لأن أهلها صدوه عنها محبة في الملك الصالح وآخر الأمر وقع الاتفاق أن يكون للملك الناصر صلاح الدين ما بيده من الشام وللملك الصالح ما بقي بيده منه فصالحهم عل ذلك ورحل عن حلب وأخذ عدة أماكن وقلاع ممن هي بيده ثم عاد إلى مصر فلما توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين في سنة سبع وسبعين وخمسمائة استقر بعده في الملك بحلب عمه عز الدين مسعود ثم استقر بحلب عماد الدين زنكي بن مودود صاحب سنجار واستقر مسعود بسنجار بتراضيهما ثم في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة في خامس المحرم سار الملك الناصر صلاح الدين عن مصر إلى الشام ولم يعد بعد ذلك إلى مصر الآن توفي وسار في طريقه عل بلاد الإفرنج وغنم ووصل إلى دمشق في صفر ثم سار في ربيع الأول ونزل قرب طبرية وشن الإغارة عل بلاد الإفرنج مثل بيسان وجيبين والغور فغنم وقتل ثم سار إلى بيروت وحاصرها وأغار عل بلادها ثم سار إلى عدة بلاد وفي السنة المذكورة وهي سنة ثمان وسبعين وخمسمائة قصد الإفرنج المقيمون بالكرك والشوبك المسير لمدينة رسول الله صل الله عليه وسلم لينبشوا قبره الشريف وينقلوا جسده الكريم إلى بلادهم ويدفنوه عندهم ولا يمكنوا المسلمين من زيارته إلا بجعل فأنشأ البرنس ارباط صاحب الكرك سفنا حملها عل البر إلى بحر القلزم وركب فيها الرجال وسارت الإفرنج ومضوا يريدون المدينة الشريفة فكان السلطان صلاح الدين على حوران فلما بلغه ذلك بعث إلى سيف الدولة بن منقذ نائبه بمصر يأمره بتجهيز حسام الدين لؤلؤ الحاجب خلف العدو فاستعد لذلك وسار في طلبهم حتى أدركهم ولم يبق بينهم وبين المدينة الشريفة النبوية إلا مسافة يوم وكانوا نيفا وثلاثمائة وقد انضم إليهم عدة من العربان المرتدة ففرت العربان و التجأ الإفرنج إلى رأس جبل صعب المرتقى فصعد إليهم في نحو عشرة أنفس وضايقهم فيه فخارت قواهم بعد ما كانوا معدودين من الشجعان وقبض عليهم وقيدوهم وحملهم إلى القاهرة وكان لدخولهم يوم مشهود وتولى قتلهم الصوفية والفقهاء وأرباب الديانة بعد ما ساق رجلين من أعيان الإفرنج إلى منى ونحرهما هناك كما تنحر البدن التي تساق هديا إلى الكعبة ثم في سنة تسع وسبعين وخمسمائة ملك حمص وآمد وعنتاب وغيرهما ثم سار إلى حلب وحاصرها وأخذها من صاحبها عماد الدين زنكي ابن مودود بن عماد الدين وعوضه عنها سنجار وما معها وتسلم حلبي في صفر من هذه السنة ومن الاتفاقات العجيبة أن محيي الدين ابن الزكي قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها وفتحكم حلبا بالسيف في صفر مبشر بفتوح القدس في رجب فوافق فتح القدس في رجب سنة ثلاث وثمانين على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وفي سنة ثمانين وخمسمائة غزا السلطان الكرك وضيق عل أهلها من الإفرنج وملك ربض الكرك وبقيت القلعة وحصل بين المسلمين والإفرنج القتال فرحل عنها وسار إلى نابلس وأحرقها ونهب ما بتلك النواحي وقتل وأسر وسي وعاد إلى دمشق وفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ملك ميافارقين وفي سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة أحضر السلطان ولده الملك الأفضل من مصر فأقطعه دمشق ثم أحضر أخاه العادل من حلب وجعل ولده العزيز عثمان نائبا عنه بمصر واستدع نائبه بمصر - هو ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه - وزاده على حماه سنج والمعرة وكفر طاب وميافارقين واستقر العزيز عثمان والعادل أبو بكر في مصر واستمر الحال عل ذلك إلى أن دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فيها كانت الوقعة العظيمة التي فتح الله بها بيت المقدس وغيره على يد السلطان الأعظم والليث الهمام المقدم سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين قاتل الكفرة والمشركين قاهر والمتمردين جامع كلمة الأيمان قامع عبدة الصلبان رافع علم العدل والإحسان خادم الحرمين الشريفين منقذ البيت المقدس من أهل الزيغ والطيغان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين هو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا وذلك في أيام الإمام الأعظم والخليفة الاكرم أمير المؤمنين ابن عم سيد المرسلين وأرث الخلفاء الراشدين الإمام الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن الإمام المستضيء بالله بن محمد بن الحسن بن الإمام المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن الإمام المقتفي لأمر الله أبي عبد الله أبي العباس محمد بن الإمام المستظهر بالله أحمد بن الإمام المقتدي بالله أبي القاسم عبد الله بن محمد الذخيرة بن الإمام القائم بأمر الله أبي جعفر عربد الله بن الإمام القادر عبد الله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن الإمام المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن الإمام المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق بالله أبي أحمد طلحة بن الإمام المتوكل عل أبي الفضل جعفر بن الإمام المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن الإمام الرشيد أبي جعفر هارون بن الإمام المهدي أبي عبد الله محمد بن الإمام المنصور أبي جعفر عبد الله باني مدينة السلام بغداد ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وعن أسلافه الطاهرين وقد حكي إن السلطان لما كثرت فتوحاته في السواحل واوجع فيهم بسهامه وسطوته وكان لا يتجاسر عل فتح بيت المقدس لكثرة ما فيه من الأبطال والعدة لكونه كرسي دين النصرانية وكان في بيت المقدس شاب مأسور من أهل دمشق كتب هذه الأبيات وأرسل بها إلى الملك صلاح الدين عل لسان القدس فقال يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس جاءت إليك ظلامة تسع من البيت المقدس كل المساجد طهرت وأنا على شرفي منجس فكانت هذه الأبيات هي الداعية له إلى فتح بيت المقدس ويقال إن السلطان وجد في ذلك الشاب أهلي فولاه خطابة المسجد الأقصى وكان السلطان الملك الناصر رحمه الله لما عزم عل الفتح كتب يستدعي للجهاد من جميع البلاد وبرز من دمشق يوم السبت مستهل شهر الله المحرم الحرام سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة قبل اجتماع العساكر عليه وحضور من استنفره للجهاد إليه وسافر بمن معه من عسكره وخيم على قصر سلامة من بصر عل سمت الكرك خوفا على الحاج من صاحب الكرك البرنس أرباط فإنه كان شديد العداوة للمسلمين مقداما عل الشر وإثارة الحروب وكان قد عزم عل أ ر الحجاج فلما أحس بنزول السلطان قريبا منه عاد وأقام بحصنه خشية على نفسه فوصل الحاج في أول صفر إلى وطنهم بدمشق اطمأنت فكرة السلطان عليهم وانتظر السلطان وصول العسكر المصري فأبطأ عليه فأمر ولده الملك الأفضل نور الدين عليا أن يقيم برأس الماء ويجمع العساكر الواصلة إليه وتوجه السلطان ومن معه إلى الكرك وضياعه فأحرق فيها ونهب وأسر وسار إلى الشوبك ففعل كذلك ووصل إليه عسكر مصر واستمر عل هذا الحال شهرين والملك الأفضل مقيم برأس الماء في جمع عظيم ينتظر ما يأمره به والده ثم قوى عزمه على طبرية فسار بمن معه ووصل إلى صفورية فخرج إليهم الإفرنج في جمع كبير والتقى الفريقان فنصر الله المسلمين وظفرهم بالمشركين فقتلوا منهم واسروا وعد ذلك من حسن تدبير الملك الأفضل فوردت البشائر عل السلطان بالكرك ثم سار السلطان واجتمع به ولده وقد كثر عسكر الإسلام واجتمع واشتد عزمهم على الجهاد وقوى وسمع الإفرنج بما هم فيه من الكثرة وتحققوا انهم مأخوذون وكان بينهم خلف وتنافر فشرعوا حينئذ في الصلح وتوافقوا عل اجتماع الكلمة ثم إن السلطان سار بالعسكر إل ديار الإفرنج بعد أن رتب العسكر واستعرضه ورحل عل هيئة عظيمة يوم الجمعة سابع عشر ربيع الآخر وخيم على جيبين ثم أصبح سائرا ونزل عل الأردن وهو نهر الشريعة والإفرنج قد تأهبوا للحرب بصفورية ورتبوا جيوشهم ورفعوا صلبانهم وكانوا نحو خمسين ألفا وأكثر والسلطان في كل صباح يسير إليهم ويراميهم ( فتح طبرية ) ثم قوى عزمه على طبري فسار إليها ونزل عليها وأحضر الحجارين والنقابين وأمرهم بالهدم والنقب وكان ذلك يوم الخميس فنقبوا في برج فهدموه وتسلقوا فيه وتسلموه ودخل الليل فلما بلغ الإفرنج ذلك اعتدوا وشدوا عزمهم وعلموا أن طبرية متى أخذت تؤخذ منهم جميع البلاد فاجتمع الإفرنج مع ملوكهم وساروا بفارسهم وراجلهم نحو السلطان ذلك يوم الجمعة فما كذب الخبر واستخار لله تعالى وسار بعسكره وجاء يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر والإفرنج سائرون إلى طبرية فرتب السلطان الاطلاب في مقاتلتهم فحال الليل بين الفريقين ( وقعة حطين - وهي الوقعة العظمى ) فلما أسفر الصبح ثار الحرب بين الفريقين وصاح المسلمين صبحة رجل واحد فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين ووقع البطش في الإفرنج ومكن الله المسلمين منهم فأووا إلى جبل حطين - وهي قرية عندها قبر النبي شعيب عليه الصلاة والسلام - وانهزم القمس حين أحس بالكسرة وذلك قبل اضطراب الجمع فدهمهم المسلمون ومالوا عليهم من كل جانب فتثبتوا فأحاط بهم عسكر الإسلام واوقدوا حولهم النيران فإنه كان تحت أقدام خيولهم حشيش فأمر السلطان بإلقاء النار فيه فاجتمع عليهم حر الشمس وحر النار واشتد بهم العطش وضاق بهم الأمر ووقع السيف فيهم واشتد القتال فنصر الله المسلمين وأطلقوا عليهم السهام وحكموا فيهم السيوف وأبادوا الإفرنج قتلا وأسرا وأسروا ملكهم ومن معه وسميت هذه الوقعة وقعة حطين وهي من الوقعات المشهورة وقتل من الإفرنج ثلاثون ألفا من شجعانهم وفرسانهم رؤي بعض الفلاحين وهو يقود نيفا وثلاثين أسيرا قد ربطهم في طنب خيمته وباع منهم واحدا بنعل لبسه في رجله فقيل له في ذلك فقال أحببت أن يقال باع أسيرا بمداس وجلس السلطان لعرض أكابر الاساري فأول من قدم إليه مقدم الرواية وعدة كثيرة منهم ومن الاستبارية وأحضر الملك كي وأخاه جقرى وأود صاحب جبيل وهنقري والبرنس أرباط صاحب الكرك وهو أول من أسر وكان السلطان قد نذر دمه وأقسم إنه إذا ظفر به يعجل بإتلافه لأنه كان قد عبر به بالشوبك قوم من الديار المصرية في حال الصلح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي صل الله عليه وسلم وقصد المسير إلى المدينة ومكة المشرفة - كما تقدم ذكره - وبلغ ذلك السلطان فحملته الحمية الدينية عل أن نذر دمه ولما فتح الله عليه بنصره وجلس في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد وعرضت عليه الاساري فلما حضر بين يديه أجلسه إلى جنب الملك والملك بجنب السلطان وقرعه على غدره وقصده الحرمين الشريفين وذكره بذنبه من حلفه وحنثه ونقضه العهود والمواثيق فقال الترجمان إنه يقول قد جرت بذلك عادة الملوك وكان الملك كي يلهث من الظمأ فآنسه السلطان وسمن رعبه وأتي بماء مثلوج فشرب منه ثم ناوله البرنس فأخذه من يده فشربه الملعون فقال السلطان للملك إن هذا الملعون لم يشرب الماء بادني فيكون أمانا له ثم نصبت له الخيام ففلما جلس في خيمته أحضر البرنس فلما أقبل عليه أوقفه بين يديه وقال له ها أنا انتصر لمحمد منك ثم عرض عليه الإسلام فلم يقبل فبادره وضربه بالسيف فصرعه ثم أمر برأسه فقطع وجر برجله قدام الملك فارتاع وانزعج فعرف السلطان منه ذلك فاستدعاه وأمنه وطمنه وقال لما غدر غدرنا به لأنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وكانت هذه النصرة للمسلمين في يوم السبت لخمس بقين من ربيع الآخر وبات الناس في تلك الليلة عل أتم ترفع أصواتهم سرور بحمد الله تعال وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر وأما الصليب الأعظم عندهم فإن المسلمين استولوا عليه يوم المصاف ولم يؤسر الملك حتى أخذ صليب الصلبوت وهو الذي إذا رفع ونصب سجد له كل نصراني وركع وهم يزعمون إنه من الخشبة التي صلب عليها معبودهم وقد غلفوه بالذهب وكللوه بالجوهر وكان أخذه عندهم أعظم من أسر الملك وعظمت مصيبتهم بأخذه ثم نزل السلطان على صحراء طبرية وندب إلى حصنها من تسليمه بالأمان وكانت الست صاحبة طبرية قد حمته ونقلت إليه كل ما تملكه فأمنها على أصحابها وأموالها وخرجت بمن معها إلى طرابلس بلد زوجها القمس وصارت طبرية للمسلمين وعين لولايتها صارم الدين قيما زاصنجي وكان من الأكابر والسلطان نازل ظاهر طبرية فلما أصبح يوم الاثنين سابع عشر من ربيع الآخر طلب السلطان الاسارى من الرواية والاستبارية فأحضر العسكر منهم في الحال مائتين وأمر بضرب أعناقهم وكان عنده جماع من أهل العلم والتصوف فسأل كل واحد في قتل واحد فقتلوه بحضرة السلطان ثم سير ملك الإفرنج وأخاه وهنقرى وصاحب جبيل ومقدم الرواية وجميع أكابرهم المأسورين إلى دمشق وسجنهم ( فتح عكا ) ورحل السلطان ظهر يوم الثلاثاء بمن معه من العساكر الإسلامية ونزل عشية بأرض لوبيا فلما أصبح سار وكان في صبيحه الأمير عز الدين أبو فليسة القاسم ابن المهنى الحسيني أمير المدينة النبوية عل ساكنها أفضل الصلاة والسلام وكان حضر تلك السن صحبة الحجاج وهو ذو شيبة نيرة وحضر مع السلطان هذا الفتح جميعه فأقبل السلطان عل عكا وخيم قريبا منها وأصبح يوم الخميس ركب لحربها فخرج أهل البلد يطلبون الأمان فأمنهم وخيرهم بين المقام والانتقال وأمهلهم أياما حتى ينتقل من يختار النقلة فأسرع الإفرنج في الخروج منها ودخل الجند واستولوا عل الدور ونزلوا بها وغنموا منها شيئا كثيرا وكان السلطان جعل للفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري كل ما يتعلق بالزاوية من منازل وضياع فأخذها بما فيها ووهب عكا لولده الملك الأفضل ودخلها المسلمون مستهل جمادى الأول وصليت الجمعة بها وجعلت الكنيسة العظم مسجدا جامعا ورتب فيه القبلة والمنبر وخطب جمال الدين عبد اللطيف بن الشيخ أبي نجيب السهروردى وتولى بها القضاء والخطابة وأقام السلطان في خيمة بباب عكا عل التل وكتب لأخيه الملك العادل سيف الدين أبي بكر وهو بمصر يعلمه بالفتح فوصلت البشائر للسلطان بوصوله وإنه فتح في طريق حصن مجدل يابا ومدينة يافا عنوة وغنم ما فيها فتوجه إليه القصاد من أخيه السلطان الملك وأنعم عليهم مما غنمه وسباه بشيء كثير واستمر السلطان مقيما بمخيمه وفرق الأمراء لفتح البلاد المجاورة وأمدهم بالعساكر ( فتح الناصرة وصفورية ) فسار مظفر الدين كو كبوري صاحب أربد الملقب بالملك المعظم إلى الناصرة ومعه حسام الدين ابن طومان وفتحها وأخذ ما فيها وسبى نساءها وأسر رجالها وأما صفورية فهرب أهلها فلم يجدوا بها أحدا وكان بها من الأموال والذخائر ما لا يحصى ( فتح قيسارية ) وتوجه بدر الدين دلدرم وغرس الدين فلج وجماعة من الأمراء إلى قيسارية ففتحوها بالسيف واستولوا عل ما فيها ثم تسلموا أرسوف ( فتح نابلس ) وسار حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين عل سمت نابلس ووصل إلى سبسطية فتسلمها ووجد مشهد زكريا عليه السلام قد اتخذه القسوس كنيسة فأعاده مشهدا كما كان ثم قصد نابلس ونازلها وحاصرها ولم يزل مقيما عليها حتى استأمنوه ووثقوا بأمانة ثم سلموها وخلصت له نابلس وأعمالها وكان معظم أهلها وجميع سكان نواحيها مسلمين وكانوا في شدة عظيمة من الإفرنج ( فتح الفولة وغيرها ) وكانت الفولة من أحسن الحصون وفيها من العدد والأموال شيء كثير وكانت مجمعهم فلما كان يوم المصاف خرجوا بأجمعهم وحصل لهم ما حصل من القتل والحصر والأسر ولم يبق فيها إلا الأراذل فسلموا الحصن بما فيه إلى السلطان وتسلموا جميع ما بتلك الناحية مثل دبورية وجيبيين ودرعين والطوالية واللجون وبيسان والقيمون وجميع ما لطبرية وعكا من الولايات والزيب ومعليا والبعثة وإسكندرية ( فتح تبين ) ثم أمر السلطان ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بقصد حصن تبنين فقصده وأخذ في مضايقته وطال حصاره فأرسلوا إلى السلطان وسألوه الأمان واستمهلوا خمسة أيام فأمهلوا بعد أن بذلوا رهائن وأطلقوا ما عندهم من الأسرى فسر السلطان بذلك وأحسن إلى المأسورين وكان هذا دأبة في كل بلد يفتحه فخلص في تلك السنة من الأسرى أكثر من عشرين ألف أسير وأخلوا القلعة ثم ساروا إلى صور صحبة جماعة من عسكر السلطان ورتب في الموضع مملوكه سنقرر الدوري وأوصاه بحفظها وكان النزول على تبنين يوم الأحد حادي عشر جمادي الأولى وتسلمها يوم ألحد الثامن عشر منه ( فتح صيدا ) نزل السلطان عليها يوم الأربعاء الحادي والعشرين من جمادي الأولى وهي مدينة لطيفة على الساحل بها أنهار وبساتين وأشجار فجاءت رسل صاحبها بمفاتيحها وقد أخلاها وتسلمها السلطان ونصبت عليها رايات الإسلام أقيمت بها الجمعة والجماعة ( فتح بيروت ) ثم سار السلطان إلى بيروت وكان النزول عليها يوم الخميس ثاني عشر جمادي الأول ووقع القتال واشتد ثم نقب السور حتى كاد يقع البرج وضاق الأمر بهم فطلبوا الأمان وأن يكتب لهم السلطان مثالا بذلك فكتب لهم وأمنهم وتسلم السلطان بيروت يوم الخميس التاسع والعشرين من جمادي الأولى ( فتح جبيل ) ولما كان السلطان على بيروت وصل إليه كتاب الصفي بن القابض من دمشق يتضمن أن صاحب جبيل أذعن بتسليمها ويطلق فرسم السلطان بإحضاره وهو مقيد فأحضر بين يديه وسمح بتسليم بلده وتسلمها السلطان وأطلقه ولم تكن عاقبة إطلاقه حميدة فإنه كان ممن أعظم الإفرنج وأشدهم عداوة للمسلمين وكان معظم أهل صيدا وبيوت وجبيل مسلمين وكانوا في ذل كبير من مساكنه الإفرنج ففرج اله عنهم وكان تسليم جبيل يوم الثلاثاء سابع عشر من جمادي الأولى والسلطان يومئذ عل بيروت وكان كل من استأمن من الكفار مضى إلى صور وصارت منزلهم وهي التي فر القمس إليها يوم كسرتهم على حطين ( هلاك القمس ودخول المر كيس إلى صور ) لما عرف القمس السلطان منها أخلاها وتوجه إلى طرابلس فهلك بها وكان المركيس من أكبر طواغيت الكفر ولم يكن وصل إلى بلاد الساحل قبل هذا العام واتفق وصوله إلى ميناء عكا ولم يعلم بفتحها ولا ما فيها من المسلمين فلما قدم عليها تعجب من أهلها لكونهم لم يتلقوه ورأى من فيها غير هيئة النصارى فارتاب لذلك وسأل عن الحال فأخبروه بما وقع ففكر في النجاة وقصد الفرار فلم تهب له ريح وسأل عن البلد ومن إليه أمره فقيل له الملك الأفضل فقال خذوا لي منه أمانا حتى أدخل فجيء إليه بالأمان فقال ما أثق غلا بخط يده فما زال يردد الرسل ويدبر الحيل حتى وافقته الريح فأقلع وتوجه إلى صور وضبطها بمن فيها وأرسل رسله إل الجزائر يستعدي ويستنفر وثبت في صور وبقي كلما فتح السلطان بلدا بالأمان يسير أهلها في حفظ السلطان إلى صور فاجتمع إليه أهل البلد المفتوحة بأجمعهم وشرع المركيس يحفر الخندق ويحكمه وسنذكر ما كان من أمره إن شاء الله تعالى ( فتح عسقلان وغزة والرملة والداروم وغيرها ) وكان النزول عل عسقلان يوم الأحد سادس عشر جمادي الآخرة ولما فرغ السلطان من فتح بيروت وجبيل عاد عابرا عل صيدا وصرفند وجاء إلى صور ولم يكثرث بأمرها وكان قد استحضر ملك الإفرنج ومقدم الراوية وشرط معهما واستوثق منهما إنه يطلقهما من الأسر إذا تمكن من بقية البلاد فانزعج المركيس صور واشتد خوفه واجتمع السلطان بأخيه الملك العادل واتفقا عل ا لسير ونزل عل عسقلان وحاصرها ورماها بالمناجيق واشتد القتال وراسلهم عند ذلك الملك المأسور وأشار عليهم بعدم مخالفته وترددت الرسل ثم اذعنوا بأنهم يسلمون عسقلان عل أن يخرجوا بأموالهم بعد أخذهم الميثاق واليمين وذلك في السبت سلخ جمادي الآخرة فكان حصارها أربعة عشر يوما وكان بين فتح عسقلان وأخذ الإفرنج لها من المسلمين خمس وثلاثون سنة فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادي الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وممن استشهد عل عسقلان من الأمراء الكبار إبراهيم بن حسين المهراني وهو أول أمير استشهد وكان السلطان قد أخذ في طريقه إليها الرملة ويبنا وبيت لحم والخليل وأقام بها حتى تسلم حصون الداروم وغزة والنطرون وبيت جبريل واجتمع بالسلطان ولده صاحب مصر الملك العزيز عثمان بعسقلان فقرت عينه بقدومه واعتضد به وكان قد استدعى الأساطيل فحضرت والحاجب لؤلؤ مقدمها وشرع يقطع الطريق عل سفن العدو ومراكبه ويقف له في جزائر البحر وسنذكر ذلك في محله إن شاء الله تعالى ( فتح بيت المقدس ) ثم رحل السلطان من عسقلان إلى القدس الشريف وسمع خبره من في القدس فاشتد رعبهم وكان بها من مقدمي الإفرنج باليان بن بارزان والبطرك الأعظم ومنكلا الطائفتين الاستبارية والراوية وضاقت بهم منازلهم فأخذوا في تدبير أنفسهم وأيسوا وصاروا في هرج ومرج واشتد بهم الكرب وأقبل السلطان بعساكر الإسلام وهو في أبهته وهيئته المرهب ونزل عل القدس الشريف من جهة الغرب يوم الأحد خامس عشر رجب وكان في القدس يومئذ ستون ألف مقتل من الإفرنج وقد وقفوا دون البلد للمارزة وقاتلوا أشد القتال واستمر الحربين الفريقين فانتقل السلطان يوم الجمعة لعشرين من رجب إلى الجانب الشمالي وخيم هناك وضيق على الإفرنج ونصب المناجيق ورمى بها حتى تهدم غالب السور ثم أخذ المسلمون في نقب السور مما يلي وادي جهنم واشتد القتال وتباشر أهل الإسلام بالفتح ( وكان يوما عسيرا عل الكافرين غير يسير ) فبرز من الإفرنج ابن بارزان ليطلب الأمان من السلطان فلم يجبه السلطان إلى ذلك وقال لا خذها إلا بالسيف مثل ما أخذها الإفرنج من المسلمين فتعرضوا للتضرع وعاودوه في طلب الأمان وعرفوه ما هم عليه من الكثرة وإنهم إن ايسوا من الأمان قاتلوا خلاف ذلك ولا يحرج أحد منهم حتى يجرح عشرة ويخربوا الدور وقبة الصخرة ويقتلوا كل من عندهم من أسارى المسلمين - وهم ألوف - ويعدموا ما عندهم من الأموال وكذلك الذراري فعقد السلطان محضرا للمشورة وأحضر أكابر دولته وأكثر عساكره وشاورهم في الأمر ودار الكلام بينهم واجتمع رأيهم على الصلح بشرط أن يؤدي كل من بها من الرجال عشرة دنانير ومن النساء خمسة ويؤدي عن الطفل ديناران وأي من عجز عن الأداء كان أسيرا فأجاب الإفرنج إلى ذلك ودخل ابن بارزان والبطرك ومقدم الرواية والاستبارية في الضمان وبذل ابن بارزان ثلاثين ألف دينار عن الفقراء وسلموا البلد يوم الجمعة قبيل الظهر وقت الصلاة السابع والعشرين من رجب عل هذا الشرط ولم تتفق يومئذ صلاة الجمعة لضيق الوقت وكان فيه أكثر من مائة ألف إنسان من الرجال والنساء والصبيان وأغلقت أبواب المدينة ورتب النواب لعرضهم واستخراج المال منهم ووكل بكل باب أمين ومقدم كبير يضبط من بدخل ويخرج فمن أدى ما عليه مكن من الخروج ومن لم يؤد قعد في الحبس وحصل التفريط من العمال في المال وشرعوا يواطئون الإفرنج في ذلك لارتشائهم منهم فمنهم من دلي من السور بالحبال ومنهم من ظهر مختفيا ومنهم من وقعت فيه شفاعة وكانت في القدس ملكة مترهبة ولها مال كثير فمن عليها السلطان بالإفرنج ولم يتعرض منها إلى شيء وكانت زوجة الملك المأسور ابنة الملك أيادي فخلصت بمن معها ومن تبعها وكذلك الابرنسانية ابنة فليب أم هنقرى أعفيت من الوزن واستطلق صاحب البيرة زهاء خمسمائة أرمني ادع إنهم من بلده وإنهم حضروا للزيارة وطلب مظفر الدين كوكبوري ألف أرمني ادعى إنهم من الزهاد فأطلقهم السلطان وكان السلطان قد رتب عدة دواوين في كل ديوان منها عدة من النواب المصريين ومنهم من الشاميين فمن أخذ من أحد من الدواوين خطا بالأداء انطلق مع الطلقاء بعد عرض خطه عل من الباب من الأمناء والوكلاء وحصل من الأمناء مواطأة واختلاس كثير في المال ومع ذلك حصل لبيت المال ما يقارب مائة ألف دينار وبقي من الإفرنج جماعة في الأسر لعدم القيام بما عليهم ( ذكر يوم الفتح ) وهو يوم سابع عشري رجب - كما تقدم - واتفق فتح بيت المقدس في يوم كان مثل ليلة معراج النبي صل الله عليه وسلم ورفعت الأعلام الإسلامية عل أسواره وجلس السلطان للقاء الأكابر والأمراء والمتصوفة والعلماء وهو جالس عل هيئة التواضع وعليه الابهة والوقار وحوله أهل العلم والفقهاء وعليهم السكينة والجلال وقد ظهر السرور عل أهل الإسلام بنصرتهم عل عدوهم المخذول وزينت بلاد الآلام لفتح بيت المقدس وتسامع الناس بهذا النصر والفتح فوفدوا للزيارة من سائر البلاد واما الإفرنج فشرعوا في بيع أمتعتهم واستخراج ذخائرهم وباعوها بالهوان وتقاعد الناس في الشراء فابتاعوها بأرخص ثمن وكان ما يساوي عشرة دنانير يباع بأقل من دينار وأخذوا ما في كنائسهم من أواني الذهب والفضة والستور وجمع البطرك كل من كان عل القبر من صفائح الذهب والفضة وجميع ما كان في القمامة فقال العماد الكاتب للسلطان هذه أموال جزيلة تبلغ مائتي ألف دينار والأمان في أموالهم لا على أموال الكنائس والديارات فلا نتركها لهم فقال السلطان إذا تأولنا عليهم نسبونا إلى الغدر فنحن نجزيهم عل ظاهر الأمان ولا ندعهم يتكلمون في حق المسلمين وينسبوهم إلى الغدر والنكث بل ندعهم يثنون عنا الجميل أخذ الإفرنج ما خف حمله وتركوا ما ثقل وانتقل بعضهم إلى صور وبقي منهم زهاء خمسة ألفا لم يؤدوا ما شرط عليهم فدخلوا في الرق وكان الرجال نحو سبعة آلاف فاقتسمهم المسلمون وأحصيت النساء والصبيان ثمانية لاف نسمة وما أصيب الإفرنج من حين خرجوا إلى الشام في سنة تسعين وأربعمائة إلى أن بمصيبة مثل هذه الواقعة ووصل المستنفرون من الكفار إلى أقصى بلاد الإفرنج ومثلوا صورة المسيح عليه السلام وصورة النبي صلى الله عليه وسلم وهو بيده عصا وهو يقصد المسيح ليضربه والمسيح منهزم منه وأقاموا الشناع والغوغا في بلادهم لذلك واشتد ملوكهم واعتدوا وجهزوا العساكر لقصد بلاد الإسلام ومحاربة الملك صلاح الدين رحمه الله تعالى ولما استقر بيت المقدس مع المسلمين وطهره الله من المشركين سأل النصارى في الإقامة به ببذل الجزية وأن يدخلوا في الذمة فأجيبوا إلى ذلك ولما تسلم السلطان القدس أمر بإظهار المحراب وكان الراوية قد بنوا في جهة جدارا وتركوه هويا وقيل اتخذوه مستراحا وبنوا غربي القبلة دارا وسيعة وكنيسة فهدم ما قدام المحراب من الأبنية ونصب المنبر وأظهر المحراب ونقض ما أحدثوه بين السواري وفرش المسجد بالبسط وعلقت القناديل وكان يوما مشهودا ظهر فيه عز الإسلام وعلت كلمة الإيمان وبطلت نغمات القسس والرهبان وعلت أصوات أهل التوحيد بالقرن وخرس الناقوس وسمع الأذان وعزل الإنجيل وتول القرن وبطل ما كان بالمسجد الأقصى من الكفر والطغيان وعبد فيه الملك الديان وقد تقدم أن من الاتفاقات العجيبة أن محيي الدين زكي قاضي دمشق لما فتح السلطان صلاح الدين حلب في صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة مدحه بقصيدة منها وفتحكم حلبا بالسيف في صفر مبشر بفتوح القدس في رجب فكان كما قال وفتح القدس في رجب - كما تقدم - فقيل لمحيي الدين من أين لك هذا ؟ فقال أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى ؟ ( ^ ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) وكان الإمام أبو الحكم ابن برجان الأندلسي قد صنف تفسيره المذكور في سنة عشرين وخمسمائة وبيت المقدس إذ ذاك في يد الإفرنج لعنهم الله تعالى قال ابن خلكان في تاريخه - في ترجمة ابن الزكي - ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته عل هذه الصورة قال ولكن رأيت هذا الفصل مكتوبا عل الحاشية بخط غير الأصل ولا أدري هل كان من أصل الكتاب أم هو ملحق وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك حتى حرره من قوله ( فيبضع سنين ) انتهى ( ذكر أول خطبة بعد الفتح ) ولما فتح السلطان القدس تطاول إلى الخطابة يوم الجمعة كل واحد من العلماء الذين كانوا في خدمته حاضرين وجهز كل واحد منهم خطبة بليغة طمعا في أن يكون هو الذي يعين لذلك والسلطان لا يعين الخطبة لأحد فلما دخل يوم الجمعة رابع شعبان واجتمع الناس لصلاة الجمعة حتى امتلأ الجامع ونصبت الأعلام عل المنبر وتكلم الناس فيمن يخطب والأمر مبهم حتى حان الزوال وأذن المؤذن للجمعة فرسم السلطان وهو بقبة الصخرة للقاضي محيي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي أن يخطب وهي أول جمعة صليت بالمسجد الأقصى الشريف بعد الفتح وأعاره العماد الكاتب اهبة سوداء كانت عنده من تشريف الخلافة لبسها في الحال فلما رقى عل المنبر استفتح بسورة الفاتحة فقرأها إلى آخرها ثم قال ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) ثم قرأ سورة الأنعام ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسم عنده ثم أنتم تمترون وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) ثم قرأ من سورة سبحان الذي أسرى ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ) ثم قرأ من سورة الكهف - أولها - ( الحمد الله الذي أنزل عل عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات إن لهم أجرا حسنا ما كثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) ثم قرأ من سورة النمل ( وقل الحمد لله وسلام عل عبادة الذين اصطفى الله خير مما يشركون ) ثم قرأ من سور ة سبأ ( الحمد لله الذيله ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ) ثم قرأ من سورة فاطر ( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنح مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) ثم شرع في الخطبة فقال الحمد لله معز الإسلام بنصره ومذل الشرك بقهره ومصرف الأمور بأمره ومديم النعم بشكره ومستدرج الكفار بمكره الذي قدر الأيام دولا بعدله وجعل العاقبة للمتقين بفضله وأفاء عل عبادة من ظله وأظهر دينه عل الدين كله القاهر فوق عباده فلا يمانع والظاهر عل خليفته فلا ينازع والآمر بما يشاء فلا يراجع والحاكم بما يريد فيما يدافع أحمده عل إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه ونصره لأنصاره وتطهير بيته المقدس من أدناس الشرك وأوضاوه حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد شهادة من طهر بالتوحيد قلبه وأرض به ربه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رافع الشك وداحض الشرك ورافض الافك الذي أسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السماوات العلى ( إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى ) صل الله عليه وسلم وعلى خليفته أبي بكر الصديق السابق إلى الإيمان وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعائر الصلبان وعل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأوثان وعل له وأصحابه والتابعين لهم بإحسان أيها الناس أبشروا برضوان اله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا لما يسره الله عل أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأنة الضالة وردها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريبا من مائة عام وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه واستقر فيها رسمه ورفع قواعده بالتوحيد فإنه بني عليه وسيد بنيانه بالتمجيد فإنه أسس على التقوى من خلفه ومن بين يديه فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم عليه الصلاة والسلام وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء ومدفن الرسل ومهبط الوحي ومنزل به الأمر والنهي وهو أرض المحشر وصعيد المنشر وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين وهو المسجد الأقصى الذي صل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملائكة المقربين وهو البلد الذي بعث اله إليه عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عيسى الذي أكرمه برسالته وشرفه بنبوته ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته فقال تعالى ( ^ لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله عل كل شيء قدير ) وهو أول القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه فلولا إنكم ممن اختاره الله من عباده واصطفاكم من سكان بلاده لما خصكم الله بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم فيها مجار ولا يباريكم في شرفها مبار فطوبى لكم من جيش ظهرت عل أيديكم المعجزات النبوية والوقعات البدرية والعزمات الصديقية والفتوحات العمرية والجيوش العثمانية والفتكات العلوية جددتم للإسلام أيام القادسية والملاحم اليرموكية والمنازلات الخيبرية والهجمات الخالدية فجزا كم الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الجزاء وشكر لكم ما بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء وتقبل منكم ما تقربتم به إليه من إهراق الدماء وأثابكم الجنة فهي دار السعداء فاقدروا رحمكم الله هذه النعمة حق قدرها وقوموا لله قانتين بواجب شكرها فله تعالى المنة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة وترشيحكم لهذه الخدمة فهذا هو الفتح الذي فتحت له أبواب السماء وتبلجت بأنوارها وجوده الظلماء وابتهج به الملائكة المقربون وقر به عينا الأنبياء والمرسلون فماذا عليكم من النعمة أن جعلكم الجيش الذي يفتح عل يديه البيت المقدس في آخر الزمان والجند الذي تقوم بسيوفهم بعد فترة من النبوة أعلام الإيمان فيوشك أن يفتح الله عل أيديكم أمثاله وأن يكون التهاني لأهل الخضراء أكثر من التهاني لأهل الغبراء أليس هو البيت الذي ذكره الله في كتابه ونص عليه في محكم خطابه فقال تعال ( ^ سبحان الذي أسر بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) ؟ أليس هو البيت الذي عظمته الملل وأثنت عليه الرسل وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله عز وجل ؟ أليس هو البيت الذي امسك الله تعالى لأجله الشمس على يوشع أن تغرب وباعد بين خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب ؟ أليس هو البيت الذي أمر الله عز وجل موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان وغضب الله عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للعصيان ؟ فاحمدوا الله الذي أمض عزائمكم لما نكلت عنه بنو إسرائيل وقد فضلت على العالمين ووفقكم لما خذلت فيه أمم كانت قبلكم من الأمم الماضين وجمع لأجله كلمتكم وكانت شتى وأغناكم بما امضته كان وقد عن سوف وحتى فليهنكم إن الله قد ذكركم به فيمن عنده وجعلكم بعد أن كنتم جنودا لا هويتكم جنده وشكر لكم الملائكة المنزلون عل ما اهديتم لهذا البيت من طيب التوحيد ونشر التقديس والتمجيد وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك والثليث والاعتقاد الفاجر الخبيث فالآن تستغفر لكم أملاك السماوات وتصلي عليكم الصلوات المباركات فاحفظوا رحمكم الله هذه الموهبة فيكم واحرسوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله التي من تمسك بها وسلم ومن اعتصم بعروتها نجا وعصم وأحذروا من أتباع الهوى ومواقعة الردى ورجوع القهقري والنكول عن العدى وأخذوا في انتهاز الفرصة وإزالة ما بقي من الغصة وجاهدوا في الله حق جهاده وبيعوا عباد الله أنفسكم في رضاه إذ جعلكم من خيار عباده وإياكم أن يستزلكم الشيطان وأن يتداخلكم الطغيان فيخبل لكم إن هذا النصر بسيوفكم الحداد وخيولكم الجياد وبجلادكم في مواطن الجلاد لا والله ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم فاحذروا عباد الله بعد أن شرفكم الله بهذا الفتح الجليل والمنح الجزيل وخصكم بنصره المبين واعلق أيديكم بحبله المتين إن تقترفوا كبيرا من مناهيه وإن تأتوا عظيما من معاصيه ( فتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا وكالذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) والجهاد الجهاد فهو من أفضل عباداتكم وأشرف عاداتكم انصروا الله ينصركم احفظوا الله يحفظكم أذكروا الله يذكر كم اشكروا الله يزدكم ويشكركم خذوا في حسم الداء وقطع شأفة الأعداء وطهروا بقي الأرض من هذه الأنجاس التي أغضبت الله ورسوله وأقطعوا فروع الكفر واجتثوا أصوله فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية والملة المحمدية الله أكبر فتح الله ونصر غلب الله وقهر أذل الله من كفر وأعلموا رحمكم الله إن هذه فرصة فانتهزوها فريسة فناجزوها وغنيمة فحوزوها ومهمة فأخرجوا لها هممكم وأبرزوها وسيروا إليها سرايا عزماتكم وجهزوها فالأمور بأواخرها والمكاسب بذخائرها فقد أظفركم الله بهذا العدو المخذول وهو مثلكم أو يزيدون فكيف وقد أضحى قبالة الواحد منهم منكم عشرون فقد قال تعال ( ^ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ) أعاننا الله وإياكم عل اتباع أوامره والازدجار بزواجره وأيدنا معاشر المسلمين بنصر من عنده ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) إن أشرف مقال يقال في مقام وأنفذ سهام تمزق عن قس الكلام وامض قول تحل به الإفهام كلام الواحد الفرد العزيز العلام قال الله تعال ( ^ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن تخرجوا وظنوا إنهم ما نعتهم حصوتهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ثم قال آمركم وإياي عباد الله بما أمر الله به من حسن الطاعة فأطيعوه وأنهاكم وإياي عما نه الله عنه من قبح المعصية فلا تعصوه أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه ثم خطب الخطبة الثانية عل عادة الخطباء مقتصرة ثم دعا للإمام الناصر خليفة العصر ثم قال اللهم وأدم سلطان عبدك الخاضع لهيبتك الشاكر لنعمتك المعترف بموهبتك سيفك القاطع وشهابك اللامع والمحامي عن دينك المدافع والذاب عن حرمك الممانع السيد الأجل الملك الناصر جامع كلمة الإيمان وقامع عبدة الصلبان صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين مطهر البيت المقدس من أيدي المشركين أبي المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين اللهم عم بدولته البسيطة واجعل ملائكتك براياته محيطة وأحسن عن الدين الحنيفي جزاءه وأشكر عن الملة المحمدية عزمه ومضاءه اللهم ابق للإسلام مهجته ووف للإيمان حوزته وانشر في المشارق والمغارب دعوته اللهم كما فتحت على يديه البيت المقدس بعد أن ظننت الظنون وابتلى المؤمنون فافتح على يديه داني الأرض وقاصيها وملكه صياصي الكفرة ونواصيها فلا تلقاه منهم كتيبة إلا مزقها ولا جماع إلا فرقها ولا طائفة بعد طائفة إلا ألحقها بمن سبقها اللهم أشكر عن محمد صلى الله عليه وسلم سعيه وأنفذ في المشارق والمغارب أمره ونهيه اللهم وأصلح به أوساط البلاد أطرافها وأرجاء المماليك وأكنافها اللهم ذلل به معاطس الكفار و أرغم به أنوف الفجار وأنشر ذوائب ملكه عل الأمصار وابثث سرايا جنوده في سبل الأقطار اللهم أثبت الملك فيه وفي عقبه إلى يوم الدين واحفظه في بنيه الغر الميامين وإخوانه ثم شرع السلطان في العمارة وأمر بترخيم محراب الاقصى وكتب عليها بالفصوص المذهبة ما قراءته بسم الله الرحمن الرحيم أمر بتجديد هذا المحراب المقدس وعمارة المسجد الاقصى الذي هو على التقى مؤسس عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله عل يديه في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وهو يسأل الله ايزاعه شكر هذه النعمة وأجزال حظه من المغفرة والرحمة وشرع ملوك بني أيوب في فعل الآثار الجميلة بالمسجد الأقصى منهم الملك العادل سيف الدين أبو بكر أخو السلطان وأما الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه فإنه فعل فعلا حسنا وهو إنه حضر في قبة الصخرة مع جماعة وتول بيده كنس أرضها ثم غسلها بالماء مرارا ثم اتبع الماء بماء الورد وطهر حيطانها وغسل جدرانها وبخرها ثم فرق مالا عظيما عل الفقراء وكذلك الملك الأفضل نور الدين علي والملك العزيز عثمان فعلا فيه أنواعا من البر والخير ووضع الأسلحة برسم المجاهدين في سبيل الله ( محراب داود عليه السلام وغيره من المشاهد ) أما محراب داود عليه السلام فهو خارج المسجد الأقصى في حصن عند باب المدينة وهو القلعة وكان الوالي يقيم بهذا للحصن ويعرف هذا الباب قديما بباب المحراب والآن بباب الخليل فاعتني السلطان بأحواله ورتب له إماما ومؤذنين وقواما وأمر بعمارة جميع المساجد والمشاهد وكان موضع هذه القلعة دار داود عليه السلام وكان الملك العادل نازلا في كنيسة صهيون وأجناده في خيامهم عل بابها وفاوض السلطان جلساءه من العلماء في مدرسة للفقهاء الشافعي ورباط للصلحاء الصوفية فعين للمدرسة الكنيسة المعروفة بصندحة فيقال إن فيها قبر حنة أم مريم وهي عند باب الأسباط وعين لرباط دار البطرك وهي بقرب كنيسة قمامة وبعضها راكب عل ظهر قمامة ووقف عليهما أوقافا حسنة وأمر بإغلاق كنيسة قمامة ومنع النصارى من زيارتها وأشار عليه بعض أصحابه بهدمها ومنهم من أشار بعدم الهدم لأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فتح بيت المقدس أقرهم عليها ولم يهدمها وأقام السلطان عل القدس عل تسلم ما بقي بها من الحصون ورحل الملك الأفضل إلى عكا ثم تبعه الملك المظفر إلى عكا أيضا ثم أن السلطان فرق ما جمعه عل مستحقيه من الجند والفقهاء والفقراء والشعراء فقيل له لو ادخرت هذا المال لأمر يحدث فقال أملي بالله قوي وجمع الاساري - كانوا الوفا من المسلمين - فكساهم وأحسن إليهم وذهب كل منهم إلى وطنه ومكث السلطان عل القدس ينظر في مصالحه وكان في خدمته الأمير علي بن أحمد المشطوب وكان معه ( أهل ) صيدا وبيروت وهما بقرب صور وخاف أن يفوته فتحها وكان يحث السلطان عل المسي إليها وكان المركيس عند اشتغال المسلمين بالقدس شرع في أحكام سور حصنها وجعل لها خندقا وضيق طريقها وكتب السلطان إلى الخليفة الناصر لدين الله يعلمه بالفتح وكتب أيضا إلى الآفاق رسائل من إنشاء العماد الكاتب فيها من البلاغة والألفاظ الفائقة ما لا يقدر عليه غيره ( ذكر رسالة السلطان للخليفة ) وكانت الرسالة إلى الخليفة عل يد ضياء الدين بن الشهرزوري يخط القاضي الفاضل من إنشائه وهي أدام الله أيام الديوان العزيز النبوي ولا زال مظفر الجد بكل جاحد غنيا بالتوفيق عن رأي كل رائد موقوف المساعي عل اقتناء مطلقات المحامد مستيقظ النصر والنصل في جفنه راقد واراد الجود والسحاب عل الأرض غير وارد متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد ماضي حكم العدل بعزم لا يمضي إلا بنبل غوى وريش راشد ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع وأنوار إلى المساجد وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلا إلى المراقب وخيالا إلى المراقد كتب الخادم هذه الخدمة تلو ما صدر عنه مما كان يجري مجر التباشير لصبح هذه الخدمة والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة فإنها بحر فيه للأقلام سبح طويل ولطف لتحمل الشكر فيه عبء ثقيل وبشر للخواطر في شرحها مآرب ويسر للأسرار في إظهار مشارب والله تعالى في إعادة شكره رضا وللنعمة الراهنة به دوام لا يقال معه هذا مضي ولقد صارت أمور الإسلام إلى أحسن مصائرها واستثبتت عقائد أهله على أبين بصائرها وتقلص ظل رجاء الكافر المبسوط وصدق الله أهل دينه فلما وقع الشرط وقع المشروط وكان الدين غريبا فهو الآن في وطنه والفوز معروضا فقد بذلت الأنفس في ثمنه وأمر امر الحق وكان مستضعفا وأهل ربعه وكان قد عيف حين عفا وحجاء أمر أمر الله وأنوف أهل الشرك راغمة وادلجت السيوف إلى الآجال وهي نائمة وصدق وعد الله في إظهار دينه عل كل دين واستطارت له أنوار أبانت أن الصباح عندها حسان الجبين واسترد المسلمون تراثا كان عنهم آبقا وظفروا يقظة بما لم يصدقوا إنهم يظفرون به طيفا عل النأي طارقا واستقرت على الأعلام أقدامهم وخفقت على الأقصى أعلامهم وتلاق عل الصخرة قبيلهم وشفيت بها وأن كانت صخرة كما يشفى بالماء غليلهم ولما قدم الدين عليها عرق منها سويداء قلبه وهنا كفؤها الحجر الأسود بيت عصمتها من الكافر بحربه وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى ولا يقاسي تلك البؤسى إلا رجاء هذه النعمى ولا يحارب من يستظلمه في حربه ولا يعاتب بأطراف القنا من يتفادى في عتبه إلا لنكون الكلمة مجموعة فتكون كلمة الله هي العليا وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى ممن الدنيا وكانت الألسن ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار ومن طلب خطيرا خاطر ومن رام صفقة رابحة جاسر ومن سما لأن يجلي غمرة غامر وإلا فإن العقود تلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فيعظها وتضعف في أيديها مهز القوائم فيفضها هذا إلى كون القعود لا يقضي به فرض الله في الجهاد ولا يراعى به حق الله في العباد ولا يوفي به واجب التقليد الذي تطوقه الخادم من أئمة قضوا بالحق وكانوا به يعدلون خلفاء الله كانوا في مثل هذا اليوم لله يسألون لا جرم إنهم أورثوا أسرارهم وسريرهم خلفهم الأطهر ونجلهم الأكبر وبقيتهم الشريفة وطليعتهم المنيفة وعنوان صحيفة فضلهم لا عدم سواد القلم وبياض الصحيفة فما غابوا لما حضر ولا غضوا لما نظر بل وصلهم الاجر لما كان به موصولا وشاطروه العمل لما كان عنه مسؤلا ومنه مقبولا وخلص إليهم إلى المضاجع ما اطمأنت به جنوبه وإلى الصفائح ما عبقت به جيوبها وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميرا والنهار به بصيرا والشرق يهتدي بأنواره بل أن أبدي نورا في ذاته هتف به الغرب بأن واره فإنه لا تكنه اغساق السدف وذكر لا توازيه أوراق الصحف وكتب الخادم هذا وقد أظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شققا وطارت من فرقة فرقا وفل سيفه فصار عصا وصدعت حصاته وكان الأكثر عددا وحصا وكلت حملاته وكان قدرا يضرب فيه العنان بالعنان وعقوبة من الله ليس لصاحب بدنها يدان عثرت قدمه وكانت الأرض لها حليفة وغضت عينه وكانت عيون السبوف دونها كثيفة ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق لطف الكرى من الجفون وجدعت أنوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنا أو راعفة بالمنون وأصبحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الطامث والرب الفرد الواحد وكان عندهم الثالث وبيوت الكفر مهدومة ونيوب الشرك مهتومة وطوائفه المحامية مجمعة عل تسليم القلاع الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة لبذل القطائع الوافية لا يرون في ماء الحديد لهم عصره ولا في نار الأنفة لهم نصره قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وبدل الله مكان السيئة الحسنة ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشئمة إلى أيدي أصحاب الميمنة وكان الخادم لقيهم اللقاءه الأولى فأمده الله بمداركته وانجده بملائكته فكسرهم كسرة ما بعدهم جبر وصرعهم صرعة لا ينتعش بعدها بمشيئة الله كفر وأسر منهم ممن أسرت به السلاسل وقتل منهم من فتكت به المناصل وأجلت المعركة عن صرع من الخيل والسلاح والكفار وعن المصاف بخيل فإن قتلهم بالسيوف الأفلاق والرماح الاكسار فنيلوا بثار من السلاح ونالوه أيضا بثار فكم أهلة سيوف تقارض الضراب بها حتى عادت كالعراجين وكم انجم قنا تبادلت الطعان حتى صارت كالمطاعين وكم فارسية ركض عليها فارسها الشهم إلى أجل فاختلسه وفغرت تلك القوس فاها فإذا قوها قد نهش القرن عل بعد المسافة وافترسه وكان اليوم مشهودا وكانت الملائكة شهودا وكان الصليب صارخا وكان الإسلام مولودا وكانت ضلوع الكفار لنار جهنم وقودا واسر الملك وبيده أوثق وثاقه وآكد وصله بالدين وعلائقه وهو صليب الصلبوت وقائد أهل الجبروت ما دهموا قطب أمر إلا وقام بين دهمائهم يبسط لهم باعه فكان مد اليدين في هذه الوقع وداعه لا جرم إنه تتهافت على ناره فراشهم ويجتمع في ظل ظلاله خشاشهم ويقاتلون تحت ذلك الصليب أصلب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشد عقد وأوثقه ويعدونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه وفي هذا اليوم أسرت سراتهم ودهيت دهاتهم ولم يفلت منهم معروف إلا القومص وكان لعنه الله ملبا يوم الظفر بالقتال ومليا يوم الخذلان بالاحتيال فنجا ولكن كيف وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرمح أو جناح السيف ثم أخذه الله بعد أيام بيده وأهلكه لموعده فكان لعدتهم فذا لك وانتقل من ملك الموت إلى مالك وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا البيضاء صنعا الخافقة هي وقلوب أعدائها الغالبة هي وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها النشر وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر فافتتح بلاد كذا وكذا وهذه كلها أمصار ومدن وقد تسمى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن وكل هذه ذوات معاقل ومعاقر وبحار وجزائر وجوامع ومنابر وجموع وعساكر يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا ويحطمن منابر جوامعها صلبانا ويرفع أذانا ويبدل المذابح منابر والكنائس مساجد ويبوئ أهل القرن بعد أهل الصلبان للقتال عن دين الله مقاعد ويقر عينه وعيون أهل الإسلام أن يعلق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور وإن يظفر بكل سور ما كان يخاف زلزاله ولا زياله إلى يوم النفخ في الصور ولما لم يبق غلا القدس وقد اجتمع إليه كل شريد منهم وطريد واعتصم بمنعته كل قريب منهم وبعيد وظنوا إنها من الله ما نعتهم وأن كنيستها إلى الله شافعتهم فلما نزلها الخادم رأى بلدا كبلاد وجمعا كيوم التناد وعزائم قد تألت وتألفت عل الموت فنزلت بعرصته وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته فداور البلد من جانب فإذا أودية عنيقة ولجج وعر غريقة وسور قد انعطف عطف السوار وابرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع عليها معرج وللخيل فيها متولج فنزل عليها وأحاط بها وقرب منها وضرب خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ويزاحمه السور بأكتافه وقابلها ثم قاتلها ونزلها ثم نازلها وبرز إليها ثم بارزها وحاصرها ثم ناجزها وضمها ضمة ارتقب بعدها الفتح وصدء جمعها فإذا هم لا يبصرون عل عبودية الحد عن عنق الصفح فراسلوه ببذل فطيعة إلى مدة وقصدوا نظرة من شدة وانتظار النجدة فعرفهم الخادم في لحن القول وأجابهم بلسان الطول وقدم المنجنيقات التي تتول عقوبات الحصون عصيها وحبالها وأوتر لهم قسيها التي ترمي ولا تفارقها سهامها ولكن تفارق سهامها نصالها فصافحت السور فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك وقدم النصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ويعلو علوه إلى السماك فأناخ مرابع أبراجها واسمع صوت عجيجها صم أعلاجها ورفع المدارع ما بين العنق إلى المرفق مثار عجاجها فأجل السور من السيارة والحرب من النظارة فأمكن النقاب أن يسفر للحرب النقاب وإن يعيد الحجر إلى سيرته الأولى من التراب فتقدم إلى الصخرة فمضغ سرده بأنياب معوله وحل عقده بضربه الأخرق الدال على لطافة أنمله واسمع الصخرة الشريفة أنينه باستقالته أل أن كادت ترق لمقالته وتبرأ بعض الحجارة من بعض وأخذ الحراب عليها موثقا فلن يبرح الأرض وفتح من السور بابا سد من نجاتهم أبوابا وأخذ يفت في حجرة فقال عنده الكافر يا ليتني كنت ترابا فحينئذ يئس الكافر من أصحاب الدور كما يئس الكفار من أصحاب القبور وجاء أمر الله وغرهم بالله الغرور وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان سائلا أن تؤخذ البلد بالسلم لا بالعنوة وبالأمان لا بالسطوة وألق بيده إلى التهلكة وعلاه ذل الهلكة بعد عز المملكة وطرح جنبه عل التراب وكان جنبا لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح جنبه على التراب وكان جنبا لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح إليه أمل طامح وقال هاهنا أساري مسلمون يتجاوزون الألوف وقد تعاقد الإفرنج عل إنه أن هجمت عليهم الدار وحملت الحروب عل ظهورهم الأوزار بدئ بهم فعجلوا وثن بنساء الافرنج وأطفالهم فقتلوا ثم استقلوا بعد ذلك فلا يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف و لا يفك سيف من يد إلا بعد أن تقطع أو ينقصف فأشار الامراء بأخذ الميسور من البلد المأسور فإنه لو أخذ حربا فلا بد أن يقتحم الرجال الأنجاد وتبذل نفوسها في آخر أمر قد نيل من أوله المراد وكانت الجراح في العساكر قد تقد منها ما اعتقل الفتكات وأثقل الحركات فقبل منهم المبذول عن يدوهم صاغرون وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون وملك الإسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان لا جرم أن الله أخرجهم منها وأهبطهم وأرض أهل الحق وأسخطهم فإنهم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الكنائس بها وبيوت الديوبة والاستبارية فيها كل غريبة من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا ينطرد لألاؤه قد لطف الحديد في تجزيعه وتفتن في توسيع إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما تر إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمدا كالأشجار لها من التنبيت أوراق وأذعن الخادم برد الأقصى إلى عهده المعهود وأقام له من الأئمة من يوفيه ورده المورود وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شهر شعبان فكادت السماوات يتفطرن للنجوم لا للوجوم والكواكب منها ينتثرن للطرب لا المرجوم ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكان طريقها مسدودة فظهرت قبور الأنبياء وكانت بالنجاسات مكدودة وأقيمت الخمس وكان التثبيت يقعدها وجهرت الألسن بالله أكبر وكان سحر الكفر يقعدها وجهر باسم أمير المؤمنين في وطنه الأشرف من المنبر فرحب به ترحيب من بر لمن بر وخفق علماه في حافتيه فلو طار سرور الطائر بجناحيه وكتاب الخادم وهو مجد في استفتاح بقية الثغور واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصدور فإن قوى العساكر قد استنفدت مواردها وأيام الشتاء قد قربت مواردها والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها فهي بلاد ترفد ولا تسترفد وتجم ولا تستنفد ينفق عليها ولا ينفق منها وتجهز الأساطيل لبحرها وتقام المرابط لساحلها ويدأب في عمارة أسوارها ومرمات معاقلها وكل مشقة بالإضافة إلى نعمة الفتح محتملة وأطماع الفرنج بعد ذلك مراهبها غير مرجئة ولا معتزلة فإن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله إنها لا تسمع ولن يفكوا أيديهم ممن أطراف البلاد حتى تقطع وهذه الألفاظ لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخص ولا بما سوى المشافهة تتلخص فلذلك نفذ الخادم لسانا شارحا ومبشرا صادحا يطالع بالخير على سياقته ويعرض بجيش المسرة من طليعته إلى ساقته وهو فلان فليسمع منه وولير وعنه والرأي أعلى إن شاء الله تعالى والله الموفق هذا خر الرسالة الفاضلية ورحل السلطان عن القدس يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر شعبان وودعه ولده الملك العزيز وسار معه قدر مرحلة ثم وصاه وشيعته وصحب أخاه الملك العادل فوصل إلى عكا في أول شهر رمضان فخيم بظاهرها ثم سار فوصل إلى صور تاسع شهر رمضان يوم الجمعة فنزل بعيدا من سورها ومكث حتى ورد عليه العسكر وتكمل ثم تقدم إليها يوم الخميس الثاني والعشرين من رمضان وحاصرها وحضر إليه ولده الملك الظاهر غياث الدين غازي فشد أزره وزحفوا على الكفار وقطعت الأشجار ورمى عليهم بالمناجيق واشتد الأمر وتعسر الفتح ( ذكر ما تم على الأسطول ) وكان السلطان قد تقدم من صور وأحضر إليها من عكا ما كان بها من مراكب الأسطول فوصلت منها عشر شواني مشحونة بالرجال والعدد واتصلت بها مراكب المسلمين من بيروت وجبيل فاستشعر المركيس الضرر منها وعمر الآخر مراكب وكانت مراكب المسلمين بالساحل محفوظة بالعسكر ولا يتمكن الفرنج منها وكل من الفريقين يعالج الآخر فاطمأن المسلمون واغتروا بالسلامة وبات ليلة خامس شوال وربطوا بقرب ميناء صور وسهروا إلى قريب الصبح فغلب عليهم النوم فيما انتبهوا إلا وسفن الفرنج محيطة بهم فأخذت شواني المسلمين وأسروا منها جماعة فاغتنم السلطان لذلك وكانت هذه أول حادثة حدثت للمسلمين فأزعج العسكر الإسلامي واشتد حزن المسلمين وأشار الناس بإبعاد بقية الشواني فسيرت إلى بيروت وركب العسكر في الساحل مباريها وهي بحذائه في البحر فظهر عليها شواني الفرنج فخرج المسلمون إلى البر على وجوههم وتوقعوا إلى الماء خوفا عل أنفسهم وكانوا لا معرف لهم بالقتال وكان في جملة الشواني قطعة رئيسها له خبرة بالأمور فأسرع وفات الفرنج ولم يدركوه فنجا بالمركب ومن فيه وبقيت المراكب الباقية خالية ممن كان فيها فدفعها المسلمون إلى البر وهذا والقتال مشتد بين الفريقين ولما عبر الفرنج عل تلك المراكب ظنوا عجز المسلمين وخرجوا للقتال في جمع كبير واشتد الأمر وارتفعت الأصوات ووقع المسلمون في الفرنج فولوا مدبرين وعادوا إلى البلاد وأسر منهم مقدمان وأسر قمص عظيم عندهم وكان الملك الظاهر غازي لم يحضر شيئا مما تقدم من الوقعات فبادر وضرب عنقه وكان القمص يشبه المركيس فظنوا إنه هو فلما رأى المسلمون هذا الحال وأن السلطان مصمم عل ما هو فيه وله قدرة وثبات عل القتال اجتمع بعض الأمراء وشرعوا في تدبير أمر يعرض عل السلطان يتضمن أن الأمر أمر عسير والأولي تركه والرحيل عن هذا المكان فأطلع السلطان عل ما هم فيه فتلطف بهم ووعظهم وقال كيف نخلي هذا المكان ونذهب ؟ وإذا سئلنا عنه فماذا نجيب ؟ ثم أخرج الأموال وفرقها عل العسكر وأمرهم بالثبات فامتثلوا أمره ( فتح حصن هرنين ) كان السلطان قد وكل بها بعض أمرائه فاستمر يحاصرها حتى طلب أهلها الأمان فورد الخبر عل السلطان بذلك وهو عل محاصرة صور فندب بدر الدين ويدرم البارزني - وهو من أكبر عظمائه - فمضى إليهم وتسلمت هرنين بما فيها وتسلمها بيرم أخو صاحب بانياس وأقام السلطان عل صور يحاصرها فدخل الشتاء وضجر العسكر وكثرت الجرحى وتوالت الأمطار والسلطان يحرضهم عل القتال والثبات وكثر القتال واشتد الأمر وما زالوا يراجعون السلطان ويشيرون عليه بالرحيل وكان السلطان انفق في تلك المدة أموالا كثرة عل آلة القتال ولا يمكن نقلها , إن تركها تقو بها الكفار فنقضها وفك بعضها وأحرق ما تعذر حمله وحمل بعضها إلى صيدا وبعضها إلى عكا وتأخر السلطان عن قرب صور فشرع العسكر في الانصراف وواعد في المعاودة إلى أوان الربيع وودع الملك المظفر تقي الدين من هناك وبقي السلطان يتأسف على الفتح فسار إلى عكا وخيم عل بابها ثم اشتد البرد فدخل السلطان المدينة وسكن بها وشرع في التأهب إلى الجهاد وإصلاح العدد وإكرام من يغدو إليه وكانت رسل الآفاق من الروم وخراسان والعراق عاكفين على بابه فيما مر يوم ولا شهر إلا ويصل إليه رسول ورتب أحوال عكا وأمورها ووقف نصف دار الاستبار رباطا للصوفية ونصفها مدرسة للفقهاء وجعل دار الأسقف بيمارستان للضعفاء ودخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة والسلطان مقيم بعكا فلما دخل فصل الربيع سار ونزل عل سمت حصن كوكب في العشر الأوسط من المحرم قبل تكامل العسكر وحاصره فرأى أن فيه صعوبة ويطول أمره ثم وكل بها قائما النجمي في خمسمائة مقاتل ورتب عل صفد خمسمائة فارس وجهزهم إليها ( ذكر حال الكرك من أول الفتح ) قد مضى ذكر ابرنس الكرك وقتله وكانت زوجته ابنة فليب صاحب الكرك مقيمة بالقدس وممن أسر ولدها هنقرى ابن هنري فلما فتح بيت المقدس حضرت إلى السلطان وتخضعت له وتذللت وسألت في فك ولدها من الأسر وصحبتها زوجة ابنها ابنة الملك وحضرت الملكة مع صاحبة الكرك تسأل في زوجها الملك فأكرمهن السلطان وأحسن إليهن واما الملكة فجمع شملها بالملك وتقرر مع صاحبة الكرك إطلاق ابنها على تسليم قلعتي الشوبك والكرك فأستحضر هنقرى من دمشق واجتمع بوالدته وسارا مع جماعة من الأمراء لتسليم القلعتين فلما وصلت هي وولدها لم يطعها أهل الكرك ولم يسلموا وأفحشوا في الخطاب لها ثم وقع لها كذلك بالشوبك فرجعت إلى السلطان فقبل عذرها وطمن قلبها على ولدها فتوجهت إلى عكا ثم انتقلت إلى صور وجهز السلطتان العساكر لحصار الكرك والشوبك ثم وصل إلى السلطان وهو على كوكب بهاء الدين قراقوش فندبه لعمارة عكا لعلمه بكفاءته وأمده بالأموال والرجال فسار إلى عكا وشرع في عمارتها وتحصين أسوارها وورد على السلطان الرسل من ملوك الروم وغيرها وأقام السلطان عل كوكب إلى آخر صفر فتعسر فتحها ثم رحل السلطان إلى دمشق ودخل إليها في يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول فنثر العدل وفصل الحكومات فوصل الخبر بوصول العسكر من الشرق وأصبح السلطان بكرة يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول عل الرحيل ثم سار إلى بعلبك ورحل عل سمت اللبوة ووصل إليه عماد الدين صاحب سنجار بالعسكر فتلقاه السلطان أحسن لقاء وأكرمه واجمعوا على دخول بلاد الساحل وتجردوا عن الأثقال وساروا فنزل السلطان على حصن غور وفتحه وغنم ما فيه ثم عاد إلى مخيمه وانقضى شهر ربيع الآخر وقد وصل قاضي جبلة يحث عل قصدها وكان بها خلق كثير من المسلمين ورحل السلطان يوم الجمعة رابع جمادى الأولى إلى جهة الساحل فوصل إلى انطرسوس وحاصرها ونهبها وسبأ أهلها فاحتمى جماعة ببرجين هناك فهدم أحدهما وامتنع الآخر ونقض أسوار انطرسوس وترك البرج الممتنع ورحل العسكر عنها ونزل عل مرقبة وقد اخلاها أهلها وكان الفرنج قد صفوا المراكب في البحر وسار السلطان بالعسكر ووقع بين المسلمين والأفرنج وقعات وأمور يطول شرحها وقصد جبلة ( فتح جبلة ) أشرف السلطان عل جبلة بكرة يوم الجمعة ثامن عشر جمادي الأولى وأحاط بها العساكر فطلبوا الأمان على أن يعيدوا ما استرهنوه في إنطاكية من أهلها ويسلموا كل ما لهم من السلاح والعدة والخيل وكان قاضيجبلة هو المتوسط لهم في أخذالأمان وسلمت إل المسلمينيوم الخميس وأقام السلطان بها أياما يقرر أمورها وكان يعظم قاضي جبلة ويحسن إليه ووقف عليه ملكا نفيسا واقره على ولايته بمنصب القضاء وكان حصن بكرائل قد سلم من قبل ( فتح اللاذقية ) ورحل السلطان ثالث عشر جمادى الأول يوم الأربعاء وتاب تلك الليلة بالقرب من اللاذقية بجبل عاصم فلما أصبح يوم الخميس كان حصارها واشتد القتال ونقب أسوارها فطلبوا الأمان في يوم الجمعة الخامس والعشرين من جمادي الأولى وصعد إليهم قاضي جبلة يوم السبت وفتحت صلحا وسلموا القلاع بما فيها ورحل منها جماعة ودخل جماعة في عقد الذمة ورتب السلطان فيها جماعة من مماليكه وركب السلطان وطاف بالبلد وقرر أمورها ورحل عنها ( فتح حصن صهيون وغيره ) رحل السلطان من اللاذقية ظهر يوم الأحد السابع والعشرين من جمادي الأولى وأخذ على سمت صهيون وخيم عليها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين وأحاط العسكر بها يوم الأربعاء وحاصرها فملكوا ثلاثة أسوار بما فيها فطلبوا الأمان وسلموا البلد ثم سلم حصن صهيون بجميع أعماله وما فيه من الذخائر وتسلم يوم السبت قلعة العبد ويوم الأحد قلعة الجماهريين ويوم الاثنين حصن بلاطنس وسار السلطان في ثاني يوم فتح صهيون ونزل عل العاصي وتسلم حصن بكاس يوم الجمعة تاسع جمادى الآخرة ثم حاصر قلعة الشعر وطال القتال حتى أيس منه فخرج من الحصن من يطلب الأمان في ثالث عشر الشهر يوم الثلاثاء وتسلم قلع الشعر ثم سار ولد السلطان الملك الظاهر القلعة سرمانية فحاصرها وخربها وفتحها يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الآخرة ( فتح حصن برزية ) وسار السلطان إلى قلعة برزية وهي من أحصن القلاع فنازلها يوم السبت رابع عشري الشهر ثم تجرد الأحد ورق الجبل فرآها قلعة على سن من الجبل عالية فأدق بها وبالجبل وزحف عليها في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من الشهر ورتب عليها الامراء نوبا فقاتلوا واشتد القتال وتقدم السلطان بنفسه في النوبة الثانية فلما أيقنوا بأنهم ملكوا طلبوا الأمان وسلموا الحصن فلما حصل الفتح عاد السلطان إلى خيامه وكانت صاحبة حصن برزية أخت زوجة الابرنس صاحبة إنطاكية قد سبيت فأمر بإحضارها واعتقها وكذلك زوجها وأحضر أيضا ابنة لهما زوجها وعدة من أصحابها وأدخلهم معهم في الإطلاق وقلد الحصن لأمير من جماعته وكان فتح هذا الحصن من آيات الله تعال لحصانته وعدم القدرة عليه فيسر الله فتحه في أيسر وقت ( فتح حصن دريساك ) رحل السلطان وأقام أياما على جسر الحديد ثم قصد دريساك وهو حصن مرتفع وكان عش الراوية نزل عليه يوم الجمعة ثامن رجب وحصره ورمى برجا من السور بالنقب فلما كان يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب طلبوا الأمان وتسلم الحصن بما فيه يوم الجمعة ثاني عشري الشهر ( فتح حصن بقراس ) توجه بكرة السبت إلى بقراس وهي قلعة قريبة من إنطاكية وهي عل رأس جبل عالية حصينة وهي للراوية فخيم بقربه في المرج وتقدم جمع كثير من العسكر بينها وبين إنطاكية وصار يركب كل يوم ويقف تجاه إنطاكية وصعد السلطان متجردا في جماعة من عسكره إلى الجبل بازاء الحصن ونصب عليه المناجيق من جميع جهاته ورم عليه وحاصره فطلبوا الأمان وتسلم القلعة في ثاني شعبان وحزر ما في بقراس من الغلة فكان تقديرا اثني عشر ألف غرارة ( عقد الهدنة مع إنطاكية ) ولما فرغ السلطان من فتح هذه الحصون قصد إنطاكية وكانت قد تلاشت أحوالها وقل ما فيها من القوت وكان الابرنس صاحبها قد أرسل أخا زوجته يسأل في عقد الهدنة وطلب الأمان على ماله وولده لثمانية أشهر من تشرين إلى آخر أيار وأجابه السلطان إلى ذلك وهادنه وشرط عليه إطلاق من عنده من الاساري وسار رسول السلطان ومعه شمس الدولة بن منقذ لأجل الاساري ورحل السلطان ثالث شعبان إلى سمت حلب ولما رحل السلطان من بقراس ودع عماد الدين بن زنكي وعساكر البلاد وخلع عليه ومنحه بالتحف النفيسة وأنعم عل العسكر بأشياء خلاف ما غنموه وسار في عسكره ووصل حلب ثم سار منها ووصل إلى حماه وبات بها ليلة واحدة ثم سار عل طريق بعلبك فجاءها قبل رمضان بأيام وكان العسكر قصدهم الصوم في أوطانهم بدمشق فلما وصل السلطان إلى دمشق اشتد عزمه وتحرك للجهاد مكن أجل صفد وكوكب وغيرهما وخرج من دمشق في أوائل شهر رمضان ( فتح الكرك وحصونه ) ووردت البشائر بتسليم حصن الكرك فإن السلطان لما كان في بلاد إنطاكية لم يزل الحصار عل الكرك وكان أخوه الملك العادل بمن معه عل تبنين لحفظ البلاد وكان صهره سعد الدين كمشه بالكرك موكلا بحصاره فراسل الافرنج الملك العادل في الأمان فامتنع ثم صالحهم وسلموا الحصن ( محاصر صفد وفتحها ) ثم سار السلطان حتى نزل عل صفد وجاء الملك العادل وشرعوا في حصار القلعة ورميها بالمناجيق واستمر الحال عل ذلك إلى ثامن شوال وصعب فتحها حتى أذن الله تعال وسهل فأذعنوا وأخرجوا من عندهم من أسرى المسلمين ليشفعوا لهم في طلب الأمان وسلمت للمسلمين وخرج من فيها من الكفار إلى صور ولما أشرفت صفد على الفتح شرع الافرنج في تقوية قلعة كوكب وأجمعوا عل تسيير مائتي رجل من الأبطال المعدودين ليمكنوا للمسلمين في الطريق فعثر بواحد منهم بعض جند المسلمين فأمسكه وأتي به إلى صارم الدين قايماز فأخبره بالحال وأن الكمين بالوادي فركب إليهم في أصحابه والتقتطهم عن آخرهم وأحضرهم إلى السلطان وهو عل صفد وكان فيهم مقدمان من الاستبارية فاحضرا عند السلطان وأنطقهما الله تعالى وقالا ما نظن أننا بعد ما شاهدناك يلحقنا سوء فمال إلى كلامهما وأمر بإعتاقهما فإن تلك الكلمة أوجببت عدم قتلهما فإنه كان لا يبقي عل أحد من الاستبارية والرواية وفتح الله صفد في ثامن شوال ( حصار كوكب وفتحها ) وسار السلطان إلى كوكب وهي في غاية الحصانة فحاصرها وقاتل من فيها أشد قتال وحصل الضيق الزائد لوقوع البرد الشديد وقوة الشتاء وما زال السلطان ملازما للحصن بالرمي حتى تهدم غالب بنائه ونصر الله المسلمين وملكوا كوكب وأخرجوا الكفار وغنموا أموالهم وكان هذا الفتح في منتصف ذي القعدة وعرض السلطان القلعة على جماعته فلم يقبلوها فولاها قايماز النجمي عل كره منه ثم تحول السلطان إلى أرض بيسان وأذن للأمراء والجند في الانصراف وسار معه أخوه الملك العادل في مستهل ذي الحجة إلى القدس الشريف ووصل يوم الجمعة ثامن الشهر وصلى في قبة الصخرة وعيد بها يوم الأحد الأضحى ونحر الأضحية وسار يوم الاثنين إلى عسقلان للنظر في مصالحها وتدبير أحوالها وأقام أياما ثم ودعه أخوه الملك العادل وسار بعسكره إلى مصر ورحل السلطان إلى عكا ودخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة والسلطان مقيم بعكا يرتب أمورها ويحصنها إلى أن وصل جماعة من مصر فأمرهم بالإقامة فيها وأمر بهاء الدين قراقوش بإتمام بناء سورها ثم سار إلى طبرية ودخل دمشق مستهل شهر صفر ثم خرج منها يوم الجمعة ثالث ربيع الأول متوجها إلى شقيف أرنون وأتى مرج عيون وخيم فيه بقرب الشقيف واعتد للقتال يوم الجمعة سابع عشر ربي الأول وكان الشقيف في يد أرناط صاحب صيدا فنزل إل خدمة السلطان يسأله أن يمهله ثلاث أشهر لينقل أهله من صور وأظهر إنه يخاف أن يعلم المركيس بحاله فلا يمكنه من أهله فأجابه السلطان لذلك وشرع أرناط في تحصين نفسه واستعداده للحرب فعلم السلطان بحقيقة حاله فتقرب السلطان من الشقيف فلما علم صاحب الشقيف بذلك حضر إلى خدمة السلطان وشرع في الاستعطاف له وإزال ما عنده وعاد إلى حصنه ثم حضر وأنهى تخوفه على أهله وسأل المهملة سنة فأرسل السلطان من كشف الحصن فوجده قد تحصن زيادة على ما كان فيه فأمسك صاحب الحصن وقيد وحمل إلى قلع بانياس ثم استحضره في سادس رجب وهدده ثم سيره إلى دمشق وسجنه وحاصر الحصن في يوم الأربعاء ثامن رجب ورتب عليه عدة من الأمراء لمحاصرته إلى أن تسلمه بعد سنة وأطلق صاحبه ولما كان السلطان بمرج عيون اجتمع الافرنج واتفقوا عل إقامة المركيس بصورة واجمعوا عل حرب المسلمين والمر كيس يمدهم من صور فبلغ السلطان ذلك في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى وإنهم عل قصد صيدا فركب في الحال والتقى بعسكره مع الافرنج فهزمهم بإذن الله تعالى ونصر الله المسلمين وأسر من أعيانهم سبعة وعاد السلطان إلى مخيمه وأقام إلى يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الأولى ثم ركب في ذلك اليوم وتواقع هو والإفرنج واشتد القتال فاستشهد جماع من المسلمين وقتل خلق كثير من المشركين ثم قوم عزم السلطان عل قصدهم في مخيمهم وشاع هذا الخبر فخاف الافرنج وذهبوا إلى صور فاقتضى الحال التأخير وسار السلطان إلى تبنين صبيحة يوم الخميس السابع والعشرين من الشهر ثم سار منها إلى عكا ورتب أمورها وعاد إلى المعسكر وأقام إلى يوم السبت سادس جمادى الآخرة فبلغه أن الافرنج ينتشرون في الأرض فأمر السلطان بتكمين كمائن لهم وإذا رأوهم يطاردونهم وسار السلطان يوم الاثنين فتواقعوا بين يدي الافرنج في واد لا ينفذ فحصرهم الافرنج فلم يقدروا عل السلوك من الوادي فاستشهدوا رحمهم الله تعالى ( مسير الافرنج إلى عكا ) وصل الخبر يوم الأربعاء ثامن رجب أن العدو عل قصد عكا وأن جماعة منهم سبقوا إلى النوافير ونزلوا باسكندرونة وتوقعوا مع جماعة من المسلمين فكتب السلطان للعسكر يجمعهم ورحل الافرنج يوم الأحد ثاني عشر رجب ونزلوا عل عين عبد فأصبح السلطان عل الرحيل وجاء عصر يوم الثلاثاء والسلطان نازل بأرض كفر كنا ثم أصبح يوم الأربعاء خامس عشر الشهر ونزل على جبل الخروبة وترك الأثقال بأرض صفورية ونزل الافرنج عل عكا من البحر إلى البحر محتاطين بها يحاصرونها واجتمعت العساكر فصار العدو حول البلد وأحاط المسلمون بالإفرنج ومنعوهم من الطرق واشتد القتال واستدارت الافرنج بعكا ومنعوا من الدخول والخروج وذلك يوم الأربعاء والخميس سلخ رجب فأصبح السلطان يوم الجمعة مستهل شعبان عل عكا وتباشر المسلمون بالنصر وثار الحرب وأصبحوا يوم السبت عل ذلك وحمل الناس من جانب البحر شمالي عكا حملة شديدة وانهزم الافرنج إلى تل الصياصية وأخلوا ذلك الجانب وانفتح للمسلمين طريق عكا ودخل العسكر إليها وخرج واستطرقت إليها الجيوش وأطلع السلطان عل الافرنج من سورها وخرج عسكر البلد للقتال وتشاور المسلمون فيما بينهم ودبروا الحيل في القتال العدو المخذول فلما كان يوم الأربعاء ثامن شعبان ركب الافرنج خر النهار بأجمعهم وتقدموا وحملوا عل المسلمين فصدمهم المسلمون فول الكفار هاربين مدبرين وقتل وجرح منهم ودخل الليل وبات الحرب على حاله وانتقل السلطان ليلة الاثنين حادي عشر الشهر إلى تل الصياصية لأنه مشرف عليهم للعلو وبلغ السلطان أن الافرنج يخرجون للاحتشاش وينتشرون في الأرض فانتدب جماعة من العربان فأغاروا عليهم وحالوا بينهم وبين خيامهم وحشروهم وأبادوهم قتلا وقطعوا رؤسهم وأحضروها عند السلطان وذلك يوم السبت سادس عشر شهر شعبان وسر المسلمون وتباشروا هذا والقتال عل عكا متصل ( ( نادرة ) ) ومن النوادر الواقعة إنه أفلت من بعض مراكب الافرنج حصان من الخيول الموصوفة عندهم فلم يقدروا على إمساكه وما زال في البحر وهم حوله إلى أن دخل ميناء البلد فتسارع المسلمون إليه وأخذوه وأهدوه إلى السلطان فتبباشر المسلمون بالنصر ورآه الافرنج من إمارات خذلانهم ( الوقعة الكبرى ) واصبح الافرنج يوم الأربعاء لعشرين من شعبان وقد رفعوا صلبانهم وتقدموا وزحف أبطالها وقد عبى السلطان الميمنة والميسرة وشرع يمر بالصفوف ويقوي عزم العساكر واشتد القتال واستشهد جماعة من المسلمين وول العسكر الإسلامي منهزما فمنهم من وصل طبرية ومنهم من وصل دمشق وبقي المسلمون في شدة عظيمة حتى أدركهم الله تعال بالنصر وهو إنه لما تمت الكسرة على المسلمين وصل جماعة من الافرنج إلى خيمة السلطان ولم يتبعهم من يعضدهم فهابوا الوقوف هناك فانحدروا عن التل فاستقبلهم المسلمون وتبعوهم وظفروا بهم فقتلوا منهم وضربوا رقابهم واشتد الحرب وثبت المسلمون فمالوا عل ميسرة الإفرنج قفلوها ووضعوا فيهم السيوف فأبادوهم قتلا وممن قتل مقدم عسكرهم وتبعهم المسلمون حتى كلت سيوفهم وقتل من الإفرنج خمسة لاف فارس وقتل مقدم الراوية وحكي عنه أنه قال عرضنا في مائة ألف وعشرة لاف ومن العجب أن الذين ثبتوا من المسلمين لم يبلغوا ألفا فردوا مائة ألف فكان الواحد من المسلمين يقتل من الكفار ثلاثين وأربعين وأرسل السلطان بهذه النصرة البشائر إلى دمشق وعاد السلطان إلى مكانه وعزم على إنه يصالح العدو وتفقد العسكر فإذا هو قد غاب وذلك أن بعض الغلمان والأوباش لما وقعت الوقع ظنوا أن عسكر الإسلام انهزم فنهبوا الأثقال وانهزموا وانهزم جماعة من الجند فمضى العسكر وراء الغلمان فتأخر من أجل ذلك العزم على المسير وانتعش الإفرنج لذلك وكثرت جيف الإفرنج المقتولين فشك المسلمون نتن رائحتها فرسم السلطان بحملها عل العجل ورميها في النهر فحمل أكثر من خمسة آلاف جثة ثم في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان حضرا أكابر الأمراء عند السلطان ودار الكلام بينهم في المشورة فأشاروا بالانصراف لهجوم البرد والشتاء وإن أبدانهم وخيولهم قد ضعفت وإن السلطان يراسل البلاد ويجمع الجموع ثم يحضر للجهاد في سبيل الله تعالى هذا والسلطان متكره من هذه المقالات وليس عنده ملل وفي كل يوم عل العسكر ويقوي عزمهم فانتقل ليلة الثلاثاء رابع شهر رمضان إلى الخروبة عند الأثقال وأمر من بعكا بغلق الباب وشرع الإفرنج في حفر خندق على معسكرهم حوالي عكا من البحر إلى البحر وتحصنوا وتستروا وأقام السلطان بالخيم وهو متوعك فمن الله تعالى عليه بالعافية وصرف الأجناد الغرباء ليرجعوا في الربيع وأقام بمماليكه فما مضى يوم إلا وفيه وقعة والمماليك ظافرون بالإفرنج وفي يوم الاثنين ثالث شهر رمضان أخذ المسلمون بعكا مركبا للإفرنج مقلعا إلى صور فيه ثلاثون رجلا وامرأة واحدة ورزمة من الحرير فغنموه وتباشروا واشتد أزرهم بذلك ( وصول ملك الألمان ) ورد اخبر بوصول ملك الألمان إلى قسطنطينية في عدد كثير عل قصد العبور إلى بلاد الإسلام وإنه في ثلاثمائة ألف مقاتل وقد قطع الروم إلى جهة الشام فإنزعج المسلمون لذلك وندب السلطان الرسل إلى جميع الأمصار يستنفر للجهاد فوصل الملك العادل سيف الدين من مصر في نصف شوال في جيش عظيم فحصل به السرور وقو المسلمون ونزل في مخيمه وأرسل السلطان إلى رجال دمشق والبلاد فحضروا وشرع المسلمون في كل يوم يعالجون الإفرنج ولهم معهم في كل ليلة كبسة وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة وصل الأسطول من مصر وعدته خمسون شونة ( 1 ) فإن السلطان لما وصل الإفرنج إلى عكا كتب إلى مصر بتجهيز وتكثير رجاله وعدده فصادف مراكب الإفرنج في البحر فأول ما ظفر الأسطول بشونة للإفرنج فقتل مقاتليه ووقعت بينهم وقعة كبر وتفرقت سفن الإفرنج وصارت البشائر للمسلمين بوصول الأسطول ولما اشتد البرد وكثرت الأمطار واستظهر البلد برجال الأسطول وكانوا زهاء عشرة لاف بحري فامتلأ البلد وشرعوا يتلصصون على الكفار وكبسوا ليلة سوق الخمارات وسبوا عد من النساء الحسان فكان في ذلك نكاية عظيمة للكفار وأمكن الله المسلمين منهم وشرعوا في نهبهم وأسرهم في كل وقت _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) الشونة المركب المعد للجهاد في البحر انته ( قاموس ) ( ذكر نساء الإفرنج ) ثم وصلت مركب فيها ثلاثمائة امرأة إفرنجية من النساء الحسان اجتمعن من الجزائر الإسعاف العزبان وسبلن أنفسهن وفروجهن للعزبان ورأين أن هذه قربة ما ثم أفضل منها وعند الإفرنج أن العزباء إذا مكنت الأعزب لا حرج عليها وتسامع عسكر الإسلام بهذه القضية فأبق من المماليك والجهال جماعة وذهبوا إليهن ووصلت أيضا في البحر امرأة كبيرة القدر وهي ملكة بلدها وفي خدمتها خمسمائة فارس وفي الإفرنج نساء يلبس هيئة الرجال ويقاتلن وفي يوم الوقعة أسر جماعة منهن فلم يعرفن حتى سلبن وعرين وأما العجائز فحضر منهن جماعة وهن ينشدن تارة ويحرصن وبنخين الرجال لعنة الله عليهن وفي هذه السنة ندب السلطان الرسل إل البلاد لاستنفار المجاهدين وتوفي الفقيه ضياء الدين عيس الهكاري بمنزلة الخروبة سحر ليلة الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة خمس وثمانين وكان من الأعيان وله منزلة عند السلطان وحمل من يومه إلى القدس ودفن به ودخلت سنة ست وثمانين وخمسمائة والسلطان مقيم بعسكره بمنزلة الخروبة وعكا محصورة وخرجت هذه السنة والحصر مستمر ووقعت وقائع وهلك من الإفرنج عدد لا يقع عليه الحصر ( وقع الرمل ) وكان السلطان يركب أحيانا للصيد وهو لا يبعد من المخيم فركب يوما في صفر فأبعد والكركبة عل الرمل وساحل البحر فخرج الإفرنج وقت العصر 363 فتسامع المسلمون يهم فخرجوا إليهم وزحفوا عليهم وطردوهم وأحاطوا بهم ورموهم حتى فرغ النشاب فلما علم الإفرنج بذلك تجاسروا وحملوا حملة واحدة حتى ردوا المسلمين إلى النهر فثبت جماعة وستشهد جماعة ودخل الليل وحال بين الفريقين ( فتح شقيف أرنون ) وفي يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول تسلم بالأمان شقيف أرنون وكان صاحب صيدا معتقلا بدمشق لأجله فسلمه بما فيه وأخرج عنه وسار إلى صور ورحل السلطان ونزل عل تل كيسان يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الأول ( مقاتل الإفرنج عكا ) وكان السلطان قد رتب طيورا البطاقات منه إلى من بعكا وتعيد إليه الجواب منهم وكان يأتي إليه الخبر أيضا عل يد العوامين في البحر وكان الإفرنج شرعوا ففي عمل أبراج من خشب وأتقنوها وزحفوا فيها إلى السور وتساعدوا على طم الخنادق فوصل إلى السلطان عوام يخبره بالحال فركب وزحف إلى الإفرنج في عشرين من ربيع الأول يوم الجمعة وسار إلى القتال بخيلة ورجله وضايقهم حتى دخل الليل فلما أصبح يوم السبت صبحهم بالحرب واستمر إلى آخر النهار وأصبح يوم الأحد عل القتال وأيده الله تعال بالنصر واستمر القتال فلما كان يوم السبت الثامن والعشرين من الشهر بعد الظهر وإذا بنار في أحد الأبراج موقدة فأحقت النار بالبر حتى أحرقته ثم أحرقت البرج الثاني ثم الثالث وسقطت الثلاثة أبراج بقدرة الله تعالى فحصل للمسلمين السرور بذلك ودمر الله الكافرين والعجب أن الأبراج كانت متباعدة وقد أبعدها الإفرنج بمسافات وكل واحد منها عل جانب من البلد فاحترقت في واحد وكان سبب حرقها إن رجلا يعرف بعلي بن عريف الحسين بدمشق كان استأذن السلطان في دخول عكا للجهاد وأقام بها وشرع يعمل النفط ويركب عقاقيره والناس يسخرون منه فلما قدمت الأبراج إلى البلد رمي عليها بالنفوط وغيرها فلم يفد فحضر ابن العريف إلى بهاء الدين قراقوش واستأذنه في الرمي فأذن له على كره فإن الصناع قد أيسوا فلما إذن له بهاء الدين قراقوش رمى أحد الأبراج فأحرقه وانتقل إلى الثالث فأحرقه ولم يكن ذلك بصنعه بل وفقه اله تعالى له وخرج المسلمون من البلد فحفروا الخندق وجاؤا إلى موضع الحريق واستخرجوا الحديد من موضع الحريق وما وجدوا من الزرديات وغيرها ولله الحمد والمنة ( وصول الأسطول من مصر ) كان السلطان أمر بتعمير أسطول آخر من مصر فلما كان يوم الخميس ثامن جمادي الأولى ظهر الأسطول فركب السلطان ليشغل الإفرنج عن قتال الأسطول فعمر الإفرنج أسطولا وتلاقى هو وأسطول المسلمين فجاءت مراكب المسلمين ونطحت مراكبهم وأخذ المسلمون مركبا للإفرنج واخذ الإفرنج مركبا للمسلمين وأتصل الحرب في البحر إلى غروب الشمس فقتل من الإفرنج عدة كثيرة وسلم المسلمون ( قصة ملك الألمان ) صح الخبر أن ملك الألمان عبر من قسطنطينية بجنوده فقيل إنهم أقاموا في قفار ومواضع مدة شهر لا يجدون الطعام فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها ويكسرون قنطارياتهم لعدم الحطب ويشعلونها في البرد الشديد وزمان الثلج وحصل لهم من الشدة ما لا يكاد يوصف وضعف حالهم وذلك من لطف الله بالمسلمين فلما وصل إلى بلاد قلج أرسلان بن مسعود حصل بينه وبين الكفار طراد وقتال ثم أرسلا وإصطلحا وتهاديا واقتضى الحال بينهما أن ملك الألمان يدخل إلى البلاد الشامية وإنه يسير في بلاده وأعطاه عشرين مقدما من أكابر امرائه ليكونوا معه حتى يصل المأمن فلما وصل إلى بلاد الأرمن غدر بالرهائن وتأول عليهم بأن التركمان سرقوا منه في طريقه ونزل على طرطوس وهناك نهر فتواردت عليه العساكر وازدحموا فقصد ملك الألمان النزول إلى النهر ليغتسل فقال هل تعرفون موضعا يمكن العبور منه ؟ فقال له واحد هنا مخاضة ضيقة لا يدخل فيها إلا واحد بعد واحد فدخل في تلك المخاضة فقوى عليه الماء فصدمته شجرة في وجهه شجت جبينه وتورط في الماء فتعبوا في إخراجه فلما خرج بقي مريضا ثم لك لعنة الله وخلقه ولده فقيل إنهم سلقوه في قدر حتى تخلص عظمه وانهرى لحمه وجمعوا عظامه في كيس ليدفن في كنيسة قمامة بالقدس حسبما أوصى به ووصل الخبر إلى السلطتان بهلاك الكافر وأن ولده خلفه وهو واصل في جمع كبير فعزم السلطان على استقباله وصده ثم تثبت وأرسل العساكر إلى البلاد التي هي في طريق هذا الكافر القادم ووقع المرض في الإفرنج وأمر السلطان بهدم سور طبرية وهدم يافا وأرسوف وقيسارية وهدم صور وصيدا وجبيل ونقل أهلها إلى بيروت وأما ولد ملك الألمان فمرض أياما في بلاد الأرمن وهلك أصحابه من الجوع ووقع الموت في خيلهم ثم ساروا من بلاد الأرمن وحصل له ولعسكره شدة عظيمة كان الإفرنج لما صح عندهم وصول ملك الألمان إلى البلاد في جميع كبير قالوا إذا جاء صار الأمر له ولا يبقى لنا كلام معه فنحن نهجم على المسلمين ونظفر بهم قبل قدومه فخرجوا ظهر يوم الأربعاء لعشرين من جمادى الآخرة في جمع كبير وقصدوا مخيم الملك العادل فوقف الملك العادل ومن معه من الأمراء وحمل معه العسكر الحاضر قبل أن تتصل به بقية العساكر فكسر الإفرنج كسرة فاحشة وركبت العادلية أكتافهم وحكموا فيهم السيوف وكان السلطان قد ركب مع جماعة من المماليك فوصل وشاهد ما سره وقتل من الإفرنج زهاء عشرة لاف ولم يبلغ من استشهد من المسلمين عشرة أنفس وكتب السلطان إلى بغداد ودمشق وغيرهما يبشر بذلك ( ذكر ما تجدد للإفرنج بوصول الكندهرى ) وما زال الإفرنج في وهن وضعف حتى وصل من البحر رجل يقال له كندهرى وهو عندهم عظيم القدر أفاض عليهم الأموال فوق أهل الكفر وشاع هذا الخبر فتشاور السلطان وأكابره ورحل يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادي الآخرة إلى منزله الأول بالخروبة واشتغل بتدبير أمره والأخبار متواردة من عكا مع السباحين وبطاقات الحمام وأخبار ملك الألمان متواصلة بضعف حاله وتلاشي أحواله ( حريق المنجنيقات ) وفي رجب من السنة المذكورة انفق الكندهري على الرجال فأعط عشرة آلاف رجل في يوم واحد ليجدوا معه في القتال وضايق عكا ونصب عليها المناجيق فاشتد عزم المسلمين ممن بعكا وخرجوا بالفارس والراجل وحالوا بين الإفرنج وبينهما وخرج الزراقونمن البلد ورموا النار فيها فاحترق جميعها وقتل فيذلك اليوم من اففرنج سبعون فارسا وأسر منهم خلق كثير فخمد الافرنج بذلك وكان من جملتها منجيقان كبيران مصروف أحدهما ألف وخمسمائة دينار وكان ذلك في الللة الأولى من شعبان ( وثصول ولد ملك الالمان الذي قام مقام أبيه إل الإفرنج بعكا ) وصل إل السلطان خبر وصوله في سادس شعبان وحذرهم من شاهدهم بخمسة ألفا ووصل في البحر إل عكا آخر النهار سادس شهر رمضان فرآه الإفرنج وليسله وقع فقالوا ليته لم يصل إلينا فأخذ يحرضهم ويقوى عزمهم فعرفوه قوة بأسس المسلمين فأظهر لهم قوة وعزما فلما عرفوا جهله قالوا له نخرج للمسلمين لعلنا نظفر بهم فاجتمعوا وساروا إل مخيم السلطان فركب من خيمته وتقدم إلى تل كيسان ووقف ينهض العسكر وحال بينهم الليل وحصل للألمان مشقة فلما لم يبلغوا قصدهم من العسكر أخذوا في القتال البلد وحصاره ( ذكر برج الذبان ) وعند ميناء عكا في البحر برج يعرف ببرج الذبان منفرد عن البلد قصد الإفرنج حصاره قبل مجيء ملك الألمان في الثاني والعشرين من شعبان بمراكب جهزوها من البحر وشحنوها بالآلات والعدد ومنها مركب عظيم لما قرب من البرج رميت عليه النار فاحترق بكل ما فيه وملؤا بطة أخرى بالأحطاب فسر فيها النفط فأحرقها وكان الإفرنج في مراكب من ورائها فانقلب الريح عل الإفرنج وتطاير الشرر من بطة الحطب وعاد الإفرنج فالتهبوا وانقلب بهم السفينة فاحترقوا وغرقوا وأحتم برج الذبان فلم يظفروا منه بشيء ( ذكر الكبش وحريقه ) واستأنف الإفرنج عمل ذبابة في رأسها شكل عظيم يقال له الكبش وقد سقفوها مع كبشها بأعمدة الحديد وألبسوا رأس الكبش بعد الحديد بالنحاس خشية عليها من النار وسحبوها فأنزعج المسلمون لذلك وقالوا ليس في هذه حيلة ثم نصب المسلمون مناجيق ورموا بالحجارة فنفر من حولها من الرجال ثم قذفوها بالنار فدخلت من باب الذبابة فاشتعلت النار فيها وخرج منها الإفرنج واحترقت تلك الذبابة ورموها بالمناجيق حتى انهدمت وخرج المسلمون من الثغر وقطعوا رأس الكبش واستخرجوا ما تحت الرماد من الحديد وحملوا منه ما استطاعوا وحصل بذلك النصرة للمسلمين والخذلان للمشركين وكان ذلك يوم الاثنين ثالث عشر رمضان واحترقت البطة يوم الأربعاء خامس عشر واتفق في يوم الاثنين هذا من العدو وعل البلد الزحف الشديد ورموا بالمناجيق وخرج المسلمون فطردوهم إلى خيامهم ( ذكر غير ذلك من الحوادث ) وصل الخبر أن صاحب إنطاكية تحرك عل المسلمين فسربت له الكمائن فخرجوا عليه وقتلوا أكبر رجاله وفي هذا التاريخ ألقت الريح بساحل الذيب بطتين خرجتا من عكا بجماعة من الرجال والصبيان والنساء وحصل بين المسلمين والكفار وقائع وغنم المسلمون من الكفار وفي عشية الاثنين تاسع رمضان رحل السلطان إلى منزل يعرف بشعزعم لما بلغه من تحرك الإفرنج فخيم هناك وشرع يتواقع هو والإفرنج في كل وقت وغلت الأسعار عند الإفرنج واشتد بهم البلاء وخرج منهم جماعة ولجؤا إلى السلطان مما أصابهم من الجوع فقبلهم وأحسن إليهم فمنهم من اعتذر ومنهم من أسلم وصار في خدم السلطان ( نوبة رأس الماء ) ولما ضاق بالإفرنج الأمر تشاوروا وعزموا عل المصادمة فخرجوا في عدد كثير وذلك في يوم الاثنين حادي عشر شوال بعد أن رتبوا عل البلد من يحصرها وكان اليزك عل تل الصياصة ونزل العدو تلك الليلة واتصل خبرهم بالسلطان فرحل الثقل وبقي الناس على جرائد الخيل وسار العدو يوم الثلاثاء والعساكر في أحسن أهبة وامتد الجيش في الميمنة إلى الجبل وفي الميسرة إلى النهر بقرب البحر والسلطان في القلب فسار حتى وقف عل تل عند الخروبة وحوله أولاده وأخوه وخواص امرائه وأمراء القبائل من الأكراد وسار الإفرنج شرقي النهر مواجهين حتى وصلوا إلى رأس النهر فانقلبوا الغربية ونزلوا التل بينه وبين البحر والسلطان في خيمة لطيفة يشاهد القوم وأصبح الإفرنج يوم الأربعاء راكبين إلى صحوة النهار والمسلمون قد قربوا منهم فأحس الإفرنج بالخذلان فساورا وولوا مدبرين فتبعهم عسكر الإسلام ورموهم بالسهام وهم مجتمعون في سيرهم وكلما صرع منهم قتيل حملوه ودفنوه حتى لا يظهر للمسلمين كسرهم ونزلوا ليلة الخميس فقطعوا الجسر وأصبحوا بكرة الخميس وقد دخلوا إلى مخيمهم فعاد السلطان إلى محله وكان مع مع الإفرنج الخارجين المركيس والكندهرى وأقام مللك الالمان على عكا ( وقعة الكمين ) اقتضى رأي السلطان أن يرتب كمينا للعدو فجمع يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال رجاله وأبطاله وانتخت منهم من عرف بالشجاعة وامرعهم أن يكمنوا على ساحل البحر فمضوا وكمنوا ليلة السبت وخرجت منهم عدة يسيرة بعد الصباح ودنوا من الإفرنج فطمعوا فيهم وحملوا عليهم وطردوهم فانهزم المسلمون أمامهم حتى وقفوا على الكمين فخرجوا عليهم فلم يستطيع فارس منهم أن يفر فقتل معظمهم ووقع في الأسر خازن الملك وعدة من الافرنسيسية ومقدمهم وجاء الخبر للسلطان فركب بمن معه ووقف عل تل كيسان وشاهد النصر وجاءه مماليكه بالأسر وترك السلطان الأسلاب والخيول لآخذيها وكانت الأموال عظيمة وجلس السلطان في خيمته وحوله جنده وأنصاره وأحضر الأسر بين يديه وأحس و أطعمهم وألبسهم وألبس المقدم الكبير فروته الخاصة وأذن لهم أن يسيروا غلمانهم لإحضار ما يريدون ثم جهزهم إلى دمشق للاعتقال ( ذكر غير ذلك من الحوادث ) ثم هجم الشتاء فصرف السلطتان العسكر للاستراحة إلى الربيع وأقام هو على الجهاد ثم نقل الإفرنج سفنهم خوفا عليها إلى صور وأخلوا ساحل عكا وأقام الملك العادل عل البحر فوصل يوم الاثنين ثاني ذي الحجة من مصر سبعة مراكب فيها الغلة فخرج أهل البلد لمشاهدتها والمساعدة في نقلها فعلم الإفرنج بخروج أهل البلد إلى جانب البحر فزحفوا زحفا شديدا وأحاطوا بعكا وأتوا بسلالم فنصبوها عل السور وتزاحموا على الطلوع في سلم وتصادموا فاندف بهم السلم فتساقطوا فتداركهم المسلمون وفتكوا فيهم وقتلوا منهم جماعة وردوهم عل أعقابهم فلما اشتغل الناس بأمرهم تركوا المراكب وما فيها من الغلال فهاج البحر فكسرت المراكب وتلف ما فيها وغرق ما كان فيها من الأمتعة وهلك بها زهاء ستين نفسا والحكم لله العلي الكبير وفي ليلة السبت سابع ذي الحجة وقعت قطعة عظيمة من سور عكا فهدمت منه جانبا فبادر الإفرنج طمعا في الهجوم فجاء أهل البلد وصدوهم حتى عمر الهدم وجرح من العدو خلق كثير كل ذلك بهمة بهاء الدين قراقوش وفي ثالث عشر ذي الحجة هلك ابن ملك الألمان فحصل الوهن في الإفرنج بموته وهلك منهم عدد كثير وفي يوم الاثنين عشري ذي الحج عاد المستأمنون من الإفرنج الذين انهضهم السلطان ليغزوا في البحر ويكونوا جواسيس فرجعوا وقد غنموا أشياء كثير فوهبهم السلطان ذلك ولم يتعرض لشيء منها فلما رأوا ذلك أسلم منهم شطرهم وفي الرابع والعشرين من ذي الحج أخذ من الإفرنج مركوسين فيهما نيف وخمسون نفرا وفي الخامس والعشرين منه أخذ أيضا مركوسا فيه جماعة من أعيان الإفرنج ومعهم ملوطة مكللة باللؤلؤ بأزرار من جوهر قيل إنها من ثياب ملك الألمان وأسر فيه رجل كبير قيل إنه ابن أخيه وأستشهد في هذه السنة جماعة بعكا ممن الأمراء ودخلت سنة سبع وثمانين وخمسمائة والشتاء موجود والمسلمون مع الكفار في وقعات وفي أول ليلة من شهر ربيع الأول خرج المسلمون عل العدو فكبسوه في مخيمه وأسروا من الإفرنج وقتلوا وعادوا سالمين ومعهم اثنتا عشرة امرأة في السبي وفي يوم الأحد ثالث الشهر المذكور ثار الحرب بين المسلمين والكفار فنصر الله المسلمين وهلك من الإفرنج خلق كثير وقتل منهم مقدم كبير ولم يفقد من المسلمين إلا خادم صغير وكمن المسلمون كمائن ووصل إلى السلطان من بيروت خمسة وأربعون أسيرا من الإفرنج وقدم عل السلطان جماعة من عسكر الإسلام ( وصول ملك الافرنسيس - وأسمه فليب - لنجدة الإفرنج بعكا ) وفي ثاني عشر ربيع الأول يوم السبت وصل ملك الإفرنسيس إلى الإفرنج في عدد قليل ومن النوادر إنه كان مع هذا الملك بازي أشهب ففارقه يوم وصوله وطار ووقع عل سور عكا فأمسكه المسلمون وأحضروه للسلطان فسر بذلك وبذل الملك فيه ألف دينار فما أجيب ومما وقع إنه كان المستأمنون إلينا من الإفرنج تسلموا مرا كيس يغزون فيها ووصلوا إلى ناحية من جزيرة قبرص يوم عيدهم وقد اجتمعوا في كنيسة فصلوا معهم وأغلقوا باب الكنيسة وأسروهم بأسرهم وسبوهم وأخذوا جميع ما في الكنيسة وحملوهم إلى اللاذقية وباعوا بها كل ما أخذوه ومن جملته سبع وعشرون امرأة سبايا وصبيان فباعوها واقتسموا أثمانها وفي سادس عشري ربيع الآخر هجم جماعة ممن العسكر وأخذوا قطيعا من غنم الإفرنج وخالطوهم في خيامهم وركب الإفرنج بأسرهم في أثرهم فلم يظفروا بهم وفي يوم الخميس رابع جمادى الأول زحف العدو إلى البلد وكاد يأخذها فاستنفروا العساكر فأصبح السلطان وركب وسير من كشف حال العدو وهل لهم كمين فكلما شاهد الإفرنج عسكر المسلمين قد أقبل تركوا الزحف وتأخروا فإذا عاد عادوا ( قصة الرضيع ) كان لصوص المسلمين في الليل استلبوا طفلا من الإفرنج من يد أمه له ثلاثة أشهر فخرجت والدته وآلهة عليه فلم يشعر السلطان إلا وهي ببابه واقفة فأحضرها السلطان وهي باكية فأخبرته الخبر فطلب الرضيع فقيل له إن من أخذه باعه بثمن بخس فما زال يبحث عنه حتى جيء به في قماطه ودفعه لامه وشيع معها من أوصلها إلى مكانها وما رد الطفل إلا بعد ما اشتراه ممن هو في يده بثمن يرضيه رحمه الله عليه ( انتقال السلطان إلى تل الصياصة ) لما صر الإفرنج عل مضايقة عكا انتقل السلطان إلى تل الصياصة بعساكره وأثقاله واشتد الحرب بينه وبين الكفار في كل وقت وضاق الأمر عل من عكا وجرى فصول وحروب يطول شرحها ( وصول ملك الانكثير ) وفي يوم السبت ثالث عشر الشهر أشاع الكفار وصول ملك الانكثير في عدد كثير ووقع الارجاف في الناس والسلطان قوي الجنان لا يرهبه ذلك وهو معتمد عل الله في أموره وأعلم ملك الانكثير أن أهل التوحيد لهم قوة وإنهم لا يبالون به ( غرق البطة ) كان السلطان قد عمر في بيروت بطة وشحنها بالعدد والآلات وفيها نحو سبعمائة رجل مقاتل توسطت في البحر صادفها ملك الانكثير وأحاطت بها مراكبه وحصل القتال بين الفريقين وقتل من الإفرنج خلق كثير وعجزوا عن أخذها فلما رأى مقدمها اشتد الأمر نزل فخرقها حتى غرقت في البحر ووصل خبرها للسلطان في السادس عشر من جماد ى الأولى وكانت هذه الوقع أول حادثة حصل بها الوهن للمسلمين ( حريق الذبابة ) وكان الإفرنج قد اتخذوا ذبابة عظيمة ولها أربع طبقات وهي خشب ورصاص وحديد ونحاس وقربها إلى أن بقي بينها وبين البلد خمسة أذرع وكانت هذه الذبابة على العجل وانزعج المسلمون بذلك ورموا عليها النفط وهو لا يفيد فيها حتى قدر الله تعالى وجاءها سهم صائب فأحرقها الله تعالى وحصل للمسلمين السرور وزال عنهم ما كان من الغم بسبب غرق البطة فإن حريق الذبابة كان يوم وصول خبر غرق البطة ثم وقع وقعات في هذا الشهر وكانت العلامة بين عسكر السلطان وبين المقيمين بعكا عند زحف العدو دق الكؤس فإذا سمعت أدركهم العسكر فوقع لهم عدة وقعات فمن ذلك وقعة في يوم الجمعة تاسع عشرالشهراشتد فيها القتال إل وقت الظهر حت حمى الحر فافترق الفريقان ورجع كل إل مخيمه ووقعة في يوم الاثنين الثالث والعشرين من الشهر حصر العدو البلد واستشهد إثنان من المسلمين وقتل جماعة من المشركين ووقعة في اليوم الثامن والعشرين من الشهر خرج العدو فأرسلا وراجلا وركب السلطان واشتد الأمرواستشهد من المسلمين بدوي وكرديوهلك خلق كثير من المشركين وأسر منهم فارسبفرسه ووقعة في يوم الأحد التاسع والعشرين من الشهر طال فيها القتال وأسر الكفار من المسلمين واحدا فأحرقوه وأسر المسلمون منهم واحدا وأحرقوه قال العماد الكاتب وشاهدنا البارين في حالة واحدة يشتعلان والصفان واقفان يقتتلان ( ذكر المر كيس ومفارقته ) وفي يوم الاثنين سلخ الشهر ذكر عن المر كيس إنه هرب إلى صور فإنه كان بينه وبين هنقرى عداوة وأحقاد باطنية لأمور كانت بينهما فلما جاء ملك الانكثير تظلم إليه هنقرى واستعداده عل المر كيس فلما علم المر كيس بذلك فر منه ( فصل ) ووصل العساكر إلى السلطان من سنجار ومن مصر وحضر رسول من عند بعض ملوك الإفرنج إلى السلطان بكلام مهمل لا طائل تحته ثم حضر رسل ثلاثة فأكرمهم السلطان وأحسن إليهم وكان غرض الإفرنج بتكرير الرسلات الخداع حتى يشتغل المسلمون عنهم وضعف الثغر من قوة الحصر ولما علم السلطان يوم الثلاثاء سابع جماد الآخرة بما عليه البلد من غلبة البلاء زحف بعسكره ودهم الإفرنج ونهب من خيامهم وأمس تلك الليلة ثم أمر بدق الكؤس سحرا حتى ركب العسكر فجر ذلك اليوم من القتال أشد ما كان من أمس ووصل إلى السلطان مطلعة من البلد إنهم عجزوا ولم يبق إلا تسليم البلد فمعظم الأمر عل السلطان وفي هذا اليوم بعث العساكر وزحف إلى خنادقهم وخالطوهم وحصل بينهم قتال شديد ولما تكاثر الإفرنج عل عكا وقل المسلمون لكثرة من استشهد خرج سيف الدين عل المشطوب غل ملك الافرنسيس بأمان وقال له قد علمتم ما عاملنا كم به عند أخذ بلادكم من الأمان لأهلها ونحن نسلم إليك البلد عل أن تعطينا الأمان ونسلم فقال إن أولئك الملوك كانوا عبيدي وأنتم مماليكي أفعل بكم ما يقتضيه رأيي فقام المشطوب من عنده مغتاضا وأغلظ له في القول وقال نحن لا نسلم البلد حتى نقتل بأجمعنا ونقتلكم قبلنا ولا يقتل منا واحد حتى يقتل خمسين ولما رجع المشطوب وعلم حاله هرب جماع من الأمراء والأجناد ممن بالبلد وغضب عليهم السلطان وأخرج إقطاعتهم ثم رجع بعضهم إلى البلد فحصل له الرضا ووقع في بعضهم شفاعة واستمروا عل المقت عند السلطان وفي يوم الخميس حصلت وقعة عظيمة واشتد فيها الحرب وأصبح العسكر يوم الجمعة عاشر الشهر عل أهبة القتال فلم يحصل شيء واقتضى النهار والعسكر محيط بالعدو والعدو محيط بالبلد واصبح يوم السبت والإفرنج قد ركبوا وخرج منهم أربعون فارسا واستدعوا ببعض المماليك الناصرية فلما وصل إليهم أخبروه أن الخارج صاحب صيدا في أصحابه وهو يستدعي نجيب الدين أحد أمناء السلطان لأنه كان يتردد في الرسالات للإفرنج فلما حضر أرسله إلى السلطان ليتحدث في خروج من بعكا بأنفسهم بحكم الأمان وطلبوا في مقابلة ذلك أشياء لا يمكن وقوعها وتعنتوا في الاشتراط فتردد من عند السلطان نجيب الدين مرارا وكان الإفرنج اشترطوا إعادة جميع البلاد وإطلاق أساراهم فبذل السلطان لهم عكا بما فيها وإن يطلق في مقابلة كل شخص أسيرا فلم يقبلوا وسمح لهم برد صليب الصلبوت وانفصل الأمر على غير اتفاق وضعف البلد وعجز من فيه ( استيلاء الإفرنج على عكا ) وفي يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الآخرة اجتمعت الإفرنج بجموعها وهجمت وطلعت في السور المهدوم فثار عليهم المسلمون وصدوهم وحصلت الوقعة حتى كلت الرجال فخرج سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وحسام الدين حسين بازيك وأخذ أمان الإفرنج عل أن يخرجوا بأموالهم وأنفسهم عل تسليم البلد ومائتي ألف دينار وخمسمائة أسير من المجهولين وما اسر من المعروفين وصليب الصلبوت وأشياء ذكراها غير ذلك فلم يشعرا إلا بالرايات الإفرنجية قد نصبت على عكا وما عند السلطان علم بما جر عليه الحال فانزعج السلطان والمسلمون لذلك ونقل الثقل تلك الليلة إلى منزلة الأول بشغرعم وأقام في خيمة لطيفة ثم انتقل سحر ليلة الأحد تاسع عشر الشهر إلى المخيم وهو في غم عظيم فسلاه أصحابه واستعطفوا بخاطره وخرج رسول بهاء الدين قراقوش لطلبا قدروه من القطيعة وقال أد ركونا بنصف المال وجميع الاساري وصليب الصلبوت قبل خروج الشهر وإن تأخر شيء من ذلك أسرنا ونصف المال يصبرون به إلى شهر آخر فأحضر الأكابر وفاوضهم فأشاروا باستنقاد إخوانهم من المسلمين فشرع السلطان في تحصيله وكتب إلى الأقطار يعلمهم بالحال ويستنفرهم للجهاد في سبيل الله وفي يوم الخميس سلخ جماد الآخرة خرج الإفرنج وانتشروا فضربت الكاسات السلطانية فانتدب العسكر واشتد الحرب وانهزم الإفرنج فجاءت العرب وحالت بينهم وبين أسوارهم وصرعوا زهاء خمسين رجلا وكروا عليهم ثم كر الإفرنج عل المسلمين كرة عظيمة فتثبتوا ثم عادوا عليهم حتى طردوهم إلى خنادقهم وانتصف الإسلام في ذلك اليوم بعض الانتصاف وفي يوم الجمعة ثاني رجب جاءت الرسل في تقرير القطيعة المقرة بخلاص الجماعة وأخبروا أن ملك الافرنسيس توجه إلى صور لترتيب أموره ووكل المر كيس في قبض ما يخصه فجهز السلطان رسولا لكشف خبره وعلى يديه هدية له ونقل خيمته يوم السبت إلى تل بازاء شغرعم وراء التل الذي كان عليه وما زالت الرسل تتردد حتى أحضر مائة ألف دينار والاساري المطلوبين وصليب الصلبوت ليوصل ذلك إلى الإفرنج في الأجل المعين ووقع الخلف في كيفية التسليم فقال السلطان اسلمه إليكم عل أن تطلقوا جميع أصحابنا وتأخذوا بباقي المال قوما رهائن فأبوا إلا أخذ الجميع بسرع ويسلموا ويحلفون للمسلمين عل تسليم من عندهم فقيل لهم تضمنكم الرواية فلم يضمنوا فتحير السلطان وقال مت سلمن إليهم من غير احتياط بالشرط كان عل الإسلام غبن وعار فلو ايقنا بخلاص أصحابنا سمحنا لهم في الحجال بصليب الصلبوت والاساري والمال ووقف الأمر إلى أن مضى الأجل وجاء الرسل ورأوا الاسارى قد حضروا والمال موزونا فظنوا أن صليب الصلبوت قد أرسل إلى دار الخلافة فسألوا إحضاره لينظروه فلما أحضر خروا له ساجدين اطمأنوا وظهر للسلطان منهم إمارات الغدر وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين من رجب أخرج الإفرنج إلى ظاهر المرج خياما نصبوها وجلس فيها ملك الانكثير ومعه خلق من جماعته ( غدر ملك الانكثير وقتل المسلمين المأخوذين بعكا ) وفي عصر يوم الثلاثاء سادس عشري رجب ركب الافرنج بأسرهم وجاؤا إلى ا لمرج الذي بين تل الصياصية وتل كيسان فعلم السلطان بذلك فركبت العساكر نحوهم وكانوا قد أحضروا أساري المسلمين وهم واقفون في الجبال وحملوا عليهم وقتلوهم جميعهم فحمل عليهم العسكر وقتل منهم خلقا كثيرا وانصرف العدو إل خيامه فلما وقع هذا الغدر تصرف السلطان في ذلك المال وأعاد أساري الإفرنج إلى دمشق وأعاد صليب الصلبوت ( رحيل الإفرنج صوب عسقلان ) وفي سحر الأحد غرة شعبان عزم الإفرنج عل التوجه إلى عسقلان وساروا فعلم السلطان بذلك وكنت نوبة اليزك في ذلك اليوم للملك الأفضل فوقف في طريقهم وشتت شملهم وأرسل يستنجد والده أن يمده بعسكر حتى يقاتلهم فاستشار من حضر عسكره فقيل للسلطان إن العسكر لم يتأهب للقتال والإفرنج قد فأتوا والحرب قائم عند قيسارية وقصده أولى فصرف السلطان عزمه وتوجه نحو قيسارية ونزل عل النهر الذي يجري إلى قيسارية وأقام هناك وأي مرارا باساري فأمر بإراقة دمهم ( وقعة قيسارية ) وفي يوم الاثنين تاسع شعبان وصل الخبر للسلطان برحيل الافرنج وإنهم سائرون في جمع فركب السلطان ومن معه وسار العدو بازائه وكانت هناك بركة كبيرة مملوءة بالماء والإفرنج عل عزم ورودها فصدهم عسكر الإسلام عنها وطردوهم فولوا مدبرين وانصرفوا نحو الساحل ونزلوا عل نهر يقال له نهر القصب بعد مشق حصلت لهم من المسلمين ونزل العسكر بعد انقضاء الحرب عل البركة ثم رحل ونزل على نهر القصب في أوله وهو الذي نزل العدو في أسفله فقربت المسافة وكان شخص من الأمراء اسمه عز الدين ابن المقدم أبصر جماعة من الإفرنج مقبلين لكشف حال العسكر فعبر إليهم النهر وقتل منهم عدة وأسر ثلاثة فركب الافرنج وحملوا عليه وكانت وقعة عظيمة وأحضر الاساري عند السلطان ورحل وقت الظهر قاصدا نحو أرسوف ونزل عل قرية بقربها وأقام بها يوم الأربعاء والعدو في مكانه الأول ( اجتماع الملك العادل وملك الانكثير ) كان في اليزك علم الدين سليمان بن جندر فراسله العدو أن يتحدث مع الملك العادل فاجتمعا يوم الخميس فتكلما في الصلح وإخماد الفتنة فقال له الملك العادل ما الذي تريده ؟ فقال رد البلاد فقال العادل هذا لا سبيل إليه وأغلظ له في القول وكان الترجمان بينهما هنفرى بن هنفرى فلما سمع ملك الانكثير ذلك غضب وتفرقا على غير شيء ( وقعة أرسوف ) لما عرف السلطان من أخيه الملك العادل ما جر بينه وبين ذلك الملعون جمع يوم الجمعة العساكر وسير الثقل وركب فلما أسفر صباح السبت رابع عشر شعبان ركب العدو عل صوب أرسوف فهجم عليهم عسكر الإسلام وأحاط بهم واشتد القتال بينهم فحملوا على اطلاب المسلمين حملة واحدة فاستشهد جماعة من المسلمين ثم كر العسكر على الكفار فصدوهم وكسروهم وقتل منهم جماعة وأسر جماعة وهرب الإفرنج ودخلوا أرسوف ونزلوا قريبا من الماء وبات السلطان تلك الليلة عل نهر العوجاء وأقام العدو يوم الأحد في موضعه ثم رحل يوم الثلاثاء سائرا إلى يافا فعارضهم العسكر في طريقهم ثم رحل السلطان يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان ونزل بالرملة واجتمع عنده الأثقال كلها ثم رحل ونزل بظاهر عسقلان بعد العصر ( خراب عسقلان ) لما نزل السلطان بالرملة أحضر عنده أخاه الملك العادل وأكابر الأمراء أشاورهم في أمر عسقلان فأشار بعضهم بخرابها للعجز عن حفظها فإن الإفرنج نزلوا بيافا وهي مدينة القدس وعسقلان متوسطة ولا سبيل إلى حفظ المدينتين إلا بعدد كثير وتيقن إنهم إذا وصلوا إلى عسقلان تسلموها كما وقع في عكا واقتضى الحال هدمها ووصل السلطان إلى عسقلان وشرع في هدمها بكرة يوم الخميس تاسع عشر شعبان فنقض أسوارها وهدم منازلها وكانت ممن أحس المدن وأظرفها فصارت خرابا داثرة وحصل لأهلها مشقة زائدة بهدمها وباعوا أمتعتهم بأنجس الأثمان وتشتتوا في البلاد ( فصل ) فلما هدمها رحل يوم الثلاثاء ثاني شهر رمضان ونزل على يبنا ونزل يوم الأربعاء ثالث الشهر بالرملة ثم خرج إلى لد وأشرف عليها وأمر بإخرابها وإخراب قلع الرمل ففعل ذلك ثم توجه إلى بيت المقدس وأتاه يوم الخميس وخرج منه يوم الاثنين ثامن شهر رمضان بعد الظهر وبات في بيت نوبة وعاد إلى المخيم يوم الثلاثاء ضحوة وفي هذا التاريخ خرج ملك الانكثير متنكرا فخرج عليه الكمين وجرى قتال عظيم حتى كاد يؤسر الملك وقد أسر منه جماعة وجرى يوم الجمعة ثاني عشر الشهر بين اليزكية وأهل الكفر وقعة قتل منهم مقدم كبير ورحل السلطان يوم السبت ثالث عشره ونزل على تل عال عند النطرون وهي قلعة منيعة فهدمها وأشاع الإقامة هناك وأفاض الانعام على العسكر ( ذكر ما تجدد لملك الانكثير ) وصلت رسل ملك الانكثير إلى العادل بالمصالحة وترددت الرسل وانتظم الحال على أن العادل يتزوج أخت ملك الانكثير ويحكم العادل في البلاد وتكون المرأة مقيمة بالقدس ويوطن العادل مقدم يالافرنج والرواية والاستبار ببعض القرى ولا يمكنهم من الحصون ولا يقيم معها في القدس إلا قسس ورهبان فاستدع العدل جماعة من الأعيان منهم العماد الكاتب وغيره سألهم في المضي إلى السلطان وإعلامه بذلك وسؤاله في ذلك فحضروا إلى السلطان وأخبروه بالحال فسمح ورضى وذلك في يوم الاثنين تاسع عشري رمضان وعاد الرسول إلى ملك الانكثير ثم أن أكابر الإفرنج عرضوا ذلك قسسهم فلم يرضوه وخبثوا المرأة وند موها وعنفوها بتزويجها بالمسلم فانثنى عزمها عن التزويج وقالت أتزوجه بشرط أن يوافقني عل ديني فأنف العادل من ذلك واعتذر الملك بامتناع أخته وبطل الاتفاق وكان ذلك يوم العيد وفي يوم العيد خلع السلطان عل أكابره ومد لهم سماطا ونزل السلطان بالرملة ليقرب من العدو وتواتر الخبر بأن الإفرنج عل عزم الخروج فسار يوم الاثنين سابع شوال وخيم خارج الرملة وجاء الخبر أن العدو قد خرج إلى باروز فتسارع العسكر إليهم وقربوا من خيامهم وأحاطوا بهم فركب الإفرنج وحملوا على الناس حملة فاندفعوا بين أيديهم فاستشهد ثلاثة وكان السلطان في كل يوم يركب ولا يخلو من وقعة يقتل فيها من الكفار ( وقعة الكمين ) وفي ليلة الأربعاء سادس عشر شوال أمر السلطان رجال الحلقة المنصورة بأن يكمنوا في جهة عينها وخرج الافرنج للاحتشاش ولقيهم إعراب فتواقعوا معهم وخرج الكمين واقتتلوا معهم وقتل جماعة من الكفار واستشهد ثلاثة من المماليك الخواص وأسر من الإفرنج فارسان وأحضرا للسلطان وانفصل الحرب وقت الظهر ( اجتماع الملك العادل بملك الانكثير ) وفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال ضرب الملك العادل بقرب اليزك لأجل ملك الانكثير ثلاث خيام وجهز فاكهة وحلو وطعاما وحضر ملك الانكثير وطالت بينهما المحادثة وافترقا عن غير موافقة ومضى الملك وكان قد وصل صاحب صيدا من صور برسالة المر كيس لطلب الصلح مع السلطان حتى يقو يده عل ملك الانكثير وبلغ ذلك ملك الانكثير فوصل رسوله أيضا بنظير هذا الأمر ومض القول مع صاحب صيدا إلى المر كيس على شرائط شرطت عليه وأما مراسل الملك فلم ينتج منها أمر وكلما حصل الاتفاق معه عل شيء نقصه وكلما قال قولا رجع عنه فلعنه الله عليه وفي يوم الأحد سابع عشري شوال عاد السلطان إلى المخيم بالنطرون ورحل الإفرنج يوم السبت ثالث ذي القعدة وتقدموا إل الرملة ونزلوا بها ولم يشك إنهم على قصد القدس وأقام السلطان في كل يوم له سرايا وصار لهم في كل يوم وقع وما يخلو من أسر تقاد إليه ثم هجم الشتاء وتوالت الأمطار فعزم على الرحيل ( رحيل السلطان إلى القدس ) وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي القعدة ركب السلطان والغيث نازل وسار بمن معه حتى وصل إلى القدس قبل العصر ونزل بدار الاقساء المجاورة لكنيسة قمامة وشرع في تحصين المدينة وصلى يوم الجمعة مستهل ذي الحجة وصل إليه عسكر من مصر وتتابعت العساكر المصرية ووصل الخبر بنزول الإفرنج بالنطرون فوقع الارجاف في الناس وجرت يوم الخميس سابع الشهر وقعة قرب بيت نوبة من سرية جهزها السلطان فوقعوا عل سرية الإفرنج فأسروها وقتلوها ووصلوا بزهاء خمسين أسيرا إلى القدس وكانت بشرى عظيمة ثم وقعت وقعة أخر قتل من الكفار ستة وأسر أربعة وصلى السلطان عيد الأضحية بالقدس يوم الأحد وكانت الوقفة بمكة يوم الجمعة لكن لم ير الهلال بالقدس ليلة الخميس وفي يوم الجمعة خامس عشر ذي الحجة وقعة بالرمل من أميرين أغارا عل الافرنج وأخذا أموالا وأغناما وخيلا وجمالا وبغالا وأسرا ممن كان في القافلة ثلاثين وأحضراهم للسلطان وأحاط الإفرنج البلاء وكثرت عليهم الغارات فرحلوا وعادوا إلى الرملة وطابت قلوب المسلمين ( ذكر ما اعتمده السلطان في عمارة القدس ) وصل ممن الموصل جماعة للعمل في الخندق جهزهم صاحب الموصل صحبة بعض حجابه وسير معه مالا يفرقه عليهم في رأس كل شهر وأقاموا نصف سنة في العمل وأمر السلطان بحفر خندق عميق وأنشأ سورا وأحضر من أسرى الإفرنج قريبا من ألفين ورتبهم في ذلك وجدد أبراجا حربية من باب العمود إل باب المحراب وباب المحراب هو المعروف الآن بباب الخليل وأنفق عليها أموالا جزيلة وبناها بالأحجار الكبار وكان الحجر يقطع من الخندق ويستعمل في بناء السور وقسم بناء السور على أولاده وأخيه العادل وامرائه وصار يركب كل يوم ويحضر على بنائه وكان يحمل الحجر على قربوس سرجه ويخرج الناس لموافقته على حمل الحجر إلى موضع البناء ويتولى ذلك بنفسه وبجماعة خواصه والأمراء ويجتمع لذلك العلماء والقضاة والصوفية والأولياء وحواشي العساكر والاتباع وعوام الناس فيني في أقرب مدة ما يتعذر بناؤه في سنين وأرسل السلطان لصاحب الموصل يشكره عل تجهيز الرجال لحفر الخندق بمكاتبة أنشأها العماد الكاتب رحمه الله تعالى ودخلت سنة ثمان وثمانين وخمسمائة والسلطان مقيم بالقدس في دار الاقسا بجوار قمامة لتقوية البلد وتشييد أسواره وجد في عمارة الصخرة المقدسة وأكمل السور والخندق وصار في غاية الإتقان واطمأن أهل الإسلام ( ذكر الحوادث مع الإفرنج ) رحل الإفرنج يوم الثلاثاء ثالث المحرم من الرملة إلى بلد عسقلان ونزلوا بظاهرها يوم الأربعاء وتشاوروا في إعادة عمارتها وكان اثنان من الأمراء نازلين في بعض أعمالها فركب ملك الانكثير عصر يوم الخميس فشاهد دخانا على البعد فساق متوجها إلى تلك الجهة فما شعر المسلمون إلا بالكبسة عليهم فلم ينزعجوا فإنه كان وقت المغرب وهم مجتمعون ولم ير العدو إلا أحد القسمين من المسلمين فقصده فعرف القسم الآخر هجوم العدو فركبوا إلى العدو فدفعوه حتى ركب رفقاؤهم المقصودون واجتمعوا وردوا العدو ثم تكاثر الإفرنج وتواصلوا ووقعت الوقعة فلم يفقد من المسلمين إلا أربعة ونجا الباقون وكانت نوبة عظيمة ولكن الله سلم فيها وفي يوم الثلاثاء عاشر المحرم ركب السلطان على عادته في نقل الحجارة والعمارة ومعه الملوك والأمراء والقضاة والعلماء والصوفية والزهاد والأولياء وخرج كل بالبلد وهو قد حمل على سرجه والناس ينقلون معه ولما دخل الظهر نزل في خيمة بالصحراء ومد السماط ثم صلى الظهر وانصرف المنزله وأما سراياه فكانت لا تزال تغير عل الكفار فمن ذلك سرية أغارت يوم الأربعاء الحادي عشر من المحرم عل يبنا وفيها الافرنج فغنمت اثني عشر أسيرا وخيلا ودواب وأثاثا كثيرا وفي يوم الثلاثاء ثاني صفر أغارت السرية عل ظاهر عسقلان وغنمت ثلاثين أسيرا سو الخيل والبغال وفي ليلة الأحد رابع عشر صفر صبحت سرية على يبنا وظهرت على قافلة الافرنج فأخذتها بأسرها مع رجالها وبغالها وأحمالها ثم أغارت عل يافا فقتلت وفتكت وعادت بالغنيمة والسبايا وعجز جماعة من الاساري عن المشي فضربت أعناقهم وأوجب ذلك عتق الباقين ولما خرج سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب من الأسر قرر على نفسه قطيعة خمسين ألف دينار فأد منها ثلاثين ألفا وأعطى رهائن عل عشرين ألفا ووصل إلى القدس واجتمع بالسلطان يوم الخميس مستهل شهر ربيع الآخر فقام إليه واعتنقه وتلقاه واقطعه نابلس وأعمالها وعاش إلى آخر شوال من هذه السنة وتوفي رحمه الله فعين السلطان ثلث نابلس وأعمالها لمصالح البيت المقدس وعمارة سورة وأبقى باقيها لولده ( هلاك المركيس بصورة ) أضاف الأسقف بصور يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر فأكل وخرج وركب فوثب عليه رجلان وقتلاه بالسكاكين فامسكا وسئلا من هو الأمر لكما بقتله ؟ فقالا ملك الانكثير فقتلا شر قتلة ولما هلك المركيس تحكم ملك الانكثير في صور وولاها الكندهرى وأرسل الملك يطلب من السلطان نصف البلاد سوى القدس فإنه يبق للمسلمين بمدينته وقلعته سوى كنيستهم قمامة فأبى السلطان ولم يرض ( استيلاء الإفرنج عل قلعة الداروم ) وقلعة الداروم هذه على حد مصر خلف غزة وكانت منها مضرة كبيرة فلما شرع الإفرنج في عمارة عسقلان ترددوا إليها مرارا ثم نزلت الإفرنج عليها واشتد زحفهم إليها عشية السبت تاسع جماد الأولى بعد أن نقبوها وطلب أهلها الأمان فلم يؤمنوا ولما عرف الوالي بها إنهم مأخوذون عمد إلى الخيل والجمال والدواب فعرقبها والى الذخائر فأحرقها وفتحوها بالسيف وقتلوا من بها وأسروا منهم عدة يسيرة وكانت نوبة كبيرة على الإسلام ثم رحل الإفرنج عنها ونزلوا عل ماء يقال له الحسي يوم الخميس رابع عشر الشهر ثم تركوا خيامهم وساروا على قصد قلعة يقال لها مجدل الجبان فخرج عليهم المسلمون وقاتلوهم قتالا شديدا وقتل منهم خلق كثير وانهزموا ثم رحلوا من الحسي يوم الأحد سابع عشر لشهر وتفرقوا في يقين فبعضهم عاد إلى عسقلان وبعضهم جاء إلى بيت جبريل فتقدم السلطان إلى العساكر بمبارزتهم وفي يوم السبت الثالث والعشرين نزلوا بتل الصافية ونزلوا يوم الثلاثاء السادس والعشرين بالنطرون فارجف بقصدهم القدس ثم ضربوا خيامهم يوم الأربعاء على بيت نوبة واظهر السلطان الاقامة بالقدس وفرق الأمراء عل الأبراج وجرت وقعات وكبسات وفي يوم السبت نزل الناس إليهم وقاتلوهم في خيامهم وركب العدو وساق إلى قلونية وهي ضيعة من القدس عل فرسخين وعاد منهزما وفي يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة خرج كمين في طريق يافا عل قافلة فأخذوها وأسروا من فيها ( كبسة الإفرنج على عسكر مصر الواصل ) كان السلطان يستحث عسكر مصر بكتبه ورسله ويدعوه نجد لأهل القدس فضرب خيامه على بلبيس مدة حتى اجتمعوا وانضم إليهم التجار فاغتروا بكثرتهم والعدو منتظر قدومهم وجاء الحبر للسلطان ليل الاثنين تاسع جمادى الآخر إن ملك الانكثير ركب في جمع كبير وسار عصر يوم الأحد فجرد السلطان أميرا وجماعة لتلقي الواصل وأمرهم بأن يأخذوا بالناس في طريق البرية فعبروا علماء الحسي قبل وصول العدو إليه وكان مقدم العسكر المصري فلك الدين أخو العادل فلم يسأل عن المنزلة وقصد الطريق الأقرب وترك الأحمال عل طريق أخرى ونزل عل ماء يعرف بالخويلفة وناد تلك الليلة إنه لا رحيل إلى الصباح وناموا مطمئنين فصبحهم العدو عند انشقاق الصبح في الغلس فلما بغتهم ركب كل منهم عل وجهه وفيهم من ركب بغير عدة وانهزموا وتركوا العدو وراءهم فوقع العدو في أمتعتهم وتفرق العسكر في البرية فمنهم من رجع إلى مصر ومنهم من توجه عل طريق الكرك فأخذ الكفار من الجمال والأحمال ما لا يعدو ولا يحصى وكانت نكبة عظيمة ووصل الجند مسلوبين منكوبين فسلاهم السلطان ووعدهم بكل جميل واشتغل الكفار بالمال عن القتل والقتال ( رحيل ملك الانكثير صوب عكا مظهرا إنه عل قصد بيروت ) لما تعذر عل الإفرنج قصد القدس ورأوا أن بيروت فزع منهم وقطع عليهم طريق البحر فقالوا هذا البلد أخذه هين وإذا قصدناه جاء السلطان وعسكره إلينا وخلا القدس فنبادر إليه من يافا وعسقلان ونملكه فلما عرف السلطان ما عزموا عليه أمر ولده الملك الأفضل بمبادرتهم في الرحيل وسبقهم إلى مرج عيون حتى إذا تيقن قصدهم سبقت العساكر إلى بيروت ودخلتها وكتب السلطان إلى العساكر الواصلة إلى دمشق أن يكونوا مع وله فنزل بمرج عيون والافرنج بعكا لم تخرج منها ( نزول السلطان على مدينة يافا وفتحها ) لما رحل ملك الانكثير وترك في مدينتي يافا وعسقلان جمعا من العسكر انتهز السلطان الفرصة لغيبته ونهض بعسكره الحاضر ونزل على يافا وحصرها ورماها بالمناجيق وزحف عليها وهجم على المدينة وقتل من بها ووجدت الأحمال المأخوذة من قافلة مصر فأخذت وامتلأت البلد من المسلمين وبقيت القلعة وطلب أهلها الأمان ويسلمونها وكان قرب الاستيلاء عليها فلما طلبوا الأمان كف الناس عنها فخرج البطرك الكبير ومعه جماعة من المقدمين والأكابر عل أن يدخلوا تحت طاعة السلطان وسلموا المال والذخائر حتى دخل الليل فاستمهلوا إلى الصباح وطلبوا من يحفظهم من المسلمين وما زال يخرج من يستدعي زيادة التوثقة حتى وصل ملك الانكثير في البحر في مراكب في الليل ودخل القلعة من الجانب البحري ونادوا بشعار الكفر فاكتفى مكنهم بمن أسر وندم المسلمون عل ما وقع من الأمان ولو أن السلطان توقف في تأمينهم لأخذت القلعة وكان ذلك فتحا عظيما وأخذ المسلمون من الأموال والغنائم ما لا يحصى واستعادوا من الكفار ما نهبوه من الكبسة المصرية وقتل من أقام بالبلد وأسر وحصل في أيدي المسلمين من مقدمي القلعة نيف وسبعون وكان القصد في الأول رجوع الكفار عن قصد بيروت وضعف الإفرنج من هذه الوقعة وعاد السلطان وخيم عل النطرون وأقام السلطان حتى تكاملت العساكر ورحل السلطان ونزل بالرملة وقد اجتمع العساكر من سائر البلاد وقوى واشتد عزم المسلمين وحصل لهم السرور بفتح يافا وأخذ ما فيها وتباشروا بالنصر وخذلان العدو ( الهدنة العامة ) لما عرف ملك الانكثير اجتماع العساكر واتساع الخرق عليه وأن القدس قد امتنع أخذه قصر عما كان فيه وخضع وأظهر إنه لم يهادن السلطان وأقام وجد في القتال ثم طلب المهادنة وكاتب الملك العادل يسأله الدخول عل السلطان في الصلح فلم يجب السلطان لذلك وأحضر السلطان الأمراء وشاورهم وقال لهم نحن بحمد الله في قوة وقد ألفنا الجهاد وما لنا شغل إلا العدو وحرضهم على التثبيت والتصميم وحثهم على الجهاد فقالوا له رأيك سديد والتوفيق في كل ما تريد غير أن البلاد تشعثت وقلت الأقوات وإذا حصلت الهدنة ففي مدتها نستريح ونستعد للحرب والصواب القبول عملا بقول الله عز وجل ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) وتعود البلاد إلى العمارة واستيطان أهلها وتكثر في مدة الهدنة الغلة وإذا عادت أيام الحرب عدنا وما زالوا بالسلطان حتى رضى وأجاب ثم حصل الصلح والمهدنة بين السلطان وبين الإفرنج بشفاعة جماعة من أعيان جماعة السلطان وعقد الهدنة عامة في البحر والبر وجعل مدتها ثلاث سنين وثمانية أشهر أولها يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة الموافق لأول أيلول وحسبوا أن وقت الانقضاء يوافق وصولهم من البحر واستقر أمر الهدنة وتحالفوا لذلك ولم يحلف ملك الانكثير بل أخذوا يده وعاهدوه وأعتذر بأن الملوك لا يحلفون وقنع السلطان بذلك وحلف الكندهرى أخته وخليفته في الساحل وحلف غيره من عظماء الإفرنج ووصل ابن الهنفرى وماليان إلى خدمة السلطان ومعهما جماعة من المقدمين وأخذوا يد السلطان على الصلح واستحلفوا الملك العدل أخا السلطان والملكين الأفضل والظاهر ابني السلطان والملك المنصور صاحب حماه محمد بن تقي الدين عمرو الملك المجاهد شير كوه صاحب حصن حمص والملك الأمجد بهرام شاه صاحب بعلبك والأمير بدر الدين ولدرم البارفي صاحب تل باشر والأمير سابق الدين عثمان ابن الداية صاحب سرمين والأمير سيفالدين علي بن أحمد المشطوب وغيرهم من المتقدمين الكبار وكانت الهدنة على أن يستقر بيد الإفرنج من يافا القيسارية إلى عكا إلى صور وأن تكون عسقلان خرابا واشتراط السلطان دخول بلاد الإسماعيلية في عقد هدنته واشتراط الإفرنج دخول إنطاكية وطرابلس في عقد هدنتهم وأن تكون لد والرملة مناصفة بينهم وبين المسلمين فاستقرت المهادنة عل ذلك وحضر العماد الكاتب لإنشاء عقد الهدنة وكتبها ونادى المنادي بانتظام الصلح وأن البلاد النصرانية والإسلامية واحدة في الأمن والمسالمة فمن شاء من كل طائفة يترددوا إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور وكان يوما مشهودا نال الطائفتان فيه من المسرة ما لا يعلمه إلا الله تعالى وكان ذلك مصلحة فيعلم الله تعال لأنه اتفقت وفاة السلطان بعد الصلح بيسير فلو اتفق ذلك في أثناء وفاته الإسلام عل خطر ( ذكر ما جر بعد الصلح ) عاد السلطان إلى القدس واشتغل في إكمال السور والخندق وفسح للإفرنج كاف في زيارة قمامة فجاؤا وزاروا وقالوا إنما كنا نقاتل عل هذا الأمر ولكن ملك الانكثير أرسل للسلطان يسأله منع الإفرنج من الزيارة إلا من وصل معه كتابه أو رسوله وقصد بذلك ربوعهم إلى بلادهم بحسرة الزيارة ليشتد حنقهم على الجهاد والقتال إذا عادوا فاعتذر السلطان إليه بوقوع الصلح والهدنة وقال له أنت أول بردهم وردعهم فإنهم إذا جاؤا لزيارة كنيستهم ما يليق بنارهم ومرض ملك الانكثير وركب البحر وأقلع وسلم الأمر إل الكندهرى ابن أخته من أمه وهو ابن أخت ملك افرنسيس من أبيه وعزم السلطان على الحج وصمم عليه وكتب إلى مصر واليمن بذلك فما زال الجماعة به حتى انثنى عزمه فشرع في ترتيب قاعدة القدس في الولاية والعمارة وكان الوالي بالقدس حسام الدين شاروخ وهو تركي وفيه دين وخير وكان قد أحس السيرة وفوض ولاية القدس إلى عز الدين جرد بك وكان أميرا معتبرا شجعا وولى علم الدين قنصو أعمال الخليل وعسقلان وغزة والداروم وما وراءها وسأل الصوفية عن أحوالهم وزاد في أوقاف المدرسة الصلاحية والخانقاه وجعل الكنيسة المجاورة لدار الاستبارية بقرب قمامة بيمارستان للمرضى ووقف عليه مواضع ووضع فيه ما يحتاج من الأدوية والعقاقير وفوض النظر والقضاء في هذا الوقف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم المشهور بابن شداد لعلمه بكفاءته ( رحيل السلطان إلى دمشق ) وخرج السلطان من القدس ضحوة الخميس خامس شوال ونزل على نابلس ضحوة يوم الجمعة فشك أهلها على صاحبها سيف الدين علي المشطوب إنه ظلمهم فأقام السلطان بها إلى ظهر يوم السبت حتى كشف ظلا متهم ورحل بعد الظهر وأصبح على جبينين ثم رحل إلى بيسان ثم إلى قلعة كوكب ثم سار ونزل بظاهر طبرية ولقيه هناك بهاء ا لدين قراقوش وقد أخرج ممن الأسر ثم رحل ونزل بقرب قلعة صفد تحت الجبل وصعد السلطان إليها وأمر بعمارتها ثم سار إلى أن خيم عل مرج تبين وتفقد أحوالها وأمر بعمار قلعتها ثم سار ونزل على عين الذهب ورحل وخيم بمرج عيون ثم سار وعبر من عمل صيدا وكلما نزل في مكان يدبر أمره ويرتب أحواله ويأمر بعمارته إلى أن وصل بيروت فتلقاه وإليها عز الدين أسامة وقدم للسلطان ولأركان دولته الهدايا والتحف النفيسة ( وصول الإبرنس صاحب إنطاكية ) لما أراد السلطان الرحيل من بيروت في يوم السبت الحادي والعشرين من شوال قيل له إن الابرنس الانطاكي قد وصل إلى الخدمة فأقام السلطان وأذن للابرنس في الدخول عليه فلما تمثل بين يديه أكرمه وأظهر البشاشة وسكن روعه وكان معه من مقدمي فرسانه أربعة عشر باروشا وخلع عليه وعليهم وأجزل لهم العطاء وودعه يوم الأحد وفارقه وهو مسرور محبور ( وصول السلطان إلى دمشق ) لما خرج السلطان من بيروت يوم الأحد بات بالمخيم على البقاع ثم سار ووصل إليه أعيان دمشق لتلاقيه وجاءه فواكه دمشق وأطايبها وأصبح يوم الأربعاء فدخل كل من في المدينة وفرح الناس به وكان غيبة السلطان عن دمشق أربع سنين في الجهاد فحصل لهم الفرح والسرور وكان يوما مشهودا لدخوله وجلس السلطان في دار العدل ونظر في أحوال الرعي وأزال المظالم وأقام بهاء الدين قراقوش إلى أن أخلص أصحابه من الأسر ثم عاد يوم الاثنين حادي عشر صفر ووافق عود الحاج الشامي فخرج لتلقيه فلما رآه فاضت عيناه لفوات الحج وسألهم عن أحوال مكة وأميرها وسر بسلامة الحاج ووصل إليه من اليمن ولد أخيه سيف الإسلام فتلقاه وأكرمه وتوجه الملك العادل إلى الكرك ( ذكر وفاة السلطان رحمة الله عليه ) جلس ليلة السبت سادس عشر صفر في مجلسه عل عادته وحوله خواصه منهم العماد الكاتب حتى مضى من الليل ثلثه وهو يحدثهم ويحدثونه ثم صلى وانصرفوا فلما بات لحقه كسل عظيم وغشيه نصف الليل حم صفراوية وأصبحوا يوم السبت وجلسوا في الإيوان لانتظاره فخرج بعض الخدام وأمر الملك الأفضل أن يجلس موضعه على السماط وتطير الناس من تلك الحال ودخلوا إليه ليلة الأحد لعيادته وأخذ المرض في التزايد وحدث به السابع رعشة وغاب ذهنه واشتد الارجاف في البلد الثاني عشر من مرضه فتوفي رحمه الله تعالى صبح تلك الليلة وهي المسفرة عن نهار الأربعاء السابع والعشرين من شهر صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة بعد صلاة الصبح وغسله الفقيه ضياء الدين أبو القاسم عبد الملك بن يزيد الدولقي الشافعي خطيب جامع دمشق وأخرج بعد صلاة الظهر من نهار الأربعاء في تابوت مسجى بثوب وجميع مما احتاج إليه في تكفينه أحضره القاضي الفاضل من جهة حل عرفه وصل عليه الناس وكثر عليه التأسف من خلق واشتد حزنهم لفراقه ودفن في قلعة دمشق في الدار التي كان مريضا فيها وكان نزوله إلى قبره وقت صلاة العصر وكان يوم موته لم يصب الإسلام بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وغشي القلعة والدنيا وحشة لا يعلمها إلا الله قال العماد الكاتب مات بموت السلطان رجاء الرجال وفات بفواته الاتصال وغاضت الأيادي وفاضت الأعادي وانقطعت الأرزاق وادلهمت الآفاق فجع الزمان بواحده وسلطانه ورزئ الإسلام بمشيد أركانه أرسل الملك الأفضل الكتب بوفاة والده إلى أخيه العزيز عثمان بمصر والي أخيه الظاهر الغازي بحلب والي عمه الملك العادل بالكرك ثم أن الملك الأفضل عمل لوالده تربة بالقرب من الجامع الأموي - وكانت دارا لرجل صالح - ونقل إليها السلطان يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ومشى الأفضل بين يدي تابوته وأخرج من باب القلعة عل دار الحديث إلى باب البريد وأدخل إلى الجامع ووضع قدام الستر وصلى عليه القاضي محيي الدين بن القاضي زكي الدين بالجامع الأموي ثم دفن وجلس ابنه الملك الأفضل في الجامع ثلاثة أيام للعزاء وأنفقت ست الشام بنت أيوب أخت السلطان في هذه النوبة أموالا عظيمة وكان عمر السلطان حين وفاته قريبا من سبع وخمسين سنة لأن مولده بتكريت في شهور سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة لما كان عمه وأبوه بها وكان خروجهم منها في الليلة التي ولد فيها فتشاءموا به وتطيروا منه فقال بعضهم لعل فيه الخيرة وما يعلمون فكان كما قال واتفق أهل التاريخ عل أن اباه وأمه من دوين - بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون - وهي بلدة في خر عمل أذربيجان وإنهم أكراد روادية ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع ولما ملك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده الملك صلاح الدين ولم تزل مخائل السعادة عليه لائحة والنجابة له ملازمة تقدمه من حالة إلى حالة ونور الدين يرى له ويؤثره ومنه تعلم صلاح الدين طريق الخير وفعل المعروف والجهاد إلى أن كان من تقدير الله ما سبق شرحه من أمر سلطنته وسيرته وكانت مد ملكه بالديار المصرية نحو أربع وعشرين سنة وملك الشام قريبا من سبع عشرة سنة وهو أول الملوك بالديار المصرية بعد انقراض الدولة الفاطمية قال العيني وهو أول من لقب بالسلطان والذي يظهر إن مراده أول من لقب بالسلطان من ملوك مصر والله أعلم فإني رأيت في التواريخ من لقب بالسلطان من ملوك العراق قبل الملك صلاح الدين وخلف سبعة عشر ولدا ذكرا وابنه صغيرة ولم يخلف في خزانته سو دينار واحد وستة وثلاثين درهما ناصرية وهذا من رجل له الديار المصرية والشام وبلاد المشرق واليمن دليل قاطع على فرط كرمه ولم يخلف دارا ولا عقارا ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود به وكانت مجالسه منزهة عن الهزؤ والهزل ولم يؤخر صلاة عن وقتها ولا صل إلا في جماعة وكان شافعي المذهب يكثر من سماع الحديث النبوي وقرأ مختصرا في الفقه تصنيف سليم الرازي وكان إذا عزم عل أمر توكل على الله وكان حسن الخلق صبورا عل ما يكره كثير التغافل عن ذنوب أصحابه يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه بذلك ولا يتغير عليه وكان يوما جالسا فرمى بعض المماليك بعضا بسر موزة فأخطأته ووصلت إلى السلطان فأخطأته ووقعت بالقرب منه فالتفت إلى الجهة الأخرى ليتغافل عنها وكان طاهر المجلس فلا يذكر أحد في مجلسه إلا بخير وطاهر اللسان فلا يولع بشتم قط وقد أخبرت أن الدعاء عند قبره مستجاب وكذلك عند قبر الملك العادل نور الدين الشهيد رحمة الله تعال عليهما وقد رثى الملك صلاح الدين الشعراء وأكثروا فيه ومن أحسن المراثي مرثية العماد الكاتب وهي مائتان واثنان وثلاثون بيتا فمنها شمل الهد والملك عم شتاته والدهر ساء وأقلعت حسناته بالله أين الناصر الملك الذي لله خالصة صفت نياته أين الذي ما زال سلطانا لنا يرج نداه وتتق سطواته أغلال أعناق العدى أسيافه أطواق أجياد الورى مناته من في الجهاد صفاحه ما أغمدت بالنصر حتى أغمدت صفحاته من في صدور الكفر صدر قناته حتى توارت بالصفاح قناته ألف المتاعب في الجهاد فلم يكن مذ عاش قط لذاته لذاته مسعود غدواته محمودة روحاته ميمونة ضحواته في نصرة الإسلام كان محاميا أبدا إلى أن أسلمته حماته قد أظلمت مذ غاب عنها نوره لما خلت من بدره داراته دفن السماح فليس ينتشر بعد ما وورى إلى يوم النشور رفاته الدين بعد أبي المظفر يوسف أقوت قواه وأقفرت ساحاته بحر خلا من وارديه ولم تزل محفوفة بوفوده حفاته من لليتامي والأرامل راحم متعطف منضوضة صدقاته فعلى صلاح الدين يوسف دائما رضوان رب العرش بل صلواته من للثغور وقد عداها حفظه من للجهاد ولم تعد عاداته بكت الصوارم والصواهل إذ خلت من سلها وركوبها غزواته يا وحشة الإسلام يوم تمكنت في كل قلب مؤمن روعاته لم انس يوم السبت وهو لما به يبدي السبات وقد بدت غشياته والبشر منه تبلجت أنواره والوجه منه تلألأت سبحاته ونقول لله المهين حكمة في مرضة حصلت بها مرضاته هذي مناشير المماليك تقتضي توقيعه فيها فأين دواته قد عاد زرعك في الربيع بجمعها هذا الربيع وقد دنا ميقاته والجند في الديوان جدد عرضه وإذا أمرت تجددت نفقاته والقدس طامحة إليك عيونه عجل فقد طمحت إليه عداته والغرب منتظر طلوعك نحوه حتى تفيء إلى هداك بغاته والشرق يرجو عز عزمك راضيا في ملكه حتى تطيع عصاته مغرى باسداء الجميل كأنما فرضت عليه كالصلاة صلاته هل للملوك مضاؤه في موقف شدت عل أعدائه شداته كم جاءه التوفيق في وقعاته من كان بالتوفيق توقيعاته يا راغبا في الدين حين تمكنت منه الذئاب وأسلمته رعاته فارقت ملكا غير باق متعبا ووصلت ملكا باقيا راحاته أبني صلاح الدين أن أباكم ما زال يأبي ما الكرام باقيا أباته لا يقتدوا إلابسنة فضله ليطيب في مهد النعيم سباته وردوا موارد عدله وسماحه لترد عن نهج الشمات شماته ( ذكر ما استقر عليه الحال بعد وفاة الملك صلاح الدين ) تغده الله برحمته واستقر في الملك بدمشق وبلادها المنسوبة إليها الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن على أكبر أولاد السلطان بعهد من أبيه وبالديار المصرية الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان وبحلب الملك الظاهر غياث الدين أبو الفتح غازي وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب أخو السلطان وبحماه وسليمه والمعرة ومنبج الملك المنصور ناصر الدين محمد الدين بهرام شاه ابن فرخ شاه ابن شاهنشاه بن أيوب وبحمص والرحبة وتدمر الملك المجاهد شيركوه بن محمد شيركوه ابن شادي وبيد الملك الظافر خضر ابن السلطان صلاح الدين بصري وهو في خدمة أخيه الملك الأفضل وبيد الملك الزاهر مجير الدين داود ابن السلطان صلاح الدين البيرة وأعمالها واستقر إقليم اليمن للملك ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي السلطان ولم يزل الملك الأفضل بالشام والملك العزيز بمصر إلى أن وقع الخلف بينهما وجر بينهما وقائع يطول شرحها تم في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة اتفق الملك العادل وابن أخيه الملك العزيز على أن يأخذا دمشق وأن يسلمها العزيز إلى العادل لتكون الخطبة والسكة للعزيز كسائر البلاد كما كانت لأبيه فخرجا وساروا من مصر إلى دمشق وأخذاها في يوم الأربعاء السادس والعشرين من رجب من هذه السنة وكان الملك الظافر خضر صاحب بصري مع أخيه الملك الأفضل معاضدا له فأخذت منه بصرى فلحق بأخيه الملك الظاهر فأقام عنده بحلب وأعطي الملك الأفضل صرخد فسار إليها بأهله واستوطنها وسلم العزيز دمشق لعمه العادل عل حكم ما وقع عليه الاتفاق ورحل العزيز من دمشق يوم الاثنين تاسع شعبان فكانت مدة الأفضل بدمشق ثلاث سنين وأشهرا وكانت ولادته يوم الفطر وقت العصر سنة خمس وستين وخمسمائة بالقاهرة ووالده يومئذ وزير المصريين وتوفي في صفر سنة اثنتين وعشرين وستمائة فجأة بسميساط ونقل إلى حلب ودفن بتربته بظاهرها وأما العزيز عثمان فاستقر بمصر وفي أمه في شهور سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وصل جمع عظيم ممن الإفرنج إلى الساحل واستولوا عل قلعة بيروت وسار الملك العادل ونزل بتل العجول واتته النجدة من مصر ووصل إليه سنقر الكبير صاحب القدس وميمون القصري صاحب بلبيس ثم سار الملك العادل إلى يافا وهجمها بالسيف وملكها وقتل الرجال المقاتلة وكان هذا الفتح ثالث فتح لها ونازلت الإفرنج تبين فأرسل الملك العادل إلى الملك العزيز صاحب مصر فسار بنفسه بمن بقي معه من عساكر مصر فاجتمع بعمه الملك العادل على تبنين فرحل الإفرنج على أعقابهم إلى صور وعاد العزيز إلى مصر وترك غالب العسكر مع العادل وجعل إليه أمر الجزية والصلح ومات في هذه المدة سنقر الكبير فجعل الملك العادل أمر القدس إلى صارم الدين قطلو مملوك عز الدين فرحشاه ابن شاهنشاه بن أيوب وتوفي الملك العزيز صاحب مصر في ليلة الأربعاء الحادية والعشرين من المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة وكانت مدة ملكه ست سنين إلا اشهرا وكان عمره سبعا وعشرين سنة وأشهرا وكان حسن السيرة رحمه الله ثم استقر بعده ففي السلطنة ولده الملك المنصور محمد وعمره تسع سنين فتشاور الأمراء واتفقوا على احضار الملك الأفضل من صرخد ليقوم بالملك فسار محثا ووصل إلى مصر على إنه اتابك ملك المنصور فخرج المنصور للقائه فترجل له الأفضل ودخل بين يديه إلى دار الوزارة وكانت مقر السلطنة ثم برز الأفضل من مصر وسار إلى الشام ليأخذها لاشتغال عمه الملك العادل بحصار ماردين فبلغ العادل ذلك فسار إلى دمشق ودخلها قبل نزول الأفضل عليها وحصل بينهما قتال ثم سار الأفضل مصر فخرج الملك العادل في أثره فخرج إليه الأفضل واقتتلا فانكسر الأفضل وانهزم إلى القاهرة ونزل العادل القاهرة وتسلمها ودخل إليها في الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة ثم سار الأفضل صرخد وأقام العدل بمصر عل إنه اتابك الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان مدة يسيرة ثم أزال الملك المنصور واستقر الملك العادل في السلطنة وخطب له بالقاهرة ومصر يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة ست وتسعين وخمسمائة وخطب له ابن أخيه الملك الظاهر بحلب وضرب السكة باسمه وانتظمت المماليك الشامية والشرقية والديار المصرية كلها في سلك ملكه وخطب له على منابرها وفي الشهر الذي دخل فيه العادل القاهرة توفي القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم ابن القاضي الأشراف بهاء الدين أبي المجد علي اللخمي العسقلاني الشافعي الملقب مجير الدين وزير السلطان صلاح الدين وكان إماما في صناعة الإنشاء وسيرته مشهورة وكانت وفاته في ليلة الأربعاء سابع عشر وقيل سادس عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة بالقاهرة فجأة ودفن بتربية بسفح المقطم في القرافة الصغرى رحمه الله وله نحو سبعين سنة وأرخ السبكي مولده في منتصف جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمسمائة وتوفي العماد الكاتب هو أبو عبد الله محمد بن صفي الدين الأصفهاني الشافعي الذي كان في خدمة الملك صلاح الدين له ( الفيح القسي في الفتح القدسي ) كله رجز مسجع وهو من كتب الدنيا لما فيه من البلاغة والصناعة ووفاته في ثاني جمادى الآخرة وقيل في شعبان سنة سبع وتسعين وخمسمائة وله نحو تسعين سنة وكان بينه وبين القاضي الفاضل مكاتبات ومحاورات لطيفة فمن ذلك ما يحكى عنه إنه لقيه يوما وهو راكب على فرس فقال له العماد سر فلا كبا بك الفرس فقال الفاضل دام علا العماد وهذا مما يقرأ مقلوبا ومستقيما بالسواء وكانت وفاة العماد بدمشق ودفن في مقابر الصوفية رحمه الله وفي سنة ستمائة كان الملك العادل بدمشق واجتمع الإفرنج لقصد بيت المقدس فخرج السلطان الملك العادل من دمشق وجمع العساكر ونزل على الطور في قبالة التفرنج بالقرب من نابلس ودام ذلك إلى آخر السنة ثم دخلت سنة إحدى وستمائة فيها كانت الهدنة بين الملك العادل الإفرنج وسلم إلى الإفرنج يافا ونزل عن مناصفة لد والرملة ثم سار إلى مصر ثم في سنة ثلاث وستمائة سار الملك العادل من مصر إلى الشام ونازل في طريقته عكا فصالحه أهلها على إطلاق جميع من بها من الأسرى ثم سار إلى طرابلس وحصرها ورحل عنها ثم في سنة أربع وستمائة وقعت الهدنة بينه وبين صاحب طرابلس وعاد العادل إلى دمشق ولما كان بتاريخ سنة أربع عشر وستمائة والملك العادل بالديار المصرية اجتمع الإفرنج في داخل البحر ووصلوا إلى عكا في جمع عظيم فلما بلغ الملك العادل ذلك خرج بعساكر مصر وسار حتى نزل عل نابلس فسار الإفرنج إليه ولم يكن معه من العساكر ما يقدر به على ملتقاهم فاندفع قد امهم فأغاروا على بلاد المسلمين ووصلت غارتهم إلى نوى من بلد السواد ونهبوا ما بين بيسان ونابلس ومشوا سراياهم فقتلوا وأسروا وغنموا من المسلمين ما يفوق الحصر وعادوا إلى مرج عكا وكانت مدة هذا النهب ما بين منتصف رمضان وعيد الفطر وانقضت السنة والإفرنج بجموعهم في عكا ثم دخلت سنة خمس عشرة وستمائة والملك العادل بمرج الصقر وجموع الإفرنج بمرج عكا ثم ساروا منها إلى الديار المصرية ونزلوا عل دمياط وسار الملك الكامل بن العادل من مصر ونزل قبالهم واستمر الحال عل ذلك أربعة أشهر وأرسل العادل العسكر الذي عنده إلى ابنه الملك الكامل فلما اجتمعت العساكر أخذ في القتال الإفرنج ودفعهم عن دمياط ثم رحل الملك العادل من مرج الصفر إلى عالقين - قرية ظاهر دمشق - فنزل بها ومرض واشتد مرضه وتوفي هناك رحمه الله في سابع جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وكان لدمشق ثلاثا وعشرين سنة ولمصر نحو تسع عشرة سنة وكان رحمه الله حازما مستيقظا غزير العقل سديد الآراء إذا مكر وخديعة حليما صبورا واتته السعادة واتسع ملكه وكثرت أولاده وخلف ستة عشر ولدا ذكرا غير البنات ولم يكن أحد من أولاده حاضرا عنده فحضر إليه ابنه الملك المعظم عيس وكان بنابلس فكتم موته وأخذه ميتا في محفة وعاد به إلى دمشق واحتوى على جميع ما كان مع أبيه من الجواهر والسلاح فلما وصل إلى دمشق حلف الناس وأظهر موت أبيه وكتب إلى الملوك من أخوته وغيرهم يخبرهم بموته واستقر بعده في السلطنة بالديار المصرية ولده الملك الكامل أبو المعالي محمد واستقر في الشام أخوه الملك المعظم عيس ابن الملك العادل أبي بكر وكانت مملكته من حدود بلد حمص إلى العريش يدخل في مملكته بلاد السواحل الإسلامي وبلاد الغور وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وغير ذلك ( تخرب أسوار بيت المقدس ) لما توفي الملك عاد الإفرنج لجهة القاهر وملكوا دمياط وهجموها في عاشر رمضان سنة ست عشر وستمائة وأسروا من بها وجعلوا الجامع كنيسة واشتد طعمهم في الديار المصرية فلما رأى الملك المعظم عيسى ذلك خشي أن يقصدو القدس فلا يقدر على منعهم فأرسل الحجازين والنقابين وشرعوا في تخريبه في سنة ست عشرة وستمائة فخرب أسواره وكانت قد حصنت إلى الغاية وانتقل منه عالم عظيم وهرب أهله منه خوفا من الإفرنج أن تهجم عليهم ليلا أو نهارا وتركوا أموالهم وأثقالهم وتمزقوا في البلاد كل ممزق حتى قيل إنه بيع القنطار الزيت بعشرة دراهم والرطل النحاس بنصف درهم وضج الناس وابتهلوا إلى الله تعالى عند الصخرة وفي الأقصى وكان الملك المعظم عالما فاضلا وكان حنفيا متعصبا لمذهبه وخالف جميع أهل بيته فإنهم كانوا شافعية وله بالقدس مدرسة الحنيفية عند باب المسجد الأقصى المعروف الآن بباب الدويدارية وبنى على آخر صحن الصخرة من جهة القبلة مكانا يسمى النحوية للاشتغال بعلم العربية ووقف عل ذلك أوقافا حسنة وفي أيامه جددت عمارة القناطر التي على درج الصخرة القبلي عند قبة الطومار وغير ذلك بالمسجد الأقصى وغالب الأبواب الخشب المركبة عل أبواب المسجد عملت في أيامه واسمه مكتوب عليها وعمر مسجد الخليل عليه السلام ووقف عليه قريتي دورا كفر بريك ولما غاب عن القدس كتب إليه بعض أصدقائه غبت عن القدس فأوحشته لما غدا باسمك مأنوسا وكيف لا تلحقه وحشة وأنت روح القدس يا عيسى وفي سنة سبع عشرة وستمائة فتح الملك المعظم قيسارية وهدمها وفي سنة ثماني عشرة قو طمع الإفرنج المتملكين دمياط في ملك الديار المصرية وتقدموا عن دمياط إلى جهة مصر ووصلوا إلى المنصورة واشتد القتال بين الفريقين برا وبحرا وككتب السلطان الملك الكامل متواترة إلى اخوته وأهل بيته يستحثهم على انجاده فسار الملك المعظم عيسى صاحب دمشق بعسكره وأخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى صاحب البلاد الشرقية بعساكره واستصحب حلب والملك الناصر قلج ارسلان صاحب حماله وصاحب بعلبك الملك الأمجد بهرام شاه وصاحب حمص أسد الدين شيركوه ووصلوا إلى الملك الكامل وهو في قتال الإفرنج على المنصورة فركب والتقى مع اخوته ومن في صحبتهم من الملوك وأكرمهم فقويت نفوس المسلمين وضعفت نفوس الإفرنج لما شاهدوه من كثرة العساكر الإسلامية وتجمعهم واشتد القتال بين الفريقين ورسل الملك الكامل واخوته مترددة إلى الإفرنج في الصلح وبذل لهم المسلمون تسليم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وجميع مما فتحه السلطان ممن الساحل ما عدا الكرك والشوبك عل أن يجيبوا إلى الصلح ويسلموا دمياط للمسلمين فلم يرض الإفرنج بذلك وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضا عن تخريب أسوار بيت المقدس وقالوا لا بد من تسليم الكرك والشوبك وبينما الأمر متردد في الصلح والإفرنج يمتنعون إذ عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها الإفرنج من بر دمياط ففتحوا فجوة عظيمة من النيل وكان ذلك في قوة زيارته والإفرنج لا خبرة لهم بأمر النيل فركب الماء تلك الأرض وصار حائلا بين الإفرنج وبين دمياط وانقطعت عنهم الميرة والمدد فهلكوا جوعا وبعثوا يطلبون الأمان عل أن ينزلوا عن جميع ما بذله المسلمون لهم ويسلموا دمياط ويعقدوا مدة الصلح وكان فيهم عد ملوك كبار نحو عشرين ملكا واختلف الآراء في ذلك ثم حصل الاتفاق عل إجابتهم لتضجر العسكر وطول المدة لأنهم كان لهم ثلاث سنين وأشهر في القتال فأجابهم الملك الكامل وطلب الإفرنج رهينة فبعث ابنه الملك الصالح أيوب وعمره يومئذ خمس عشرة سنة إلى الإفرنج رهينة فبعث ابنه الملك الصالح وعمره يومئذ خمس عشرة سنة إلى الإفرنج وحضر من الإفرنج رهينة ملك على وصاحب رومة الكبرى وغيرهما من الملوك وكان ذلك في سابع رجب سنة ثماني عشرة وجلس الملك الكامل مجلسا عظيما ووقف بين يديه الملوك من اخوته وأهل بيته جميعهم وسلمت دمياط للمسلمين في تاسع عشر رجب وهنأت الشعراء الملك الكامل بهذا الفتح العظيم ثم دخل الملك الكامل إلى دمياط بمن معه وكان يوما مشهودا ثم توجه إلى القاهرة وانصرف الملوك إلى بلادهم ( وفاة الخليفة الناصر الذي فتح القدس في أيامه ) وتوفي الإمام الناصر لدين الله العباسي - المتقدم ذكره - في أول شوال سنة اثنتين وعشرين وستمائة وكانت خلافته نحو سبع وأربعين سنة وعمي في آخر عمره وكان عمره نحو سبعين سنة ولما دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة وقع تنافر بين الملك الكامل صاحب مصر وأخيه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق لأمور بينهما فكاتب الملك الكامل الانبرطون ملك الإفرنج في أن يقدم إلى عكا ليشغل سرا أخيه الملك المعظم عما هو فيه ووعد الانبرطون بأن يعطيه القدس فسار الانبرطون إلى عكا وبلغ الملك المعظم ذلك ثم توفي الملك عيس في هذه السنة يوم الجمعة مستهل ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة ودفن بقلعة دمشق ثم نقل إلى جبل الصالحية ودفن في مدرسته هناك المعروفة بالمعظمية وكان نقله ليلة الثلاثاء مستهل المحرم سنة خمس وعشرين وستمائة وكانت مدة ملكه دمشق تسع سنين وشهورا ولمات وفي الملك المعظم ترتب في مملكته بعده ولده الملك الناصر صلاح الدين داود فلما دخلت سنة خمس وعشرين وستمائة أرسل الملك الكامل صاحب مصر يطلب من ابن أخيه الناصر داود حصن الشوبك فلم يعطه إياه ولا أجابه إليه فسار الملك الكامل من مصر إلى الشام في رمضان ه من هذه السنة ونزل عل تل العجول بظاهر غزة وولى ابن يوسف على نابلس والقدس وغيرهما من بلاد ابن أخيه ووقع بينهما أمور ومراسلات وقدم الانبرطون إلى عكا بجموعه وقد مات الملك المعظم فاستولى عل صيدا وكانت مناصفة بين المسلمين والإفرنج وسورها خراب فعمر الإفرنج سورها واستولوا عليها والانبرطون معناه ملك الأمراء بالإفرنجية وكان صاحب جزيرة صقلية وكان فاضلا يحسن الحكمة والمنطق والطب ويميل إل المسلمين ( ذكر تسليم بيت المقدس إلى الإفرنج ) لما دخلت سنة ست وعشرين وستمائة واستهلت وملوك بني أيوب متفرقون مختلفون قد صاروا أحزابا بعد أن كانوا إخوانا وأصحابا فقوي الإفرنج بذلك وبموت المعظم عيسى من وفد إليهم من البحر وكان الملك الكامل قد عزم عل انتزاع دمشق من ابن أخيه الناصر داود وسير الملك الكامل أخاه الملك الأشرف موسى لحصار دمشق والكامل مشتغل بمراسلة الانبرطون ولما طال الأمر ولم يجد الكامل بدا من المهادنة أجاب الانبرطون إلى تسليم القدس إليه على أنت ستمر أسواره خرابا ولا يعمره الإفرنج ولا يتعرضوا إلى قبة الصخرة ولا الجامع الأقصى ويكون المرجوع في الرستاق إلى والي المسلمين ويكون لهم من القرى ما هو عل الطريق من عكا إلى القدس فقط ووقع الأمر عل ذلك وتحالفا عليه وتسلم الانبرطون القدس في ربيع الآخر عل القاعدة المذكورة وعظم ذلك عل المسلمين وحصل به وهن شديد وارجاف في الناس ولما وقع ذلك كان الناصر داود في الحصار لانتزاع دمشق منه فأخذ في التشنيع عل عمه الكامل بذلك وككان بدمشق الشيخ شمس الذين يوسف سبط أبي الفرج الجوزي وكان واعظا له قبول عند الناس فأمره الناصر داود أن يعمل مجلس وعظ يذكر فيه فضائل بيت المقدس وما حل بالمسلمين من تسليمه إلى الإفرنج ففعل ذلك فكان مجلسا عظيما ومن جمل ما انشد قصيدة تائية ضمنها فضل بيت المقدس منها مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات وارتفع بكاء الناس وضجيجهم لذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولما عقد الملك الكامل الهدنة مع الانبرطون وخلا سره من جهة الإفرنج سار إلى دمشق فوصل إليها في جماد الأولى واشتد الحصار عل دمشق واستولى عليها الملك الكامل ولمها لأخيه الملك الاشرف موسى وعوض الناصر داود عنها الكرك والشوبك والبلقا والصلت والأغوار ثم نزل الناصر داود عن الشوبك وسأل عمه في قبولها فقبلة واستمر الأشرف موسى بدمشق إلى أن توفي في المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة وتملك دمشق بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل بعهد منه ثم سار الملك الكامل إلى دمشق ومعه الناصر داود صاحب الكرك ونزلا عليها في جمادى الأولى من هذه السنة وحصلت أمور ووقائع ثم سلم الصالح اسماعيل دمشق إلى أخيه الكامل لاحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى وتعوض عنها بعلبك ولم يلبث الكامل غير أيام حتى مرض واشتد مرضه ومات لتسع بقين من رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة وعمره نحو ستين سنة وكانت مدة ملكه مصر من حين مات والده عشرين سنة وكان ملكا مهيبا حسن التدبير يحب العلماء وجالستهم وهو الذي بني القبة على قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه واستمر بعده في السلطنة بمصر ولده الملك العادل أبو بكر بن الكامل فإنه كان نائبه بمصر واتفق الأمراء بدمشق حين وفاة والده على تحليف العسكر له وأقاموا في دمشق الملك الجواد يونس بن مودود بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب نائبا عن الملك العدل ابن الكمال ورحل الناصر داود إلى الكرك وتفرقت العساكر لما دخلت سنة ست وثلاثين وستمائة استولى الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل على دمشق وأعمالها بتسليم الملك الجواد يونس في جمادى الآخرة ودخلت سنة سبع وثلاثين وستمائة وكان الملك الصالح أيوب سار من دمشق واستخلف فيها ولده الملك المغيث فتح الدين عمرو ووصل الصالح أيوب إلى نابلس لقصد الاستيلاء على الديار المصرية فسار الصالح إسماعيل صاحب بعلبك ومعه شيركوه صاحب حمص بجموعهما وهجموا على دمشق وحصروا القلعة وتسلمها الصالح إسماعيل وقبض على الملك المغيث في صفر فلما بلغ الصالح أيوب ذلك رحل من نابلس إلى الغور وتشتت عنه عساكره وضاق به المر فقصد نابلس ونزل بها بمن معه فسار إليه الناصر داود بعسكره من الكرك وأمسك الصالح أيوب وارسله إلى الكرك واعتقله بها وأمر بالقيام في خدمته بكل ما يختاره ولما اعتقل بالكرك أرسل أخوه الملك العادل أبو بكر صاحب مصر يطلبه من الناصر داود فلم يسلمه الناصر داود فأرسل العادل وتهدد الناصر بأخذ بلاده فلم يلتفت إلى ذلك تم الجزء الأول من تاريخ الأنس الجليل ويليه الثاني أوله ( الفتح الناصري الداودي ) فهرس مواضيع كتاب ( الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ) صفحة مواضيع الكتاب مقدمة الكتاب 1 مقدمة المؤلففيجمعه وترتيبوضعه بتضمن تاريخ البيت المقدس 5 نبذة يسيرة من تفسيرأول سورة الاسراء وذكرأسماء المسجد الأقصى 9 ذكر أولما خلق الله سبحانهوتعالى ' خلق العرش والكرسي والريح 10 خلق الأرضيين والجبال والبحار 11 العقل وما جاء عن النبي ( ص ) 12 خلق الله السموات وسكانها وصفة الملائكة وخلق الشمس والقمر 13 خلق الشمس والقمر ' ذكر الجنة والنار وما فيهما 14 ذكر الجن والجان وما كان من ابتداء أمرهم وعبادة إبليس 17 ذكر آدم عليه السلام 19 ذكر نوح عليه السلام 22 ذكر هود وصالح عليهما السلام 34 ذكر هجرة إبراهيم الخليل عليه السلام 36 قصة بناء الكعبة المشرفة وذكر سيدنا إسماعيل عليه السلام 39 ذكر قصة الذبيح 41 ذكر شراء المغارة 47 ذكر ختانه وتسروله عليه السلام وشيبته 49 ذكر رأفته بهذه الأمة صلى الله عليه وسلم 49 ذكر ضيافته وإكرامه للضيف واخلاقه الكريمة 52 معنى الخلة والاستصفاء 53 ذكر وفاته عليه السلام 54 ذكر قصة الاسكندر وكان في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام 55 ذكر بناء سليمان عليه السلام الحير الذي علي المغارة بوحي من الله تعالى 56 ذكر فضل سيدنا الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام وفضل زيارته 57 القول في آداب الزيارة وزيارة إبراهيم الخليل ' ع ' 59 فصل في حكم السور السليماني ' ذكر ذرعه طولا وعرضا 64 ذكر إسحاق عليه السلام 65 ذكر سيدنا يعقوب عليه السلام 66 ذكر يوسف الصديق عليه السلام 70 ذكر لوط عليه السلام 72 ذكر أيوب عليه السلام 73 ذكر شعيب عليه السلام 74 ذكر سيدنا موسى الكليم وأخيه هارون عليهما السلام 76 قصة التابوت والقائه في اليم 77 ذكر قصة الرضاع 79 قصة القبطي 80 قصة أرض مدين 81 قصة رجوعه من أرض مدين 83 قصة دخوله إلى مصر 85 قصة الحية واليد البيضاء ' قصة السحرة 86 قصة الصرح 87 قصة الآيات التسع ' قصة المسخ وقتل آسية 88 قصة النيل وحكاية فرعون ' قصة غرق فرعون وخروج موسى من مصر 90 قصة السامري وحكاية بني إسرائيل 91 ذكر قصة الرؤية 93 قصة الجبل وقصة الحجر ' قصة طلب الرؤية ( فقالوا أرنا الله جهرة ) 94 قصة الجبارين والنيه والحطة 96 قصة قارون بن مصعب 97 قصة الخضر واجتماعه موسى عليهما السلام ' قصة البقرة وأيام موسى 99 ذكر وفاة هارون عليه السلام 100 ذكر وفاة موسى عليه السلام 103 فائدة والدنو من الأرض المقدسة ' ذكر السبب في ملك سيدنا داود عليه السلام 107 ذكر قصة أوريا وعمر داوود ( ع ) 113 ذكر بناء سيدنا داوود عليه السلام مسجد بيت المقدس 117 ملك سليمان عليه السلام ' بناء سليمان عليه السلام مدينة بيت المقدس ومسجدها 126 طلسم الحيات القاتلة ' قصة بلقيس ملكة اليمن 139 ذكر فتنة سليمان ( ولقد فتنا سليمان ) 144 ذكر وفاته عليه السلام 145 ذكر خراب بيت المقدس عل يد بخت نصر 151 ذكر عمارة بيت المقدس الثانية 153 قصة أرميا عليه السلام 155 فصل قصة ملك الاسكندر وعظمة مملكة اليونان 156 ذكر سيدنا يونس بن متى عليه السلام 158 ذكر سيدنا زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام 162 نزول المائدة ولباس عيسى الصوف 165 ذكر صعود سيدنا عيسى إلى السماء 168 ذكر خراب بيت المقدس الخراب الثاني وهلاك اليهود وزوال دولتهم زوالا لا رجوع بعده 170 ذكر عمارة بيت المقدس الشريف المرة الثالثة 172 قصة النيل وملك الحبشة اليمن بعد حمير 174 ذكر سيد الأولين الآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب رب العالمين البشير النذير الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير محمد بن عبد الله ( ص ) 176 وفاة آمنة أم النبي ( ص ) 177 ذكر مبعثه صل الله عليه وسلم وابتداء الوحي إليه 179 الهجرة الأولي وخروج أصحابه إلى الحبشة 180 أمر الصحيفة واضمحلال المشركين 181 قصة المعراج وما وقع لنبينا محمد ( ص ) ليلة الإسراء بالمسجد الأقصى 186 ابتداء أمر الأنصار وإرادة الله تعالى لإظهار دينه 187 بيعة العقبة الأولى ' بيعة العقبة الثانية ' ذكر الهجرة الشريفة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام 190 ذكر بناء المسجد الشريف النبوي عل صاحبه أفضل الصلاة والسلام 203 عمرة القضاء سنة سبع معتمرا 204 نقض الصلح وفتح مكة 214 حج أبي بكر ( رض ) بالناس ' حجة الوداع 215 ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم 218 ذكر صفاته صلى الله عليه وسلم ونبذة من معجزاته 220 ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم 220 ذكر الأسود العنسي ومسيلمة وسجاح وطليحة وما جرى منهم 223 فضل الصلاة على رسول الله صل الله عليه وسلم 224 ذكر آداب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وما يستحب أن يفعله الزائر ويدعو به 226 ذكر فضائل المسجد الأقصى الشريف وما ورد في ذلك من الآيات والأحاديث 228 فضل الصلاة في بيت المقدس 229 مضاعفة الصلاة في مسجد بيت المقدس 230 مضاعف الحسنات والسيئات في مسجد بيت المقدس 230 شد الرحال إليه 231 كراه استقبال الصخرة ببول أو غائط ' فضل الإهلال بالحج والعمرة من بيت المقدس 232 بيت المقدس أرض المحشر والمنشر ' توكل الملائكة بالمسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى 233 فضل اسراج بيت المقدس الشريف عند العجز عن الوصول فإنه يقوم مقام الصلاة فيه ' صفة الدجال قاتله الله - الدجال لا يدخل بيت المقدس 234 فضل الأذان في بيت المقدس 235 فضل الصلاة في بيت المقدس ' فضل الصيام فيه والاستغفار ' فضل الدفن في بيت المقدس 236 فضل الصلاة عن يمين الصخرة ' البلاطة السوداء وأبواب الصخرة ' اليمين عند الصخر والحلف عندها 237 فضل الصخرة ليلة الرجفة 238 نبذة مما ذكر من فضائل بيت المقدس الشريف المعظم 242 ذكر ما يستجب أن يدعى به عند دخول المسجد الشريف 244 ذكر الفتح العمري 258 ذكر وفاة عمر ( رض ) 267 ذكر المهدي الذي يكون في أخر الزمان بالقدس الشريف 269 ذكر بناء عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة الشريفة 280 ذكر صفة المسجد الأقصى وما كان عليه في زمن عبد الملك وبعده 285 ذكر جماعة من أعيان التابعين والعلماء والزهاد ' أويس بن عامر القرني من بني قرن 286 عبيد عامل عمر ( رض ) ' عمير بن سعد ' يعلي بن شداد بن ثابت ' أبو نعيم المؤذن ' أبو الزبير المؤذن الدارقطني ' أبو سلام الجيشي وأسمه محصور ' أبو جعفر الجرشي ' خالد بن معدان الكلاعي 287 أم الدرداء هجيمة ويقال جهمية ' أبو العوام مؤذن بيت المقدس ' قبيصة بن دويب وعبد الله بن محيريز وهانيبن كلثوم كل هؤلاء عبادا ' محارب بن دثار كان قاضيا ' عبد الله بن فيروز الديلمي مقدسي 288 زياد بن أبي سودة مقدسي ' أبو الحسن الزهري الأندلسي ' إبراهيم بن محمد بن يوسف العرباني ' أبو عتبة الخواص عباد بن عباد الارسوفي ' عابد ببعض قرى بيت المقدس زمن ثور بن يزيد 289 عبد الله بن عامر العامري 289 أبو عبد الله بن خصيف من شيراز ' قاسم الزاهد ببيت المقدس ' محمد بن حاتم بن محمد بن عبد الكريم الطافي أبو الحسن الطوسي ' محمد بن عبد الله بن الوليد بن سعد بن بكر الأنصاري 290 جعفر بن محمد النيسابوري ' كعب الاحبار ابن مانع الحميري أبو إسحاق ' إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي المقدسي ' جبير بن نصر الحضرمي الحمصي 291 عبد الرحمن بن غنم الأشعري ' خالد كان بصخرة بيت المقدس ' مالك بن دينار من الأئمة الأعلام ' محمد بن واسع زاهد من أهل البصرة ' أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية 292 ومن النساء العابدات امرأة تسمى طافية وامرأة تسمى لبابة ' سليمان بن طرخان الهيثمي التميمي ' مقاتل بن سليمان المفسر ' الأوزعي عبد الرحمن بن عمر ' سفيان الثوري بن سعيد بن مسروق 292 إبراهيم بن أدهم بن إسحاق من بلخ ' الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي 293 وكيع بن الجراح بن مليح أبو سفيان الرواسي ' محمد بن إدريس الشافعي المطلبي 294 المؤمل بن إسماعيل البصري ' بشر بن الحارث الحافي ' ذو النون المصري أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم ' السري بن المغلس السقطي 269 محمد بن كرام المتكلم تنسب إليه الفرقة الكرامية ' صالح بن يوسف أبو شعيب المقنع الواسطي ' بكر بن سهل الدمياطي المحدث 297 أحمد بن يحيى البراز البغدادي ' الشيخ سلامة بن إسماعيل بن جماعة الضرير ' شيخ الإسلام أبو الفرج عبد الواحد بن أحمد الشيرازي ' الشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي 298 الفقيه أبو الفضل عطاء شيخ الشافعية ' الشيخ أبو المعالي بن المرجا بن إبراهيم المقدسي ' الشيخ أبو القاسم مكي بن القاسم الرميلي الشافعي 299 أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد الرازي ' الغزالي حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي ' القاضي محمد بن حسن بن موسى بن عبد الله البلاشاعوني ' الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المعروف بابن القيسراني 300 أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون القرشي الكوفي ' أبو روح ياسين بن مسهل القابسي الخشاب ' أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن مسلم 301 الطرطوشي أبو بكر محمد بن الوليد بن أيوب القرشي الفهري 301 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحي الأموي العثماني ' أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المشهور بالديباجي ' أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله الربعي 302 أبو الحسن بن فرج بن حاتم الواعظ ' الإمام أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله ' أبو بكر الجرجاني محمد بن أحمد من جرجان نيسابور ' تاج الإسلام أبو سعيد عبد الكريم السمعاني ' من عباد بيت المقدس إدريس بن أبي خولة الانطاكي وعبد العزيز المقدسي 303 الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز الفاطمي ' المستنصر بالله أبو تميم معد 304 سقوط جدار بين يدي قبر النبي ( ص ) ' كثرة الزلازل بمصر والشام سنة 425 ' سقوط تنور قبة الصخرة سنة 452 ' في سنة 460 حدوث زلزلة بأرض فلسطين والرملة 305 في سنة 463 استولى على القدس والرملة آتسر بن اوق الخوارزمي ' في سنة 465 أقيمت الدعوة العباسية ببيت المقدس ' قتل تسر في سنة 471 واستيلاء تاج الدولة أمير تتش ' ذكر تغلب الإفرنج عل بيت المقدس واستيلائهم عليه 306 تغلب الفاطميين عل بني العباس وبدء الدعوة بالمغرب ' وأولهم عبيد الله المهدي بالله ثم ابنه أبو القاسم محمد القائم بأمر الله ' أبو تميم المعز لدين الله باني القاهرة المحروسة 311 إرسال العاضد العلوي خليفة مصر 311 وصول أسد الدين شيركوه إلى القاهرة 312 عزم شاور على دعوة شيركوه والقبض عليه ' ولما لم يبق له منازع أتاه أجله ( حتى إذا فرحوا بم أوتوا ) الآية 313 إرسال صلاح الدين يطلب من نور الدين أباه أيوب وأهله ' في سنة 565 سارالإفرنج إلى دمياط وحاصروها ' في سنة 566 سار صلاح الدين من مصر فغزا بلاد الإفرنج 314 أقيمت الخطبة العباسية بمصر وانقراض الدولة الفاطمية ' سبب الخطبة العباسية بمصر وتمكن الملك الناصر صلاح الدين ' قطع الخطبة لبني العباسسنة 359 في خلافة المطيع لله العباسي ' وفاة العاضد يوم عاشوراء سنة 567 ' استيلاء صلاح الدين عل قصر الخلافة وعلى جميع ما فيه ' ظهور المهدي بالله عبيد الله بجلماسة سنة 296 315 وصول خبر الخطبة العباسية بمصر إلى بغداد وضربت لها البشائر عدة أيام ' وفاة والد الملك صلاح الدين وهو نجم الدين أبو الشكر أيوب ' وفاة الملك العادل نور الدين الشهيد سنة 569 ' استقرار الملك بدمشق وولده الملك الصالح إسماعيل ' تثبيت قدم الملك صلاح الدين وقرار أمر دمشق 316 استقرار عماد الدين زنكي بن مودود بحلب واستقر مسعود بسنجار ' سفر صلاح الدين عن مصر إلى الشام سنة 570 ' قصد الإفرنج المسير لمدينة الرسول لنبش قبره الشريف ونقل جسده الكريم إلى بلادهم ليدفنوه عندهم ولا يمكنوا المسلمين من زيارته إلا بجعل 359 الوقعة الكبرى مع الإفرنج 360 وصول الملك الألمان إلى قسطنطينية 361 ذكر نساء الافرنج ووصول المراكب ' وقعة الرملة وكان السلطان في الصيد 362 فتح شقيف وأرنون بالأمان ' مقاتلة الإفرنج عكا وحمل الطيور البطاقات 363 وصول الأسطول من مصر ' قصة ملك الألمان وعبوره بجنوده 366 الوقعة العادلية ووصول ملك الألمان ' ذكر ما تجدد للإفرنج بوصول الكندهري ' حريق المنجنيقات ومضايقة عكا 367 وصول ابن ملك الألمان الذي قام مقام أبيه إلى الإفرنج بعكا ' ذكر برج الذبان قرب ميناء عكا 368 ذكر الكبش وحريقه ' ذكر غير ذلك من الحوادث 369 نوبة رأس الماء ومضايقة الإفرنج ' وقعة الكمين للعدو 370 ذكر غير ذلك من الحوادث ' قصة الرضيع واللصوص في الليل 372 انتقال السلطان إلى تل الصياصة 373 وصول ملك الانكثير ' غرق البطة في وسط البحر 373 حريق الذبابة وهي من خشب ورصاص 374 ذكر المر كيس ومفارقته ' فصل في وصول العساكر من سنجار ومن مصر 376 استيلاء الإفرنج عل عكا 377 غدر ملك الانكثير وقتل المسلمين المأخوذين بعكا 378 رحيل الإفرنج صوب عسقلان ' وقعة قيسارية ووصول الخبر برحيل الإفرنج 379 اجتماع الملك العادل وملك الانكثير ' وقعة أرسوف وما جرى بين العسكرين 380 خراب عسقلان ونزول السلطان بالرملة ' فصل في هروب ملك الانكثير متنكرا 381 ذكر ما تجدد لملك الانكثير إلى العادل بالمصالحة 382 وقعة الكمين وأمر السلطان لرجال الحلقة بأن يكمنوا ' اجتماع الملك العادل بملك الانكثير ' رحيل السلطان إلى القدس الشريف 383 ذكر ما اعتمده السلطان في عمارة القدس 384 ذكر الحوادث مع الإفرنج ورحيلهم من الرملة 385 هلاك المر كيس بصور وقتله بالسكاكين 386 استيلاء الإفرنج على عسكر مصر الواصل 387 كبسة الإفرنج على عسكر مصر الواصل 388 نزول السلطان على مدينة يافا وفتحها 389 الهدنة العامة بين السلطان وبين الإفرنج 390 ذكر ما جر بعد الصلح 391 رحيل السلطان إلى دمشق 392 وصول الابرنس صاحب إنطاكية ' وصول السلطان إلى دمشق 393 ذكر وفاة السلطان رحمه لله عليه 394 رثاء الملك صلاح الدين ومرثية العماد الكاتب 397 ذكر ما استقر عليها الحال بعد وفاة الملك صلاح الدين 402 تخريب أسوار بيت المقدس 405 وفاة الملك الناصر الذي فتح مدينة القدس في أيامه 406 ذكر تسليم بيت المقدسسنة 626 408 خاتمة الجزء الأول من تاريخ الأنس الجليل ( تم الكتاب ) ذكر الفتح الناصري الداودي بعد أن جرى ما ذكر من اعتقال الملك الصالح أيوب بالكرك قصد الملك الناصر داود القدس - وكان الافرنج قد عمروا قلعتها بعد موت الملك الكامل - فحاصرها وفتحها وخرب القلعة وخرب برج داود أيضا فإنه لما خربت القدس أولا لم يخرب برج داود فخربه في هذه المرة وذلك في سنة سبع وثلاثين وستمائة بعد أن بقي في أيدي الافرنج نحو احدى عشرة سنة من حين تسليم الكامل له في سنة ست وعشرين وستمائة فأنشد فيه جمال الدين بن مطروح - وكان علامة فاضلا - المسجد الأقصى له آية سارت فصارت مثلا سائرا إذا غدا للكفر مستوطنا أن يبعث الله له ناصرا فناصر ظهوره أولا وناصر ظهوره آخرا وفي أواخر رمضان في سنة سبع وثلاثين وستمائة أفرج الناصر داود صاحب الكرك عن ابن عمه الملك الصالح أيوب واجتمعت عليه مماليكه وسار هو والناصر داود إلى قبة الصخرة وتحالفا على أن تكون ديار مصر للصالح ودمشق للناصر ولما ملك الناصر لم يف له بذلك وكان يتأول في يمينه إنه كان مكرها ثم سار إلى غزة فلما بلغ الملك العادل صاحب مصر ظهور أخيه الصالح عظم عليه وبرز بعسكر مصر ونزل على بلبيس لقصد أخيه الصالح والناصر داود وأرسل إلى عمه الصالح اسماعيل المتولي على دمشق ان يبرز ويقصدهما من جهة الشام فسار الصالح اسماعيل بعساكر دمشق فبينما الصالح أيوب والناصر داود وهما بين عسكرين قد احاطا بهما إذ ركب جماعة من المماليك الأشرفية ومقدهم ايبك الأسمر واحاطوا بدهليز الملك العادل أبي بكر ابن الكامل وقبضوا عليه في ليلة الجمعة ثامن ذي القعدة وأرسلوا إلى الملك الصالح ايوب يستدعونه فأتاه فرج لم يسمع بمثله وسار ومعه الناصر داود إلى مصر وصار يلتقيه في كل يوم فرج من العساكر إلى أن دخل إلى قلعة الجبل بكرة يوم الأحد لست بقين من ذي القعدة وزينت له البلاد وفرح الناس بقدومه ولما استقر في ملك مصر خاف الناصر داود أن يقبض عليه فطلب دستورا وتوجه إلى بلاد الكرك وفي سنة ثمان وثلاثين وستمائة قوى خوف الصالح اسماعيل صاحب دمشق من ابن اخيه الصالح أيوب صاحب مصر فسلم صفد والشقيف إلى الافرنج ليعضدوه ويكونوا معه على ابن اخيه الصالح ايوب فعظم ذلك على المسلمين ' ذكر تسليم القدس الشريف إلى الإفرنج ' لما دخلت سنة إحدى واربعين وستمائة حصلت فيها المراسلة بين الملك الصالح أيوب صاحب مصر والملك الصالح اسماعيل صاحب دمشق بالصلح وان صاحب دمشق يطلق الملك المغيث فتح الدين عمر بن الصالح أيوب وحسام الدين بن علي الهدماني وكانا معتقلين عند الصالح اسماعيل فأطلق حسام الدين وجهزه إلى مصر واستمر الملك المغيث في الاعتقال واتفق الصالح اسماعيل مع الناصر داود صاحب الكرك واعتضدا بالافرنج وسلما اليهم طبرية وعسقلان فعمر الافرنج قلعتهما وسلما أيضا اليهم القدس بما فيه من المزارات قال القاضي جمال الدين ومررت إذ ذاك بالقدس متوجها إلى مصر ورأيت القسس قد جعلوا على الصخرة قناني الخمر للقربان فالحكم لله العلي الكبير وكان الناصر داود فتح بيت المقدس - كما تقدم - في سنة سبع وثلاثين ثم فعل هذه الفعلة القبيحة فأبدل حسنة بسيئة وقد انتقم الله منه فيما بعد على ما سنذكره عند وفاته فنعوذ بالله من سوء الخاتمة والضلال بعد الهداية ( ذكر الفتح الصلاحي النجمي ) ( الذي يسره الله تعالى على يد السلطان الملك الصالح نجم الدين ) ( أيوب بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر ) ( ابن أيوب تغمده الله تعالى برحمته واسكنه فسيح جنته ) لما وقع ما تقدم ذكره من تسليم القدس للإفرنج في سنة إحدى واربعين وستمائة استدعى الملك الصالح نجم الدين أيوب الخوارزمية لينصروه على عمه الصالح اسماعيل فسار الخوارزمية ووصلوا إلى غزة في سنة اثنتين 642 ه واربعين وستمائة ووصل اليهم عدة كثيرة من العساكر المصرية مع ركن الدين بيبرس مملوك الصالح ايوب وكان اكبر مماليكه وارسل الصالح اسماعيل عسكر دمشق مع الملك المنصور إبراهيم ابن شيركوه صاحب حمص وسار صاحب حمص جريدة ودخل عكا واستدعى الافرنج على ما كان قد وقع عليه الاتفاق معهم ووعدهم بجزء من بلاد مصر فخرج الافرنج واجتمعوا بالفارس والراجل ولم يحضر للناصر داود والتقى الفريقان بظاهر غزة فولى عسكر دمشق وصاحب حمص والافرنج منهزمين وتبعهم عسكر مصر والخوارزمية فقتلوا منهم خلقا عظيما واستولى الملك الصالح ايوب صاحب مصر على غزة والسواحل والقدس الشريف ولله الحمد ووصلت الأسرى والرؤس إلى مصر ودقت بها البشائر عدة أيام ثم ارسل الصالح ايوب صاحب مصر العسكر وسار إلى دمشق وحاصروها وخرجت السنة وهم في حصارها وتوفي الملك المغيث فتح الدين عمر في حبس عمه اسماعيل وبلغ والده الصالح ايوب ذلك فاشتد حزنه عليه وحنقه على اسماعيل فلما دخلت سنة ثلاث واربعين وستمائة تسلم عسكر الصالح ايوب دمشق من الصالح اسماعيل ثم استولى الصالح ايوب على بعلبك في سنة اربع واربعين ستمائة 644 ه وفي هذه السنة مات الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه صاحب حمص وفي سنة خمس واربعين فتحت قلعة عسقلان وقلعة طبرية والملك الصالح ايوب بالشام بعد محاصرتها مدة واستولى الصالح ايوب على الكرك في سنة سبع واربعين قبل فاته بيسير وهذا الفتح الواقع في سنة اثنتين واربعين وستمائة لبيت المقدس هو آخر فتوحاته فانه استمر بأيدي المسلمين إلى عصرنا والمرجو من كرم الله تعالى استمراره كذلك إلى يوم القيامة بحول الله وقوته وتوفي الملك الصالح نجم الدين ايوب ليلة الأحد لأربع عشرة ليلة مضت من شعبان سنة سبع واربعين وستمائة وكانت مدة ملكة تسع سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما وعمره نحو اربع واربعين سنة وكان مهيبا عالي الهمة عفيفا طاهر اللسان شديد الوقار ولو لم يكن من علو همته إلا مبادرته لاستنقاذ البيت المقدس من أيدي الكفار في اسرع وقت لكفى رحمه الله وعفا عنه وعوضه الجنة وتسلطن بعده ولده الملك المعظم توران شاه وكان الافرنج قد استولوا على دمياط قبل وفاة الملك الصالح في سنة سبع اربعين ووقع بين المسلمين والافرنج بأرض دمياط وقعات وارسلوا يطلبون القدس وبعض السواحل وأن يسلموا دمياط إلى المسلمين فلم تقع الاجابة بذلك وفتح الله دمياط بعد ذلك في المحرم سنة ثمان واربعين وستمائة وقتل المعظم توران شاه عقب ذلك في آخر المحرم وأما الصالح اسماعيل فإنه بعد انتزاع دمشق منه انتمى إلى الملك الناصر يوسف صاحب حلب واستمر عنده إلى ان ملك دمشق بعد الصالح ايوب وتوجه معه حين مسيره إلى القاهرة في سنة ثمان واربعين وستمائة ولما قصد أخذ الديار المصرية من صاحبها الملك الأشرف موسى بن يوسف صاحب اليمن المعروف باقسيس ابن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر ابن ايوب فانكسر الناصر يوسف وانهزم وقبض على الصالح اسماعيل واعتقله بقلعة الجبل بالديار المصرية ثم قتل في ليلة الاحد السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان واربعين وستمائة بالقاهرة وعمره قريب من خمسين سنة واما الناصر داود فإنه لما ضاقت عليه الامور سار إلى الناصر يوسف صاحب حلب مستجيرا به وكان قد بقي عنده من الجوهر مقدار كثير يساوي مائة الف دينار اذا بيع بالهوان فلما وصل إلى حلب سير الجوهر المذكور إلى بغداد وأودعه عند الخليفة المستعصم ووصل اليه خط الخليفة بتسليمه ثم في مستهل شعبان سنة ثمان واربعين وستمائة قبض عليه الملك الناصر يوسف وبعث به إلى حمص واعتقله بها لامور بلغته عنه ثم أفرج عنه بشفاعة الخليفة المستعصم وامره أن لا يسكن في بلاده فرحل إلى جهة بغداد فلم يمكنوه من الوصول اليها وطلب وديعته الجوهر فمنعوه إياها وكتب الملك الناصر يوسف إلى ملوك الأطراف أنهم لا يأوونه فبقي مشتتا ثم نزل الأنبار - وبينها وبين بغداد ثلاثة ايام - وهو يتضرع للخليفة المستعصم فلا يجيب ضراعته ويطلب وديعته فلا يرد لهفته ولا يجيبه إلا بالمماطلة ثم أرسل الخليفة يشفع فيه عند الملك الناصر فأذن له في العودة إلى دمشق ورتب له شيئا يصل اليه ثم في سنة ثلاث وخمسين وستمائة طلب من الناصر يوسف دستورا إلى العراق بسبب طلب وديعته من الخليفة وهو الجوهر وأن يمضي إلى الحج فأذن له فسار إلى كربلاء ثم مضى منها إلى الحج ولما رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم تعلق في أستار الحجرة الشريفة بحضور الناس وقال اشهدوا ان هذا مقامي من رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلا عليه مستشفعا به إلى ابن عمه المستعصم في أن يرد علي وديعتي فأعظم الناس ذلك وجرت عبراتهم وارتفع بكاؤهم وكتب بصورة ما جرى مشروح ودفع إلى أمير الحاج وذلك في يوم السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة فتوجه الناصر داود مع الحاج العراقي وأقام ببغداد فلما أقام بها بعد وصوله من الحجاز واستشفاعه بالنبي صلى الله عليه وسلم في رد وديعته في سنة اربع وخمسين وستمائة أرسل الخليفة المستعصم من حاسب الناصر داود على ما وصله في تردده إلى بغداد من المضيف مثل اللحم والخبز والحطب والعليق والتبن وغير ذلك وثمن عليه بأغلى الاثمان وارسل إليه شيئا نزرا وألزمه أن يكتب خطه بقبض وديعته وانه ما بقي ستحق عند الخليفة شيئا فكتب خطه بذلك كرها وسار عن بغداد وأقام مع العرب ثم ارسل اليه الناصر يوسف صاحب دمشق فطيب قلبه وحلف له فقدم إلى دمشق وأقام بالصالحية وكانت وفاة الناصر داود في ليلة السبت السادس والعشرين من جمادي الأولى سنة ست وخمسين وستمائة بالطاعون بظاهر دمشق في قرية يقال لها البويضا ومولده سنة ثلاث وستمائة وكان عمره نحو ثلاث وخمسين سنة ومات بعد محن كثيرة حصلت له ودفن بالصالحية في تربة والده المعظم عيسى وفي هذه السنة وهي سنة ست وخمسين وستمائة استولى التتر على بغداد وخربوها وقتلوا الخليفة المستعصم بالله أبا أحمد عبد الله بن المستنصر بالله وهو آخر خلفاء بغداد وبقتله انقرضت دولة بني العباس ثم في سنة تسع وخمسين وستمائة قتل الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب دمشق وحلب في بلاد تبريز من ملك العجم فإنه لما ورد عسكر التتر إلى جهة دمشق خرج لقصده فاسر وجهز إلى هولاكو ملك التتر فقتله هو ومن معه وعقد عزاه في جامع دمشق في سابع جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وستمائة وقد انتهى ذكر ما وقع في بيت المقدس من الفتوحات على ايدي ملوك الاسلام وما ذكرته في ذلك من تواريخ لا تتعلق بالفتح فلا بد فيها من شيء متعلق بالحال ولا يخلو من فائدة لمن تأمله ولنرجع إلى ذكر ما يتعلق بالمسجد الأقصى فاقول - والله الموفق للصواب - ( ذكر صفة المسجد الأقصى وما هو عليه في عصرنا ) اعلم وفقك الله ان المسجد الأقصى الشريف - شرفه الله وعظمه - ليس له نضير تحت أديم السماء ولا بني في المساجد صفته ولا سعته وكان في الزمان الأول على الصفات العجيبة التي تقدم شرحها عند ذكر بناء سليمان عليه السلام وكذلك عند ذكر بناء أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وأما صفته في هذا العصر فهي أيضا من الصفات العجيبة لحسن بنائه واتقانه فالجامع الذي هو في صدره عند القبلة التي تقام فيها الجمعة وهو المتعارف عند الناس انه المسجد الأقصى يشتمل على بناء عظيم به قبة مرتفعة مزينة بالفصوص الملونة وتحت القبة المنبر والمحراب وهذا الجامع ممتد من جهة القبلة إلى جهة الشمال وهو سبع اكوار متجاورة مرتفعة على العمد الرخام والسواري فعدة ما فيه من العمد خمسة واربعون عمودا منها ثلاثة وثلاثون من الرخام ومنها اثنا عشر مبنية بالأحجار وهي التي تحت الجملون وعمود ثالث عشر مبني عند الباب الشرقي تجاه محراب زكريا وعدة ما فيها من السواري المبنية بالأحجار اربعون سارية وسقفه في غاية العلو والارتفاع فالسقف مما يلي القبلة من جهتي المشرق والمغرب مسقف بالخشب ومما يلي القبة من جهة الشمال ثلاثة أكوار مسقفة بالخشب الاوسط منها هو الجملون وهو اعلاها واثنان وهما إلى جانب الجملون من المشرق والمغرب دونه وبقية الأكوار وهي اربع اثنان من جهة المشرق واثنان من جهة المغرب معقود ذلك بالحجر والشيد وعلى القبة والجملون والسقف الخشب رصاص من ظاهرها وصدر الجامع القبلي وبعض الشرقي مبنيان بالرخام الملون والمحراب الكبير الذي هو في صدره إلى جانب المنبر من جهة الشرق يقال أنه محراب داود عليه السلام ويقال ان محراب داود انما هو الذي بظاهر الجامع المبني في السور القبلي من جهة الشرق بالقرب من مهد عيسى وهو موضع مشهور وقد تقدم ان محراب داود في الحصن الذي بظاهر البلد المعروف بالقلعة فان هناك كان مسكنه ومتعبده فيه ويحتمل أن يكون محرابه الذي كان يصلي فيه في الحصن في مكان بعيد منه ومكان المحراب الكبير الذي في داخل المسجد كان موضع مصلاه اذا دخل المسجد ولما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه اقتفى أثره وصلى في مكان متعبده فسمي محراب عمر لكونه أول من صلي فيه يوم الفتح وهو في الأصل محراب داود ويعضد هذا ما تقدم من حديث عمر لما قال لكعب اين نجعل مصلانا في هذا المسجد ؟ فقال في مؤخره مما يلي الصخرة فقال بل نجعل قبلته صدره ثم خط المحراب في ذلك المتعبد وأما المحراب الصغير الذي إلى جانب المنبر من جهة الغرب بداخل المقصورة الحديد بجوار الباب المتوصل منه ألى الزاوية الخنثنية فيقال انه محراب معاوية وذرع هذا الجامع في الطول من المحراب الكبير إلى عتبة الباب الكبير المقابل له مائة ذراع محررا بذراع العمل غير جوف المحراب وغير الأروقة التي يظاهر الأبواب الشمالية وعرضه من الباب الشرقي الذي يخرج منه إلى جهة مهد عيسى إلى الباب الغربي ستة وسبعون ذراعا بذراع العمل وبداخل هذا الجامع في صدره من جهة الشرق مجمع معقود بالحجر والشيد به محراب ويقال لهذا المجمع جامع عمر وتسميته بجامع عمر لأن هذا البناء من بقية بناء عمر رضي الله عنه الذي كان جعله عند الفتح ويقال ان المحراب الذي بداخل هذا المجمع هو محراب عمر والأكثرون على أن محراب عمر إنما هو المحراب الكبير المجاور للمنبر المقابل للباب الكبير الذي من جهة الشمال كما تقدم قريبا والى جانب هذا المجمع المعروف بجامع عمر من جهة الشمال ايوان كبير معقود سمي مقام عزير وبه باب يتوصل منه إلى جامع عمر وبجوار هذا الايوان من جهة الشمال ايوان لطيف به محراب يسمى محراب زكريا عليه السلام وهو بجوار الباب الشرقي وبداخل الجامع المذكور ايضا من جهة الغرب مجمع كبير معقود بالأحجار الكبار وهو كوران ممتدان شرقا بغرب ويسمى هذا المجمع جامع النساء وهو عشر قناطر على تسع سواري في غاية الأحكام وقد أخبرت انه من بناء الفاطميين وبصدر الجامع من وراء القبلة الزاوية الخنثينية - ويأتي ذكرها - وهي بداخل المقصورة الحديد الملاصقة للمنبر وبجوار الزاوية الخنثنية من جهة الغرب دار الخطابة والمنبر الموضوع بصدر الجامع من الخشب وهو مرصع بالعاج والابنوس وهو الذي عمله السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد رحمه الله بحلب - كما تقدم - وكان عمله في شهور سنة اربع وستين وخمسمائة وقال هذا برسم القدس فلما فتح الله البلاد على يد الملك صلاح الدين احضره من حلب وهو موجود إلى عصرنا وعليه مكتوب تاريخ عمله وهذا لحسن نية نور الدين الشهيد فانه بلغه الله مراده بعد وفاته عفا الله عنه ومقابله دكة المؤذنين على عمد من رخام في غاية الحسن ولهذا الجامع عشرة ابواب يدخل منها اليه من صحن المسجد فسبعة ابواب منها في جهة الشمال وكل باب منها ينتهي إلى كور من الاكوار السبعة - المتقدمة ذكرها - وبظاهر الابواب السبعة رواق على سبع قناطر كل باب قبال قنطرة وبها اربعة عشر عمودا من الرخام مبنية في السواري وباب من جهة الشرق وهو الذي ينتهي إلى جهة مهد عيسى وباب من جهة المغرب والباب العاشر وهو الذي يدخل منه إلى المكان المعروف بجامع النساء ( بئر الورقة ) وبداخل هذا الجامع بئر عن يسرة الداخل من الباب الكبير يسمى بئر الورقة وقد ورد في أمر الورقة حكايات وأخبار واحاديث كثيرة مختلفة فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليدخلن الجنة رجل من امتي يمشي على رجليه وهو حي فقدمت رفقة بيت المقدس يصلون فيه في خلافة عمر رضي الله عنه فانطلق رجل من بني تميم يقال له شريك ابن حيان يستقي لأصحابه فوقع دلوه في الجب فنزل ليأخذه فوجد بابا في الجب يفتح إلى الجنان فدخل من الباب إلى الجنان فمشى فيها واخذ ورقة من شجرها فجعلها خلف اذنه ثم خرج إلى الجب فارتقى فأتى صاحب بيت المقدس فأخبره بما رأى من الجنان ودخوله فيها فارسل معه إلى الجب ونزل الجب ومعه اناس فلم يجدوا بابا ولم يصلوا إلى الجنان فكتب بذلك إلى عمر فكتب عمر يصدق حديثه في دخول رجل من هذه الامة الجنة يمشي على قدميه وهو حي وكتب عمر أن انظروا إلى الورقة فان هي يبست وتغيرت فليس هي من الجنة فان الجنة لا يتغير منها شيء وذكر في حديثه ان الورقة لم تتغير وورد في ذلك احاديث بغير هذا اللفظ ويقال ان الجب هو هذا الذي بالمسجد الأقصى عن يسرة الداخل للجامع 0 - كما قدمته - وبجوار هذا الجامع القبلي من جهة الشرق قبو كبير معقود يسمى النجارة يوضع فيه آلة المسجد ولعله من بناء الفاطميين والله أعلم وبه فم ثان لبئر الورقة ( محراب داود عليه السلام ) وبظاهر الجامع في صحن المسجد من جهة الشرق في السور القبلي محراب كبير وهو المشهور عند الناس انه محراب داود عليه السلام وهو بالقرب من مهد عيسى وتقدم ذكره ونقل ان الدعاء عنده مستجاب وقد جربت ذلك ودعوت الله هناك وسالته في اشياء فاستجاب لي بفضله وكرمه ( سوق المعرفة ) وبآخر المسجد من جهة الشرق مما يلي محراب داود مكان معقود به محراب وقد عرف هذا المكان بسوق المعرفة ولا اعرف سبب تسميته بذلك والظاهر انه من اختراعات الخدام لترغيب من يرد اليهم من الزوار ونقل بعض المؤرخين ان باب التوبة كان في هذا المكان وان بني اسرائيل كانوا اذا أذنب احدهم ذنبا اصبح مكتوبا على باب داره فيأتي إلى هذا المكان ويتضرع ويتوب إلى الله ولا يبرح إلى ان يغفر الله له وأمارة الغفران أن يمحي ذلك المكتوب عن باب داره وان لم يمح لم يقدر ان يتقرب من أحد ولو كان اقرب الناس اليه وكان هذا المكان جعل قديما مصلى للحنابلة افرده لهم السلطان الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق وأذن لهم في الصلاة فيه ( مهد عيسى عليه السلام ) وسفل هذا المكان المعروف بسوق المعرفة مسجد تحت الأرض يعرف بمهد عيسى عليه السلام ويقال انه محراب مريم عليها السلام وهو موضع متعبدها وهو موضع مأنوس ويقال ان الدعاء فيه مستجاب فينبغي لمن صلى هناك ان يقرأ سورة مريم ويسجد كما فعل عمر رضي الله عنه في محراب داود فإنه قرأ في صلاته بسورة ص وسجد ويدعو في هذا المكان بدعاء عيسى عليه السلام حين رفعه الله من طور زيتا وقد سبق ذكره عند السيد عيسى عليه السلام ( جامع المغاربة ) وبظاهر الجامع من جهة الغرب في صحن المسجد مكان معقود يعرف بجامع المغاربة وهو مأنوس مهيب وفيه صلاة المالكية والذي يظهر انه من بناء عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما روي عن شداد أن عمر لما دخل المسجد الأقصى مضى إلى مقدمة مما يلي الغرب فحثا في ثوبه من الزبل وحثونا معه في ثيابنا ومضى ومضينا معه حتى ألقيناه في الوادي الذي يقال له وادي جهنم ثم عاد فعدنا بمثلها حتى صلينا فيه في موضع يصلي فيه جماعة فصلى بنا عمر فيه وعن شداد أيضا ان عمر رضي الله عنه لما دخل المسجد يوم الفتح تقدم إلى مقدمه مما يلي الغرب فقال نتخذ ها هنا مجدا فهذا الجامع هو في مقدم المسجد مما يلي الغرب فيحتمل أن يكون بناه عمر ويحتمل أن يكون من اثر البناء الأموي الذي تقدم انه كان في صدر المسجد من جهة الشرق إلى جهة الغرب والله اعلم ( الصخرة الشريفة ) واما الصخرة الشريفة فهي في وسط المسجد على الصحن الكبير المرتفع عن ارض المسجد وعليها بناء في غاية الحسن والاتقان وهي قبة مرتفعة علوها أحد وخمسون ذراعا بذراع العمل الذي تذرع به الابنية وهذا الارتفاع من فوق الصحن واما علو الصحن من ارض المسجد من جهة القبلة عند قبة النحوية فهو سبعة اذرع فيكون ارتفاع القبة من ارض المسجد ثمانية وخمسين ذراعا وهي مرتفعة على عمد من رخام وسواري مبنية في غاية الأحكام والاتقان وعدة العمد الرخام اثنا عشر عمودا والسواري اربع والصخرة الشريفة تحت هذه القبة يحوطها درابزين من خشب ويحوط بالعمد والسواري الحاملة للقبة درابزين من حديد وخارج القبة سقف مستدير من الخشب المدهون المذهب على عمد من رخام وسواري عدة العمد ستة عمودا والسواري ثمان وارض القبة وحيطانها مبنية بالرخام باطنا وظاهرا ومزينة بالفصوص الملونة في العلو من الباطن والظاهر والبناء الذي حول القبة على حكم التثمين وذرع دائره في سعته من الباطن مائتا ذراع واربعة وعشرون ذراعا ومن الظاهر مائتا ذراع واربعون ذراعا بالعمل وان كان فيه نقص أو زيادة فهو يسير والله أعلم بالصواب ( القدم الشريف ) وموضع القدم الشريف في حجر منفصل عن الصخرة محاذ لها آخر جهة ( صورة ) الغرب من جهة القبلة وهي على عمد من رخام ( المغارة ) وتحت الصخرة مغارة من جهة القبلة يتوصل اليها من سلم حجر ينزل فيه إلى المغارة وعند وسط السلم صفة صغرى متصلة به من جهة الشرق يقف عليها الزوار لزيارة لسان الصخرة وهناك عمود من رخام ملقى طرفه الأسفل على طرف الصفة من جهة القبلة مسندا إلى جدار المغارة القبلي وطرفه الآخر الأعلى مسندا إلى طرف الصخرة كأنه مانع لها من الميل إلى جهة القبلة أو لغير ذلك وهذه المغارة من الأماكن المأنوسة عليها الابهة والوقار وحكى صاحب ( مثير الغرام ) قال رأيت في كتاب ( القبس في شرح موطأ الامام مالك بن أنس ) تأليف الامام أبي بكر بن العربي انه قال في تفسير قوله تعالى ( وانزلنا من السماء ماء بقدر ) فذكر اقوالا اربعة الرابع منها قيل ان مياه الأرض كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس وهي من عجائب الله تعالى في ارضه فانها صخرة شعثاء في وسط المسجد الأقصى قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها الا الذي يمسك السماء ان تقع على الأرض إلا باذنه في اعلاها من جهة الجنوب قدم النبي صلى الله عليه وسلم حين ركب البراق وقد مالت من تلك الجهة لهيبته وفي الجهة الاخرى أثر اصابع الملائكة التي أمسكتها اذ مالت به ومن تحتها الغار الذي انفصلت عنه من كل جهة عليه باب يفتح للناس للصلوات والاعتكاف فهبتها مدة ان ادخل تحتها لأني كنت اخاف ان تسقط علي بالذنوب ثم رأيت الظلمة والمجاهرين بالمعاصي يدخلونها ثم يخرجون منها سالمين فهممت ان ادخلها ثم قلت ولعلهم امهلوا واعاجل فتوقفت مدة ثم عزم علي فدخلتها فرأيت العجب العجاب يمشي في جوانبها من كل جهة فتراها منفصلة عن الأرض لا يتصل بها من الأرض شيء وبعض الجهات اشد انفصالا من بعض قال صاحب ( مثير الغرام ) هذا كلامه وهو عجيب جدا قلت والمشهور عند الناس ان الصخرة معلقة بين السماء والأرض وحكى انها استمرت على ذلك حتى دخلت تحتها حامل فلما توسطت تحتها خافت فأسقطت حملها فبنى حولها هذا البناء المستدير حتى استتر امرها عن اعين الناس وقد تقدم في ترجمة ابن العربي انه دخل المشرق في سنة خمس وثمانين واربعمائة والظاهر ان قدومه ببيت المقدس كان في ذلك العصر فعلى هذا يكون البناء المستدير حول الصخرة بعد ذلك التاريخ والله اعلم وللقبة التي على الصخرة وللبناء المستدير حولها سقفان احدهما من خشب وهو المدهون المذهب وفوقه سقف آخر يعلوه الرصاص وبين السقفين خال متسع ولقبه الصخرة الشريفة اربعة ابواب من الجهات الاربع فالباب القبلي هو المقابل للجامع الذي في صدر المسجد المتعارف بين الناس انه الأقصى وعن يمنة الداخل منه المحراب ويقابله دكة المؤذنين على عمد من رخام في غاية الحسن والباب الشرقي تجاه درج البراق قبال قبة السلسلة ويسمى باب اسرافيل والباب الشمالي هو المعروف بباب الجنة وعنده البلاطة السوداء المتقدم ذكرها والباب الغربي هو الذي يقابل باب القطانين ( قبة السلسلة ) وهي قبة في غاية الظرف على عمد من رخام وقد تقدم ذكرها عند بناء عبد الملك بن مروان وانها على صفة قبة الصخرة وهي شرقيها بين الباب الشرقي ودرج البراق وعدة ما فيها من العمد الرخام سبعة عشر عمودا غير عمودي المحراب وروي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به رأى الحور العين مكان قبة السلسلة والصحن محيط بقبة الصخرة الشريفة على حكم التربيع لكن طوله من القبلة إلى الشمال أكثر من عرضه من المشرق إلى المغرب على ما سنذكره فيما بعد عند ذكر ذرعه طولا وعرضا إن شاء الله تعالى وعلى ظاهر كل باب من ابواب قبة الصخرة الشريفة الأربعة عضائد وعمد من رخام وسقف يعلوه والصحن مفروش بالبلاط الأبيض ويتوصل اليه من عدة أماكن من صحن المسجد كل مكان به سلم من حجر وعلى رأس السلم قناطر مرتفعة على عمد فمن ذلك سلمان من جهة القبلة احدهما مقابل باب الجامع المشهور عند الناس بالأقصى وعلى رأس هذا السلم منبر من رخام والى جانبه محراب يصلى في هذا المكان العيد والاستسقاء وهذا المنبر أخبرت ان الذي عمره قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة - الآتي ذكره - وانه كان قبل ذلك من خشب يحمل على العجل والسلم الثاني يليه من جهة قبة الطومار وهي على طرف صحن الصخرة من جهة الزيتون وهذا السلم مقابل لسور المسجد الأقصى القبلي ومن ذلك سلم من جهة الشرق يعرف بدرج البراق ينتهي إلى أشجار الزيتون المغروسة شرقي المسجد عند باب الرحمة ومن ذلك سلمان من جهة الشمال احدهما مقابل باب حطة والثاني مقابل باب الدويداريه ومن ذلك ثلاثة سلالم من جهة الغرب احدها مقابل باب الناظر وهو منحرف عنه والثاني مقابل لباب القطانين والمتوضأ والثالث مقابل باب السلسلة وهذا السلم محدث في عصرنا على ما سنذكره فيما بعد في حوادث سنة سبع وسبعين وثمانمائة إن شاء الله تعالى وبجوار هذا السلم القبة المعروفة بالنحوية التي أنشأها الملك المعظم عيسى تغمده الله برحمته ( قبة المعراج ) وعن يمين الصخرة والصحن من جهة الغرب قبة المعراج وهي مشهورة مقصودة للزيارة وهذا البناء الموحود عمره الأمير الاستفهسالار عز الدين سعيد السعداء أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الله الزنجيلي متولي القدس الشريف في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وكان قبل ذلك ثم قبة قديمة ودثرت فجددت هذه القبة في التاريخ المذكور ( مقام النبي صلى الله عليه وسلام ) ويقال أنه كان إلى جانب قبة المعراج في صحن الصخرة قبة لطيفة فلما بلط صحن المسجد ازيلت تلك القبة وجعل مكانها محراب لطيف مخطوط في الأرض بالرخام الأحمر في دائرة على سمت بلاط الصخرة وهو موجود إلى يومنا ويقال ان موضع لك المحراب موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والملائكة ليلة الاسراء ثم تقدم أمام ذلك الموضع فوضعت له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة وهو المعراج ولم يختلف اثنان انه عرج به صلى الله عليه وسلم عن يمين الصخرة ويستحب لمن صلى عند قبة المعراج ومقام النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء وهو اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا والآخرة اللهم متعنا بأسماعنا وابصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا ( مقام الخضر عليه السلام ) وروى المشرفي أن تحت المقام الغربي مما يلي قبة الصخرة صخرة تسمى بج بج وأنها موضع الخضر عليه السلام وانه سمع وهو يصلي هناك ويدعو وهذا المكان قد ترك في عصرنا وصار حاصلا للمسجد وهو سفل صحن الصخرة تجاه باب الحديد بلسق السلم المتوصل منه لصحن الصخرة وهو مكان مأنوس وعلى ظهر هذا المكان محراب من رخام مخطوط في صحن الصخرة يعرف بمغارة الأرواح يقصده الناس للزيارة وفي مؤخر المسجد من جهة الشمال مما يلي المغرب صخور كثيرة ظاهرة يقال انها من زمن داود عليه السلام وهذا ظاهر لأنها ثابتة في الأرض ولم يطرأ عليها ما يغيرها ( قبة سليمان عليه السلام ) وفي تلك الجهة بالقرب من باب الدويدارية قبة محكمة البناء بداخلها صخرة ثابتة وتعرف هذه القبة بقبة سليمان والصخرة الثابتة فيها يقال إنها التي وقف عليها سليمان عليه السلام بعد انهاء البناء ودعا الله بالدعوات المتقدم ذكرها فاستجاب الله له وهذا البناء الذي عليها من عهد بني أمية ( قبة موسى ) وأما القبة التي تجاه باب السلسلة المعروفة بقبة موسى ليس هو موسى النبي ولم يصح خبر في نسبتها بذلك والذي أمر بعمارتها هو الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل في سنة وفاته وهي سنة تسع واربعين وستمائة وكانت تعرف قديما بقبة الشجرة وفي المسجد من جهة الغرب الأروفة مبنية بالبناء المحكم وهي ممتدة من جهة القبلة إلى جهة الشمال اولها عند باب المسجد المعروف بباب المغاربة وآخرها عند الباب المعروف بباب الناظر وفوقه إلى قرب باب الغوانمة وهذه الأروقة كلها عمرت في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون فالرواق الممتد من باب المغاربة إلى باب السلسلة عمر في سنة ثلاث عشر وسبعمائة والرواق الممتد مما يلي منارة باب السلسلة إلى قريب من باب الناظر عمر في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة والرواق الممتد من باب الناظر إلى قرب باب الغوانمة عمر في سنة سبع وسبعمائة وفي صحن المسجد من جهة الغرب بين الأروقة وصحن الصخرة عدة محاريب على مساطب مبنية للصلاة واشجار كثيرة تشتمل على ميس وتين وغيرهما وأما الأرقة من جهة الشمال فهي ممتدة شرقا بغرب من باب الأسباط إلى المدرسة الجاولية وهي المعروفة يومئذ بدار النيابة والرواق الممتد من باب الأسباط إلى المدرسة القادرية لم اطلع على حقيقة أمره وقرينة الحال تدل على انه بني مع المنارات التي هناك وكان بناؤها في سلطنة الأشرف شعبان بن حسين في سنة تسع وستين وسبعمائة والرواق الذي في سفل القادرية بني معها وكذلك مجمع المدرسة الكريمية وما الرواق الممتد من باب حطة إلى باب الدويدارية فالظاهر ان الذي عمره الملك الأوحد مع تربته التي بباب حطة فانه شرط في وقفها ما يقتضي ذلك والرواق الممتد من باب الدويدارية إلى آخره من جهة الغرب وعلى ظهره خمس مدارس قبعضه وهو الذي سفل المدرسة الامينية والمدرسة الفارسية كان قديما ثم جددت عمارته في دولة الملك المعظم عيسى في سنة عشرة وستمائة وباقية وهو الذي سفل ثلاث مدارس وهي الملكية والاسفردية والصبيبية فكل مدرسة بنى معها ما تحتها من الرواق والمشاهدة تدل على ذلك فان كل مدرسة من هؤلاء بناؤها مناسب لما سفلها من الرواق وسنذكر تاريخ كل مدرسة فيعلم منه تاريخ بناء الرواق الذي سفلها وأما الرواقان السفليان اللذان سفل دار النيابة فانهما عمرا مع منارة الغوانمة وكتب عليهما تاريخ عمارتهما وعمارة المنارة فتشعثت الكتابة لطول الزمان وعلوها أيضا رواقان مستجدان بعدهما بدهر وسنذكر تاريخ من عمر المنارة فيعلم منه الحال تقريبا والله أعلم وفي المسجد من جهة الشرق بين صحن الصخرة والسور الشرقي أشجار زيتون كثيرة قديمة من عهد الروم وآثار اروقة مستهدمة عند مهد عيسى لعلها من آثار البناء الاموي والله أعلم ( قبة الطومار ) وهي قبة على طرف صحن الصخرة من جهة القبلة مما يلي الشرق وقد اخبرت قديما ان سبب تسميتها بذلك ان بعض الملوك الأعيان حضر إلى القدس الشريف وصعد إلى جبل طور زيتا ورمى بالطومار فسقط في موضع هذه القبة فأمر ببنائها فسميت قبة الطومار لذلك وللناس في ذلك حكايات مختلفة لا اصل لها والله أعلم ( حاكورة القاشاني ) وهي مكان بجوار قبة الطومار إلى جانب صحن الصخرة من جهة القبلة وبه خلوة وكان يجلس فيها الشيخ عبد الملك الموصلي وكان عمل في حيطانها وزرة من القاشاني فعرفت بذلك ( زاوية البسطامية ) سفل صحن الصخرة من جهة الشرق عند الزيتون وهي مكان مأنوس كان يجتمع فيه الفقراء البسطامية لذكر الله تعالى وقد سد بابها في عصرنا ( زاوية الصمادية ) بجوار زاوية البسطامية من جهة الشمال وهي بلصق درج البراق وقد سد بابها ايضا كالبسطامية وفي المسجد من الآبار المعدة لجمع ماء الاشتية اربعة وثلاثون بئرا منها بئر الورقة بداخل الجامع المتقدم ذكره ومنها في صحن الصخرة سبعة والباقي في أرض المسجد حول صحن الصخرة من الجهات الأربع فمنها ما له فمان ومنها ما له ثلاثة افواه فعدة الافواه نيف واربعون فما ومن الآبار ما هو خراب وبعضها قد سد ( ذرع المسجد طولا وعرضا ) واما ذرع المسجد فقد اجتهدت في تحريره وتوليت ذلك بنفسي وقيس بحضوري بالحبال فكان طوله قبلة بشمال من السور القبلي عند المحراب المعروف بمحراب داود عليه السلام إلى صدر الرواق الشمالي عند باب الأسباط ستمائة وستين ذراعا بذراع العمل التي تذرع الابنية به في عصرنا غير عرض السورين وان كان فيه زيادة أو نقص نحو ذراعين أو ثلاثة فهي لاضطراب القياس لبعد المسافة فإني احتطت في تحريره وقيس بحضوري مرتين حتى تحققت صحة القياس وعرضه شرقا بغرب من السور الشرقي المطل على مقابر باب الرحمة إلى صدر الرواق الغربي الذي هو سفل مجمع المدرسة التنكزية اربعمائة ذراع وستة اذرع بذراع العمل غير عرض السورين ( تنبيه ) قد تقدم عند ابتداء ذكر صفة المسجد الأقصى أن المتعارف عند الناس أن الأقصى من جهة القبلة الجامع المبني في صدر المسجد الذي به المنبر والمحراب الكبير وحقيقة الحال ان الأقصى اسم لجميع المسجد مما دار عليه السور وذكر قياسه هنا طولا وعرضا فان هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره من قبة الصخرة والأروقة وغيرها محدثة والمراد بالمسجد الأقصى هو جمع ما دار عليه السور - كما تقدم - وأما صحن الصخرة الشريفة فطوله قبلة بشام من السور القبلي الذي هو بين الدرجتين القبليتين يمر بالقياس فيما بين باب الصخرة الشرقي وقبة السلسلة إلى السور الشمالي المشرف على جهة باب حطة مائتان وخمسة وثلاثون ذراعا وعرضه شرقا بغرب من السور الشرقي المشرف على الزيتون عند قبة الطومار إلى السور الغربي المقابل للمدرسة الشريفة السلطانية مائة وتسعة وثمانون ذراعا كل ذلك بذراع العمل وتقدم ذكر ذرع الجامع الأقصى وارتفاع قبة الصخرة ودائرها قبل وان كان في القياس نقص أو زيادة فهو يسير وهذا القياس المذكور هنا مخالف لما تقدم عند ذكر صفة المسجد التي كان عليها في زمن عبد الملك بن مروان وقد تقدم هناك ذكر قياسه على انواع مختلفة ليس في احدها ما يوافق الآخر والظاهر ان الأذرعة المقاس بها مختلفة بحسب اصطلاح كل زمان ويحتمل ان يكون بعضها بذراع الحديد وبعضها بذراع اليد والله اعلم وفي المسجد أماكن كثيرة من الحواصل والأبنية والمخازن التي يطول شرح وصفها فان هذا المسجد الشريف صفاته عظيمة لا يتصورها إلا من شاهدها عيانا وهذا الذي ذكرته هنا انما هو على سبيل التقريب ومن اعظم محاسنه انه اذا جلس انسان فيه في أي موضع منه ان يرى ذلك الموضع هو احسن المواضع وأبهجها ولهذا قيل ان الله تعالى نظر اليه بعين الجمال ونظر إلى المسجد الحرام بعين الجلال فهذا المسجد في غاية البهجة والسعة والمنظر الحسن والمسجد الحرام في غاية الابهة والوقار والهيبة قال الصاحب الا كمل تاج الدين أحمد بن الصاحب امير الدين أبي محمد عبد الله الحنفي في كتابه المسمى ب ( العسجد في صفة الأقصى والمسجد ) وأما ما شاهدته فيه بالعيان إنني جلست وقتا في بقعة منه مكللة بأزاهر من الشقائق والاقحوان والى جانبي فقير عليه اطمار رثة يبدي تسبما وتارة يعلن صوته بالتسبيح والتكبير ترنما ويقول سبحان من جمع فيك المحاسن وكساك هذه الحلل الفاخرة وجعلك تحتوي على كنوز الدنيا والاخرة فقلت له يا سيدي أما فضله وبركته فقد صدق العيان فيها الخبر لكن ما كنوز الدنيا والآخرة ؟ فقال ما منه زهرة تراها إلا ولها في النفع والضر خواص يعرفها أهل الاختصاص فقلت لعلك تظهر للعيان شيئا مما عرفته فيزداد به اليقين تبصرة وتكون هذه الجلسة معك عن صباح النجاح مسفرة فأخذ بيدي ومشى خطوات إلى جهة من جهات الحرم ومد يده واخذ قبضة من ذلك الكلأ وقال هل معك خاتم أو درهم ؟ فقلت نعم فأخرجت درهما فما معي وعركه بذلك الكلأ فعاد كالدينار في صفرته ثم اخذ حشيشة اخرى وعركه بها فصار ابيض انقى مما كان اولا وقال هذه رموز احتوت على كنوز فسبحان القادر على ما يشاء ( الأقصى القديمة ) وسفل المسجد من جهة القبلة كان كبير معقود وبه اسوار حاملة للسقف وهي تحت المكان الذي فيه المحراب والمنبر ويسمى هذا المكان السفلي الأقصى القديمة ولعله من أثر البناء السليماني فان اتقان بنائه وإحكامه يدل على ذلك ( اصطبل سليمان ) والى جانب هذا المكان ايضا سفل المسجد تحت الجهة التي بها الأشجار والزيتون مكان عظيم معقود يقال له اصطبل سليمان وهو داخل تحت غالب المسجد نوعه من البناء السليماني وهو الظاهر ويتوصل إلى كل من المكانين المذكورين من تحت سور المسجد القبلي وأما المنائر فقد تقدم في ذكر وصف المسجد الذي كان عليه في زمن عبد الملك بن مروان وبعده أن فيه من المنائر اربعة ثلاثة منها صف واحد غربي المسجد وواحدة على باب الاسباط وفي عصرنا الأمر كذلك لكن المنائر التي به الان بناؤها متجدد بعد ذلك البناء والظاهر انه على الأساس القديم فالمنارة الاولى على مقدم المسجد من جهة القبلة مما يلي الغرب على المدرسة الفخرية وهي ألطفها بناء لكونها على غير أساس وإنما هي على ظهر مجمع المدرسة الفخرية ولعلها بناء صاحب الفخرية والله أعلم والثانية على باب السلسلة على الجانب الغربي من المسجد وهي المختصة بالامائل من المؤذنين وعليها عمل المسجد واعتماد بقية المنائر وقد أخبرت انها من بناء تنكز نائب الشام حين بنائه لمدرسته المشهورة به بخط باب السلسلة والثالثة على مؤخر المسجد من جهة الشمال مما يلي الغرب وتسمى مأذنة الغوانمة لكونها عند باب الغوانمة وهي اعظمها بناء واتقنها عمارة وهي بناء القاضي شرف الدين عبد الرحمن ابن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي ناظر اوقاف الحرمين الشريفين مكة والمدينة شرفهما الله تعالى وحرمي القدس الشريف والخليل عليه السلام وقد رأيت توقيعه بذلك من السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين وفيه أن يعاد إلى الوظيفة المذكورة فدل على انه باشرها قبل ذلك بتاريخ التوقيع الذي وقفت عليه الثالث والعشرين من جمادي الآخرة سنة سبع وسبعين وستمائة ولعله عمر المنارة في ذلك العصر وقد أخبرت ان عمارتها في دولة بني قلاوون وهو ممكن والرابعة على الجهة الشمالية من المسجد بين باب الأسباط وباب حطة وهي اظرفها شكلا وأحسنها هيبة وهي بناء السيفي قطلوبغا ناظر الحرمين الشريفين بناها في سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة تسع وستين وسبعمائة وأما أبواب المسجد فأولها بابان متحدان في السور الشرقي الذي قال الله تعالى فيه ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) فان الوادي الذي وراءه وادي جهنم وهما من داخل الحائط مما يلي المسجد احدهما يسمى باب الرحمة والثاني يسمى باب التوبة وهما الآن غير مشروعين وعليهما من داخل المسجد مكان معقود بالبناء السليماني ولم يبق في المسجد من البناء السليماني سوى هذا المكان وهو مقصود للزيارة وعليه الابهة والوقار وقد اخبرت قديما من شخص من القدماء ان الذي اغلقهما امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وانهما لا يفتحان حتى ينزل السيد عيسى ابن مريم عليه السلام والذي يظهر أن سبب غلقهما خشية على المسجد والمدينة من العدو المخذول فإنهما ينتهيان إلى البرية وليس في فتحهما كبير فائدة وكان على علو هذا المكان الذي على باب الرحمة زاوية تسمى الناصرية وكان بها الشيخ نصر المقدسي يقرأ العلم مدة طويلة وتسميتها بالناصرية نسبة للشيخ نصر ثم اقام بها الامام أبو حامد الغزالي فسميت الغزالية ثم عمرها الملك المعظم بعد ذلك على ما سنذكره فيما بعد وقد خربت ولم يبق الآن لها أثر سوى بعض بناء مهدوم وبالسور الشرقي أيضا بقرب البابين المذكورين من جهة القبلة باب لطيف مسدود بالبناء وهو مقابل درج الصخرة المعروف بدرج البراق ويقال ان هذا الباب هو باب البراق الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء ويسمى باب الجنائز لخروجها منه قديما وباب الأسباط نسبة لأسباط بني اسرائيل وهم يوسف وروبيل وشمعون ويهودا عليهم الصلاة والسلام وهو في مؤخر المسجد في آخر جهة الشمال من جهة الشرق وهو قريب من باب الرحمة والتوبة ويقال ان بين باب الرحمة وباب الأسباط مسكن الخضر والياس عليهما السلام والياس من أنبياء بني اسرائيل ورفع الله الياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش فكان انسيا ملكيا ارضيا سماويا وقيل انه موكل بالبنيان والخضر موكل بالبحار قد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الخضر نبي وذهب آخرون إلى انه ولي وكثير منهم ذهب إلى انه حي وهو يصلي الجمعة في خمسة مساجد في المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد قبا ومسجد الطور في كل مسجد جمعة ويأكل اكلتين من كمأ وكرفس ويشرب مرة من ماء زمزم ومرة من جب سليمان الذي ببيت المقدس ويغتسل من عين سلوان قال الشيخ الشيخ أبو محمد نصر البندنيجي سألت الخضر اين تصلي الصبح فقال عند الركن اليماني قال واقضي بعد ذلك شيئا كلفني الله قضاءه ثم اصلي الظهر بالمدينة واقضي شيئا كلفني الله قضاءه واصلي العصر ببيت المقدس حكى ذلك صاحب 0 ( مثير الغرام ) وغيره وسبب حياته - على ما حكاه البغوي - انه شرب من عين الحياة ثم قال عند مجمع البحرين عين تسمى عين الحياة لا يصيب ذلك الماء شيئا إلا حيي وروى المشرف بسنده وحكاه غيره ان الخضر والياس عليهما السلام يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم كل عام وباب حطة في جهة الشمال من المسجد وهو الذي ورد فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لموسى عليه السلام قل لبني اسرائيل ( ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ) فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا حبا في شعرة وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية - يريد بيت المقدس - فكلوا منها حيث شئتم رغدا - يريد لا خساب عليكم 0 - وادخلوا الباب - يريد باب بيت المقدس - سجدا - لله تعالى - وقولوا حطة - يريد لا إله إلا الله لأنها كلمة تحط الذنوب - فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم - قالوا بالعبرانية حبة سمراء يريدون الحنطة - فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء - أي عذابا - بما كانوا يفسقون ) ويقال ان من صلى عند باب حطة ركعتين كان له من الثوب بعدد من قيل له من بني اسرائيل ادخل الباب فلم يدخل وإنما سمي باب حطة لأن الله تعالى أمر بني اسرائيل أن يدخلوا منه ويقولوا حطة وهو فعلة من الحط وهو وضع الشيء من أعلى إلى أسفل يقال حط الحمل عن الدابة وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى وقولا حطة - أي مغفرة - فقالوا حنطة وقال مقاتل انهم اصابوا خطيئة بابائهم على موسى دخول الأرض التي فيها الجبارون فأراد الله ان يغفر لهم وقيل لهم قولوا حطة قال الزجاج معناه حط عنا ذنوبنا وقوله تعالى ( وادخلوا الباب مسجدا ) قال ابن عباس ركعا وهو شدة الانحناء والمعنى منحنين متواضعين قال مجاهد وقتادة هو باب حطة من بيت المقدس طوطيء لهم الباب ليخفظوا رؤوسهم فلم يخفظوا وكان في زمن بني اسرائيل أذا اذنب أحد ذنبا كتب على بابه أو على جبينه خطيئت وعلى عتبة بابه ألا أن فلانا قد اذنب في ليلة كذا وكذا فيبعدونه ويدرحونه فيأتي باب التوبة وهو الذي عند محراب مريم عليها السلام الذي كان يأتيها رزقها منه فيبكي ويتضرع ويقيم حينا فان تاب الله عليه ينمحي ذلك عن جبينه أو بابه فيقربه بنو اسرائيل وان لم يتب عليه أبعدوه ودحروه باب شرف الأنبياء في جهة الشمال من المسجد ولعله الذي دخل منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الفتح والله أعلم ويعرف الآن بباب الدويدارية نسبة إلى مدرسة بنيت إلى جانبه وسنذكرها إن شاء الله تعالى وهذه الأبواب الثلاثة وهي باب الاسباط وباب حطة وباب الدويدارية في الجهة الشمالية باب الغوانمة في آخر الجهة الغربية من جهة الشمال بالقرب من المنارة المعروفة الآن بمنارة الغوانمة وسمي الباب بذلك لأنه ينتهي إلى حارة بني غانم ويعرف قديما بباب الخليل وباب الناظر وهو باب قديم وجددت عمارته في زمن الملك المعظم عيسى رحمه الله في حدود الستمائة ويعرف قديما بباب ميكائيل ويقال انه الباب الذي ربط به جبريل عليه السلام البراق ليلة الاسراء وباب الحديد وهو باب لطيف محكم البناء استجده ارغون الكاملي نائب الشام وباب القطانين سمي بذلك لأنه ينتهي إلى سوق القطانين مكتوب عليه ان السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون جدد عمارته في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فدل على أنه كان قديما وهو باب عظيم بناؤه في غاية الاتقان وبالقرب منه باب المتوضأ الذي يخرج منه إلى متوضأ المسجد كان قديما واستهدم ثم جدد عمارته علاء الدين البصير لما عمر المتوضأ وباب السلسلة وباب السكينة وهما متحدان ومنهما يخرج إلى الشارع الأعظم المعروف بخط اسيدنا داود عليه السلام وهما عمدة أبواب المسجد وغالب استطراق الناس إلى المسجد منهما لأنهما ينتهيان إلى معظم اسواق البلد وشوارعها ويعرف باب السلسلة قديما بباب داود عليه السلام وباب المغاربة وسمي بذلك لمجاورته لباب جامع المغاربة الذي تقام فيه الصلاة الاولى ولأنه ينتهي إلى حارة المغاربة وهذا الباب في ا واخر الجهة الغربية من المسجد مما يلي القبلة ويسمى باب النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم انطلق بي - يعني جبريل - حتى دخلت المدينة من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد فربط فيها الدابة - يعني البراق - ودخلت المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر قال موقتوا بيت المقدس لا نعلم بالمسجد بابا بهذه الصفة إلا باب المغاربة فهذه الأبواب الثمانية من باب الغوانمة إلى باب المغاربة في الجهة الغربية من المسجد وثلاثة ابواب في الجهة الشمالية فجملتها أحد عشر بابا يتوصل منها إلى المسجد غير بابي الرحمة والتوبة والباب المسدود في السور الشرقي وأما الابواب التي يتوصل منها إلى المسجد مما حوله من المدارس والمنازل فنذكرها فيما بعد عند انتهاء ذكر ما حول المسجد من المدارس إن شاء الله تعالى وأما المسجد فهو من جهتي القبلة والشرق ينتهي إلى البرية فالجهة القبلية مشرفة على عين سلوان وغيرها والجهة الشرقية مشرفة على طور زيتا ووادي جهنم وغيرهما والمنازل محيطة بالمسجد من جهة الغرب والشمال فقط وقد تقدم ان المسجد كان في الزمان السالف في وسط المدينة والمنازل محيطة به من الجهات الأربع فلما خرب البناء القديم ولم يعتن أحد باعادته وتلاشت احوال الدنيا صار الأمر على ما هو عليه في عصرنا وأما الأئمة المرتبون فيه فأولهم إمام المالكية يصلي في الجامع الذي غربي المسجد من جهة القبلة وقد تقدم ذكره ثم يصلي بعده إمام الشافعية بالجامع الكبير القبلي المتعارف عند الناس بالمسجد الأقصى ثم يصلي بعده إمام الحنفية بقبة الصخرة الشريفة ثم يصي بعده إمام الحنابلة وكان قديما يصلي إمام الحنابلة بالرواق الغربي خلف منارة باب السلسلة من جهة الشمال ومضى الزمان على ذلك وتركت الوظيفة واستقر فيها غير مستحقها لعدم الحنابلة ببيت المقدس فلما بنيت مدرسة مولانا السلطان الملك الأشرف وتكاملت عمارتها ترتب إمام الحنابلة للصلاة في المجمع الذي هو سفل المدرسة وكان مكان الرواق المذكور وذلك في شهور سنة تسعين وثمانمائة مع استمرار تلك الوظائف القديمة بيد غير مستحقها وهذا الترتيب في الصلوات يوافق ترتيب مسجد سيدنا الخليل عليه السلام ما عدا صلاة الحنابلة فان مسجد الخليل يصلي فيه أولا إمام المالكية بالرواق الغربي الذي خلف الحجرة الشريفة الخليلية ثم إمام الشافعية في المحراب الكبير الذي إلى جانب المنبر ثم إمام الحنفية عند مقام آدم وهذا الترتيب خلاف الترتيب بالمسجد الحرام فإن هناك اولا يصلي إمام الشافعية في مقام إبراهيم تجاه باب الكعبة ثم إمام الحنفية مقابل حجر اسماعيل تجاه الميزاب ثم إمام المالكية بين الركنين اليماني والشامي ثم إمام الحنابلة مقابل الحجر الأسود وقبلة أهل بيت المقدس وما جاوره من غزة والرملة وما وراء ذلك من السواحل جهة ميزاب الكعبة وحجر اسماعيل عليه السلام فهم يستقبلون الجهة التي يصلي اليها إمام الحنفية بالمسجد الحرام وللمسجد الأقصى ايضا عدة أئمة بداخل الجامع الأقصى وبمغارة الصخرة وعند أبواب المسجد يصلون التراويح في رمضان فقط وبقية الايام لايصلون شيئا ولكن العمدة على الائمة الاربعة المتقدم ذكرهم وأما ما يوقد فيه من المصابيح في كل ليلة وقت العشاء ووقت الصبح ففي داخل الجامع المتعارف عند الناس انه الأقصى وعلى ابوابه سبعمائة قنديل ونحو خمسين قنديلا وفي قبة الصخرة الشريفة وما حولها خمسمائة قنديلا ونحو اربعين قنديلا وذلك خارج عما في الأروقة وغيرهامن الأماكن بالمسجد وهذه العدة لا توقد في مسجد من مساجد الدنيا في مملكتنا والله أعلم وأما في ليلة النصف من شعبان فيوقد بالجامع الأقصى وبقبة الصخرة ما يزيد على عشرين الف قنديل وهذه الليلة من الليالي المشهورة التي من عجائب الدنيا وكذلك في ليلة المعراج وهي المسفرة عن السابع والعشرين من رجب وفي ليلة المولد الشريف وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان يوقد فيها التنانير من المصابيح وغيرها مما لا يوجد في مسجد من المساجد وأما الوظائف المرتبة فيه والمدرسين والمعيدين والخدام والمؤذنين والقراء وغيرهم فكثير جدا ولم يكن فيهم من يباشر وما وجب عليه إلا بعض الناس والله أعلم ( ذكر غالب ما في بيت المقدس من المدارس والمشاهد ) مما هو بجوار سور المسجد الأقصى 1 الفارسية بداخل المسجد الأقصى عند المكان الذي يجلس فيه النساء بالقرب من بئر الورقة منسوبة لوقف المدرسة الفارسية التي شمال المسجد وسنذكرها ونذكر واقفها والحاكورة التي بلصقها من ظاهر الجامع عند الباب الشرقي تعرف بحاكورة الفارسية 2 النحوية على طرف صحن الصخرة من جهة القبلة إلى الغرب وتقدم ذكرها عند ترجمة بانيها الملك المعظم عيسى وكان بناؤها في سنة اربع وستمائة 3 الناصرية وكان على برج باب الرحمة مدرسة تعرف بالناصرية نسبة للشيخ نصر المقدسي ثم عرفت بالغزالية نسبة لأبي حامد الغزالي ثم انشأها الملك المعظم عيسى وجعلها زاوية لقراءة القرآن والاشتغال بالنحو ووقف عليها كتبا من جملتها إصلاح المنطق لأبي يوسف يعقوب بن اسحاق ابن السكيت وقد وقفت على كراسة منه بخط ابن الخشاب وعلى ظهر الكراسة الوقف وهو مؤرخ في التاسع من ذي الحجة سنة عشر وستمائة وقد دثرت الزاوية المذكورة في عصرنا ولم يبق لها نظام وصارت من المهملات وأما ما حول المسجد من المدارس والزوايا فأولها 4 الزاوية الخنثنية بجوار المسجد الأقصى خلف المنبر وقفها الملك صلاح الدين تغمده الله برحمته على رجل من أهل الصلاح وهو الشيخ الأجل الزاهد العابد المجاهد جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد جلال الدين الشاشي المجاور في بيت المقدس ثم من بعده على من يحذو حذوه وقد وليها جماعة من الأعيان وبناؤها قديم من زمن الروم ولكن بناء الدار التي بداخل الزاوية مستجد وتاريخ كتاب وقفها في ثامن عشر ربيع الآول سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأما المدارس المجاورة للسور من جهة الغرب - وسنذكرها على الترتيب - فأولها ( 1 ) الخانقاه الفخرية وهي مجاورة لجامع المغاربة الذي تقام فيه صلاة المالكية من جهة الغرب وهي بداخل سور المسجد وبابها من داخل المسجد عند الباب الذي يخرج منه إلى حارة المغاربة واقفها المقر العالي القاضي فخر الدين أبو عبد الله محمد بن فضل الله ناظر الجيوش الاسلامية أصله قبطي فأسلم وحسن إسلامه وكانت له اوقاف كثيرة وبر وإحسان لأهل العلم وكان صدرا كبيرا معظما توفي في منتصف رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وقد جاوز السبعين رحمه الله ( 2 ) المدرسة التنكزية واقفها الأمير تنكز الناصري نائب الشام وهي مدرسة عظيمة ليس في المدارس أتقن من بنائها وهي بخط باب السلسلة ولها مجمع راكب على الأروقة الغربية في المسجد ولواقفها مآثر خير في المسجد وعمائر كثيرة منها الرخام الذي في قبلة المسجد عند المحراب ومنها جانب الجامع الأقصى الغربي وهو الذي عمر قناة الماء الواصلة إلى مدينة القدس الشريف وكان ابتداء عمارتها في شوال سنة سبع وعشرين وسبعمائة ووصلت إلى القدس الشريف ودخلت إلى وسط المسجد الأقصى في أواخر ربيع الآول سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وعمل البركة الرخام بين الصخرة والأقصى وله الحمام الكائن بباب القطانين المعروف بالجديد وغير ذلك وعلى باب المدرسة تاريخها في سنة تسع وعشرين وسبعمائة وتوفي تنكز في يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من المحرم سنة احدى واربعين وسبعمائة بقلعة اسكندرية مسموما عفا الله عنه ودفن بالاسكندرية ثم نقل إلى تربته بدمشق وقد جاوز الستين وكان نقله بدمشق ليلة الاثنين خامس رجب سنة اربع واربعين وسبعمائة ( 3 ) المدرسة البلدية باب السكينة بجوار باب السلسلة واقفها الأمير منكلي بغا الأحمدي نائب حلب توفي ودفن بها في جمادي الاخرة سنة ثنتين وثمانين وسبعمائة وبجوارها ( 4 ) المدرسة الشريفة السلطانية الاشرفية داخل المسجد الأقصى الشريف بالقرب من باب السلسلة وسبب بنائها هو أن الأمير حسن الظاهري كان قد بنى المدرسة القديمة للملك الظاهر خشقدم ثم بعد وفاته سأل الملك الأشرف قايتباي قبولها فقبلها منه ونسبت اليه ورتب لها شيخا وصوفية وفقهاء وصرف لهم المعاليم ثم حضر الملك الاشرف قايتباي إلى القدس الشريف في سنة ثمانين وثمانمائة فلم تعجبه فلما كان في سنة اربع وثمانين جهز خاصكي بهدمها وتوسيعها بما يضاف اليها من العمائر فكان الابتداء في حفر اساس المدرسة الموجودة الآن في رابع عشر شعبان سنة خمس وثمانين وعمل على ظاهرها الرصاص المحكم كظاهر المسجد الأقصى واعظم محاسنها كونها في هذه البقعة الشريفة وصارت جوهرة ثالثة وهي قبة الصخرة وقبة الاقصى وهذه المدرسة ومن جملة ما عمره الملك الاشرف قايتباي السبيل المقابل لها بداخل المسجد فوق البئر المقابل لدرج الصخرة الغربي وكان قديما على البئر المذكورة قبة مبنية بالحجارة كغيرها من الآبار وكذلك الفسقية التي تقرب منه قبلي المسطبة المجاورة والفسقية التي بين السلسلة وباب السكينة وكان قديما مكانها حوانيت فازليت ( 5 ) المدرسة العثمانية بباب المتوضأ واقفتها امرأة من أكابر الروم اسمها اصفهان شاه خاتون وتدعى خانم وعليها اوقاف ببلاد الروم وغيرها في هذه البلاد وعلى بابها تاريخها في سنة اربعين وثمانمائة ودفنت الواقفة لها بالتربة المجاورة لسور المسجد الأقصى الشريف رحمها الله تعالى ( 6 ) الرباط الزمني بباب المتوضأ تجاه المدرسة العثمانية واقفه الخواجا شمس الدين محمد بن الزمن أحد خواص الملك السلطان الأشرف قايتباي وكان بناؤه في سنة احدى وثمانين وثمانمائة وتوفي واقفه في سنة سبع وتسعين وثمانمائة ( 7 ) المدرسة الخاتونية بباب الحديد واقفتها اغل خاتون بنت شمس الدين محمد بن سيف الدين القازانية البغدادية ووقفت عليه المزرعة المعروفة بظهر الجمل واشتهرت في عصرنا وقبله بباطن الجمل تاريخ وقف الجهة المذكوره في خامس ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وسبعمائة ثم أكملت عمارة المدرسة المذكورة ووقفت عليها المرحومة اصفهان شاه بنت الامير قازان شاه تاريخ وقفها في العشر الآخر من جمادي الآخرة سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة المدرسة الارغونية ( 8 ) بباب الحديد واقفها ارغون الكاملي نائب الشام وهو الذي استجد باب الحديد أحد ابواب المسجد وكان الباب قديما يعرف بباب ارغون توفي في يوم الخميس السادس والعشرين من شوال سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بالقدس الشريف ودفن بها وأكملت عمارتها بعد وفاته سنة تسع وخمسين ( 9 ) المدرسة المزهرية بباب الحديد واقفها المقر المرحوم الزيني أبو بكر بن مزهر الانصاري الشافعي صاحب ديوان الانشاء بالديار المصرية تغمده الله برحمته وبعضها راكب على ظهر الارغونية ولها مجمع على أروقة المسجد وكان الفراغ من بنائها في سنة خمس وثمانين وثمانمائة وحضر واقفها إلى جهة نابلس في سنة وفاته في جمادي الأولى لتجهيز الرجال لتجريده ابن عثمان ملك الروم وقصد الحضور إلى بيت المقدس للزيارة ورؤية مدرسته فحصل له توعك في رجب وتوجه إلى القاهرة ولم يقدر حضوره إلى القدس توفي في يوم الخميس سادس رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة ( 10 ) رباط كرد بباب الحديد بجوار السور تجاه المدرسة الارغونية واقفه المقر السيفي كرد صاحب الديار المصرية في سنة ثلاث وتسعين وستمائة ( 11 ) المدرسة الجوهرية بباب الحديد وبعضها على رباط كرد واقفها الصفوي جوهر زمام الآدر الشريفة في سنة اربع واربعين وثمانمائة ( 12 ) الزاوية الوفائية بباب الناظر تجاه المدرسة المنجكية وعلوها دار من معاليمها تعرف بدار الشيخ شهاب الدين ابن الهائم ثم عرفت ببني أبي الوفا لسكنهم بها وتعرف قديما بدار معاوية ( 13 ) المدرسة المنجكية بباب الناظر واقفها الامير منجك نائب الشام وكان رسم له بالاقامة بالقدس الشريف طرخان فدخل اليها في شهر صفر سنة احدى ورابعين وسبعمائة وفي بعض التواريخ انه وصل إلى القدس الشريف ليتبني المدرسة للسلطان الملك الناصر حسن فكان قصده نباءها له فلما قبل السلطان في سنة اثنتين وستين وسبعمائة بناها لنفسه ونسبت اليه ووقف عليها ورتب لها فقهاء وارباب وظائف ثم تلاشت احوالها في عصرنا والله الموفق فهذه المدارس في الجهة الغربية من المسجد وما هو في جهة الشمال فنذكره على الترتيب ايضا ( 14 ) المدرسة الجاولية واقفها الامير علم الدين سنجر الجاولي نائب غزة ومولده في سنة ثلاث وثمانين وستمائة وكان من اهل العلم وله مصنفات وترجمته في طبقات الشافعية توفي في رمضان سنة خمس واربعين وسبعمائة وقد صارت المدرسة في هذه الأزمنة سكنا لنواب القدس وفيها مدفن به الشيخ درياس الكردي الهكاري وكان صالحا معتقدا نفع الله به ( 15 ) المدرسة الصبيبية واقفها الأمير علاء الدين علي بن ناصر الدين محمد نائب القلعة الصبيبية ولي نيابة القدس وعمر بها المدرسة وتوفي بالشام في المحرم سنة تسع وثمانمائة بالقبيبات ثم نقل إلى القدس بعد مدة ودفن بمدرسته ( 16 ) لمدرسة الاسعردية واقفها الخواجا مجد الدين عبد الغني بن سيف الدين أبي بكر ابن يوسف الاسعردي تاريخ وقفها في العشرين من ربيع الاول سنة سبعين وسبعمائة ( 17 ) المدرسة الملكية عمرها الحاج ملك الجوكندار وكان بناؤها في سلطنة الناصرمحمد بن قلاوون في مستهل المحرم سنة احدى واربعين وسبعمائة كذا مكتوب تاريخها في حائطها القبلي فوق الرواق الشمالي بالمسجد الأقصى وأما الوقف عليها فإنه من زوجة ملك بنت السيفي قلطلقتم الناصري وتاريخ وقفها في السادس عشر من ربيع الآخر من سنة خمس واربعين وسبعمائة والظاهر ان زوجها عمرها لها من مالها والله أعلم ( 18 ) المدرسة الفارسية واقفها الأمير فارسي البكي ابن الأمير قطلو ملك ابن عبد الله نائب السلطنة بالأعمال الساحلية والجبلية ونائب غزة وهو المنسوب اليه الفارسية بداخل المسجد الأقصى - المتقدم ذكرها في أول الفصل - وقفت على كتاب وقف الحصة من قرية طوركرم على المدرسة المذكورة تاريخه ثالث شعبان سنة خمس وخمسين وسبعمائة ( 19 ) المدرسة الامينية بباب شرف الأنبياء المعروف بباب الدويدارية واقفها الصاحب أمين الدين عبد الله في سنة ثلاثين وسبعمائة ( 20 ) المدرسة الدويدارية بباب شرف الأنبياء وهي التي سمي باب المسجد بسببها باب الدويدارية وقد رأيت في كتاب الوقف المنسوب لواقفها انهاتعرف بدار الصالحين وهو مكان مأنوس واقفها الأمير الكبير الغازي المجاهد علم الدين أبو موسى سنجر بن عبد الله الدويدار الصالحي النجمي وعمارتها في سنة خمس وتسعين وستمائة وتاريخ وقفها في سابع شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين وستمائة ( 21 ) المدرسة الباسطية بعضها على المدرسة الدويدارية واقفها القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي ناظر الجيوش المنصورة وعزيز المملكة وأول من أختط أساسها وقصد عمارتها شيخ الاسلام شمس الدين محمد الهروي شيخ الصلاحية وناظر الحرمين فأدركته المنية قبل عمارتها فعمرها عبد الباسط ووقفها وشرط على الصوفية قراءة الفاتحة عقب الحضور وإهداء ثوابها للهروي ووقفها في شهر جمادي الأولى في سنة اربع وثلاثين وثمانمائة وتوفي واقفها في سنة نيف وخمسين وثمانمائة ( 22 ) التربة الأوحدية باب حطة واقفها الملك الأوحد نجم الدين يوسف ابن الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم عيسى تاريخ وقفها ففي العشرين من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وستمائة ( 23 ) المدرسة الكريمية بباب حطة واقفها الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن المعلم هبة الله بن مكانس ناظر الخواص الشريفة بالديار المصرية تاريخ كتاب وقفة في ليلة الثامن من شهر ذي الحجة سنة ثماني عشرة وسبعمائة ( 24 ) المدرسة الغادرية بداخل المسجد واقفها الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بعد أن عمرتها زوجته مصر خاتون ولم يوجد لها كتاب وقف فكتب محضر من ماله يوقفها وثبت في عصرنا في سنة سبع وتسعين وثمانمائة وبناؤها في سلطنة الملك الأشرف برسباي في شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وثمانمائة ( 25 ) المدرسة الطولونية بداخل المسجد على الرواق الشمالي يصعد اليها من السلم المتوصل منه إلى منارة باب الاسباط وهي التي انشأها شهاب الدين أحمد ابن الناصره محمد الطولوني الظاهري في زمن الملك الظاهر برقوق على يد مملوكه اقبغا قبل الثمانمائة ولم يكتب لها كتباب وقف إلا في شهر رجب سنة سبع وعشرين وثمانمائة ( 26 ) المدرسة الفنزية مقابل الطولونية من جهة الشرق يصعد اليها من السلم المتوصل منه إلى منارة باب الاسباط ايضا وهي من إنشاء شهاب الدين الطولوني عمرها مع مدرسته المتقدم ذكرها وجعلها للملك الظاهر برقوق فلما توفي الظاهر برقوق وآل الأمر لولده الملك الناصر فرج رتب لها قرى واقام نظامها وجعل لها معاليم تصرف ولما توفيت اخته خوند سارة ابنة الملك الظاهر برقوق زوجة نوروز نائب الشام دفنت بها في شهور سنة خمس عشرة وثمانمائة ثم لما توفي الناصر فرج لم يكن لها كتاب وقف فاشتراها بعد وفاته رجل من الروم يقال له محمد شاه بن الفنرى القرومي ووقفها ونسبت اليه وسميت الفنرية واخبرت ان الذي باعها ولد منشيها ابن الطولوني المتقدم ذكره ( 27 ) الحسنية على باب الاسباط وهي آخر المدارس ولم اطلع لها على كتاب وقف ولم اتحقق امرها ولكن اخبرت انها وقف شاهين الحسني الطواشي وانه من دولة الملك الناصر حسن المتوفى في سنة اثنتين وستين وسبعمائة ولم يكن لها حكم المدارس في النظام والشعائر وإنما صارت منزلا تتخذ للسكن وهي من جملة جهات المسجد الأقصى يستوفى ريعها لجهة وقفه والظاهر ان واقفها توفي قبل انبرام أمرها والله أعلم فهذه المدارس التي في الجهة الشمالية من المسجد الأقصى الشريف ويتوصل إلى المسجد من عدة أبواب من المدارس ولمنازل المجاورة له وتقدم الوعد بذكر ذلك فأقول - وبالله التوفيق - الأماكن المتوصل منها إلى المسجد ولها أبواب من خارج المسجد أولها الزاوية الخنثنية ودار الخطابة والفخرية والمدرسة التنكزية والمدرسة البلدية والرباط الزمني والمدرسة الخاتونية والمدرسة الارغونية والزاوية الوفائية والمدرسة المنجكية ودار الشيخ جمال الدين ابن غانم شيخ الحرم ودار بني جماعة المجاورة لمنارة الغوانمة والمدرسة الصبيبية والمدرسة الاسعردية والمدرسة الملكية والزاوية الامينية والمدرسة الباسطية والمدرسة الكريمية والمدرسة الفنرية وكان بالحسنية بباب الأسباط باب وقد سد وأما ما في المدينة من المدارس والمشاهد فمن ذلك ما حول المسجد غير ملاصق للسور ولكنه بالقرب منه من جهة الشمال ( 1 ) المدرسة الصلاحية بباب الاسباط وقف الملك صلاح الدين رحمة الله عليه وتقدم ذكرها عند ترجمته وهي كنيسة من زمن الروم تعرف بقبر حنه فانه يقال ان فيها قبر حنة أم مريم عليها السلام تاريخ وقفها ثالث عشر رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ووظيفة مشيختها من الوظائف السنية بمملكة الاسلام ( 2 ) الزاوية الشيخونية بالقرب منها عند سويقة باب حطة واقفها الأمير سيف الدين قطيشا بن علي بن محمد من رجال حلقة دمشق كان مجاورا بالقدس الشريف وجعل نظرها لنفسه ثم من بعده لولده شيخون فسميت بالشيخونية نسبة لولد الواقف تاريخ وقفها مستهل صفر سنة احدى وستين وسبعمائة ( 3 ) المدرسة الكاملية بخط باب حطة بجوار الكريمية من جهة الشمال واقفها الحاج كامل من أهل طرابلس ولم يوجد لها كتاب وقف فكتب محضر يوقفها مؤرخ في شهور سنة ست عشرة وثمانمائة ( 4 ) رباط المارديني بباب حطة مقابل الكاملية وهي بجوار التربة الاوحدية وقفه منسوب لامرأتين من عتقاء الملك الصالح صاحب ماردين وشرطه ان يكون لمن يرد من ماردين وقد وقفت على محضر ثابت بوقفه تاريخه في سنة ثلاث وستين وسبعمائة ( 5 ) المدرسة المعظمية وقف الملك المعظم عيسى - وتقدم ذكرها عند ترجمته وهي مقابل باب شرف الأنبياء المعروف باب الدويدارية تاريخ وقفها في التاسع والعشرين من جمادي الأولى سنة ستين وستمائة وقد وقفت على كتاب الوقف وفيه جهات كثيرة من القرى وقد اخذ غالبها وصار بأيدي الناس إقطاعا وملكا ( 6 ) المدرسة السلامية بباب شرف الأنبياء تجاه المعظمية وهي بجوار المدرسة الدويدارية من جهة الشمال واقفها الخواجا مجد الدين أبو الفدا اسماعيل السلامي ولم اطلع على تاريخ وقفها والظاهر انه بعد السبعمائة ( 7 ) الزاوية المهمازية بالقرب من المعظمية من جهة الغرب منسوبة للشيخ كمال الدين المهمازي ووقفت على مربع من الملك الصالح اسماعيل ابن الناصر محمد بن قلاوون يشهد انها وقف على المشايخ المقيمين بها قرية بيت القيا من عمل القدس الشريف تاريخ الرابع في شهر ذي القعدة سنة خمس واربعين وسبعمائة وبها قبر رجل من ذريته اسمه الشيخ خير الدين خضر المهمازي وفاته في شوال سنة سبع واربعين وسبعمائة ( 8 ) المدرسة الوجيهية بخط درج المولة وقف الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان بن اسعد ابن النجا الحنبلي المتوفى في شعبان سنة احدى وسبعمائة ( 9 ) المدرسة المحدثية بالقرب من الوجيهية عند قبو باب الغوانمة واقفها رجل من أهل العلم كان محدثا واسمه عز الدين أبو محمد عبد العزيز العجمي الاردبيلي تاريخ وقفها في رابع المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة فهذه المدارس التي بقرب المسجد وهي من جهة الشمال وما هو بالقرب من المسجد من جهة الغرب ( 10 ) الرباط المنصوري بباب الناظر وقف السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي في سنة احدى وثمانين وستمائة وسنذكر تاريخ وفاته عند ترجمته إن شاء الله تعالى ( 11 ) رباط علاء الدين البصير تجاه الرباط المنصوري واقفه الأمير علاء الدين آيدغدى الآتي ذكره فيما بعد وقفه في سنة ست وستين وستمائة ولم يظهر له كتاب وقف فكتب محضر بوقفه وثبت لدى حاكم الشرع الشريف تاريخ المحضر الثابت بوقفه يوم الخميس ثامن عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وهو مدفون بالرباط المذكور وكان صالحا ويأتي ذكر وفاته عندترجمته إن شاء الله تعالى ( 12 ) المدرسة الحسنية بباب الناظر على رباط علاء الدين البصير واقفها الأمير حسن الكشكيلي ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وكان بناؤها في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وسنذكر ترجمة واقفها فيما بعد إن شاء الله تعالى ومقابل هذه المدرسة تربة بها ضريح يقال انه قبر السيدة فاطمة بنت معاوية ( 13 ) المدرسة التشتمرية بباب الناظر بالقرب من الحسنية واقفها الأمير تشتمر السيفي الملك الناصري حسن بن محمد بن قلاوون تاريخ وقفها في الثاني عشر من ذي القعدة سنة تسع وخمسين وسبعمائة ( 14 ) المدرسة الباوردية بباب الناظر بالقرب من التشتمرية واقفتها الست الحاجة سفرى خاتون ابنة شرف الدين أبي بكر بن محمود المعروف والدها بالباوردي تاريخ وقفها في يوم الأحد خامس شهر رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة ( 15 ) الزاوية المحمدية بجوار الباوردية من جهة الغرب واقفها محمد بك زكريا الناصري تاريخ وقفها في العاشر من شهر رجب سنة احدى وخمسين وسبعمائة ( 16 ) اليونسية زاوية مقابل الباوردية ونسبتها للفقراء اليونسية ( 17 ) المدرسة الجهاركسية بجوار اليونسبة من جهة الشمال وهي واليونسية كنيسة من بناء الروم قسمت نصفين الأول جعل للمدرسة الجهاركسية والثاني جعل لزاوية اليونسية والجهاركسية نسبة لواقفها الأمير جهاركس الخليلي أمير آخور الملك الظاهر برقوق توفي قتيلا بدمشق في شهر ربيع الآخر في سنة احدى وتسعين وسبعمائة ( 8 ) المدرسة الحنبيلية بباب الحديد واقفها الأمير بيدمر نائب الشام وكان متوليا نيابة دمشق في سلطنة الأشرف شعبان بن حسين في سنة سبع وسبعين وسبعمائة وكان بناؤها في العشر الآخر من جمادي الآخرة وفرغ البناء في سلخ شوال سنة احدى وثمانين وسبعمائة ( 19 ) التربة السعدية بباب السلسلة تجاه المدرسة التنكزية وباب المسجد واقفها الأمير سعدالدين مسعود بن الأمير الاسفهلار بدر الدين سنقر بن عبد الله الجاشنكير الرومي الحاجب بالشام المحروسة في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون تاريخ كتاب وقفه في السابع والعشرين من شهر ربيع الاخر سنة احدى عشر وسبعمائة ( 20 ) التربة الجالقية برأس درج العين بباب السلسلة وقف ركن الدين الكبير العجمي المعروف بالجالق وهو مدفون بها توفي في عاشر جمادي الآولى سنة سبع وسبعمائة وكان من جملة الأمراء بالشام في دولة الملك المنصور قلاوون وبعده ( 21 ) دار الحديث بجوار التربة الجالقية من جهة الغرب واقفها الأمير شرف الدين عيسى بن بدر الدين أبي القاسم الهكاري تاريخ وقفها في الخامس والعشرين من رجب سنة ست وستين وستمائة ( 22 ) دار القرآن السلامية تجاه دار الحديث واقفها سراج الدين عمر بن أبي بكر أبي القاسم السلامي تاريخ وقفها في العشرين من ربيع الآخر سنة احدى وستين وسبعمائة ( 23 ) المدرسة الطازية بخط داود بالقرب من باب السلسلة وقف الأمير طاز المتوفى في سنة ثلاث وستين وسبعمائة ( 24 ) تربة الملك حسام الدين بركة خان مقابل المدرسة الطازية تاريخ عمارتها في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وعمرت بعد موته ( 25 ) التربة الكيلانية بجوار الطازية من جهة الغرب منسوبة إلى الحاج جمال الدين بهلوان ابن الأمير شمس الدين قرادشاه ابن شمس الدين محمد الكيلاني اللاهجي المشهور بابن الصاحب كيلان وهو أنه أوصى إلى ولده الأمير نظام الدين كهشروان بأن يصرف من ثلث ماله مائة ألف درهم فضة ويدفع ذلك إلى ابن اخي الموصى الأمير علاء الدين علي بن بهاء الدين سلار ابن شير ملك الكيلاني ليبتاع بذلك مكانا ويعمره تربة بالقدس الشريف أن تهيأ نقله ودفنه هناك تاريخ الوصية في العاشر من شعبان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فعمرت هذه التربة وبها ضريحه ونقل اليها كما أوصى به ( 26 ) التربة الطشتمرية بالقرب من الكيلانية وقف الأمير طشتمر العلائي أنشأها في سنة اربع وثمانين وسبعمائة وتوفي ودفن بها في شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة ( 27 ) زاوية الطواشية بحارة الشريف وتعرف قديما بحارة الاكراد واقفها الشيخ الصالح شمس الدين محمد بن جلال الدين عرب بن فخر الدين أحمد المجاور بالقدس في تاسع عشر رمضان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ( 28 ) زاوية المغابة بأعلا حارتهم وقف الشيخ عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي المجرد وكان رجلا صالحا عمر الزاوية وأنشأها من ماله ووقفها على الفقراء والمساكين بتاريخ ثالث شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعمائة وتوفي بالقدس الشريف ودفن بماء ملا عند حوش البسطامية وقد وهم بعض المؤخين فظنه الشيخ عمر المجرد واقف الزاوية بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام لاشتراكهما في الاسم والشهرة والأمر بخلافه وسنذكر كلا منهما فيما بعد إن شاء الله تعالى في تراجم الأعيان ( 29 ) المدرسة الأفضلية وتعرف قديما بحارة المغاربة وقف الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي ابن الملك صلاح الدين تغمده الله برحمته وقفها على فقهاء المالكية بالقدس الشريف ووقف أيضا حارة المغاربة على طائفة المغاربة على اختلاف اجناسهم ذكورهم واناثهم وكان الوقف حين سلطنته على دمشق وكان القدس من مضافاته ولم يوجد لها كتاب فكتب محضر بالوقف لكل جهة وثبت مضمونه لدى حكام الشرع الشريف بعد وفاة الواقف وتقدم ذكر تاريخ سلطنته ووفاته قبل ذلك ومن جملة اوقافه المسجدالكائن عند قمامة علو سجن الشرطة في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وهي السنة التي توفي والده فيها وبه منارة استجدت قبل السبعين والثمانمائة وأما ما هو من الزوايا والمدارس بالقدس الشريف غير قريب من المسجد فمنها 30 - زاوية البلاسي بظاهر القدس الشريف من جهة القبلة وهي قديمة نسبتها للشيخ أحمد البلاسي وكان من الصالحين وقبره بها وهو مشهور يقصده الزوار ولم اطلع على تاريخ وفاته 31 - زاوية الأزرق بظاهر القدس الشريف من جهة القبلة وهي شرقي زاوية البلاسي نسبتها للشيخ إبراهيم الأزرق وهي قديمة وبها قبور جماعة منهم الشيخ اسحاق ابن الشيخ إبراهيم ووفاته في سنة ثمانين وسبعمائة ورايت في مستندات تتعلق بها انها تعرف بزاوية السرائي 32 - المدرسة اللؤلؤية بخط مرزبان بجوار حمام علاء الدين البصير من جهة الشمال واقفها الأمير لؤلؤ غازي عتيق الملك الأشرف شعبان بن حسين وكانت المدرسة موجودة في سنة احدى وثمانين وسبعمائة وتوفى الواقف في سنة سبع وثمانين وسبعمائة 33 - المدرسة البدرية بخط مرزبان بالقرب من اللؤلؤية ومن زاوية ولي الله تعالى الشيخ محمدالعرمي واقفها بدر الدين محمد بن أبي القاسم الهكاوي أحد امراء الملك المعظم وقفها في سنة عشر وستمائة على فقهاء الشافعية وكان يتمنى ان يستشهد فرزقه الله الشهادة بالغور بالقرب من نابلس في سنة اربع عشرة وستمائة وحمل إلى تربته بالقدس الشريف 34 - زاوية الدركاه بجوار البيمارستان الصلاحي وكانت في زمن الافرنج دار الاسبيتار وهي من بناء هيلانة أم قسطنطين التي عمرت كنيسة قمامة وعليها منارة استهدم بعضها وكان قديما ينزل بها نواب القدس الشريف واقفها الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب ميافارقين وما معها في سنة ثلاث عشرة وستمائة 35 - زاوية الشيخ يعقوب العجمي بالقرب من القلعة وهي كنيسة من بناء الروم وقد اشتهرت في عصرنا بزاوية الشيخ شمس الدين ابن الشيخ عبد الله البغدادي أحد العدول بالقدس الشريف كان سكنه بها وتلاشت احوالها بعد 36 - مسجد الحيات وهو الذي كان به طلسم الحيات - وتقدم ذكره - وهو بقرب كنيسة قمامة وهو مسجد عظيم من المساجد العمرية منسوب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه 37 - الخانقاه الصلاحية علو كنيسة قمامة وقف الملك صلاح الدين على الصوفية وتقدم ذكر تاريخ وقفها في الخامس من شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة 38 - الزاوية الحمراء بالقرب من الخانقاه الصلاحية وهي منسوبة للفقراء الوفائية 39 - الزاوية اللؤلؤية بباب العمود - أحد أبواب المدينة - وهي وقف بدر الدين لؤلؤ غازي واقف للؤلؤية المتقدم ذكرها 40 - الزاوية البسطامية بحارة المشارقة واقفها الشيخ عبد الله البسطامي وكانت الزاوية موجودة قبل سنة سبعين وسبعمائة وسنذكر ترجمته 41 - المدرسة الميمونية عند باب الساهرة وهي كنيسة من بناء الروم واقفها الأمير فارس الدين أبو سعيد ميمون ابن عبد الله القصري خازندار الملك صلاح الدين تاريخ وقفها في جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ولم يبق لها نظام في عصرنا بل صارت من المهملات 42 - التربة الهمازية واقفها الأمير ناصر الدين المهمازي ولم اطلع لها على كتاب وقف ولا تاريخ وصارت في عصرنا مسكنا كبقة المنازل 43 - زاوية الهنود بظاهر باب الأسباط وهي قديمة وكانت للفقراء الرفاعية ثم نزل بها طائفة الهنود فغرفت بهم 44 - الجراحية زاوية بظاهر القدس من جهة الشمال ولها وقف ووظائف مرتبة ونسبها لواقفها الأمير حسام الدين الحسين بن شرف الدين عيسى الجراحي أحد أمراء الملك صلاح الدين ووفاته في صفر سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ودفن بزاويته المذكورة رحمه الله وبظاهر الزاوية من جهة القبلة قبور جماعة من المجاهدين يقال انهم من جماعة الجراحي والله أعلم 45 - القيمرية قبة محكمة البناء بظاهر القدس الشرف من جهة الشمال مما يلي الغرب نسبتها لجماعة من الشهداء المجاهدين في سبيل الله قبورهم بها وهم الأمير الشهيد حسام الدين أبو الحسن بن أبي الفوارس القيمري ووفاته في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة ثمان واربعين وستمائة والأمير ضياء الدين موسى ابن أبي الفوارس ووفاته في عاشر ذي القعدة سنة ثمان واربعين وستمائة والأمير حسام الدين خضر القيمري ووفاته في رابع عشر ذي الحجة سنة احدى وستين وستمائة والأمير ناصر الدين أبي الحسن القيمري ووفاته في عشري صفر سنة خمس وستين وستمائة وبالقبة المذكورة قبر الأمير ناصر الدين محمد جابر بك أحد أمراء الطبلخانة بالشام وناظر الحرمين بالقدس الشريف والخليل عليه السلام ووفاته ليلة الاثنين حادي عشر المحرم سنة ست وسبعين وسبعمائة وبظاهر القبة المذكورة تربة بها قبور جماعة من المجاهدين رحمهما الله تعالى وفي المدينة عدة أماكن من الزوايا والربط والترب لا فائدة في ذكرها وإنما ذكرت ما هو المشهور وأما ما في القدس من المنائر فقد تقدم أن بالمسجد اربع منائر وبظاهر المسجد منارة على المدرسة المعظمية وهي صغيرة جدا وعلى الخانقاه الصلاحية منارة وهي إنشاء المرحوم الشيخ برهان الدين بن غانم شيخ الخانقاه رحمه الله قبل العشرين والثمانمائة وقد حكى لي الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ عبد الله البغدادي انه لما قصد الشيخ برهان الدين بن غانم بناء المنارة المذكورة شق ذلك على النصارى بالقدس لكونها على كنيسة القمامة فاجتمع رأيهم على دفع مال كثير للشيخ برهان الدين على أن يترك بناءها فلم يلتفت إلى ذلك وزجرهم زجرا بليغا وعمر المنارة ورتب لها من يقو م بشعائرها فرأى رجل من الناس النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقال له سلم على برهان الدين بن غانم وقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم يقريك السلام ويقول لك أنت داخل في عموم شفاعته يوم القيامة ببنائك هذه المنارة على رؤس الكفار ومنارة على المسجد - المتقدم ذكره عند ذكر المدرسة الفضلية - الكائن علو سجن الشرطة تجاه قمامة من جهة القبلة والظاهر ان بناءها على اساس قديم ومنارة علو زاوية الدركاه وقد هدم بعضها من زلزلة وقعت في المحرم سنة ثلاث وستين وثمانمائة ومنارة على مسجد ملاصق لكنيسة اليهود من جهة القبلة وهي مستجدة بعد الثمانمائة اعتصب اهل الخير وجمعوا مالا وبنوها وأوقفوا عليها وأما مدينة القدس الشريف في عصرنا فهي مدينة عظيمة محكمة البناء بين جبال وأودية وبعض بناء المدينة مرتفع على علو وبعضه منخفض في واد وغالب الابنية التي في الأماكن العالية مشرفة على ما دونها من الأماكن المنخفضة وشوارع المدينة بعضها سهل وبعضها وعر وفي غالب الأماكن يوجد سفله ابنية قديمة وقد بني فوقها بناء مستجد على بناء قديم والبناء مشحون بحيث لو تفرق على حكم غالب مدن مملكة الاسلام لكان حجم المدينة ضعف ما هو الآن وهي كثيرة الآبار المعدة لخزن الماء لأن ماءها يجمع من الأمطار وأما ما في القدس الشريف من الأماكن المحكمة البناء فمن ذلك سوق القطانين المجاور لباب المسجد من جهة الغرب وهو سوق في غاية الارتفاع والاتقان لم يوجد مثله في كثير من البلاد وايضا الأسواق الثلاثة المجاورة بالقرب من باب المحراب المعروف بباب الخليل وهي من بناء الروم ممتدة قبلة بشام ومن بعضها إلى بعض منافذ فالأول منها وهو الغربي سوق العطارين وقف الملك صلاح الدين رحمه الله تعالى على مدرسته الصلاحية والذي يليه وهو الأوسط لبيع الخضراوات والذي يليه لجهة الشرق لبيع القماش وهما وقف على مصالح المسجد الأقصى الشريف وقد ذكر المسافرون انهم لم يروا مثل الأسواق الثلاثة في الترتيب والبناء في بلدة من البلدان وان ذلك من المحاسن التي لبيت المقدس ( وروي ) عن سلامة ابن قيصر - وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلفه ببيت المقدس ييصلي بالناس - ان عمر رضي الله عنه لما فتح بيت المقدس وقف على راس السوق في أعلاه فقال لمن هذا الصف - يعني صف سوق البزازين - ؟ فقالوا للنصارى فقال لمن الصف الغربي الذي فيه حمام السوق ؟ فقالوا للنصارى فقال بيده هكذا هذا لهم وهذا لهم - يعني النصارى - وهذا لنا مباح - يعني السوق الأوسط الذي بين الصفين يعني السوق الكبير الذي كان فيه قبة الرصاص قلت والذي يظهر أن المراد بتلك الأسواق الثلاثة الموجودة الآن وان تلك الأوصاف القديمة ذهبت واستجد مكانها البنيان الموجود في عصرنا والله أعلم وفي القدس الشريف عدة من الكنائس والديارات من زمن الروم نحو عشرين مكانا وعمدة النصارى منها كنيسة قمامة فإنها عندهم بمكان عظيم وبناؤها في غاية الاحكام والاتقان ويقصدونها في كل سنة في عدة اوقات من بلاد الروم والافرنج ومن بلاد الارمن ومن الديار المصرية والمملكة الشامية وسائر الاقطار ويسمونها القيامة ويزعمون ان حجهم اليها وقد تقدم ذكر طرف من اخبارها وما وقع فيها من الهدم والبناء قبل استيلاء الافرنج على بيت المقدس ويليها كنيسة صهيون المختصة بالافرنج وهي في آخر مدينة القدس من جهة القبلة ثم كنيسة مار يعقوب وتعرف بدير الأرمن وهي بالقرب من صهيون وكنيسة المصلبية المختصة بطائفة الكرج وهي ظاهر القدس الشريف من جهة الغرب فهذه الاربع كنائس وهي عمدة النصارى والنهاية عندهم كنيسة قمامة وكانت كنيسة المصلبية قد اخذت من النصارى في دولة الملك الناصر محمد ابن قلاوون وجعل فيها مسجدا فلما كان في سنة خمس وسبعمائة وصلت رسالة من جهة ملك الكرج ورسل من جهة صاحب قسطنطينية إلى نائب الملك الناصر المشار اليه وسألوا في إعادة الكنيسة لهم فلما توصلوا وتشفعوا في ذلك اعيدت لهم وسلمت إلى رسلهم ولو شرعنا نذكر ما في بيت المقدس من الابنية والأماكن لطال الكلام وخرجنا عن حد الاختصار وفيما ذكرناه كفاية فان كل من صنف في فضائل بيت المقدس وفتحه لم يتعرض لشيء من ذلك والله أعلم وأما ما في القدس الشريف من الحارات المشهورة فمنها حارة المغاربة وهي بجوار سور المسجد من جهة الغرب ونسبتها إلى المغاربة لكونها موقوفة عليهم وسكنهم بها وحارة الشرف وهي بجوارها من جهة الغرب ونسبتها لرجل من اكابر البلد اسمه شرف الدين موسى وله ذرية معروفون يقال لهم بنو الشرف وكانت تعرف قديما بحارة الاكراد وحارة العلم نسبة لرجل اسمه علم الدين سليمان وكان يعرف بابن المهذب ووفاته في حدود السبعين والسبعمائة وله ذرية مشهورون منهم ولده عمر الذي كان ناظر الحرمين الشريفين وأخوه شرف الدين موسى المدفون بالحارة المذكورة وهي بجوار حارة الشرف من جهة الشمال وضمنها حارة الحيادرة نسبة لزاوية بها لطائفة الحيادرة وحارة الصلتين بجوار حارة الشرف من جهة القبلة إلى الغرب وحارة اليهود بجوار حارة الصلتين من جهة الغرب وضمنها حارة الريشة وحارة صهيون الجوانية وهي غربي حارة اليهود وحارة الضوية وهي بجوار حارة صهيون من الشمال وحارة بني الحارث وهي خارج البلد عند القلعة ( خط داود عليه السلام ) هو الشارع الأعظم وابتداؤه من باب المسجد الأقصى المعروف بباب سلسلة إلى باب المحراب وهو باب المدينة المعروف الآن بباب الخليل وهذا المنط على اقسام معروفة فمن باب المسجد إلى دار القرآن السلامية يعرف بسوق الصاغة ومن باب السلامية إلى باب حارة الشرف يعرف بسوق القشاش ومنه إلى سوق الفحم يعرف بسوق المبيضين ومن باب الخان إلى قنطرة الجبيلي يعرف بسوق الفحم ومن قنطرة الجبيلي إلى درج الخرافيش يعرف بسوق الطباخين ومنه باب حارة اليهود يعرف بخط الوكالة وهو خان عظيم وقف على مصالح المسجد الأقصى يؤجر في السنة بنحو اربعمائة دينار يباع فيه اصناف البضائع ومن باب حارة اليهود إلى خان المصرف يعرف بسوق الحريرية ومن خان المصرف إلى باب المدينة يعرف بخط عرصة الغلال فهذا كله داخل في عموم خط داود عليه السلام والسبب في تسميته بخط داود هو ان سيدنا داود كان له سرداب تحت الأرض من باب المسجد المعروف بباب السلسلة إلى القلعة التي تعرف قديما بمحراب داود وكان منزله بها وهذا السرداب موجود وفي بعض الأوقات يكشف بعضه ويشاهد وهو اقبية معقودة بالبناء المحكم كان يمشي فيه من منزلة إلى المسجد ( خط مرزبان ) وصار على أقسام فمن سويقة باب القطانين إلى آخر العقبة يعرف بعقبة القطانين ومن رأس العقبة إلى خان الجبيلي يعرف بحارة حمام علاء الدين ويليه من جهة الغرب شارع يعرف بحارة الشيخ محمد القرمي ويليه من جهة الشمال شارع يعرف بحارة الحصرية ويليه من جهة الشرق شارع يعرف بحارة ابن الشنتير لسكنه بها وهذا كله يدخل في عموم خط مرزبان ولم أدر نسبته لماذا ولكنه يكتب في المستندات الشرعية هكذا وبجوار حارة مرزبان من الغرب خط المربعة وسوق القماش ويليه سوق الخضر ويليه سوق العطارين ويليه خط الدركاه وبه البيمارستان الصلاحي وكنيسة قمامة ويليه حارة النصارى من جهة الغرب ممتدة قبلة بشام من باب الخليل إلى باب السرب وضمن حارة النصارى حارة الرحبة وحارة الجوالقة تلي حارة النصارى من جهة الغرب وهي خارج المدينة ( خط وادي الطواحين ) وهو الشارع الأعظم الممتد قبلة بشام من درج العين إلى باب العامود أحد ابواب المدينة وفي هذا الخط عدة شوارع معروفة فمنها حارة باب القطانين وهو باب المسجد ونسبته لبيع القطن بالسوق الذي عنده وحارة باب الحديد أحد أبواب المسجد الأقصى الشريف وهو بجوار باب القطانين من جهة الشمال وحارة باب الناظر - أحد أبواب المسجد - يقابلها من جهة الغرب عقبة السوق المعروفة الان بعقبة الست ونسبتها لعمارة عظيمة بها عمرتها الست طنشق المظفرية وكانت الست طنشق موجودة في سنة أربع وتسعين وسبعمائة ويليها من جهة الغرب سوق الزيت وبه زقاق من جهة الشرق يعرف بأبي شامة وبخط وادي الطواحين من جهة الشرق حارة الغوانمة المجاورة للمسجد من جهة الغرب نسبتها لسكن بني غانم ويقابلها من جهة الغرب عقبة الظاهرية نسبتها لزاوية قديمة هناك تسمى الظاهرية وبعقبة الظاهرية من جهة القبلة عقبة تسمى السودان وفيها ايضا من جهة الشمال زقاق يعرف بقناطر خضير وبآخر العقبة من جهة الغرب سوق الفخر نسبة لفخر الدين صاحب المدرسة الفخرية وبه المصابن التي يعمل فيها الصابون ويلي سوق الفخر من جهة الغرب إلى الشمال حارة بني مرة ويليها من جهة الغرب حارة الزراعنه وحارة الملاط وهي بظاهر البلد بلصق حارة النصارى من جهة الغرب وحارة باب العامود وهي انتهاء خط وادي الطواحين وهي آخر المدينة من جهة الشمال إلى الغرب وضمنها حارة بني سعد وحارة القصيلة وهي شرقي وادي الطواحين ويليها من جهة الشمال حارة عقبة الشيوخ ويليها من جهة الشمال حارة بني زيد وضمنها زقاق يعرف بالسعديين وحارة باب الزاهرة وهي آخر المدينة من الشمال وحارة درج المولوية وهي بجوار حارة القصيلة من الشرق ويليها من القبلة حارة شرف الأنبياء وتعرف الآن بحارة باب الدويدارية وضمنها عقبة المهمازية وينتهي إلى باب الساهرة وحارة باب حطة وهي شمال المسجد ويليها من الشمال حارة المشارقة وانتهاؤها إلى سور المدينة الشمالي وحارة الغورية من باب الاسباط وتنهي إلى سور المدينة الشمالي وإلى حوش هناك يعرف بالصامت وفي القدس الشريف عدة شوارع وخطط لا فائدة لذكرها فإن غالبها يدخل في عموم ما ذكرته وإنما ذكرت ما هو مشهور ومن أعظم الحارات وأكبرها حارة باب حطة وهذه الحارات محيطة بالمسجد من جهة الغرب والشمال - كما تقدم ذكره - وأما من جهة القبلة والشوق من المسجد فهما مشرفان على البرية - كما تقدم القول في ذلك - ( القلعة ) وهي حصن عظيم البناء بظاهر بيت المقدس من جهة الغرب - وقد تقدم ذكره - وكان قديما يعرف بمحراب داود عليه السلام وكان سكنه بها ويقال ان بناء القلعة كان متصلا إلى دير صهيون وفي هذا الحصن برج عظيم البناء يسمى برج داود وهو من البناء القديم السليماني وروى المشرف بسنده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بيت المقدس ليلة اسرى به فإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان فقال يا جبريل ما هذان النوران ؟ فقال أما هذا الذي عن يمنيك فإنه محراب اخيك داود وأما هذا الذي عن يسارك فعلي قبر اختك مريم وقد جدد الروم والافرنج عمارة بقية القلعة غير برج داود حين استيلائهم على بيت المقدس وللقلعة نائب غيرنائب القدس وكانت تدق فيه الطبلخانة في كل ليلة بين المغرب والعشاء على عادة القلاع بالبلاد وقد تلاشت أحوالها في عصرنا وتشعثت وبطل منها دق الطبلخانة وصار نائبها كآحاد الناس لتلاشي الأحوال وعدم إقامة النظام وتقدم ان الوالي بالقدس الشريف كان قديما ينزل بالقلعة المذكورة وأما بناء بيت المقدس فهو في غاية الإحكام والاتقان جميعه بالأحجار البيض النحت وسقفه معقود وليس في بنائه لبن ولا في سقفه خشب وقد ذكر المسافرون انه لم يكن في جميع المملكة أتقن عمارة ولا أحسن رؤية من بناء بيت المقدس وفي معناه بناء بلد سيدنا الخليل عليه السلام لكن بناء القدس أمكن وأتقن وبقرب منه بناء مدينة نابلس فهذه المدن الثلاث بناءها متقن لكونها في الجبل والحجارة فيها كثيرة متيسرة وأما رؤية بيت المقدس من بعد فمن العجائب المشهورة في نورانيتها وحسن منظرها من جهة الشرق اذا كان الانسان على جبل طور زيتا وكذلك من جهة القبلة وأما من جهة الغرب والشمال فلا يرى منها من بعد إلا القليل لمواراة الجبال لها فإن بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في جبال كثيرة الأوعار والأحجار والسير فيها مشق والمسافة فيها بعيدة فإن الجبال المحيطة بالبلدتين مسافتها تقريبا ثلاثة أيام طولا ومثلها عرضا بسير الأثقال ولكن اذا من الله على قاصد الزيارة بالوصول إلى المسجد الأقصى الشريف والى المقام الشريف الخليلي فمن حين رؤيته لتلك الأماكن المشرفة يحصل له من الانس والبهجة ما لا يكاد يوصف ويسلو ما حصل له من المشقة والنصب وقد أنشد الحافظ ابن حجر عند قدومه لزيارة بيت المقدس في معنى ذلك إلى البيت المقدس جئت أرجو ( 1 ) جنان الخلد نزلا من كريم قطعنا في محبته عقابا وما بعد العقاب سوى النعيم ( 2 ) وأما الأبواب التي للمدينة فأولها من جهة القبلة باب حارة المغاربة وباب صهيون المعروف الآن بباب حارة اليهود ومن جهة الغرب باب سر صغير لصق دير الأرمن وباب المحراب وهو المسمى الآن بباب الخليل وروى المشرف بسنده عن علي بن سلامة قال سمعت أبي يقول سمعت ان باب لد الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقتل عليه عيسى بن مريم ' ع ' الدجال ليس هو باب الكنيسة التي عند الرملة وإنما هو باب داود الغربي الذي عند محراب داود ويسمى باب لد وباب يعرف بباب الرحبة ومن جهة الشمال باب دير السرب وباب العامود وباب الداعية المتوصل منه إلى حارة نبي زيد وباب الساهرة ومن جهة الشرق باب الاسباط فهذه عشرة أبواب لمدينة القدس الشريف وكان قبل ذلك باب عند الزاوية المتقدم ذكرها المعروفة بابن الشيخ عبد الله تجاه القلعة وباب بحارة الطورية ينتهي إلى ميدان العبيد خارج باب الاسباط وقد سد ( ذكر عين سلوان وغيرها مما هو بظاهر القدس الشريف ) أما عين سلوان فهي بظاهر القدس الشريف من جهة القبلة بالوادي يشرف عليها سور المسجد القبلي وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله اختار من المدائن أربعا مكة وهي البلدة والمدينة وهي النخلة وبيت المقدس وهي الزيتونة ودمشق وهي التين واختار من الثغور اربعة اسكندرية مصر وقزوين خراسان وعبدان العراق وعسقلان الشام واختار من العيون اربعا فيقول في محكم كتابه العزيز ( فيهما عينان تجريان ) وقال ( فيهما عينان نضاحتان ) فأما اللتان تجريان فعين بيسان وعين سلوان وأما النضاحتان فعين زمزم وعين عكا واختار من الانهار أربعا سيحان وجيحان والنيل والفرات وعن خالد بن معدان انه قال زمزم وعين سلوان التي ببيت المقدس من عيون الجنة وعنه انه قال من أتى بيت المقدس فليأت محراب داود وليصل فيه وليسبح في عين سلوان فإنها من الجنة ولا يدخل الكنائس ولا يشتر فيها فإن الخطيئة فيها مثل ألف خطيئة والحسنة مثل ألف حسنة ( عين المقذوقات ) عن سعيد بن عبد العزيز أنه قال كان في زمن بني اسرائيل في بيت المقدس عند عين سلوان عين وكانت المرأة اذا قذفت اثوابها اليها فشربت منها فإن كانت برئية لم يضرها وإن كانت غير بريئة طعنت فماتت فلما حملت مريم عليها السلام أتوا بها وحملوها على بغلة فعثرت بها فدعت الله أن يعقم رحمها فعقمت من يومئذ فلما أتتها وشربت منها لم تزدد إلا خيرا فدعت الله أن لا يفضح بها أمرأة مؤمنة فغارت تلك العين من يؤمئذ ( بئر ايوب ) وهو بالقرب من عين سلوان نسبته إلى سيدنا أيوب عليه السلام وحكى صاحب كتاب الانس في معنى هذه البئر قال قرأت بخط ابن عمي أبي محمد القاسم واجازه لي قال قرأت في بعض التواريخ إنه ضاق الماء في القدس بالناس فاحتاجوا إلى بئر هناك فنزلوها طولها ثمانون ذراعا وسعة رأسها بضعة عشر ذراعا وعرضها اربعة أذرع وهي مطوية بحجارة عظيمة كل حجر منها خمسة اذرع واقل واكثر في سمك ذراعين وذراع فعجبت كيف نزلت هذه الحجارة إلى ذلك المكان وماء العين بارد خفيف ويستقى منها الماء طول السنة من ثمانين ذراعا واذا كان في الشتاء فاض ماؤها وفار حتى يسيح على وجه الأرض في بطن الوادي وتدور عليه ارحية تطحن الدقيق فلما احتيج اليه وإلى عين سلوان نزلت إلى قرار البئر ومعي جماعة من الصناع لأثقبها فرأيت الماء يخرج من حجر يكون قدره نحو ذراعين في مثلها وبها مغارة فتح بابها ثلاثة أذرع في ذراع ونصف يخرج منها ريح بارد شديد البرد وأنه حط فيه الضوء فرأى المغارة مطوية السقف بحجر ودخل إلى قريب منها ولم يثبت له الضوء فيها من شدة الريح الذي يخرج منها وهذه البئر في بطن الوادي والمغارة في بطنها وعليها وحولها من الجبال العظيمة الشاهقة ما لا يمكن لانسان ان يرتقي عليها إلا بمشقة وهي التي قال الله تعالى لنبيه أيوب عليه السلام ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ) انتهى كلامه وهذه البئر مشهورة معروفة في كل سنة عند قوة الشتاء وكثرة الأمطار يفور الماء منها حتى يصير كالنهر الجاري ويسيح إلى مسافة بعيدة ويستمر على هذه الحالة عدة أيام كالشهر ونحوه وهو من العجائب وكان في بيت المقدس ست برك عملها حزقيل أحد ملوك بني اسرائيل منها ثلاثة في المدينة بركة بني اسرائيل وبركة سليمان وبركة عياض وثلاثة خارج المدينة بركة ماملا وبركتا المرجيع جعل ذلك خزائن للماء لأهل بيت المقدس قلت اما بركة بني اسرائيل فهي موجودة مشهورة وهي شمالي المسجد الأقصى بلصق سورة بين باب الأسباط وباب حطة ومنظرها مهول وهي من العجائب وأما بركة سليمان وبركة عياض فلا أعرفهما ولم اطلع على شيء يدل عليهما ولكن بداخل القدس بركتان أحداهما بخط مرزبان وهي لجمع الماء المتحصل لحمام علاء الدين البصير وهي بجواره والثانية بحارة النصارى لجمع الماء المتحصل لحمام البترك وقف الخانقاه الصلاحية فيحتمل انهما البركتان المذكورتان والله أعلم وأما بركة ماملا فهي موجودة مشهورة وهي التي في وسط مقبرة ما ملا وأما بركتا المرجيع منها بالقرب من قرية ارطاس وهما موجودتان ينتفع بهما في خزن الماء الواصل من قناة السيل إلى القدس الشريف ومسافتهما عن القدس نحو نصف بريد والله اعلم وسبب تسمية مكانهما بالمرجيع ان سيدنا يوسف عليه السلام لما أخذه اخوته والقوه في الجب مروا به على قبر امه وهو بالقرب من المرجيع فلما رأى قبرها وهم طالعون ألقى نفسه عن الناقة وقال يا أماه ارفعي رأسك وانظري ما حل بولدك من البلاء وفقدوه فرجعوا فسمي المرجيع من ذلك اليوم فلما رجعوا لطموا وجهه وحملوه والقوه في الجب كما هو مشهور في القصة والله أعلم وبظاهر مدينة القدس الشريف من كل جهة كروم بها من أنواع الفواكه من العنب والتين والتفاح وغيره وأحسن الأماكن أرض تعرف بالبقعة ظاهر القدس الشريف من جهة الغرب إلى جهة القبلة وقف الملك صلاح الدين على خانقاه الصوفية وفي هذه البقعة وغيرها أيضا قصور مبنية بالبناء المحكم وملاكها في كل سنة يقيمون بها في زمن الصيف مدة أشهر اقامة استيطان وينفقون أموالا كثيرة ولم يكن في الزمن السالف ببيت المقدس من شجر النخل إلا نخلة واحدة ويقال إنها هي المذكورة في القرآن العظيم في شأن مريم عليها السلام وهي منحنية قال القرطبي ويقال انها غرست منذ الف سنة وزيادة وأما في عصرنا فكان في المسجد الأقصى ثلاث نخلات منها واحدة كانت عند المسطبة التي إلى جانب سبيل السلطان غربي الصخرة زالت بعد الثمانين والثمانمائة واثنتان باقيتان إلى اليوم احداهما عند باب الرحمة والثانية قبلي صحن الصخرة تعرف بنخلة النبي صلى الله عليه وسلم قيل أنه رؤي عندها والله أعلم ( دير أبي ثور ) وإلى جانب البقعة من جهة الشمال قرية تعرف بدير أبي ثور وهي قرية صغيرة بها دير من بناء الروم يعرف قديما بدير مارقوص ثم عرف بدير أبي ثور نسبة للشيخ أحمد الشهير بأبي ثور وكان صالحا وقد وقف الدير عليه وعلى ذريته الملك العزيز أبو الفتح عثمان بن الملك صلاح الدين في سنة اربع وتسعين وخمسمائة ولما توفي الشيخ أحمد أبو ثور دفن بها وقبره موصوف يزار ويتبركون به وله قرية معروفون وبعضهم مقيم بالقرية المذكورة وهي قريبة من باب المدينة المعروف الآن بباب الخليل ويأتي ذكر الشيخ أحمد أبي ثور وسبب تسميته بذلك في ترجمته بين الاعيان ان شاء الله تعالى ( طور زيتا ) وهو الجبل الشرقي عند بيت المقدس وهو جبل عظيم مشرف على المسجد الأقصى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أقسم ربنا بالتين والزيتون وطور زيتا وفي رواية عنه أقسم ربنا عز وجل بأربعة أجبل فقال ( والتين الزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ) فالتين مسجد دمشق الزيتون طور زيتا مسجد بيت المقدس وطور سنين حيث كلم الله موسى عليه السلام وهذا البلد الأمين مكة وتقدم عنذ ذكر الصحابة ان صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قدمت بيت المقدس فصلت به وصعدت طور زيتا فصلت وقامت على طرف الجبل فقالت من ها هنا يتفرق الناس يوم القيامة إلى الجنة والى النار وهذا الجبل هو الذي صعد منه عيسى عليه السلام إلى السماء حين رفعه الله اليه وعلى رأس كنيسة من هيلانة وفي وسطها قبة ويقال انها مصعد عيسى ' ع ' وقد استهدمت الكنيسة والنصارى يعظمون هذا المكان تعظيما زائدا وبطور زيتا شجرة خرنوب عندها مسجد لطيف وتحت المسجد مغارة مأنوسة ويقصد الناس هذا المكان للزيارة وتسمى هذه الشجرة خزنوبة العشرة ولا أدري ما السبب في تسميتها بذلك ولكن اشتهر هذا الاسم عندالناس والله أعلم بحقيقة الحال ويسمى جبل بيت المقدس وهو طور زيتا جبل الخمر - بفتح الخاء والميم - وهو كثير الشجر والظل ولما فتح الملك صلاح الدين بيت المقدس وقف أرض طور زيتا على الشيخ الصالح ولي الدين أبي العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن داود الهكاري وعلى الشيخ الامام الزاهد أبي الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الهكاري سوية بينهما ثم على ذريتهما تاريخ كتاب وقفه في السابع عشر من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وخمسمائة ( قبر مريم عليها السلام ) وهو في كنيسة في داخل جبل طور زيتا تسمى الجيسمانية بخارج باب الأ سباط وهو مكان مشهور يقصده الناس للزيارة من المسلمين والنصارى وهذه الكنيسة من بناء هيلانة أم قسطنطين كما تقدم وتقدم عند ذكر القلعة لفظ الأثر الوارد في قبر مريم حين اسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ورووي ان عمر رضي الله عنه لما فتح بيت المقدس مر بكنيسة مريم التي في الادي فصلى بها ركعتين ثم ندم لقوله صلى الله عليه وسلم هذا واد من اودية جهنم ثم قال وما كان اغنى عمر أن يصلي في واد جهنم وعن كعب الأحبار أنه قال لا تأتوا كنيسة مريم التي ببيت المقدس - أي كنيسة الجيسمانية - والعمودين اللذين في كنيسة الطور فإنهما طواغيت ومن اتاهما حبط عمله وبالقرب من قبر مريم في الوادي المعروف بوادي جهنم بذيل جبل طور زيتا قبة من بناء الروم يسميها الناس طرطور فرعون ويرجمونها بالأحجار وبالقرب منها بذيل الجبل أيضا قبة أخرى من الصخر يقال لها كوفية زوجة فرعون واشتهر عند الناس ذلك وقد قيل ان القبة الأولى قبر زكريا وان الثانية قبر يحيى عليهما السلام ورأيت منقولا بخط بعض العلماء ان يحيى وزكريا عليهما السلام مدفونان ببيت المقدس بذيل جبل طور زيتا بمقابر الأنبياء وهو مما يعضد هذا القول وقيل إن قبر يحيى وزكريا بقرية سبسطية من ارض نابلس وقيل بجامع دمشق والله أعلم ( الساهرة ) وهو البقيع الذي إلى جانب طور زيتا من جهة الغرب وعن إبراهيم بن أبي عبلة في قوله تعالى ( فإذا هم بالساهرة ) قال البقيع الذي إلى جانب طور زيتا قريبا من مصلى عمر معروف بالساهرة وفي حديث ابن عمر ان ارض المحشر تسمى الساهرة واصل الساهرة الفلاة ووجه الأرض وقيل الأرض العريضة البسيطة والساهرة عند العرب الأرض التي تبعث سالكها على السهر للسرى فيها لينجو منها ومعنى الساهرة ارض لا ينامون عليها ويسهرون قلت وهذا البقيع المعروف بالساهرة ظاهر مدينة القدس الشريف من جهة الشمال وبه مقبرة يدفن فيها موتى المسلمين وبها جماعة من الصالحين والمقبرة مرتفعة على جبل عال ( الأدهمية ) وسفل هذا الجبل كهف من العجائب وهو زاوية للفقراء الأدهمية داخل تحت هذا الجبل في صخرة عظيمة وتسمى مغارة الكتان والمقبرة التي هي الساهرة علو سقف هذه المغارة بحيث أنه لو أمكن حفر القبور من اسفلها لنفذ إلى الكهف الذي هو زاوية الأدهمية ولكن المسافة بعيدة فإن الصخرة سمكة ضخمة جدا ويلغز في هذا بأن يقال احياء تحت أموات وهذا لأمر مشاهد عيانا وقد عمر هذه الزاوية الأمير منجك نائب الشام ووقف عليها هو وغيره من اهل الخير وفيها قبور جماعة من الصالحين وعليها الأنس والوقار ( مغارة الكتان ) ومقابل الساهرة من جهة القبلة تحت سور المدينة الشمالي مغارة كبيرة مستطيلة وتسمى مغارة الكتان أيضا يقال إنها تصل إلى تحت الصخرة الشريفة ودخلها جماعة وحكوا عنها أشياء من الأمور المهولة وأما ما بظاهر بيت المقدس من المقابرة والمغائر المعدة لدفن أموات المسلمين فأولها مقبرة باب الرحمة وهي بجوار سور المسجد الشرقي فوق وادي جهنم وهي مأنوسة لقربها من المسجد وهي أقرب الترب إلى المدينة وفيها قبر شداد ابن أوس الانصاري مشهور وغيره من العلماء والصالحين وقد جدد فيها تربة في أولها من جهة الشمال عمرها الأمير فانصوه اليحياوي كافل المملكة الشامية حين كان مجاورا بالقدس الشريف وبناؤها يشتمل على ايوان وبه مدفنان من جهتي الشرق والغرب ودفن بها من توفي من أولاده ثم أفرج عنه وسافر من القدس الشريف في مستهل شوال سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة ولم تكمل عمارتها فلما استقر في نيابة الشام ثانيا جهز مالا لعمارتها فأكملت ببناء الحوش الشمالي والبوابة وحفر الصهريج وبنى المتوضأ وكملت عمارها في سنة خمس وتسعين وثمانمائة وصارت مشهورة ومقبرة الساهرة - وتقدم ذكرها - وهي شمالي البلد ومقبرة الشهداء بالقرب من مقبرة الساهرة إلى جهة الشرق وهي مقبرة لطيفة لقلة من يقصد الدفن فهيا فإنه لا يدفن فيها من أهل البلد إلا قليل من الناس ومقبرة ماملا وهي بظاهر القدس من جهة الغرب وهي أكبر مقابر البلد وفيها خلق من الأعيان والعلماء والصالحين والشهداء وتسميتها بماملا قيل إنما اصله مما من الله وقيل باب الله ويقال زيتون الملة وروي عن الحسن أنه قال من دفن في بيت المقدس في زيتون الملة فكأنما دفن في سماء الدنيا واسمها عند اليهود بيت لمواء وعند النصارى بابيلا والمشهور على ألسنة الناس ما ملا القلندرية وبوسط هذه المقبرة زاوية تسمى القلندرية بها ابنية عظيمة وكانت هذه الزاوية كنيسة وهي من بناء الروم وتعرف بالدير الأحمر وللنصارى فيها اعتقاد فقدم إلى بيت المقدس رجل اسمه الشيخ إبراهيم القلندري وأقام بها جماعة من الفقراء فنسبت اليه وسميت بالقلندرية وكانت في عصره الست طنشق بنت عبد الله المظفرية التي عمرت الدار الكبرى المعروفة بدار الست بالعقبة التي بالقرب من باب الناظر فكانت تحسن إلى الشيخ إبراهيم وعمرت في الزاوية المذكورة قبة محكمة البناء على قبر أخيها بهادر وهي باقية إلى يومنا ( صورة ) وعمرت الحوش المحيط بها وكانت عمارته في سنة اربع وتسعين وسبعمائة وتوفيت بالقدس الشريف في يوم السبت في شهر ذي القعدة سنة ثمانمائة ودفنت بتربتها التي أنشأتها بعقبة الست تجاه الدار الكبرى رحمهما الله تعالى وكان بالزاوية القلندرية جماعة مقيمون ولا وقف لها وقد خربت الزاوية وسقطت في زمن قريب في سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة واستمرت خرابا إلى يومنا وبها يدفن الاعيان من الأمراء ممن يرد إلى ببيت المقدس وغيرهم وأرض هذه القلندرية ومعظم أرض ماملا صخر أصم وحفر القبور فيها بمشقة زائدة زاوية الكبكية وبمقبرة ماملا قبة محكمة البناء تعرف بالكبكية نسبتها للأمير علاء الدين آيد غدى ابن عبد الله الكبكي المدفون بها ووفاته في يوم الخميس خامس شهر رمضان سنة ثمان وثمانين وستمائة ( بيت لحم ) قريبة من القدس وهي عنها نحو ربع بريد من جهة القبلة وبها ولد سيدنا عيسى عليه السلام وقد ورد في حديث المعراج الشريف ان جبريل ' ع ' قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أسرى به انزل فصل فنزل فصلى قال أتدري أين صليت ؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يبعث بزيت يسرج في بيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام وهذه القرية غالب سكانها في عصرنا نصارى وبها كنيسة محكمة البناء بها ثلاث محاريب مرتفعة أحدها موجه إلى جهة القبلة الشريفة والثاني إلى جهة الشرق والثالث إلى جهة الصخرة الشريفة وسقفها خشب مرتفع على خمسين عمودا من الصخر الأصفر الصلب غير السواري المبنية بالأحجار وأرضها مفروشة بالرخام وعلى ظاهر سقفها رصاص في غاية الأحكام وهذه الكنيسة من بناء هيلانة والدة قسطنطين - كماتقدم - وفيها مكان مولد عيسى عليه السلام وهو في مغارة بين المحاريب الثلاثة وللنصارى فيها اعتقاد ويرد اليها من بلاد الافرنج وغيرها الأموال لها وللرهبان المقيمين بالدير المجاور للكنيسة ( قبة راحيل ) وبين بيت المقدس وبيت لحم قبة راحيل والدة سيدنا يوسف الصديق عليه السلام وهو إلى جانب الطريق بين بيت لحم وبيت جالا في قبة موجهة لجهة الصخرة وهي مشهورة تزار وقد قيل إن تسمية بيت لحم وكذلك بقية القرى مما حول بيت المقدس كبيت جالا وبيت نوبة وكل مكان أوله بيت إنما سمي بذلك لأنه كان مسكنا لبي من أنبياء لنبي اسرائيل فيقال بيت فلان نسبة لساكنه والله أعلم وبظاهر بيت المقدس عدة أماكن ومشاهد مشهورة مقصودة للزيارة يطول ذكرها ويخرجنا عن حد الاختصار وفيما ذكر كفاية والله الموفق وهو حسبي وكفى ( ذكر رملة فلسطين ) قد تقدم في أول الكتاب عند الكلام على تفسير سورة الاسراء ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( باركنا حوله ) فلسطين والأردن وتقدم ذكر الاردن وهو النهر المسمى بالشريعة شرقي بيت المقدس مسافته عنه نحو يوم وروي عن سعيد بن المسيب ومقاتل في قوله تعالى ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قيل هي الرملة وقال السدي هي ارض فلسطين وتقدم قول ابن عباس وقتادة وكعب إنها بيت المقدس وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اكرموا الرملة - يعني فلسطين - فإنها الربوة التي قال الله تعالى فيها ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) وفي حديث المعراج قال صلى الله عليه وسلم ثم أخذني جبريل ولم نزل نسير من سماء إلى سماء فما مررت بشيء في الأرض ولا في السماوات إلا ومكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى انتهيت إلى سماء الدنيا ففتح لنا بابها وإذا الليل على حاله لم ينقص منه شيء ثم نظرت إلى الأرض وإذا بروضتين خضراوين ونكتتين سوداوين فقلت يا أخي يا جبريل ما هاتان الروضتان الخضراوان والنكتتان السوداوان ؟ قال يا محمد أما الروضتان الخضراوان فإنهما دمشق وفلسين وأما النكتتان السوداوان فأرمينية واذربيجان ثم حملني حتى انزلني على جبل بيت المقدس وإذا أنا بالبراق واقف على حاله في موضعه الذي تركته فيه لم يتقدم ولم يتأخر وذكر تمام القصة وقسمت الأوائل الشام خمسة أقسام الشام الأولى فلسطين واوسط بلدها الرملة والشام الثانية حوران ومدينتها العظمى طبرية والشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق والشام الرابعة حمص والشام الخامسة قنسرين ومدينتها العظمى حلب وفلسطين - بكسر الفاء وفتح اللام - وسميت بذلك لأن أول من نزلها فلسطين بن كيسوحين بن لقطين بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام وأول حدود فلسطين من طريق مصر أمج قال أبو محمود لعله رمخ وهو العريش ثم يليها غزة ثم رملة فلسطين ومن مدن فلسطين ايليا وهي مدينة بيت القدس الشريف بينها وبين الرملة ستة فراسخ ثمانية عشر ميلا صخار ووهاد ومن مدنها أيضا عسقلان ولد وسبسطية ونابلس ومدينة سيدنا الخليل عليه السلام ومسافة فلسطين طولا من أمج إلى حد اللجون للراكب المجد يومان وأما سير الأثقال فأكثر من أربعة أيام وعرضها من يافا إلى اريحا مسافة يومين وأما مدينة الرملة وهي واسطة بلد فلسطين فانها في أرض سهلة وهي كثيرة الأشجار والنخل وحولها كثير من المزارع والمغارس وفيها أنواع الفواكه وظاهرها حسن المنظر وهي من جملة الثغرو فإن البحر المالح قريب منها مسافته عنها نحو نصف بريد من جهة الغرب وكانت في الزمن السالف في عهد بني اسرائيل مدينة عظيمة البناء متسعة وكان جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بجانب فلسطين - كما تقدم عند ذكر سيدنا داود عيه السلام - وتقدم ان سيدنا يونس ' ع ' أقام بالرملة ثم توجه إلى بيت المقدس يعبد الله تعالى وأما صفة مدينة الرملة قديما قبل الإ سلام وبعده إلى حدود الخمسمائة فكان بها سور محيط بها وكان لها قلعة واثنا عشر بابا منها باب القدس وباب عسقلان وباب يافا وباب نابلس ولها أربعة أسواق متصلة من أربعة أبواب إلى وسطها وهناك مسجد جامعها فمن باب يافا يدخل في سوق القماحين وهو متصل بسوق البصالين حتى يتصل بمسجد جامعها وهي أسواق كانت حسنة يباع فيها أنواع السلع ويتصل بباب القدس سوق القطانين إلى سوق المشاطين للكتان إلى سوق العطارين إلى المسجد الجامع ويتصل بسوق الحبابين من باب يازور ثم سوق الخرازين ثم البقالين إلى المسجد الجامع ويتصل بباب آخر من ابوابها سوق الصياقلة ثم سوق السراجين إلى المسجد الجامع ويقال أن الرملة كانت أربعة آلاف ضيعة وتقدم ان السلطان الملك الناصر صلاح الدين هدم قلعتها وهدم مدينة اللد في شهر رمضان سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأما في عصرنا فلم يبق أثر لتلك الأوصاف التي بالرملة وقد زالت أسوارها وأسواقها القديمة لاستيلاء الافرنج عليها نحو مائة سنة ولم يبق من المدينة ثلثها بل ولا بعها وبني فيها مساجد ومنابر مستجدة من زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون وبعده والموجود الآن من الابنية في المدينة معظمه خراب مستهدم وقد صار المسجد الجامع القديم بظاهر المدينة من جهة الغرب وصار حوله مقبرة وقد بنى فيه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون منارة وهي من عجائب الدنيا في الهيئة والعلو وذكر المسافرون انها من المفردات ليس لها نظير وكان الفراغ من بناءها في نصف شعبان سنة ثمانية عشر وسبعمائة ولم يبق حول الجامع المذكور من الابنية القديمة سوى حارة بجواره من جهة الشمال حكمها حكم القرى وأما المدينة فصارت منفصلة عنه وهذا الجامع بناء بعض الخلفاء الامويين وهو سليمان بن عبد الملك - المتقدم ذكره - لما ولي الخلافة في سنة ست وتسعين من الهجرة الشريفة وهو جامع متسع مأنوس عليه الابهة والوقار والنورانية ويعرف في عصرنا وقبله بالجامع الأبيض وفي صحنه السماوي مغارة تحت الأرض مهيبة يقال أن بها دفن سيدنا صالح النبي عليه السلام وتقدم ذكر ذلك ثم جدد عمارة الجامع الأبيض في زمن الملك الناصر صلاح الدين على يد رجل من دولته اسمه الياس بن عبد الله أحد جماعة الأمير علم الدين قيصر عين الأمراء بالدولة الصلاحية كانت عمارته في سنة ست وثمانين وخمسمائة ثم لما فتح الملك الظاهر بيبرس يافا في سنة ست وستين وستمائة عمر القبة التي على المحراب والباب المقابل للمحراب وهو المجاور للمنبر الذي يخطب عليه للعيد وعمر المنارة القديمة وقد زالت وبنى عوضها المنارة الموجودة الآن وأما المدينة يومئذ فقد تقهقرت ونقصت جدا وقل ساكنها ومع ذلك فهي مقصودة للبيع والشراء ولا تخلو من بركة في معيشتها ببركة أرضها وسكانها من الأنبياء والصحابة والعلماء والأولياء فإن فيها السيد الجليل الفضل بن العباس رضي الله عنهما وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان والده العباس يكنى به وهو الذي غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي - كما تقدم - ووفاته في طاعون عمواس في سنة ثمانية عشر من الهجرة الشريفة وهو في مشهد يقصد للزيارة وقد بنى عليه الأمير شاهين الكمالي استادا الرملة منارة وجعل فيها مسجدا جامعا تقام فيه الجمعة والجماعة ووقف عليه أماكن ورتب فيه وظائف وكانت عمارته سنة أربع وخمسين وثمانمائة وقد تلاشت أحوال المسجد في عصرنا وخرب معظم الوقف وتقدم ان عبادة بن الصامت رحمه الله كان قاضيا بها وهو أول من ولي قضاء فلسطين ومات بها واختلف في قبره فقيل بالرملة وقيل حمل إلى القدس فدفن به وهو أشهر ووفاته في سنة أربع وثلاثين من الهجرة - كما تقدم - وفيها الإمام المحدث أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي المعروف بدحيم أحد أصحاب الإمام أحمد رضي الله عنه كان قاضيا من قبل الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله العباسي خليفة بغداد تغمده الله تعالى برحمته ثم عينه لقضاء مصر وأمره بالتوجه اليها فعاجلته المنية فتوفي بالرملة ولم يعرف قبره ووفاته في رمضان سنة خمس وأربعين ومائتين وفيها الإمام المحدث الحافظ أبو عبد الرحمن ابن شعيب النساي أحد أئمة الدنيا في الحديث مولده في سنة اربعة عشر ومائتين ووفاته بالرملة في ثالث عشر صفر سنة ثلاث وثلاثمائة وهو الذي قدمه السبكي في طبقات الشافعية الوسطى وقبره يقال انه بظاهر الجامع الأبيض بلصق حائطه من جهة الشرق في حوش هناك وقيل أنه في عكا والله أعلم وتوفي وله ثمان وثمانون سنة وفيها من الأولياء الشيخ القدوة الزاهد العابد ولي الله تعالى أبو عبد الله محمد البطائحي صالح مشهور للناس فيه اعتقاد ووفاته في يوم الجمعة العاشر من شهر صفر سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وقبره في مشهد بحارة الباشقردي وعليه من الأنس والهيبة والوقار ما لا يكاد يوصف والدعاء عنده مستجاب وقد جربت ذلك وكان الضريح قبل ذلك تحت السماء فبني عليه ايوان في سنة اربع وسبعين وثمانمائة وقد وهم كثير من الناس في أمره فظن انه الشيخ عبد الله البطائحي صاحب السيد عبد القادر الكيلاني وليس كذلك فإن السيد عبد القادر رحمه الله مولده في سنة احدى وسبعين واربعمائة بعد وفاة الشيخ عبد الله هذا بمائة وأربعة عشر سنة فظهر من ذلك أن صاحب السيد عبد القادر غير هذا بلا إشكال والشيخ محمود العدوي صالح مشهور له كرامات ظهرت وكان موجودا في سنة ثمان وستين وستمائة وقبره في مشهد بحارة العنابة يقصد للزيارة والشيخ القدوة صاحب الكرامات المشهورة أبو العباس أحمد الأشموني المشهور بالغني صالح مشهور من أولياء الله كان موجودا في سنة خمس عشر وثمانمائة وقبره في مشهد عند سوق الفاكهين وعليه الوقار والجلالة وفي الرملة عدة من الأولياء والعلماء والصالحين يطول الفصل بذكرهم والله الموفق ( ذكر لد ) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال يقتله عيسى ابن مريم بباب لد ففي هذا الحديث فضيلة تلك الأرض المقدسة لأنهم يقاتلون مع نبي الله صلى الله عليه وسلم الأعور الدجال وتقدم عند ذكر الفضائل صفة الدجال وما ورد في أمره وقتل المسيح له عند باب لد بأبسط من هذا وكانت لد في الزمن السالف منزلا جميلا فيه ناس يعمرونه وفيه كانت تنزل الرفاق والقافلة الواصلة من مصر إلى الشام وكانت بلد كنيسة محكمة البناء واسعة الفناء عليها للنصارى أوقاف كثيرة ولهم فيها اعتقاد إلى يومنا وقد خربها الملك صلا ح الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه وقد صارت البلد يؤمئذ قرية كبقية القرى ولكنها حسنة المنظر وظاهرها بهيج وهي بظاهر الرملة من جهة الشمال على مسافة قريبة وفيها جامع مأنوس وكان كنيسة وهو من بناء الروم وعليه الابهة والنورانية وبه منارة مرتفعة وبظاهر لد من جهة الشرق مشهد يقال أن به قبر أبي محمد عبد الرحمن بن عوف الصحابي رضي الله عنه ووفاته في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة الشريفة وقد تقدم أنه توفي بالمدينة الشريفة وأن قبره بالبقيع ولكن المشهور عند أهل تلك النواحي انه بلد في المشهد المعروف والله أعلم وبظاهر الرملة من جهة الغرب بالقرب من البحر المالح مشهد يقال أن به ضريح سيدنا روبيل بن يعقوب عليهما السلام وهو مكان مأنوس يقصد للزيارة وفي كل سنة له موسم يجتمع الناس فيه من الرملة وغزة وغيرهما ويقيمون أياما وينفقون أموالا كثيرة ويقرأ هناك القرآن العظيم والمولد الشريف والذي عمر المشهد سيدنا ومولانا ولي الله تعالى الشيخ شهاب الدين ابن رسلان تغمده الله برحمته ومن الاولياء المشهورين بأرض فلسطين السيد الجليل الكبير وسلطان الاولياء وقدوة العارفين وسيد أهل الطريقة المحققين صاحب القمامات والمواهب والكرامات والخوارق الباهرات المجاهد في سبيل الله الملازم لطاعة الله أبو الحسن علي بن عليل وهو المشهور عند الناس بابن عليم - بالميم - وأما نسبه الصحيح الثابت عليل - بالام - صاحب الكرامات المشهورة والمناقب الظاهرة وشهرته تغني عن الاطناب في ذكره والاستقصاء في ترجمته فإن صيته كضوء النهار لا يخفى على أحد ونسبه متصل بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو علي بن عليل بن محمد بن يوسف بن يعقوب بن عبد الرحمن بن السيد الجليل الزاهد العابد الصوام القوام الصحابي عبد الله ابن مولانا وسيدنا أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب القرشي رضي الله عنه وعن اصحاب رسول الله أجمعين وضريح السيد علي بن عليل بشاطيء البحر المالح بساحل أرسوف وعليه مشهد عظيم مأنوس وبه منارة مرتفعة وأهل تلك النواحي بأسرها في حفظه وبركة سره ومن مناقبه أن الأفرنج يعتقدون فيه ويعترفون بصلاحه وقد أخبرت أن الأفرنج اذا اقبلوا على ضريحه وهم في البحر كشفوا رؤسهم ونكسوها نحوه رضي الله عنه وكانت وفاته في يوم السبت لاثني عشرة خلت من ربيع الأول سنة أربع وسبعين واربعمائة ولما نزل الملك الظاهر بيبرس يوم فتح يافا وأرسوف زاره ونذر النذور والأوقاف ودعا عند قبره فيسر الله له فتح البلاد وفي كل سنة له موسم في زمن الصيف يقصده الناس من البلاد البعيدة والقريبة ويجتمع هناك خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى وينفقون الأموال الجزيلة ويقرأ عنده المولد الشريف وفي عصرنا ولي النظر عليه سيدنا ومولانا وشيخنا ولي الله تعالى قدوة العباد وإمام الزهاد وبركة الوجود والعباد شمس الدين أبو العون محمد الغزي القاري الشافعي نزيل جلجوليا شيخ السادة القادرية بالمملكة الاسلامية متع الله الانام بوجوده فعمر المشهد وأقام نظامه وشعاره وفعل آثارا حسنة منها الرخام المركب على الضريح الكريم عمله في سنة ست وثمانين وثمانمائة وكان قبله يعمل عليه ضريح من خشب وحفر البئر الذي بصحن المسجد حتى وصل إلى الماء المعين ثم عمر برجا على ظهر الايوان من جهة الغرب للجهاد في سبيل الله تعالى ووضع فيه آلات الحرب لقتال الافرنج - خذلهم الله - وكانت عمارته بعد التسعين والثمانمائة وغير ذلك من أنواع العمارة والخير أثابه الله تعالى ثوابا جزيلا ومد في حياته أمدا طويلا وتوفي شيخنا أبو العون الغزي في ربيع الآخر سنة عشر وتسعمائة بمدينة الرملة وبأرض فلسطين عدة من الأولياء والصالحين والأماكن المقصودة للزيارة والمقصود هنا الاختصار والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( ذكر عسقلان ) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أني أريد الغزو في سبيل الله فقال عليك بالشام فإن الله تعالى قد تكفل بالشام وأهله والزم من الشام عسقلان فإنها اذا دارت الرحا في أمتي كان أهلها في عافية وقد ورد فيها أحاديث غير هذا ضعفها الحافظ أبو محمد وأكذب رواتها وتقدم أن عسقلان كانت من احسن المدن وأظرفها وقد خربها الملك صلاح الدين في شهر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة واستمرت إلى يومنا لم تعمر وبها مشهد عظيم بناه بعض الفاطميين من خلفاء مصر على مكان زعموا أن رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما به وبسعقلان أماكن تقصد للزيارة وهي على شاطيء البحر المالح وقد ألف الحافظ ابن عساكر جزءا في فضلها ( ذكر غزة ) عن مصعب بن ثابت عن ابن الزبير يرفعه طوبى لمن سكن احدى القريتين عسقلان وغزة وهي من أحسن المدن المجاورة لبيت المقدس وفيها ولد سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام وهي من الثغور فإن البحر قريب منها وبها كثير من الأشجار والنخل وحولها كثير من المغارس والمزارع وفيها أنواع الفواكه وهي من أحسن مدن فلسطين وفيها خلق ممن سلف من العلماء والصالحين وتقدم أن الإمام الأعظم محمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه ولد بها وموضع مولده معروف يقصد للزيارة ولو لم يكن لغزة من الفخر إلا مولد النبي سليمان والإمام الشافعي بها لكفاها ( ذكر أريحا ) قال الله تعالى إخبارا عن رسوله موسى عليه الصلاة والسلام ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) قال ابن عباس وعكرمة والسدي هي أريحا وهي مدينة الجبارين التي تقدم ذكرها عند قصة سيدنا موسى عليه السلام - كما تقدم ذكره - وهي شرقي بيت المقدس بالقرب من نهر الاردن وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرج اليهود من المدينة فخرجوا إلى الشام وإلى أذرعات واريحا ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته من أرض الحجاز إلى تيما واريحا وقد صارت أريحا في هذه الأزمنة قرية من قرى بيت المقدس وهي إقطاع لمن يكون نائبا بالقدس الشريف ومن عجيب الاتفاق انها كانت من زمن بني اسرائيل سكن الجبارين وفي زمن الاسلام مختصة بحاكم الشرطة ( ذكر نابلس ) روى المشرف بسنده عن كعب قال أحب البلاد إلى الله الشام وأحب اشام إلى الله تعالى القدس وأحب القدس إلى الله تعالى جبل نابلس ليأتين على الناس زمان يتماسحونه بالحبال بينهم ونابلس مدينة بالأرض المقدسة مقابل بيت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه نحو يومين بسير الاثقال خرج منها كثير من العلماء الأعيان وهي كثيرة الأعين والأشجار والفواكه ومعظم الاشجار بضواحيها الزيتون وبها كثير من السامرة فإنهم يعتقدون أن القدس جبل نابلس وقد كذبوا وخالفوا جميع الامم في ذلك لعنهم الله وقد قيل إن سيدنا يوسف عليه السلام قبره بالقرب من نابلس وتقدم ذلك عند ذكره عليه السلام وبمدينة نابلس مشهد يقال إن به أولاد يعقوب عليهم السلام أجمعين وبضواحيها مشاهد كثيرة تنسب إلى جماعة من الانبياء عليهم السلام ومن الأنبياء المشهورين حول بيت المقدس السيد عازر ولعله العيزار بن هارون عليهما السلام قبره بقرية العازرية بظاهر القدس الشريف من جهة الشرق بالقرب من طور زيتا على طريق المار إلى سيدنا موسى الكليم عليه السلام وهو ظاهر في مشهد بالقرية يقصد للزيارة ويقال ان العيزار بن هارون إنما هو بقرية عورنا من أعمال نابلس وقيل انه عازر الذي أحياه المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام والله أعلم وأما شمويل عليه السلام فتقدم ذكره عند ذكر سيدنا داود عليه السلام وقبره بقرية ظاهر القدس الشريف من جهة الشمال على طريق السالك إلى رملة فلسطين على رأس جبل هناك وهو مشهور واسم القرية عند اليهود رامة ولو شرعنا نذكر الانبياء ممن كان ببيت المقدس وحوله من بني اسرائيل وغيرهم لطال الفصل فإن بعضهم لم يعرف له مكان معين وبعضهم يختلف فيه وإنما ذكرت من اشتهر وصار له موضع يقصد بالتواتر فإنه لم يثبت قبر نبي من الأنبياء سوى قبر نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بداخل الحجرة الشريفة وابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بداخل السور السليماني وما عداهما فهو بالظن لا بالقطع وقد روي عن كعب الاحبار رضي الله عنه أنه قال في بيت المقدس من قبور الانبياء الف قبر قال صاحب ( مثير الغرام ) يعني هي وما حولها فإن ثم قبورا ومعالم يرى أثرها ولا تعلم وكثير منها قد درس وخفي لاستيلاء الافرنج على البلاد مدة طويلة والله أعلم ( ذكر نبذة من أخبار مدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ) قد تقدم ذكر صفة المسجد الشريف الخليلي وما هو مشتمل عليه وأما المدينة واسمها جبرون وهي تجاه بيت المقدس مما يلي القبلة فمنظرها في غاية الحسن والنورانية وهي مستديرة حول المسجد من الجهات الاربع وبناؤها محدث بعد بناء السور السليماني وهو المسجد بزمن طويل فإن في زمن سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كانت المغارة في صحراء ولم يكن هناك بناء وكان الخليل عليه الصلاة والسلام مقيما بنمرى في مخيمه وهي بالقرب من بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام من جهة الشمال وهي أرض بها عين ماء وكروم وأستمر الحال على ذلك بعد وفاة الخليل وابنائه الأكرمين عليهم الصلاة والسلام إلى أن بني سيدنا سليمان السور على القبر الشريف ثم اختطت المدينة بعد ذلك وكان من أمرها ما حكي أن امرأة من بني اسرائيل تسمى دبورا زوجة العبدوق من سبط أقرام ملكت تلك الأرض وادعت النبوة واطاعها الناس وعمرت الرامة وكانت تجلس بين الرامة وايلة وتحكم في بني اسرائيل وكان بالرامة رجل من ذوي الأموال من بني اسرائيل اسمه يوسف الرامي أدرك زمن عيسى عليه السلام وآمن به فبنى بالقرب من السور السليماني بيوتا للسكن تبركا بقرب الانبياء عليهم الصلاة والسلام فهو أول من اختط البناء حول السور ثم تتابع البناء قليلا قليلا فصارت هناك مدينة وهي محيطة بالمسجد من الجهات الأربع - كما تقدم - فبعضها مرتفع على رأس جبل وهي شرقي المسجد تسمى يسلون وبعضها منخفض في وادي وهي غربي المسجد والأماكن التي في العلو غالبها مشرف على الأماكن المنخفظة وشوارع المدينة بعضها سهل وبعضها وعر وبناؤها حكم بناء بيت المقدس بالاحجار الفص النحيت وسقفها عقود ليس في بنائها لبن ولا في سقفها خشب وقد تقدم أن الماضي من زمن رفع سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة المحمدية ألف واربعمائة سنة وثمانية وتسعون سنة فيعلم من ذلك التاريخ بناء مدينة سيدنا الخليل عليه السلام تقريبا لأن الباني لها وهو يوسف الرامي أدرك زمن عيسى عليه السلام كما تقدم والله أعلم وأما السور السليماني فتقدم أنه بني عقب بناء بيت المقدس فيعلم تاريخه من تاريخ بناء بيت المقدس وأما الحارات المشهورة فمنها حارة الشيخ علي البكا وهي منفصلة عن البلد من جهة الشمال وحارة الأكراد وهي مرتفعة على علو في سفح الجبل وحارة الجبارية وتعرف قديما بحارة الفستقة وحارة المشرفية وحارة السواكنة وحارة الحدابنة وضمنها حارة النصارى وحارة الشمابنة وحارة رأس قيطون وهي منفصلة عن البلد من جهة الغرب وحارة الدارية ومن جملتها حارة القصاروة وحارة اليهود وحارة الزجاجين وهذه الحارات محيطة بالمسجد - كما تقدم - فحارتان منها معتمدتان وهما حارة الدواية وهي غربي المسجد وفيها اسواق البلد ومنافعها وهي أحسن الحارات وحارة الأكراد وهي شرقي المسجد وفي البلد شوارع غير ذلك وإنما ذكرت المشهور منها وأما ما فيها من المدارس والزوايا والمشاهد فأحسنها زاوية الشيخ عمر المجرد وهي بحارة الأكراد وسنذكر ترجمة واقفها وتاريخ وفاته فيما بعد والمدرسة القيمرية عند باب المسجد الشمالي بالقرب من عين الطواشي وزاوية المغاربة بجوار عين الطواشي المذكورة والقلعة وهي حصن من بناء الروم بلصق المسجد من جهة الغرب وينسب وقفها إلى الملك الناصر حسن جعلها مدرسة وقد صارت في عصرنا مساكن لبعض أهل البلد وضريح السيد يوسف الصديق عليه السلام بداخلها كما تقدم القول فيه ووفاة واقفها الملك الناصر حسن في يوم الأربعاء تاسع جمادي الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة قتيلا وزاوية الشيخ علي البكا بالحارة المتقدم ذكرها وسنذكر تاريخ بنائها ووفاة الشيخ علي المجرد عند ذكر ترجمته إن شاء الله تعالى وزاوية القواسمهة بالقرب منها نسبة للشيخ أحمد القاسمي الجنيدي من ذرية أبي القاسم الجنيد وهو مدفون بها ومسجد بخط سوق الحصرية والزياتين ويعرف بمسجد ابن عثمان وعليه منارة وهو مأنوس ومشهد بالقرب من باب المسجد بخط سوق الغزل عند عين الطواشي به ضريح الشيخ يوسف النجار صالح مشهور والمدرسة الفخرية بالقرب من حارة الشعابنة وقد صارت مهملة والذي يظهر أن نسبتها لصاحب الفخرية بالقدس الشريف والله أعلم والرباط المنصوري تجاه باب القلعة وقف الملك المنصور قلاوون عمره في سنة تسع وسبيعين وستمائة والبيمارستان المنصوري وقف الملك المنصور قلاوون ايضا عمره في سنة ثمانين وستمائة وفيها عدة من الزوايا فمتى ذلك زاوية الشيخ إبراهيم المري وهي بين حارتي الأكراد والدارية وما هو بحارة الأكراد زاوية الشيخ عبد الرحمن الأرزرومي وزاوية البسطامية بجوار المسجد الجاولي من جهة الشمال وزاوية السمانية بجوار زاوية الشيخ عمر المجرد ومسجد الشيخ بهاء الدين الوفائي وزاوية أبي عقامة ورباط الطواشي وزاوية شيخون ورباط مكي وهو بحارة رأس قيطون وهي المنفصلة عن البلد من جهة الغرب - كما تقدم - وزاوية الشيخ رضوان وزاوية الشيخ خضر وزاوية الصلاطقة بجوار البركة وهي داخل زاوية الأدهمية وزاوية الرامي وزاوية الشيخ علي كنعوش الأدهمي ومسجد مسعود وزاوية الشيخ محمد البيضة وزاوية الموقع وزاوية الشيخ إبراهيم الحنفي وغير ذلك ومسجد رعونة بحارة الزجاجين وزاوية أبي كمال ظاهر المدينة ورباط الحماعيلي بحارة النصارى زاوية الخضر بالقرب من متوضأ المسجد زاوية الاعنص بحارة الحدابنة زاوية القادرية بظاهر البلد وقبة الزاهد بين حارة الشيخ علي البكا والمدينة وقد تفحصت عن معرفة اسماء الواقفين لذلك ومعرفة تواريخ أوقافهم لأذكرها كما وقع لي في مدارس بيت المقدس فلم اظفر بذلك لعدم وجود كتب وقفها ولعدم شيء يدل على الاطلاع على ذلك فإن غالب ما ذكرته قد صار مهملا لا نظام له وإنما ذكرته لاحاطة العلم به والله الموفق ( مشهد الأربعين ) وبظاهر البلد من جهة الغرب على رأس جبل هناك مسجد يسمى مشهد الأربعين يقال ان به اربعين شهيدا ولم أطلع على نقل لذلك والناس يقصدوه للزيارة وهو موضع مأنوس وفي المدينة من أعين الماء عين الطواشي على باب المسجد الشمالي بالقرب من السور ومنعها من قرية مجدل فصيل بقرب مدينة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام والقرية وقف على مصالح قناة العين والحوض الذي علي باب المسجد ووقفها منسوب إلى الأمير بكتمر الجوكندار وله ذرية بالقاهرة لهم التكلم عليها وهي أحسن الأعين واطيبها ماء وعين الخد أم وهي عند الباب الذي تدق عنده الطبلخانة منبعها من مكان يقال له خلة العيون بالقرب من زاوية الشيخ علي البكا وعين سارة بظاهر البلد بين الكروم ومنبعها قريب من حوضها وعين السميقة ومنبعها من وادي سارة وعين الحمام ومنبعها من وادي التفاح وماؤها يجتمع مع ماء السميقة لحاصل الحمام بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وعين حبرى ظهرت قريبا من نحو عشرين سنة عند المقبرة السفلى ومنبعها من تحت الجبل الذي على رأس مشهد الأربعين وبالقرب من زاوية الشيخ علي البكا بئر معين وإلى جانبه حوض سبيل أنشأ الأمير سيف الدين ابن سلار نائب السلطنة بالديار المصرية والممالك الشامية بمباشرة الأمير كبكلدي النجمي في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة اثنتين وسبعمائة حين بناء المنارة على زاوية الشيخ علي البكا وبظاهر البلد من المقابر المعدة لدفن اموات المسلمين المقبرة السفلى وهي القديمة وهي غربي البلد مما يلي حارة الدارية بالقرب من مشهد الأربعين ومقبرة تسمى تربة الرأس وهي من جهة الشرق مما يلي حارة الاكراد ومقبرة ثالثة بحارة سيدي الشيخ علي البكا تعرف بالبقيع وأما الكروم بظاهر المدينة فهي محيطة بها من كل جانب وفيها أنواع الفواكه أعظمها العنب وهي على صفة كروم بيت المقدس في غالبها قصور مبنية بالبناء المحكم وأهلها في كل سنة يقيمون بها في زمن الصيف مدة اشهر وبظاهر البلد أماكن وجها ت لا فائدة لذكرها وقد اقتصرت على ما ذكرته طلبا للاختصار والله الموفق ( إقطاع تميم الداري الذي أقطعه له النبي صلى الله عليه وسلم ) وهي الأرض التي بها بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وما حولها من الأرض وكتب له في ذلك في قطعة أديم من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بخطه وقد حكى المؤرخون لفظ الاقطاع على وجوه مختلفة وقد رأيت عند التكلم على الاقطاع المشار اليه القطعة الاديم التي يقال أنها من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد صارت رثة وفيها بعض أثر الكتابة ورايت معها ورقة مكتوبة في الصندوق الذي فيه القطعة الاديم منسوب خط هذه الورقة إلى أمير المؤنين المستنجد بالله العباسي تغمده الله برحمته كتب فيها نسخة الاقطاع وصورة ما كتبه المستنجد بخطه الحمد لله هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لتميم الداري واخوته في سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعة أديم من خف أمير المؤمنين علي وبخطه نسخته كهيئته رضي الله تعالى عنه وعن جميع الصحابة بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما انطاه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وأخوته حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهن نطية بت بينهم ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم فمن آذاهم آذاه الله فمن آذاهم لعنه الله شهد عتيق ابن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علي بن أبي طالب وشهد وقد نسخت ذلك من خط المستنجد بالله كهيئته ولعل هذا اصح ما قبل فيه والله اعلم واستمر هذا الاقطاع بيد ذرية تميم الداري يأكولونه إلى يومنا وهم مقيمون ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وهم طائفة كثيرة يقال لهم الدارية وهذا ببركات النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم عند ذكر الصحابة أن تميم الداري كان أميرا على بيت المقدس وقد تعرض بعض الولاة لآل تميم واراد انتزاع الأرض منهم ورفع أمرهم إلى القاضي أبي حاتم الهروي الحنفي قاضي القدس الشريف فاحتج الداريون بالكتاب فقال القاضي هذا الكتاب ليس بلازم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميما ما لم يملك فاستفتى الوالي الفقهاء وكان الامام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه حينئذ ببيت المقدس قبل استيلاء الافرنج عليه فقال هذا القاضي كافر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال زويت لي الأرض كلها وكان يقطع في الجنة فيقول قصر كذا لفلان فوعده صدق وعطاؤه حق فخري القاضي والوالي وبقي آل تميم على ما بأيديهم وكانت هذه الحادثة حين كان اللقاضي أبو بكر ابن العربي بالشام وتقدم في ترجمته أنه دخل إلى الشرق في سنة خمس وثمانين واربعمائة وقدم إلى الشام وبيت المقدس وأما حدود الأرض المقدسة فمن القبلة أرض الحجاز الشريف يفصل بينهما جبال الشورى وهي جبال منيعة بينها وبين ايلة نحو مرحلة وسطح أيلة هو حد الحجاز وهي من تيه بني اسرائيل وبينها وبين بيت المقدس نحو ثمانية أيام بسير الاثقال ومن الشرق من بعد دومة الجندل برية السماوة وهي كبيرة ممتدة إلى العراق ينزلها عرب الشام ومسافتها عن بيت المقدس نحو مسافة ايلة ومن الشمال مما يلي الشرق نهر الفرات على قول الحافظ شمس الدين محمد الذهبي مؤرخ الشام رحمه الله ومسافته عن بيت المقدس نحو عشرين يوما بسير الاثقال فتدخل في هذا الحد المملكة الشامية بكمالها ومن الغرب بحر الروم وهو البحر المالح ومسافته عن بيت المقدس من جهة رملة فلسطين نحو يومين ومن الجنوب رمل مصر والعريش ومسافته عن بيت المقدس نحو خمسة أيام بسير الاثقال ثم يليه تيه بني اسرائيل وطور سيناء ويمتد من تلك الجهة التي تبوك ثم دومة الجندل المتصلة بالحد الشرقي وأما الحدود المنسوبة لبيت المقدس عرفا مما يلي القبلة يطلق عليها عمل القدس الشريف ويسوغ لقضاة القدس الحكم فيه فمن القبلة عمل بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام يفصل بينهما قرية سعير وما حاذاها وهي من عمل القدس ومن الشرق نهر الأردن وهو المسمى بالشريعة ومن الشمال عمل مدينة نابلس يفصل بينهما قرية سنجل وعرزن وهما من أعمال القدس وتتمة الحد رأس وادي بني زيد وهو من اعمال الرملة ومن الغرب مما يلي رملة فلسطين قرية بيت نوبة وهي من أعمال القدس ومما يلي مدينة غزة قرية عجور وهي من أعمال غزة وأما الحدود المنسوبة عرفا لبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام فمن القبلة منزلة الملح على درب الحجاز الشريف وقباب الساوية وهي قرية منسوبة لبني ساوة وأمراء عرب جرن ومن الشرق قرية عين جدي من عمل بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وبحرة لوط وهذا الحد هو الفاصل بين عمل بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وعمل مدينة الكرك ومن الشمال عمل القدس الشريف يفصل بينهما قرية سعير وما حاذاها - كما تقدم - ومن الغرب من الجهة المحاذية لرملة فلسطين قرية زكريا وهي من أعمال الخليل عليه الصلاة والسلام ومن جملة الوقف الشريف المبرور ومن الجهة المحاذية لمدينة غزة قرية سيمح المجاورة لقرية السكرية وبلاد بني عبد وهي من أعمال الخليل عليه الصلاة والسلام وأما المسافة من بيت المقدس إلى بلد الخليل عليه الصلاة والسلام فهي تقرب من بريد فقيل انها ثلاثة عشر ميلا وقيل ثمانية عشر ميلا والله أعلم وقد تقدم في أول الكتاب عند الكلام على تسمية المسجد الأقصى أنه سمي بذلك لأنه وسط الدنيا لا يزيد ولا ينقص وتقدم عند ذكر الفضائل أن قوله تعالى ( واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ) المنادي هو اسرافيل عليه السلام ينادي من صخرة بيت المقدس بالحشر وهي وسط الدنيا وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال أوسط الارضين بيت المقدس وارفع الأرضين كلها إلى السماء بيت المقدس وعن ابن عباس ومعاذ بن جبل أقرب السماء إلى الأرض بيت المقدس باثني عشر ميلا وعن قتادة عن كعب بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا والقول بأن بيت المقدس وسط الأرض ظاهر فإن بيت المقدس اذ اعتبر امره وجد في وسط الأرض وسائر الممالك محيطة به من كل جهة فإنه يقابله من جهة القبلة اقليم الحجاز الشريف وبلاد اليمن ومملكة الهند وما والاها ومن جهة الشرق بغداد والعراق ومملكة العجم وما والاها ومن جهة الشمال البلاد الشامية ومملة الروم وما والاها ومن جهة الغرب الديار المصرية ومملكة الغرب وما والاها فظهر من هذا ان بيت المقدس في وسط الدنيا والله أعلم ( ذكر جماعة من أعيان ملوك الاسلام ممن ولي على بيت المقدس ) ( وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وفعل فيهما الخير ) ( وأنواع البر والعمارة ) وقد تقدم ذكر جماعة ممن ولي على بيت المقدس من الخلفاء أعظمهم وأجلهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فتحه وانفذه من أيدي الكفار وذكر بعض من كان بعده من بني أمية وبني العباس وجميع الفاطميين وتقدم ذكر جماعة من السلاطين بمصر أمثلهم واعلاهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن ايوب تغمده الله برحمته وهو أول الملوك بالديار المصرية بعد انقراض دولة الفاطميين ومن بعده من ملوك بني ايوب بمصر وغيرها وذكر ما فعل كل منهم من الخير والعمارة وفعل المعروف إلى زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي فتح القدس الفتح الأخير ثم بعد الملك الصالح ولي جماعة على الديار المصرية فلنذكرهم بأجمعهم من غير إخلال بأحد منهم وكل من له بالمسجد الأقصى ومسجد الخليل فعل خير وآثار حسنة ذكرت تاريخ ولايته والخليفة الذي كان في زمنه وتاريخ وفاته وما فعل في أيامه من الخير فيهما أو في الأرض المقدسة مما حولها ومن لم أطلع له على شيء من أفعال القربات ذكرت اسمه فقط لكونه ولي أمر بيت المقدس ودعى له على منبره من غير تعرض إلى ذكر تاريخه فإنه تطويل بلا فائدة فأقول - وبالله التوفيق والمستعان - وممن ولي الملك بالديار المصرية بعد الملك الصالح نجم الدين أيوب ولده الملك المعظم توران شاه وتقدم ذكره ثم ولي بعده الملك المعز ايبك التركماني أول ملوك الترك بمصر في سنة ثمان واربعين وستمائة فأقام خمسة ايام ثم خلع وولي بعده الملك الأشرف موسى وهو آخر ملوك بني أيوب بمصر ثم خلع في سنة اثنتين وخمسين وستمائة وأعيد الملك المعز ايبك ثم توفي قتيلا وولي بعده ولده المنصور نور الدين علي ثم خلع وولي بعده الملك المظفر قطز ثم قتل وولي بعده السلطان الملك الظاهر بيبرس وهو ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي النجمي ' البندقداري كان مملوكا لا يدكين البندقداري الصالحي ثم أخذه الملك الصالح من البندقداري فانتسب اليه دون استاذه استقر في السلطنة في شهر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة وكان من الملوك المعتبرين وتلقب اولا بالملك القاهر فقيل له أنه لقب غير مبارك ما تلقب به أحد فطالت مدته فغيره وتلقب بالملك الظاهر وهو الذي اقر الخلفاء من بني العباس بالديار المصرية في سنة تسع وخمسين وستمائة واولهم المستنصر بالله أبو القاسم أحمد بعد انقراض دولتهم من بغداد وخرابها في سنة ست وخمسين وستمائة وفي سنة احدى وستين وستمائة أرسل عسكرا هدموا كنيسة الناصرة وهي من أكبر مواطن عبادات النصارى لأن منها خرج دين النصرانية وأغاروا على عكا ثم ركب بنفسه وأغار عليها ثانيا وهدم برجا خارج البلد وفتح قيسارية بنفسه سنة ثلاث وستين وستمائة في تاسع جمادي الأولى وفتح ارسوف في جمادي الآخرة منها وفي سنة اربع وستين وستمائة خرج بعسكره من الديار المصرية وفتح صفد وغيرها وكان فتح صفد في تاسع عشر شعبان من السنة المذكورة بالآمان بعد حصرها ثم قتل اهلها عن آخرهم وفي سنة ست وستين وستمائة توجه بعساكره إلى الشام وفتح يافا في شهر رجب وأخذها من الافرنج وفتح انطاكية بالسيف في يوم السبت رابع رمضان منها وقتل أهلها وفي سنة سبع وستين وستمائة حج إلى بيت الله الحرام وزار المدينة الشريفة وفي سنة ثمان وستين وستمائة حضر إلى القدس الشريف وعمر مقام سيدنا موسى الكليم عليه الصلاة والسلام كما تقدم عند ذكر قصته فانه توجه لزيارته ومر في طريقه على دير السيق ومسافته عن بيت المقدس نحو نصف بريد وهو للنصارى فوجد حول الدير قلالي للرهبان عامرة مسكونة واحضروا له ضيافة فاستكثرها فقيل له ان ها هنا جماعة من الرهبان في القلالي المذكورة نحو ثلثمائة راهب فأمر بهدم القلالي خوفا على بيت المقدس من العدو المخذول وفي سنة تسع وستين وستمائة فتح حصن الأكراد وحصن عكا والقرى وغير ذلك وله بالقدس حسنات منها أنه اعتنى بعمارة المسجد وجدد فصوص الصخرة الشريفة التي على الرخام من الظاهر وعمر الخان الكائن بظاهر القدس الشريف من جهة الغرب إلى الشمال المعروف بخان الظاهر وكان بناؤه في سنة اثنتين وستين وستمائة ونقل اليه باب قصر الخلفاء الفاطميين ووقف عليه نصف قرية لفتا وغيرها من القرى بأعمال دمشق وجعل بالخان فرنا وطاحونا وجعل للمسجد الذي فيه إماما وشرط فيه اشياء من فعل الخير من تفرقه الخبز على بابه وإصلاح حال النازلين به وأكلهم وغير ذلك وقد أخذ الوقف الذي بالشام وانقطع ما كان شرط فيه من الخبز وغيره لفساد الزمان وتلاشي الاحوال وهو الذي جدد القضاة الثلاث بالمملكة بعد أن لم يكن بها سوى القاضي الشافعي فقط وكان يستخلف من بقية المذاهب وكانت ولايته القضاة الثلاثة بمصر في سنة ثلاث وستين وفي الشام في سنة اربع وستين وستمائة وكان ملكا جليلا شجاعا أبطل المظالم واسقط تشفع الأملاك وكان جملة ما يحمل منها إلى الديوان الف الف دينار واهتم بعمارة المسجد الشريف النبوي حين احترق ووضع الدرابزين حول الحجرة الشريفة وعمل فيها منبرا وسقفه بالذهب واهتم بكسوة الكعبة الشريفة وفتح الفتوحات وجدد قبر سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وزاد في رواتبه ما يصرف على المقيمين وبنى على المكان المنسوب لسيدنا موسى الكليم صلى الله عليه وسلم قبة - كما تقدم - وجدد بالقدس الشريف اشياء حسنة من ذلك قبة السلسلة ورمم شعث الصخرة وغيرها وبنى على قبر أبي عبيدة بن الجراح مشهدا ووقف عليه شيئا للواردين وتوفي رحمه الله بدمشق يوم الخميس السابع والعشرين من شهر المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ودفن بها وكانت مدة ملكه نحو سبعة عشر سنة وشهرين وعشرة ايام رحمه الله تعالى وعفا عنه وولي الملك بعده ولده الملك السعيد محمد بركة ثم خلع وولي أخوه الملك العادل سلامش ثم خلع وولي بعده السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي هو سيف الدين قلاوون الالفي وجنسه قبجاقي وهو أول مملوك بيع بألف دينار واستقر في السلطنة في يوم الأحد الثاني والعشرين من رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة وكان الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي وأقام منار العدل وفتح الفتوحات ففتح حصن المرقب وهو حصن الاستبار وهو في غاية العلو والحصانة فحصره ثم فتحه بالأمان في ربيع الأول سنة اربع وثمانين وستمائة وفتح صهيون في سنة ست وثمانين وستمائة وفتح طرابلس بعد ان نازلها بعسكره يوم الجمعة مستهل ربيع الأول سنة اثنين وثمانين وستمائة ويحيط البحر بغالبها وليس عليها قتال في البر إلا من جهة الشرق وهو مقدار قليل فحصرها حتى فتحها يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر بالسف فدخلها العسكر عنوة وقتل غالب رجالها وسبى ذراريهم وكان الأفرنج قد استولوا عليها في سنة ثلاث وخمسمائة فبقيت في ايديهم وكان الأفرنج قد استولوا عليها في سنة ثلاث وخمسمائة فبقيت في أيدهم إلى هذا التاريخ فتكون مدة لبثها بيد الافرنج نحو مائة وخمس وثمانين سنة وشهروا ولم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على التعرض لها وإلى المرقب فيسر الله تعالى على يده ومن حسناته بالقدس الشريف أنه عمر سقف المسجد الأقصى من جهة القبلة مما يلي الغرب عند جامع الانبياء وله الرباط المنصوري المشهور بباب الناظر وهو رباط في غاية الحسن والبناء المحكم ورخم داخل الحجرة الخليلية في سنة ست وثمانين وستمائة وعمر بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام الرباط والبيمارستان وله غير ذلك توفي رحمه الله في سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ومدة ملكه نحو احدى عشرة سنة وثلاثة اشهر وأياما وكان ملكا مهيبا حليما قليل سفك الدماء شجاعا عفا الله عنه ثم تسلطن بعده ولده السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل وكان الخليفة الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد العباسي وفتح عكا بالسيف وقتل أهلها وأخربها ودكها دكا وفتح عدة حصون ومدن واخلى الافرنج من صيدا وبيروت وتسلمها السلطان الأشرف وكذلك هرب أهل مدينة صور فأرسل السلطان وتسلمها وتسلم عثليث وانطرسوس وذلك جميعه في سنة تسعين وستمائة واتفق لهذا السلطان من السعادة ما لم يتفق لغيره فتح هذه البلاد العظيمة الحصينة من غير قتال ولا تعب وأمر بها فخربت عن آخرها وتكملت بهذه الفتوحات جميع البلاد الساحلية الاسلامية وكان الأمر لا يطمع فيه ولا يرام وتطهرت الشام والسواحل من الافرنج بعد أن كانوا اشرفوا على الديار المصرية وعلى ملك دمشق وغيرها من الشام ولله الحمد والمنة وكان انقطاع الافرنج وزوال دولتهم من بلاد الاسلام والسواحل زوالا لا رجوع بعده في هذه السنة وهي سنة تسعين وستمائة على يد الملك الأشرف خليل بن قلاوون تغمده الله برحمته وكان ابتداء تغلبهم على مملكة الشام وتسلطهم على بلاد الاسلام من سنة تسعين واربعمائة - كما تقدم - واستمر إلى هذا التاريخ فكانت مدتهم جملتها مائتا سنة كاملة لعنة الله عليهم ثم فتح قلعة الروم في سنة احدى وتسعين وستمائة وقتل الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون رحمه الله تعالى في ثامن عشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة بظاهر القاهرة قتله جماعة من مماليك والده والأمراء ثم حمل إلى القاهرة ودفن بها في تربته وانتقم الله من قاتله عاجلا وآجلا فأمسكوا وقتل بعضهم عاجلا واحرقت جثته وبعضهم حبس ثم قطعت أيديهم وارجلهم وصلبوا على الجمال وطيف بهم وايديهم معلقة في أعناقهم جزاء بما كسبوا وشنق بعضهم فسبحان المنتقم بعدله وتسلطن بعده الملك القاهر بيدرا يوما واحدا وقتل وولي بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون سلطنته الأولى ثم خلع ثم ولي بعده السلطان الملك العادل كتبغاهو زين الدين كتبغا المنصوري واستقر في السلطنة في يوم الاربعاء تاسع المحرم سنة اربع وتسعين وستمائة وكان الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد العباسي وفي أيامه جدد عمل فصوص الصخرة الشريفة وجدد عمارة السور الشرقي المطل على مقبرة باب الرحمة في شهور سنة خمس وتسعين وستمائة وخلع من السلطنة في المحرم سنة ست وتسعين وستمائة وهو بأرض الشام عند نهر العوجا وكانت مدته نحو سنتين واعطاه حسام الدين لاجين الذي تسلطن بعده صرخد فسار اليها واستقر فيها ثم في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون استقر في نيابة حماه في سنة تسع وتسعين وستمائة وتوفي بها في ليلة الجمعة عاشر ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة ولما خلع العادل كتبغا ولي بعده السلطان الملك المنصور لاجين هو حسام الدين لاجين المنصوري استقر في السلطنة بعد خلع العادل كتبغا وهو بدهليزه على نهر العوجا ثم سار إلى الديار المصرية وكان الخليفة الحاكم بأمر الله - المتقدم ذكره - وفي ايامه جددت عمارة محراب داود الذي بالسور القبلي عند مهد عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسجد الأقصى الشريف وفتح عدة بلاد منها سيس وغيرها من بلاد الأرمن وقتل في ليلة الجمعة حاي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة وثب عليه جماعة من المماليك الصبيان فقتلوه وهو يلعب بالشطرنج وكانت مدة ملكه سنتين وثلاثة اشهر ثم ولي بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون سلطنته الثانية ثم خلع وولي بعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير ثم خلع وولي بعده السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو ناصر الدين أبو الفتح محمد بن الملك المنصور قلاوون مولده في سنة اربع وثمانين وستمائة استقر في السلطنة ثلاث مرات الأولى في العشر الاوسط من المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة وعمره نحو تسع سنين وكان الخليفة الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد فأقام سنة وخلع وتسلطن بعده العادل كتبغا ثم المنصور لاجين - المتقدم ذكرهما - 0 ثم تسلطن ثانيا في يوم السبت رابع عشر جمادي الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة والخليفة الحاكم بأمر الله - المتقدم ذكره - واقام عشر سنين واربعة أشهر وعشرة أيام ثم نزل عن السلطنة باختياره وتوجه إلى الكرك وتسلطن بعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير - المتقدم ذكره - واقام أحد عشر شهرا وخلع واعيد بعده إلى السلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون وهي سلطنته الثالثة التي ثبت قدمه فيها وصفا له الوقت وجلس على سرير الملك بعد العصر من نهار الاربعاء مستهل شوال سنة تسع وسبعمائة وكان الخليفة المستكفي بالله أمير المؤمنين أبو الربيع سليمان وكان الملك الناصر من الملوك المعتبرين أصحاب التواريخ حج إلى بيت الله الحرام ثلاث مرات الاولى في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة والثانية في سنة تسعة عشر والثالثة في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ووقع له وقعات كثيرة مع التتر وغيرهم وله غارات على بلاد سيس وفتح جزيرة أرواد وهي في بحر الروم قبالة انطرسوس وفتح ملطية وغير ذلك وله بالمسجد الأقصى خيرات كثيرة منها أنه عمر في أيامه السور القبلي الذي عند محراب داود عليه الصلاة والسلام ورخم صدر المسجد الأقصى ومسجد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام بإشارة تنكز نائب الشام وفتح بالمسجد الأقصى الشباكين اللذين عن يمين المحراب وشماله وكان فتحهما في سنة أحدى وثلاثين وسبعمائة وجدد تذهيب القبتين قبة المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومن العجب أن تذهيب قبة الصخرة كان قبل العشرين والسبعمائة وقد مضى عليه ألى عصرنا هذا أكثر من مائة وثمانين سنة وهو في غاية الحسن والنورانية من رآه يظن ان الصانع قد فرغ منه الآن وعمر القناطر على الدرجتين الشماليتين بصحن الصخرة التي أحداهما مقابل باب حطة والاخرى مقابل باب الدويدارية وعمر باب القطانين بالبناء المحكم - وتقدم ذكر ذلك - وكل مكان من هذه الأماكن مكتوب عليه تاريخ عمارته وعمر قناة السبيل التي عند بركة السلطان بظاهر القدس الشريف من جهة الغرب وله غير ذلك من العمارات والقربات بالقدس الشريف وغيره من البلاد من عماره الحصون والقلاع فإن سطنته الثالثة أقام فيها اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وتسعة عشر يوما وكانت مدة ملكه في ولاياته الثلاثة ثلاثا ورابعين سنة وسبعة اشهر وتخلل بين ولاياته ولاية العادل كتبغا والمنصور لاجين والمظفر بيبرس نحو خمس سنين وشهرين فكانت المدة من حين ابتداء سلطنته إلى حين وفاته تسعا واربعين سنة وتوفي في يوم الاربعاء تاسع عشر ذي الحجة سنة احدى واربعين وسبعمائة بالقلعة وصلى عليه عز الدين ابن جماعة إماما وانزل ليلة الخميس إلى المدرسة المنصورية بخط بين القصرين ودفن بها مع أبيه قلاوون رحمة الله عليهما وكان ملكا معتبرا اخباره مشهورة عفا الله عنه ولما توفي تسلطن بعده ثمانية من أولاده لصلبه فأولهم الملك المنصور أبو بكر وخلع ثم الأشرف كجك وخلع ثم الناصر أحمد وخلع ثم الصالح اسماعيل وتوفي ثم الكامل شعبان وخلع ثم المظفر حاجي وقتل ثم الملك الناصر حسن وخلع ثم الملك الصالح صالح وخلع وأعيد الناصر حسن وتوفي قتيلا وتقدم ذكر تاريخ وفاته في أخبار مدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وولي بعده ابن أخيه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي وخلع ثم ولي بعده السلطان الملك الأشرف شعبان ابن الأمير حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون مولده في سنة اربع وخمسين وسبعمائة واستقر في السلطنة في نصف شعبان سنة اربع وستين وسبعمائة وله من العمر عشر سنين وكان الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد وفي أيامه عمرت المنارة التي عند باب الأسباط وتقدم أن عمارتها بمباشرة السيفي قطلوبغا ناظر الحرمين الشريفين وعمارتها في سنة تسع وستين وسبعمائة وجددت الابواب الخشب المركبة على أبواب الجامع الأقصى وجددت عمارة القناطر التي على الدرجة الغربية في صحن الصخرة المقابل لباب الناظر في سنة ثمان وسبعين وتوفي قتيلا في يوم الاثنين خامس ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وكان رحمه الله من حسنات الدهر هينا لينا حليما محبا لأهل الخير مقربا للعلماء والفقراء معتنيا بالأمور الشرعية عفا الله عنه ثم ولي بعده ولده الملك المنصور علي ثم توفي ثم ولي أخوه حاجي سلطنته الأولى الملقب فيها بالملك الصالح ثم خلع واستقر في السلطنة السلطان الملك الظاهر برقوق وهو أبو سعيد برقوق ابن أنس بن عبد الله الجاركسي الأصل وهو أول دولة الجهاركسية وهو من مماليك بلبغا العمري الناصري حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون واستقر في السلطنة يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة وكان الخليفة المتوكل على الله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد وخلع في شهر جمادي الآخرة سنة احدى وتسعين وتوى الملك المنصور حاجي ابن الأشرف شعبان وهي سلطنته الثانية الملقب فيها بالملك المنصور ثم خلع وأعيد برقوق إلى السلطنة في يوم الثلاثاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة في خلافة المتوكل على الله أيضا وفي ايامه عمرت دكة المؤذنين التي بالصخرة الشريفة تجاه المحراب إلى جانب باب المغارة بمباشرة ناظر الحرمين ونائب القدس الشريف الناصري محمد بن السيفي بهادر الظاهري في مستهل شهر شوال سنة تسع وثمانين وسبعمائة وعمر البركة التي بظاهر القدس الشريف من جهة الغرب المعروفة ببركة السلطان وعمارتها في سنة وفاته وهي سنة احدى وثمانمائة وهي الآن خراب لا ينتفع بها ووقف قرية ديراسطيا من أعمال نابلس على سماط سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وشرط أن لا يصرف ريعها إلا إلى السماط الكريم فقط وكتب الوقف على عتبة باب مسجد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وهو الباب الشرقي من الأبواب الثلاثة التي بداخل السور وهو خلف مقام السيدة سارة من جهة الشرق وفي أيامه في شهر رجب سنة ست وتسعين وسبعمائة ورد الأمير شهاب الدين أحمد بن اليغموري ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام إلى القدس الشريف وأبطل المكوس والمظالم والرسوم التي أحدثها النواب قبله بالقدس الشريف ونقش بذلك رخامة والصقت على باب الصخرة من جهة الغرب وله غير ذلك من الحسنات توفي بقلعة الجبل في ليلة الجمعة خامس عشر شوال سنة احدى وثمانمائة عن ستين سنة أو قريب منها ثم ولي بعده ولده السلطان الملك الناصر فرج وهو زين الدين أبو السعادات فرج بن الملك الظاهر برقوق استقر في السلطنة وعمره اثنتا عشرة سنة في صبيحة يوم الجمعة للنصف من شوال سنة احدى وثمانمائة والخليفة المتوكل على الله وفي أيامه كانت وقعة تيمورلنك المشهورة في سنة ثلاث وثمانمائة وخلع من السلطنة بأخيه الملك المنصور عبد العزيز في سنة ثمان وثمانمائة وأقام اخوه نحو شهرين وتسعة أيام وخلع ثم اعيد الناصر فرج إلى السلطنة في يوم الاثنين سابع جمادي الآخرة سنة ثمان وثمانمائة ونزل الشام مرارا ووصل إلى حلب مرتين ودخل بيت المقدس ونزل بالمدرسة التنكزية وفرق مالا كثير على الناس ومن جملة ما رسم به بالقدس الشريف أن نائب القدس لا يكون ناظر الحرمين الشريفين ولا يتكلم على النظر بالجملة الكافية ونقش بذلك بلاطه والصقت بحائط باب السلسلة عن يمنة الداخل من الباب وعلق بمسجد سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام الستائر الحرير على الاضرحة الشريفة وتوفي قتيلا ليلة السبت سابع عشر صفر سنة خمس عشرة وثمانمائة ودفن بمقابر المسلمين بدمشق رحمة الله عليه وولي الملك المؤيد شيخ وتوفي وولي بعده ولده الملك المظفر أحمد وخلع وولي بعده الملك الظاهر ططر وتوفي وولي بعده الملك الصالح محمد وخلع وولي بعده السلطان الملك الأشرف برسباي هو أبو النصر برسباي الدقمامقى الظاهري من عتقاء الظاهر برقوق استقر في السلطنة في سنة خمس وعشرين وثمانمائة في شهر ربيع الأول وكان الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود وفي أيامه كان ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف الأمير اركاس الجلباني وكان حاكما معتبرا عمر الأوقاف ونماها وصرف المعاليم واشترى للوقف مما أرصده من المال جهات من القرى والمسقفات وورد مرسوم الأشرف بصرف معاليم المستحقين منها وإرصاد ما بقي لمصالح الصخرة الشريفة ونقش بذلك رخامة والصقت بحائط الصخرة الشريفة تجاه قبة المحراب في سنة ست وثلاثين وثمانمائة ومن حسنات الملك الأشرف بالمسجد الأقصى الشريف المصحف الشريف الذي وضعه بداخل الجامع تجاه المحراب بإزاء دكة المؤذنين وهو مصحف كبير عظيم أهدي اليه بدمشق حين سافر إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة فجهزه صحبة خازنداره إلى القدس الشريف ووقف عليه جهة للقارئ والخادم وشرط النظر لمن يكون شيخ المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف وقرر في القراءة فيه الشيخ شمس الدين محمد بن قطلوبغا الرملي المقري وكان من القراء المشهورين في الحفظ وحسن الصوت وله محاسن كثيرة توفي رحمه الله يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثممانمائة وولي بعده ولده العزيز يوسف وخلع وولي بعده الملك الظاهر وهو أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري نسبة إلى الملك الظاهر برقوق تسلطن وجلس على سرير الملك تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين واربعين وثمانمائة وكان الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود وكان الظاهر على قدم عظيم من الصيانة والديانة والعفة والشجاعة ومحبة العلماء وأنعم على الوقفين القدس والخليل في زمن شمس الدين الحموي الظاهري الناظر بمبلغ الفي دينار وخمسمائة دينار ذهبا ومائة وعشرين قنطارا من الرصاص برسم العمارة ثم في أيام القاضي أمين الدين عبد الرحمن الديري أنعم بمائة وعشرين غراره من القمح القيمة عنها ثلاثة آلاف دينار وستمائة دينار ولما توفي ابن الديري تحمل على الوقف ثمن أغلال فأنعم بتوفية الثمن وهو أربعة آلاف وسبعمائة دينار وكان في أيامه ناظر الحرمين الشريفين بالقدس الشريف والخليل عليه الصلاة والسلام القاضي عز الدين خليل السخاوي وهو الذي أقام نظام الحرمين الشريفين ورتب فيهما الوظائف وكان المؤذنون قبل ذلك نوبتين فزادهما نوبة ثالثة وعمر الاوقاف ونماها وكان سماط سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام يعمل فيه ليلة الجمعة الأرز المفلفل والحب رمان والعدس في كل يوم وفي الأعياد تعمل الأطعمة المفتخرة وفي أيامه - أعني الملك الظاهر - في شهر رجب سنة احدى وخمسين وثمانمائة حرق جانب من سقف الصخرة الشريفة بصاعقة نزلت من السماء ودخلت من باب الصخرة القبلي فاحرقت بعض السقف من جهة الغرب من جانب القبة واجتمع الناس لاطفاء الحريق فحصل بذلك ضجة عظيمة ويقال ان الحريق لم يكن بصاعقة وإنما بعض اولاد الاكابر دخل بين السقف ليتصيد طيورا من الحمام ومعه شمعة موقودة فتعلقت النار من ضوء الشمعة في الخشب فكان سببا للحريق والله أعلم بحقيقة الحال ثم عمر السقف بأحسن مما كان ومن حسنات الملك الظاهر المصحف الشريف الذي وضعه بالصخرة الشريفة تجاه المحراب ورتب له قارئا وهو موجود إلى عصرنا ورسم بابطال المظالم من القدس الشريف ونقش بذك بلاطة والصقت بحائط المسجد الغربي عند باب السلسلة وفي أيامه جهز خاص كيا اسمه اينال باي وكان الساعي في أمره الشيخ محمد المشمر أحد جماعة الشيخ شهاب الدين ابن ارسلان فحضر إلى القدس الشريف بمرسوم الملك الظاهر بالكشف على الديورة وبهدم ما استجد بدير صهيون وغيره وانتزاع قبر داود عليه السلام من أيدي النصارى فهدم البناء المستجد بصهيون وأخرج قبر داود من أيدي النصارى ونبشت عظام الرهبان المدفونين بالقرب من قبر السيد داود عليه الصلاة والسلام وكان ذلك في يوم الاثنين ثاني عشر جمادي الآخرة سنة ست وخمسين وثمانمائة وكان يوما مشهودا وفي تلك السنة وقع البطش في النصارى وأخرج المسجد من دير السريان وسلم للشيخ محمد المشمر وصار زاوية وهدم البناء المستجد ببيت لحم وبالقمامة وقلع الدرابزين الخشب المستجد بالقمامة وأخذ إلى المسجد الأقصى بالتكبير والتهليل وكشف جميع الديورة وهدم جميع ما استجد بها وكان ذلك في أواخر عمر السلطان فختم الله أعماله بالصالحات وإزالة المنكرات وسنذكر ما وقع في أمر قبر داود عليه الصلاة والسلام وصهيون في عصرنا فيما بعد في ترجمة الملك الأشرف قايتباي في حوادث سنة خمس وتسعين وثمانمائة إن شاء الله تعالى وتوفي الملك الظاهر في ليلة يسفر صباحها عن يوم الثلاثاء الثالث من صفر سنة سبع وخمسين وثمانمائة وصلي عليه بالمسجد الأقصى صلاة الغائب في يوم الجمعة حادي عشر صفر وتوفي بعد أن خلع نفسه من الملك وعهد إلى ولده الملك المنصور أبي السعادات عثمان واستقر بعده في الملك ثم خلع وولي بعده السلطان الملك الأشرف اينال وهو أبو النصر أينال الناصري نسبته إلى الناصر فرج بن برقوق واستقر في السلطنة في يوم الاثنين ثامن ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة وكان الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة وولي نظ الحرمين الشريفين في السنة المذكورة الأمير عبد العزيز العراقي المشهور بابن المعلاق فحصل للأوقاف والمستحقين ما لم يحصل لهم قبل ذلك من العمارة وصرف المعاليم كاملة من غير قطع ولا محاصصة واقام نظام السماط الكريم الخليلي ومن حسنات الملك الأشرف اينال المصحف الشريف الذي وضعه بالمسجد الأقصى بالقرب من جامع عمر بن الخطاب رضي الله عنه تجاه الشباك المطل على عين سلوان ورتب له قارئا ووقف عليه جهة وكسى الأضرحة الشريفة وهي ضريح سيدنا الخليل وأولاده وسيدنا موسى الكليم وسيدنا لوط وسيدنا يونس عليهم الصلاة والسلام الستور المزركشة وجهزها على يد زوج ابنته بردبك الدويدار الثاني وحصل منه صدقات وإسحان وأنعم الأشرف اينال على جهة الوقفين بألف ومائتي أردب قمح القيمة عنها أربعة آلاف دينار وثمانية دنانير وعمر المسجد الأقصى في أيامه وتوفي في تاسع جمادي الأولى سنة خمس وستين وثمانمائة بعد أن خلع نفسه من الملك وعهد إلى ولده الملك المؤيد أحمد واستقر بعده في الملك ثم خلع وولي السلطان الملك الظاهر خشقدم هو أبو سعيد خشقدم المؤيدي من عتقاء المؤيد شيخ استقر في السلطنة يوم الأحد ثامن عشر رمضان سنة خمس وستين وثمانمائة وكان الخليفة أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفر يوسف ومن حسناته بالقدس الشريف عمارة قناة السبيل الواصلة إلى القدس الشريف من عين العروب وعمارة البركة الشرقية من بركتي المرجيع وكانت العمارة على يد الأمير دولات وكان باي الخاصكي جهز إلى القدس الشريف اهتم بعمارته واقام في ذلك اعظم قيام وأنعم الظاهر خشقدم على جهة الوقف الخليلي بستين غرارة قمح القيمة عنها ثمانمائة واربعون دينارا وجدد عمارة رخام المسجد الجاولي بالخليل في سنة سبع وستين وثمانمائة بمباشرة الأشرف ناصر الدين محمد بن الهمام ناظر الحرمين الشريفين وله في الصخرة الشريفة مصحف كبير وضعه بإزاء مصحف الملك الظاهر جقمق من جهة الغرب وفي أيامه ولي الأمير ناصر الدين ابن الهمام نظر الحرمين الشريفين ثم عزل وولي بعده الأمير حسن الظاهري وهو الذي بنى المدرسة بجوار باب السلسلة برسم الملك الظاهر خشقدم وآل امرها إلى مولانا الملك الأشرف قايتباي وكان من خبرها ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى وكان الظاهر خشقدم رسم بإبطال المظالم من القدس الشريف ونقش بذلك رخامتين وجهزهما إلى القدس الشريف في أواخر عمره والصقتا بحائط المسجد الأقصى من جهة الغرب وتوفي في حادي عشر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وتسلطن بعده الملك الظاهر بيلباي واستمر سنة وخمسين يوما ثم تسلطن الملك الظاهر تمر بغا واستمر سبعة وخمسين يوما وخلع وتسلطن مولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي وسنذكر ترجمته فيما بعد كما تقدم الوعد به في اول الكتاب والله حسبنا ونعم الوكيل وممن فعل الآثار الحسنة بالصخرة الشريفه من ملوك الروم السلطان مراد ابن السلطان محمد بن السلطان بايزيد خان رتب قراء يقرؤن له في الصخرة الشريفة في ربعة شريفة بتاريخ ثامن عشر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة و السلطان إبراهيم بن السلطان محمد بن قرمان رتب أيضا قراء يقرؤن له في ربعة شريفة بتاريخ التاسع والعشرين من شهر جمادي الآخرة سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وغيرهما من الملوك والأعيان رتبوا أسباعا تقرأ لهم ووقفوا أوقافا على مصالح المسجد الأقصى وخدمته طلبا لثواب الله تعالى رحمة الله تعالى عليهم أجمعين وأكثر من فعل الخير بالمسجد الأقصى ومقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام من الملوك السالفة الملك المعظم عيسى صاحب دمشق ثم الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمهما الله تعالى وقد ذكرت جميع الملوك بالديار المصرية واولهم السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته ومن بعده إلى عصرنا من غير إخلال باحد منهم غير من ذكرته من بني أيوب من ملوك الشام وغيرها - كما تقدم القول في أول الفصل - ولنذكر الآن أسماء العلماء فاقول - وبالله التوفيق - ( ذكر ما تيسر من أعيان العلماء بالقدس الشريف وبلد سيدنا ) ( الخليل عليه الصلاة والسلام ) من المذاهب الأربعة ومن ولي فيها المناصب الحكمية والوظائف الدينية ومن عرف بالزهد والصلاح وبعض ما وقع فيهما من الحوادث والأخبار فأذكر طائفة من المذاهب الاربعة على حدة ليسهل على المطالع إذا اراد الكشف ويقرب عليه الاطلاع فكل من وقفت له على ترجمة أو تاريخ مولد أو وفاة ذكرت ما تيسر من ذلك على وجه الاختصار واقتصر في ترجمة الرجل على ما عرف من محاسنه وأحواله المحمودة من غير تعرض إلى شيء فيه انتقاصه أو مذمته فإن ذلك اثم لا فائدة فيه وقد اعتمد هذا الفعل القبيح غالب المؤرخين وهو خطأ كبير ولا أرى في ذلك إلا غيبة للأموات يأثم مرتكبها خصوصا في حق العلماء وطلبة العلم الشريف والله أعلم ومن لم أطلع له على ترجمة ذكرت اسمه والعصر الذي كان فيه موجودا إن علمته فأبدأ أولا بذكر العلماء الشافعية فاقول قد تقدم أن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن ايوب تغمده الله برحمته كان شافعي المذهب وهو الذي أقام الشافعية بالديار المصرية وولي منهم القضاة بعد أن كان القضاة بمصر شيعة على مذهب الفاطميين ولما فتح الله بيت المقدس عليى يديه وقف المدرسة الصلاحية - المتقدم ذكرها - وجعلها للشافعية فأبدأ اولا بمن ولى مشيختها فأذكر مشائخ المدرسة الصلاحية واذكرهم على ترتيب ولاتهم من زمن الملك صلاح الدين إلى عصرنا فأقول - والله الموفق - قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع ابن تميم الاسدي الموصلي المولد والحلبي المنشأ الشافعي المعروف بابن شداد ولد في ليلة الاربعاء العاشر من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وتوفي والده وهو صغير السن فنشأ عند أخواله بني شداد ونسب اليهم وكان شداد دده لأمه وكان يكنى اولا أبا العز ثم غير كنيته وجعلها أبا المحاسن وتفقه وحصل وتفنن وكان إماما فاضلا وجيها في الدينا وكان يشبه بالقاضي أبي يوسف في زمانه من نفاذ الكلمة وسعة المال وحج إلى بيت الله الحرام سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وهي السنة التي فتح الله فيها بيت المقدس وزار القدس والخليل بعد الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم واتصل بخدمة الملك صلاح الدين في مستهل جمادي الأولى سنة اربع وثمانين وخمسمائة وحظي عنده وولاه قضاء العسكر وبيت المقدس والنظر على أوقافه - كما تقدم ذكره - وتوجه رسولا منه إلى الخليفة ببغداد وفوض اليه تدريس المدرسة الصلاحية وجعل النظر فيها وفي اوقافها اليه ونص على ذلك في كتاب وقفه وقال فيه رضاء بأمانته واعتقادا في كفايته واعتمادا على ديانته وتقدم أن تاريخ كتاب وقفها في ثالث عشر شهر رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وصنف ابن شداد للسلطان كتابا في فضل الجهاد ولما توفي السلطان رحل من القدس بعد مدة واتصل بولده الملك الظاهر غياث الدين أبي الفتح غازي صاحب حلب وولاه قضاء حلب والنظر على أوقافها وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره وارتفاع منزلته وكان ذا صلاح وعبادة واجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه وهو شيخ القاضي شمس الدين ابن خلكان صاحب التاريخ وقد اطنب في ترجمته في وفيات الأعيان توفي بحلب في نهار الاربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بعد ان ظهر عليه اثر الهرم ومن تصانيفه دلائل الأحكام على النبيه في مجلدين وكتاب الموجز الباهر في الفقه وكتاب ملجأ الحكام في الأقضية في مجلدين وسيرة الملك صلاح الدين أجاد فيها وأفاد رحمه الله شيخ الإسلام مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل - بفتح الجيم والباء الموحدة - الحلبي الشافعي الشيخ الإمام العلامة كان إماما في الفقه والحساب والفرائض صنف للسلطان نور الدين الشهيد كتاب في فضل الجهاد درس بحلب بالنورية قال العلامة قاضي القضاة تقي الدين ابن شهبة في ترجمته في طبقات الشافعية وهو أول من درس بالمدرسة الصلاحية بالقدس الشريف هو والد بني جهبل الفقهاء الدمشقيين توفي بالقدس في سنة ست وتسعين وخمسمائة عن اربع وستين سنة رحمه الله تعالى وقد وهم بعض المؤرخين فيه فظنه أبا العباس أحمد بن المظفر بن الحسين الدمشقي وذكر أنه أول من درس بالصلاحية وذكر تاريخ وفاته ومقدار عمره كما هنا وليس كذلك فإن ذلك يعرف بابن زين النجار وكان مدرس المدرسة الصلاحية الناصرية المجاورة للجامع العتيق بمصر وبه تعرف المدرسة ذكره السبكي في الطبقات الوسطى وأرخ وفاته في ذي القعدة سنة أحدى وتسعين وخمسمائة فاشتبه الحال على بعض المؤرخين بكونه مدرس المدرسة الصلاحية بمصر فظنها التي بالقدس والله اعلم شيخ الإسلام فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن محمد بن الحسين بن عساكر الدمشقي شيخ الشافعية بالشام ولد في رجب سنة خمسين وخمسمائة ولي تدريس الصلاحية بالقدس الشريف ثم التقوية بدمشق فكان يقيم بدمشق أشهرا وبالقدس اشهرا وكان لا يخلو لسانه عن ذكر الله تعالى في قيامه وقعوده وكان زاهدا عابدا ورعا منقطعا إلى العلم والعبادة حسن الخلق قليل الرغبة في الدنيا مشتغل أكثر اوقاته بنشر العلم كثير التهمد قليل الغضب مطرح للتكلف عرضت عليه مناصب وولايات دينية فتركها توفي بدمشق في رجب سنة عشرين وستمائة ودفن بطرف مقابر الصوفية الشرقي رحمه الله ومن شعره خف اذا اصبحت ترجو وارج إن اصبحت خائف كم اتى الدهر بعسر فيه لله لطائف شيخ الاسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن الامام البارع صلاح الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن موسى بن أبي النصر النصري - بالنون والصاد المهملة - نسبة إلى جده أبي النصر الشهرزوري الأصل الموصلي المربي الدمشقي الدار والوفاة المشهور بابن الصلاح ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بشهرزور وسمع الكثير من الخلائق ولي التدريس بالصلاحية فلما خرب المعظم اسوار بيت المقدس قدم دمشق وكان العمدة في زمانه على فتاويه وكان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وكان من الدين والعلم على قدم حسن واجهد نفسه في الطاعة والعبادة وكان عديم النظير في زمانه حسن الإعتقاد على مذهب السلف يرى الكف عن التأويل ويؤمن بما جاء من عند الله ورسوله على مرادهما ولا يخوض ولا يتعمق وكان كثير العبادة كبير الهيبة يتأدب معه السلطان فمن دونه ومن تصانيفه مشكل الوسيط في مجلد كبير نكت على مواضع متفرقة واكثرها في الربع الأول وكتاب الفتاوى كثير الفائدة وعلوم الحديث وكتاب أدب المفتي والمستفتي ونكت على المهذب وفوائد الرحلة وهي أجزاء كثيرة مشتملة على فوائد غريبة من أنواع العلوم نقلها في رحلته إلى خراسان عن كتب غريبة وطبقات الفقهاء الشافعية واختصره النووي واستدرك عليه وأهملا فيه خلائق من المشهورين فإنهما كانا يتبعان التراجم الغريبة وأما المشهورة فالحاقها فاخترمتهما المنية رضي الله عنهما قبل اكمال الكتاب وشرح قطعة من صحيح مسلم اعتمدها النووي في شرحه وله مصنفات على مسائل مفردة توفي رحمه الله بدمشق في حصار الخوارزمية في ربيع الآخر سنة ثلاث واربعين وستمائة ودفن بماقبر الصوفية ومن مشايخ الصلاحية بعد أبي عمرو ابن الصلاح القاضي محيي الدين قاضي غزة وهو الامام العالم الفاضل الورع محيي الدين أبو حفص عمر ابن القاضي السعيد عز الدين موسى بن عمر الشافعي وكان موجودا متوليا قضاء غزة وما معها والأعمال الساحلية في شهور سنة سبع وسبعين وستمائة وكان قضاء القدس من مضافاته وكان يستخلف عنه فيه ولم اطلع له على ترجمة ولا تاريخ وفاة وولي بعده قضاء غزة وتدريس الصلاحية الشيخ جمال الدين الباجربقي الآتي ذكره وهو شيخ الإسلام جمال الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان الباجربقي - بالباء الموحدة قبل القاف - الموصلي الامام المفتي الزاهد اشتغل بالموصل وفاد ثم قدم دمشق في سنة سبع وسعبين وستمائة فخطب بجامع دمشق نيابة ودرس بالمنجقية والدولقية وحدث بجامع الأصول لابن الأثير عن والده عن المصنف وفي شهر ذي الحجة سنة تسع وسبعين وستمائة ولاه القاضي شمس الدين ابن خلكان قاضي الممالك الشامية والحلبية الحكم بغزة وتدريس الصلاحية بالقدس عوضا عن القاضي محيي الدين قاضي غزة - المتقدم ذكره - وكان شيخا فقيها محققا نقالا مهيبا ساكنا كثير الصلاة ملازما لشأنه حافظا للسانه منقبضا عن الناس على طريقة واحدة وله نظم ونثر وسجع ووعظ وقد نظم كتاب التعجيز وعمله برموز توفي في شوال سنة تسع وتسعين وستمائة رحمه الله ومنهم الشيخ نجم الدين داود الكردي كان مدرس المدرسة الصلاحية نحو ثلاثين سنة ولم اطلع له على ترجمة وولي بعده الشيخ شهاب الدين بن جهبل - الاتي ذكره - وهو شيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ محيي الدين ابن يحيى بان الشيخ الامام تاج الدين اسماعيل ابن طاهر ابن نصر الله ابن جهبل الحلبي الأصل الدمشقي المنشأ ولد سنة سبعين وستمائة وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم وفي يوم الجمعة ثالث ذي القعدة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة عين لتدريس الصلاحية عوضا عن الشيخ نجم الدين داود الكردي - المتقدم ذكره - وسافر اليها بعد عيد الأضحى في أواخر السنة ودرس بها مدة ثم تركها في سنة ست وعشرين وسبعمائة وانتقل إلى دمشق وتفوي بها في يوم الخميس بعد العصر التاسع من جمادي الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ودفن بماقبر الصوفية شيخ الاسلام علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور المقدسي الشيخ الإمام العالم العلامة البارع ولد في سنة ست وستين وستمائة تقريبا اشتغل بالعوم وسمع الحديث وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن وولي التدريس بالمدرسة الصلاحية بعد الشيخ شهاب الدين بن جهبل في شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين وسبعمائة وقد صار عالما كبيرا واشتغل عليه فضلاء بيت المقدس ثم نزل عن الصلاحية واستقر فيها العلائي لأمور وقعت وفي آخر عمره تغير وجف دماغه في سنة اثنتين واربعين وكان اذا سمع عليه في حال تغيره يحضر ذهنه وكان يستحضر العلم جيدا توفي بالقدس الشريف في شهر رمضان سنة ثمان واربعين وسبعمائة شيخ الاسلام صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كبكلدي نبن عبد الله العلائي الدمشقي ثم المقدسي الإمام البارع المحقق بقية الحافظ ولد بدمشق في ربيع الأول سنة اربع وستعين وستمائة وسمع الكثير ورحل وبلغ عدة شيوخه بالسماع سبعمائة وأخذ عن مشايخ الدنيا واجيز بالفتوى وجد واجتهد حتى فاق أهل عصره ودرس بدمشق ثم انتقل إلى القدس مدرسا بالصلاحية سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة انتزعها من الشيخ علاء الدين بن أيوب - المذكور قبله - واضيف اليه درس الحديث بالتنكزية بالقدس الشريف وحج مرارا وأقام بالقدس مدة طويلة يدرس ويفتي وبحدث ويصنف إلى آخره عمره ومن تصانيفه القواعد مشهورة ووهو كتاب نفيس يشتمل على علمي الاصول والفروع والوشى المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مجلد وعقيلة الطالب في ذكر أشرف الصفات والمناقب في مجلد لطيف وجمع الاحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والمراسيل والكلام على حديث ذي اليدين في مجلد ومنحة الرائض بعلوم آيات الفرائض وكتاب في المدلسين وكتاب سماه تنقيح المفهوم في صيغ العموم وشرع في أحكام كبرى علق منها قطعة نفيسة وغير ذلك من المصنفات النفيسة المحررة توفي بالقدس الشريف في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد ونزل عن الصلاحية لزوج ابنته الشيخ تقي الدين اسماعيل القرقشندي علامة الزمان فلم يتم له ذلك قاضي القضاة شيخ الإسلام برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم ابن الخطيب زين الدين أبي محمد عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن سعد الله ابن جماعة الكناني قاضي مصر والشام وخطيب الخطباء وشيخ الشيوخ وكبير طائفة الفقهاء وبقية رؤساء الزمان ولد بمصر في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقدم دمشق صغيرا فنشأ عند اقاربه بالمزة وسمع وطلب الحديث بنفسه واشتغل في فنون العلم وتوفي والده وهو صغير في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة فكتب خطابة القدس باسمه واستنيب له مدة ثم باشر بنفسه وهو صغير وانقطع ببيت المقدس ثم أضيف اليه تدريس الصلاحية بعد وفاة العلائي ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية في جمادي الآخرة سنة ثلاث وسبعين وباشر بنزاهة وعفة وديانة وحرمة وعزل نفسه فسأله السلطان وترضاه حتى عاد ثم عزل نفسه ثانيا وعاد إلى القدس على وظائفه ثم أعيد إلى القضاء بمصر ثم عزل نفسه وعاد إلى القدس ثم ولي قضاء دمشق والخطابة بها وأضيف اليه مشيخة الشيوخ وكان محببا إلى الناس ولم يكن أحد يدانيه في سعة الصدر وكثرة البذل وقيام الحرمة والصدع بالحق وردع أهل الفساد وله مجاميع وفوائد بخطه وجمع تفسيرا في نحو عشر مجلدات وكان لا ينظر باحدى عينيه وقد أخبرت أنه الذي عمر المنبر الرخام بالصخرة الشريفة الذي يخطب عليه للعيد وأنه كان قبل ذلك من خشب يحمل على عجل توفي شبه الفجأة في شعبان سنة تسعين وسبعمائة ودفن بتربة اقاربه بالمزة ظاهر دمشق رحمه الله تعالى وولي بعده تدريس الصلاحية وخطابة المسجد الأقصى ولده محب الدين أحمد وهو دون البلوغ وناب عنه ابن عمه شيخ الإسلام نجم الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ زين الدين عبد الرحمن ابن الخطيب برهان الدين إبراهيم ابن الشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الكناني الشافعي ومولده بحماه سنة خمس وعشرين وسبعمائة وكان نائبا عن ابن عمه قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة في الخطابة وتدريس الصلاحية مدة طويلة وفوض اليه نظرها وتدريسها وكتب في توقيع ولده قاضي القضاة برهان الدين ان ولد عمه الشيخ نجم الدين محمد بن جماعة يكون نائبا عنه في حياته مستقلا بعد وفاته وكان صالحا ناسكا كثير العبادة أخبر عنه بعض خدام المسجد الأقصى أنه كان يخرج في الليل من دار الخطابة هو وزوجته فيصليان بجامع النساء طول الليل فإذا قرب الشعل دخلا وهو الذي قلع عين قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة وهما صغيران يلعبان من شق الباب فلما توفي قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة واستقر بعده فيهما ولده محب الدين باشر نيابة عنه إلى أن توفي محب الدين في سنة خمس وتسعين وسبعمائة فتوجه الشيخ نجم الدين إلى القاهرة ليسعى في الوظيفتين لنفسه فرسم له بهما ووليهما فتوفي في القاهرة قبل خروجه منها في ذي القعدة من السنة المذكورة وهي سنة خمس وتسعين وسبعمائة قاضي القضاة عماد الدين أبو عيسى أحمد بن القاضي شرف الدين عيسى بن موسى العامري الأزرقي الكركي الشافعي ولد بالكرك في شعبان سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وسبعمائة واشتغل بها وحفظ المنهاج قرأ على والده وغيره وكان أبوه من تلاميذ الشيخ تقي الدين السبكي ومات في سنة ثلاث وستين وسبعمائة ورحل إلى الشام والقاهرة في طلب الحديث وأخذ عن جماعة وولي قضاء الكرك بعد والده وعظم قدره وصحب الملك الظاهر برقوق حين سجن بالكرك فلما عاد إلى السلطنة ولاه قضاء الديار المصرية عوضا عن بدر الدين ابن أبي البقاء فباشر بصرامة وانفاذ للحق وحكم بالعدل ثم صرف عن القضاء في ثامن المحرم سنة خمس وتسعين وسبعمائة ثم استقر في تدريس المدرسة الصلاحية وخطابة المسجد الأقصى وإمامته في سابع عشر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة وتوفي في صبيحة يوم الجمعة سادس عشري ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة ودفن بما ملا عند الشيخ أبي بكر الموصلي رحمه الله شيخ الاسلام شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الجزري الدمشقي المقري الشافعي مولده في ليلة السبت سادس عشر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة اعتنى بالقراآت فأتقنها ومهر فيها وله مصنفات جليلة منها كتاب النشر في القراآت العشر ونظم العشرة وذيل على طبقات القراء للذهبي والحصن الحصين في الادعية والأذكار والتوضيح في شرح المصابيح وغير ذلك وجميع مصنفاته مفيدة نافعة وعين لقضاء الشام فلم يتم له ذلك ولي تدريس الصلاحية بعد الشيخ نجم الدين بن جماعة - المتقدم ذكره - وأقام بها نحو السنة ثم توجه من القدس إلى بلاد الروم ثم سار إلى بلاد فارس وولي قضاء شيراز وحضر إلى القاهرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة ثم سافر رسولا من سلطان مصر إلى سلطان شيراز في السنة المذكورة وتوفي بشيراز نهار عيد الاصحى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة رضي الله عنه ورحمه الشيخ العلامة زين الدين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمني المصري الخزرجي اصله من قمن من الريف وقدم مصر واشتغل على الشيخ سراج الدين البلقيني وغيره ولما سافر الشيخ شمس الدين الجزري إلى بلاد الروم ولي تدريس المدرسة الصلاحية عوضا عنه في سنة سبع وتسعين وسبعمائة واستمرت بيده مدة وهو مقيم بالقاهرة واستناب الشيخ شهاب الدين بن الهائم فيها واستمر الامر على ذلك إلى حدود سنة عشر وثمانمائة وولي نوروز نائب الشام فيها شخصا كان مشد الدواوين عنده يسمى بدر الدين محمد بن الشهاب محمود ولم يخرج من الشام فسمع ابن الهائم فبعث يسعى لنفسه وسكت الشيخ زين الدين القمني عنه في ذلك لما بلغه ان الغير استطال لها وقال أنت أحق بها من غيرك توفي القمني في ثالث عشر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة شهيدا بالطاعون وقد قارب الثمانين أو جاوزها وكانت له جنازة عظيمة مشهورة رحمه الله شيخ الاسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي المصري ثم المقدسي المشهور بابن الهائم ولد سنة ثلاث أو سنة ست وخمسين وسبعمائة اشتغل بالقاهرة ومهر في الفرائض والحساب ولما ولي القمني تدريس اصلاحية أحضره إلى القدس واستنابه في التدريس وصار من شيوخ المقادسة ثم استقل بتدريس الصلاحية واستمر إلى أن جاء الشيخ شمس الدين الهروي من هراة وكان حنفيا فرأى هذه الوظيفة ومعلومها ولم ير للحنفية شيئا فسعى فيها وأخذها من ابن الهائم ثم سعى ابن الهائم جهده حتى اشركوا بينهما في سنة اربعة عشر وولي الأمير نوروز نائب الشام الاثنين وجمع ابن الهائم في الفرائض والحساب تصانيف وله العجالة في استحقاق الفقهاء أيام البطالة وكان قد نشأ له ولد نجيب اسمه محب الدين كان نادرة الدهر فتوفي قبله في شهر رمضان سنة ثمانمائة فصر واحتسب وكانت له محاسن كثيرة وعنده ديانة متينة وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولكلامه وقع في القلوب توفي بالقدس الشريف في شهر رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة ودفن بماملا وقبره مشهور رحمه الله تعالى قاضي القضاة شيخ الاسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عطاء الله بن محمد الرازي الأصل من ذرية الفخر الرازي وكان يقتصر عليه الهروي ثم المقدسي الامام العلامة ولد بهراة في سنة سبع وستين وسبعمائة واشتغل بالعلم ببلاده ثم دخل بلاد الشام غير مرة وسكن القدس فأكرمه الأمير نوروز نائب الشام وفوض اليه تدريس الصلاحية بالقدس سنة خمس عشرة وثمانمائة ودرس بها وتصدى للأخذ عنه ثم ولي قضاء الديار المصرية من قبل الملك المؤيد عن الشيخ جلال الدين البلقيني ثم ولي نظر القدس والخليل وتدريس الصلاحية وغيرها ثم ولي من الأشرف برسباي كتابة السر بالديار المصرية مدة يسيرة ثم القضاء عن شيخ الاسلام ابن حجر مدة يسيرة ثم رجع إلى القدس على تدريس الصلاحية وحج في تلك السنة وعاد إلى القدس وأقام به ملازما للاشتغال والفتوى والتصنيف وكان إماما عالما رئيسا مهابا حسن الشكالة ضخما لين الجانب على ما فيه من طبع الاعاجم وكان يقرأ المذهبين مذهب أبي حنيفة والشافعي صنف شرح مسلم وشرح تلخيص الجامع للحنفية فإنه لما دخل إلى القدس كان حنفيا قال فلما رأيت الرياسة بهذه البلاد للشافعية صرت شافعيا وانتزع من الشيخ شهاب الدين ابن الهائم تدرس الصلاحية بجاه نوروز وتخرج به جماعة ببيت المقدس توفي بالقدس في ليلة الاثنين تاسع عشر ذي الحجة سنة تسع وعشرين وثمانمائة ودفن بماملا بالبسطامية وكان شرع في بناء المدرسة فلم يتمها فأكملها القاضي عبد الباسط وهي المشهورة يومئذ بالباسطية عند باب الدويدارية أحد ابواب المسجد الأقصى وشرط عبد الباسط في وقفه على الصوفية اذا فرغوا من الحضور قراءة الفاتحة وإهداء ثوابها في صحائف الهروي شيخ الاسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الدائم بن موسى العسقلاني الاصل البرماوي المصري الشيخ الامام العالم المتفنن مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة أخذ عنه أئمة الاسلام وفضل وتميز وحج من مصر سنة ثمان وعشرين وجاور بمكة ورجع إلى مصر في سنة ثلاثين وقد عين لتدريس الصلاحية ونظرها بمساعدة القاضي نجم الدين بن حجر فجاء إلى القدس فأقام يسيرا وتعلل ومات في يوم الخميس ثالث شهر جمادي الآخرة سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وكان يقول في مرضه عندما عشنا متنا فإنه كان فقيرا فلما استقر في هذه الوظيفة وحصل له سعة الرزق ادركته المنية ودفن بمقبرة ماملا عند الشيخ أبي عبد الله القرشي وكتب شرحا على البخاري ولم يبيضه وجمع شرحا على العمدة سماه جمع العدة لفهم العمدة وافرد أسماء رجال العمدة وله الألفية في الاصول وشرحها وله منظومة في الفرائض وشرح خطبة المنهاج للنووي في مجلد كبير ونظم ثلاثيات البخاري وغير ذلك رحمه الله تعالى وكان نزل عن تدريس الصلاحية للخطيب جمال الدين ابن جماعة وحكم بذلك القاضي شهاب الدين ابن عوجان المالكي في ظهر كتاب الوقف فلم يفد ذلك كما وقع للعلائي واستقر فيها الشيخ عز الدين المقدسي وسنذكر ترجمته فيما بعد إن شاء الله تعالى واستمر الشيخ عز الدين بها إلى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة قاضي القضاة شيخ الاسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن الصلاح محمد بن عثمان الاموي المصري المشهور بابن المجمرة الامام العالم العلامة الجامع بين اشتات العلوم بقية العلماء الأجلاء مولده في صفر سنة سبع وستين وسبعمائة سمع الكثير وكتب الطباق والأجزاء وخطه حسن حلو وأخذ عن مشايخ الاسلام وتفنن ودرس وأفتى وناب في القضاء وحج وجاور ثم ولي قضاء دمشق مسؤلا في ذلك في جمادي الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وباشر بعفة وسار سيرة مرضية وعزل في سنة خمس وثلاثين ورجع إلى بلده ثم في آخر سنة ثمان وثلاثين ولي تدريس الصلاحية عوضا عن الشيخ عز الدين المقدسي وأقام بها إلى أن توفي في سنة اربعين وكان شكلا حسنا فاضلا حسن المحاضرة لطيف المفاكهة يكتب على الفتاوى كتابة مليحة وله أوراد من صدره وذكر وغيرهما توفي نهار السبت سادس عشر ربيع الآخر سنة اربعين وثمانمائة ودفن بماملا وخلف دنيا طائلة رحمه الله شيخ الإسلام رحلة الآفاق والمحقق على الاطلاق عز الدين بن عبد السلام بن داود بن عثمان بن عبد السلام السعدي المقدسي مولده بقرية كفر الماء من عجلون في سنة إحدى أو اثنتين وسبعين وسبعمائة وحفظ كتبا من فنون شتى واشتغل وحصل وبرع في العلوم وارتحل واشتغل وناظر الفحول وقدم القدس وتوجه إلى دمشق وسمع الكثير وأجازه جماعة ودرس وأفتى وحدث وحج إلى بيت الله الحرام واستنابه الجلال البلقيني في الحكم بالديار المصرية في سنة اربع عشرة وثمانمائة وولي تدريس الصلاحية في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بعد البرماوي ثم عزل بقاضي القضاة شهاب الدين ابن المحمرة المذكور قبله في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ثم وليها بعده في سنة اربعين واستمر إلى ان توفي في يوم الجمعة خامس شهر رمضان سنة خمسين وثمانمائة رحمه الله وولي بعده شيخ الإسلام جمال الدين ابن جماعة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى قاضي القضاة شيخ الإسلام سراج الدين أبو حفص عمر بن موسى بن محمد الحمصي المخزومي الشافعي مولده تقريبا في مباديء سنة سبع وسبعين وسبعمائة وقد رأيت في طبقات الحديث مولده في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وسبعمائة بمدية حمص سمع الحافظ ابن الجزري وأجازه الجلال البلقيني والحافظ بن حجر وكان رجلا زكيا فصيحا ولي قضاء دمشق وغيرها ثم ولي تدريس الصلاحية عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن جماعة في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ثم عزل وأعيد الشيخ جمال الدين وولي الحمصي تدريس الشفعي ثم عزل بالشيخ شرف الدين يحيى المناوي قاضي القضاة لما ولي هو دمشق ثم عزل وقدم بيت المقدس وأقام به إلى أن توفي نهار الثلاثاء ثاني عشي صفر سنة إحدى وستين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة بقرب سيدي شداد بن أوس الصحابي رحمها الله تعالى قاضي القضاة وشيخ الاسلام أحد الأئمة العلام جمال الدين أبو محمد عبد الله ابن الامام العلامة نجم الدين أبي عبد الله محمد بن الخطيب زين الدين عبد الرحمن ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الكناني الشافعي من ولد مالك بن كنانة مولده ببيت المقدس في ذي القعدة سنة ثمانين وسبعمائة نشأ في عفة وصيانة وانقطع عن الناس واشتغل في العلوم على الشيخ شمس الدين القرقشندي وغيره ورحل إلى القاهرة وأخذ عن مشايخها ومن أجل شيوخه شيخ الاسلام سراج الدين البلقيني أخذ عنه العلم وأذن له في الافتاء والتدريس ولازم الاشتغال ودرس وأفتى فصارت الفتاوى تأتي اليه من ضواحي القدس وبلاد الصلت وعلجون والكرك وصار مشارا اليه لعفته وديانته لم تضبط له صبوة قليل الكلام في المجالس باشر الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف في سنة تسع وثمانمائة ثم سعى عليه الشيخ زين الدين عبد الرحمن القرقشندي فاشرك بينهما ثم ولي قضاء الشافعية بالقدس الشريف في خامس عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة في سلطنة الناصر فرج بن برقوق وعزل نفسه مرارا ثم يسال ويعاد ثم بعد وفاة القاضي ناصر الدين البصروي ولي القضاء بالقدس الشريفة في سنة اثنتين واربعين وثمانمائة فباشر بعفة ونزاهة وصيانة وديانة إلى أن عزل بابن السابح في سنة اربع واربعين وثمانمائة ثم ولي تدريس الصلاحية في سنة خمسين وثمانمائة بعد وفاة الشيخ عز الدين المقدسي وكان تقدم له تفويض من والده ليلة وفاته بالقاهرة االمحروسة وهو صغير في سنة خمس وتسعين وسبعمائة وكتب له إشهاد بذلك ثم فوض اليه البرماوي في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة - كما تقدم في ترجمته - فلم يتم له ذلك إلا في سنة خمسين وثمانمائة فباشر على أحسن الوجوه وحمدت سيرته واتفق ان بعض الحسدة أغرى الشيخ سراج الدين الحمصي على السعي عليه فبذل مالا لبعض مباشري السلطان وطلب الشيخ جمال الدين إلى مصر وعقد له مجلس للمناظرة بينه وبين الحمصي فغيب الحمصي واستمر الشيخ جمال الدين في المشيخة وأكرمه الظاهر جقمق وعاد إلى القدس معاملا بالجميل ثم سعى الحمصي في المشيخة فاعطيها وباشر مدة يسيرة ثم عزل واعيد الشيخ جمال الدين واستمر بها إلى أن توفي وكان عنده ورع وظهرت له كرامات وكان مجاب الدعوة توفي بمدينة الرملة ضحى نهار الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة خمس وستين وثمانمائة ونقل إلى القدس الشريف في نهار السبت وصلي عليه بالمسجد الأقصى الشريف ودفن بتربة ماملا بجوار أبي عبد الله القرشي والشيخ شهاب الدين أرسلان وكان له مشهد عظيم حضر جنازته شخص من أولياء الله تعالى وتألم عليه رحمه الله ولما ولي الخطابة عوضا عن الحموي بعد عزله مدحه العلامة زين الدين عبد الرحمن القرقشندي فقال وخطابة الأقصى محاسنها بدت لما أتاها ذو الجمال الباهي واستبشر المحراب بعد أن انحنى بالعود لما قام عبد الله قاضي القضاة شيخ الاسلام خطيب الخطبا حسنة الليالي والأيام نجل العلماء نجم الدين أبو البقاء محمد بن قاضي القضاة برهان الدين أبي اسحاق إبراهيم بن القاضي جمال الدين أبي محمد عبد الله ابن جماعة الكناني الشافعي شيخنا الامام العالم العلامة الحبر الفهمامة سبط قاضي القضاة شيخ الاسلام سعد الدين الديري الحنفي مولده في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف ونشأ به وهو من بيت علم ورياسة واشتغل بالعلم من صغره على جده وغيره ودأب وحصل وأخذ عن العلماء وفضل وتعين في حياة جده الشيخ جمال الدين وأذن له قاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي شهبة بالافتاء والتدريس مشافهة حين قدومه إلى القدس الشريف فتميز وصار من أعيان علماء بيت المقدس وساد على أقرانه ولم تعلم له صبوة وباشر الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف فلما توفي جده شيخ الاسلام جمال الدين كان والده قاضي القضاة برهان الدين حين ذاك متوليا قضاء الشافعية فتكلم له في تدريس الصلاحة عبد الملك الظاهر خشقدم فأنعم له بذلك وكتب له التوقيع بولايتها ثم عن للقاضي برهان الدين أن يكون التدريس لولده الشيخ نجم الدين لاشتغاله هو بمنصب القضاء والنظر في أحوال الرعية فروجع السلطان في ذلك فاجاب وولي الشيخ نجم الدين وكتب توقيعه بذلك فباشرها أحسن مباشرة وحضر معه يوم جلوسه قاضي القضاة حسام الدين ابن العماد الحنفي قاضي دمشق وكان في ذلك العصر ببيت المقدس جماعة من أعيان العلماء وشيوخ الاسلام المعتمد عليهم منهم الشيخ تقي الدين القرقشندي والشيخ كمال الدين بن أبي شريف وأخوه الشيخ برهان الدين الانصاري والشيخ أبو العباس المقدسي والشيخ ماهر المصري والشيخ برهان الدين العجلوني وغيرهم من الأماثل المعتبرين وحضر غالبهم الدرس واعادوا عنده وأثنوا عليه ثناء حسنا ولم تزل الوظيفة بيده إلى أن توفي والده قاضي القضاة برهان الدين في شهر صفر سنة اثنين وسبعين وثمانمائة فاستقر بعده في وظيفة قضاء الشافعية بالقدس واجتمع له منصب القضاء وتدريس الصلاحية وخطابة المسجد الأقصى وذلك في دولة الظاهر خشقدم في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة فباشر القضاء بالقدس الشريف بعفة وصيانة ونزاهة مع لين جانب ولم يلتمس على القضاء الدرهم الفرد حتى تنزه عن معاليم النظار مما يستحقه شرعا ثم في أواخر سنة اثنتين وسبعين صرف عن تدريس الصلاحية وقضاء الشافعية واستقر فيهما قاضي القضاة غرس الدين خليل بن عبد الله أخو الشيخ أبي العباس المقدسي فانقطع في منزله بالمسجد يفتي ويدرس ويشغل الطلبة ويباشر وظيفة الخطابة بالمسجد الأقصى وقد عرضت عليه في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة قطعة من كتاب المقنع في الققه وأجازني واستمر القاضي غرس الدين إلى سنة خمس وسبعين وثمانمائة فوقعت حادثة أوجبت عزله وسنذكرها فيما بعد في ترجمة السلطان الملك الأشرف نصره الله تعالى في حوادث السنة المذكورة واستقر بعده في تدريس الصلاحية شيخ الاسلام كمال الدين ابن أبي شريف وسنذكر ترجمته فيما بعد - كما تقدم الوعد به في أول الكتاب - وكانت ولايته في شهر صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة واستمر بها إلى سنة ثمان وسبعين ثم أعيد شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة إلى تدريس اصلاحية في ربيع الآخر في السنة المذكورة ووصل اليه التوقيع الشريف والتشريف السلطاني في جمادي الأولى وقرئ توقيعه بالمسجد الأقصى حين دخوله وهو لابس التشريف وكان يوم الخميس سابع جمادي الأولى ولم يجر بذلك عادة لأن المصطلح قراءة التوقيع عقب صلاة الجمعة ثم جلس للتدريس بعد ذلك وحضر معه خلق كثير وكنت حاضرا ذلك المجلس فقرأ خطبة بليغة بالفاظ فائقة من معناها أن هذه الوظيفة كانت بيده وخرجت عنه فمن الله بعودها والعود أحمد ثم تكلم على قوله تعالى ( ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم قالو يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت الينا ) والقى درسا مطولا ثم انصرف إلى منزله بالمسجد الأقصى الشريف والناس في خدمته ومن جملتهم الشيخ سعد الله الحنفي إمام الصخرة الشريفة ثم تنزه عن منصب القضاء فلم يلتفت اليه بعد ذلك ولم يكن بعده من القضاة من هو في معناه في الصفة والحشمة ثم تنزل عن صحته في الخطابة وانجمع عن الناس فلم يتكلم في شيء من أمور الدنيا لفساد الزمان وله شرح على جمع الجوامع في الاصول سماه النجم اللامع في شرح جمع الجوامع في مجلدين وتعليق على الروضة إلى اثناء الحيض في ملجدات وتعليق على المهاج في مجلدات ولم يكمل والدر النظيم في أخبار موسى الكليم وغير ذلك وهو مستمر في تدريس الصلاحية إلى يومنا عامله الله بلطفه وختم لنا وله بخير بمنه وكرمه ( القضاء الشافعية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل ) ( عليه الصلاة والسلام ) وقد تقدم ذكر القاضي بهاء الدين ابن شداد الذي ولاه الملك صلاح الدين قضاء بيت المقدس بعد الفتح ورأيت أيضا على كتاب وقف المدرسة الصلاحية خط القاضي المثبت له واسمه أحمد بن عد الله بن عبد الرحمن بن الحباب وأرخ خطه بالحكم في تاسع عشري رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة والظاهر أنه كان نائبا عن ابن شداد والله أعلم فإن ابن شداد كان قاضيا في ذلك الوقت بلا خلاف وتقدم ذكر بعض القضاة من مشايخ المدرسة الصلاحية ويأتي ذكر بعضهم أيضا في خطباء المسجد الأقصى الشريف وقد كان القضاة في الزمن السلف بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام والرملة ونابلس وهذه المعاملة يوليهم قاضي دمشق ولم يزل الأمر على ذلك إلى بعد الثمانمائة ثم صار الأمر من الديار المصرية ولم يكن قديما بالقدس الشريف سوى قاض شافعي فقط فأول ما تجدد منصب قضاء الحنفية في سنة اربع وثمانين وسبعمائة ولي القاضي جمال الدين الحنفي من الملك الظاهر برقوق ثم تجدد منصب المالكية في سنة اثنتين وثمانمائة فوليه القاضي جمال الدين ابن الشحاذة ثم تجددمنصب الحنابلة في سنة اربع وثمانين فوليه القاضي عز الدين قاضي الاقاليم وكلاهما بتولية الناصر فرج بن برقوق وسنذكر ترجمتهم فيما بعد إن شاء الله تعالى وقد ولي قضاء الشافعية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام جماعة فمنهم من اطلعت على ترجمته وتاريخ وفاته فأذكر من اطلعت عليه على وجه الاختصار ومنهم من لم اطلع له على ترجمة وإنما عرفت اسمه من اطلاعي على اسجاله في المستندات الشرعية أو غير ذلك فاذكر اسمه والعصر الذي كان متوليا فيه وكل من رأيت له في اسجاله قاضي القضاة أو ترجمة بذلك أحد من المؤرخين كتبت له ذلك ومن لم أر في اسجاله ولا في ترجمته كتبت له القاضي فاقول - وبالله المستعان - قاضي القضاة صدر الدين أبو اسحاق إبراهيم بن عم الشهرزوري الشافعي وهو المثبت لكتاب وقف الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف حين مباشرته الحكم نيابة عن قاضي القضاة بهاء الدين بن شداد في يوم الأحد سابع عشري رمضان سنة تسعين وخمسمائة قاضي القضاة شمس الدين أبو الغنائم سالم بن يوسف بن صاعد الباهلي الحاكم بالقدس الشريف خلافة عن قاضي القضاة زكي الدين أبي العباس طاهر بن محمد بن علي القرشي الحاكم للدولة القاهرة النبوية الامامية المقدسة المكرمة العباسية الامام الناصر لدين الله خليفة بغداد وكان متوليا منه في سنة سبع وستمائة قاضي القضاة شمس الدين أبو النصر محمد بن هبة الله بن يحيى بن بندار بن مميل بفتح الميم الاولى وكسر الثانية وسكون الياء آخر الحروف وآخره لام - الشيرازي الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع واربعين وخمسمائة وأجاز له أبو الوقت السحري وغيره وسمع من جماعة وحدث بمصر والقدس ودمشق كان متوليا بالقدس في سنة اربع وتسعين وخمسمائة وقبلها نيابة عن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن الزكي قاضي دمشق وطال عمره وتفرد في زمانه ولي قضاء دمشق بعد القدس وكان رئيسا نبيلا فاضلا ماضي الحكام عديم المحاباة يستوي عنده الخصمان ساكنا وقورا يذهب غالب زمانه في نشر العلم وإلقاء الدروس على اصحابه توفي في جمادي الآخرة سنة خمس وثلاثين وستمائة رحمه الله قاضي القضاة شمس الدين أبو البركات يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد الثعلبي الدمشقي الشافعي المعروف بابن سي الدولة وهو لقب جده الحسن ولد سنة اثنتين وخمسمائة وتفقه على ابن عصرون واشتغل بالخلاف على القطب النيسابوري وسمع من جماعة وولي قضاء القدس من قبل قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن الزكي وكان متوليا في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ثم ولي قضاء القدس من قبل قاضي القضاة زكي الدين أبي العباس طاهر القرشي وكان متوليا عنه في سنة إحدى وستمائة وبعدها ولي قضاء دمشق وحمدت سيرته وكان إماما فاضلا مهيبا جليلا حدث بمكة وبيت المقدس وحمص وتوفي في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وستمائة القاضي الامام سديد الدين أبو عبد الله محمد بن صاعد بن السلم القرشي الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ست واربعين وستمائة قاضي القضاة نجم الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي الغنائم سالم ابن يوسف بن صاعد قاضي القدس الشريف ونابلس كان متوليا من أمير المؤمنين المستعصم بالله آخر خلفاء بغداد في سنة خمسين وستمائة القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن القاضي سديد الدين أبي عبد الله محمد بن صاعد بن السلم القرشي الشافعي كان متوليا قضاء القدس الشريف من قبل القاضي شمس الدين بن خلكان قاضي دمشق في سنة ست وستين وستمائة وبعدها القاضي صفي الدين بن محمد بن عبد الله بن يوسف ابن مكتوم القيسي الشافعي ولي قضاء القدس خلافة عن قاضي القضاة عز الدين أبي المفاخر محمد الأنصاري الشافعي قاضي دمشق وكان متوليا في سنة سبعين وستمائة القاضي شهاب الدين محمد بن عبد القادر بن ناصر الانصاري الشافعي ويعرف بابن العالمة ولد في سنة ستمائة وكان من الفضلاء الادباء الفقهاء رحل في طلب العلم وولي قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وكانت أمه عالمة كبيرة القدر تحفظ القرآن وشيئا من الفقه والخطب ولولدها اشعار مليحة روى عنه ولده قاضي القضاة زين الدين قاضي حلب وتوفي في سنة اثنتين وسبعين وستمائة القاضي شرف الدين موسى بن جبريل الشافعي قاضي القدس الشريف والرملة وكان متوليا في سنة ثمان وسبعين وستمائة نيابة عن القاضي محيي الدين عمر بن موسى بن عمر الشافعي الحاكم بمدينة غزة والاعمال الساحلية القاضي الامام العلامة تاج الدين أبو محمد بن أبي حامد الجعبري الشافعي كان متوليا قضاء القدس الشريف في سنة احدى وثمانين وستمائة القاضي جلال الدين أبو محمد عبد المنعم ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج أبي بكر بن رشيد الدين أبي العباس أحمد الخزاعي الانصاري الشافعي كان متوليا قضاء القدس في سنة إحدى وتسعين وستمائة قاضي القضاة صدر العلماء شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي العباس أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر الخويي الشافعي قاضي دمشق وابن قاضيها ولد في شوال سنة ست وعشرين وستمائة بدمشق مات والده وله إحدى عشرة سنة فحفظ عدة كتب وحدث ودرس بمصر والشام وهو شاب ولي قضاء القدس الشرف في سنة سبع وخمسين وستمائة ثم ولي قضاء المحلة وبهنسة ثم قضاء حلب ثم قضاء الديار المصرية ثم نقل إلى قضاء الشام وكان أحد الائمة الفضلاء كثير التواضع حسن الخلق شديد المحبة لأهل العلم علامة وقته وفريد عصره أحد الأئمة الأعلام جامعا لفنون العلم صنف كتابا في مجلد كبير يشتمل على عشرين فنا من العلم وشرح الفصول لابن معطي ونظم علوم الحديث لابن الصلاح والفصيح لثعلب وكفاية المتحفظ وشرح منن أول الملخص للقابسي خمسة عشر حديثا في مجلد توفي يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة بدمشق ودفن عند والده بسفح قاسيون رحمهما الله تعالى والخويي - بضم الخاء المعجمة وفتح الواو بعدها ثم الياء آخر الحروف ساكنة ثم الياء أيضا آخر الحروف - وهي نسبة إلى خوى من اعمال اذربيجان القاضي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة نجم الدين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي الغنائم سالم بن يوسف ابن صاعد بن السلم القرشي الشافعي ولي الحكم بالقدس الشريف ونابلس وفاقون وجنين وأعمالها من قبل قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة الحاكم بدمشق المحروسة وضواحيها والبلاد الشامية والحلبية من العريش إلى الفرات كان متوليا في سنة ثلاث وتسعين وستمائة وكان ينوب عنه أخوه قاضي القضاة شرف الدين موسى رحمهما الله تعالى القاضي شرف الدين منيف بن سليمان بن كامل السلمي الشافعي الامام العالم العامل الصدر الامام الكبير قاضي بيت المقدس مولده في يوم الاربعاء الرابع عشر من صفر سنة ثلاث واربعين وستمائة بزرع كان مشكور السيرة فقيها من اصحاب الشيخ تاج الدين الفزاري باشر قضاء القدس الشريف وكان متوليا في سنة ثمان وتسعين وستمائة وبعدها وتوفي ليلة السبت ثاني عشر جمادي الاولى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ودفن بماملا عند أبي عبد الله القرشي القاضي فخر الدين عثمان بن علم الدين بن علي الهلالي الشافعي قاضي بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان متوليا في ذي القعدة سنة إحدى وعشين وسبعمائة القاضي نجم الدين أحمد بن القاضي شمس الدين مجمد بن القاضي جلال الدين الانصاري الشافعي قاضي القدس الشريف توفي في شهر المحرم سنة ست وعشرين وسبعمائة ودفن بماملا عند القلندرية القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي جلال الدين أبي محمد عبد المنعم بن جمال الدين أبي الفرج أبي بكر بن أحمد الأنصاري الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة اربع عشرة وسبعمائة خلافة عن قاضي القضاة نجم الدين أبي العباس أحمد بن صقرى الثعلبي الشافعي قاضي دمشق والفتوحات الساحلية والعساكر المنصورة وتوفي في سنة ست وعشرين وسبعمائة ودفن بماملا عند القلندرية القاضي نجم الدين أحمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع واربعين وستمائة اشتغل وحصل وبرع وولي القضاء بالقدس الشريف وكان متوليا في سنة ثلاث وثمنين وستمائة خلافة عن قاضي القضاة بهاء الدين أبي الفضل يوسف القرشي الشافعي قاضي دمشق ثم عاد إلى دمشق وناب في الحكم بها وتوفي في يوم الأحد الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة ست وعشرين وسبعمائة ودفن بالباب الصغير القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن كمال الدين بن حامد بن بدر الدين تمام الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة تسع وعشرين وسبعمائة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ كمال الدين كامل التدمري الشافعي ولي الخطابة والامامة بحرم سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وباشر نيابة الحكم بدمشق ثم ولي قضاء القدس الشريف من دمشق وسافر إلى القدس متوليا في مستهل شهر ربيع الأول سنة اربع وثلاثين وسبعمائة وله مصنفات منها شرح الاربعين والفروق والاشباه والنظائر وغير ذلك فكان موجودا متوليا قضاء القدس الشريف في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن كامل بن شرف الدين تمام التدمري الشافعي ولي قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام عن قاضي القضاة تقي الدين أبي المحاسن السبكي الشافعي قاضي دمشق بمقتضى توقيع وقفت عليه مؤرخ في العشر الأوائل من جمادي الاخرة سنة ثلاث واربعين وسبعمائة القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله بن اميريس بن محمد القمولي الشافعي قاضي القدس الشريف ولي عن قاضي القضاة تقي الدين السبكي كان متوليا في سنة ثلاث واربعين وسبعمائة القاضي علاء الدين علي أبو الحسن بن الشيخ شهاب الدين أبي المعالي شريف ابن الشيخ جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن الوحيد الشافعي كان متوليا قضاء بيت المقدس في سنة احدى واربعين وسبعمائة وتوفي قبل الخمسين والسبعمائة القاضي أمين الدين أبو عبدا الله محمد بن إبراهيم بن زين الدين عبد الرحمن الشافعي كان متوليا قضاء بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في سنة خمسين وسبعمائة القاضي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم ابن الشيخ جمال الدين هبة لله قاضي القدس كان متوليا في سنة سبع وخمسين وسبعمائة القاضي شمس الدين محمد بن أمين الدين بن سالم بن ناصر الدين عبد الناصر الكناني الفوي الشافعي سمع الحديث من جماعة وأفتى ودرس وولي قضاء القدس وحدث وكان متوليا في سنة تسع وعشرين وسبعمائة ومات سنة بضع وخمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى القاضي علم الدين أبو الربيع سليمان بن أمين الدين أبي الغنائم سالم الشافعي قاضي بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وبيت جبريل كان متوليا في سنة ستين وسبعمائة القاضي علم الدين سليمان بن عبد القادر بن سالم بن محمد الغزي الشافعي ولد في حدود التسعين والستمائة وسمع على علي بن محمد بن برهان الدين الثعلبي وزينب بنت أحمد بن عمر بن شكر والتقى سليمان والمطعم وحفظ المنهاج ودار إلى ان مهر وأفتى ودرس ولي قضاء غزة ثم قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وتوفي في شوال سنة اربع وستين وسبعمائة القاضي تاج الدين أبو الانفاق أبو بكر علي بن أحمد بن كمال الدين بن محمد الأموي المقدسي ابن تقي المعروف بالمعيد حفظ المنهاج وتفقه وأعاد ثم ولي قضاء القدس الشريف ودرس وكان يسمع من الحجار وزينب بنت شكر وغيرهما سمع صحيح البخاري على الملك الأوحد نجم الدين يوسف بسماعه له عن ابن الليثي بسنده في سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع عليه قاضي القضاة شمس الدين الديري الصحيح بسماعه على الملك الأوحد سنة اربع وستين وسبعمائة توفي بالقدس الشريف في رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الامام العالم العلامة علم الدين سليمان الحكري الشافعي ولي الحكم والخطابة بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثم ولي القضاء بالقدس الشريف وكان متوليا في سنة تسع وستين وسبعمائة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدين أبي البركات موسى بن زين الدين الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن كمال الدين أبي عبد الله محمد بن علاء الدين ابن العباس أحمد الأموي الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين أبي محمد حامد ابن الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد المقدسي الانصاري الشافعي قاضي القدس الشريف مولده في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ولي تدريس المدرسة الطازية بالقدس الشريف وناب في الحكم بالقاهرة عن قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة وناب في الخطابة بالمسجد الأقصى وكان متوليا للحكم بالقدس في سنة إحدى وثمانين وتوفي في شعبان سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة ودفن بباب الرحمة القاضي زين الدين أبو المكارم عبد الرحمن ابن القاضي شسمس الدين أبي عبد الله محمد الزرعي الشافعي قاضي القدس كان متوليا في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة ودفن بماملا عند باب الفلندرية القاضي شمس الدين محمد بن جلال الدين ابن القاضي نجم الدين أحمد الأنصاري الشافعي قاضي القدس توفي في سادس شوال سنة اربع وثمانين وسبعمائة قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري الصلتي الشافعي الامام العالم العلامة الفاضل قاضي حمص اشتغل بالقدس الشريف وكتب وقرأ وولي قضاء الصلت ولم يزل ينتقل في قضاء البر وولي قضاء القدس وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ونابلس وآخر ما ولي حمص وبها توفي في رجب سنة ست وثمانين وسبعمائة ولم يبلغ الخمسين سنة اختصر ميدان الفرسان في ثلاث مجلداترحمه الله القاضي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي جمال الدين أبي بكر بن شجرة التدمري الأصل الدمشقي الفقيه المفتي اشتغل وتقدم واشتهر ولي القضاء بأعمال الشام وآخر ما ولي قضاء القدس الشريف ورأيت اسجاله في بعض المستندات مؤرخا في شهور سنة تسع وستين وسبعمائة ثم عزل وقدم دمشق وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة في عشر السبعين ظنا ودفن بسفح قاسيون القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن شرف الدين أبي عثمان سعيد بن الشيخ تاج الدين أبي حمد عبد الرحمن الانصاري الزواري الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن الخطيب زين الدين أبي محمد عبد الرحمن ابن محمد التدمري الشافعي قاضي بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان متوليا في سنة تسع وثمانين وسبعمائة القاضي عماد الدين أبو الفدا اسماعيل ابن العدل شهاب الدين أبي العباس أحمد بن نور الدين أبي الحسن علي البارزيني الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وبعدها القاضي تقي الدين أبو محمد عبد اللطيف بن بهاء الدين أبي عبد الله محمد بن علم الدين أبي عبد الله محمد البرلسي الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة اربع وتسعين وسبعمائة القاضي شهاب الدين أحمد بن القاضي شرف الدين أبي محمد عبد الله السليماني الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ست وتسعين وسبعمائة القاضي شرف الدين أبو الروح عيسى بن شيخ الشيوخ جمال الدين أبي الجود غانم الانصاري الخزرجي الشافعي قاضي القدس الشريف وشيخ الخانفاه الصلاحية وهو الذي حكر أرض البقعة ظاهر القدس الشريف الجارية في وقف الخانقاه المذكورة في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وصارت كروما وزاد بذلك ريعها لجهة الوقف ورغب الناس فيها وكثر الانتفاع بها بعد ان كانت أرضا مزدرعة توفي في شوال سنة سبع وتسعين وسبعمائة شبه الفجأة القاضي تقي الدين أبو محمد وأبو البقاء صالح بن الشيخ صلاح الدين أبي الصفا خليل بن الشيخ أمين الدين أبي الغنائم سالم الكناني الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وقبلها القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ فخر الدين أبي عمرو عثمان قاضي بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان متوليا قبل الثمانمائة القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد السلاوي الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة إحدى وثمانمائة القاضي تقي الدين أبو الأيادي أبو بكر بن جمال الدين أبي اسحاق إبراهيم البصروي الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة اثنتين وثمانمائة القاضي زين الدين أبو محمد عبد اللطيف بن بدر الدين أبي محمد الحسن ابن خلف البلبيسي الشافعي ولي قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وبيت جبريل ونظر الأوقاف والمساجد من قاضي القضاة علاء الدين أبي الحسن علي السبكي الشافعي قاضي دمشق بمقتضى توقيع كتب له وقفت عليه وهو مؤرخ في ليلة يسفر صباحها عن السابع والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وثمانمائة وكان والده بدر الدين حسن ابن خلف البلبيستي رجلا صالحا زاهدا وكان موجودا في سنة تسع وخمسين وسبعمائة القاضيي سعدالدين سعد بن اسماعيل بن يوسف النواري الدمشقي الشافعي الشيخ الامام مولده في سنة تسع وعشرين وسبعمائة قدم دمشق صغيرا ولازم الشيخ تاج الدين المراكشي وتفقه لى شمس الدين ابن قاضي شهبة وقرأ على الشيخ عماد الدين ابن كثير كتاب علوم الحديث الذي ألفه واذن له بالفتوى واشتغل بالجامع الأموي وأعاد بالناصرية والقيمرية وكتب في الاجازات وعلى الفتاوى ودرس في آخرعمره وناب في القضاء ولي قضاء بلد الخليل عليه السلام مدة يسيرة وتوفي بها في ربيع الآخر سنة خمس وثمانمائة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ سعدالدين أبي الصفا سعد ابن قرموز الزرعي الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة ست وثمانمائة القاضي بدر الدين أبو محمد الحسن بن الشيخ شرف الدين أبي البركات موسى ابن مكي الشافعي ولي قضاء القدس الشريف مرارا ورأيت اسجاله في ظاهر كتاب وقف المدرسة الصلاحية مؤرخ في شهر رمضان سنة تسع وثمانمائة وكان متوليا قبل التاريخ المذكور وبعده القاضي جمال الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد العراقي الشافعي قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة القاضي شرف الدين أبو المناقب موسى بن شيخ الاسلام مفتي العراق برهان الدين أبي اسحاق إبراهيم بن القرقشندي الشافعي كان متوليا قضاء القدس الشريف في سنة خمس عشرة وثمانمائة وقد أخبرت قديما انه كان هو والقاضي شهاب الدين ابن الحكمة في عصر واحد وكل منهما كان متوليا للقضاء مشاركا للاخر فكان القاضي شرف الدين القرقشندي يجلس بالمدرسة الظاهرية والقاضي شهاب الدين بن الحكمة يجلس بدار الحديث رحمهما الله تعالى توفي القاضي شرف الدين القرقشندي مطعونا في ليلة الاثنين المسفر صباحها عن العشرين من شعبان سنة سبع وعشرين وثمانمائة ودفن بماملا القاضي برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن شمس الدين محمد بن قاضي الصلت الشافعي وقفت على توقيعه بقضاء القدس من الملك المؤيد شيخ مؤرخ في ثاني عشري جمادي الأولى سنة ثمان عشرة وثمانمائة القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ بدر الدين أبي عبد الله محمد ابن القاسم المشهور بابن الحكمة قاضي القدس الشريف كان متوليا في سنة عشرين وثمانمائة القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن رشيدة السعدي الحسائي الشافعي قاضي القدس الشريف كانت الوظيفة بينه وبين القاضي بدر الدين ابن مكي دولا ووقع بينهما أمور لا فائدة في ذكرها وكان متوليا في سنة اربع وعشرين وثمانمائة ورأيت اسجاله في مستند بخط نفسه في سنة ست وعشرين وثمانمائة كتب فيه خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف فالظاهر أنه بعد استقلاله بالقضاء باشره نيابة والله أعلم القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي الثناء محمود بن الشيخ صفي الدين أبي الانفاق أبي بكر الشافعي خطب بمدينة قارا كان متوليا قضاء القدس الشريف في شهر شعبان سنة اربع وعشرين وثمانمائة القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ برهان الدين أبي اسحاق إبراهيم الرماوي الشافعي كان متوليا قضاء القدس الشريف في سنة ثمان وعشرين وبعدها إلى سنة اربع وثلاثين وثمانمائة قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن شرف الدين أبي الفدا اسحاق ابن شمس الدين أبي عبد الله محمد التميمي الشافعي قاضي بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان متوليا في شهر شوال سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وبعدها ثم ولي قضاء بيت المقدس مضافا لقضاء بلد الخليل في دولة الملك الناصر فرج بن برقوق في سنة خمس وثمانمائة وكان من المعيدين بالمدرسة الصلاحية بالقدس الشريف في زمن الشيخ شمس الدين الهروي توفي في سنة ثلاثين وثمانمائة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمد النقوعي الصوفي الشافعي كان قد باشر قضاء بلد سيدنا الخليل قبل الثمانمائة ثم ولي قضاء القدس وكان متوليا في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة قاضي القضاة ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد البصروي الانصاري الشافعي ولي قضاء القدس الشريف بعد القاضي علاء الدين الرماوي وكانت له سطوة وهيبة ووقع له وقائع بالقدس الشريف لا فائدة في ذكرها وكان اركان الدولة بالقاهرة يهابونه ويخشون عاقبته ويقال أنه كان وزير نوروز وتعين لكتابة السر بمصر وأنعم له بها فلم يتم له ذلك توجه من القدس الشريف إلى الديار المصرية بعد محنة حصلت له فسعى المباشرون بالقاهرة في توليته للقدس وعوده اليه إتقاء لشره فاستقر في الوظيفة وعاد حتى وصل إلى مدينة غزة فأكل طعاما مسموما ممن كان يثق به وهو مقرب عنده فمات بغزة وحمل إلى القدس الشريف ودفن بماملا في سنة اثنتين واربعين وثمانمائة عفا الله عنه وكانت مدة ولايته بالقدس الشريف نحو سبع سنين والله أعلم قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن القاضي نجم الدين أبي العباس أحمد بن الحسن بن علي بن ايوب بن عبد العزيز بن عثمان بن سلطان بن عساكر ابن عبد الله بن السائح والسائح من أجداده المذكورين هو ايوب على ما أخبر به القاضي علاء الدين ويعرف قديما بالشامي الرملي الأصل ثم المقدسي الشافعي مولده - أعني القاضي علاء الدين - في سنة ست وثمانين وسبعمائة وتوفي والده وله ست سنين فاستجاز له الشيخ شهاب الدين بن رسلان وزين الدين عبد الرحمن القرقشندي مشايخ ذلك الزمان فمن بعدهم وسمع وقرأ وفضل باشر قضاء الرملة نيابة عن عمه جمال الدين أكثر من عشرين سنة ثم استقل بالقضاء بها في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وكان اسلافه قضاة بمدية الرملة من زمن الملك الظاهر بيبرس وقد وقفت على أسجال من اسجالات أسلافه ذكر فيه الموثق اسم القاضي وقال الحاكم بمدينة الرملة نيابة عن قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان الحاكم بالمملكة الشامية مؤرخ بعد الستين والستمائة واستمر منصب القضاء بالرملة بأيديهم من ذلك العصر يتلقونه واحدا بعد واحد إلى أن وصل إلى القاضي علاء الدين في التاريخ المتقدم ذكره فباشره بعفة ونزاهة وحسنت سيرته وحمدت طريقته ثم قدر الله تعالى توليته وظيفة القضاء بالقدس الشريف عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين ابن جماعة فاستقر فيها في دولة الملك الظاهر جقمق في صفر سنة اربع واربعين وصادفت توليته تولية القاضي عز الدين خليل السخاوي ناظر الحرمين الشريفين فدخلا إلى القدس الشريف في يوم واحد وهو مستهل ربيع الأول سنة اربع واربعين وثمانمائة فاستمر عل ما هو معهود منه من العفة والسيرة الحسنة والأحكام المرضية إلى أن توفي في شهور سنة سبع وخمسين وثمانمائة ودفن بماملا بحوش البسطامية وكان من قضاة العدل وقد رأى بعضهم في منامه الشيخ داود الهندي وهو يقول له قل لابن السائح اني رسول الله رسول الله اليه ابشره انه من قضاة العدل الناجين رحمه الله تعالى قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ فخر الدين عثمان السعدي الشافعي ابن أخي شيخ الاسلام عز الدين المقدسي وكان يعرف بابن أخي شيخ الصلاحية ولي القضاء بالقدس الشريف عوضا عن القاضي علاء الدين ابن السائح مدة يسيرة في شهور سنة اربع وخمسين وثمانمائة ثم عزل وأعيد القاضي علاء الدين ولم يل بعدذلك ولحقه صمم وكان الناس سالمين من يده ولسانه وعمر وكانت وفاته في خامس عشر صفر سنة ست وثمانين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة رحمة الله عليه قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن القاضي المفتي علاء الدين أبي الحسن علي ابن القاضي شرف الدين اسحاق التميمي الداري الخليلي الشافعي مولده في ثامن عشر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة سمع الحديث على جماعة واشتغل قديما وحصل ولي قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وكان حسن الملتقى مشكور السيرة في القضاء عفيفا في الأحكام ثم ولي قضاء الرملة ثم غزة ثم ولي قضاء القدس الشريف عوضا عن القاضي برهان الدين بن جماعة في مستهل شهر جمادي الآخرة سنة اثنتين وستين وثمانمائة وانفصل في رابع عشر شعبان منها وتوفي بالقدس الشريف في نهار الاثنين العشرين من رمضان من السنة المذكورة وهي سنة اثنتين وستين وثمانمائة وأخوه القاضي زين الدين عبد الرحمن التميمي الشافعي الناظم مولده في إحدى الجمادين من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة سمع على جماعة وقرأ الصحيح على جده لأمه المحدث برهان الدين إبراهيم بن يوسف بن محمود الحنفي وسمع المسلسل بالأولية على سبعة وعشرين شيخا مجتمعين ولبس خرقة التصوف واشتغل في النحو على الشيخ شهاب الدين بن الهائم وفي الفقه على والده وغيره وحصل وفضل ومهر ونظم وله مصنف سماه بمدد الرحمن في اسباب نزول القرآن نظمه نظما جيدا وولي القضاء بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ونابلس ومن جملة ولايته لبلد الخليل مرة في سلطنة الملك الأشرف اينال في سنة ثلاث وستين ثم ولي في زمن الظاهر خشقدم في رمضان سنة سبع وستين وولي ايضا في رمضان سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وتوفي في يوم الجمعة سادس شعبان سنة ست وسبعين وثمانمائة رحمه الله تعالى القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي شهاب الدين أبي العباس أحمد التميمي الشافعي - المتقدم ذكر والده - ولي القضاء بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام بعد وفاة والده وكان له حرمة وشهامة ومعرفة تامة واستمر على القضاء إلى أن كف بصره بعد سنة سبعين وثمانمائة وانقطع في منزله ومع ذلك كانت كلمته نافذة توجه إلى القاهرة مطلوبا لحادثة وقعت فتوفي بالقاهرة في شهور سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وصلي عليه بالمسجد الأقصى الشريف صلاة الغائب في شهر ربيع الاخر عفا الله عنه قاضي القضاة خطيب الخطباء برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن قاضي القضاة شيخ الاسلام جمال الدين أبي محمد عبد الله بن الامام العلامة نجم الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة الكناني الشافعي مولده بالقدس الشريف في إحدى الجمادين سنة خمسين وثمانمائة أجازه جماعة وأدرك أصحاب الحجاز ولم يأخذ عنهم وقرأ بنفسه على مشايخ عصره ودرس في مدرسة الدويدارية وباشر خطابه المسجد الأقصى نيابة عن والده وكان يخطب من إنشائه بفصاحة لفظ وصوت عال صقل وناب في الحكم عن والده حين ولي قضاء القدس الشريف ثم ولي قضاء القدس استقلالا بعد وفاة القاضي علاء الدين ابن السائح في دولة الملك الأشرف اينال في سادس عشري شعبان سنة سبع وخمسين وثمانمائة فباشر بشهامة وحرمة زائدة وحشمة وافرة وعلت كلمته ونفذ أمره وكان شكلا حسنا بسيط اليد مع قلة المال وله اعتقاد في الفقراء على طريقة آبائه المتقدمين وهو آخر قضاة بيت المقدس المعتبرين فيما أدركناه توفي رحمه الله وهو باق على القضاء بعد العشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة ودفن بتربة ماملا بالحوش الذي به الشيخ أبو عبد الله القرشي والشيخ شهاب الدين ابن ارسلان وكانت جنازته حافلة عفا الله عنه وسنذكر من ولي بعده قضاء الشافعية بالقدس الشريف في ترجمة السلطان الملك الأشرف قايتباي إن شاءالله تعالى ( الخطباء بالمسجد الأقصى الشريف ومقام سيدنا الخليل ) ( عليه الصلاة والسلام ) قد تقدم عند ذكر فتح بيت المقدس ان الذي خطب به عقب الفتح ابن الزكي وهو قاضي القضاة محيي الدين أبو المعالي محمد بن الزكي القرشي الشافعي ونسبه متصل بسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه مولده في سنة خمسين وخمسمائة ولي قضاء دمشق في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وخمسمائة وكان والده وحده أيضا قاضيين بها وعلت منزلته عند الملك صلاح الدين وكان عالما حازما حسن الخط والتلفظ شهد فتح بيت المقدس وخطب به الخطبة المتقدم ذكرها وهي من إنشائه وأثنى عليه العلماء توفي في سابع شعبان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بدمشق ودفن بقاسيون رحمه الله وتقدم ذكر جماعة من الخطباء من مشايخ الصلاحية وممن ولي الخطابة بالقدس الشريف الشيخ أبو الحسن علي بن محمد ابن علي بن حميد بن سعد الدين المغافري المالقي كان محدثا مجيدا سمع كتاب الجامع المستقصى في فضل المسجد الأقصى على مصنفه الحافظ بهاء الدين القاسم بن عساكر في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة ست وتسعين وخمسمائة وكان خطيب المسجد الأقصى الشريف بعد فتحه ولم اطلع على تاريخ وفاته رحمه الله ووفاة ابن عساكر في سنة ستمائة ومن خطباء مقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام الخطيب محمد بن بكران بن محمد وكان قاضيا بالرملة في ايام الراضي بالله محمد ابن المقتدر العباسي خليفة بغداد في سنة نيف وعشرين وثلاثمائة وبعدها وله رواية في الحديث سمع جماعة وحدث عنه جماعة من أهل العلم رحمه الله ومن خطباء بيت المقدس الشيخ الامام الزاهدالورع شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن جعفر النابلسي المقدسي مولده بنابلس في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وخمسمائة سمع الحديث من الحافظ أبي محمد بن علي بن عساكر وغيره خطب مدة طويلة ببيت المقدس وحكم به ودرس توفي بدمشق في ثالث عشر ذي القعدة سنة خمس وستين وستمائة وولده العلامة القاضي شرف الدين أبو العباس أحمد خطيب الشام ولد بالقدس الشريف في سنة اثنتين وعشرين وستمائة وكان من أهل العلم ومن محاسن الزمان وله تصانيف عديدة وتوفي بدمشق في شهر رمضان سنة اربع وتسعين وستمائة ودفن بباب كيسان عند والده الشيخ الامام الخطيب أبو الذكا عبد المنعم بن أبي الفهم يحيى بن إبراهيم القرشي الزهري النابلسي الشافعي خطيب المسجد الأقصى الشريف مكث به خطيبا وإماما ومفتيا اكثر من اربعين سنة وكان شيخا جليلا له ذكر ومنزلة واشتغل بالفقه وشيء من العربية وكان يحفظ كثيرا من تفسير القرآن العظيم وكان الناس يقصدونه لاعتقادهم في علمه ودينه ويتلمسون دعاءه وبركته سمع الحديث وأجاز له جماعة من شيوخ دمشق وحلب والموصل وبغداد وواسط وهمدان وحدث في سنة اربع وخسمين وستمائة وكتب عنه جماعة من الأئمة الفضلاء بالديار المصرية والبلاد الشامية مولده في سنة ثلاث وستمائة تقريبا بنابلس وتوفي ليلة الثلاثاء سابع شهر رمضان سنة سبع وثمانين وستمائة بالقدس الشريف ودفن من الغد بمقبرة ماملا رحمه الله قاضي القضاة بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن عبد القادر الانصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن الصائغ الشيخ الإمام الزاهد مولده في المحرم سنة ست وسبعين وستمائة وكان إماما قدوة عابدا كثير المحاسن جاءه التقليد بقضاء القضاة بدمشق في سنة سبع وعشرين وسبعمائة فامتنع واصر على الامتناع فاعفي ثم ولي خطابة القدس الشريف ثم تركها توفي بدمشق في جمادي الأولى سنة تسع وعشرين وسبعمائة قاضي القضاة شيخ الاسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الكناني الحموي الشافعي ولد بحماة في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة ولي الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف وإمامته وقضاء القدس الشريف جمع له بين ذلك في شهر رمضان سنة سبع وثمانين وستمائة بعد موت قطب الدين خطيب المسجد الأقصى الشريف ثم نقل من القدس الشريف إلى قضاء الديار المصرية في سنة تسعين وستمائة وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ وتولى خطابة القدس الشريف عوضا عن جمال الدين أبي البقا ثم نقل إلى قضاء دمشق وخطابتها ومشيخة الشيوخ ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية ثم عزل منها ثم أعيد إليها وعمى في اثناء سنة سبع وعشرين وسبعمائة فصرف عن القضاء ووليه بعد مدة ولده قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز وانقطع بمنزله ليسمع عليه ويتبرك به وكان حسن السيرة له الجلالة والخلق الرضي وله النظم والنثر والخطب والتصانيف منها التبيان لمهمات القرآن وغرر التبيان والفوائد اللائحة من سورة الفاتحة والمنهل الروي في علوم الحديث النبوي والفوائد الغزيرة في أحاديث بريرة وتنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة وتحرير الأحكام في تدبير جيش الاسلام ومستند الأجناد في آلات الجهاد والطاعة في فضيلة صلاة الجماعة وحجة السلوك في مهاداة الملوك وكشف الغمة في أحكام أهل الذمة وله غير ذلك توفي في جمادي الأولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ودفن قريبا من الشافعي رضي الله عنه قاضي القضاة عماد الدين أبو حفص عمر بن الخطيب ظهير الدين عبد الرحيم ابن يحيى القرشي الزهري النابلسي الشافعي تفقه بدمشق واذن له في الفتوى وولي خطابة القدس الشريف مدة طويلة وقضاء نابلس معها ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره وله اشتغال وفضيلة وشرح صحيح مسلم في مجلدات وكان سريع الحفظ والكتابة توفي بالقدس في المحرم سنة اربع وثلاثين وسبعمائة ودفن بمقبرة ماملا وولي الخطابة عوضه زين الدين عبد الرحيم ابن جماعة وهو الخطيب العلامة زين الدين عبد الرحيم بن قاضي القضاة شيخ الاسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي ولي الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف في ثالث شهر ربيع الأول سنة اربع وثلاثين وسبعمائة وخلع عليه بذلك من دمشق واستمر إلى أن توفي في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة الشيخ شمس الدين محمد بن شرف الدين محمد بن جمال الدين أبو البقاء المائح قاضي الرملة بمائة الف درهم ولم يقم بها غير ثلاثة اشهر وعزل بالباعوني توفي ابن غانم بدمشق ودفن بمقبرة الأشراف وهو سبط الشيخ تقي الدين القرقشندي رحمهما الله تعالى قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس محمد بن ناصر بن خليفة الناصري الباعوني الشافعي الشيخ الامام العالم المتفنن خطيب الخطباء إمام البلغاء ناصر الشرع ولد بقرية الناصرية من البلاد الصفدية في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وحفظ القرآن وله عشر سنين والمنهاج في مدة يسيرة وقدم دمشق وعرض كتبه على جماعة من العلماء ومهر في العلوم ولي الخطابة بالجامع الأموي بدمشق ثم ولي القضاء بها مدة فباشر بعفة ومهابة زائدة وتصميم في الأمور مع نفوذ كلمة ثم ولي خطابة بيت المقدس مدة طويلة وتداولها هو والقاضي جمال الدين بن السائح وأخذ كل منهما عن الاخر غير مرة ثم ولي خطابة دمشق وغيرها توفي في أواسط المحرم سنة ست عشرة وثمانمائة وكانت جنازته مشهورة ودفن بسفح قاسيون رحمه الله الشيخ العلامة شرف الدين عبد الرحمن بن الشيخ العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ تقي الدين اسماعيل القرقشندي الشافعي سبط الشيخ صلاح الدين العلائي أخذ عن والده وفضل وانتهى إلى أن صار عين الشافعية بالقدس وبيده الخطابة مشاركا لغيره توفي في صفر سنة إحدى وعشرين وثمانمائة عن نحو خمسين سنة وكان إشتراك بني القرقشندي وبني جماعة في الخطابة بالقدس الشريف من زمن الملك المؤيد شيخ قبل العشرين والثمانمائة الخطيب تاج الدين اسحاق بن الخطيب برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن محمد بن كامل التدمزي الشافعي خطيب مقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام صنف كتاب ( مثير الغرام إلى زيارة الخليل عليه الصلاة والسلام ) وهو كتاب عبد الرحمن خطيب المسجد الشريف كان موجودا في سنة ثلاث وستين وسبعمائة الشيخ الامام العالم العلامة برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن الامام العلامة زين الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الككناني الشافعي ولد سنة ست أو ثمان وسبعمائة وبالثاني جزم أبو جعفر بن الكوكب في مشيخته سمع من الشريف ابن عساكر وغيره وجلور بالمساجد الثلاثة زماما ويقال أنه كان يأتي المسجد الأقصى في جوف الليل فيفتح له وكان كبير القدر زاهد وقته وكان عنده الخرقة عن والده عن أبيه عن عمه الشيخ أبي الفتح نصر الله بن جماعة عن محمد بن العز عن أبي البيان وكان يقول لا ألبسها من يحضر السماع وقد خطب زمانا بالمسجد الأقصى الشريف توفي في ذي الحجة سنة أربع وستين وسبعمائة وقد ثقل سمعه وتوفي والده الإمام الخطيب العلامة عبد الحميد في يوم الجمعة مستهل شعبان سنة إحدى واربعين وسبعمائة وكان ذا علم ودين وزهد وورع وصلاح ظاهر رحمه الله الخطيب العلامة عماد الدين أبو الفدا اسماعيل بن إبراهيم بن جماعة الكناني الشافعي خطيب المسجد الأقصى مولده في شوال سنة عشر وسبعمائة ناب في القضاء بمصر عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة مضافا لنظر الأوقاف ثم توجه إلى القدس وتولى الخطابة به لما ولي ابن عمه برهان الدين قضاء الديار المصرية وكان يدرس عن ابن عمه في الصلاحية نيابة توفي في ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة ومن خطباء بيت المقدس قاضي القضاة سري الدين والخطيب أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد الواسطي ولم أطلع لهما على ترجمة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن غانم بن أحمد بن غانم المقدسي النابلسي ولي قضاء نابلس مدة طويلة ثم ولي قضاء صفد ثم ولي خطابة القدس في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة بمال بذله ثم سعى عليه القاضي جمال الدين عبد الله بن حسن فيه فوائد جليلة توفي في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة عن غير ولد وتقدم ذكر جده الشيخ شمس الدين بن كامل خطيب المقام المشار اليه في تراجم القضاة الشافعية الخطيب عماد الدين اسماعيل بن الخطيب برهان الدين إبراهيم بن الخطيب شهاب الدين أحمد بن الخطيب شمس الدين محمد بن كامل التدمري الشافعي خطيب مقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام توفي إلى رحمة الله تعالى في صفر سنة خمس وثلاثين وثمانمائة الشيخ الامام العلامة زين الدين عبد الرحيم بن علي الأدنى الشهير بالحموي الواعظ الخطيب المفسر ولي خطابة المسجد الأقصى في دولة الملك الناصر فرج بن برقوق وفيه قال الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن القرقشندي إمامنا لما قرأ هيمنا وأطربا تيمنا بنطقه وعندما قرا سبا كان خطيبا جيدا فاضلا حبرا له سماعات كثيرة على مشايخ الشام وحلب اجتمع عليه الناس للوعظ والتفسير وقراءة الحديث وبعد صيته وصار له سمعة ولما عمر الأشرف برسباي جامعه المسجد بالقاهرة استقر خطيبه وكان يقرأ الحديث بمجلس أمير المؤمنين وأتابك الديار المصرية والأمراء توفي فجأة في ذي القعدة سنة ثمان واربعين وثمانمائة بالقاهرة وولي خطابة المسجد الأقصى الشريف بعد الحموي أخو جمال الدين الاستادار فناب عنه الخطيب جمال الدين بن جماعة ثم استقل بها وتقدم ذكره عند ذكر مشايخ الصلاحية الخطيب شهاب الدين أبو حامد بن الشيخ شرف الدين عبد الرحيم بن القرقشندي الشافعي مولده في سابع عشر رمضان سنة ثمانمائة سمع الحديث واشتغل وأعاد بالصلاحية وحدث وروى عنه الرحالون وولي الخطابة بالمسجد الأقصى مشاركا لغيره في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وكان حبرا متواضعا توفي في رابع عشر رجب سنة تسع وستين وثمانمائة ودفن بالقلندرية بماملا رحمه الله الحافظ العلامة شيخ الاسلام شهاب الدين المكنى بأبي العباس أحمد بن عبد الله الكناني الشافعي الواعظ نزيل القدس الشريف مولده بقرية مجدل حمامة بالقرب من عسقلان من أعمال غزة في اوائل سنة تسع وثمانمائة ونشأ بها ثم استوطن بيت المقدس واشتغل بالعلم ففتح عليه وانتمى إلى الشيخ شهاب الدين ابن أرسلان وهو الذي كناه واشتهر بكنيته دأب وحصل في ابتداء أمره وفضل وتميز وصار من أعيان الفقهاء والمعيدين بالمدرسة الصلاحية وجلس للوعظ فاشتهر أمره حتى قيل عنه ابن الجوزي زمانه وأما حفظه فكان من العجائب وكتابته على الفتوى نهاية في الحسن وفصاحته وطلاقة لسانه لا يجارى فيهما ولي الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف عوضا عن شهاب الدين أحمد بن القرقشندي وباشر عنه ولده قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد قاضي الرملة وخطب في يوم الجمعة سابع رمضان سنة تسع وستين وثمانمائة فلم يتم له ذلك وعزل بعد مدة يسيرة بالخطيب علاء الدين القرقشندي ثم توجه الشيخ أبو العباس إلى القاهرة لضرورة له فدخل الحمام فوقع وكسر فخذه ومرض إلى أن مات في يوم الاربعاء سادس عشري جمادي الاخرة سنة سبعين وثمانمائة ودفن بالقرافة رحمه الله الخطيب علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ شرف الدين عبد الرحيم القرقشندي الشافعي مولده في سنة اربع وثمانمائة استقر في نصف وظيفة الخطابة بالمسجد الأقصى وهو النصف الذي كان بيد أخيه الخطيب شهاب الدين أحمد واستمر بيده إلى أن توفي وكان من المعيدين بالمدرسة الصلاحية توفي يوم السبت وصلي عليه بعد العصر بالمسجد الأقصى ثاني شهر ذي الحجة الحرام سنة اربع وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا بالقلندرية عند اقاربه رحمه الله الخطيب برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن الخطيب علاء الدين أبي الحسن علي القرقشندي استقر في نصف خطابة المسجد الأقصى بعد وفاة والده و كان من المعيدين بالمدرسة الصلاحية حج إلى بيت الله الحرام فقضى مناسكه وخرج من مكة فتوفي ببطن مر في شهر ذي الحجة سنة سبع وسبعين وثمانمائة عفا الله عنه الخطيب مجد الدين عبد الوهاب بن الخطيب عماد الدين اسماعيل التدمري الأصل الخليلي الشافعي خطيب مقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام باشر الخطابة بعد والده دهرا طويلا إلى أن توفي في شهر ربيع الأول سنة تسعين وثمانمائة بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام شيخ الشيوخ الخطيب محب الدين أبو البقاء أحمد بن قاضي القضاة برهان الدين أبي اسحاق إبراهيم بن قاضي القضاة شيخ الاسلام جمال الدين أبي محمد عبد الله ابن جماعة الكناني الشافعي ولي الخطابة بالمسجد الأقصى مشاركا لبقية الخطباء ثم استقر فيما كان بيد الخطيب برهان الدين القرقشندي وهو نصف الخطابة مضافا لما بيده وهو الثمن ثم عزل من النصف المذكور ثم أعيد اليه الربع منه وولي نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية ثم عزل منها ثم أعيد اليها وسنذكر تفصيل ذلك فيما بعد في ترجمة السلطان الملك الأشرف قايتباي في الحوادث الواقعة في أيامه وتوفي إلى رحمة الله تعالى وبيده الربع والثمن من الخطابة ونصف مشيخة الخانقاه الصلاحية واعادة المدرسة الصلاحية وكانت وفاته في شهر رمضان من شهور سنة تسع وثمانين وثمانمائة ودفن بماملا عند اسلافه واستقر بعده فيما بيده من ذلك ولده الخطيب جلال الدين محمد فباشر الخطابة والخانقاه الصلاحية أحسن مباشرة إلى أن توفي بالطاعون في يوم الاثنين سابع رمضان سنة سبع وتسعين وثمانمائة وكان شابا حسنا بلغ من العمر نحو اثنتين وعشرين سنة ولم يحصل منه ضرر لأحد وكان متأدبا سالكا طرق الحشمة لم يصدر منه ما يشينه وتأسف الناس عليه ودفن عند أسلافه بماملا عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان رحمه الله وعفا عنه وعوضه عن شبابه الجنة الشيخ الامام العالم العلامة خطيب الخطباء شرف الدين أبو اسحاق موسى ابن قاضي القضاة شيخ الاسلام جمال الدين أبي محمد عبد الله بن شيخ الاسلام نجم الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة الكناني الشافعي عين خطباء المسجد الأقصى الشريف ومعيد المدرسة الصلاحية مولده في حادي عشري رجب سنة خمس واربعين وثمانمائة ونشأ في عفة وصيانة لم تعلم له صبوة واشتغل بالعلم الشريف على والده وغيره وخطب بالمسجد الأقصى الشريف وله نحو خمسة عشر سنة واستقر في الخطابة مشاركا لبقية الخطباء هو وأخوه الخطيب بدر الدين محمد وأعاد الخطيب شرف الدين بالمدرسة الصلاحية وفضل وتميز واشتغل عليه الطلبة فصار من أعيان بيت المقدس وهو رجل خير من أهل العلم والدين لا يختلط بأحد ولا يتكلم بين الناس في أمور الدنيا وعنده فصاحة في الخطبة وعلى صوته الانس والخشوع والناس سالمون من يده ولسانه كان الله في عونه وسنذكر بقية الخطباء فيما بعد في ترجمة السلطان في الحوادث الواقعة في أيامه إن شاء الله تعالى ( ذكر فقهاء الشافعية وغيرهم من الأعيان ومشايخ الصوفية والزهاد ) ( بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ) الفقيه ضياء الدين أبو محمد عيسى بن محمد الهكاري الشافعي أحد الأمراء بالدولة الصلاحية كان كبير القدر وافر الحرمة معولا عليه في الآراء والمشاورات وكان في ابتداء أمره يشتغل بالفقه بمدينة حلب فاتصل بالأمير أسد الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين وصار إمامه ولما توجه إلى الديار المصرية وولي الوزارة كان في صحبته فلما توفي أسد الدين اتفق الفقيه عيسى والطواشي بهاء الدين قراقوش على ترتيب السلطان صلاح الدين موضعه في الوزارة ودققا الحيلة في ذلك حتى بلغا المقصود فلما ولي صلاح الدين رأى له ذلك واعتمد عليه ولم يكن يخرج عن رأيه وكان كثير الادلال عليه يخاطبه بما لا يقدر عليه غيره من الكلام وفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة سار الملك صلاح الدين لغزو الافرنج فأسر الفقيه عيسى فافتداه بعد سنين بستين الف دينار وكان واسطة خير للناس نفع بجاهه خلقا كثيرا ولم يزل على مكانته وتوفر حرمته إلى أن توفي سحر ليلة الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالمخيم بمنزلة الخروبة - موضع بالقرب من عكا - وحمل من يومه إلى القدس الشريف ودفن بظاهرة بتربة ماملا وكان يلبس زي الأجناد ويعتم بعمائم الفقهاء فيجمع بين اللباسين رحمه الله الشيخ الأجل الزاهد العابد المجاهد جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد الشاشي شيخ الزاوية الختنية بداخل المسجد الأقصى الشريف وقفها عليه الملك صلاح الدين في سنة سبع وثمانين وخمسمائة وتقدم ذكر ذلك الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خضر القدسي وكيل بيت المال بالقدس الشريف وهو الذي فوض اليه الملك صلاح الدين بيع الملاك المختصة ببيت المال بالقدس الشريف ثم اشترى منه كنيسة صندحنا وهي المدرسة الصلاحية والجهات التي وقفها عليها من بيت المال وتصرف في ذلك الوقف وسطر ذلك في كتاب وقفه المؤرخ في ثالث عشر رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة الشيخ الامام الزاهد العابد المجاهد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن جمال الدين عبد الله بن محمد بن عبد الجبار المعروف بالقدسي والمشهور بأبي ثور كان من عباد الله الصالحين وسبب تكنيته بأبي ثور أنه حضر بيت المقدس وكان يركب ثورا ويقاتل عليه في الغزاة فسمى بذلك وقد وقف عليه الملك العزيز أبو الفتح عثمان بن الملك صلاح الدين يوسف ابن أيوب القرية التي بالقرب من باب الخليل - أحد أبواب مدينة القدس - وهي قرية صغيرة بها دير من بناء الروم يعرف قديما بدير مارفيوس ويعرف الآن بدير أبي ثور نسبة اليه وكان الوقف من الملك العزيز في الخامس والعشرين من شهر رجب الفرد سنة أربع وتسعين وخمسمائة ولما توفي دفن بالقرية المذكورة وقبره بها ظاهر يزار وله ذرية وهم مقيمون هناك ومما يحكى عنه أنه كان مقيما بالدير المذكور وكان إذا قصد إبتياع شيء من المأكول كتب ورقة بما يريده ووضعها في رقبة ثوره وسيره فيحضر الثور إلى القدس إلى أن يأتي إلى حانوت رجل كان يتعاطى حوائج الشيخ فيقف عنده فيأخذ ذلك الرجل الورقة ويقرأها ويأخذ للشيخ ما طلب فيها ويحمله للثور فيرجع الثور إلى الشيخ بمكانه وهذا من جملة كراماته رضي الله عنه الشيخ الزاهد أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد القرشي الهاشمي الصالح الناسك صاحب الكرامات الظاهرة كان من السادات الاكابر والطراز الأول وأصله مغربي من الجزيرة الخضراء من بر الاندلس وهي مدينة قبالة سبتة قدم إلى مصر وانتفع به من صحبه أو شاهده وكان يعد جماعته الذين صحبوه بأشياء من الولايات والمنصب العالية وصحت كلها ونقل عنه إن الانسان إذا خاف من التخمة من كثرة الاكل وقال عقب رفع المائدة وفراغه من الكل ( الحمد لله لم يضره ذلك ) قال أبو عبد الله القرشي اليوم يوم عيد لم يضره ذلك وكان أهل مصر يحكون عنه اشياء خارقة وله كلام مدون قدم بيت المقدس واقام به إلى أن توفي في سادس ذي الحجة سنة تسع وتسعين وخمسمائة وله خمس وخمسون سنة ودفن بماملا وقبره ظاهر يزار وقد جدد عمارة ضريحه الشيخ أبو بكر الصفدي في شهور سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وإلى جانبه دفن الشيخ شهاب الدين بن أرسلان الآتي ذكره إن شاء الله تعالى وقد اشتهر عند الناس أن من جلس عند القبرين ودعا الله بشيء استجيب له وقد جربت ذلك فصح نفع الله بهما وجمعنا معهما في دار كرامته بمنه وكرمه الشيخ شرف الدين محمد بن عروة الموصلي المنسوب اليه مشهد بن عروة بالجامع الأموي لأنه أول من فتحه وقد كان مشحونا بالحواصل الجامعية وبنى قبة البركة ووقف وقفا على درس حديث فيه ووقف فيه خزائن كتب وكان مقيما بالقدس الشريف وكان من خواص الملك المعظم عيسى انتقل إلى دمشق حين خرب سور بيت المقدس وتوفي بها في سنة عشرين وستمائة وقبره عند قباب اتابك طغتكين قبلي المصلى الشيخ القدوة المحقق الملك غانم بن علي بن حسين الانصاري الخزرجي المقدسي مولده بقرية بورين من عمل نابلس في سنة اثنتين وستين وخمسمائة ولاه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب المشيخة بالخانقاه الصلاحية المنسوبة اليه بالقدس الشريف والنظر عليها ورايت توقيعه بذلك وعليه خط السلطان لما قرأته الحمد لله على نعمائه وقد قطع تاريخه لطول الزمان وهو أول من وليها وسكن القدس من ذلك التاريخ وتناسل منه ذرية معروفون مشهورون وسنذكر ما تيسر منهم إن شاء الله تعالى صحب الشيخ غانم مشايخ أهل زمانه وأخذ منهم مكارم الأخلاق وحسن المآثر توفي بدمشق في شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وستمائة السيد بدر الدين بن محمد بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن سالم أخي السيد تاج العارفين أبي الوفا محمد لأبيه وهما ولدا محمد بن محمد بن زين بن الحسن بن المرتضى الأكبر عوض بن زيد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم اجمعين كان السيد بدر قطبا عارفا متمكنا خضعت له أولياء زمانه وهرع اليه الخاص والعام وقصد بالزيارة وزارته الوحوش والسباع وترددت إلى زيارته وزيارة اولاده المدفونين بضريح شرفات ومرغت وجوهها عند باب ضريحه وله كلام عال على لسان أهل الدقائق وكرامات مشهورة توفي في سنة خمسين وستمائة ودفن بزاويته بوادي النسور ظاهر القدس الشريف من جهة الغرب ومسافته عن بيت المقدس نحو ثلث بريد وهو مقصود بالزيارة نفع الله به وأما ولده السيد محمد فإنه كان من ذوي المجاهدات والأحوال والاشارات والعزم السيديد في العبادات ومعانقة الطاعات تخرج به جمع كثير وظهرت له أحوال خارقة توفي في سنة ثلاث وستين وستمائة وأما ولد السيد محمد المشار اليه هو السيد عبد الحافظ كان من أجلاء العارفين المتصرفين الأخيار العلماء بأمور الدين المتوجهين إلى الله تعالى المتوكلين عليه تخرج به جماعة وانتهت اليه رياسة أهل هذه الطريقة في زمانه وكان اول امره ارتحل من وادي النسور حين ضاقت منازلها بذرية السيد بدر إيثارا لهم واعرض عن الذي يتحصل منها واقام بقرية شفرات ظاهر القدس الشريف وهي المشهورة في عصرنا بشرفات وحقيقة ذلك أن الاول هو اسم هذه القرية وإنما اطلق الاسم الثاني عليها من حين مصيرها إلى السادة الأشراف اولاد السيد أبي الوفا اشتقاقا من سكانها الشرفا توفي السيد عبد الحافظ في سنة ست وتسعين وستمائة وأما ولده السيد داود فكان من الأولياء اصحاب الكرامات ومن كراماته أن قرية شرفات المذكورة كان بها قليل نصارى يزرعون ارضها وليس فيها مسلم غيره وغير اتباعه وعياله وكان يتستر بالعبادات حتى أظهره الله تعالى وكان أول اسباب ظهوره ان النصارى بالقرية المذكورة كانوا يعصرون الخمور ويبيعونها للفساق من المسلمين وغيرهم فشق ذلك على السيد داود فتوجه فيهم إلى الله تعالى فكانوا بعدها لا يعصرون الخمر إلا انقلبت خلا وقيل ماء فقال النصارى هذا ساحر وارتحلوا فشق ذلك على مقطعها فبلغ السيد داود ذلك فأرسل إليه وإستأجرها منه وبنى بها زاوية وقبة وهي مدفنه ومدفن اولاده وذريته واتفق أن القبة لما عقدت اتاها رجل طائر في الهواء فأشار اليها بيده فسقطت فظن البناء أنه طائر فذكر ذلك للسيد داود فسكت ثم أمره ببنائها ثانيا فلما انتهت اتاها الطائر فسقطت ثانيا فأخبر السيد داود بذلك فأمر ببنائها فلما انتهت حضر السيد داود فأتاها الطائر فأشار اليه السيد داود بيده فسقط ميتا في دار خلف الزاوية فأمر أصحابه باحضاره اليه فاحضر فإذا هو رجل كامل الخلقة نير الوجه شعر رأسه مسدول طويل فغسل وكفن وصلى عليه ودفن في القبة المذكورة ثم قال السيد داود بعثه الله لحتفه فقيل له هل تعرفه ؟ قال نعم هو ابن عمي اسمه أحمد الطير غارت همته من همتنا واراد ان يطفيء الشهرة بهدم القبلة فلم يرد الله إلا الشهرة وجعله الله أول من يدفن في القبة توفي السيد داود في سنة إحدى وسبعمائة وأما ولده السيد أحمد الملقب بالكبريت الأحمر الشهير بالكريدي كان من أجلاء المشايخ الكاملين المحققين المتمكنين انتهت اليه رياسة هذا الشأن ووضع الله له القبول عند كل إنسان واوضح على يديه البرهان وسماه رجال عصره بالكبريت الأحمر لقلة وجود مثله في زمانه وكان والده قد خرجه وتكمل في زمانه وكان يشير في بعض الحوادث اليه فخلفه من يعده وتخرج به جماعة لا يحسون كثرة من ذوي الاحوال وانتمى اليه خلق كثير وكان ممن تخرج به أخوه السيد شمس المتوفى قبله والشيخ العارف أحمد الصلتي الشهير بابن الموله والشيخ العارف أبو المحاسن يوسف البربراوي نسبة إلى قرية بربر من أعمال غزة قريبة من عسقلان وقبره فيها ظاهر يزار والشيخ الصالح سيدي علي المومني وغيرهم توفي السيد أحمد الكبريت الأحمر سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وكان له خمسة أولاد ذكران وثلاث اناث أحد الذكور السيد علي والثاني السيد محمد البها وكان من رجال الوقت وعارفيه وكان لهما خوارق ومكارم اخلاق وبر وكانا عمدة الأرض المقدسة وما حولها يخشاهما السباع والمناحيس وتأوي اليهما الفقراء ويحضر على موائدهما الخاص والعام ويقصد بركاتهما في المهمات الجم الغفير وكان الغالب على السيد علي الصحو والحضور وعلى الشيخ البها الاستغراق والغيبة ثم توفي السيد البها عن ولدين فرباهما السيد علي وفي أيامهم وقف منجك نائب الشام عليهم قرية شرفات المذكورة فتوقف السيد علي في قبولها ثم قبلها اليصيرها مرعي اغنامهم ويكون من أشجارها احطابهم ولم تؤرخ وفاة السيد محمد البها وأما السيد علي فوفاته في سنة سبع وخمسين وسبعمائة وله نيف وخمسون سنة وأما ولد السيد علي وهو السيد تاج الدين أبو الوفا محمد كان لا يقطع التردد إلى القدس فيأتيه أكثر ما كان يأتيه والده وجده الكبريت الأحمر فاشترى بالقدس دارا وبنى فوقها وهو أول من استوطن القدس الشريف بعد موت أبيه في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة وتوفي في يوم الجمعة السادس عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وثمانمائة ودفن بماملا شرقي البركة وهو والد الشيخين الصالحين الشيخ أبي بكر والشيخ علي الآتي ذكرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى ومن اقاربهم الشيخ الكمالي كان من أجلاء الرجال ذوي الأحوال والمكاشفات وكان الغالب عليه الجذب ومحاسبة النفس غضب يوما على إنسان فنظر اليه نظرة غضب فمات لوقته وله تصرفات وحالات لا تسعها الأفهام توفي وله نيف وخمسون سنة واخبرت أن وفاته بعد الثمانمائة ودفن بظاهر القدس عند برج العرب على طريق المار إلى قرية لفتا وأما ضريح شرفات فقد حوى من البدرية المشار اليهم عدة أربعين لا تكاد تحصى مناقبهم لكثرتها رحمهم الله تعالى ورضي عنهم ونفعنا بهم بمنه وكرمه الشيخ علي البكاء صاحب الزاوية بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان مشهورا بالصلاح والعبادة وإطعام من يجتاز به من المارة والزوار وكان الملك المنصور قلاوون يتثني عليه ويذكر انه اجتمع به وهو أمير وأنه كاشفه في أشياء وقعت له وسبب بكائه الكثير أنه صحب رجلا كانت له أحوال وخرج عه من بغداد فوصلا في ساعة واحدة إلى بلدة بينها وبين بغداد مسيرة سنة فقال له ذلك الرجل أني سأموت في الوقت الفلاني فاشهدني فلما كان ذلك الوقت حضر عنده وهو في السياق وقد استدار إلى الشرق فحو له الشيخ علي فقال له لا تتعب فأني لا أموت إلا على هذا الوجه وجعل يتكلم بكلام الرهبان حتى مات فحمله الشيخ علي وجاء به إلى دير هناك فوجد أهل الدير في حزن عظيم فقال ما شأنكم ؟ قالوا كان عندنا شيخ كبير ابن مائة سنة فلما كان اليوم مات على دين الاسلام فقال الشيخ علي خذو هذا بدله وسلموه اليه فوليه وصلى عليه ودفنه توفي الشيخ علي البكا في جمادي الآخرة سنة سبعين وستمائة ودفن بزاويته المشهورة وهي بحارة منفصلة عن مدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام من جهة الشمال والذي بنى الزاوية والايوان وما معه الأمير عز الدين أيدمر في دولة الملك الظاهر بيبرس في سنة ثمان وستين وستمائة قبل وفاة الشيخ ثم بنى قبة الزاوية من الساحة وما معها الأمير الاسفهسلار حسام الدين طريطاي نائب القدس الشريف في دولة الملك المنصور قلاوون في المحرم سنة إحدى وثمانين وستمائة ثم بنى البوابة والمنارة علوها وهما في غاية الاتقان والحسن الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة بالديار المصرية والممالك الشامية بمباشرة الأمير كيكلدى النجمي في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل رمضان سنة اثنتين وسبعمائة الشيخ الامام العالم العلامة الخطيب القدوة الزاهد برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفضل سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة ابن حازم بن صخر بن عبد الله بن جماعة الكناني الحموي المولد الشافعي من ولد مالك بن كنانة ولد بحماه في يوم الاثنين منتصف رجب سنة ست وتسعين وخمسمائة ومات أبوه وهو صغير ثم انتقل إلى دمشق وتفقه على الشيخ أبي منصور بن عساكر ثم اشتغل بالحديث ودرس بعدة أماكن وكان كثير التهمد ملازما للاشتغال بالحديث والصيام عارفا بعلم اهل الطريق حسن الكلام فيه له قبول عند الناس ولهم فيه اعتقاد وحج مرارا آخرها في سنة ثلاث وسبعين وستمائة ثم قصد من حماة زيارة البيت المقدس في ذي القعدة سنة خمس وسبعين وستمائة واستصحب معه كفنه وودع أهل البلد وأخبرهم أنه يموت ببيت المقدس فوصل اليه وأقام به اياما ثم مرض يومين وتوفي في الثالث وكانت وفاته بكرة يوم عيد الاضحى من سنة خمس وسبعين وستمائة وصلي عليه ضحوة النهار بالمسجد الأقصى ودفن بماملا عند سيدي الشيخ أبي عبد الله القرشي وهو أول من استوطن بيت المقدس من بني جماعة وكان يلقب بصاحب عرفة لأنه رآه جماعة من الناس بعرفة واصبح خطب عيد الأضحى بمدينة حماة فلما ظهرت له هذه الكرامة توجه لزيارة بيت المقدس وتوفي به - كما تقدم - رحمه الله الشيخ العالم الكبير الصالح أبو عبد الله محمد بن الشيخ العارف غانم المقدسي الانصاري وقفت على مرسوم السلطان الملك المنصور قلاوون ان يقرر له برسم زاويته في كل شهر غرارتان قمحا بالكيل النابلسي إنعاما مستمرا مؤرخ المرسوم في الثالث من المحرم سنة ثمانين وستمائة ولم أطلع له على ترجمة ولا تاريخ وفاة رحمه الله عمر بن إبراهيم بن عثمان بن كعب الواسطي توفي في ليلة الجمعة خامس عشر شعبان سنة اربع وثمانين وستمائة ودفن بماملا وقبره عليه بناء عظيم وهو على جانب الطريق قبلي قبة الكبكية ولا أعرف له ترجمة ( قبر وجدنا ) بالقرب من قبر الواسطي - المذكور من جهة القبلة قبر على جانب الطريق السالك يعرف بقبر وجدنا والسبب في ذلك انه مر اثنان وهو راكب فقرأ عنده قوله تعالى ( ووجوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) فأجاب من القبر بقوله وجدنا وجدنا حتى سمعه ذلك الرجل وهو قبر مشهور عليه أحجار كبار ولا يعرف اسم صاحبه وإنما يعرف بقبر وجدنا وقد وهم بعض الناس فظنه قبر الواسطي وليس كذلك فإن ذاك اسمه مكتوب على القبر وهذا ليس عليه كتابة وحكي ان بعض الناس اخذ الأحجار التي على قبر وجدنا ونقلها إلى مكان آخر فأصبح وقد وجدها على القبر كما كانت فعد ذلك من كراماته رحمه الله الفقيه شرف الدين قاسم بن الشيخ القدوة علم الدين سليمان بن شرف الدين قاسم الحوراني نزيل القدس الشريف كان موجودا في سنة ست وتسعين وستمائة وهو جد بني قاسم المشهورين بالقواسمه وكان له وصلة بالأمير سنجر الدويدار واقف الدويدارية بباب شرف الأنبياء وجعله مشارفا لمدرسته وأشركه في النظر مع ولده جمال الدين موسى وعين ذلك في كتاب وقفه - المتقدم ذكر تاريخه عند ذكر المدرسة الشيخ أبو يعقوب المغربي المقيم بالقدس الشريف كان الناس يجتمعون به وهو منقطع بالمسجد الأقصى توفي في المحرم سنة ثمان وتسعين وستمائة الشيخ الصالح العابد الزاهد جلال الدين أبو اسحاق إبراهيم بن الصدر زين الدين محمد بن أحمد بن محمود بن محمد العقيلي المعروف بابن القلانسي ولد سنة أربع وخمسين وستمائة سمع على جماعة واشتغل بصناعة الكتابة ثم انقطع وترك ذلك كله واقبل على العبادة والزهادة وبنى له الأمراء بمصر زاوية وترددوا اليه وكان فيه بشاشة وقضاء حاجة وكان ثقيل السمع ثم انتقل إلى القدس وقدم دمشق وحدث بها ثم عاد إلى القدس وتوفي ليلة الأحد الثالث من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ودفن بماملا رحمه الله الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المصري القصرى توفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ودفن بماملا رحمه الله الشيخ العلامة ناصر الدين أبو عبد الله بن محمد الشيخ الدين سليمان بن غانم شيخ حرم القدس الشريف رأيت توقعا له من قاضي القضاة علاء الدين أبي الحسن علي القونوي الشافعي قاضي دمشق بمشيخة الحرم بالقدس الشريف تاريخ التوقع في يوم الجمعة ثامن شوال سنة تسع وعشرين وسبعمائة الشيخ إبراهيم الهدمة اصله كردي من بلاد الشرق قدم الشام وأقام بين القدس والخليل في أرض اختارها وعنى بها وزرع فيها وكان يقصد للزيارة وظهرت له كرامات وقد بلغ مائة سنة وتزوج في آخر عمره ورزق اولادا صالحين وحكي عنه انه كان يصرف له من سماط سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في كل يوم عشرة أرغفة فكانت تجمع له من أول الاسبوع إلى آخره فيحضر في آخر يوم من الاسبوع ويدفع له الخبز عن جميع ذلك الاسبوع ويفت في وعاء ويوضع عليه الحشيشة من السماط الكريم فيأكله جميعه ويستمر بقية الاسبوع لا يأكل شيئا توفي في جمادي الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة ودفن بالقرب من قرية سعير بين القدس والخليل رحمه الله الشيخ الامام العالم العلامة القدوة المحقق برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم ابن عمر بن إبراهيم بن خليل المقري الجعبري الخليلي الشافعي وكان يقال له شيخ الخليل ولد بجعبر في حدود سنة اربعين وستمائة وتلا بالسبع وبالعشر ثم قدم دمشق ثم رحل إلى بلد الخليل عليه الصلاة والسلام وأقام به مدة طويلة نحو اربعين سنة ورحل الناس اليه وروى عنه خلائق وصنف نزهة البررة في القراآت العشرة وشرح الشاطبية والرائية واختصر مختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو وكمل شرح التعجيز فإن صاحبه لم يكمله وله مصنف في علوم الحديث ومناسك إلى غير ذلك من التصانيف المختصرة التي تقارب المائة وكان منور الشيبة ولي مشيخة مسجد الخليل عليه الصلاة والسلام إلى أن توفي في يوم الأحد الخامس من شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ودفن بظاهر البلد تحت الزيتونة وله ثنتان وتسعون سنة رحمه الله الشيخ سيف الدين أبو بكر بن الشيخ القدوة حسن بن الشيخ القدوة غانم الانصاري كان موجودا في المحرم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وولده الشيخ شمس الدين محمد والشيخ عبد الرحيم كانا موجودين في شهر رجب سنة أربع وستين وسبعمائة وممن كان في عصر الشيخ سيف الدين الشيخ شرف الدين عيسى بن موسى ابن الشيخ غانم ولم أطلع لأحد منهم على ترجمة و لاتاريخ وفاة رحمهم الله تعالى الشيخ فخر الدين عثمان بن برهان الدين إبراهيم العجمي الشافعي كان من الفقهاء والعدول بالقدس الشريف وكان موجودا في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة الأمير جلال الدين العشي بن عز الدين بن حسام الدين اتابك الكيلاني المغازي من ذرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه توفي يوم الاثنين مستهل سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ودفن بباب الرحمة القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد الصالحي الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان موجودا في سنة ثمانين وسبعمائة الشيخ الفاضل شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس الجعبري الشافعي ولد في حدود التسعين والستمائة وسمع الحديث على جماعة منهم والده واستجاز له أبوه جمعا وولي مشيخة حرم الخليل عليه الصلاة والسلام بعد والده وانفصل منها ثم اعيد واستمر إلى أن مات في ثالث عشر صفر سنة تسع واربعين وسبعمائة وكان قد زوجه والده بالمرأة الصالحة زهراء بنت الشيخ زين الدين عمر بن أخي الشيخ علي البكا فولدت له عدة أولاد يعرف منهم خمسة محمد وأحمد وعمر وعلي وابراهيم فأما محمد فلم يعرف من حاله إلا أنه استجيز له جمع كبير من العلماء وكأنه مات صغيرا وأما أحمد فإنه عاش وحدث له أولاد ولكن لا تعرف له ترجمة وأما عمر فالظاهر أنه الأكبر وله ترجمة هو الشيخ الفاضل الصالح ولد سنة اربع عشرة وسبعمائة واستجاز له الحافظ أبو محمد البرزالي جمعا كبيرا من العلماء وولي مشيخة حرم الخليل عليه الصلاة والسلام بعد والده مستقلا بها وكان يقاسم اخوته المعلوم المتعلق بها وأخذ طريقة السادة الصوفية البكائية عن خاله الشيخ علي بن الشيخ عمر فكان شيخ الطائفة المذكورة وشيخ الزاوية الكائنة على ضريح الشيخ علي البكا والناظر عليها وكان معتقدا فيه الصلاح والخير توفي في سنة خمس وثمانين وسبعمائة وأخوه علي هو الشيخ الصالح الفاضل نور الدين ويقال علاء الدين أبو الحسن ولد في حدود سنة عشرين وسبعمائة واستجاز له جده الامام برهان الدين العلامة شرف الدين البارزي وسمع علي الميدومي وغيره وولي مشيخة حرم الخليل عليه الصلاة والسلام بعد أخيه الشيخ عمر وتوفي بعد أن فوض المشيخة إلى ولده - الآتي ذكره - سنة ثلاث وثمانمائة وأخوه الشيخ برهان الدين إبراهيم لم يعرف له ترجمة ووجدت وصيته في سنة خمس وثمانمائة وأما ولد الشيخ نور الدين - الموعود بذكره - هو الشيخ الصالح الفاضل شمس الدين أبوعبد الله محمد بن الشيخ نور الدين علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة وسمع من أبيه وعمه الشيخ عمر وغيرهما وكانت عنده الخرقة البكائية عن عمه ووالده وتفرد بروايتها وقصده جماعة لأخذها عنه وولى مشيخة الزاوية البكائية بعد عمه الشيخ عمر ومشيخة الحرم بعد أبيه بتفويض منه وتزوج بنت عمه الشيخ برهان الدين إبراهيم وحدث له منها أولاد منهم الشيخان الشمسي والسراجي المعروفان وسنذكر ترجمتهما فيما بعد إن شاء الله تعالى الشيخ العالم الفاضل زين الدين عبد القادر توفي بعد ان اشتغل بالعلم والقراءة والحديث وسمع علي الميدومي وغيره وكانت وفاته في سنة سبع وعشرين وثمانمائة عن ازيد من اربعين سنة وتوفي الشيخ شمس الدين الجعبري - المشار اليه - في إحدى واربعين وثمانمائة مطعونا وزوجته ست المشايخ بنت برهان الدين مولدها سنة اربع وخمسين وسبعمائة وتوفيت في سنة ثلاث واربعين وثمانمائة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين حسن بن علاء الدين أبي الحسن علي الصفدي الشافعي كان من اعيان الفقهاء بالقدس الشريف وكان يتحمل الشهادة عند القضاة وكان موجودا في حدود الخمسين والسبعمائة الشيخ الامام العالم العدل المعمر شرف الدين قاسم بن سليمان بن قاسم الأذرعي القدسي إمام قبة موسى بالمسجد الأقصى الشريف مولده في سنة ثمان وسبعين وستمائة وأجاز للشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر النابلسي الحنبلي في سنة اثنتين وخمسين وتوفي بالقدس الشريف في سنة خمس وخمسين وسبعمائة الشيخ الامام العالم العامل البارع المحدث المعمر صدر الاكابر قطب الدين أبو بكر محمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن الشيخ الامام العالم جلال الدين أبي العزم مكرم الانصاري الخزرجي نزيل الحرمين الشريفين والقدس الشريف مولده في سنة سبعين وستمائة وله سند عال في الحديث أجاز للشيخ شمس الدين عبد القادر النابلسي الحنبلي بالقدس الشريف في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة الشيخ الامام العدل المرتضى أمين الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الجزري أحد اصحاب الفخر البخاري قرأ عليه الشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر النابلسي الحنبلي الحديث واجازه بقبة الصخرة الشريفة في ثالث عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة المسند شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الله بن خطاب بن اليسر القدسي الموقت بالمسجد الأقصى الشريف ولد في المحرم سنة اربع وعشين وسبعمائة سمع من الحجاز ومن العلائي وحدث سمع منه الفضلاء واجاز لأبي الفتح المراغي في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة الشيخ الامام العالم العامل الصالح القدوة الكبير الزاهد مربي الطالبين مرشد السالكين ولي الله في العالمين الشيخ علي الصفي البسطامي شيخ فقراء البسطامية بالقدس الشريف كان من الأولياء المشهورين توفي في عصر يوم الخميس ثاني عشر صفر سنة إحدى وستين وسبعمائة ودفن بالبسطامية بماملا قدس الله روحه الشيخ الصالح الشهيد المرحوم علي بن أحمد المذكوري توفي في سابع عشر ذي الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة ودفن بباب الرحمة الشيخ الحافظ المحدث جمال الدين أبو محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال القدسي الخواصي الشافعي ولد في سنة اربع عشرة وسبعمائة ضبط وافاد ورحل ودرس بالمدرسة التنكزية بالقدس الشريف بعد وفاة العلائي صنف المصباح في الجمع بين الأذكار والسلاح ومثير الغرام إلى زيارة القدس والشام وكل فراغه منه في يوم الاربعاء الثالث والعشرين من شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة ببيت المقدس وصار رحلة ومن نظمه قد صح عند الناس اني مغرم أترى تجود بما أدعوه وتنعم فلقد شهدتك دوتهم بدر الدجى لبليتي ومنيتي ولقد عموا كم ذا اوري والعوذل حضر واصد عن ذكراك كي يتوهموا واذا ذكرت ارى الرقيب تجلدا وأخو الصبابة ما عساه يكتم غدر الهوى من بعد ما سالمته ومن الذي يهون ومنه يسلم توفي الشيخ أبو محمود بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وستين وسبعمائة الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن يعقوب بن الياس الانصاري الخزرجي البيساني المقدسي المعروف بابن إمام الصخرة ولد في سنة ست وثمانين وستمائة وحضر على الفخر بن البخاري وسمع على جماعة واجاز له جماعة توفي بالقاهرة في سنة ستين وسبعمائة الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن الشيخ الصالح أبي القاسم العدلي الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان موجودا في سنة تسع وستين وسبعمائة الشيخ العالم الصالح غانم بن عيسى بن غانم المقدسي الصوفي كان شيخا للصوفية بالخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف وله نظم رائق وهو ولد القاضي شرف الدين عيسى بن غانم قاضي القدس الشريف - المتقدم ذكره - توفي الشيخ غانم سنة سبعين وسبعمائة بالقدس الشريف الشيخ الامام العالم العلامة جمال الدين عبد الله بن الشيخ الامام العلامة ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن حسام الدين أبي الربيع سليمان بن غانم الشافعي شيخ حرم القدس الشريف كان موجودا في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة القاضي بدر الدين أبو المعالي محمد بن القاضي تقي الدين أبي الفتح محمد بن القاضي قطب الدين عبد اللطيف بن الشيخ صدر الدين يحيى السبكي الانصاري الامام العالم البارع الأوحد مولده بالقاهرة قيل سنة اربع وقيل خمس وقيل ست وثلاثين وسبعمائة سمع من جماعة بمصر والشام ودرس وافتى وعمره خمس عشرة سنة في حياة جده لأمه قاضي القضاة تقي الدين السبكي وناب في الحكم بدمشق لخاله القاضي تاج الدين السبكي ثم ولي قضاء العسكر بدمشق وكان حسن الخطابة كثير الأدب والحشمة والحياء والناس مجمعون على محبته توفي بالقدس الشريف في شوال سنة احدى وسبعين وسبعمائة ودفن بمقابر باب الرحمة الشيخ الصالح عبد الله الهندي كان من الأولياء المشهورين توفي بالقدس الشريف ليلة الجمعة سابع عشري ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ودفن بماملا عند أبي عبد الله القرشي المسند بدر الدين محمد بن الأمير سيف الدين قلنجد بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي الشافعي ابن أخي الحافظ أبي سعيد العلائي ولد في ثالث شعبان سنة خمس عشرة وسبعمائة بدمشق وسمع من جماعة وحدث سمعه الفضلاء وكان رجلا حسنا له أوراد وفيه خير توفي بالقدس الشريف يوم الجمعة حادي عشري شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة ودفن بباب الرحمة شيخ الاسلام تقي الدين أبو الفدا اسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح القرقشندي المصري الشافعي نزيل القدس الشريف وفقهيه مولده في سنة اثنين وسبعمائة بمصر وقرأ بها وحصل ثم قدم دمشق وقرأ على الشيخ فخر الدين المصري فأجازه بالافتاء ثم أقام بالقدس مثابرا على نشر العلم وتزوج بنت مدرس الصلاحية العلائي وأعاد عنده واشتهر أمره وبعد صيته ورحل اليه وكثرت تلامذته توفي بالقدس الشريف في يوم الثلاثاء سادس جمادي الآخرة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ودفن بالقلندرية بماملا وهو أول من استوطن بيت المقدس من بني القرقشندي وله ذرية معروفون سنذكر تراجمهم إن شاء الله تعالى الشيخ العلامة سراج الدين أبو حفص عمر الزيلعي المقدسي الشافعي أحد علماء القدس الأخيار توفي في سادس رجب سنة ثمان وسبعين وسبعمائة بالقدس الشريف ودفن بالقلندرية بماملا الشيد الشريف الحسيب النسيب الشيخ شهاب الدين أبو الخير بادار بن عبد الله القرنوي البصير نزيل القدس الشريف كان يتكلم على الناس بقبة السلسلة بصحن الصخرة قال الشيخ بدر الدين محمود العجلوني ما عرفت الله إلا بملازمة مجالسه وقبره ظاهر القدس الشريف بالقرب من خان الظاهر وهو معروف يزار وعنده ايوان به محراب على جانب الطريق توفي يوم الجمعة ثامن عشر شعبان سنة ثمانين وسبعمائة الشيخ القدوة شمس الدين محمد بن سليمان بن حسن بن موسى بن غانم المقدسي شيخ بيت المقدس ولد في رمضان سنة سبع وسبعمائة وسمع من هدية بنت عساكر الأول من حديث الهاشمي والأول من شيخه العيسوي ومن زينب بنت شكر ثلاثيات الدارمي ومن محمد بن يعقوب الجرائدي السفينة الجرائدية وهي سبعة أجزاء وحدث ببيت المقدس وغيره ومات في ذي الحجة سنة ثمانين وسبعمائة الشيخ الأوحد العالم بدر الدين محمد بن الشيخ الامام العالم جمال الدين عبد الله بن الشيخ ناصر الدين محمد بن غانم شيخ حرم القدس الشريف كان موجودا في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة الشيخ الامام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب الشافعي فقيه القدس ومفتيه انتفع عليه فقهاء بيت المقدس وأخذ عنه الشيخ سعد الدين الديري الاصول واخذ عنه غيره من العلماء علوما كثيرة توفي بالمدينة الشريفة ودفن بالبقيع في سنة ست وثمانين وسبعمائة الشيخ الامام العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن حامد الانصاري القدسي الشافعي ولد في شهر ربيع الأول سنة احدى وثلاثين وسبعمائة سمع الحديث واشتغل بالعلم وصار من الفضلاء توفي في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وسبعمائة الشيخ الصالح الزاهد قطب زمانه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن عثمان بن عمر التركماني الأصل المعروف بالقرمي الشافعي مولده في سابع عشر ذي الحجة سنة عشرين وسبعمائة كان أحد افراد زمانه عبادة وزهدا وورعا متصديا لزيارة الأولياء القادمين من البلاد على القدس وتأتي الملوك إلى بابه ولم يكن في زمانه اشهر بالصلاح منه وله خلوات ومجاهدات وكان يقرأ القرآن كثيرا يقرأ في اليوم والليلة ثلاث ختمات ولما احتضر حضر عنده الشيخ عبد الله البسطامي فقال له ان الناس قد أكثروا فيك القول فيما تقرأ من الختم في اليوم فأخبرني قال أنا لا أضبط ذلك ولكن ثم من ضبط اني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات وكان نشأ بدمشق ثم أقام ببيت المقدس وبنى له زاوية وكان يقيم في الخلوة اربعين يوما لا يخرج إلا للجمعة وسمع الصحيح من الحجاز بالجامع الأموي تحت النسر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ومن غيره ايضا وكان يسئل في الحديث فيمتنع ثم حدث في آخر عمره وسمع منه الشيخ شهاب الدين بن أرسلان وغيره توفي بالقدس الشريف في نهار الأحد التاسع من صفر سنة ثمان وثمانين وسبعمائة وحمل جنازته العلماء والمشايخ والصلحاء ولم يتأخر من مدينة القدس أحد عن دفنه ودفن بزاويته بخط مرزبان بالقرب من حمام علاء الدين البصير وله كرامات ظاهرة وكان في عصر الشيخ محمد القرمي الأمير ناصر الدين محمد بن علاء الدين شاه بن ناصر الدين محمد الجيلي كان من أمراء العشرات بغزة المحروسة وهو مقيم بالقدس الشريف وله أوقاف كثيرة وعمارات من جملتها زاوية الشيخ محمد القرمي - المتقدم ذكرها - وغيرها بالخط المذكور وغيره و وكان له اعتقاد في الشيخ محمد القرمي ووقف عليه وعلى ذريته ثلث جهاته واخبرت أنه توفي في حياة الشيخ ووقف على غسله ودفن بماملا بالقرب من أبي عبد الله القرشي شيخ الاسلام برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن شيخ الاسلام تقي الدين أبي الفدا اسماعيل القرقشندي الشافعي ولد سنة ثمان واربعين وسبعمائة كان من العلماء الأعلام سمع على والده وجده العلائي وتفقه بهما وسمع على البهاء والتاج السبكيين وأذنا له في الافتاء والتدريس وأخذ عن خلق كثير من العلماء وكان من عجائب الدهر حفظا وذكاء واستحضارا للعلوم حتى قيل انه كان يحفظ فردة كتب توفي في سنة تسعين وسبعمائة وكان آخر كلامه لا إله إلا الله وحكي عنه انه قبل موته بقليل نظر إلى أخيه العلامة شمس الدين ثم أنشد بلسان منطلق محمد صبرا فقبلك قد بكت عين النبي ومات إبراهيم ودفن بماملا بتربة اقاربه إلى جانب أبيه القاضي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن مزهر اشتغل بالعلم ونشأ على طريقة حسنة ولي كتابة السر بدمشق مرتين عشر سنين ونحو ثمانية أشهر وباشر بعفة ونزاهة وكان شكلا حسنا توفي بالقدس الشريف في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة الشيخ الصالح القدوة عبد الله بن خليل بن علي الاسد آبادي البسطامي كان من اولياء الله تعالى العارفين وله أحوال ظاهرة وهو صاحب الزاوية البسطامية بحارة المشارفة توفي بالقدس الشريف في سنة اربع وتسعين وسبعمائة ودفن بحوش البسطامية بماملا عند شيخه الشيخ علي الصفي - المتقدم ذكره - المسندة الصالحة البركة أسماء بنة الحافظ صلاح الدين خليل بن العلائي ولدت في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وسمعت على والدها وغيره وحدثت الكثير من مسموعاتها وهي زوجة العلامة تقي الدين اساعيل القرقشندي وأم ولديه الشمسي والبرهاني اجازت بالفتوى لحفيدها شيخنا القرقشندي - الآتي ذكره - وتوفيت سنة خمس وتسعين وسبعمائة ودفنت بماملا بالقلندرية بجوار زوجها واولادها الشيخ القدوة أبو حفص عمر بن نجم الدين يعقوب البغدادي ثم المقدسي المعروف بالمجرد ولد ببغداد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وسمع البخاري بدمشق سنة ست وعشرين وأقام ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في سنة خمس وسبعين وسبعمائة وبنى به زاوية في غاية الحسن بناء ومنظرا وبنى اماكن بأعلاها ورتب فيها من يتعلم القرآن وأجرى لهم المعاليم وكان اذا قرأ القرآن عنده أحد يخيره بين الاقامة عنده بشرط أن يشتغل بالعلم ويعطيه كتابا أو يذهب إلى بلدة أخرى ولا يدع أحدا يقعد عنده بطالا وكان في فعل الخير من العجائب لا يقصد في حاجة إلا قضاها ويضيف من يقصده بما حضر عنده وكان يوجد عنده من الماكولات اطيبها وكان شيخا طويلا يلبس على رأسه قبعا من غير عمامة توفي في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وسبعمائة ودفن بزاويته ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وقد وهم بعض المؤرخين فيه فظنه الشيخ عمر المجرد واقف زاوية المغاربة بالقدس لاشتراكهما في الاسم والشهرة وليس كذلك فإن صاحب زاوية المغاربة بالقدس الشريف الشيخ عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي المجرد وتاريخ وقفه لزاويته في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعمائة قبل مولد الشيخ عمر صاحب هذه الترجمة بتسع سنين ولما توفي الشيخ عمر المجرد صاحب الزاوية ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان قد فوض أمر زاويته إلى الشيخ العلامة جمال الدين عبد الله المراكشي الهنتاني المالكي في خامس شهر جمادي الآولى سنة خمس وتسعين وسبعمائة وأقام بها وفعل من كل حسنة وجميل ثم في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة قرر الشيخ جمال الدين المذكور ولديه محمد وأحمد في المشيخة بالزاوية والتصرف فيها وكتب مستندا بذلك عليه خط شيخ الاسلام شهاب الدين أحمد بن الهائم والشيخ خليفة المالكي الشيخ عيسى بن عبد الرحمن الشهير بالغوري المجذوب الخير الصالح كان من صلحاء بيت المقدس يقولون انه خفيرها ولما مات قطعوا عباءته قطعا صغارا وحمولها في عمائهم وممن كان يعتقد فيه قاضي القضاة سعد الدين الديري توفي بالقدس الشريف في سنة سبع وتسعين وسبعمائة بالمسجد الأقصى الشريف عند جامع المالكية خلف المسطبة الشيخ الامام القدوة الزاهد العابد الخاشع الناسك أبو بكر بن علي بن عبد الله بن محمد الشيباني الموصلي ثم الدمشقي الشافعي العالم المفيد بقية مشايخ علماء الصوفية وحيد عصره قدم من الموصل وهو شاب وعلاذكره وصار يتردد اليه نواب الشام ويمتثلون أوامره وحج غير مرة وكان من كبار الأولياء جمع بين علمي الشريعة والحقيقة ورزق العلم والعمل وقد زاره السلطان برقوق في منزله بالأمينية بجوار سور المسجد الأقصى الشريف من جهة الشمال توفي بالقدس في ليلة الاثنين حادي عشري شوال سنة سبع وتسعين وسبعمائة ودفن بماملا وله مصنفات كثيرة في التصوف وغيره وله منسك صغير في نحو كراسين ذكر فيه المذاهب الأربعة الشيخ محمد بن أبي جوز رجل صالح من أولياء الله تعالى توفي بعد الثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بماملا قبلي البركة بالقرب من باب القلندرية ونقل ان الدعاء عند قبره مستجاب المسندة خديجة بنت أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن مسعود بن سعد الله الخليفة سمعت الحديث وحدثت واجازت لأبي الفتح المراغي والحافظ ابن حجر توفيت في أواخر سنة أحدى وثمانمائة الأمير شرف الدين موسى بن علم الدين سليمان المشهور بابن العلم نسبة لوالده وهو المنسوب اليه حارة العلم وله ذرية معروفون ويعرف والده بابن المهذب وكانت وفاة العلم في حدود التسعين والسبعمائة وكان شرف الدين موسى أحد رجال الخليفية الشامية وهو مقيم بالقدس الشريف توفي في سنة اثنتين وثمانمائة ودفن بالحارة المذكورة في تربة هناك معروفة به الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدى العلائي ولد في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وبكر به والده إلى السماع وهو آخر من حدث عن أبي حيان بالبلاد الشامية توفي بالقدس الشريف في ربيع الآخر سنة ثلاث وقيل في ليلة الاثنين رابع عشري ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة ودفن من الغد بجانب قبر أبيه بباب الرحمة الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الناصح المصري الصالح المحدث كان من المشهورين بالصلاح وحكى الشيخ خليفة المالكي أنه شاهده وقد خرج من المدرسة الفخرية إلى الأ قصى ورأى الأرض تطوى تحته ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وتوفي في رمضان سنة اربع وثمانمائة المسند شهاب الدين أحمد بن محمد بن عثمان الخليلي القدسي نزيل غزة ولد سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة سمع من أبي الفتح الميدومي والعلائي وغيرهما ومن تصانيفه القول الحسن في بعث معاذ إلى اليمن وتحقيق المراد في أن الرأي يقتضي الفساد وأجاز له جماعة وكان فاضلا دينا صالحا توفي في صفر سنة خمس وثمانمائة الشيخ المسند زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن حامد سمع علي الميدومي والعلائي وغيرهما وسمع عليه شيخنا التقوى القرقشندي واجازه توفي سنة سبع وثمانمائة الشيخ الصالح العابد الزاهد الشيخ صامت الأدهمي شيخ الزاوية الادهمية توفي سلخ رجب سنة سبع وثمانمائة ودفن بالزاوية المذكورة سفل الساهرة وكان قبله شيخ الزاوية الأدهمية الشيخ داود بدر الأدهمي واخبرت أن وفاته قبل وفاة الشيخ صامت بثلاثين سنة ودفن بالزاوية المذكورة القاضي جمال الدين أبو محمد عبد الله بن القاضي شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين أبي المحامد حامد الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان موجودا في سنة سبع وثمانمائة المستندة آمنة ابنة العلامة تقي الدين اسماعيل القرقشندي ولدت في بضع واربعين وسبعمائة سمعت على والدها وجدها لأمها العلامة المسلسل بالأولية وغيره وسمعت على الميدومي وجماعة وحدثت بالقدس الشريف وتوفيت في ربيع الآخر سنة تسع وثمانمائة ودفنت بالزاوية القلندرية من ماملا بجوار أبيها شيخ الاسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ العلامة تقي الدين اسماعيل القرقشندي الشافعي الشيخ الامام العلامة شيخ مدينة القدس وعالمها ولد سنة خمس واربعين وسبعمائة وسمع على الميدومي واخذ عن أبيه وجده لأمه الحافظ صلاح الدين العلائي واشتغل ومهر وساد حتى صار شيخ القدس في الفتوى والتدريس توفي في رجب سنة تسع وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بمقبرة ماملا عند والده واخته بالقلندرية ومن نظمه لم أر مثلي مذنبا عاصيا على معاصي ربه أجرى ( 1 ) نفسي حرون فإذا شهوة لاحت فما ريح الصبا أجرى ( 2 ) اني على هذا وامثاله أنال من رب العلى أجرا ( 3 ) المسندة غزال عتيقة الشيخ تقي الدين اسماعيل القرقشندي أم عبد اللطيف سمعت من الميدومي وأجازت لشيخنا التقوى القرقشندي توفيت بالقدس الشريف في سنة تسع وثمانمائة ودفنت بباب الرحمة الشيخ العلامة زين الدين عبد الرحيم بن شيخ الاسلام نجم الدين محمد بن زين الدين عبد الرحمن بن جماعة الكناني الشافعي أخو الخطيب جمال الدين أبن جماعة _ _ _ _ ( 1 ) من الجراءة ( 2 ) من الجري ( 3 ) من الأجر مولده في سنة سبع وسبعين وسبعمائة وكان من الفضلاء أعاد بالمدرسة الصلاحية توفي في سنة تسع وثمانمائة الشيخ الصالح عبد الله بن مصطفى الرومي المشهور بالدالي كان رجلا صالحا ولأهل بيت المقدس فيه اعتقاد عظيم واشتهر أمره حج إلى بيت الله الحرام فمات بطريق مكة في سنة إحدى عشرة وثمانمائة وكان الأمير حسن الكنكلي ناظر الحرمين بنى له تربة بباب الرحمة ليدفن فيها معه فلما مات بطريق مكة أوصى الناظر حسن أن يدفن عند الشيخ أبي عبد الله القرشي بماملا الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد الصفدي مفتي الشافعية ومدرسهم ومعيد المدرسة الصلاحية كان فرضيا ويعرف النحو والحساب وإنما أخره تعاطي الشهادة توفي في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة الشيخ الصالح القدوة إبراهيم المزي نفع الله به توفي بالقدس الشريف ودفن بتربة الساهرة وقد عمر على قبره شعبان اليغموري في سنة اربع وعشرين وثمانمائة والظاهر أنه توفي في ذلك التاريخ الشيخ المعمر إبراهيم بن أحمد بن فلاح السعدي من خان بني سعد ظاهر القدس الشريف يروي بالاجازة العامة عن الفخر بن البخاري مات في رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة وله من العمر فيما ذكر - والله أعلم - نحو مائة واربعين سنة كذا رأيته منقولا بخط بعض الفقهاء قلت إن صح أنه روي عن الفخر بن البخاري فهو يحتمل ان يكون عمر هذا المقدار فإن الفخر وفاته في سنة تسعين وستمائة المسند شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن يوسف الخليلي ثم الدمشقي ولد سنة ست وثلاثين وسبعمائة أوفي التي بعدها سمع من جماعة وحدث توفي في المحرم سنة ست عشرة وثمانمائة المسند شرف الدين موسى بن نجم الدين محمد بن الهائم المقدسي سمع على الميدومي وكان خيرا ساكنا سمع عليه شيخنا التقوي القرقشندي واجاز له توفي في سنة بضع وعشرين وثمانمائة الشيخ الامام العالم المسند برهان الدين إبراهيم بن الحافظ شهاب الدين أبي محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال بن تميم الخواصي المقدسي الشافعي مولده في سنة ستين وسبعمائة سمع على والده وغيره وهو سبط الحافظ علاء الدين المقدسي مدرس الصلاحية وكان خيرا صالحا يتكسب بالشهادة إلى أن توفي في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وأجاز يمؤلفات والده رحمهما الله المسند اسماعيل بن إبراهيم بن مروان الخليلي ولد سنة ثمان واربعين وسبعمائة سمع على الميدومي وسمع عليه شيخنا التقوى القرقشندي وأجاز له توفي ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام في سنة خمس وعشرين وثمانمائة الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد الشيخ تقي الدين اسماعيل القرقشندي الشافعي مولده في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة سمع من أبيه وجماعة ورحل إلى دمشق والقاهرة مرارا وعلق بخطه أشياء وكان حسن الخط صادقا توفي في مستهل ذي القعدة سننة ست وعشرين وثمانمائة الشيخ الصالح القدوة الزاهد محمد بن الشيخ عيسى الصمادي له كرامات مشهورة توفي في ثاني عشري جمادي الآخرة سنة ثمان وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بالساهرة عند الشيخ عبد الله الصامت والشيخ إبراهيم المزي وقبره ظاهر يقصد للزيارة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن نصر الله بن جبريل الكركي الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان موجودا في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة ومن أعيان فقهاء الشافعية الموجودين بالقدس الشريف في حدود الثلاثين والثمانمائة كانوا من المعيدين والفقهاء بالمدرسة الصلاحية الشيخ علم الدين قاضي الجزيرة والشيخ شهاب الدين أحمد البوتنجي الشيخ زين الدين عبد الرحمن الناصري والشيخ عبد اللطيف بن كريم والشيخ شمس الدين محمد المازوني والشيخ جمال الدين العجلوني والشيخ شهاب الدين أحمد بن محمود والشيخ شمس الدين بن شهاب الشيخ الصالح محمد المعروف بأكل الحيات وغيرها من الهوام كالخنافس وما في معنى ذلك فيرى الخنافس زبيبا والحية قثاء ونحو ذلك وكان من أكابر الصالحين ممن تنقلب له الأعيان وظهرت له كرمات ومكاشفات وحكي عنه أنه كان يرى على جبل عرفات مع الحجاج ويصبح بالقدس الشريف في يوم عيد الأضحى توفي في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة وإلى جانبه دفن الشيخ ماهر رحمهما الله تعالى الشيخ الصالح العابد علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ العابد المسلك صدر الدين بن الشيخ الصالح صفي الدين الاردبيلي العجمي الزاهد العابد الحجة شيخ الصوفية وابن شيخهم كان والده من اعيان الصالحين ببلده وله كرامات ظاهرة وكذلك كان ولده الشيخ علي المشار اليه وذكر عنه من الكرامات والمناقب ما يطول شرحه قدم إلى دمشق في سنة ثلاثين وثمانمائة قاصدا الحج ومعه خلق كثير من أصحابه واتباعه وجاور بمكة ثم قدم إلى بيت المقدس ويقال انه شريف علوي توفي بالقدس الشريف في أواخر جمادي الآولى سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة عن نحو ستين سنة ودفن بباب الرحمة بلصق سور المسجد وكان يوما مشهودا لدفنه وبنى اصحابه على قبره قبة كبيرة وهي مشهورة تقصد للزيارة وهو شيخ للشيخ محمد بن الصائغ المشهور بخليفة الاردبيلي - الآتي ذكره مع فقهاء الحنفية إن شاء الله تعالى - الشيخ العالم العابد الواعظ شهاب الدين أحمد المعروف بشكر الرومي قدم من بلاد الروم قبل فتنة تيمورلنك ثم عاد إلى الروم ثم رجع ووعظ ببيت المقدس وبالشام بالتركي والعربي والعجمي وكان للناس فيه إعتقاد توفي بالقدس الشريف ودفن بباب الرحمة وبني على قبره قبة فليس بمقبرة باب الرحمة قبة سواها وقبة الشيخ علاء الدين الاردبيلي وارخ ابن روحة أبو عذيبة وفاته في يوم الأحد عاشر ربيع الآخر ولم يذكر السنة ولا شك انه توفي بعد الثمانمائة الشيخ الامام العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن عثمان بن الحواري الخليلي الشافعي مولده ببلد الخليل في سنة اربع وخمسين وسبعمائة سمع الحديث واشتغل بالعلم وقدم من بلدة الخليل إلى بيت المقدس وناب في التدريس بالصلاحية عن الهروي وناب في القضاء وأعاد بالصلاحية وصنف في الفرائض وكان فاضلا خيرا توفي في إحدى الجمادين سنة ثلاثين وثمامائة الخواجا محمد بن أحمد بن حاجي المشهور بمولانا شمس الدين ويعرف بأبي عذيبة لملازمته العذبة اتباعا للسنة وبه عرف ربيبه شهاب الدين أحمد المؤرخ مولده قبيل سنة خمس وخمسين وسبعمائة بتبريز واشتغل قديما وسمع الحديث ورحل إلى البلاد ودخل إلى القدس في سنة خمس وتسعين وكان يتجر مع الاشتغال بالفقه والعربية وقرأ عليه ربيبة شهاب الدين المؤرخ في العربية والقراآت ورحل معه للمجاورة بمكة وكان له دنيا واسعة وتردد إلى مكة فتوفي بها في رابع عشري المحرم سنة خمس وثلاثين وثمانمائة الشيخ العالم المحدث الضابط تاج الدين محمد بن الشيخ العالم ناصر الدين محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود الشهير بابن الغرابيلي الكركي الأصل ثم المقدسي الشافعي مولده في سنة اربع أو خمس وتسعين وسبعمائة اشتغل وحفظ كتبا من المختصرات ولزم مشايخ بيت المقدس كالشيخ شمس الدين الهروي والشيخ شمس الدين البرماوي والشيخ شمس الدين الديري الحنفي وولده الشيخ سعد الدين واشتهر بمعرفة الحديث ورجاله مع مشاركة في الفقه وأصوله والنحو وكان دينا خيرا متعففا لم يقبل الوظائف حسن الشكل ذا سمت حسن ويكتب خطا حلوا توجه إلى القاهرة لزيارة الحافظ ابن حجر فعظمه كثيرا واثنى عليه وقصد الحج فأدركته المنية بالقاهرة في عاشر جمادي الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة ودفن بالصوفية بباب النصر وشيعه جم غفير رحمه الله وولده الشيخ العالم الامام ناصر الدين محمد مولده في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ونشأ في نعمة كاملة وولي نيابة قلعة الكرك ثم صرف وسكن بيت المقدس وتوفي في ثالث عشري رجب سنة ست عشرة وثمانمائة الشيخ المسند المعمر الامام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب شهاب الدين أحمد بن العلامة شمس الدين محمد بن كامل التدمري الخليلي الشافعي مولده في سنة خمسين وسبعمائة سمع علي صدر الدين الميدومي وكان رجلا صالحا أضر في آخر عمره وحدث بمسموعه وتحمل عنه العلماء توفي في ليلة الثلاثاء قبل العشاء المسفرة عن مستهل ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة شيخ الشيوخ القدوة برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن الشيخ نجم الدين أحمد بن غانم الانصاري الشافعي شيخ الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف مولده في سنة ثمانين وسبعمائة وتوفي والده نجم الدين في سنة تسع وثمانين هو وولده ناصر الدين في يوم واحد وكان ناصر الدين شكلا حسنا قل أن ترى العيون مثله فنشأ الشيخ برهان الدين بعده وولي مشيخة الخانقاه في سنة سبع وتسعين وسبعمائة وكان من الأعيان المعتبرين لم يل أحد مشيخة الخانقاه أمثل منه وهو الذي عمرها وأقام نظامها فعمر المنارة والبوابة الكبرى والدركاه التي بداخلها والايوان الكائن بصدر الدركاه والمحراب السفلي وعمر غالب المسقفات وباشر بتقوى الله سبحانه وتعالى مع حرمة وشهامة ثم فوض لولده الشيخ نجم الدين - الآتي ذكره - مشيخة الخانقاه والنظر عليها في خامس عشر شعبان سنة ست وثلاثين وتوفي في شعبان سنة تسع وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف وأخوه الشيخ شرف الدين غانم كان موجودا بعد الثلاثين والثمانمائة والشيخ بهاء الدين أحمد بن غانم من أقاربه كان موجودا في سنة إحدى واربعين وثمانمائة الشيخ الصالح أبو بكر بن عبد الله الدمشقي الأصل القدسي المعروف بالعداس مولده في سنة ثمانين وسبعمائة تقريبا ورباه الشيخ عبد الله الذاكر لما قدم من الروم وسلكه وكان للناس فيه وفي شيخه اعتقاد زائد وكان منقطعا عن الناس زاهدا صالحا خيرا فلما مات شيخه الذاكر في سنة أاحدى عشرة صار من مشايخ القدس المشار اليهم بالصلاح توفي في رمضان سنة تسع وثلاثين وثمانمائة القاضي برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن بدر الدين حسن بن إبراهيم العرابي الشافعي مولده في سنة خمسين وسبعمائة كان من أعيان فقهاء الشافعية بالمدرسة الصلاحية وناب في القضاء بالقدس الشريف توفي سنة إحدى واربعين وثمانمائة الشيخ الامام العالم المحدث المسند شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بهاء الدين أبي الحياة الخضر بن علم الدين سليمان بن داود الشهير بابن المصري الحلبي الأصل ثم المصري الشافعي نزيل القدس الشريف وشيخ المدرسة الباسطية مولده بحلب في احدى الجمادين سنة ثمان وستين وسبعمائة سمع من جماعة وأجازه جمع وكان رجلا خيرا دينا انقطع في آخر عمره بالمدرسة الباسطية بالقدس الشريف يحدث بها إلى أن توفي في منتصف رجب سنة إحدى واربعين وثمانمائة وكف بصره في آخر عمره ودفن بالساهرة الشيخ الصالح القدوة زين الدين عبد القادر بن الشيخ العارف بالله تعالى شمس الدين محمد القرمي الشافعي - المتقدم ذكر والده - كان رجلا صالحا ومن الأعيان ببيت المقدس توفي في سنة ثلاث واربعين وثمانمائة ودفن عند والده بالزاوية بخط مرزبان الشيخ الامام العالم القدوة الخاشع تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ جمال الدين عبد الله الحلبي الطولوني البسطامي شيخ المدرسة الطولونية بالقدس الشريف ولد في يوم الاثنين ثامن ربيع الأول سنة ثمان واربعين وسبعمائة كان من أهل العلم والعمل ومن أعيان المشايخ قدم إلى القدس في سنة اربع عشرة وولي مشيخة الطولونية وكان خطه في غاية الحسن بلغ من العمر فوق خمس وتسعين سنة توفي بالقدس الشريف في التاسع عشر من رمضان سنة ثلاث واربعين وثمانمائة ودفن بحوش البسطامية بماملا وعند رأسه بلاطة مكتوب عليها من نظمه - وكانت لها عنده مدة بالطولونية في حياته جهزها لذلك - رحم الله فقيرا زار قبري وقرا لي سورة السبع المثاني بخشوع ودعا لي ومكتوب أيضا على قبره من نظمه من زار قبري فليكن عالما ان الذي لاقيت يلقاه فرحم الله فتى زارني وقال لي يرحمك الله وله نظم غير هذا ومحاسنه ومناقبه كثيرة وقد كان من أجلاء المشايخ الأخيار الشيخ محمد فولاد بن عبد الله أصله من العرب وقدم إلى بيت المقدس في حدود التسعين والسبعمائة وانقطع بالمسجد الأقصى للعبادة فقط واختاره علماء بيت المقدس وجهزوه بمفاتيح الصخرة إلى تيمور لما بلغهم أخذه دمشق فتوجه اليه فلما كان بالطريق بلغه رجوعه فرجع وحج ستين حجة غالبها ماشيا على قدميه وصار من أعيان الصلحاء المتورعين المشار اليهم بالصلاح بالقدس ومكة وغيرهما وحكي عنه كرامات كثيرة ومكاشفات وكان بوابا بالخانقاه الصلاحية وكان له هيبة زائدة على الصوفية بالخانقاه بحيث تضرب الأمثال بسطوته عليهم وحكى هو أنه رأى الملك صلاح الدين في النوم وقد وقف له على الباب وقبض على يده وقال له أنت شريكي في هذا الوقف ولم تفته حجة ولا صلاة في جماعة نحو ستين سنة وكان الشيخ تقي الدين الحصني إذا قدم إلى القدس لا ينزل إلا عنده ولا يأكل لأحد طعاما إلا له وقال في بعض مصنفاته وحكى لي السيد الجليل فولاد وهو ممن يشهد له بالصلاح توفي بعد رجوعه من الحج في شهر صفر سنة اربع واربعين وثمانمائة وقد جاوز الثمانين سنة ودفن بماملا شيخ الاسلام بركة الانام القطب الرباني شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الفقيه أمين الدين حسين بن حسن بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان الرملي المقدسي الشافعي الشيخ الامام الحبر العالم العارف بالله تعالى ذو الكرامات الظاهرة والعلوم والمعارف مولده بالقرية بالرملة تقريبا في سنة ثلاث أو خمس وسبعين وسبعمائة كما كتب بخطه وأصله من العرب من كتانه اشتغل في كبره وحصل بقوة ذكائه وفهمه وكان مقيما بالرملة بجامعة المشهور بحارة الباشقردي وانتفع به خلق كثير وما اشتغل عليه أحد ولازمه إلا وأثر نفعه فيه وكان يكنى جماعته بكنى ينتخبها لهم وصارت علما عليهم كأبي طاهر وأبي مدين وأبي العزم وأبي طلحة وغير ذلك ومن مشايخه الذين أخذ منهم العلم الشيخ شمس الدين القرقشندي والشيخ شهاب الدين بن الهائم وقاضي القضاة جلال الدين البلقيني واذن له بالافتاء وولي تدريس الخاصكية بالرملة ودرس بها مدة طويلة ثم ترك تدريسها وترك الافتاء وأقبل على الله تعالى رحل من الرملة إلى القدس الشريف وأقام بالزاوية الختنية وراء قبلة المسجد الأقصى الشريف وألف كتبا في الفقه والنحو وغير ذلك منها صفوة الزبد وشرحها شرحين ومختصر الاذكار وشرح سنن أبي داود وعلق على الشفاء تعليقة جيدة لضبط ألفاظه وقطعة من تفسير القرآن وشرح جمع الجوامع ومنهاج البيضاوي ومختصر ابن الحاجب ونظم في علم القراآت واعرب الالفية وشرح الملحة وشرح البخاري في ثلاث مجلدات واختصر المنهاج بحذف الخلاف وصحح الحاوي وشرح قطعة من نظم ابن الوردي على الحاوي واختصر الروضة ونظم القرآت الثلاث الزائدة على السبعة ثم القراآت الثلاث الزائدة على العشرة واعربها اعرابا جيدا ونظم في علوم القرآن فصولا تصل إلى ستين نوعا وجمع طبقات الفقهاء الشافعية وغير ذلك من الكتب المفيدة وكان متواضعا زاهدا له قدم عال في التهجد والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتفق من امره ان كاشف الرملة ضرب شخصا من جماعته يقال له الشيخ محمد المشمر فاستغاث بالشيخ فقال له الكاشف أن كان لشيخك برهان يظهره في هذه النخلة - وكانت نخلة قائمة على ساقها امامه - ففي الحال وقعت إلى الأرض فترجل الكاشف واتى اليه ووقع على قدميه وكان يخاطب الشيخ نجم الدين بن جماعة ب ( يا شيخ الصلاحية ) وهو صغير فوليها ولما من الله على الشيخ شهاب الدين بالاقامة بالقدس الشريف والسكنى بالزاوية الختنية انشد حباني إلهي بالتصافي لقبلة بمسجده الأقصى المبارك حوله فحمدا وشكرا دائمين وانني اريد لاخواني المحبين مثله وقد عمر الشيخ برجا على جانب البحر المالح بثغر يافا وكان كثير الرباط به وكان شيخا طوالا تعلوه صفرة حسن المأكل والملبس والمتلقى له مكاشفات ودعوات مستجابات توفي بالزاوية الختنية في ثاني عشرى شعبان كذا ارخه بعض الفقهاء وأرخ ابن روحة أبو عذيبة وفاته يوم الاربعاء رابع عشري شعبان سنة اربع واربعين وثمانمائة ودفن إلى جانب أبي عبد الله القرشي بماملا وحكى أنه لما اخذه الحفار وأنزله قبره سمعه يقول رب انزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ورؤى له عدة منامات صالحة ومناقبه كثيرة يطول شرحها ويقال ان من دعا الله بين قبره وقبر أبي عبد الله القرشي بأمر يريده استجاب الله له وقد جربت ذلك فصح رضي الله عنهما وفي اليوم الذي توفي فيه توفي الشيخ الصالح أبو بكر محمد المجيدي البسطامي وكان صالحا وحكي لي انه لما توفي الشيخ شهاب الدين كان الشيخ محمد المجيدي في حال صحته فقيل له الشيخ شهاب الدين أخوك توفي فقام يتأهب لحضور جنازته فتوضأ وصلى ركعتين سنة الوضوء فلما سجد توفي في سجوده ثم غسل من وقته وجيء به إلى المسجد الأقصى وصلي عليهما معا وحملا إلى ماملا ودفنا في وقت واحد وقد جاوز الشيخ محمد السبعين الشيخ القدوة الزاهد عبد الملك بن الشيخ الامام الناسك القدوة العالم العلامة أبي بكر عبد الله الموصلي الشيباني الشافعي أحد أعيان المشايخ الزهاد بالقدس الشريف مولده في سنة تسعين وسبعمائة وتقدم ذكر والده كان الشيخ عبد الملك من أهل العلم ومن مشايخ الصوفية وكان شكلا حسنا قال الشيخ عمر بن حاتم العجلوني - وقد سئل عنه - هو رجل ينطق بالحكمة وكانت له كلمات حكمية ولطائف صوفية وفقهية وكان ذا ابهة وحشمة وكلمة نافذة وسماعات واجازات وفقراء ومريدين وكان كثيرا ما ينشد لا والذي قد من بالايمان يثلج في فؤادي ما كان يختم بالاساءة وهو بالاحسان بادي وكان ينشد ايضا فان امت بعد بلوغ المنى فذاك من فضل العزيز المليك وإن أمت قبل بلوغ المنى فكم لنا تحت الثرى من شريك توفي في يوم الخميس سابع عشر رمضان سنة أربع واربعين وثمانمائة ودفن بماملا الشيخ القدوة علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ تاج الدين أبي الوفا محمد بن الشيخ علي أبي الوفا البدري الزاهد الصالح مولده في حدود سنة تسعين وسبعمائة وكان من الصالحين حافظا لكتاب الله كثير التلاوة وكانت له شهرة عظيمة بالصلاح والتصرف بالحال وكان كثير السيارات وعرض له في بعض سياراته قطاع الطريق فصاح بهم فانصرعوا ولم يفيقوا حتى سأله أهل تلك الناحية واستعطفوه فنفل في ماء ورش على وجوهم فأقاقوا تائبين وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة ولزموا خدمته وظهرت لهم أحوال وماتوا على ذلك ولهم قبور تزار وله غير ذلك من التصرفات والبركات منها إن جماعة أوقدوا له نارا وسألوه ان يبين لهم من حاله فأشار إلى عبده فدخل النار ذاكرا متواجدا ولا زال يمشي عليها يمينا وشمالا حتى صارت رمادا وأكثر تصرفاته كانت في البر بخلاف أخيه السيد أبي بكر توفي في ثاني عشر شوال سنة اربع واربعين وثمانمائة ودفن بماملا الشيخ الامام العالم العلامة زين الدين عبد المؤمن بن عمر بن أيوب بن محمد الرهاوي الأصل الحلبي ثم القدسي الشافعي الواعظ معيدالمدرسة الصلاحية وهو واعظ مدينة القدس الشريف ومفتيها وعالمها مولده في حدود سنة ستين وسبعمائة بمدينة الرها قدم إلى بيت المقدس في سنة خمس عشرة وثمانمائة فأكرمه الشيخان شمس الدين الهروي وشمس الدين الديري ووجدا فيه اهلية العلم فولاه الهروي اعادة الصلاحية وجلس للوعظ يعظ الناس وكان له اشتغال قديم وفضل وسماع للحديث رؤى صحيح البخاري عن جماعة من أصحاب ابن الشحنة وكان خيرا عالما فاضلا مفتيا واعظا متفننا يعظ بلطافة ومجون وجد وهزل ولسماع مواعيده التفات ويأتي بغرائب ونوادر وأشعار مليحة توفي بالقدس الشريف في يوم عرفة من سنة خمس وأربعين وثمانمائة ودفن بماملا الشيخ الصالح عمر بن حاتم العجلوني الزاهد العابد القانت العارف العالم الفاضل الأوحد بركة الوقت صاحب الكرامات والمجاهدات والمكاشفات خرج من بلده عجلون وورد إلى بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام فنزل عند الشيخ عمر المجرد في زاويته وعقد الايمان على نفسه أنه لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا يغسل ثوبه ولا بدنه إلا من ضرورة شرعية إلى ان يحفظ القرآن العزيز وبر قسمه فلما حفظ القرآن رجع إلى عجلون ثم توجه إلى حلب واقام بها وأخذ في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووقع له كرامات وكان الشيخ عز الدين المقدسي يتأسف على عدم لقيه كثيرا وكان يقول ما تأسفت على أحد ما تأسفت عليه ويحكى عنه لطائف كثيرة ومكاشفات وأخبار عجيبة ومحاسن عديدة وكان يحفظ الاحياء والقوت ورسالة القشيري وعوارف المعارف ويقول لا يصير الصوفي صوفيا حتى يحفظ هذه الكتب الاربعة وكان ضعف بصره ثم أنه جاور بمكة وخرج منها متوجها إلى المدينة الشريفة فمات ببدر منصرفا من الحج في شهر ذي الحجة سنة خمس واربعين وثمانمائة وقد جاوز السبعين سنة الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن حامد الانصاري الشافعي مولده في سنة ثمانين وسبعمائة سمع الحديث هو والخطيب جمال الدين بن جماعة في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة على الجلال عبد المنعم بن النجمي أحمد بن محمد الانصاري وكان مباشرا لوقف التنكزية وللوقف الشريف النبوي وغير ذلك توفي في سنة ست واربعين وثمانمائة الشيخ الامام الزاهد العابد العارف الورع المسلك القدوة عبد الله الزرعي الدمشقي الأصل نزيل بيت المقدس كان رجلا خيرا زاهدا متورعا متقللا من الدنيا له حظ من الصلاة والعبادة وللناس فيه اعتقاد كبير وكان من المشايخ الصلحاء اشتغل قديما بدمشق وصحب جماعة منهم الشيخ محمد القرمي والشيخ عبد الله البسطامي والشيخ أبو بكر الموصلي وغيرهم وسمع الحديث وأسن وطال عمره وكان ساكنا قليل الكلام والاختلاط بالناس معظما إلى النفوس يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسنا في وعظه وكان ينسخ ويأكل من عمل يده ثم عجز عن ذلك فتركه فيقال انه كان ينفق من الغيب وكان يقول انه ما اغتسل قط من احتلام ولا حصل له ولا يعرفه ومحاسنه كثيرة ومناقبه جمة توفي بالقدس الشريف في خامس رمضان من سنة ثمان واربعين وثمانمائة ودفن بماملا وقد بلغ ثمانين سنة وصلي عليه صلاة الغائب بمصر والشام وغيرهم وتأسف الناس عليه لأنه كان لهم به حاجة الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن حاتم المقدسي سمع الحديث في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة وكان متكلما بالقدس على الايتام والغياب مدة طويلة وكان ناظرا على وقف الأمير بركه خان فخرج عنه وتوجه إلى القاهرة للسعي فيه فتوفي هناك في ذي القعدة سنة ثمان واربعين وثمانمائة عن نحو سبعين سنة الشيخ الامام العالم المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن خليل بن أبي بكر القباقبي الحلبي ثم المقدسي الشافعي شيخ المسلمين مولده في سنة سبع وسبعين وسبعمائة اشتغل في القراآت وفاق المشايخ وانتهت اليه رياسة هذا الفن أخذ الحديث عن الحافظ أبي الفضل بن العراقي وغيره وكان رجلا خيرا دينا منكبا على الاقراء والتصنيف منقطعا عن الناس مشاركا في عدة فنون قدم القدس للزيارة فأشار عليه الشيخ شهاب الدين بن ارسلان بالاقامة ببيت المقدس فأقام به وحصل له الخير وكف بصره في إحدى الجمادين سنة ثمان واربعين وتوفي عصر يوم الجمعة لعشرين من شهر رجب سنة تسع واربعين وثمانمائة ودفن بماملا بجوار الشيخ شهاب الدين بن ارسلان رحمهما الله تعالى ومن مصنفاته منظومته المسماة بجمع السرور ومطلع البدور وايضاح الرموز ومفتاح الكنوز وغير ذلك من النظم والنثر عفا الله عنه وكتب لناظر الحرمين قصيدة لصرف معلومه من نظمه أولها يا ناظر الحرمين أنت وعدتني بالخير يا من وعده لا يخلف تالله لم ابرح ببابك واقفا حتى تقرر لي وتكتب يصرف ثم بعد وفاته خلفه ولده الشيخ الامام العالم العلامة شيخ الاسلام القدوة المحقق برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم أحد أعيان علماء بيت المقدس في العلم والقراآت رجل عالم صالح لم تعلم له صبوة استقر فيما بيد والده من القراءة بمصحف الملك الظاهر جقمق بالصخرة الشريفة وتدريس القراآت بالمدرسة الجوهرية واشتغل وحصل وفضل وتميز وصار من أعيان بيت المقدس وتصدر للافتاء والتدريس ونفع المسلمين وهو سالك طريقة السلف الصالحين وعبارته في الفتوى نهاية في الحسن والناس سالمون من يده ولسانه يتلو كتاب الله بحسن صوت وطيب نغمة وله مصنفات منها شرح جمع الجوامع في الأصلين ونظم الارشاد في الفقه وألفية المعاني والبيان وشرحها وشرح ألفية ابن مالك في النحو والصرف وشرح التقريب والتيسير في علوم الحديث للامام الكبير محيي الدين النووي رضي الله عنه وشرح القواعد نظم العلامة شهاب الدين بن الهائم والأسئلة في البسملة والعقد المنضد في شروط حمل المطلق على المقيد وشرحه وغير ذلك وهو حي يرزق إلى يومنا ابقاه الله تعالى ونفع به المسلمين الشيخ شمس الدين محمد بن حسين الأوتاري الشافعي نسبة لأوتارية - قرية من عمل جلجوليا - رحل إلى مصر صغيرا واشتغل على العلماء وسمع الصحيح على البرهان الشامي مسند القاهرة في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة لسماعه على الحجاز بسنده وسمع على جماعة واشتغل وفضل وكان يعمل بمسألة ابن سريج ويصرح بالجواز فيها وقد اتنابه قاضي القضاة جمال الدين بن جماعة في هذه المسألة حتى حكم بها لبعض المقادسة وله مؤلف سماه فتح الخلاق في تنبيه أبي اسحاق وتكسب بالشهادة دهرا طويلا ألى ان توفي في اثناء سنة تسع واربعين وثمانمائة الشيخ الامام العالم الصالح شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن يحيى بن سعيد بن عبد الله المقدسي القادري المشهور بجده الأعلى سعيد شيخ القادرية وصاحب الذكر والأوراد كان له حلقة عظيمة يجتمع فيها خلق كثير بالمسجد الأقصى صبحية كل يوم وكان يحصل به خير كثير مولده في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة توفي والده الشيخ الصالح صاحب الأحوال والأوراد الشيخ محمد في حادي عشري شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وتوفي هو يوم الاربعاء رابع عشري صفر سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ودفن بماملا وله أقارب فشهرتهم اولاد الشيخ سعيد كانوا شيوخ زاوية الدركاه الشيخ الصالح العالم ناصر الدين محمد بن محمد بن علي بن محمد بن الزولعة الحموي الشافعي مولده في سنة اربع وسبعين وسبعمائة سمع الحديث وكان عالما فاضلا واعظا مشهورا قدم من حماة إلى بيت المقدس للزيارة فتوفي به سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة الشيخ الامام العلامة عماد الدين اسماعيل بن إبراهيم بن شرف الشافعي معيد الصلاحية وعين فقهاء الشافعية بالقدس الشريف مولده تقريبا في سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين وسبعمائة وهو رفيق العلامة الشيخ ماهر المصري وكان خصيصا به اشتغل عليه جماعة من الأعيان وانتفعوا به وله مصنفات منها شرح البهجة في مجلدين وابتدأ في شرح آخر اطول منه وله على ألفية البرماوي توضيح حسن مفيد وشرح تهذيب التنبيه وشرح مصنفات شيخه ابن الهائم وكان قليل النظر إلى الدنيا مكبا على الاشتغال إلى ان توفي في ثالث عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة الشيخ الامام العالم المحدث شمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مفلح القلقيلي الشافعي قارئ الحديث الشريف ببيت المقدس نسبة لقرية قليقلة - من اعمال جلجوليا - مولده في سنة ست وسبعين وسبعمائة وكان شيخا صالحا عالما فاضلا حسن المذاكرة جيد التلاوة كثير العبادة عليه أنس كبير وكان يقرئ الاطفال بجلجوليا دهرا ثم قدم إلى بيت المقدس في حدود سنة عشرين وثمانمائة وانتمى إلى الشيخ برهان الدين بن غانم فكان يقرئ أولاده ونزل بالمدرسة ولازم الاشتغال واعتقده الناس وكان له ولد اسمه شهاب الدين أحمد حسن الصوت وكان ناظما كاتبا مجموعا حسنا إلى الغاية من نظمه يخاطب شهاب الدين أحمد موقع الأمير جاني بك داوادار الملك الأشرف يا شهابا رقى العلا لا تخن قط صاحبك زادك الله رفعة ورعى الله جانبك توفي قبل والده في ثامن عشري شعبان سنة تسع واربعين وثمانمائة فجأة فحصل لوالده عليه الوجدالعظيم ولم يزل مهموما عليه إلى ان توفي وكان كلما سئل عن حاله يقول شيئان لو بكت الدماء عليهما عيناي حتى يؤذنا بذهاب لم يبلغا المعشار من عشريهما فقد الشباب وفرقة الأحباب ويبكي حتى يبكي من حضر لبكائه توفي الشيخ شمس الدين في يوم الثلاثاء ثالث عشري شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بعلة الاستسقاء وقد رأيت كثيرا من المسندات الشرعية بخط ولده وعبارته فيها دالة على فضله ومعرفته رحمه الله الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شمس الدين أبي عبد الله محمد الصلتي الشافعي ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة وله اشتغال قديم وكان رجلا مباركا باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف مدة طويلة وتوفي يوم الجمعة سادس عشري شعبان من سنة اثنتين وخمسن وثمانمائة الشيخ شمس الدين محمد بن أبي عبد الله محمد بن سليمان الشهير بابن البرهان الخليلي الأصل ثم المقدسي الشافعي الخطيب بالقدس الشريف هو ووالده من قبله مولده بمدينة الخليل في سنة ست وسبعين وسبعمائة سمع الحديث واشتغل بالعلم واتقن علم الوقت ولم يتزوج قط وكانت وفاة والده في سنة عشر وثمانمائة وكان هو فقيها فرضيا نحويا أعاد بالصلاحية نيابة وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة الشيخ الامام العالم الزاهد شهاب الدين أبو البقاء أحمد بن الحسين بن علي الزبيري الشافعي مولده في حدود السبعين والسبعمائة بصعيد مصر سمع الحديث واشتغل بالعلم وقدم بيت المقدس بعد الثلاثين والثمانمائة وصحب الشيخ شهاب الدين أحمد بن أرسلان ونزل بمدارس الفقهاء ثم انقطع بالطولونيا للعبادة لا يخرج منها توفي بالقدس الشريف في حادي عشر ربيع الأول سنة اربع وخمسين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة وحضر جنازته نائب السلطنة مبارك شاه والقضاة والأعيان رحمهم الله الشيخ الصالح الرحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ محمد بن حامد الانصاري المقدسي الشافعي مولده تقريبا سنة ستين وسبعمائة اشتغل في العلوم وحصل الفوائد وأدرك المتقدمين وسمع عليهم وعرض محفوظاته على قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة توفي وقت الظهر في يوم الخميس ثاني عشري ذي القعدة سنة اربع وخمسين وثمانمائة ودفن بماملا عند عمه علاء الدين علي بن حامد المتوفى في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة الشيخ الامام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن حسان الشافعي مولده في صفر سنة ثمان وثمانمائة وتوفي والده بدمشق قتيلا في سنة خمس عشرة وثمانمائة فنشأ هو بعده واشتغل بالعلم وجد واجتهد ببيت المقدس ثم انتقل إلى مصر في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة فصار من أعيان علماء القاهرة وسئل لمشيخة الصلاحية فأبى مفارقة الديار المصرية وولي مشيخة سعيد السعداء توفي في سلخ صفر سنة خمس وخمسين وثمانمائة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود النحال - بحاء مهملة - البرموني الأصل ثم المقدسي الشافعي مولده في سنة سبعين وسبعمائة بالبرمون اشتغل قديما على المشايخ وسمع الحديث على أبي الخير بن العلائي وغيره وحدث وكان رجلا خيرا انجمع عن الناس وضعف بصره في آخر عمره توفي بالقدس الشريف في يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثمانمائة الشيخ شمس الدين محمد التميمي الموقت بالمسجد الأقصى الشريف كان من أهل الحذق في فنه باشر التأقيت بالمسجد الأقصى مدة أربعين سنة وكان موجودا في سنة خمس وخمسين وثمانمائة وتوفي بعدها بقليل الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الشافعي المؤرخ المشهور بابن روحة أبي عذيبة نسبة لزوج والدته الخواجا محمد المشهور بأبي عذيبة - المتقدم ذكره - وبعض الناس يظنه ابن أبي عذيبة وليس كذلك وإنما هو بيبه مولده في ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد ثالث شهر شعبان المكرم سنة تسع عشرة وثمانمائة بالقدس الشريف قرأ القرآن واشتغل بالعلم وكان من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية واعتنى بعلم التاريخ وكتب تاريخين احدهما مطولا والآخر مختصرا وقد وقفت على معظم المختصر وهو مرتب على حروف المعجم ولم يظهر تاريخه الكبير بعد وفاته وقد أخبرت انه لما توفي اطلع بعض الناس عليه فوجد فيه أشياء فاحشة من ثلب أعراض الناس فاعدمه فلم يوجد إلا بعض كراريس متفرقة من التاريخ المختصر توفي في يوم الجمعة خامس عشر ربيع الآخر سنة ست وخمسين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة عفا الله عنه الشيخ الامام العالم العلامة المحدث زين الدين عبد الكريم بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين محمد القرقشندي الشافعي كان من اعيان العلماء بالقدس الشريف وله يد طولى في علم الحديث وأخذ عنه جماعة من الأعيان وله أحاديث مخرجة توفي في سنة ست وخمسين وثمانمائة ودفن بالقلندرية بماملا شيخ الاسلام شمس الدين أبو اللطف محمد بن علي الحصكفي الشافعي الامام العلامة مولده بحصن كيفا سنة تسع عشرة وثمانمائة فتخرج هناك في فن الأدب ثم قدم بيت المقدس فلزم الشيخ شهاب الدين بن أرسلان واشتغل عليه في الحاوي وجد وحصل وشارك في العلوم وتميز وصار من أعيان العلماء وكان ذكيا حسن النظم والنثر يكتب الخط المليح وعنده تودد وحلاوة لسان وهو دين خير له مؤلفات مفيدة في النحو والصرف وغير ذلك توفي في ليلة يسفر صباحها عن نهار الثلاثاء عاشر جمادي الآخرة سنة تسع وخمسين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة إلى جانب والده ووفاة والده في سنة خمس وخمسين وثمانمائة وترك الشيخ أبو اللطف ولدين احدهما الشيخ العلامة علاء الدين أبو الفضل علي توفي والده وهو صغير فنشأ بعده واشتغل على علماء بيت المقدس منهم الشيخ أبو مساعد وغيره ورحل إلى الديار المصرية واخذ عن علمائها وفضل وتميز وصار من الأعيان ولما توفي شيخ الاسلام كمال الدين بن أبي شريف مدرس المدرسة الصلاحية قرره من المعيدين بها ثم استوطن دمشق المحروسة وصار من اعيان الفقهاء بها وهو حي يرزق والثاني الشيخ العلامة سيف الدين القرقشندي توفي والده وهو حمل فنشأ بعده واشتغل بالعلم الشريف على علماء بيت المقدس منهم شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وغيره ثم رحل إلى الديار المصرية واخذ عن علمائها منهم الشيخ شمس الدين الجوجري وغيره وسمع الحديث وقرأه وصار من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدين والتواضع وعنده تودد ولين جانب وسخاء نفس وإكرام لمن يرد عليه لا يحب الفخر ولا الخيلاء والناس سالمون من يده ولسانه وقد أذن له العلماء بالديار المصرية وغيرها بالافتاء والتدريس مدة طويلة والناس مجمعون على محبته لعلمه ودينه وهو ممن احبه الله عامله الله بلطفه الخفي ونفعنا الله بعلومه الشيخ العالم المسلك السيد الشريف الحسيب النسيب تقي الدين أبو بكر بن الشيخ تاج الدين أبي الوفا محمد بن الشيخ علاء الدين علي بن أبي الوفا الحسيني الشافعي شيخ الوفائية بالقدس الشريف مولده في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وسبعمائة اخذ عن اصحاب الميدومي وجماعة واشتغل قديما وانتفع وكان رجلا كريما معظما للواردين اليه كثير التودد للناس مستجلب للقلوب له حظ من صيام وصلاة وتلاوة واعتكاف وانتهت اليه رياسة الفقراء بالقدس الشريف وألبس خرقة الوفائية عن والده قدم عليه بعض اقاربه وهو الشيخ سلار في سنة خمس وخمسين وثمانمائة وقد ثبت نسب شرفه بالبينة الشرعية ولم ينتسب قبل ذلك بها توفي شهيدا بالبطن في نهار الجمعة سابع عشري شوال سنة تسع وخمسين وثمانمائة وصلي عليه عقب صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى الشريف وكانت جنازته حافلة وتأسف عليه الناس من الفقراء وغيرهم ودفن بماملا بحوش الأمير طوغان العلائي الملاصق لزاوية القلندرية من جهة الشرق المعدل نور الدين علي بن يحيى الايدوني الدمشقي الشافعي نزيل القدس الشريف قدم من دمشق إلى بيت المقدس فأقام به دهرا طويلا يحترف بالشهادة وخطه حسن وله معرفة بمصطلح الوثائق ورزق القبول التام في هذا الفن وكان قضاة بيت المقدس يعظمونه ويحتفلون بأمره وكان موجودا في حدود الستين والثمانمائة ووفاته في ذلك العصر الرئيس علم الدين سليمان الصفدي رئيس المؤذنين بالمسجد الأقصى الشريف كان حسن الصوت وعنده حسمة زائدة ويلبس القماش الحسن ويسلك طرفا لراسه وكان صوته حسنا يضرب به المثل توفي بعد الستين والثمانمائة بالقدس الشريف العدل زين الدين الخضر بن جمعة بن خليل الداري النقوعي من ذرية سيدنا تميم الداري كان يحترف بالشهادة وربما باشر في دار النيابة وخطه حسن وكان من ذوي المروآت توفي في شوال سنة ستين وثمانمائة ودفن بماملا في القدس الشيخ الحافظ المحدث العلامة عماد الدين أبو الفدا اسماعيل بن قاضي القضاة برهان الدين أبي اسحاق إبراهيم بن قاضي القضاة جمال الدين أبي محمد عبد الله بن جماعة الكناني الشافعي مولده في رمضان سنة خمس وعشرين وثمانمائة حفظ القرآن وهو ابن تسع وصلى بالناس وحفظ عدة من الكتب في الفقه وغيره وعرض على جماعة من شيوخ الاسلام منهم جده الجمالي بن جماعة وجده السعدي الديري الحنفي ورحل إلى الديار المصرية وأخذ عن الحافظ بن حجر وأجازه بالتدريس والافادة وسمع الحديث وطلب العالي من الاسناد وقرأ الكتب الستة والشفاء والترغيب والترهيب وأجزاء حديثية وشرح الألفية في علم الحديث للزين العراقي شرحا حسنا أدمج الأصل في الشرح وبذلك سهل مأخذه وشرح تصريف العزي وشرح ألفاظ الشفاء ذكر الغريب منه وربما تعرض لتخريج الأحاديث المذكورة فيه ودرس الدروس العامة والخاصة ولما ولي جده الشيخ جمال الدين تدريس الصلاحية سنة خمسين وثمانمائة استقر معيدا بها وصار ينقل الغريب الحسن والفوائد الجمة وكان خطيبا فصيحا زاهدا متواضعا نحيف الجسم خطب بالمسجد الأقصى الشريف نيابة عن جده وولي مشيخة الخانقاه الصلاحية مشاركا لبني غانم ( نادرة ) ووقعت له كرامة وهي ان والدته حصل لها ضعف فحضر عندها وسألها عن حالها فتأوهت وشكت شدة الحمى فقال لها في الجواب قد تحملت عنك ما انت فيه فما قام من مجلسه إلا وهو محموم فلم يزل يتزايد به الضعف ووالدته تقوى إلى ان قبضه الله تعالى توفي بعد صلاة العصر من نهار الاثنين سادس شهر ذي القعدة الحرام سنة احدى وستين وثمانمائة ودفن بماملا عند اقاربه الشيخ الفقيه جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن منصور بن أحمد المشهور بابن النائب المقدسي الشافعي مولده في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة اشتغل قديما في الفقه والنحو وسمع الحديث بقراءة العلامة شمس الدين القرقشندي على المسند أبي الخير العلائي وتفقه على الشيخ بن الهائم وعمل المواعيد توفي بالقدس الشريف في سنة ست وستين وثمانمائة العدل زين الدين عبد الرحيم بن حسن بن قاسم المشهور بجده - أحد العدول بالقدس الشريف - احترف بالشهادة دهرا طويلا وكان رفيقا للشيخ برهان الدين الكتبي وسيرتهما محمودة توفي يوم الجمعة ثاني رجب الفرد سنة ست وستين وثمانمائة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد القرمي الشافعي كان من أعيان بيت المقدس وفقهاء المدرسة الصلاحية وباشر الامامة بالمسجد الأقصى وكان حسن القراءة منور الشيبة توفي نهار السبت تاسع عشر ربيع الأول سنة سبع وستين وثمانمائة ودفن عند والده وجده بالزاوية بخط مرزبان وتوفي والده العدل زين الدين عمر - أحد العدول بالقدس الشريف والفقهاء بالمدرسة الصلاحية - في سنة ثمانين وثمانمائة ودفن عند اسلافه بالزاوية الشيخ العلامة القدوة المحقق زين الدين أبو الجود ماهر بن عبد الله بن نجم الأنصاري المصري ثم المقدسي الشافعي شيخ المسلمين مولده في سنة تسع وسبعين وسبعمائة اشتغل بالعلوم الفقه والنحو والفرائض والحساب وأجاز له جمع من المشايخ المسندين ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم وأصله من بلاد مصر وقدم بيت المقدس واستوطنها في رجب سنة اثنتين وثمانمائة واشتغل عليه جماعة من الأعيان وانتفع به الطلبة بصلاحه ونصحه وكان حسن التقرير أفتى ودرس ومن تلامذته شيخ الاسلام الكمال بن أبي شريف وكان منقطعا عن ابناء الدنيا كثير التلاوة والعبادة وللناس فيه اعتقاد وكان ورعا زاهدا متواضعا توفي بالقدس الشريف في ليلة الأربعاء سلخ ربيع الأول سنة تسع وستين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة إلى جانب الشيخ محمد أكال الحيات نفع الله بهما ورضي عنهما شيخ الاسلام علامة الزمان أحد الأئمة الأعلام تقي الدين أبو بكر عبد الله ابن شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ العلامة تقي الدين اسماعيل القرقشندي المقدسي الشافعي سبط الحافظ أبي سعيد العلائي عالم الأرض المقدسة شيخنا الامام العلامة الحبر الفهمامة مولده بالقدس الشريف في ليلة الثالث عشر من شهر ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة اشتغل في صغره على والده وغيره وسمع على المشايخ وقرأ بنفسه وسمع من لفظ البلقيني المسلسل بالأولية وسمع على الشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر النابلسي الملقب بالحبة شيخه ابن الجوزي علي الميدومي وأجازه جمع من العلماء والحفاظ افتى ودرس وناظر وحدث وسمع عليه الرحالون وساد ببيت المقدس ولما عمر القاضي زين الدين عبد الباسط الدمشقي رئيس المملكة مدرسته الباسطية شمال المسجد الأقصى الشريف قرر في مشيختها الشيخ شمس الدين بن المصري - المتقدم ذكره - واستمر بها إلى أن توفي ثم قرر بعده فيها الشيخ شرف الدين يحيى بن العطار الحموي الأصل ثم المصري فباشرها مدة ثم تنزه عنها وسأل الواقف أن يقرر فيها شيخنا التقوى القرقشندي فقرره بها فانتهت اليه الرياسة بالقدس وعظم عند أكابر المملكة وكان عنده ملاطفة واستمالة للقلوب وحسن سياسة وكثرة تواضع وفصاحة لفظ وكان حسن الشكل منور الشيبة له سمت إذا رآه من لا يعرفه علم انه من أهل العلم برؤية شكله وأما سخاؤه وبسط يده فلا يكاد يوصف وكتابته على الفتوى نهاية في الحسن وفصاحة اللفظ وترتيب العبارة وقد عرضت عليه ملحة الاعراب في ثاني جمادي الأولى سنة ست وستين وثمانمائة بمنزله بجوار المدرسة الصلاحية ولي دون ست سنين فإن مولدي بالقدس الشريف في ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد ثالث عشري ذي لقعدة سنة ستين وثمانمائة وهو أول شيخ عرضت عليه وتشرفت بالجلوس بين يديه وأجازني بالمحلة بسنده المتصل إلى المصنف وبغيرها من كتب الحديث الشريف وما يجوز روايته وكتب والدي الاجازة بخطه وكتب الشيخ خطه الكريم عليها وكن للأرض المقدسة بل ولسائر الممالك بوجوده الجمال ولو شرعت أذكر مناقبه ومحاسنه لطال الفصل وخرجت عن حد الاختصار فإن ترجمته وذكر مشايخه تحتمل الافراد بالتأليف وهو أعظم من ان ينبه مثلي على فضله وعلو مرتبته فلقد كان من اعظم محاسن الدهر توفي ليلة الخميس ثاني عشر شهر جمادي الآخرة سنة سبع وستين وثمانمائة ودفن بداخل الايوان الكائن بالزاوية القلندرية بتربة ماملا وكان يوما كثير المطر القاضي جمال الدين عبد الله بن زين الدين عبد الرحمن بن الصاحب التميمي الخليلي من ذرية سيدنا تميم الداري رضي الله عنه وكان ناظرا على وقفه وهو أرض بلد الخليل عليه الصلاة والسلام وله مروءة ومحبة لأصحابه كان يباشر بدار النيابة ولم يحصل منه ضرر لأحد توفي في يوم الخميس خامس جمادي الآخرة سنة سبع وستين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة شيخ الشيوخ نجم الدين محمد بن شيخ الشيوخ شهاب الدين إبراهيم بن شهاب الدين أحمد بن غانم الانصاري المقدسي الشافعي شيخ الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف استقر فيها بعد وفاة والده الشيخ برهان الدين ثم نزل عن نصفها للشيخ عماد الدين بن جماعة وحصل بينه وبين بني جماعة نزاع ثم أستقر فيها بكمالها وتوجه إلى القاهرة فأدركته المنية بها في مستهل شعبان سنة تسع وستين وثمانمائة ومولده في سنة اربع عشرة وثمانمائة الشيخ العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين حسن بن داود المشهور بابن الناصري الشافعي ولد بالقدس الشريف ونشأ به واشتغل بالعلم الشريف وأخذ عن علماء بيت المقدس وكان من أعيان القدس ولي مشيخة المدرسة الجوهرية وكان شكلا حسنا منور الشيبة يسلك طرق الرياسة توفي في شهر جمادي الاولى سنة سبعين وثمانمائة وقد قارب السبعين ودفن بماملا الشيخ الصالح العالم زين الدين عبد القادر بن محمد بن حسن النواوي الشافعي مولده في سنة إحدى وثمانمائة توجه إلى اليمن في سنة عشر ورجع في سنة خمس عشرة وقد قرأ وسمع باليمن بزبيد وتلك البلاد وارض الحجاز واشتغل وتلا بالسبع وفضل وانقطع عن الناس وكان رجلا صالحا صوفيا مقرئا عالما فاضلا له حظ من صلاة وصوم وعبادة يمشي اليه الخواص ويسألونه الدعاء يتبركون به والأهل بيت المقدس فيه اعتقاد وكان ممن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توفي في خامس شهر شعبان سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وحمل تابوته على الرؤس ودفن بماملا وكانت جنازته حافلة العدل تاج الدين عبد الوهاب بن القاضي برهان الدين إبراهيم بن القاضي الصلت الشافعي كان من اعيان العدول بالقدس الشريف وكانت القضاة والحكام يعظمونه وباشر تحمل الشهادة دهرا طويلا وقد توجه إلى مدينة الرملة فتوفي بها في شهر صفر سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة بالمدرسة الخاصكية ودفن عند قبة الجاموس الشيخ العلامة زين الدين عمر بن الشيخ عبد المؤمن الحلبي الأصل الشافعي شيخنا بالاجازة كان رجلا صالحا له سند عال في الحديث الشريف أخذ عن جماعة من فقهاء بيت المقدس وكان منور الشيبة عليه الابهة والوقار وقد حضرت ختم البخاري عليه في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بالصخرة الشريفة وأجازني توفي في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا وكان مشهود الجنازة العدل تاج الدين عبد الوهاب بن محمد المؤدب كان رجلا خيرا احترف بالشهادة دهرا طويلا وكان ينسخ الكتب وخطه حسن وعنده تواضع توفي في رابع شعبان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ودفن بالساهرة الشيخ أحمد جعارة كان مجذوبا وله كرامات ظاهرة وأهل بيت المقدس يعتقدون صلاحه وحكي عنه أشياء تدل على ولايته توفي في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا بالقرب من القلندرية نفع الله به الشيخ الامام العالم العلامة المحقق شيخ المسلمين شمس الدين أبو مساعد محمد بن عبد الوهاب الشافعي شيخنا أحد جماعة العلامة شهاب الدين بن أرسلان وهو الذي كناه كان من اعيان علماء بيت المقدس والمعيدين بالمدرسة الصلاحية وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة انتفع الناس به وقد عرضت عليه قطعة من كتاب المقنع في الفقه في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وأجازني توفي في يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة بالطاعون ودفن بالساهرة وكانت جنازته حافلة العدل شهاب الدين أحمد بن محمد الخليلي الشافعي رئيس المؤذنين بالمسجد الأقصى كان حسن الصوت في الاذان استقر في رياسة الاذان بعد وفاة علم الدين الصفدي وكان يحترف بالشهادة رفيقا للقاضي عماد الدين التركستاني وعنده حشمة زائدة ويلبس القماش الفاخر وله مروءة تامة توفي في المحرم سنة أربع وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا ولم يبق بعده من هو في معناه من حسن الصوت في الاذان والمديح ونحوهما السيد الشريف الشيخ عز الدين حمزة الدمشقي أحد علماء دمشق توفي بالقدس الشريف في سنة أربع وسبيعين وثمانمائة ودفن بماملا القاضي زين الدين أبو حفص عمر بن الشيخ علاء الدين علي الحواري الشافعي أحد اعيان الفقهاء بالقدس الشريف والمعيدين بالمدرسة الصلاحية كان من أهل الفضل وناب في القضاء بالقدس الشريف وكان خيرا متواضعا مولده في سنة ثلاث وثمانمائة وتوفي في يوم الاربعاء العشرين من شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا وتقدم ذكر والده الشيخ غرس الدين خليل بن عبد الرحمن الأنصاري الخليلي الشافعي أخو الشيخ برهان الدين - الآتي ذكره - كان الشيخ غرس الدين من أهل الفضل وذوي المروآت وعنده تواضع وباشر نيابة الحكم بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وناب في الخطابة بالمسجد الشريف الخليلي توفي في شهر ربيع الاول سنة أربع وسبعين وثمانمائة ببلده الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن حامد الأنصاري المقدسي الشافعي شيخ المدرسة الفخرية مولده في سنة سبع وثمانمائة وكان من أهل الفضل ومن اعيان بيت المقدس توجه إلى دمشق فتوفي بها في سابع ربيع الآخر سنة اربع وسبعين وثمانمائة ودفن بالقرب من المذهبية وصلي عليه صلاة الغائب بالمسجد الأقصى الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن حسين الأوتاري المقرئ الشافعي مولده في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة كان رئيس القراء بالقدس الشريف حفظ القرآن حفظا جيدا ويؤديه بحسن صوت وطيب نغمة وينظم الشعر وخطه حسن وربما احترف بالشهادة في بعض الأوقات وكان عنده بشاشة وتودد للناس توفي في الاربعاء سابع شهر رجب سنة اربع وسبعين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة الشيخ القدوة برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن الشيخ القدوة علاء الدين أبي الحسن علي بن الشيخ أبي الوفا البدري الحسيني الشافعي أحد مشايخ الوفائية بالقدس الشريف نشأ في خدمة والده وخرجه ثم تكمل بعمه الشيخ أبي بكر في حياة أبيه ولزم خدمة عمه إلى ان توفي ومن تخريج والده له أنه كان راكبا يخدمته في سفر ومعهم رجل صالح يمشي أمام الفرس التي تحته فلما أحس والده ان الرجل تعب ولم يتفكر ولده في ذلك أمر ولده بنزوله واركب فرسه لذلك الرجل الماشي وأمر ولده أن يمشي أمام الفرس فمشى حتى تعب كثيرا فنزل الفقراء وكشفوا رؤوسهم واستغفروا عنه فقال لا حتى يعرف ألم التعب ثم عفا عنه ومن هنالك نشطت همته جدا وصار لا يماثل في المهمات والاقدام على الامور المشكلات والكرم الزائد إلى النهاية وتلقى الواردين وتربية المريدين حفظ القرآن والمنهاج والجرجانية في النحو وعرض المنهاج على الشيخ عز الدين بن عبد السلام المقدسي شيخ الصلاحية وقرره بها وسمع منه الحديث وأجازه به وسمع أيضا من الشيخ ماهر ومن الشيخ عضد الدين الصيرامي بمصر وغيره واخذ عن مشايخ الصوفية صحبة الشيخ شهاب الدين ابن قرا في طريق ا لسيد عبد القادر الكيلاني اعاد الله علينا من بركاته وكذلك من سيدي محمد البرموني وغيرهما وكان عمه السيد أبو بكر يندبه في المهمات ويصرفه في كثير من الأحوال دون غيره من الأولاد والأقارب لعلمه بهمته وشجاعته وعزمه واقدامه توفي في شهر شوال يوم مسير الحاج من القدس القدس الشريف في سنة اربع وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا على جانب البركة من جهة الشرق وكان يوما مشهودا لجنازته الشيخ شمس الدين محمد بن عيسى البسطامي الشافعي الشهير بأخي زرع كان رجلا صوفيا من فقراء البسطامية وكان يحفظ القرآن ويقرىء الاطفال بالمدرسة الطازية وهو رجل خير استقر في أواخر عمره في بوابة الخانقاه الصلاحية وهو من جملة الصوفية بها وبالجوهرية ومن الفقهاء بالصلاحية توفي في خامس رمضان سنة خمس وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا وأخوه الشيخ محمد زرع - الذي اشتهر به - كان صالحا ووفاته قبل أخيه بنحو عشرين سنة الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن عقبة المقرئ المؤذن الشافعي كان حسن الصوت في القراءة والأذان واستقر من جملة الفقهاء بالصلاحية وتعين حتى صار يقرأ المراسيم الشريفة الواردة من السلطان على دكة المسجد الأقصى توفي خامس عشري رمضان سنة خمس وسبعين وثمانمائة ودفن بباب ا لرحمة ويأتي ذكر والده وجده مع فقهاء الحنفية إن الله تعالى الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن عبد الرزاق بن ناصر المقدسي الشافعي الشهير بابن شيخ السوق اشتغل وحصل وصار من الفضلاء وتقرر من الفقهاء بالصلاحية والصوفية بالخانقاه وكان من جماعة شيخ الاسلام النجمي ابن جماعة وباشر النقابة عنه حين ولي القضاء وكان يحترف بالشهادة ثم ترك ذلك وتوجه إلى مكة سنة أربع وسبعين وجاور فتوفي بها في سنة خمس وسبعين وثمانمائة الشيخ شمس الدين محمد بن حسين المقرئ كان من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية وقارئ العشر بها ومن الصوفية بالخانقاه وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا وهو رجل خير منجمع عن الناس لا يتكلم فيما لا يعنيه توفي بالقدس الشريف في شهر شعبان سنة ست وسبعين وثمانمائة قاضي القضاة العلامة الورع الزاهد شهاب الدين أبو الأسباط أحمد بن عبد الرحمن الرملي الشافعي الشيخ الامام القدوة شيخنا مولده في حدود سنة عشر وثمانمائة ظنا كان من أعيان العلماء ومن تلامذه الشيخ شهاب الدين بن أرسلان وهو الذي كناه ولي قضاء الرملة بعد القاضي علاء الدين بن السائح في سنة نيف واربعين فباشر بعفة ونزاهة وكان من قضاة العدل لا يحابي أحدا ولا يلتمس على القضاء الدرهم وكان شكلا حسنا منور الشيبة رؤية شكله تدل على علمه وصلاحه استوطن بيت المقدس دهرا طويلا وكان من اعيان المنتهين بالمدرسة الصلاحية وعرضت عليه في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة قطعة من كتاب المقنع في الفقه وأجازني ثم في آخر عمره توجه إلى الرملة لضرورة له فأدركته المنية بها في سنة سبع وسبعين وثمانمائة ودفن بالجامع الأبيض الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن أبي عمر الشافعي كان من أعيان الفقهاء بالقدس الشريف وله وجاهة وكان قديما يحترف بالشهادة ثم ترك ذلك توفي في شهر رجب سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ودفن بالساهرة الشيخ شمس الدين أبو البركات محمد بن الشيخ نجم الدين محمد بن الشيخ برهان الدين بن غانم الانصاري الشافعي شيخ الخانقاه الصلاحية استقر فيها بعد وفاة والده في سنة سبعين وثمانمائة ثم نزل عن النصف للشيخ جمال الدين بن غانم شيخ الحرم فلما ولي الخطيب محب الدين بن جماعة نصف المشيخة في سنة ثمان وسبعين بمرسوم السلطان اعترف الشيخ جمال الدين أن النصف الذي استقر فيه الخطيب محب الدين هو الذي بيده واستمر الشيخ أبو البركات فيما بيده من النصف مشاركا للخطيب محب الدين بن جماعة وتوفي ا لشيخ أبو البركات في يوم الاثنين عاشر شهر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة وله اربعون سنة القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين حسن الجلجولي الشافعي ولد بجلجوليا ونشأ بها واخذ العلم عن الشيخ شهاب الدين القباقي وباشر القضاء بجلجوليا وكان من أهل افضل وعنده تواضع توفي يوم السبت خامس عشري ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ودفن بحوش البسطامية بماملا القاضي شهاب الدين أحمد بن علي اللدي الشافعي سبط العلامة شيخ الاسلام جمال الدين بن جماعة الكناني الشافعي كان من أعيان الرؤساء ببيت المقدس وله اشتغال ورواية في الحديث وكان يقرأ صحيح البخاري في كل سنة بالصخرة الشريفة ويختمه بالجامع الأقصى وله شهامة ومروءة ومساعدة لأصحابه وقد حضرت مرة ختمه لصحيح البخاري بالأقصى تجاه الشباك الذي عند جامع عمر في أواخر شهر رمضان سنة بضع وسبعين وثمانمائة وكان بالمجلس رجل لا يحضرني من هو فأخذت الرجل سنة من النوم وقت الختم فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاضر في المجلس فاستيقظ الرجل وقص الرؤيا على من حضر - وكان مجلسا حافلا - فحصل للقاضي شهاب الدين اللدي السرور بذلك وبكى هو ومن حضر بالمجلس وكانت ساعة عظيمة توفي في شهور سنة ثمانين وثمانمائة ودفن بالقلندرية بماملا وفي هذه السنة توفي القاضي كمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن حامد الشافعي أمين الحكم العزيز والمتكلم على الايتام بالقدس الشريف وكان من الرؤساء ببيت المقدس وعنده تواضع وتودد للناس ولين الجانب وتوفي ابن عمه القاضي محب الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن حامد وكان من اعيان المباشرين على أوقاف القدس والخليل توفي الشيخ محب الدين محمد بن القاضي شمس الدين محمد بن القاضي شهاب الدين أحمد بن عوجان العمري الشافعي وكان قد اشتغل بالعلم على مذهب الامام الشافعي وخالف في ذلك والده وجده - الآتي ذكرهما مع فقهاء المالكية - وصار من المعيدين بالمدرسة الصلاحية ووفاته في ليلة الأحد ثاني شهر رمضان سنة ثمانين وثمانمائة عن خمس واربعين سنة ودفن بماملا الشيخ الفاضل يوسف الكردي الشافعي كان من أهل الفضل ومن الفقهاء بالمدرسة الصلاحية وله مشاركة جيدة وكان يبحث في درس الصلاحية بحثا جيدا غير أن لسانه فيه ثقل فكان كلامه لا يفهمه إلا من له به خبرة ومن اقرانه الشيخ الفاضل بدر الدين حسن الجزري النحوي الشافعي كان يحسن العربية واشتغل عليه كثير من الطلبة وانتفعوا به وكان من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية والشيخ الفاضل عثمان الحصني الشافعي الفرضي كان من اهل الفضل وله يد طولى في الفرائض وكان اشتغاله ببلاده في جهة الشرق واستوطن ببيت المقدس واشتغل عليه جماعة وانتفعوا به وكانت وفاته هو والشيخ حسن الجزري والشيخ يوسف الكردي - المتقدم ذكرهما - في مدة متقاربة بعد الثمانين والثمانمائة بالقدس الشريف الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الكردي الحلبي البسطامي الشافعي شيخ البسطامية بالقدس الشريف كان صوفيا مباركا وكان ينسخ الكتب وخطه جيد وهو من جملة الفقهاء بالمدرسة الصلاحية والصوفية بالخانقاه وكان متواضعا قليل الكلام فيما لا يعنيه وصحب الشيخ أبا بكر الطولوني وكان يصلي به ثم صحب بعده الشيخ كمال الدين إمام الكاملية ثم استقر في مشيخة الزاوية البسطامية بالقدس الشريف واستمر بها إلى ان توفي بالقدس الشريف في سنة إحدى وثمانين وثمانمائة بالطاعون الشيخ العلامة الفقيه علاء الدين أبو مدين علي بن إبراهيم الرملي الشافعي نزيل القدس الشريف كان من تلامذة الشيخ شهاب الدين بن ارسلان وهو الذي كناه فاشتهر يكنيته وكان يعرف في الرملة بابن قطيط استوطن بيت المقدس وباشر الحكم به نيابة عن القاضي علاء الدين بن السائح وصار من أعيان الفقهاء بالمدرسة الصلاحية والخانقاه وغيرهما وان يجلس للوعظ بالمسجد الأقصى الشريف وكان مطرحا للتكلف وعنده تواضع وتقشف على طريقة السلف توفي في آخر رجب سنة إحدى وثمانين وثمانمائة ودفن بماملا تحت القبة التي بحوش الشيخ خليفة المالكي العدل علاء الدين علي بن عمر المرداوي كان يحفظ القرآن وبيده مال يتجر فيه ثم نفذ منه المال وصار فقيرا فاحترف بالشهادة وفتح عليه ولازم مجالس القضاة وقصده الناس واستمر على ذلك مدة تقرب من عشرين سنة توفي في سادس شوال سنة إحدى وثمانين وثمانمائة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان السعدي الشافعي بن أخي شيخ الاسلام عز الدين بن عبد السلام المقدسي شيخ الصلاحية وبه كان يعرف كان من أهل الفضل ومن جملة فقهاء المدرسة الصلاحية باشر نيابة الحكم بالرملة في أواخر عمره مدة يسيرة وحصل له توعك فحمل إلى القدس الشريف فمات في الطريق ودفن بالقدس الشريف بباب الرحمة في سنة اثنتين وثمانمائة القاضي برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن القاضي شهاب الدين أبي العباس أحمد بن القاسم الشافعي المشهور بابن الحكمة كان والده قاضي بيت المقدس وتقدم ذكره وولي هو قضاء نابلس ثم قضاء الرملة مرات آخرها في سنة ثلاث وسبعين وعزل في سنة أربع وسبعين واقام بوطنه بالقدس الشريف وكان شكلا حسنا له مروءة وعنده سخاء توفي بالقدس ليلة الثلاثاء العشرين من شهر رجب سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن اسحاق المقري الشافعي نزيل القدس الشريف كان من أهل الفضل واستوطن بيت المقدس دهرا طويلا وكان يتكسب بالشهادة وسيرته محمودة وعنده تواضع ودين توفي في سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة الشيخ الامام العلامة أبو العزم محمد بن محمد بن الحلاوي الشافعي النحوي كان من اهل العلم والدين وهو من تلامذة الشيخ شهاب الدين بن ارسلان وكناه بأبي العزم فاشتهر بكنيته وكان له يد طولى في العربية وصنف شرحا على الجرومية وكان يقرئ العربية وغيرها بالمسجد الأقصى الشريف انتفع عليه كثير من الفقهاء ببيت المقدس ونابلس وأعاد بالمدرسة الصلاحية في زمن شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وبعده في ولاية شيخ الاسلام النجمي بن جماعة وكان عنده قيام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يزل كذلك حتى وقعت الفتنة بسبب كنيسة اليهود بالقدس الشريف وطلب السلطان أهل بيت المقدس على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى وكان هو بالقاهرة فاختفى وتوجه إلى الحجاز الشريف وجاور بمكة حتى توفي بها في شهور سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وكانت جنازته حافلة قاضي القضاة شمس الدين أبو زرعة محمد بن برهان الدين بن إبراهيم الزرعي الشافعي المقري أحد جماعة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان وهو الذي كناه كان شيخ القراء بمدينة الرملة ومن أهل العلم ولي قضاء الرملة بعد الخمسين والثمانمائة مدة ثم باشر الحكم بها نيابة عن القاضي غرس الدين أخي أبي العباس ثم اشتغل بالقضاء في سنة خمس وسبعين بولاية السيد الشريف وكيل السلطان فإنه كان فوض اليه السلطان أمر القضاء بالمملكة فعزل وولي بالشام وجلب وغيرهما ومن جملة من ولاه القاضي شمس الدين أبو زرعة المذكور فاستمر إلى سنة سبع وسبعين وثمانمائة وعزل بالقاضي شمس الدين بن يونس النابلسي ثم استوطن بيت المقدس وصار من المعيدين بالمدرسة الصلاحية وكان شكلا حسنا منور الشيبة وعند تواضع وتودد للناس توفي بالقدس الشريف في يوم الخميس رابع شهر رمضان سنة اربع وثمانين وثمانمائة ودفن بالقلندرية بماملا الشيخ القدوة أبو طاهر خليل بن موسى الرملي الشافعي المشهور بابن الطب الصالح الناسك بركة المسلمين كان من أعيان جماعة الشيخ شهاب الدين بن ارسلان وهو الذي كناه استوطن بيت المقدس دهرا طويلا وكان يحترف بيع القماش في سوق التجار وكان فقيرا جدا وللناس فيه إعتقاد وكان كثير التلاوة للقرآن يحكى عنه في ذلك العجائب من سرعة تلاوته حتى قيل عنه أنه كان يشمي من منزله إلى المسجد الأقصى الشريف فيقرأ ختما كاملا وقد أخبرني من جلس إلى جانبه في صلاة الجمعة انه سمعه ابتدأ في القرآن حين صعد الخطيب المنبر فلما أكمل الخطبة ونزل للصلاة سمعه يقرأ سورة الرحمن فسبحان المتفضل بما شاء على من شاء وكان شكله عليه الابهة والوقار منور الشيبة على طريقة السلف الصالح توفي في يوم الخميس ثاني عشرى شعبان سنة خمس وثمانين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بماملا وفي ذلك اليوم توفي الشيخ شمسي الدين محمد بن الشيخ عبد الله الغدادي الشافعي العدل كان والده من الفقراء الصوفية ومات وهو صغير فنشأ بعده واشتغل العلم وحفظ كتاب التنبيه في الفقه وقرر في الخانقاه والمدرسة الصلاحية وتحمل الشهادة عند القضاة وكان ينظم الشعر وينقل التاريخ وله محاضرة لطيفة وكان شكلا حسنا فصيح العبارة له خبرة بأحوال الناس والمتقدمين وكتب كثيرا وكان خطه قرب أن يشبه الخط الكوفي وسكن بالزاوية الكائنة بقرب القلعة ظاهر القدس الشريف المعروفة قديما بالشيخ يعقوب العجمي فعرفت به لسكنه بها فصار يقال لها زاوية بن الشيخ عبد الله وعمر على ظاهرها طبقة مرتفعة وكان الرؤساء والقضاة من أصحابه يقصدونه بالزاوية ويجلسون عنده ويأنسون به وبمجالسته وكان له مروءة وحسن عشرة توفي في يوم وفاة الشيخ أبي طاهر - وتقدم ذكره - ودفن بماملا الشيخ زين الدين عبد القادر بن الشيخ شمس الدين محمد بن قطلوشاه المقري الرملي الأصل ثم المقدسي الشافعي كان والده من أعيان القراء حسن الصوت طيب استقر في وظيفة القراءة بمصحف الملك الأشرف برسباي الذي وضعه بالمسجد الأقصى ولما توفي استقر بعده في الوظيفة ولده هذا وكان يحفظ القرآن وله وظائف ويتجر وله دنيا واسعة توفي بالقدس في سنة ست وثمانين وثمانمائة العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم الحريري كان رجلا خيرا احترف بالشهادة دهرا طويلا وكان يكتب خطا حسنا وعنده تواضع توفي في سنة ست وثمانمين وثمانمائة بالقدس الشريف القاضي عماد الدين اسماعيل بن الشيخ الصالح إبراهيم التركماني الشافعي العدل كان عين موقعي الحكم بالقدس الشريف وانتهت اليه الرياسة في فن الشهادة وكتابة المستندات وخطه حسن وله معرفة تامة بالمصطلح وأوتي من الحظ والاقبال ما لم ينله غيره وكان القضاة يعظمونه ويكرمونه وكان يلبس القماش الفاخر ويتوسع في النفقة وبترفه في المأكل وله مروءة تامة وإكرام لأصحابه وقيام بحقوقهم وقضاء لحوائجهم توفي في نصف شهر شعبان سنة سبع وثمانين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة ولم يبق من هو في معناه الشيخ العلامة شمس الدين أبو الفضل محمد بن عبد القادر النجار المقدسي الشافعي ولد في حدود سنة اربعين وثمانمائة بالقدس الشريف وتفقه على شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف والشيخ أبي مساعد وغيرهما وكن من أعيان أهل العلم ببيت المقدس ومن أماثل الفقهاء بالمدرسة الصلاحية وكان دينا خيرا عنده تواضع وتودد للناس وله نظم رائق ويد طولى في الألغاز وكان يدرس بالمسجد الأقصى وانتفع عليه كثير من الطلبة ولم يعلم منه ما يشينه وتوفي في نصف شعبان سنة سبع وثمانين وثمانمائة ودفن بماملا الشيخ القدوة برهان الدين أبو الصفا إبراهيم بن علي بن أبي الوفا الاسعردي شافعي الصوفي الزاهد مولده باسعرد في سنة خمس أو ست وثمانمائة ونشأ بها اشتغل على علمائها ورحل إلى تبريز العجم واشتغل بها ثم قدم إلى بيت المقدس واستوطنه وقرره الملك الظاهر جقمق في المدرسة الحنبلية بباب الحديد وأقام في القدس دهرا طويلا وتزوج ورزق الأولاد ثم استوطن دمشق وبقي يتردد إلى بيت المقدس وكان شكلا حسنا منور الشيبة له مروءة وحسن لقاء لمن يرد عليه توفي بدمشق في سنة سبع وثمانين وثمانمائة الشيخ العلامة برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم العجلوني الشافعي كان من أهل العلم وعنده تحقيق ويكتب على الفتوى عبارة حسنة وكان من اعيان شافعية ببيت المقدس رحل إلى الديار المصرية قبل الثمانين والثمانمائة وأقام بها ثم استوطن دمياط مدة ثم عاد إلى القاهرة فتوفي بها في سنة سبع وثمانين وثمانمائة الشيخ شعبان بن سالم بن شعبان من بيت ساحور المعمر أبو سالم ولد كما اقتضى كلامه - سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وكان يذكر أنه لقي البرهان بن جماعة والقرقشندي وأنه كان يحضر عندهما في حالة القراءة فأخذ عنه بعض الطلبة قال بعضهم انه رأى له سماعا على الشهاب بن العلائي وحدث بالاجازة العامة من أبي حفص عمر بن أمية وصلاح الدين بن عمر توفي في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة ببيت ساحور خارج القدس الشريف ودفن بها فكان عمره - على ما اقتضاه كلامه - مائة سنة وخمسة عشر سنة الشيخ الامام العالم المحدث شمس الدين محمد بن الشيخ العالم زين الدين عمر بن الشيخ الصالح القدوة المسلك المربى تقي الدين أبي بكر السعدي البسطامي الشافعي الخليلي المعروف بابن الحاجة مولده في رابع عشر ربيع الآخر سنة ست وقيل اربع وثمانمائة وكان من أعيان الفقهاء بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام توفي في سادس عشر شهر جمادي الآخرة سنة تسع وثمانين وثمامائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام ودفن بمقبرة الرأس الحافظ العلامة شيخ المسلمين شهاب الدين أبو العباس أحمد بن القاضي زين الدين عمر العميري الشافعي الشيخ الامام الواعظ المحدث شيخنا ولد سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة بالقدس الشريف وتفقه على الشيخ ماهر وغيره وهو من جماعة الشيخ شهاب الدين بن ارسلان اشتغل ودأب وحصل وأخذ الحديث عن الحافظ بن حجر ولقي جماعة من أهل العلم وأخذ عنهم وباشر نيابة الحكم بالقدس الشريف عن القاضي شهاب الدين قاضي الخليل حين ولي القدس في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وكان حافظا فصيحا له مشاركة في كثير من العلوم جلس للوعظ واشتهر امره في المملكة وعظم عند الناس وصار له قبول في الوعظ وكن خاشعا مأنوس النعمة والشكل ذا سكون ووقار معروفا بالديانة لا يغتاب أحدا وإن وقع في مجلسه استغابه منع منها ودرس وافتى وأعاد بالصلاحية وكان قرر في المدرسة المشهورة لمولانا الملك الأشرف قايتباي التي هدمت وبنى مكانها المدرسة المشهورة بالمسجد الأقصى الشريف بجوار باب السلسلة ولما عمرت المدرسة المذكورة على ما هي عليه الآن وانتهت عمارتها أدركته المنية فتوفي وكان متواضعا حسن اللقاء كثير البشر عنده إكرام لمن يرد عليه وقد عرضت عليه في حياة الوالد قطعة من كتاب المقنع في الفقه وأجازني في شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ثم لما توفي الوالد لازمته للاشتغال فكنت اقرأ عليه في المقنع واحضر مجلس وعظه ودرسه بالمسجد الأقصى وحصلت الاجازة منه غيرمرة خاصة وعامة توفي في ليلة السبت ثامن أو سابع شهر ربيع الأول سنة تسعين وثمانمائة ودفن بماملا ظاهر القدس الشريف وقد كتب على قبره تاريخ وفاته في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وهو خطأ فإني اجتمعت به بعد قدومي من القاهرة في شوال سنة تسع وثمانين ثم علمت بوفاته وأنا مقيم بالرملة في شهر ربيع الأول سنة تسعين وثمانمائة وصليت عليه بالرملة القاضي زين الدين عبد الرحيم بن الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن حامد الانصاري المقدسي الشافعي كان من اعيان بيت المقدس وعنده حشمة وتواضع له رواية في الحديث توفي في يوم الثلاثاء حادي عشر رمضان سنة تسعين وثمانمائة ودفن بماملا شيخ الشيوخ جمال الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ القدوة ناصر الدين محمد بن غانم الانصاري الخزرجي الشافعي شيخ حرم القدس الشريف والخانقاه الصلاحية مولده سنة اثنتين وثمانمائة وكان والده شيخ حرم القدس الشريف ومن أعيان بني غانم توفي والشيخ جمال الدين صغير فنشأ بعده وولي ما كان بيد والده من مشيخة الحرم ثم ولي مشيخة الخانقاه الصلاحية شركة واستقلالا وعمر وكان كريما حسن الأوصاف له مروءة تامة ومحبة لأصحابه توفي في شهر ذي الحجة الحرام سنة تسعين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بباب الرحمة عند سلفه الشيخ الامام العالم العلامة القدوة المحقق السيد الشريف تاج الدين أبي الوفا محمد بن الشيخ تقي الدين أبي بكر بن أبي الوفا الحسيني الشافعي البدري شيخ فقراء الوفائية بالأرض المقدسة كان من أهل العلم وله وجاهة عند الناس وله تصانيف التصوف وغيره سكن مصر مدة ثم عاد إلى وطنه بالقدس الشريف وقدر أنه زوج بمدينة الرملة وكان يتردد اليها فتوفي بها في يوم عاشوراء وحمل إلى القدس الشريف فغسل وصلي عليه بالمسجد الأقصى يوم الحادي عشر من المحرم سنة إحدى تسعين وثمانمائة ودفن بماملا عند والده بجوار الزاوية القلندرية الشيخ العلامة زين الدين عبد الرزاق بن شمس الدين محمد بن جمال الدين يوسف بن المصري الخليلي الشافعي كان من أهل العلم ومن أعيان فقهاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ثم استوطن بيت المقدس مدة وصار من المعيدين بالمدرسة الصلاحية ثم عاد إلى بلده وتوفي في يوم الاربعاء حادي عشري شعبان سنة إحدى وتسعين وثمانمائة ودفن بالمقبرة السفلى على أبيه الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف الأزرقي الشافعي الشهير بمذهبه ولد سنة ثمانمائة تقريبا وسمع على جماعة وكان حافظا لكتاب الله حسن الخط باشر العمالة بأوقاف سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام والشهادة وحدث قليلا توفي في يوم الخميس سادس عشري ذي القعدة سنة احدى وتسعين وثمانمائة ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام الشيخ شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن محمد بن يوسف بن منصور الأزرق الشافعي ولد في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ظنا وقرأ صحيح البخاري على الشيخ جمال الدين بن جماعة بالقدس الشريف وسمع على غيره وتفقه على جماعة منهم شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وأجازه العلم البلقيني وغيره ودرس يسيرا توفي في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة بمدينة الخليل عليه الصلاة والسلام الشيخ الصالح عثمان الحطاب المصري الزاهد كان من أعيان الصالحين بالقاهرة المحروسة وله زاوية عظيمة بخط البندقيين بالقرب من السوق الذي يباع فيه الرقيق وعنده خلق كثير من المريدين يتلون كتاب الله وهم عاكفون على الذكر والاوراد ليلا ونهارا وللناس فيه إعتقاد فقدر حضوره إلى بيت المقدس زائرا وأقام به مدة يسيرة ثم توجه لزيارة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وعاد إلى بيت المقدس فتوفي به في شهور سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة ودفن بماملا وكانت جنازته حافلة حضرها خلق من الأعيان وغيرهم الشيخ شمس الدين محمد بن خليل بن أحمد بن عيسى بن الصلاح خليل القيمري الخليلي ولد في سنة احدى وعشرين وثمانمائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام وحفظ القرآن وسمع الحديث من جماعة وكان خيرا حافظا للقرآن كثير التلاوة له ويؤذن بمقام الخليل عليه الصلاة والسلام وحدث بالقدس والخليل ووالده ممن سمع الحديث وحدث وجده صلاح الدين بن خليل بن عيسى القيمري مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وهو ممن قرأ بالروايات على الشيخ برهان الدين الجعبري وسمع عليه وعلى الحجاز توفي الشيخ شمس الدين في رمضان سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة بمدينة الخليل عليه الصلاة والسلام ودفن بها شيخ الاسلام برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن زين الدين عبد الرحمن الانصاري الخليلي الشافعي الشيخ الامام العالم المحقق شيخنا مولده في عاشر المحرم سنة تسع عشرة وثمانمائة ببلد الخليل لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم وسمع الحديث ببلده على جماعة ثم رحل إلى القاهرة وأخذ الحديث عن جماعة أجلهم الحافظ ابن حجر واخذ الفقة عن جماعة منهم تقي الدين أبو بكر بن قاضي شهبة وأذن له في الافتاء والتدريس والقاياني والوفائي وشمس الدين بن المالكي الرملي وآخرون منهم الشيخ شهاب الدين بن أرسلان أفتى ودرس وناظر ورحل من بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام إلى القدس الشريف واستوطنه وباشر نيابة الحكم عن القاضي برهان الدين بن جماعة قبل الستين والثمانمائة وبعدها ثم ترك الحكم وتعين وصار من أعيان علماء بيت المقدس وقد عرضت عليه قطعة من كتاب المقنع في الفقه بالزاوية الختنية في شهر جمادي الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وأجازني بما يجوز له روايته وقد تقدم في ترجمة شيخه ابن ارسلان أنه أنشد - حين سكن الزاوية الختنية - حباني آلهي بالتصافي لقبلة بمسجده الأقصى المبارك حوله فحمدا وشكرا دائمين وانني أود لاخواني المحبين مثله ثم قدر الله تعالى أن الشيخ برهان الدين الانصاري لما استوطن بيت المقدس قرر فيها وسكن بها في سنة سبع وستين وثمانمائة فأنشده كذاك إلهي قد حباني بما حبا به الشيخ استاذي لقد نال سؤله فحمدا وشكرا يا إلهي وانه دليل على أني محب أخ له ولم يزل مقيما بها إلى سنة تسع وسبعين وثمانمائة فوقعت الفتنة التي بسبب كنيسة اليهود - وسنذكرها فيما بعد في ترجمة السلطان - فطلب إلى القاهرة وامتحن ومنع من سكنى القدس واستمر مقيما بالقاهرة إلى سنة ثمان وثلامانين ثم قدم بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وأقام بها متصديا لاشتغال الطلبة إلى أن توفي في سادس عشري شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة شهيدا بالبطن وصلي عليه بالحضرة الشريفة الخليلية ودفن بزاوية الشيخ علي البكا وترك الشيخ برهان الدين ولدين احدهما الشيخ العلامة شمس الدين أبو الجود محمد مولده بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة ووالسلام في شعبان سنة خمس واربعين وثمانمائة حفظ القرآن والمنهاج وألفيه من مالك والجزرية وبعض الشاطبية واشتغل على والده ثم أخذعن جماعة من العلماء بالديار المصرية أجلهم شيخ الاسلام قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي ومنهم الشيخ كمال الدين إمام الكاملية وأخذ العلوم عن الشيخ تقي الدين الشمني الحنفي وفضل وتميز وأجيز بالافتاء والتدريس وأعاد بالمدرسة الصلاحية في زمن شيخ الاسلام كمال الدين ابن أبي شريف وله تصانيف منها شرح الجرومية وشرح المقدمة الجزرية وشرح مقدمة الهداية في علوم الرواية للجزري وشرح معونة الطالبين في معرفة إصطلاح المعربين وقطعة من شرح تنقيح اللباب لشيخ الاسلام ولي الدين العراق وغير ذلك من التعاليق والفوائد ودرس وأفتى في حياة والده وبعده مع وجود أعيان العلماء وهو مستمر على ذلك إلى يومنا والثاني القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد مولده في شهر رمضان سنة ست واربعين وثمانمائة حفظ القرآن واشتغل بالعلم على والده وعلى شيخ الاسلام كمال الدين بن أبي شريف وغيرهما وسمع الحديث وفضل وتميز وأعاد بالصلاحية في زمن شيخ الاسلام بن أبي شريف ثم باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف في حياة والده وهو رجل خير متواضع ولي مشيخة الزاوية الختنية ينزول صدر له من والده قبل وفاته وهو مستمر بها إلى يومنا الشيخ غرس الدين خليل بن اسحاق الخليلي الشهير بابن قازان ولد في حدود عشر وثمانمائة ظنا وسمع على جماعة وحدث وكان حافظا للقرآن العظيم خيرا ظريفا حسن المحاضرة يستحضر غالب مقامات الحريري في رجليه إعوجاج وصحب الأمير أبا بكر بن فضل أمير عرب جرم فلما قتل وشي به إلى السلطان وأنه أودع عنده مالا فطلبه إلى القاهرة ثم اطلق وجاء إلى بلده فلما وصل إلى قرية عجلان - بين غزة وبلده - توفي إلى رحمة الله تعالى في جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة ونقل إلى بلد الخليل عليه الصلاة والسلام وصلي عليه ودفن بها شيخ الشيوخ العلامة سراج الدين أبو حفص عمر بن محمد بن علي الجعبري الأصل الخليلي الشافعي شيخ حرم سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ولد في ربيع الأول سنة ست وقيل خمس وثمانمائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام ونشأ بها وحفظ القرآن وتلي بعضه بروايات السبع على جماعة من القراء وأذنوا له في الاقراء وتفقه ببلده على الخطيب تاج الدين اسحاق التدمري وغيره وبالقدس على الشيخ شمس الدين البرماوي والشيخ عز الدين القدسي وغيرهما وبالقاهرة على القاياتي وغيره وأخذ عن ابن حجر وأذن له في الافادة للفقه وسمع عليه وعلى جماعة وأجاز له الجم الغفير درس وافتى وحدث ببلده وبالقدس والقاهرة وسمع عليه الفضلاء وولي نصف مشيخة حرم الخليل عليه الصلاة والسلام ونظر وقف عم جده الشيخ علي البكا رضي الله عنه وكان رأس الفقهاء ببلده ثم انجمع وترك ذلك وكان عالما خيرا متواضعا لطيفا حسن النادرة شجاعا مقداما طلق اللسان فصيح العبارة محبا للعلم وأهله وكانت وفاته بعد أن خرج عن جميع املاكه ووظائفه لأولاده في ضحى يوم الاثنين ثالث شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام وصلى عليه في يومه وتقدم للصلاة عليه ابن أخيه العلامة عبد الباسط وشيع إلى مقبرة الراس وكان خلق كثير ودفن بحذاء التربة التي زين الدين أنشأها ولده الشيخ زين الدين الشيخ العلامة القاضي حميد الدين أبو الحمد محمد بن عبد الرحمن المصري الأصل ثم المقدسي الشافعي المشهور بكنيته كان من أهل الفضل وله يد طولى في الفقه أعاد بالمدرسة الصلاحية وأفتى ودرس وباشر نيابة الحكم بالرملة عن القاضي غرس الدين أخي أبي العباس ثم باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف وعزل منها وأعيد اليها مرارا توفي في العشر الثاني من شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن عجور المقدسي الشافعي ولد سنة خمس وعشرين وثمنمائة تقريبا ونشأ بالقدس الشريف بالختنية ايام الشيخ شهاب الدين ابن أرسلان ثم خدم القاضي برهان الدين بن جماعة وكان نقيبا عنده في زمن ولايته القضاء وسمع الحديث على الشيخ جمال الدين بن جماعة وغيره وأجازه شيخ الاسلام ابن حجر وقرأ القرآن على الشيخ شمس الدين بن عمران وكان يحفظه ويكثر التلاوة ونزل فقيها بالصلاحية وصوفيا بالخانقاه ثم في آخر عمره انجمع عن الناس وتوفي في ذي الحجة سنة أربع وتسعين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بباب الرحمة العدل محب الدين محمد بن الناصري المشهور بالبرسني الشافعي كان من جملة العدول بالقدس الشريف وله همة عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيرته حسنة في تحمل الشهادة توفي في أوائل سنة خمس وتسعين وثمانمائة الشيخ زين الدين عبد الكريم بن علي بن عبد الرحمن المغربي الخليلي ثم المقدسي المقرئ الشافعي ولد في حدود سنة ثلاثين وثمانمائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام وتلا بالروايات السبع على والده والشمس بن عمران وغيرهما واشتغل بالميقات على شمس الدين محمد بن الفقاعي موقت المسجد الأقصى ومهر في أوضاعه وباشر التأقيت بالقدس الشريف مدة وقرر من الفقهاء بالصلاحية والصوفية بالخانقاه وكان يؤدي القراءة بحسن صوت وطيب نغمة وناب في الخطابة بالمسجد الأقصى وأقرأ وحج وكان خيرا فاضلا في القراءات توفي في صفر سنة خمس وتسعين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بباب الرحمة وتوفي شيخه شمس الدين محمد بن الفقاعي موقت المسجد الأقصى في شهر رجب سنة ثمان وتسعين وثمانمائة ودفن بماملا وكن له معرفة تامة بعلم التأقيت وباشره مدة طويلة الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم القلانسي الخليلي الشهير بابن الموقت وهو أيضا موقت مسجد الخليل عليه الصلاة والسلام ولد سنة إحدى وعشرين وثمنمائة ببلد سيدنا الخليل وسمع الحديث على جماعة وأجاز له جماعة وكان خيرا ساكنا منجمعا متعبدا حافظا لكتاب الله تعالى كثير التلاوة لا يكاد يفتر عنها وعنده خير وصلاح وكثرة صلاة وتعبد وخشوع أدب الأطفال ببلده مدة ثم تحول إلى القدس الشريف أدب بها أيضا وحدث بكل من البلدتين توفي بالقدس الشريف في سابع عشري ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة وولده الشيخ شمس الدين محمد وكان يعرف بالقزازي كان من طلبة العلم وكان يتحمل الشهادة ببلد الخليل ثم بالقدس واستوطن بيت المقدس مدة وقرر من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية والصوفية بالخانقاه ثم أقام بالقاهرة مدة وتوفي بها قبل والده ينحو سنتين والله أعلم الشيخ العالم المسندكريم الدين أبو المكارم عبد الكريم بن الشيخ زين الدين داود بن سليمان بن أبي الوفا البدري المقرئ الشافعي شيخ القراء وإمام المسجد الأقصى الشريف ولد سنة ست أو سبع وعشرين وثمانمائة وكان والده الشيخ داود من أهل الخير والصلاح توفي والشيخ عبد الكريم صغير له نحو السنة فنشأ بعده بالقدس الشريف وسمع بها على جماعة أعلاهم الشيخ زين الدين عبد الرحمن ابن عمر القباقبي الحنبلي وكان من أهل الفضل وشيوخ القراءة أعاد بالمدرسة الصلاحية وباشر الامامة بالمسجد الأقصى الشريف اربعين سنة من سنة خمس وخمسين وثمانمائة وكان سخيا وعنده حسن لقاء للواردين عليه وكان يؤدي القراءة على أوضاعها وله همة ومروءة وعنده تواضع وتودد للناس وروى عنه جماعة توفي عشية يوم السبت وصلي عليه بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر من يوم الأحد سابع جمادي الأولى سنة خمس وتسعين وثمانمائة ودفن بماملا وكان يوما مشهودا شهده الخاص والعام من العلماء والقضاة وناظر الحرمين ونائب السلطنة الأمير دقماق وغيرهم وتأسف الناس عليه الشيخ جمال الدين عبد الله بن أحمد بن عبد الله المراكشي القادري الشافعي شيخ زاوية الشيخ عمر المجرد بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان رجلا مباركا وعنده فضل توفي في شهر شوال سنة خمس وتسعين وثمانمائة ودفن بالزاوية المذكورة عند والده الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أمين الصوفي الوفائي التاجر سمع الحديث على الشيخ جمال الدين بن جماعة وأجاز له في سنة أربع وخمسين وثمانمائة وما بعدها قاضي القضاة سعدالدين الحنفي وغيره وكان خيرا مباركا مثابرا على الخير والاعمال الصالحة والاحسان إلى الفقراء وكان شيخ الطائفة الوفائية ويتعاطى التسبب بالبزازة بسوق التجارة بالقدس وسافر إلى دمشق ثم عاد فتوفي بالرملة في يوم الاربعاء ونقل إلى القدس الشريف ودفن بماملا يوم الخميس ثامن عشر صفر سنة ست وتسعين وثمانمائة وكانت جنازته حافلة الشيخ العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن قاسم الاردبيلي البطائحي الشافعي ولد ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام ونشأ بها وحفظ القرآن والمنهاج والشاطبية وألفية بن مالك ولامية التصريف له وغير ذلك وعرض على جماعة وقرأ بالروايات على الشيخ شمس الدين بن عمران الحنفي وأخذ في العلوم عن جماعة منهم شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شريف وغيره واخبرني أنه تفقه على الشيخ شمس الدين الجوهري بالقاهرة وأقبل على المطالعة والتدريس والاقراء ومهر وبرع في القراآت وكان يدرس بمسجد الخليل عليه الصلاة والسلام بعد المغرب تجاه المحراب بعبارة فصيحة وصار من أعيان الفقهاء ببلده توفي في يوم الاربعاء ثامن شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين وثمانمائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام ودفن بالمقبرة السفلى الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن العلامة المقرئ عمادالدين اسماعيل بن خليل الشهير بالمرزوقي الخليلي ولد سنة خمس وثمانمائة ظنا وسمع الحديث على جماعة وحدث وأخذ الناس عنه وكان رجلا خيرا حافظا لكتاب الله تعالى كثير التلاوة توفي سنة ست وتسعين وثمانمائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام ودفن بمقابر الرأس الشيخ زين الدين أبو المفاخر عبد القادر بن العلامة الشيخ سراج الدين عمر بن محمد الجعبري الأصل الخليلي الشافعي شيخ حرم الخليل عليه الصلاة والسلام ولد في ثامن عشري شهر ذي الحجة الحرام سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ببلد الخليل ونشأ بها وحفظ القرآن وسمع الحديث من جماعة وأجاز له شيخ الإسلام ابن حجر والشيخ زين الدين عبد الرحمن القاياتي وكان صدوقا كريما رئيسا مفضالا حسنا شجاعا اجتمع فيه من مكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف ما قل وجوده في غيره وولي نيابة النظر على الوقف الخليلي فباشره أتم مباشرة بأحسن سيرة ثم صرف نفسه وولي حصة بمشيخة حرم الخليل عليه الصلاة والسلام بعد والده ومرض بالحمى نحو ثلاث سنين وقدر الله توجهه إلى الرملة فتوفي بها في يوم الخميس خامس عشر شهر الله المحرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة ونقل إلى بلد الخليل وصلي عليه من الغد ودفن بمقبرة الرأس جوار أبيه بالتربة التي انشأها وكثر التأسف عليه وترك اولادا أكبرهم وامثلهم الشيخ العالم المحدث غرس الدين أبو سعيد خليل مولده في المحرم سنة تسع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف وهو سبط الخطيب شهاب الدين القرقشندي خطيب المسجد الأقصى الشريف حفظ القرآن واشتغل بالعلم على جماعة منهم شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف والشيخ برهان الدين الانصاري وغيرهما واعتنى بعلم الحديث الشريف ورحل إلى مصر والشام في طلبه وأخذ عنه جماعة وجمع معجما لأسماء شيوخه وهو رجل خير من أهل العلم والدين والتواضع ولي حصة في مشيخة حرم سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام مما كان بيد والده والناس سالمون من يده ولسانه وهو ممن أحبه في الله عامله الله بلطفه الشيخ الامام العلامة زين الدين أبو الفضل عبد الله بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبري الأصل الخليلي الشافعي ولد في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام ونشأ بها واشتغل بالعلم عقليا ونقليا وأخذ عن جماعة واجازه قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني بالافتاء والتدريس وسمع على إمام الكاملية واجاز له شيخ الاسلام ابن حجر وجماعة درس وافتى وحدث قليلا وولي نصف مشيخة حرم الخليل عليه الصلاة والسلام وكان فاضلا دقيق النظر خيرا متفننا شجاعا ماهرا في الرمي توفي في يوم السبت الثامن من شهر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة ببلد الخلل عليه الصلاة والسلام ودفن بمقابر الرأس بالقرب من أهله الشيخ المسند شمس الدين أبو الخير محمد بن الحافظ زين الدين أبي هريرة عبد الرحمن بن شيخ الاسلام شمس الدين محمد بن فقيه المذهب تقي الدين اسماعيل القرقشندي الأصل المقدسي الشافعي ولد ببيت المقدس في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة واعتنى به ابوه فأحضره على جماعة واستجاز له آخرين ولي مشيخة الكريمية والملكية والطازية واعاد بالصلاحية وحدث وتفرد بغالب محضوراته واجازاته القديمة بالقدس الشريف توفي بعد العشاء من ليلة السبت العشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة بالكاملية ودفن من الغد باب الرحمة جوار جده لأمه الشيخ صلاح الدين العلائي الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن مكي الشافعي نقيب الصخرة الشريفة وأحد الفقهاء بالمدرسة الصلاحية والصوفية بالخانقاه توفي في سلخ ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وثمانمائة ودفن بالساهرة الشيخ زين الدين أبو حفص عمر بن القاضي زين الدين عبد الرحمن بن القاضي علاء الدين أبي الحسن علي التميمي الداري الشافعي الفقيه الفاضل كان من أهل الفضل وعنده تواضع توفي ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في سنة سبع وتسعين وثمانمائة وتوفي قريبه الشيخ علاء الدين أبو الطيب علي بن محمد بن عبد الرحمن التميمي الشافعي - وكان من أهل الفضل - في ثاني ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة وتوفي والد الشيخ أبو الطيب المذكور - وهو الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن التميمي الشافعي - قبل ذلك بالقاهرة في رابع عشري شعبان سنة تسع وثمانين وثمانمائة وكان من أهل الفضل الشيخ العالم المسند الصالح الخاشع الصوفي شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن محمد بن علي الجعبري الأصل الخليلي الشافعي شيخ حرم الخليل عليه الصلاة والسلام ولد في سنة اثنتين أو ثلاث وثمانمائة بقرية الحطمان خارج بلد الخليل حين انجفل الناس من تيمورلنك ونشأ ببلد الخليل عليه الصلاة والسلام وحفظ القرآن ومجمع البحرين في الجمع بين الصحيحين تأليف جده ولبس خرقة التصوف عن جماعة وسمع على شيخ القراء ابن الجزري وغيره وأجاز له خلق كثير ونظم وجمع شيئا في التصوف وأشتهر بالصلاح وربما وقعت له كرامات وكان للناس فيه اعتقاد ونشأ على خير فيه وصلاح وخشوع وعبادة وقوة على ملازمة الصلوات والاوراد مع السن الطويل وعسر الطريق من منزله إلى المسجد بحيث لا يكاد تفوته صلاة الصبح بالمسجد ولو شتاء ولا يفتر من النظر في العلم وكلام الصالحين ولا يصلي إلا قائما ومتع بحواسه وحدث ببلده والقدس الشريف والقاهرة توفي في يوم السادس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وثمانمائة وصلي عليه من صبيحته بالمقام الخليلي على سكنه الصلاة والسلام ودفن بمقابر الرأس القاضي كمال الدين أبو الفتح محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن عمران المقدسي الشافعي حفظ القرآن واتقنه على والده وقلد مذهب الشافعي خلاف والده واخوته وكان يكتب خطا حسنا ونشأ وتزوج بالقدس الشريف ورزق الأولاد ثم في سنة خمس وسبعين وثمانمائة استوطن القاهرة واتصل بالأمير جوهر الزمام وحصل له القبول وكثر ماله واتسعت دنياه وصار مباشرا على الاوقاف المشمولة بنظر الزمام ثم تنقلت به الأحوال حتى ولي مباشرة بديوان السلطان وارتفعت منزلته ثم غضب السلطان عليه وامتحنه بالضرب والحبس فمات في المحنة في المحرم سنة تسعمائة الشيخ المعمر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ أحمد بن محمد العمري الشافعي مولده في سنة احدى عشرة وثمانمائة ونشأ بالقدس الشريف وحفظ القرآن وقرر من الفقهاء بالمدرسة الصلاحية ثم تركها باختياره من زمن طويل وكان له اتصال بأكابر المملكة منهم القاضي زين الدين عبد الباسط الدمشقي رئيس المملكة ومنهم القاضي كمال الدين ابن المبارزي والقاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف وغيرهم من الأعيان وآخر من صحب ملك الأمراء قانصوه اليحياوي نائب الشام وكان مقدما عندهم لما فيه من المروءة وعلو الهمة وكان عنده سخاء وخدمة لمن يلوذ به وعاش غالب عمره منعما مترفها بحسن المأكل والملبس وعمر ومتع بحواسه ولم ينقص منه سوى سمعه فإنه ثقل قبل وفاته بنحو سنتين أو ثلاث وهو من ذرية السيد الجليل علي بن عليل المشهور عند الناس بابن عليم - بالميم - والصحيح انه عليل - باللام - متصل نسبه بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب توفي في شهر ربيع الأول سنة تسعمائة ودفن بباب الرحمة وكانت جنازته حافلة شيخ الاسلام علامة الزمان برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي الشيخ الامام الحبر الهمام العالم العلامة المحقق الفهامة ولد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف ونشأ به واشتغل بفنون العلم على أخيه شيخ الاسلام الكمالي ورحل به إلى القاهرة فأخذ الفقه عن قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني والاصول عن الشيخ جلال الدين المحلي وسمع عليه ايضا في الفقه وأخذ عن علماء ذلك العصر وجد ودأب وتميز وصار من اعيان العلماء وحج إلى بيت الله الحرام ثم توجه إلى القاهرة المحروسة وتزوج ابنة قاضي القضاة شيخ الاسلام شرف الدين يحيى المناوي قاضي الديار المصرية وناب عنه في القضاء ودرس وأفتى وأعاد بالمدرسة الصلاحية بالقدس الشريف وصنف نظما ونثرا وولي الوظائف السنية من التداريس وغيرها من الانظار بالقاهرة المحروسة وعظم أمره واشتهر صيته وصار الآن المعول عليه في الفتوى بالديار المصرية وهو رجل عظيم الشأن كثير التواضع حسن اللقاء فصيح العبارة ذو ذكاء مفرط وحسن نظم ونظر وثقة نفس وكتابته على الفتوى نهاية في الحسن ومحاسنه كثيرة وترجمته وذكر مشايخه يحتمل الأفراد بالتأليف ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل فإن المراد هنا الاختصار قدم شيخ الاسلام برهان الدين من القاهرة المحروسة إلى بيت المقدس في سنة ثمان وتسعين بعد غيبة طويلة ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة ثم حضر إلى القدس في سنة تسعمائة وحصل للأرض المقدسة وسكانها بوجوده الجمال وانتفع به الناس في الفتوى فإن أخاه شيخ الاسلام الكمالي من حين يقدم المشار اليه القدس ير اليه أمر الفتاوى ولا يكتب هو إلا على قليل منها ما دام حاضرا وهو حي يرزق متع الله بوجوده الأنام وحماه من غير الليالي والأيام ( ذكر فقهاء الحنفية من القضاة والعلماء وطلبة العلم الشريف ) الشيخ الامام العالم الزاهد المفسر جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحسن بن الحسين البلخي ثم المقدسي الحنفي المعروف بابن النقيب مولده في النصف من شعبان سنة إحدى وعشرين وقيل إحدى عشرة وستمائة بالقدس الشريف واشتغل بالقاهرة وأقام مدة بجامع الأزهر ودرس في بعض المدارس هناك ثم انتقل إلى القدس الشريف واستوطنه إلى أن مات به وكان شيخا فاضلا في التفسير له فيه مصنف حافل كبير جمع فيه خمسين مصنفا من التفاسير بلغ تسعة وتسعين مجلدا وكان الناس يقصدون زيارته بالقدس ويتبركون بدعائه توفي في المحرم سنة ثمان وتسعين وقيل سبع وثمانين وستمائة الشيخ الامام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الأوحد سراج الدين أبي حفص عمر بن الشيخ الصالح بدر الدين حسين الحنفي إمام قبة الصخرة الشريفة كان موجودا في سنة ثمانين وسبعمائة الشيخ الامام العالم العلامة المحقق كمال الدين اسماعيل الشريحي الحنفي شيخ المدرسة المعظمية الحنفية بالقدس الشريف أخذ عنه قاضي القضاة شيخ الاسلام سعد الدين الديري الحنفي فسمع عليه كثيرا من كتاب الهداية في الفقه بتدريسه في سنين عديدة أولها سنة سبع وسبعين وآخرها في جمادي الآخرة سنة خمس وثمانين وسبعمائة وأجاز له في إقراء القرآن العزيز وتصحيح بعض ما حفظه من الكتب وهو كتاب الكنى في الفقه للعلامة حافظ الدين النسفي والكافية في النحو لابي عمرو ابن الحاجب وغير ذلك مما علمه من فوائد لم يأخذها عن غيره ومن علماء الحنفية بالقدس الشريف في عصر الشيخ كمال الدين الشريحي الشيخ كريم الدين عبد الكريم القرماني الرومي أخذ عنه قاضي القضاة سعد الدين الديري وأذن له في رواية كتاب الهداية وغيره من الكتب التي يرويها ككتاب المصابيح للامام البغوي ومشارق الأنوار للصاغاني وغيرهما من الكتب ولم اطلع لهما على ترجمة ولا تاريخ وفاة الشيخ العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن الرصاص الحنفي النحوي شارح الألفية كان إماما كبيرا في فقه أبي حنيفة وغير ذلك وعليه انتفع الشيخ شمس الدين الديري توفي بدمشق في سنة تسعين وسبعمائة القاضي تقي الدين أبو الانصاف وأبو بكر بن الشيخ فخر الدين أبي عمرو عثمان بن الشيخ صلاح الدين أبي الخيرات خليل الحنفي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان موجودا متوليا نيابة الحكم في سنة ست وتسعين وسبعمائة وبعدها القاضي شمس الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي ابن المرحوم شادكام الحنفي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان موجودا متوليا نيابة الحكم في سنة ست وثمانين وسبعمائة الشيخ الصالح الورع الزاهد شمس الدين محمد بن المرحوم شهاب الدين أحمد بن جمال الدين عبد الله الحنفي من أصحاب سيدنا الشيخ محمد القرمي كان موجودا في سنة احدى وسبعين وسبعمائة الشيخ خليل بن مقبل بن عبد الله العلقمي مولدا والحلبي منشأ والحنفي مذهبا شرح مقدمة أبي الليث السمرقندي شرحا نافعا جيدا وفرغ من تبييضه قبيل العصر مستهل جمادي الآخرة سنة سبع وتسعين وسبعمائة بالقدس الشريف قاضي القضاة خير الدين أبو المواهب خليل بن عيسى بن عبد الله العجمي البايرتي الحنفي الامام العلامة كان من أهل العلم والدين قدم من بلاده واختار الاقامة ببيت المقدس وولي قضاء القدس من الملك الظاهر برقوق في سنة اربع وثمانين وسبعمائة وهو أول من ولي قضاء الحنفية بالقدس الشريف بعد الفتح الصلاحي ثم ولي تدريس المعظمية وكانت سيرته حسنة توفي بالقدس الشريف في صفر سنة إحدى وثمانمائة ودفن بماملا القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن زين الدين أبي البركات مصطفى الحنفي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان موجودا في سنة إحدى وثمانمائة قاضي القضاة موفق الدين أبو عبد الله الياس بن سعدالدين أبي الصفا سعيد ابن نور الدين أبي الحسن علي الكاشهري الحنفي قاضي العسكر بمصر ولي قضاء القدس بعد قاضي القضاة خير الدين الحنفي - المتقدم ذكره - ورأيت بعض اسجالاته مؤرخا في شهر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة وبعد ذلك سقي السم مع بكلش بالمدرسة البلدية فمات معه وسقي شمس الدين الديري لكنه لم يكثر فمرض طويلا وعوفي وكان شهاب الدين بن النقيب حاضرا فاعتذر بالصوم الشيخ الامام العلامة شهاب الدين أحمد بن أحمد السوداني الحنفي كان شيخ المقاولة ومعيد المدرسة المعظمية توفي في سنة اثنتين وثمانمائة وهو من مشايخ قاضي القضاة شمس الدين الديري قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن تقي الدين أبي محمد عبد الله ابن نور الدين أبي الحسن علي الحنفي قاضي القدس الشريف كان متوليا في شهر ذي القعدة سنة ثلاث وثمانمائة وفي اسجاله عن ولايته متصلة بالمواقف الشريفة السلطانية الملكية الناصرية - يعني فرج بن برقوق - قاضي القضاة الامام العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن شرف الدين عيسى بن الرصاص الحنفي سمع علي العلائي وانتفع به وسمع من غيره وأجاز له خلق وتصدر وافتى ودرس بالمدرسة المعظمية الحنفية وولي قضاء صفد أجاز له شيخنا التقوى القرقشندي برواياته توفي بالقدس الشريف في شهور سنة ثلاث وثمانمائة ودفن بمقابر الشهداء القاضي جمال الدين محمد بن شمس الدين محمد الحنفي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف والعدل علاء الدين علي بن محمد بن الافتخار الحنفي كلاهما كان موجودا في سنة ست وثمانمائة قاضي القضاة تقي الدين أبو الانفاق أبو بكر بن شرف الدين أبي الروح عيسى بن الرصاص الحنفي باشر نيابة الحكم العزيز بالقدس الشريف في سنة اثنتين وثمانمائة ثم ولي استقلالا وكان متوليا في سنة اربع عشرة وثمانمائة وولي قضاء غزة ودرس بالنحوية وكان مشكور السيرة في القضاء عفيفا دينا سمع كثيرا وكان فقيها توفي بدمشق في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة عن نحو سبعين سنة ومن القضاة الحنفية بالقدس الشريف قاضي القضاة تاج الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن السيد بدر الدين أبي محمد الحسيني الحنفي ولي عوضا عن القاضي شمس الدين بن خير الدين مدة يسيرة وكان متوليا في جمادي الأولى سنة احدى وثلاثين وثمانمائة ثم عزل وأعيد القاضي شمس الدين بن خير الدين الشيخ العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن النقيب المقدسي الحنفي كان من أهل العلم أخذ هو والشيخ شمس الدين الديري عن الشيخين الامامين صدر الدين وشرف الدين ابني منصور الحنفيين شيخ الحنفية بالشام المحروسة وأخذ عن الشيخ علاء الدين بن النقيب قاضي القضاة سعد الدين الديري قرأ عليه كثيرا من الهداية في الفقه بالمدرسة الارغونية بالقدس الشريف ورأيت خط قاضي القضاة سعد الدين بذلك وترجم الشيخ علاء الدين بالشيخ الامام ولم اطلع له على ترجمة غير ذلك وأما ولده العلامة الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد فمولده في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وكان أحد علماء بيت المقدس مشهورا بالعلم والصلاح توفي في المحرم أو صفر سنة ست عشرة وثمانمائة وولده قاضي القضاة العلامة كمال الدين محمد كان من اعيان العلماء وكان يدعى خزانة العلم ولي قضاء الحنفية بالرملة مدة طويلة وباشر بشهامة وكلمة نافذة واستمر على القضاء إلى ان توفي بالرملة في حدود الثلاثين والثمانمائة الشيخ الامام العلامة الصالح الزاهد عمر بن عبد الله البلخي الحنفي كان الهائم به ببيت المقدس الشيخ شمس الدين الهروي توفي في جمادي الآخرة سنة ست وعشرين وثمانمائة ودفن بحوش البسطامي بماملا وإلى جانبه دفن الهروي بوصية منه قاضي القضاة شيخ الاسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين ابن عبد الله بن سعد بن عبد الله بن مصلح بن الديري الخالدي العبسي الحنفي الشيخ الامام العالم المحقق نسبته إلى قرية يقال لها الدير بالقرب من مردى من بلاد نابلس والعبسي نسبة إلى طائفة بني عبس من عرب الحجاز مولده في حدود الخمسين والسبعمائة استوطن بيت المقدس واشتغل بالعلم فلاحظته العناية الربانية وفتح عليه من قبل الله تعالى فصار من أعيان العلماء المعتبرين ولي مشيخة المدرسة المنجكية ودرس بالمعظمية الحنفية وافتى ودرس وحدث وجلس للمواعيد يفسر القرآن العظيم وقال الشيخ عبد الرحمن القرقشندي فيه يا شمس دين الله يا واحدا في عصره أفديه من واحد فسر كتاب الله نلت المنى لا ينكر التفسير للواحدي واشتهر اسمه وشاع ذكره ولم يبق في هذه البلاد في الحنفية نظيره الشيخ محب الدين بن الشحنة وله مصنف جيد أكمل منه اربع مجلدات سماه ( المسائل اشريفة في أدلة أبي حنيفة ) ولم يكمل واتصل بالملك المؤيد شيخ بسبب واقعة جرت وهي ان الملك الناصر فرج بن برقوق لما كان سلطانا وكان الملك المؤيد شيخ من جملة أركان دولته قصد العصيان عليه والخروج عن طاعته فاستفتى الملك الناصر عليه العلماء ومن جملتهم الشيخ شمس الدين الديري فأفتاه ان من خرج على الامام وحاربه يترتيب عليه كذا ويترتيب عليه كذا وسوغ له ما يقتضي قتله فما كان بأسرع من أن قتل الملك الناصر وولي المؤيد شيخ السلطنة فلما نزل المؤيد شيخ إلى الشام وقدم بيت المقدس تخوف منه الشيخ شمس الدين الديري فاستدعاه الملك المؤيد فحضر اليه بقبة الصخرة الشريفة وحصل بنهما كلام يتضمن عتب السلطان عليه بسبب ما أفتى به عليه فأجابه بجواب حسن معناه انه لم يفت عليه وإنما أفتى على من حارب الامام الأعظم وخرج عن طاعته وقال له يا مولانا السلطان لو استفتيتني انت على من حاربك وخرج عن طاعتك لأفتيتك بقتاله وما يترتب عليه شرعا فقبل منه السلطان ذلك وقربه اليه وكان يعتبره ويعظمه تعظيما زائدا ولما مات قاضي القضاة ناصر الدين بن العديم جيء به من بيت المقدس على البريد وولي قضاء الديار المصرية في جمادي الأولى سنة تسع عشرة وثمانمائة فعظم أمره ونفذت كلمته وشاع ذكره وهو أول الرؤساء من بني الديري ثم لما عمر السلطان المؤيد شيخ جامعه بباب زويلة بالقاهرة قرره شيخا فيه في مستهل ذي القعدة سنة اثتين وعشرين ثومانمائة ثم صرف عن القضاء باختياره واعتذر بعلو سنة واستمر بمنزله بالمؤيدية معظما فقدر الله حضوره إلى بيت المقدس في سنة سبع وعشرين وصام به رمضان وعمل المواعيد التفسيرية وهو في همة الرجوع إلى مصر فمرض وأدركه أجله فتوفي بالقدس في يوم الاربعاء تاسع شهر ذي الحجة الحرام عند النفرة وصلي عليه عقب صلاة العيد من سنة سبع وعشرين وثمانمائة بالصخرة الشريفة ودفن بماملا إلى جانب أبي عبد الله القرشي وهو والد قاضي القضاة سعدالدين الديري - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وكان لقاضي القضاة شمس الدين الديري أخ يسمى عبد الله كان فاضلا عالما ويحترف بالشهادة توفي في سنة عشر وثمانمائة عن نحو خمسين سنة الشيخ بدر الدين حسن بن أبي بكر بن البقيرة السوداني الحنفي مولده في سنة ثمان وستين وسبعمائة وكان من العلماء توفي في سنة ست وثلاثين وثمانمائة الشيخ الصالح القدوة جمال الدين عبد الله بن الصامت القادري الحنفي كان من أكابر الصالحين اصحاب الكرامات المشهورة توفي في ليلة الاربعاء سلخ ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وثمانمائة ودفن بتربة الساهرة وولده الشيخ شهاب الدين أحمد كان من الصالحين توفي بعد الأربعين والثمانمائة ودفن عند والده الشيخ الامام العلامة شمس الدين محمد بن الشيخ الامام تقي الدين أبي بكر ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن البقيرة الشهير بابن السوداني الحنفي مولده في سنة تسع وستين وسبعمائة وكان خيرا دينا عفيفا توفي في رمضان سنة تسع وعشرين وثمانمائة القاضي ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين محمد بن السكاكيني الغزي الحنفي خليفة الحكم العزيز بالقدس الشريف كان متوليا نيابة الحكم في شهر ربيع الأول سنة ثلاث واربعين وتوفي بغزة في أواخر ذي القعدة سنة اربع واربعين وثمانمائة وكان من اهل العلم والدين حسن السمت والهيئة والشيبة شيخ الاسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الديري العبسي الحنفي مولده بالقدس الشريف في سادس عشر المحرم سنة سبعين وسبعمائة واشتغل بالعلوم وبرع ودرس وأفتى وانتفع الناس بفتياه ودرس بالمدرسة المعظمية بالقدس وسمع الحديث على الشهاب بن العلائي وكان كريم النفس قليل الحظ من الدنيا قنوعا لين الجانب شكلا حسنا فارسا شجاعا توفي في يوم السبت ثالث عشري جمادي الآخرة سنة تسع وأربعين وثمانمائة ودفن بماملا إلى جانب الشيخ شهاب الدين بن أرسلان من جهة القبلة وهو والد قاضي القضاة جمال الدين الديري وأخيه قاضي القضاة شمس الدين - الآتي ذكرهما إن شاء الله تعالى - القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن شمس الدين محمد بن غضية الحنفي كان من فقهاء الحنفية وباشر نيابة الحكم بالقدس عن قاضي القضاة شمس الدين ابن خير الدين الحنفي وكان موجودا قبل الخمسين والثمانمائة قاضي القضاة العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة خير الدين أبي المواهب خليل بن عيسى الحنفي البايرتي الأصل ثم المقدسي ولد بالقدس الشريف في شهور سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة أخذ العلم عن والده وجماعة وله رواية في الحديث وباشر الحكم في القدس الشريف نيابة عن القاضي موفق الدين قاضي العسكر - المتقدم ذكره - ثم ولي القضاء استقلالا وطالت مدته وكانت نيفا واربعين سنة ودرس بالمدرسة المعظمية الحنفية مشاركا لبني الديري وباشر الحكم بشهامة وكان له إقدام وشجاعة وله هيبة عند الناس والحكام ونفذ أمره حتى تكلم في الأسعار فكان يطلب اللحامين والخبازين وغيرهم من أرباب الحرف ويأمرهم ببيع بضائعهم بسعر معين فلا يسعهم مخالفته واستمر على ذلك إلى ان صرف عن القضاء بقاضي القضاة تاج الدين الديري في حادي عشر المحرم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وتوفي مسموما في يوم الاثنين حادي عشر جمادي الأولى سنة خمس وخمسين وثمانمائة ودفن عند والده بماملا وتوفي قبله أخوه القاضي برهان الدين إبراهيم وكان من اهل الفضل وباشر نيابة الحكم عن أخيه بالقدس وكانت وفاته في شهور سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ودفن عند والده القاضي أمين الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الديري الحنفي مولده قبل العشرين والثمانمائة اشتغل وحصل العلوم وفاق وتقدم وكان مفرط الذكاء سريع الحفظ باشر القضاء نيابة عن أخيه قاضي القضاة سعد الدين بالديار المصرية وافتى ودرس بالمعظمية بالقدس الشريف ولي نظر الحرمين القدس والخليل وعين له كتب السر بمصر وكان ينظم الشعر وسار ببيت المقدس وعظم أمره في دولة الملك الظاهر جقمق توفي في ليلة السبت المسفر صباحها عن رابع ذي الحجة الحرام سنة ست وخمسين وثمانمائة مبطونا وفدن بماملا إلى جانب والده وهو والد شيخ الاسلام بدر الدين الديري أحد علماء الديار المصرية فسح الله في مدته ونفع بعلومه وفي أيام ولايته - النظر - أنعم السلطان الملك الظاهر جقمق على جهتي الوقفين المبرورين بمائة وعشرين غرارة قمح القيمة عنها ثلاثة آلاف وستمائة دينار ولما توفي تجمد على الوقف ثمن غلال فأنعم الملك الظاهر بتوفية الثمن وهو أربعة آلاف وسبعمائة دينار الشيخ شمس الدين محمد بن محسن بن حسن اليمني الهاشمي الحنفي المعروف بخجا يمني شيخ المدرسة الجوهرية بالقدس الشريف كان رجلا خيرا وله هيبة وكان موجودا في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وتوفي بعد ذلك بيسير ودفن بباب الرحمة القاضي برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن علاء الدين علي الخزرجي الحنفي المشهور بابن نسيبة مولده في سنة ست وسبعين وسبعمائة كان من أعيان بيت المقدس وباشر نيابة الحكم بالقدس الشريف عن القاضي تاج الدين الديري الحنفي وتوفي في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ودفن بماملا عند القبة الكبكية ومن غريب الاتفاق وفاة اربعة ببيت المقدس مولدهم في سنة واحدة وهي سنة ست وسبعين وسبعمائة ووفاتهم في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وهم الشيخ شمس الدين القلقيلي والشيخ شمس الدين ابن أبي عبد الله الخليلي والقاضي شهاب الدين الصلتي الشافعي - وتقدم ذكرهم - والقاضي برهان الدين بن نسيبة القاضي شمس الدين أبو الفضل محمد بن الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد ابن الشيخ جمال الدين عبد الله الحلبي الحنفي باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف عن الشيخ تاج الدين الديري في سنة أربع وخمسين وثمانمائة ثم باشر بعده النيابة القاضي عماد الدين بن الشيخ تاج الدين بن عبد الوهاب بن الأخرم النابلسي أحد خلفاء الحكم العزيز بالديار المصرية يومئذ وكانت مباشرته للقدس في سنة ست وخمسين وثمانمائة العدل نجم الدين محمد بن محمد بن بقيرة السوداني الحنفي كان من فضلاء الحنفية وأعيان العدول بالقدس الشريف توفي يوم الثلاثاء سادس ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة وانقرض بموته بيت السوداني القاضي زين الدين عمر بن خليل العميري الحنفي والد شيخنا العلامة شهاب الدين العميري الشافعي - المتقدم ذكره - كان يتحمل الشهادة عند القضاة وباشر نيابة الحكم بالقدس الشريف عن قاضي القضاة تاج الدين الديري وتوفي قبل الستين والثمانمائة ودفن بماملا بالقرب من حوش البسطامية السيد الشريف بدر الدين حسن بن حسين الحسيني الحنفي الشهير بخال إمام الصخرة الشريفة كان رجلا خيرا من فقهاء الحنفية حسن الشكل منور الشيبة توفي بعد الستين والثمانمائة العدل برهان الدين إبراهيم بن اسحاق الكتبي العنابوسي الحنفي مولده في رجب سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وكان من أهل الفضل ومن أعيان العدول ويتعاطى عقود الأنكحة وكان رجلا خيرا توفي في يوم الجمعة عشري المحرم سنة اربع وستين وثمانمائة الشيخ العالم الصالح شمس الدين محمد بن خضر الرومي الحنفي كان من أهل العلم والصلاح اشتغل عليه جماعة وانتفعوا به وكان يتصدى للتدريس بالمسجد الأقضى الشريف توفي في سنة بضع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بحوش البسطامية بماملا قاضي القضاة شيخ الاسلام ملك العلماء الأعلام سعد الدين أبو السعادات سعد بن قاضي القضاة شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الديري العبسي الحنفي الامام العلامة والحبر الفهامة ومولده بالقدس الشريف في سابع عشر رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة اشتغل بالعلم الشريف وتفرد بعلم التفسير وأخذ الحديث عن جماعة ودرس وأفتى وولي مشيخة المنجكية وتدريس المعظمية بالقدس ثم استوطن مصر وانتهت اليه الرياسة بالديار المصرية واستقر في مشيخة المدرسة المؤيدية بباب زويلة بعد وفاة والده ثم ولي القضاء بالديار المصرية في خامس عشر المحرم سنة اثنتين واربعين وثمانمائة في ايام الملك العزيز يوسف بن الأشرف بن برسباي بتسببب الملك الظاهر جقمق حين كان نظام الملك ثم لما استقر الظاهر جقمق في السلطنة عظم أمره وعلت رتبته ونفذت كلمته واستمر في القضاء نحو خمس وعشرين سنة إلى ايام الملك الظاهر خشقدم ثم ضعف بصره وطعن في السن وصار عمره نحو مائة سنة فصرف عن القضاء باختياره في شوال سنة ست وستين وثمانمائة وولي عوضه قاضي القضاة محب الدين ابن الشحنة فعظم ذلك على قاضي القضاة سعد الدين وشق عليه ثم توفي بعدمدة يسيرة وكانت وفاته في ليلة الجمعة عاشر ربيع الآخر سنة سبع وستين وثمانمائة ودفن بتربة الملك الظاهر خشقدم وكان شكلا حسنا بهي المنظر منور الوجه ومن نظمه ما كتبه لابن زوجة أبي عذيبة المؤرخ في اجازة ونقله في ترجمته في تاريخه يا مقتدرا جل عن الاشباه من ليس سواه آمر وناهي الطف بعبدك الضعيف الساهي سعد بن محمد بن عبد الله وسأله السلطان مرة عن سبب وقوع الطاعون فقال لما خالفوا في وضع ما هم عوقبوا بأخذ ما هم وله لطائف كثيرة وأخوه قاضي القضاة برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم باشر الوظائف السنية بالقاهرة منها نظر الاسطبل ونظر الجيوش وكتابة السر ولم تطل مدته فيها وولي قضاء القضاة بالديار المصرية في سنة سبعين وثمانمائة وأقام سبعة أشهر وصرف واستقر في مشيخة المؤيدية واستمر بها إلى أن توفي في المحرم سنة ست وسبعين وثمانمائة بالقاهرة وكان من الرؤساء الشيخ الامام العالم العامل الصالح سراج الدين سراج بن مسافر بن زكريا ابن يحيى بن اسلام بن يوسف الرومي الحنفي عالم الحنفية بالقدس الشريف وسراج هو نفس اسمه ويسمى ايضا عوض وضيا ولم يشتهر إلا بالشيخ سراج بالروم وبهذه البلاد مولده في سنة خمس وتسعين وسبعمائة وقدم إلى القدس في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة وأقرأ الناس العلوم العقلية والتفسير وكان من أهل العلم والدين والورع والصلاح ولي مشيخة المدرسة العثمانية بالقدس الشريف ثم صرف عنها ياختياره لاطلاعه على شرط الواقفة ان يكون الشيخ أعلم زمانه فقال لست أنا بهذه الصفة فتنزه عنها كذا أخبرت وهذا دليل على كمال دينه وورعه وكان حسن الشكل منور الشيبة شكله يدل على علمه وصلاحه ومن تلامذته الأعيان من العلماء توفي بعد أذان الظهر من يوم السبت حادي عشري رجب سنة خمس وستين وثمانمائة وصلي عليه بالمسجد الأقصى الشريف ودفن بباب الرحمة تغمده الله برحمته الشيخ الامام العالم المحقق شرف الدين أبو الأسباط يعقوب بن يوسف الرومي الحنفي المتفنن في العلوم كان من أكابر العلماء الحنفية حتى قيل في حقه ما تريدي زمانه ولي مشيخة المدرسة القادرية بالقدس الشريف واشتغل عليه الطلبة وانتفعوا به وافتى ودرس ومن تلامذت الأعيان المعتبرون وكان من أهل الخير والصلاح وله وجاهة وهو منجمع عن الناس لا يخالط ابناء الدنيا توفي بالمدرسة القادرية في يوم الخميس تاسع صفر سنة تسع وستين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة القاضي زين الدين عبد اللطيف بن شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شيخ الاسلام كمال الدين بن عبد الله محمد الديري الحنفي كان من أعيان العدول بالقدس الشريف وباشر نيابة الحكم به عن ابن عمه قاضي القضاة تاج الدين الديري توفي في شهرو سنة سبعين وثمانمائة وله اربع وسبعون سنة ودفن بماملا وولده الشيخ شرف الدين يونس كان من الفضلاء وكان موجودا في حدود الستين والثمنمائة توفي قبل والده وولده الثاني العدل زين الدين عبد القادر كان رجلا خيرا متواضعا احترف بالشهادة دهرا طويلا لم يضبط عليه ما يشينه توفي في يوم الاثنين خامس رمضان سنة خمس وثمانين وثمانمائة ودفن بماملا الشيخ الامام العلامة المقري المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن موسى ابن عمران الغزى ثم المقدسي الحنفي شيخنا بركة الوجود والعباد وشيخ القراء بالقدس الشريف وبجميع البلاد مولده في ليلة سادس عشر شعبان سنة اربع وتسعين وسبعمائة بغزة سمع الحديث علي الحافظ شمس الدين الجزري وأخذ عنه علم القرآت وأجازه ولبس منه خرقة التصوف وكان رجلا صالحا ملازما لاقراء القرآن انتفع به الناس وتخرج عليه جماعة وعرف هذا الفن معرفة جيدة وكان خيرا قنوعا طارحا للتكلف ولم يكن بقي في القدس شيخ متقن لفن القراءة سواه وقد سمعت عليه صحيح البخاري بقراءة القاضي شهاب الدين بن عبيد الشافعي في سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وأجازني بروايته وبرواية غيره من الاحاديث العشارية والمسلسل بالأولية والمصافحة والتشبيك ووضع اليد على الكتف واستشهد بالله واشهد لله واني أحبك ومسلسل سورة الصف وقراءة القرآن العظيم على المشايخ ولبس الخرقة القادرية والأحمدية والرفاعية والسهر وردية والصحبة وما يجوز له وعنه روايته وكان شيخا بهي المنظر منور الشيبة توفي في يوم الأحد قبيل العصر الخامس من شهر رمضان المعظم سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ودفن من الغد بمقبرة ماملا الشيخ إبراهيم بن محمد بن مبارك السبرتي الحنفي شيخ الفقراء السطوحية بالقدس الشريف كان له مشاركة في فقه الحنفية واستحصار فيه وعنده مروءة وقيام مع أصحابه توفي في شهر صفر سنة خمس وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا وكانت جنازته حافلة الامام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحافظ القدوة حسام الدين أبي محمد الحسين المشهور بابن حافظ الحنفي إمام الصخرة الشريفة كان من أهل الفضل حسن الشكل منور الشيبة ولي نصف إمامة الصخرة الشريفة مشاركا لأخيه وباشرها دهرا طويلا إلى أن توفي في يوم الأحد ثالث عشري المحرم يوم دخول الحجاج إلى القدس الشريف في سنة خمس وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا واستقر أخوه الامام شهاب الدين أبو العباس أحمد في نصف الامامة عوضا عنه مضافا لما بيده من النصف وكان رجلا خيرا ساكنا قليل الكلام فيما لا يعنيه توفي في شهر ذي القعدة سنة ست وسبعين وثمانمائة ودفن عند اخيه وكان والدهما إمام الصخرة الشريفة قبلهما وكان موجودا في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة والظاهر ان وفاته بعد ذلك بقليل والله أعلم الشيخ الفاضل أبو يزيد العجمي الحنفي كان من أهل الفضل خصوصا في العلوم العقلية وله مشاركة جيدة وكان رجلا صالحا الغالب عليه التغفل توفي في شهور سنة سبع وسبعين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة القاضي ناصر الدين محمد بن تقي الدين أبي بكر بن العلم الحنفي المشهور بسبط قاضي القضاة شمس الدين الديري كان أميرا حاجبا بالقدس الشريف ثم ترك الأمرة وتخلق بأخلاق الفقهاء وحفظ كتاب الكنز في فقه مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه وتنقلت به الأحوال إلى ان استخلفه خاله قاضي القضاة سعدالدين الديري في الحكم بالديار المصرية ثم باشر نيابة الحكم بالقدس عن والده قاضي القضاة تاج الدين وبالرملة عن قاضي القضاة جمال الدين الديري وكان له شهامة ومروءة توفي في شهور سنة سبع وسبعين وثمانمائة الشيخ العلامة زين الدين عبد الرحيم بن النقيب الحنفي شيخ المدرسة التنكزية كان من الفضلاء المشهورين كان يفتي ويدرس ببيت المقدس أثنى على علمه وفهمه الحافظ تاج الدين الغرابيلي وغيره توفي في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة عن نيف وخمسين سنة وولده الشيخ شمس الدين محمد المشهور بالعجمي استقر في مشيخة التنكزية مشاركا لغيره وكان شكلا حسنا كثير التودد للناس لين الجانب توفي في شهر شوال سنة سبع وسبعين وثمانمائة ودفن بماملا وولده الشيخ الفاضل زين الدين عبد الرحيم اشتغل في حياة والده وحفظ مجمع البحرين وولي ما كان بيد والده من مشيخة التنكزية بعد وفاته ودرس الشافعي في وظيفة قضاء الشافعية بالقدس الشريف والرملة ونابلس عوضا عن القاضي محيي الدين بن جبريل بن الغزي والبس التشريف من حضره السلطان في ثامن صفر ودخل إلى القدس الشريف في يوم الاثنين سابع ربيع الأول وقرئ توقيعه بالمسجد الأقصى في يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول وفي يوم الاحد رابع ربيع الاخر دخل الأمير جانم نائب مدينة القدس اليها بخلعة السلطان وأوقد له السوق وكان يوما حافلا وقرئ توقيعه في يوم الجمعة تاسع الشهر بحضور ناظر الحرمين الشريفين وشيخ الصلاحية والقضاة وهو مؤرخ في ثاني المحرم وفيها في نهار الاحد خامس عشري ربيع الآخر ورد مثال القاضي زين الدين ابن مزهر كاتب السر الشريف إلى ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي بمنع القاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي من تعاطي الحكام الشرعية فخالف أمره واستمر يحكم اياما فأنكر عليه ذك فامتنع من الحكم واستمر معزولا إلى ان تشفع بناظر الحرمين والقاضي فخر الدين ابن نسيبة وكتب له توقيع شريف بالاستمرار ووصل اليه في شهر شوال وفيها في العشرين من شهر رجب دخلت عين العروب إلى القدس الشريف وخلع الامير قانصوه اليحياوي على المعلمين وزينت المدينة ثلاثة أيام وكتب الامير قانصوه محاضر وعلهيا خطوط الاعيان لتعرض على المسامع الشريفة وجهزها على يد ولده الشهابي أحمد ودواداره وكانت مدة عمارتها خمسة أشهر وخمشة عشر يوما وقد انفق السلطان في عمارتها مبلغا كبيرا وفيها في شهر شوال قدم شيخ الاسلام الكمالي ( ) من القاهرة المحروسة إلى القدس الشريف لقصد الزيارة بعد غيبته عنه من سنة إدى وثمانين - كما تقدم ذكر ذلك - ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثمانمائة في ( ) بها وحضر معه في يوم جلوسه التدريس شيخ الاسلام الكمالي بالقدس الشريف ويغره وكان يوما حافلا في شهر شوال سنة ة سبع وثمانين وثمانمائة ودفن بماملا قاضي القضاة جمال الدين أبو العزم عبد الله بن شيخ الاسلام شمس الدين اببي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شيخ الاسلام كمال الدين أبي عبد الله محمد الديري العبسي الحنفي مولده في سنة خمس وثمانمائة وكان من ذوي المروءآت وله حشمة وشهامة ولي قضاء القدس الشريف والرملة في سنة سبع وستين وثمانمائة ثم اضيف اليه قضاء بلد الخليل عليه الصلاة السلام وهو أول من ولي قضاء الخليل من الحنفية ووقع التشاجر بينه وبين قاضي القضاة ناصر الدين هبة الله محمد بن قاضي القضاة تاج الدين الديري وشرع كل منهما يسعى على الآخر والوظيفة بينهما دولا ثم استقر الأمر آخرا للقاضي جمال الدين واستمر في المنصب إلى أن عزل في سنة خمس وسبعين وثمانمائة ثم استقر بعده في الوظيفة قاضي القضاة خير الدين بن عمران في صفر سنة ست وسبعين واستمر نحو سنتين ثم توجه القاضي جمال الدين إلى القاهرة في ذي الحجة سنة سبع وسبعين وولي القضاء في سابع ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وهي ولايته الرابعة والبس التشريف بقلعة الجبل المنصورة من حضرة الملك الأشرف قايتباي وعاد إلى القدس الشريف فلما وصل إلى الرملة حصل له توعك فلم يستطع ركوب الفرس فحمل في محفة إلى القدس ونزل بقصر ابن عمه الشيخ تاج الدين الديري عند خان الظاهر ودخل إلى القدس الشريف صبيحة يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر وركب الناس للقائه من القضاة والأعيان وناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي ونائب السلطنة الأمير جقمق وركب له شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف لكنه لم يدخل معه في الموكب وإنما سلم عليه بالقصر وانصرف زينت له الاسواق واوقدت وكان يوما مشهودا والبس التشريف من القصر وركب وهو منزعج من التوعك الحاصل له وبقي في الموكب وهو لا يستطيع التثبت على الفرس لشدة الضعف ولقد شاهدته في تلك الهيئة فخطر لي ان سكرات الموت لائحة عليه فلما دخل منزله اشتد به الألم ولم يقدر انه حكم حكما ولا جلس في مجلس الحكم واستمر اربعة عشر يوما وتوفي في صبيحة يوم الاربعاء حادي عشري ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وقد بلغ من العمر نحو اربع وسبعين سنة ودفن بجانب والده بماملا عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان الشيخ العلامة جمال الدين بن شرف الدين الرومي الحنفي كذا كان يكتب بخطه اسمه واسم أبيه وهو أبو المحاسن يوسف كان من أهل الفضل ولي مشيخة المدرسة العثمانية بعد الشيخ سراج الدين - المتقدم ذكره - وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة مع كونه روميا ومن العجب أنه كان يأتي اليه السؤال فلا يحسن قراءته بالعربية فيقول لمن يأتي به أو غيره اعلمني بمعنى هذا السؤال فيذكر له معناه فيكتب عليه بعبارة واضحة مطابقة للحال في غاية الحسن توفي في المحرم سنة ثمانين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة الفقيه شمس الدين محمد بن محمد بن غضية المقري الحنفي المؤذن كان والده من أهل الفضل باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف وتقدم ذكره وكان هو رجلا خيرا ساكنا يحفظ القرآن ويؤذن بالمسجد الأقصى ويؤدب الأطفال بالجوهرية والناس سالمون من يده ولسانه وكان له ولد اسمه محمد توفي قبله في سنة خمس وسبعين وتقدم ذكره مع الفقهاء الشافعية فصبر واحتسب وتوفي في سنة ثمانين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة الشيخ العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ القدوة تقي الدين أبي بكر بن أبي الوفا الحسيني الحنفي شيخ الوفائية بالقدس الشريف وتقدم ذكر أسلافه مع فقهاء الشافعية كان الشيخ شهاب الدين أولا على مذهب الشافعي وتوفي والده وهو صغير فنشأ بعده وانتقل إلى مذهب أبي حنيفة وكان له ذكاء مفرط ينظم الشعر الحسن وكان حسن الشكل طيب النغمة في الذكر توجه إلى بلاد الروم في شوال سنة ثمانين وثمانمائة واجتمع بالشيخ شهاب الدين الكوراني وأركان دولة السلطان ابن عثمان فأقبلوا عليه وأعلموا به السلطان فأحسن اليه إحسانا بليغا ثم اجتمع بالسلطان فأكرمه وبالغ في تعظيمه ورتب له ما يقوم بكفايته واجتمع الناس عليه وانتظم له الحال وتعين في بلاد الروم وصار لهم فيه إعتقاد واستمر على ذلك إلى أن توفي في شهر شوال سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة بمدينة اسطنبول وهي القسطنطينية الشيخ الامام العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن قاضي القضاة تقي الدين أبي بكر بن عيسى بن الرصاص الحنفي مولده في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة وكان من أهل العلم ويكتب خطا حسنا افتى ودرس وأخذ عنه الطلبة وكان منجمعا عن الناس وكتب الكثير بخطه من فقه وتفسير وكان يتجمل بالملبوس الحسن ويقيم نظامه على طريقة الرؤساء مع قلة ماله توفي بالقدس الشريف في يوم الاثنين سادس عشر شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة بين الظهر والعصر ودفن بماملا بعد صلاة الظهر من يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور الشيخ علي بن محمد المشهور بقرا علي العجمي الحنفي كان رجلا مباركا منور الشيبة وعنده سكون اشتغل بالعلم على ناصر الدين محمد شاه بن الفنري وكان شيخ المدرسة الفنرية الكائنة علو رواق باب الأسباط بالمسجد الأقصى حج إلى بيت الله الحرام في سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة فقضى مناسكه وفرغ من الحج وتوفي بمكة المشرفة في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة ودفن بباب المعلاة الشيخ شجاع الدين الياس بن عمران الرومي الحنفي كان من أهل الفضل في مذهبه وهو رجل خير متواضع سليم الفطرة لا يعرف شيئا من احوال الناس باشر نيابة القضاء بالقدس الشريف عن قاضي القضاة خير الدين بن عمران في سنة سبع وسبعين وثمانمائة ولم يتصد لتعاطي الأحكام وإنما اثبت لبس مستندات شرعية تزوج ابنة الشيخ العلامة سراج الدين الحنفي - المتقدم ذكره - ورزق منها ولدا يسمى شهاب الدين أحمد ففضل الولد وتميز وصار من أعيان الفقهاء الحنفية وتوفي في حياة والده بالطاعون في شهر ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة فوجد عليه والده وتأسف الناس عليه ودفن بباب الرحمة وعمر والده بعده مدة وتوفي في ليلة السبت حادي عشر شوال سنة اربع وثمانين وثمانمائة ودفن عند ولده بباب الرحمة الشيخ المقري شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد اللطيف الحنفي كان من فقهاء الحنفية ورئيس القراء بالقدس الشريف وهو رجل خير عنده تواضع ولين جانب ومحبة لأصحابه وكان يرقى للخطيب يوم الجمعة وله وجاهة عند الناس والأكابر توفي في يوم الثلاثاء العشرين من شعبان سنة خمس وثمانين وثمانمائة عن ثلاث وثمانين سنة ودفن بماملا الشيخ الامام العالم العلامة ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حبشي الحنفي المشهور بابن الشنتير مفتي الحنفية بالقدس أخذ العلم عن الشيخ ناصر الدين الاياسي الغزي وفضل وتميز وصار من أعيان بيت المقدس أفتى ودرس وانتفع به الطلبة وكان عنده سكون قليل الكلام فيما لا يعنيه وعنده تواضع توجه إلى الحجاز الشريف في البحر فلما وصل إلى جدة وقع عن الجمل فكسر فخذه وطاف للقدوم محمولا وتوفي بمكة قبل الحج ودفن بالمعلاة في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثمانمائة وأخوه الشيخ شهاب الدين أحمد كان من أهل القرآن ويلبس ملبوس الاتراك وكان حسن القراءة طيب النغمة فيها استقر إماما عند الأمير قراجا بدمشق ثم عاد إلى بيت المقدس بعد السبعين والثمانمائة ولما توفي شهاب الدين أحمد بن حافظ إمام الصخرة الشريفة قرره ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي في نصف وظيفة إمامة الصخرة الشريفة مشاركا للقاضي خير الدين بن عمران فلم يتم ذلك وأخذت الوظيفة منهما بأمر السلطان الشيخ سعد الله الحنفي ثم توجه إلى القاهرة فأدركته المنية بها في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد المشهور بابن الصائغ الصوفي الحنفي من أهل قلعة الروم كان من أهل الدين والصلاح وعنده فضل وهو خير متواضع منجمع عن الناس منور الشيبة عليه ابهة الصالحين وكان يعرف بخليفة الاردبيلي نسبة لشيخه الشيخ علي الاردبيلي المدفون بباب الرحمة توفي في شهور سنة خمس وثمانين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة الشيخ الفاضل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن جمال الدين يوسف الشهير بابن جمال الأشقر الحنفي اشتغل ودأب وحصل وفضل في مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه وسافر إلى دمشق وأذن له الشيخ نور الدين عبد الرحمن بن العيني عالم دمشق بالافتاء وأذن له قاضي القضاة خير الدين بن عمران بالقدس الشريف توفي في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بماملا وتوفي والده الشيخ جمال الدين يوسف بعده في سنة نيف وتسعين وثمانمائة وكان رجلا خيرا أصيب بولده - المذكور - فصبر الشيخ العلامة سعد الدين سعد الله بن حسين الفارسي الحنفي شيخ القراء اشتغل ببلاده وحفظ القرآن وأتقنه بالروايات وكان على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وأخبرت أنه كان قبل ذلك على مذهب الامام أحمد رضي الله عنه قدم من بلاده إلى دمشق وهو على مذهب الامام الشافعي في سنة نيف وخمسين وثمانمائة ثم انتقل إلى مذهب الامام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وفضل فيه وباشر نيابة الحكم بدمشق وكان له حرمة في مباشرته ثم قدم بيت المقدس في سنة سبع وسبعين وتوجه إلى القاهرة واجتمع بالسلطان فأكرمه وقرره في إمامة الصخرة الشريفة والبسه خلعة ودخل إلى القدس في أواخر ذي الحجة سنة سبع وسبعين صحبة قاصدا ابن عثمان ملك الروم وكان يوما حافلا وتصدر بالصخرة الشريفة لاشتغال الطلبة والتدريس والفتوى وانتفع به جماعة من فقهاء الحنفية واستمر على ذلك إلى أن توفي في أوائل جمادي الأولى سنة تسعين وثمانمائة ودفن بماملا الفقيه علاء الدين علي بن عبد الله بن محمد الغزي المقري الحنفي المعروف بابن قاموا شيخنا ذكر أنه لما نزل الأشرف برسباي إلى آمد سنة ست وثلاثين وثمانمائة كان مراهقا حفظ القرآن العظيم وتلى بالسبع على شيخنا العلامة شمس الدين بن عمران وغيره وأقام ببيت المقدس دهرا وأدب به الأطفال وسمع الحديث وأقرأ القرآن وكان جيد الحفظ له سريع القراءة وقد قرأت عليه القرآن - ولي نحو عشر سنين - بمكتب باب الناظرة فأقرأني من سورة الأنبياء إلى الفاتحة ثم كررت ختم القرآن عليه مرات كثيرة وقرأت بعضه عليه برواية عاصم وأحضرني مجلس شيخنا ابن عمران لسماع الحديث واعتنى بتحصيل الاجازة لي منه توفي في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة سنة تسعين وثمانمائة بالقدس الشريف القاضي زين الدين محمود بن بدر الدين حسن بن الدويك الحنفي الفرضي كان من أعيان المباشرين على أوقاف المسجد الأقصى الشريف وله يد طولى في علم الفرائض والحساب وسافر من القدس إلى جهة بلاد الهند حتى وصل إلى بلاد الشعشاع وطالت غيبته ثم قدم إلى القدس الشريف بعد السبعين والثمانمائة وباشر على الأوقاف على عادته وكان له وجاهة عند الأمير ناصر الدين النشاشيبي ناظر الحرمين وكان رجلا خيرا كثير التواضع لين الجانب توفي في خامس عشر المحرم سنة احدى وتسعين وثمانمائة ودفن بمقابر الشهداء الشيخ خير الدين خضر بن اسماعيل الرومي القرماني الحنفي كان رجلا مباركا يحفظ القرآن وكان يصنع المسابح بيده وهو منجمع عن الناس توفي في سنة نيف وتسعين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة قاضي القضاة شيخ الشيوخ تاج الدين سعد بن قاضي القضاة شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الديري العبسي الحنفي وتقدم ذكر والده وجده ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وسبعمائة بالقدس الشريف ونشأ به وحفظ القرآن وسمع الحديث واشتغل بالعلم على والده وجده وفضل وتميز وانتهت اليه الرياسة بالقدس الشريف ودرس بالمعظمية نيابة عن والده وناب عنه في القضاء بالديار المصرية ثم ولي قضاء الحنفية بالقدس الشريف في المحرم سنة أحدى وخمسين وثمانمائة عوضا عن قاضي القضاة شمس الدين بن خير الدين الحنفي ودرس بالمدرسة المعظمية الحنفية استقلالا ونفذت كلمته وعظم أمره باعتبار والده وعمر عمارة هائلة بظاهر القدس بأرض كرمه عند خان الظاهر مصرفها يقرب من عشرة آلاف دينار واستمر إلى سنة ست وستين وثمانمائة ثم تنزه عن القضاء وتوجه إلى القاهرة وفوض اليه والده مشيخة المؤيدية واستقر ولده قاضي القضاة ناصر الدين هبة الله في قضاء القدس الشريف فلما توفي والده قاضي القضاة سعد الدين في سنة سبع وستين وثمانمائة نزل عن المؤيدية لعمه برهان الدين واستوطن القدس ثم سافر إلى القاهرة واستقر في مشيخة المؤيدية في سنة ثمان وسبعين وشرع يتردد من القاهرة إلى القدس ذهابا وإيابا إلى ان نفد جميع ما معه من المال وصار فقيرا ثم حضر إلى القدس الشريف في سنة اثنتين وتسعين ونزل بعمارته التي بكرمه عند خان الملك الظاهر بيبرس وأقام بها مدة يسيرة ثم قصد التوجه إلى القاهرة فوصل إلى مدينة غزة فأدركته المنية بها في يوم الجمعة سادس شهر شعبان سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة بالجامع الجاولي ودفن بتربة هناك بجوار الجامع وقد تلاشت احوال عمارته التي بظاهر القدس وخرب عاليها في هذه المدة اليسيرة التي هي دون تسع سنين بعد وفاته وصارت من المهملات بعد ما كان فيها من العز والوقار ما لا يمكن شرحه وكان القياس يقتضي أنه اذا توفي صاحبها ومضى عليه أزمنة ودهور لا يؤول أمرها إلى هذا التلاشي الفاحش في هذه المدة اليسيرة فسبحان القادر على ما يشاء والمتصرف في عباده بما يريد قاضي القضاة الامام العلامة خير الدين أبو الخير محمد بن الشيخ الامام المقري المحدث شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عمران الغزي الأصل ثم المقدسي الحنفي ولد بغزة في ليلة العشر من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة قرأ القرآن بالروايات على والده واجازه وسافر إلى الديار المصرية واشتغل من ابتداء أمره ودأب وحصل وتفقه بالقاهرة على الشيخ قاسم الحنفي واذن له بالافتاء والتدريس ولقي العلماء وأخذ عن جماعة الفقه والحديث وبرع في مذهب الامام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وتميز وصار من الأعيان المعتبرين ولي قضاء الحنفية بالقدس الشريف عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين الديري وكانت ولايته في يوم ولاية شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف مشيخة الصلاحية والقاضي شهاب الدين بن عبيد قضاء الشافعية وخلع على الثلاثة بحضرة السلطان بالحوش وكنت حاضرا ذلك المجلس في صبيحة يوم السبت في شهر صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة وسافروا جميعا من القاهرة ودخلوا إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول وباشر قاضي القضاة خير الدين القضاء بعفة وشهامة وكانت سيرته حسنة واحكامه مرضية ثم في أواخر سنة ست وسبعين استقر في نصف الامامة بالصخرة الشريفة بحكم وفاة الامام شهاب الدين أحمد بن حافظ مشاركا للشيخ شهاب الدين أحمد ابن الشنتير بالنصف الثاني بتقرير صدر لهما من ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين ابن النشاشيبي فلم يتم لهما ذلك واخذت منهما الامامة للشيخ سعد الدين الحنفي بأمر السلطان بعد مباشرتهما مدة يسيرة واستمر القاضي خير الدين على القضاء إلى ان عزل بالقاضي جمال الدين الديري في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين فدخل القاضي جمال الدين إلى القدس وهو متوعك فأقام اربعة عشر يوما وتوفي - كما تقدم في ترجمته - واعيد القاضي خير الدين إلى وظيفة القضاء في شهر جمادي الأولى ووصل اليه التوقيع الشريف والبس خلعة السلطان في محراب المسجد الأقصى ومشى الناس في خدمته إلى منزله بباب الحديد وذلك في أوائل جمادي الآخرة واستمر نحو تسعة أشهر ثم عزل بقاضي القضاة شمس الدين أخي القاضي جمال الدين ووصل المرسوم بذلك في سلخ صفر سنة تسع وسبعين وثمانمائة فتنزه عن القضاء ولم يتكلم فيه بعد ذلك وانقطع في منزله للعبادة والاشتغال بالعلم وقراءة القرآن والحديث وانتهت اليه رياسة مذهب أبي حنيفة بالقدس وتصدر للافتاء والتدريس وحج إلى بيت الله الحرام وعظم أمره عند الناس وصار له الهيبة والوقار ودرس بالمعظمية نيابة ونسخ بخطه الكثير من المصاحف الشريفة والبخاري وكتب الحديث والفقه وغري ذلك وكان في سرعة الكتابة والملازمة لها من العجائب وعمل طريقة في المصحف الشريف لم يسبق اليها في مقابلة الأحرف وهي أنه إذ كان أول حرف من أول سطر من الصحيفة الفا يكون أول حرف من أول السطر الأخير منها كذلك وأول السطر الثاني مثلا واوا فيكون الذي يقابله قبل السطر الأخير كذلك وهلم جرا واحرف المقابلة كتبها بالأحمر ويكون أول الصفحة أول الآية وآخر الصفحة آخر الآية وكل جزء في كراس كامل فيكون المصحف ثلاثين كراسا لا يزيد ولا ينقص وهذه الطريقة من العجائب وفي الحقيقة هي طريقة في غاية المشقة وقد سهلها الله له فعملها في اسرع وقت وهو تيسير من قبل الله تعال وقد اشتهر هذا المصحف بهذه الطريقة بخطه في غالب المملكة حتى وصل إلى الحجاز والعراق والروم وله ربعة شريفة بالحرم الشريف النبوي على ساكنه افضل الصلاة والسلام وكان خيرا متواضعا حسن اللفظ والشكل منور الشيبة وعنده تودد للناس ولين جانب ولقد أحسن إلي في زمن ولايته القضاء وبعده توفي في يوم الخميس الثلاثين من شهر رمضان سنة أربع وتسعين وثمانمائة وله ست وخمسون سنة وصلي عليه من يومه بعد صلاة العصر بالمسجد الأقصى الشريف ودفن إلى جانب والده بتربة ماملا وكان يوما مشهودا لجنازته شيعه شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وشيخ الاسلام النجمي ابن جماعة وناظر الحرمين ونائب السلطنة الأمير دقماق والقضاة والأإعيان وغيرهم تغمده الله برحمته وعوضه الجنة العدل علاء الدين علي بن محمد بن سعيد الحنفي المشهور بابن نائب الناظر نسبة لوالده الحاج محمد فإنه كان يباشر نيابة النظر على المسجد الأقصى فعرف به وكان علاء الدين رجلا خيرا يحترف بالشهادة باشرها دهرا طويلا نحو ست وخمسين سنة على خير وعفاف لم يضبط عليه ما يشينه ثم اذن له في عقود الانكحة فباشرها نحو ستة عشر سنة وكان له مروءة وعنده تواضع وتودد توفي في عاشر المحرم سنة خمس وتسعين وثمانمائة ودفن بماملا الشيخ الامام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين محمود الحنفي شيخ المدرسة الفنرية بالقدس الشريف قدم إلى بيت المقدس وأقام به مدة يسيرة وتوفي في يوم الأحد ثالث شهر ذي القعدة سنة ست وتسعين وثمانمائة ودفن بباب الرحمة وبني على قبره مسطبة كبيرة ببناء محكم الشيخ الامام العالم العلامة زين الدين عبد السلام بن أبي بكر بن الرضي الكركي الحنفي ولد بمدينة الكرك ونشأ بها وكان على مذهب الامام الشافعي ثم قدم إلى بيت المقدس في شهور سنة ست وسبعين وثمانمائة وانتقل إلى مذهب الامام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وتفقه على الشيخ ناصر الدين بن الشنتير - المتقدم ذكره - وبرع في مذهب أبي حنيفة وأذن له في الافتاء ودأب وحصل وتفنن في العلوم وتصدر للافتاء والتدريس وكتب على الفتاوى كثيرا وانتفع الناس به واشتغل عليه الطلبة وكان من اهل العلم وعليه السكينة والوقار والناس سالمون من يده ولسانه وعبارته في الفتوى نهاية في الحسن درس بالمعظمية نيابة إلى أن توفي ولما انتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهما لامه بعض الناس على ذلك فأنشد أخذ السفيه يلومني بجهالة لم لا ثبت على الطريق الأعرف فأجبته دع عنك لومي يا فتى واسلك طريقة ذا الامام الأشرف ان المذاهب خيرها وأصحها ما قاله النعمان حقا فاقتف انسان عين للأئمة كلهم والكل عنه للطريقة مقتفي فاخترت مذهبه وقلت بقوله وجعلته يوم القيامة مسعفي توفي رحمه الله في يوم الجمعة ثامن عشري شهر رجب سنة سبع وتسعين وثمانمائة بالطاعون وصلي عليه بالمسجد الأقصى بعد صلاة العصر وحمل تابوته على الرؤوس ودفن بماملا ومات فقيرا لم يترك من الدنيا سوى نحو عشرة دنانير وكتبه عفا الله عنه ودرس بعده في المعظمية الشيخ العلامة القاضي شمس الدين أبو اللطف محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة خير الدين خليل الحنفي نيابة بعد أن كانت الوظيفة له استقلالا فإنه كان بيده حصة منها قدرها الخمسان تلقاها عن والده وباشرها مدة في زمن الشيخ تاج الدين الديري بمشاركته له فيها ونزل عن الحصة للقاضي فخر الدين الخزرجي فنزل عنها للشيخ تاج الدين الديري فكملت الوظيفة ثم تلقاها عنه ولده قاضي القضاة ناصر الدين هبة الله ثم نزل عنها للشيخ رضي الدين بن القاضي عماد الدين بن الأحزم المقيم بالقاهرة فاستناب قاضي القضاة خير الدين بن عمران الحنفي إلى أن توفي ثم استناب الشيخ عبد السلام بن الرضي إلى ان توفي ثم استناب القاضي شمس الدين خير الدين والأمر مستمر على ذلك إلى يومنا هذا اللهم اختم بخير الشيخ الصالح الناسك العابد الخاشع القدوة شرف الدين موسى بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشيخ الصالح القدوة جمال الدين عبد الله بن الصامت القادري الحنفي شيخ الشيوخ القادرية بالقدس الشريف وتقدم ذكر والده وجده كان الشيخ موسى من أهل الخير والصلاح وله عبادة وملازمة على ذكر الله تعالى وكان مقيما بالمدرسة الصبيبية شمالي المسجد الأقصى الشريف ويقيم فهيا الأوقات المشهورة بالذكر خصوصا في ليالي الجمعة وكان يذكر الله تعالى في المسجد الأقصى بصدر جامع الأنبياء عقب صلاة كل جمعة وعليه الانس والوقار وكان منجمعا عن الناس لا يخالط ابناء الدنيا ولا يتردد اليهم وهو من ذرية قوم صالحين وقد اضر في بصره وضعف بدنه قبل وفاته بسنين ومع ذلك لا يفتر عن ذكر الله تعالى ولا عن ملازمة الطاعة على عادته والناس سالمون من يده ولسانه والصلاح ظاهر عليه توفي في ليلة الأحد وصلي عليه بالمسجد الأقصى بعد الظهر من يوم الأحد سادس عشري صفر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة وحمل تابوته على الرؤوس ودفن بتربة الساهرة عند أسلافه وكان يوما مشهودا لجنازته لم ير مثله في هذه الأزمنة وشيعه شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وقضاة الشرع والعلماء والخاص والعام وبلغ من العمر نحو ثلاث وسبعين سنة ( ذكر فقهاء المالكية من القضاة والعلماء وطلبة العلم الشريف ) الشيخ الصالح عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي المجرد كان رجلا صالحا عمر الزاوية المعروفة بزاوية المغاربة وهي بأعلا حارتهم وأنشأها من ماله ووقفها على الفقراء والمساكين في ثالث ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعمائة وتوفي بالقدس الشريف ودفن بماملا عند حوش البسطامية من جهة الغرب وقد وهم بعض المؤرخين فظنه الشيخ عمر المجرد واقف الزاوية بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام لاشتراكهما في الاسم والشهرة والامر بخلاف ذلك وتقدمت ترجمة ذلك في تراجم الشافعية الشيخ الامام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن حزب الله المالكي كان يستحلف في الثبوت بالشهادة على الخط بالقدس الشريف ورأيت اسجاله في بعض المستندات مؤرخا في شهر صفر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة الشيخ الصالح القدوة زين الدين عبد الرحمن الكردبيسي المغربي المالكي كان من أولياء الله الصالحين وله كرامات ظاهرة توفي بالقدس الشريف ودفن بماملا قبل الثمانمائة ومن كراماته ان بعض المعتقدين فيه قصد بناء قبة على قبره فأصبح ولم يجد القبر نفعنا الله به ودفن إلى جانبه جماعة من شيوخ الدركاه أولاد الشيخ سعيد الشيخ موسى المغربي المالكي كان رجلا صالحا من ذوي الكرامات وهو الذي كان سببا لترتيب صلاة المالكية بالقدس الشريف توفي بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ودفن عند الشيخ عمر المجرد بزاويته في حدود الثمانمائة قاضي القضاة جمال الدين أبو محمد عبد الله الهلالي الانصاري المالكي المشهور بابن الشحاذة أول من ولي قضاء المالكية استقلالا بالقدس الشريف كان من أهل العلم ويدرس بالمدرسة المالكية بالقدس وكان يستحلف في الثبوت بالشهادة على الخط ثم اشتغل بالقضاء ولم اطلع له على ترجمة وإنما أخبرني قديما بعض الأكابر الثقات المعتمد على نقلهم انه كان يتيما فقيرا وان والدته كانت تسأل الناس فكانت تذهب إلى بعض الفقهاء بالمكتب وتقول له يا ولدي اشتغل بالقرآن وانا اقوم بكفايتك فيما تحتاجه فكان يقرأ وتذهب هي تسأل الناس وتأتي له بما يقوته فحفظ القرآن واشتغل بالعلم في مذهب الامام مالك رضي الله عنه وانتهى به الحال إلى أن ولي القضاء ببيت المقدس فكان أول قضاة المالكية وقد وقفت على مستند ثابت عليه واسجاله في ذلك المستند بخط نفسه وهو مؤرخ في شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ولا شك انه كان في ذلك التاريخ مستخلفا وان استقلاله بالقضاء كان بعد الثمانمائة واني وقفت على بعض اسجالاته نيابة في سنة ثمانمائة ثم رأيت في اسجالاته في سنة اثنتين وثمانمائة يذكر فيها ان ولايته متصلة بالمواقف الشرعية السلطانية المالكية الناصرية - يعني به فرج بن برقوق - ولعلها السنة التي أشتغل فيها بالقضاء وأخبرني شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف أن جده لأمه القاضي شهاب الدين ابن عوجان المالكي ولي قضاء القدس الشريف بعد وفاة القاضي جمال الدين ابن الحشاذة في سنة خمسين وثمانمائة وان وفاته في تلك السنة أو التي قبلها والله أعلم الشيخ العالم المسند شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن مغيث الأندلسي المالكي مقرئ بيت المقدس سمع من العلائي وجماعة سمع عليه شيخنا التقوى القرقشندي وأجاز له توفي في شهر رجب سنة ثمان وثمانمائة وهو والد الأخوين علاء الدين وشهاب الدين إمامي المالكية ببيت المقدس قاضي القضاة فخر الدين عثمان بن سراج الدين عمر بن علم الدين سلميان المقرئ الجاناتي المالكي باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف في سنة خمسة عشر وثمانمائة ثم ولي القضاء بعد ذلك استقلالا وكان متوليا في سنة ثماني عشر وثمانمائة قاضي القضاة بدر الدين أبو محمد الحسن بن الشيخ تقي الدين أبي الانفاق أبي بكر الزرعي المالكي قاضي القدس الشريف كان متوليا في شهر رمضان سنة خمس عشرة وثمانمائة الشيخ الامام عبد الواحد بن جبارة المغربي الأصل المالكي إمام المالكية بالمسجد الأقصى الشريف الشاعر الأديب المقرئ وهو سبط ابن مغيث مقرئ بيت المقدس كان الشيخ شمس الدين يقرأ بالسبع ويعرف الفرائض معرفة جيدة والحساب والنحو وكان يحترف بالشهادة في أول عمره فلما مات خاله شهاب الدين ابن مغيث كان قد نزل له عن إمامة المالكية وعن تصديره بالمسجد وتوفي في رجب سنة ست وعشرين وثمانمائة ومن نظمه - وقد بعث إلى بلد الخليل يطلب من ابن نصف الدنيا ساعات رملية فأبطأ عليه فكتب اليه وأجاد - إذا كانت الدنيا جميعا بأسرها غدت ساعة لا شك فيها ولا مرا فمن يطلب الساعات من نصفها يكن جهولا وفي هذا الفعال قد افترى الشيخ الامام العالم الصالح الزاهد العارف المقرئ عبد الله بن إبراهيم السكري المغربي المالكي المجاور بالقدس الشريف كان شيخ دار القراآت السلامية يقرئ الناس بها انتفع به خلق كثير وكان يستحضر من المدونة كثيرا ويعرف القراآت وغير ذلك وللناس فيه إعتقاد ويحكى عنه مكاشفات وأمور عجيبة لا تحكى إلا عن كبار الأولياء وأسن حتى صار يحمل في بساط ولعله قارب التسعين أو جاوزها ورأى رجل من الصالحين المشهورين النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول من قرأ الفاتحة على الشيخ عبد الله السكري دخل الجنة فاشتهر ذلك وقصده الناس من البلاد ومن لم يلحقه توجه إلى قبره وقرأها عليه وفضائله ومناقبه كثيرة توفي في ثاني جمادي الأولى سنة تسع وعشرين وثمانمائة ودفن بماملا بالقرب من حوش البسطامية من جهة الغرب الشيخ القدوة خليفة بن مسعود المغربي الجابري المالكي من بني جابر العالم الصالح صاحب الكرامات مولده في سنة تسع واربعين وسبعمائة اشتغل ببلاده وقدم إلى بيت المقدس على طريق السياحة في سنة اربع وثمانين وسبعمائة فحج إلى بيت الله الحرام ورجع وظهرت له مكاشفات ثم ولي مشيخة المغاربة بالقدس وإمامة المالكية بالمسجد الأقصى الشريف وحكى القاضي شهاب الدين بن عوجان المالكي أنه لما حج وزار النبي صلى الله عليه وسلم رآه في النوم وقال له سلم على خفير ايليا اذا رجعت اليها فقال ومن هو يا رسول الله ؟ فقال خليفة واشتهر أمره وكان أسود بصاصا توفي في يوم السبت مستهل ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ودفن بماملا وقبره ظاهر يزار نفعنا الله به قاضي القضاة العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ علم الدين أبي الربيع سليمان بن أحمد بن عمر بن عبد الرحمن العمري المالكي المشهور بابن عوجان مولده في سنة ثلاث وستين وسبعمائة اشتغل بالعلم وحصل وفضل وتميز وكان من أهل العلم والدين يفتي ويدرس عارفا بمذهبه وبصناعة القضاء ولي قضاء المالكية بالقدس بعد القاضي جمال الدين بن الشحاذة - المتقدم ذكره - في سنة خمس وثمانمائة فهو ثاني مالكي حكم بالقدس ووقع له العزل والولاية مرات وكل مرة تكون مدة يسيرة وطالت مدته وحسنت سيرته في ولايته واثنى عليه أهل عصره وكانت أحكامه مرضية وأموره مسددة توفي في شهر جمادي الأولى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ودفن بماملا وولده قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد مولده في سنة خمس وتسعين وسبعمائة ولي القضاء بعد والده مدة ثم عزل وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتين واربعين وثمانمائة وولي بعد عزله قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ غرس الدين أبي البركات خليل الطرابلسي المالكي وكان متوليا في سنة اثنتين واربعين وبعدها إلى سنة اربع واربعين ثم ولي بعده قاضي القضاة امين الدين سالم بن إبراهيم المغربي الصنهاجي المالكي مولده - بالتخمين - بعد السبعين والسبعمائة اشتغل في الفقه ببلاد المغرب وقدم إلى هذه البلاد عالما فاضلا ووقع في أسر الكفار في سنة اربع وثلاثين وثمانمائة وناظر الاساقفة ببلادهم وافحمهم وأقام عندهم مدة ثم أنجاه الله وقدم إلى دمشق وولي قضاءها ثم ولي قضاء القدس وكانت ولايته في سنة خمس واربعين وثمانمائة ثم اعيد إلى قضاء الشام فسار سيرة حسنة بحرمة وعفة ونزاهة وكان يحفظ الشفاء غائبا توفي في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة قاضي القضاة شمس الدين محمد البساطي المالكي وكان من أهل العلم وولايته في سنة ست واربعين وثمانمائة واقام مدة يسيرة قاضي القضاة شرف الدين أبو الروح عيسى بن شمس الدين محمد المغربي الشحيني المالكي الشيخ الامام العلامة المحقق كان من اكابر أهل العلم ولي قضاء بيت المقدس بعد البساطي وكان متوليا في سنة سبع واربعين وباشر بعفة وشهامة ولم يلي القضاء مثله في العفة والتقوى والعلم وكان له هيبة زائدة ووقع في القلوب وكان من قضاة العدل والعالمين العاملين لا يحابي احدا في الحكم ولا يخاف في الله لومة لائم ومما وقع له ان نائب القدس مبارك شاه حين ولي النيابة ودخل القدس ركب القضاة للقائه على العادة وألبس خلعة السلطان وكان قد أمسك جماعة من الفلاحين فلما وصل بهم إلى باب الخليل قصد شنقهم أو شنق واحد منهم فأمر بذلك فتقدم اليه القاضي شرف الدين عيسى المالكي وقال له ما الذي تريد تفعل بحضورنا ؟ فقال له اشنق هؤلاء قال بأي طريق ؟ قال لصوص قاتلون للنفس فقال له هل ثبت هذا عليهم بالطريق الشرعي ؟ قال النائب نحن لا نحتاج إلى ثبوت فقال له القاضي تقتل مسلما عمدا بحضوري بغير حق هذا لا سبيل اليه ولكن تدخل إلى المدينة وتنظر في أمرهم فإن ثبت عليهم ما يقتضي قتلهم قتلناهم وإلا فلا سبيل إلى قتلهم فشدد النائب في أمرهم وقال لا بد من قتلهم فقال له القاضي والله لو قتلتهم بحضوري لكنت اقتلك بيدي واعلقك إلى جانبهم كما انت بخلعة السلطان فلم يقدر النائب على مرجعته لهيبته ودخل إلى المدينة ولم يستطع قتلهم وله مثل ذلك أخبار كثيرة عفا الله عنه واستمر على القضاء بالقدس إلى ان توفي في سنة أربع وخمسين وثمانمائة وممن ولي قضاء المالكية بالقدس الشريف القاضي برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم بن زين الدين أبي المعالي منصور التلمساني المالكي وكان متوليا في سنة ثمان وخمسين وثمانمائة ومنهم السيد الشريف القاضي كمال الدين محمد بن الشيخ أبي الصفا إبراهيم ابن أبي الوفا كان على مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه ثم انتقل إلى مذهب الامام مالك وولي القضاء بالقدس الشريف وكان متوليا في سنة ست وستين وثمانمائة ثم عزل وانتقل إلى مذهبه الأول وناب في الحكم بالديار المصرية عن قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة الحنفي مدة ولايته ثم بعد عزل ابن الشحنة من القضاء استمر هو معزولا من النيابة وهو حي يرزق إلى يومنا هذا ومنهم القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن شداد الشافعي المالكي كان من فقهاء الشافعية وباشر الحكم نيابة عن قاضي القضاة الشيخ برهان الدين بن جماعة الشافعي ثم انتقل إلى مذهب الامام مالك وولي القضاء بالقدس الشريف في حدود السبعين والثمانمائة أو بعدها بيسير ودخل إلى القدس الشريف فلم يقم الا مدة يسيرة نحو شهر أو دون ذلك فتعصب جماعة من المالكية والمغاربة وغيرهم في أمره وشنعوا عليه وأشيع عزله فتوجه إلى القاهرة واقام أياما يسيرة وتوفي بها وأظن ان وفاته في سنة احدى وسبعين وثمانمائة والله أعلم الشيخ شمس الدين محمد بن علي المغربي المالكي المشهور بالفلاح وكان يكتب له في ترجمته المطغر - بطاء مهملة ثم غين معجمة مفتوحة - كان ينسب هكذا واشتهر بالقدس الشرف بالفلاح لأنه كان أول قدومه يقيم بالقرى ويلبس لباس الفلاحين فسمي بالقلاح كان من أهل العلم وباشر الحكم بالقدس الشريف نيابة عن القاضي شمس الدين المغراوي وتوفي سنة ست وسبعين وثمانمائة وممن باشر نيابة الحكم بالقدس الشريف القاضي جمال الدين يوسف المارديني ولم أطلع له على ترجمة قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن التلمساني المالكي المشهور بالحريري ولي قضاء المالكية بالقدس الشريف وورد الأمر بولايته في مستهل ربيع الآخر سنة سبع وستين وثمانمائة وعزل في أواخر رمضان منها وإعيد القاضي شمس الدين المغراوي قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد المغراوي المالكي مولده في سنة سبع وثمانمائة وكان رجلا مباركا يحفظ القرآن قدم من بلاده إلى الرملة واقام بها ثم ولي قضاءها مدة طويلة ثم ولي قضاء القدس الشريف في سنة اربع وخمسين وثمانمائة ووقع له العزل في الولاية مرات وتوفي وهو باق على القضاء في نصف شعبان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة العدل شهاب الدين أحمد بن محد بن الرباحي المغربي الأصل المالكي كان من العدول بالقدس الشريف ومن طلبة العلم وكان يؤذن بالمسجد الأقصى الشريف وعنده مروءة زائدة ومحبة لأصحابه توجه إلى الحجاز الشريف في سنة اربع وسبعين وجاور بمكة سنة خمس وسبعين فلما قضى مناسكه ووقف بجبل عرفات ودخل إلى مكة ثم عاد إلى منى توفي بها ودفن عند مسجد الخيف في شهر ذي الحجة سنة خمس وسبعين وثمانمائة ووالده هو الشيخ شمس الدين محمد الرباحي من فضلاء المغاربة المالكية توفي قبله بسنين ببيت المقدس وكان من أصحاب الشيخ خليفة - المتقدم ذكره - قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم البدرشي البحري المالكي المضري الشيخ الامام العالم العلامة شيخنا كان من أهل العلم وله معرفة تامة بالعربية وعلم الفرائض والحساب والحديث الشريف النبوي وكان من جلساء القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف وأخصائه ومن جملة قراء الحديث الشريف بقلعة الجبل المنصورية بالقاهرة وكان يحترف بالشهادة بالقاهرة ثم باشر نيابة الحكم بها ودخل اليها في اوائل المحرم سنة ست وسبعين فباشر بعفة ونزاهة وحرمة وشهامة ونشر العلم وانتفع به الطلبة وعلت كلمته وبعد أمره لعفته وشهامته ومع ذلك كان متواضعا لين الجانب يحب العلم ونشره وله مصنف في النحو وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا ويكثر من التلاوة وقد قرأت عليه قطعة من آخر كتاب الخرقى في فقه مذهب الامام رضي الله عنه قراءة بحث وفهم ثم قرأت عليه قطعة من أول المقنع قراءة بحث وفهم فكان يقرر في العبارة تقريرا حسنا لعل كثيرا من اهل المذهب لا يقرره وقرأت عليه في النحو ولازمت مجالسته وترددت اليه كثيرا وحصل لي منه غاية الخير والنفع ولكن اخترمته المنية بسرعة قبل بلوغ المراد منه ولما توفي قاضي القضاة جمال الدين الديري الحنفي في حادي عشري ربيع الآخر حضر ضبط تركته ثم مرض اياما وتوفي في صبيحة يوم السبت ثاني جمادي الأولى سنة ثمان وسبعين وثمانمائة فكان بين وفاته ووفاة القاضي جمال الدين الديري عشرة أيام ودفن بباب الرحمة وكانت جنازته حافلة عفا الله عنه وعوضه الجنة قاضي القضاة حميد الدين أبو حامد محمد بن بدر الدين أبي عبد الله الحسيني البكري المالكي القرشي الخليلي المشهور بابن المغربي كان يحفظ القرآن ويتقنه بالروايات وولي قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وهو أول من وليه من المالكية توفي في سنة اربع وسبعين وثمانمائة ولي قضاء القدس الشريف وأضيف اليه قضاء بلد الخليل ثم عزل في أواخر سنة اربع وسبعين وتوجه إلى القاهرة فولي قضاء طرابلس وتوجه اليها وتوفي بها في شهرو سنة ثمان وسبعين وثمانمائة قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن شمس الدين محمد الهاشمي المالكي الكركي الأصل المشهور بابن المزوار ولي قضاء القدس في سنة اربع وستين وثمانمائة ثم عزل وولي قضاء الكرك وقضاء غزة ولما توفي القاضي نور الدين البدرشي ولي القضاء بعده بالقدس الشريف في مستهل شوال سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ولم يدخل القدس إلا في شهر صفر سنة ثمانين وثمانمائة واستمر إلى جمادي الآخرة سنة اثنتين وثمانين ثم توجه إلى القاهرة وأقام بها وهو مستمر على الولاية إلى ان توفي في يوم الاحد تاسع عشر جمادي الأولى سنة خمس وثمانين وثمانمائة وصلي عليه بجامع المارديني وكان عفيفا في مباشرته لا يتناول غير معلومه المرتب على وقف المسجد الأقصى وهو في كل يوم عشرة دراهم فضة السيد الشريف شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد الحسيني المالكي المغربي كان من اهل الفضل وبحفظ القرآن وكتب على الفتوى قليلا وباشر الحكم بالقدس ا لشريف نيابة عن قاضي القضاة شمس الدين العيني حين كان القاضي علاء الدين ابن المزوار بالقاهرة - كما تقدم في ترجمته - وكان رجلا مباركا خيرا متواضعا توجه إلى الحجاز الشريف في سنة خمس وثمانين ثم توجه إلى المدينة الشريفة فتوفي بها في شهور سنة ست وثمانين وثمانمائة العدل شمس الدين محمد بن محمد المصطاوي المغربي المالكي كان من أهل القرآن واحترف بالشهادة دهرا طويلا توفي في اواخر سنة سبع وثمانين وثمانمائة الشيخ الناسك شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح القدوة خليفة ابن مسعود المغربي الأصل ثم المقدسي المالكي ولد بالقدس الشريف في ليلة ثاني عشر رمضان سنة إحدى وثمانمائة وحفظ الرسالة في فقه مذهب الامام مالك رضي الله عنه ولقي جماعة من مشايخ الصوفية وأخذ الحديث عن جماعة واستقر في إمامة المالكية بالمسجد الأقصى ومشيخة القادرية بالقدس بعد وفاة والده بركات وكان ذا همة ومروءة وعنده سخاء ومكارم اخلاق ثم صرف عن مشيخة المغاربة في سنة اثتين وسبعين وثمانمائة وفي أواخر عمره اقبل على العبادة وترك النساء وتعزب من التاريخ المذكور إلى حين وفاته وكانت ليلة الخامس عشر من شهر جمادي الآخرة سنة تسع وثمانين ودفن عند والده بماملا وولده الشيخ الصالح شمس الدين محمد خليفة كان عبدا صالحا وأهل بيت المقدس يعتقدونه وروي له كرامات توفي في ليلة الخميس وصلي عليه بعد الظهر من يوم الخميس السابع والعشرين من صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة بالمسجد الأقصى ودفن بماملا عند والده وجده وكان لجنازته مشهد عظيم شهده الخاص والعام الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن المغربي الأصل الخليلي ثم المقدسي الشافعي ثم المالكي الشهير بابن المغربي ولد سنة اربع وعشرين وثمانمائة سمع الحديث على جماعة وكان حافظا لكتاب الله تعالى يكثر تلاوته وجاور بالقدس الشريف مدة ثم تحول إلى مذهب الامام مالك وباشر إمامة المالكية بالأقصى نيابة وحدث توفي في يوم الجمعة تاسع شهر ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة في بيمارستان القدس الشريف ودفن بباب الرحمة قاضي القضاة العلامة شرف الدين يحيى بن محمد الأنصاري المغربي الاندلسي المالكي ولد سنة ست وخمسين وثمانمائة وسمع ببلاده وكان من أهل العلم ماهرا في العربية اشتغل بالعلم بالاندلس على قاضي القضاة شمس الدين بن الأزرق الذي ولي قضاء القدس بعده وقدم من بلاد الغرب وأقام بحلب وبالقدس ثم دخل القاهرة في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة في أول رمضان فحضر مجلس قاضي القضاة قطب الدين الحصري الشافعي قاضي دمشق وهو بالجامع الأزرق وتكلم في درسه فظهر له فضله فسعى له في قضاء المالكية بالقدس فولاه السلطان في أواخر سنة ثمان وثمانين من غير بذل ولا كلفة ثم حضر إلى القدس في صفر سنة تسع وثمانين وثمانمائة واستمر إلى شهر ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة فورد كتاب القاضي زين الدين بن مزهر صاحب ديوان الانشاء بعزله فتوجه من القدس الشريف إلى القاهرة واقام بها اياما ثم توجه إلى الحجاز الشريف وسافر إلى بلاد جازان فتوفي بها في شوال سنة خمس وتسعين وثمانمائة وكانت ولايته قضاء القدس بعد شغوره عن القاضي علاء الدين بن المزوار نحو سبع سنين فان القاضي علاء الدين توجه من القدس في سنة اثنتين وثمانين وأقام بالقاهرة وهو باق على الولاية إلى حين وفاته في سنة خمس وثمانين ولم يستخلف احدا عنه في الحكم ثم استمرت الوظيفة على الشغور نحو اربع سنين بعد وفاته إلى ان استقر بها القاضي شرف الدين في التاريخ المتقدم ذكره السيد الشريف شرف الدين عيسى بن عمر الحسيني المغربي الشحيني المالكي قدم من بلاده إلى القدس الشريف واقام بها مدة طويلة وكان يحفظ القرآن وله مشاركة في فقه المالكية ولي مشيخة المغاربة بالقدس الشريف فحصل له ضعف في بدنه وتوجه من القدس إلى جهة حلب فتوفي في سنة سبع وتسعين وثمانمائة وتوفي في هذه السنة القاضي تقي الدين أبو بكر بن القاضي ناصر الدين محمد بن العلم المالكي المشهور والده بعرق وتقدم ذكره مع فقهاء الحنفية وكان القاضي تقي الدين اولا حنفي المذهب كأبيه ثم انتقل إلى مذهب الامام مالك رضي الله عنه وولي قضاء المالكية بالرملة في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة واستمر إلى سنة خمس وسبعين وتوجه إلى القاهرة للسعي في قضاء القدس فلم يتيسر له ذلك فأقام هناك مدة وعاد إلى القدس بعد وفاة والده في شهور سنة ثمان وسبعين وكان يحترف بالشهادة ثم استخلفه القاضي شمس الدين بن مارب العزيز في الحكم بالقدس حين توجه إلى وطنه بغزة من اوائل شوال سنة خمس وتسعين إلى ان قدم إلى القدس في مستهل ربيع الأول سنة ست وتسعين ولم يقدر له ولاية بعد ذلك توفي القاضي تقي الدين بن العلم في شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة ودفن بماملا وأما مستخلفه القاضي شمس الدين محمد بن إبراهيم مارب العزيز المالكي فإنه كان على مذهب الامام الشافعي وباشر نيابة الحكم بغزة وهو شافعي ثم انتقل إلى مذهب الامام مالك وولي قضاء المالكية بغزة في سنة احدى وتسعين وثمانمائة فأقام نحو ستة أشهر ثم عزل ثم ولي قضاء المالكية بالقدس الشريف في شهر شوال سنة ثلاث وتسعين بعد شغوره عن القاضي شرف الدين يحيى المغرب الاندلسي - المتقدم ذكره - وكان يتردد إلى القدس ويعود إلى وطنه بغزة ثم عزل في شهر رمضان سنة ست وتسعين وثمانمائة وتوجه إلى مدينة غزة وأقام بها ولم يقدر له ولاية إلى حين وفاته بمدينة غزة في اواخر ذي الحجة سنة تسعمائة وسنذكر قدومه إلى القدس وتردده إلى غزة فيما بعد في ترجمة السلطان إن شاء الله تعالى قاضي القضاة الامام العلامة المحقق شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الازرق المغربي الاندلسي المالكي كان من أهل العلم والصلاح حسن الشكل منور الشيبة عليه الابهة والوقار وكان قاضيا بمدينة غرناطة بالاندلس فلما استولى عليها الافرنج خرج منها يستنفر ملوك الأرض في نجدة صاحب غرناطة فتوجه لملوك المغرب فلم يحصل منهم نتيجة فحضر إلى السلطان الملك الأشرف قايتباي نصره الله تعالى - وكان مشتغلا بقتال سلطان الروم أبي يزيد بن عثمان - فتوجه إلى مكة المشرفة وجاور بها وزار النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى القاهرة المحروسة في أول سنة ست وتسعين وثمانمائة فتكلم له في شيء يحصل منه ما يستعين به على القوت فولاه السلطان قضاء المالكية بالقدس الشريف في رابع رمضان من السنة المذكورة عوضا عن القاضي شمس الدين محمد بن مازن الغزي وقدم إلى القدس في يوم الاثنين سادس عشر شوال سنة ست وتسعين واقام به نحو الشهر وهو يتعاطى الأحكام بعفة ونزاهة من غير تناول شيء من الناس ثم حصل له توعك واستمر إلى ان توفي في يوم الجمعة بعد فراغ الصلاة سابع عشر ذي الحجة الحرام سنة ست وتسعين وثمانمائة وصلي عليه في يومه بعد صلاة العصر بالمسجد الأقصى ودفن بماملا إلى جانب حوش البسطامي من جهة القرب فكانت إقامته بالقدس إحدى وستين ويوما توفي وله خمس وستون سنة عفا الله عنه وهو شيخ القاضي شرف الدين يحيى الاندلسي - المتقدم ذكره - وقد كان من قضاة العدل ومما يستدل به على حسن خاتمته سرعة وفاته قبل توغله في الأحكام ودخوله في الأمور المشكلة فإنه باشر الحكم دون الشهر بعفة وتقوى وسيرة محمودة ثم لحق بالله سبحانه والناس راضون عنه ( ذكر فقهاء الحنابلة من القضاة والعلماء وطلبة العلم الشريف ) قد تقدم عند ذكر الفتح الصلاحي انه لما خطب القاضي محيي الدين بن الزنكي اول جمعة بعد الفتح وقضيت الصلاة انتشر الناس وكان قد نصب سرير الوعظ تجاه القبلة فجلس عليه الشيخ زين الدين بن نجية وعقد مجلسا للوعظ وهو الشيخ الامام الفقيه الواعظ المفسر زين الدين أبو الحسن علي بن رضي الدين أبي الطاهر إبراهيم بن نجا بن غانم الأنصاري الدمشقي المعروف بابن منجة الحنبلي نزيل مصر سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الحنبلي الذي نشر مذهب الامام أحمد رضي الله عنه بالقدس الشريف وما حوله وتقدم ذكره فيمن كان ببيت المقدس قبل استيلاء الافرنج عليه ولد الشيخ شمس الدين بن منجه بدمشق سنة ثمان وقيل عشر وخمسمائة وكان من اعيان اهل العلم وله رأي صائب وكان الملك صلاح الدين يسميه عمرو بن العاص ويعمل برأيه ويكاتبه ويحضر مجلسه وله جاه عظيم وحرمة زائدة حضر فتح بيت المقدس مع الملك صلاح الدين وجلس للوعظ عقب صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى - كما تقدم - وكان مجلسا حافلا حصل له الانس والبهجة والخشوع وتوفي في شهر رمضان في سابعه وقيل ثانيه سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة ودفن من الغد بسفح المقطم الفقيه المحدث تقي الدين أبو عبد الله يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي ثم النابلسي الحنبلي ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة تقريبا بالقدس الشريف وسمع بدمشق من جماعة وتفقه وولي الامامة بالجامع الغربي بنابلس وحدث وهو ابن عم الحافظ عبد الغني المقدسي وكان على طريقة حسنة توفي في عاشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة بنابلس الشيخ العلامة نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد الله الطوخي الصرصري ثم البغدادي الحنبلي الفقيه الأصولي المتفنن ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوخى من أعمال صرصر ثم دخل بغداد في سنة إحدى وتسعين وستمائة فحفظ المحرر في الفقه وبحثه على الشيخ تقي الدين الشيرازي وقرأ العربية والتصريف والاصول والفرائض وشيئا من المنطق وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وسمع الحديث من جماعة وسافر إلى دمشق سنة اربع وسبعمائة ولقي الشيخ تقي الدين بن تيمية بن عفرة ثم سافر إلى مصر وجاور الحرمين الشريفين واقام بالقاهرة مدة وولي الاعادة بالمدرسة الناصرية والمنصورية وله تصانيف كثيرة منها بغية السائل في امهات المسائل في أصول الدين وقصيدة في العقيدة الكبيرة وشرحها ومختصر الروضة في اصول الفقه وشرحه في ثلاث مجلدات ومختصر الحاصل في اصول الفقه والقواعد الكبرى والقواعد الصغرى والاكسير في وقاعد التفسير والرياض النواضر في الأشباه والنظائر وبغية الواصل إلى معرفة الفواصل ومصنف في الجدل وآخر صغير ودرأ القول القبيح في التحسين والتقبيح ومختصر المحصول ودفع التعارض عما يوهم التناقض في الكتاب والسنة ومعراج الأصول إلى علم الأصول في أصول الفقه والرسالة العلوية في القواعد العربية وعناية المجتاز في علم الحقيقة والمجاز والباهر في أحكام الباطن والظاهر يرد على الايجادية ومختصر العالمين جزءين فيه ان الفاتحة متضمنة لجميع القرآن والذريعة إلى معرفة اسرار الشريعة والرحيق المسلسل في الأدب المسلسل وتحفة أصل الأدب في معرفة لسان العرب والانتصارات الاسلامية في دفع شبه النصرانية وتعاليق على الرد على جماعة من النصارى وتعاليق على الاناجيل وتناقضها وشرح نصف مختصر الخرقى في الفقه ومقدمة في علم الفرائض ومختصر التبريزي وشرح مقامات الحريري في مجلدا وموائد الحيس في شعر امرئ القيس وشرح الاربعين للنواوي واختصر كثيرا من كتب الاصول ومن كتب الحديث ايضا ولكن لم يكن له فيه يد ففي كلامه فيه تخبيط كثير وله نظم كثير رائق وقصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وقصيدة طويلة في مدح الامام أحمد رضي الله عنه أولها ألد من الصوت الرخيم إذا شدا وأحسن من وجه الحبيب إذا بدا ثناء على الحبر الهمام ابن حنبل إمام التقى محيي الشريعة أحمدا وسافر إلى الصعيد ولقي بها جماعة ويقال ان له بقوص خزانة كتب من تصانيفه فإنه أقام بها مدة وقد حصل له محنة في آخر عمره وحج إلى بيت الله الحرام في أواخر سنة أربع عشرة وجاوز سنة خمس عشرة ثم حج ونزل إلى الشام إلى الأرض المقدسة واقام بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وتوفي بها في شهر رجب سنة عشر وسبعمائة عفا الله عنه الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ تقي الدين أبي عبد الله محمد ابن عبد الولي بن جبارة المقدسي المقري الحنبلي الفقيه الأصولي النحوي ولد سنة سبع أو ثمان وأربعين وستمائة وسمع الحديث من جماعة وارتجل إلى مصر فقرأ بها القراآت والأصول والعربية وبرع في ذلك وتفقه في المذهب ثم استوطن بيت المقدس فتصدر لإقراء القرآن والعربية وصنف شرحا يسيرا للشاطبية وشرحا آخر للرائية في الرسم وشرحا لألفية بن معطي وصنف تفسيرا وأشياء في القراءات وكان صالحا متعففا خشن العيش جم الفضائل ماهرا متفنا مقرئا بارعا فقيها نحويا نشأ في صلاح ودين وزهد وانتهت اليه مشيخة بيت المقدس وحج وجاور بمكة وكان يعد من العلماء الصالحين الأخيار توفي بالقدس الشريف فجأة سحر يوم الأحد رابع رجب سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ودفن في اليوم المذكور بماملا وصلي عليه بجامع دمشق صلاة الغائب في سادس عشر الشهر المذكور الشيخ الامام سراج الدين عمر بن الشيخ نجم الدين عبد الرحمن بن الحسين القباقبي الحنبلي سمع الحديث وكان مشهورا بالصلاح كريم النفس كبير القدر جامعا بين العلم والعمل اشتغل وانتفع بالشيخ تقي الدين بن تيمية ولم ير على طريقه في الصلاح مثله وخرج له الحسيني شيخه وحدث بها توفي بالقدس الشريف في سنة خمس وسبعين وسبعمائة ودفن بباب الرحمة الشيخ المحدث المتقن الضابط شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن المندس المدرس الحنبلي مولده في سنة اربع واربعين وسبعمائة رحل وكتب وسمع على الحافظ وروى عنه جماعة من الأعيان منهم قاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي توفي بالقدس الشريف في شهر رمضان سنة اربع وقيل ثلاث وثمانمائة ودفن بتربته بباب القطانين عن يمين الخارج من باب الخوخة ولم تبع تركته إلا في سنة تسع باعها وصيه شمس الدين بن حسان وكان في عصر الشيخ شهاب الدين بن المهندس جماعة من الحنابلة بالقدس الشريف وهم الشيخ عبد الرحمن شيخ الوجيهية وولده الشيخ اسماعيل والشيخ أبو عبد الله المرداوي والشيخ علي بن عبد الله بن أبي القاسم المرداوي وشمس الدين محمد البغدادي والشيخ خير الدين الراس عيني والشيخ علي الهيئتي والشيخ محمد بن المهندس ولم أطلع على ترجمة أحد منهم ولا تاريخ وفاته ولكن وقعت على ورقة ضبط اسماء الحنابلة بالقدس الشريف ذكر فيها الشيخ شهاب الدين وهؤلاء الجماعة وزين الدين عبد الرحمن بن الشيخ سراج الدين القياتي - الآتي ذكره - وان قاضي القضاة علاء الدين العسقلاني الحنبلي قاضي دمشق عين لهم معلوما يصرف لهم من وقف المرحوم شمس الدين محمد بن معمر رحمه الله تعالى بشرط ملازمة الاشتغال والاجتماع في الأيام المعتادة للدرس بالمسجد الأقصى الشريف عمره الله بذكره تاريخ الورقة المذكورة في العشر الأوسط من شهر رمضان المعظم قدره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة القاضي فخر الدين أبو عمرو عثمان بن الشيخ الامام العالم شهاب الدين أبي العباس أحمد بن الشيخ الامام الأوحد فخر الدين أبو عمرو عثمان الحنبلي باشر الحكم بالقدس الشريف في سنة تسع وثمانمائة والظاهر انه كان نائبا عن قاضي القضاة عز الدين البغدادي قاضي الأقاليم - الآتي ذكره - وبقي إلى بعد العشر والثمانمائة ولم أطلع على تاريخ وفاته الشيخ المسند المعمر زين الدين أبو زيد عبد الرحمن بن الشيخ سراج الدين عمر بن الشيخ نجم الدين عبد الرحمن بن حسين بن عبد المحسن القياتي ثم المقدسي الحنبلي ولد في ليلة يسفر صباحها عن ثالث عشري شعبان سنة تسع واربعين وسبعمائة وكان من الفقهاء المعتبرين روى عن خلق كثير من أئمة الحديث ورورى عنه خلق وخرج له الحافظ شيخ الاسلام قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر اسماء شيوخه واضاف إلى ذلك بيان مرويات الشيوخ الذين اجازوا للمسندة المعمرة الاصلية فاطمة بنت الشيخ صلاح الدين بن أبي الفتح وهي بنت أخي قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد الحنبلي لكونها شاركته في الكثير منهم في استدعاء مؤرخ بشهر ربيع الأول سنة اربع وخمسين وسبعمائة ولخص في ذلك مصنفا لطيفا سماه المشيخة السامية للقياتي وفاطمة وكان الشيخ زين الدين محدثا بالقدس وكان شيخ المدرسة الفارسية المجاورة للملكية شمالي المسجد الأقصى الشريف وقد أجاز لشيخ الاسلام كمال الدين ابن أبي شريف الشافعي متع الله بوجوده الأنام وتوفي الشيخ زين الدين في يوم الثلاثاء سابع ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف ودفن بباب الرحمة إلى جانب والده وعتيقه بلال كان روى الحديث وأخذ عنه جماعة توفي في يوم الاثنين تاسع جمادي الآخرة سنة سبع وستين وثمانمائة ودفن عنده سيده بباب الرحمة تحت العامود الخارج من سور المسجد الأقصى الملاصق للأروقة بسوق المعرفة قاضي القضاة العلامة عز الدين أبو البركات عبد العزيز بن الشيخ الامام العالم العلامة علاء الدين أبي الحسن علي بن العز عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي الأصل ثم المقدسي منشأ البكري الحنبلي الشيخ العالم المفسر قاضي الأقاليم مولده ببغداد في سنة سبعين وسبعمائة واشتغل بها ثم قدم إلى دمشق وأخذ الفقه عن الشيخ علاء الدين بن اللحام شيخ الحنابلة في وقته وعرض عليه الخرقى واعتنى بالوعظ وكان يستحضر كثيرا من تفسير البغوي واعتنى بعلم الحديث وله مشاركة في الفقه والأصول اشتغل ودرس وكتب على الفتاوى يسيرا وله مصنفات منها مختصر المغني وشرح الشاطبية وصنف في المعاني والبيان وجمع كتابا سماه القمر المنير في أحاديث البشير النذير ولي قضاء بيت المقدس بعد فتنة تيمورلنك سنة اربع وثمانمائة ولم يعلم ان حنبليا قبله ولي القدس وطالت مدته واستمر مدة تبلغ عشرين سنة ثم ولي قضاء دمشق في صفر سنة ثلاث وعشرين مدة يسيرة ثم صرف عنها فولي تدريس المؤيدية بالقاهرة ثم ولي قضاء الديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة محب الدين ابن نصر الله وكانت ولايته في ثالث عشر جمادي الآخرة سنة تسع وعشرين وثمانمائة ثم عزل بالقاضي محب الدين بن نصر الله في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة ثلاثين ثم ولي قضاء دمشق في دفعات يكون مجموعها ثماني وستين والسبب في تسميته بالقاضي انه ولي قضاء بغداد والعراق ثم ولي قضاء القدس ومصر والشام وكان فقيها دينا متقشفا عديم التكلف في ملبسه ومركبه وله معرفة تامة ولما ولي القضاء بالديار المصرية صار يمشي لحاجته في الاسواق ويردف عبده على بغلته وشيئا من هذا النسق وكانت جميع ولايته من غير سعي توفي في ليلة الأحد مستهل ذي القعدة سنة ست واربعين وثمانمائة بدمشق وصلي عليه من الغد بالجامع الأموي وحضر جنازته القضاة وبعض أركان الدولة ودفن عند قبر والده بمقابر باب كيسان إلى جانب الطريق الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمد بن الشحام الحنبلي المؤذن بالجامع الأموي بدمشق مولده في خامس عشري المحرم سنة احدى وثمانين وسبعمائة سمع من جماعة وروى عنه جماعة من الأعيان توفي بالقدس الشريف في نهار الثلاثاء تاسع جمادي الآخرة سنة اربع وستين وثمانمائة قاضي القضاة شمس الدين أبو عبيدالله محمد بن الشيخ زين الدين أبي هريرة عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمدالعمري العليمي الحنبلي الخطيب الفقيه المحدث ولد في سنة ست وثمانمائة بالرملة ونشأ بها ثم توجه إلى مدينة صفد فأقام بها وقرأ القرآن وحفظه برواية عاصم واتقنها وأجيز بها من مشايخ القراءة ثم عاد إلى الرملة واشتغل بالعلم في مذهب الامام أحمد رضي الله عنه وحفظ مختصر الخرقى وكل أسلافه شافعية لم يكن فيهم من هو على مذهب أحمد سواه ولأسلافه مآثر وصدقات وكان يحترف بالشهادة ثم باشر الحكم بالرملة على قاعدة مذهبه نيابة عن القضاة الشافعية ثم اجتهد في تحصيل العلم وسافر إلى الشام ومصر وبيت المقدس وأخذ عن علماء المذهب وأئمة الحديث وفضل في فنون من العلم وتفقه بالشيخ شهاب الدين بن يوسف المرداوي وبرع في المذهب وافتى وناظر وقرأ البخاري والشفاء مرارا وكتب بخطه الكثير من نسخ البخاري كتابة جيدة مضبوطة قائمة الأعراب وكان بارعا في العربية وكان خطيبا بليغا وصنف في الخطب ولي قضاء الرملة استقلالا في سنة ثمان وثمانمائة ولم يعلم ان حنبليا قبله وليها ثم ولي قضاء القدس الشريف في أواخر دولة الملك الأشرف برسباي في شهر رمضان سنة احدى واربعين وثمانمائة بعد شغوره تحو تسع عشرة سنة عن شيخه قاضي القضاة عز الدين البغدادي - المتقدم ذكره - فهو ثاني حنبلي حكم بالقدس ثم لما توفي الأشرف عزل عن قضاء القدس وولي قضاء الرملة ثم اعيد إلى قضاء القدس في دولة الملك الظاهر جقمق في أحد الجمادين سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة واقام به عشرين سنة متوالية وأضيف اليه قضاء الرملة ثم أضيف اليه قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وهو أول حنبلي ولي بلد الخليل عليه الصلاة والسلام وباشر الحكم نيابة بدمشق المحروسة وولي قضاء صفد مضافا إلى قضاء الرملة في دولة الملك الأشرف اينال وامتنع من مباشرتها واختار الاقامة ببيت المقدس وكان خيرا متواضعا حسن الشكل متبعا للسنة كثير التعظيم للأئمة الاربعة ليس عنده تعصب وكان سخيا مع قلة ماله مكرما لمن يرد عليه لا يحب الفخر ولا الخيلاء ويدخل إلى المسجد الأقصى الشريف في أوقات الصلاة بمفرده مع ما كان عليه من الهيبة والوقار وله معرفة تامة بالمصطلح في الاحكام وكتابة المستندات وباشر القضاء بالاعمال المذكورة وافتى نحو أربعين سنة وكانت احكامه مرضية وأموره مسددة ومات وهو باق على ابهته ووقاره لم يمتحن ولم يهن ومن أعظم محاسنه التي ذكرت له في الدنيا ويرجى له بها الخير في الآخرة أن بالقدس الشريف كنيسة النصارى مجاورة لكنيسة قمامة بلصق الصومعة من جهة القبلة وبناؤها محكم ولها قبة عالية البناء وكان النصارى يجتمعون فيها يقرؤن كتابهم ويرفعون اصواتهم حتى كان في بعض الأوقات يسمع ضجيجهم من قبة الصخرة الشريفة فينزعج المسملون من ذلك فقدر الله تعالى حصول زلزلة وقعت في يوم الأحد خامس المحرم سنة ثلاث وستين وثمانمائة فهدمت قبة الكنيسة المذكورة فتوجه النصارى لنائب السلطنة والقاضي الحنفي بالقدس الشريف ودفعوا لهما مالا فأذن لهم القاضي الحنفي في إعادتها بالبناء القديم فحصل للقاضي شمس الدين العليمي الحنبلي غاية الانزعاج واشتد غضبه لذلك حضر اليه النصارى واحضروا له مالا على أن لا يعارضهم فزجرهم زجرا بليغا ثم بارد بالكتابة للملك الاشرف اينال ورتب قصة أنهى فيها ما كان يقع من النصارى بالكنيسة المذكورة وأن الله تعالى قد غار لدينه وهدمها بالزلزلة وسأل في بروز مرسوم شريف بأن ينظر في ذلك على ما يقتضيه مذهب إمامه المبجل أحمد بن حنبل فبرزله الأمر بذلك فحضر قاصده إلى القدس الشريف وقد شرع النصارى في البناء حتى كادت العمارة تنتهي كما كانت عليه اولا فاجتمع الخاص والعام ونائب السلطنة والقاضي الحنفي - الآذن في البناء - وبقية القضاة وصدرت الدعوى من الشيخ تاج الدين أبي الوفا بن أبي الوفا - المتقدم ذكره - عند ذكر القاضي شمس الدين العليمي وسأله الحكم بما يقتضيه الشرع الشريف فحكم بعدم اعادة الكنيسة المذكورة وبهدم البناء الجديد فهدم في الحال البناء الجديد وبعض القديم ولم يزل العوام يهدمون حتى نهاهم القاضي واستمرت مهدومة إلى يومنا هذا وقد نقلت هذه الحادثة عن الشيخ أبي الوفا - المشار اليه - من لفظه ومنها انه كان النصارى ببيت لحم احدثوا بناء في الكنيسة وورد مرسوم شريف بالنظر في ذلك فتوجه نائب السلطنة وشيخ الصلاحية والقضاة والمشايخ والصوفية إلى بيت لحم وسئل الحاكم بما يقتضيه الشرع الشريف فحكم بهدم ما استجد من البناء ولم يخف في الله لومة لائم وكان ذلك في يوم الثلاثاء تاسع عشري صفر سنة ست وخمسين وثمانمائة ثم توجه جماعة من الفقراء والنائب وهدم البناء في يوم الأحد رابع ربيع الأول وكان يوما كثير المطر ثم في يوم الاثنين ثالث عشر جمادي الأولى توجه القاضي شمس الدين إلى كنيسة قمامة وهدم الدرابزين الخشب المستجد بها ونقل اخشابه إلى المسجد الأقصى الشريف بالتكبير والتهليل وكان يوما مشهودا ومنها ان نصرانيا من طائفة الحبش وقع في حق النبي صلى الله عليه وسلم فرفع اليه أمره واعترف عنده بما صدر منه فخوفه بعض الناس وقال له ان هذه الطائفة للدولة بها اعتناء ونخشى عاقبة هذا من جهة السلطان فلم يلتفت لذلك وحكم بسفك دمه وضرب عنقه ثم اخذه العوام واحرقوه في صحن كنيسة قمامة ومنها انه كان يبادر إلى اطفال من يموت من أهل الذمة ويحكم باسلامهم على قاعدة المذهب فعارضه قاض شافعي بالقدس وحكم لجماعة من أولاد الذمة ببقائهم على دينهم وتعارض الحكمان ورفع الأمر للملك الظاهر جقمق واجتمع بالمدرسة الصلاحية للنظر في ذلك واتفق علماء ذلك العصر على صحة الحكم بالاسلام وانه هو المعمول به وان ما حكم به الشافعي غير صحيح وطلب الحاكم الشافعي للديار المصرية ورتب عليه التعزير ومنع من الحكم بالقدس الشريف منعا مؤبدا وشرع أهل الذمة في الانتماء إلى من له شوكة من أركان الدولة لينقذهم من الحكم باسلام من مات من اولادهم فلم يلتفت إلى ذلك ولم يزل مصمما على الحكم بذلك كلما رفع اليه إلى ان لحق بالله تعالى واستمر بالقدس إلى ان عزل عن القضاء في شهر جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وورد عليه توقيع السلطان بقضاء الرملة فتوجه اليها في يوم الأحد خامس رمضان واقام بها تسعة وخمسين يوما وتوفي بالطاعون بعد أذان الظهر من يوم الثلاثاء رابع شهر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة بالدار الكائنة بداخل مسجد شيخه العلامة شهاب الدين بن أرسلان رضي الله عنه بحارة الباشقردي وصلي عليه من يومه بعد العصر بجامع السوق ودفن على باب الجامع الأبيض ظاهر مدينة الرملة من جهة الغرب إلى جانب الحوش الملاصق لحائط الجامع به قبور الجماعة من الصالحين ويقال ان الحوش قبر الامام الحافظ أحمد النسائي صاحب السنن في الحديث وكانت جنازته حافلة وصلي عليه بالمسجد الأقصى صلاة الغائب في يوم الجمعة سابع ذي القعدة وكثر التأسف عليه ومن عجيب الاتفاق ان القاضي شمس الدين العليمي الحنبلي والقاضي شمس الدين المغراوي المالكي - المتقدم ذكرهما - مولدهما في سنة واحدة وهي سنة سبع وثمانمائة وكانا قاضيين بمدينة الرملة ثم صارا قاضيين بالقدس الشريف وكل منهما ولي قضا صفد وتوفيا في سنة واحدة وهي سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ولما توفي المغراوي في نصف شعبان أخبر القاضي شمس الدين العليمي ان القاضي المالكي قد توفي وصلي عليه وحمل إلى ماملا فقال لا إله إلا الله الناس اليوم يقولون توفي القاضي المالكي وعن قريب يقولون توفي الحنبلي فما مضى على ذلك إلا دون عشرة ايام وورد عليه توقيع بقضاء الرملة فتوجه اليها في خامس رمضان وتوفي رابع ذي القعدة بعد المغراوي بنحو ثمانين يوما رحمه الله وعفا عنه وعوضه الجنة والعمري نسبة إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه والعليمي نسبة إلى سيدنا ولي الله تعالى علي بن عليل المشهور عند الناس بعلي بن عليم والصحيح انه عليل - باللام - كذا في نسبة الثابت ( سلسلة النسب العمري ) فلنذكر سلسلة النسب في هذه الترجمة تبركا بها فأقول هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عيسى بن تقي الدين عبد الواحد ابن عبد الرحيم بن محمد بن عبيد المجير بن الشيخ تقي الدين عبد السلام بن ابراهيم ابن أبي الفياض بن الشيخ الرباني القدوة العارف أبي الحسن علي المدفون بشاطيء البحر المالح بساحل أرسوف صاحب المناقب المشهورة والكرامات الظاهرة قدس الله روحه ونور ضريحه ابن الشيخ عليل بن محمد بن يوسف بن يعقوب بن عبد الرحمن ابن السيد الجليل الزاهد العابد الصوام القوام الصحابي عبد الله رضي الله عنه ابن مولانا وسيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب العدوي القرشي رضي الله عنه وعن سائر أصحاب رسول الله أجمعين وهذا النسب ثابت لهذا القاضي شمس الدين المشار اليه الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف محكوم به لدى قاضي القضاة شرف الدين قاضي الجبل ابن قدامة الحنبلي بالشام المحروس في شهور سنة سبعين وسبعمائة رحمة الله عليهم أجمعين الشيخ عمر بن اسماعيل الحنبلي مؤدب الأطفال كان رجلا صالحا يحفظ القرآن ويؤدب الاطفال بالمسجد الأقصى بالمكان المجاور لجامع المغاربة من جهة القبلة والناس سالمون من يده ولسانه توفي في شهر رجب سنة ثمانين وثمانمائة بالقدس قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدين أبي حاتم عبد القادر بن شيخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد الجعفري النابلسي الحنبلي ولد في سنة اثنتين وقيل احدى وتسعين وسبعمائة بنابلس ونشأ على طريقة حسنة وهو من بيت علم ورياسة سمع من جده وابن العلائي وجماعة واشتغل بالعلم ودأب وحصل وباشر القضاء بنابلس نيابة ثم وليها استقلالا بعد الأربعين والثمانمائة ثم اضيف اليه قضاء القدس الشريف بعد عزل القاضي شمس الدين العليمي قبل الخمسين والثمانمائة ثم عزل من القدس واستمر بنابلس ثم باشر قضاء القدس مرتين عوضا عن القاضي شمس الدين العليمي الاولى في شهور سنة اربع وستين والثانية في سنة ست وستين وثمانمائة وكل مرة يقيم مدة يسيرة ثم يعاد إلى قضاء نابلس وولي قضاء الرملة ونيابة الحكم بالديار المصرية وكان حسن السيرة عفيفا في مباشرة القضاء مهيبا عندالناس وكان حسن الشكل منور الشيبة عليه الابهة والوقار ونورانية العلم والتقوى وعمر ورزق الأولاد والحق الاحفاد بالاجداد ومتع بدنياه ثم عزل عن قضاء نابلس في أواخر عمره فلم يلتفت اليه بعد ذلك واستمر إلى أن توفي بنابلس في يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان سنة احدى وثمانين وثمانمائة وله نحو تسعين سنة وكان له عدة أولاد أمثلهم قاضي القضاة كمال الدين أبو الفضل محمد ولد سنة نيف وثلاثين وثمانمائة دأب وحصل وسافر إلى البلاد واشتغل بالعلم واخذ عن المشايخ وفضل وبرع في المذهب وأذن له الشيخ علاء الدين المرداوي عالم الحنابلة في وقته ومصحح مذهب الامام أحمد ومنقحه بالافتاء والتدريس في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ثم اذن له الشيخ تقي الدين بن قندس أيضا فتميز وصار من ايعان الحنابلة وافتى وناظر وكان عنده معرفة بطرق الأحكام وباشر القضاء نيابة عن والده بنابلس ثم باشر نيابة الحكم بالديار المصرية عن قاضي القضاة عز الدين الكناني ثم ولي قضا القدس والرملة في شهر جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة عوضا عن القاضي شمس الدين العليمي - المتقدم ذكره - ثم اضيف اليه بعد وفاته قضاء الرملة ثم قضاء نابلس وعزل عن القضاء في شهر شعبان سنة ثمان وسبعين واستمر سنة كاملة واعيد في سنة تسع وسبعين ثم عزل في جمادي الآخرة سنة اثنتين وثمانين وتوجه إلى دمشق فأقام بها نحو ثلاث سنين ثم توجه إلى ثغر دمياط وباشر به نيابة الحكم ثم سافر من دمياط وانقطع خبره ولم يعلم مقره ثم ورد إلى القاهرة خبر وفاته بمدينة الاسكندرية في شهرو سنة تسع وثمانين وثمانمائة ولم تعلم حقيقة الحال في وفاته ( ذكر ما تيسر من أسماء ومن ولي النظر والنيابة بالقدس الشريف ) ( وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة السلام ) ولم استوعب اسماءهم ولا تراجمهم فإن ذلك تطويل لا طائل تحته خصوصا حكام الشرطة من النواب ليس في الاعتناء بذكرهم كبير فائدة وإنما أذكر من النظار والنواب من اشتهر من أعيانهم ومن عرف له فعل بر أو معروف فأقول - والله الموفق - الشيخ القدوة موسى بن غانم الأنصاري قرره السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في مشيخة الحرم بالقدس الشريف والنظر عليه والتصرف في أوقافه ورأيت توقعيه بذلك وعليه علامة السلطان الحمد لله على نعمائه وقد قطع تاريخه ولم أطلع للشيخ موسى على ترجمة ولا تارخ وفاة الأمير حسام الدين ساروج التركي أحد أمراء الملك صلاح الدين كان دينا خيرا حسن السيرة ولي أمر بيت المقدس بعد الفتح واستمر على ولايته إلى حين وقوع الهدنة بين السلطان والافرنج في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة الأمير عز الدين جردبك أحد أمراء السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد كان أميرا معتبرا شجاعا واتصل بخدمة الملك الناصر صلاح الدين وكان من اعيان جماعته فلما حصل الصلح بين السلطان والافرنج بالهدنة فوض إلى الأمير جردبك ولاية القدس الشريف بعد الأمير حسام الدين المذكور قبله - في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وولي الأمير علم الدين قيصر أعمال الخليل وعسقلان وغزة والداروم وما رواءها وذلك في السنة المذكورة الأمير سنقر الكبير صاحب القدس كان متوليا عليه في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وتوفي في السنة المذكورة واستقر بعده في القدس الأمير صارم الدين قطلو مملوك عز الدين فرخشاه ابن شاهنشاه بن أيوب الأمير الاسفهلار عز الدين سعيد السعداء أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الله الزنجيلي كان متوليا على القدس الشريف وهو الذي عمر قبة المعراج بصحن الصخرة الشريفة في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وتقدم ذكر ذلك الأمير حسام الدين أبو سعيد عثمان بن عبد الله العظمي متولي القدس الشريف وهو الذي تولى عمارة قبة النحوية بصحن الصخرة الشريفة بأمر الملك المعظم عيسى في سنة أربع وستمائة الأمير رشيد الدين فرج بن عبد الله المعظمي متولي بلد الخليل عليه السلام في زمن الملك المعظم عيسى وهو الذي تولى عمارة المنارة بمقام السيد يونس عليه السلام بقرية جلجول في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة الأمير الكبير علاء الدين الأعمى هو أيدغدى بن عبد الله الصالحي النجمي كان من أكابر الأمراء فلما أضر أقام بالقدس الشريف وولي نظره فعمره وثمره وكان ناظر الحرمين في أيام الظاهر بيبرس إلى أيام المنصور قلاوون وكان مهيبا لا تخالف مراسيمه وهو الذي بنى المطهرة قريبا من المسجد الشريف النبوي فانتفع الناس بها في الوضوء وتيسيره أثابه الله تعالى وانشأ بالقدس الشريف رباطا بباب الناظر وآثارا حسنة وبلط صحن الصخرة الشريفة وعمر المغلق ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام على باب المسجد الشريف الذي بداخله الافران والطواحين وهو مكان من العجائب يغلق عليه باب واحد والحاصل الذي يوضع فيه القمح والشعير علوه وكان سماط الخليل عليه الصلاة والسلام في كل يوم خميس كيالج قمحا وكيلجة عدسا فما مات إلا والسماط في كل يوم غرارتان قمحا وهذا يعد من حسن سيرته وطيب أيامه وكان يباشر الأمور بنفسه وله حرمة وافرة توفي في شهر شوال سنة ثلاث وتسعين وستمائة ودفن برباطه بباب الناظر بالقدس الشريف وصلي عليه صلاة الغائب بدمشق والدعاء عند قبره مستجاب القاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي ناظر الحرمين الشريفين مكة والمدينة وحرمي القدس والخليل وقفت على توقيعه بذلك من الملك المنصور حسام الدين لاجين مؤرخا في الثالث والعشرين من جمادي الآخرة سنة سبع وتسعين وستمائة وهو الذي عمر منارة الغوانمة بالمسجد الأقصى وتقدم ذكر ذلك الملك الأوحد نجم الدين وسف بن الملك الناصر داود بن الملك المعظم عيسى ولي نظر القدس والخليل في رجب سنة اربع وتسعين وستمائة سمع من ابن السني وغيره وروى عنه الدمياطي في معجمه وسمع منه البرزالي والمقاتلي والذهبي وقاضي القدس تاج الدين أبو بكر بن الكمال - المذكور - صحيح البخاري بسماعه له على الملك الأوحد بسماعه على أبي السخاء بسنده توفي الملك الأوحد ليلة الثلاثاء الرابع من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وستمائة ودفن برباطه المعروف بالمدرسة الأوحيدية بباب حطة عن سبعين سنة وحضر جنازته خلق كثير وكان من خيار ابناء الملوك دينا وفضيلة وإحسانا إلى الفضلاء الأمير ركن الدين منكورس الجاشنكير نائب السلطنة بقلعة القدس الشريف توفي في شعبان سنة سبع عشرة وسبعمائة ودفن بماملا الأمير ناصر الدين مشد الأوقاف وطي نظر القدس والخليل في المحرم سنة تسع وعشرين وسبعمائة فعمر عمارات كثيرة وفتح في المسجد الأقصى الشباكين اللذين عن يمين المحراب وشماله وعمل الرخام بصدر الجامع الأقصى بمرسوم الأمير تنكس نائب الشام في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة الأمير الكبير علم الدين أبو سعيد سنجر بن عبد الله الجاولي الشافعي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بآمد ثم صار لأمير من الظاهرية يسمى الجاولي وانتقل بعد موته إلى بيت المنصور وتنقلت به الاحوال إلى ان صار مقدما بالشام وفي زمن المل الناصر محمد بن قلاوون ولي نظر الحرمين الشريفين والنيابة بالقدس الشريف وبلد الخليل عليه الصلاة والسلام وولي نيابة غزة وقبض عليه وامتحن ثم استقر أميرا مقدما بمصر ثم ولي نيابة حماه مدة يسيرة ثم أعيد إلى نيابة غزة ثم عاد إلى مصر وقد روى مسند الامام الشافعي عن قاضي الشوبك اينال بن متكلمي وحدث به غير مرة ورتب مسند الشافعي ترتيبا حسنا وشرحه في مجلدات بمعاونة غيره جمع بين شرحيه لابن الاثير والرافعي وزاد عليهما من شرح مسلم للنووي وبنى عند مسجد الخليل عليه الصلاة والسلام المسجد المعروف بالجاولية - وقد تقدم ذكره - وهو في غاية الحسن عمره من ماله حين كان ناظرا وعمر جامعا بغزة وخانقاه بظاهر القاهرة ومدرسة بالقدس الشريف وهي التي صارت في عصرنا مسكنا للنواب بالقدس الشريف ووقف اوقافا كثيرة بغزة والخليل والقدس وغيرها وكان له معرفة بمذهب الشافعي وكان رجلا فاضلا يستحضر كثيرا من نصوص الشافعي توفي في شهر رمضان سنة خمس واربعين وسبعمائة ودفن بالخانقاه التي أنشأها بالقاهرة وهي عند مكان يعرف بالكبش بالقرب من جامع ابن طولون الأمير أبو القاسم بن عثمان بن أبي القاسم بن محمد بن عثمان بن محمد التميمي البصروي الحنفي أحد أمراء الطبلخانة ولي نابلس ونظر القدس والخليل وتوفي في ذي الحجة سنة ستين وسبعمائة ودفن بماملا الأمير تمراز ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان متوليا في سنة سبع وسبعين وسبعمائة الأمير قطلوبغا ناظر الحرمين الشريفين كان متوليا في دولة الملك الأشرف شعبان بن خسين في سنة تسع وستين وسبعمائة وهو الذي عمر منارة باب الاسباط الأمير بدر الدين حسن بن عماد الدين العسكري ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام كان متوليا في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة الأمير ناصر الدين محمد بن بهارد الفخر بن الظاهر بن ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة في دولة الملك الظاهر برقوق كان متوليا في سنة تسع وثمانين وسبعمائة وفي هذه السنة عمر دكة المؤذنين بالصخرة الشريفة - كما تقدم - الأمير شرف الدين موسى بن بدر الدين حسن ناظر الحرمين ونائب السلطنة كان متوليا في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة الأمير بلوى الظاهري ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة وهو الذي عمر المحراب والمسطبة الكائنة تحت الشجرة الميس المحددة تجاه باب الناظر أحد ابواب المسجد الأقصى الشريف في شهر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وسبعمائة والسبب في عمل السلسلة الحديد عليها ! انها شجرة عظيمة وتفسخت اغاصنها في زمن الامير أركماس - الاتي ذكره - فجعل عليها السلسلة الحديد صيانة لها من التفسخ ثم في زمن الامير طوفان تفسخت فزاد عليها سلسلة ثانية فصارت تعرف بالميسة المحددة الأمير جانتمر الركني الظاهري ناظر الحرمين ونائب السلطنة كان متوليا في سنة ست وتسعين وسبعمائة الأمير شهاب الدين أحمد اليغموري ولي نظر الحرمين ونيابة السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في دولة الملك الظاهر برقوق في شهر رجب سنة ست وتسعين وسبعمائة وأبطل المكوس والمظالم والرسوم التي أحدثها النواب قبله وعمر الحرم الشريف الخليلي ومقام السيد يوسف الصديق وتقدم ذكر ذلك في ترجمة الملك الظاهر برقوق وفي ذكر المسجد الشريف الخليلي الأمير أصفهان بلاط ناظر الحرمين الشريفين كان متوليا في سنة اربع وثمانمائة الأمير زين الدين عمر بن علم الدين سليمان المشهور بابن العلم نسبة لوالده وكان والده يعرف بابن المهذب ولي النيابة والنظر بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وتوفي قتيلا في سنة ست وثمانمائة وممن ولي بعده الأمير علاء الدين الكركي ثم ولي شاهين المؤيدي وكان متوليا في سنة ست عشرة وثمانمائة الأمير علاء الدين علي بن نائب الصبيبية ناصر الدين محمد ولي قلعة الصبيبية بعد والده وولي الحجوبية بالشام غير مرة وولي نيابة القدس الشريف وعمر به مدرسة على المسجد بالصف الشمالي وهي مشهورة توفي بدمشق بخط القبيبات في المحرم سنة تسع وثمامائة ثم نقل إلى القدس بعد مدة ودفن بمدرسته المذكورة الأمير ناصر الدين محمد بن العطار ناظر الحرمين الشريفين توفي بالقدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشر شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ودفن بماملا الأمير شاهين المشهور بالذباح نائب السلطنة بالقدس الشريف كان اميرا معتبرا شجاعا وسبب تسميته بالذباح أنه أمسك جماعة من العرب وذبحهم عند باب دار النيابة بالقدس فجرى الدم إلى مسافة بعيدة لكثرة المذبوحين وكانت ولايته في دولة الملك الأشرف برسباي في حدود الثلاثين والثمانمائة وبعدها الأمير سودون المغربي ناظر الحرمين الشريفين كان متوليا في صفر سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة الأمير شاهين الشجاعي ناظر الحرمين الشريفين ولي بعد الأمير سودون المغربي - المذكور قبله - الأمير شرف الدين يحيى بن شلوه الغزي ناظر الحرمين الشريفين كان متوليا في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة الأمير اركماس الجلباني ولي نظر الحرمين الشريفين ونيابة السلطنة في دولة الملك الأشرف برسباي بعد شرف الدين بن شلوه - المذكور قبله - وكان حاكما معتبرا عمر الأوقاف ونماها وصرف المعاليم واشترى للوقف مما أرصده من المال جهات من القرى والمسقفات وورد مرسوم السلطان بصرف معاليم المستحقين منها وإرصاد ما بقي لمصالح الصخرة الشريفة ونقش ذلك برخامة والصقت بحائط الصخرة الشريفة تجاه قبة المعراج في سنة ست وثلاثين وثمانمائة ثم عزل وتوفي في ثالث جمادي الآخرة سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ودفن بماملا الأمير حسن فجا ناظر الحرم الشريف ونائب السلطنة ولي بعد الأمير أركماس وكان حاكما معتبرا وفي أيامه سرق مال الوقف الموضوع بصندوق الصخرة الشريفة واتهم به جماعة من الخدام فأخذهم الأمير حسن فجا إلى ديار دار النيابة وضرب بعضهم بالمقارع وحبس شيخ الحرم جمال الدين بن غانم وكانت فتنة فاحشة وكان متوليا في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة وبعدها الأمير حسام الدين أبو محمد الحسن بن ناصر الدين محمد بن جمال الدين عبد الله الشهير بالكشكلي الحنفي ناظر الحرمين ونائب السلطنة كان من الأمراء المعتبرين عمر المدرسة الحسنية المعروفة به بباب الناظر ووقف عليها اوقافا ورتب فيها وظائف من التصوف وغيره وكانت عمارتها في سنة سبع وثلاثين وتاريخ وقفها في الاول من شهر رجب سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة وتوفي بالقدس الشريف بعد انفصاله عن النيابة والنظر في خامس عشر ذي الحجة سنة اثنتين واربعين وثمانمائة ودفن بماملا عند الشيخ أبي عبد الله القرشي الأمير طوغان العثماني ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وكاشف الرملة ونابلس ومتولي الصلت وعجلون واستادار الاغوار وغير ذلك من التكلم على الجهات السلطانية جمع له بين هذه الوظائف في دولة الملك الأشرف برسباي في سنة اربعين وثمانمائة وبعدها في دولة الملك الظاهر جقمق وكان من الحكام المعتبرين له محاسن كثيرة ببيت المقدس من العمارة وإقامة الحرمة ولما توفيت زوجته الست زهرة جعل لها مصحفا شريفا يقرأ فيه بالصخرة الشريفة ودفنها على رأس جبل طور زينا في قبة عمرها لها بالقرب من خروبة العشرة وعزل في سنة بضع واربعين وثمانمائة وتوفي بغزة القاضي غرس الدين خليل بن أحمد بن محمد بن عبد الله السخاوي جليس الحضرة الشريفة الظاهرية ومشيرها مولده في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وكان صحب الملك الظاهر جقمق قبل السلطنة فلما تسلطن قدمه وولاه نظر الحرمين في أواخر سنة ثلاث واربعين وثمانمائة وأفردها عن نظر الأمير طوغان واستمر طوغان نائبا وقدم السخاوي القدس في مستهل ربيع الأول سنة اربع واربعين هو والقاضي علاء الدين بن السائح وقد ولي قضاء الشافعية وكان دخولهما في يوم واحد وكل منهما عليه خلعة السلطان بطرحه فعمر الاوقاف ورتب الوظائف وأقام نظام الحرمين وفعل فيهما من الخير ما لم يفعله غيره وتقدم ذكر ذلك في ترجمة الملك الظاهر جقمق ثم توجه إلى القاهرة فتوفي بها في إحدى الجمادين سنة سبع واربعين وثمانمائة الأمير خشقدم نائب السلطنة بالقدس الشريف ولي النيابة في دولة الملك الظاهر جقمق وباشر بشهامة فحصل منه عسف للرعية وجار عليهم فوثب أهل بيت المقدس عليه وشكوه للسلطان فعزله وطلب إلى القاهرة ثم بذل مالا وولي مرة ثانية وحضر من القاهرة وهو يهدد أهل بيت المقدس ويوعدهم بكل سوء فدخل في يوم الخميس إلى القدس وحصل له توعك عقب دخوله فمات في يوم الخميس الآتي ولم يمكنه الله من أحد من اهل بيت المقدس ودفن بباب الرحمة في سنة نيف وخمسين وثمانمائة وقد ولي نيابة القدس الشريف جماعة وبعضهم اضيف اليه النظر قبل الثمانمائة وبعدها إلى نحو الاربعين أو الخمسين والثمانمائة فمنهم أحمد الحمصي وأحمد الهيدباني وحسن بن باكيش وعلاء الدين يلبغا العلائي وأحمد حيدر ومحمد الشريف وأمير حاج بن مسندر وأمير علي بن الحاجب وجركس وكتبغاء الرماح وصدقة بن الطويل ومنكلي بغا ويونس الرماح وشعبان بن اليغموري في دولة الملك المؤيد شيخ وعمر بن الطعان من الملك المؤيد أيضا ويلبغا من الملك المؤيد وخالد من الملك المؤيد والياس ويلباي وأبو يزيد وقحقار ومغلباي وسودون الجاموس ويعقوب شاه وطيبغا وأحمد بن بكتمر ومحمد بن مقبل واينال الزحبي واقبغا الهندباني وخليل بن الحاجب وقرايغا وقوزي وبرسباي وعلي بن قرا ويشبك طاز وغيرهم وقدتقدم في اول الفصل أنني لم التزم استعيابهم ولا أذكر اخبارهم لعدم الفائدة في ذلك الأمير تمراز المصارع نائب السلطنة كان متوليا في زمن الملك الظاهر جقمق في عصر القاضي أمين الدين عبد الرحمن بن الديري ناظر الحرم الشريف ووقع بينهما فتنة اتصل أمرها بالسلطان وطلب النظر إلى القاهرة وكان ذلك بعد الخمسين والثمانمائة الأمير مبارك شاه نائب القدس الشريف كان متوليا في دولة الملك الظاهر جقمق في سنة نيف وخمسين وثمانمائة وكان حاكما معتبرا وتقدم ذكر ما وقع له مع القاضي شرف الدين عيسى المالكي في ترجمته وهو والد الأمير أحمد بن مبارك شاه الذي ولي النيابة فيما بعد كما سنذكره في ترجمة الملك الأشرف قايتباي إن شاء الله تعالى القاضي شمس الدين محمد بن الصلاح محمد الحموي الشافعي الاديب المنشي البليغ النحوي الناطم الناثر الفضال مولده في المحرم سنة ثمان وثمانمائة باشر التوقيع بديوان الانشاء بالديار المصرية ثم ولي في دولة الملك الظاهر جقمق نظر القدس والخليل في جمادي الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وقدم القدس فعمره وفي أيامه أنعم الملك الظاهر على جهة الوقف بمبلغ الفي دينار وخمسمائة دينار ومائة وعشرين قنطارا من الرصاص برسم العمارة وتوفي بالقدس الشريف في يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ودفن بالمدرسة المعظمية القاضي شهاب الدين أحمد بن محاسن النابلسي ولي النظر في دولة الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ولم تطل مدته وعزل بعد محن حصلت عليه ثم استوطن مكة دهرا طويلا إلى أن توفي بها بعد السبعين والثمانمائة الأمير فارس العثماني نائب السلطنة بالقدس الشريف كان متوليا في سنة ست وخمسين وثمانمائة الأمير اسنبغا الكلفكي ولي نظر الحرمين ونيابة السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في أواخر دولة الملك الظاهر جقمق ودخل متسلمة إلى القدس الشريف في نهار الخميس سلخ ذي الحجة سنة ست وخمسين وثمانمائة وفي يوم الاحد مستهل صفر سنة سبع وخمين دخل ولده ناصر الدين محمد إلى القدس بخلعة السلطان وقرئ مرسوم السلطان لوالده باستقراره في النيابة والنظر ومرسوم الملك المنصور عثمان بن الملك الظاهر جقمق بالاعلام بأن والده خلع نفسه من الملك وأنه استقر هو في الملك في يوم الخميس حادي عشري المحرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة ثم دخل الامير اسنبغا إلى القدس الشريف في يوم الاثنين مستهل ربيع الاول يخلعة السلطان بالنيابة والنظر وقرئ توقيعه بالمسجد الأقصى الشريف فلم تطل مدته وعزل بعد اربعين يوما في أول دولة الملك الأشرف اينال واستقر في النيابة الأمير حسن بن أيوب ودخل متسلمة بن أخيه عيسى بن ايوب إلى القدس الشريف في يوم الخميس عاشر ربيع الآخر واستقر الامير عز الدين عبد العزيز بن المعلاق العراقي في النظر ودخل ولده حسن متسلمه صحبة النائب الأمير حسن بن أيوب في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الآخر ثم دخل الناظر إلى القدس في يوم الخميس رابع عشري ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وثمانمائة وفي أيامه أنعم الملك الأشرف اينال على جهة الوقف بألف ومائتي اردب قمح القيمة عنها أربعة آلاف دينار وثمانية دنانير واستمر ناظرا إلى أن توفي الملك الأشرف إينال في سنة خمس وستين فإنه كان خصيصا به وله عنده وجاهة وقد عمر الاوقاف وصرف المعاليم كاملة وكانت مباشرته حسنه فلما توفي الاشرف اينال حصل له من الظاهر خشقدم محنة وصادره وعزله واستمر معزولا مقيما ببلد الرملة إلى أن توفي بها بعد السبعين والثمانمائة وأما الأمير حسن بن أيوب فإنه وقع له العزل وبالولاية من النيابة مرات إلى آخر دولة الظاهر خشقدم وأول ولاية الملك الأشرف قايتباي وولي الكرك وعزل منها وآخر أمره انه استمر معزولا بالقدس إلى أن توفي في يوم السبت عشري جمادي الآخرة سنة ثمانين وثمانمائة الأمير قانصوه ولي نيابة القدس عوضا عن الأمير حسن بن ايوب في دولة الملك الأشرف اينال ودخل إلى القدس الشريف في يوم الخميس عاشر ربيع الآخر سنة ستين وثمانمائة وقرئ توقيعه في يوم الجمعة ثاني يوم دخوله بالمسجد الأقصى وعزل بسرعة واعيد ابن ايوب ودخل إلى القدس الشريف في يوم السبت تاسع عشر جمادي الآخرة من السنة المذكورة الامير اياس البجاسي ولي نيابة القدس الشريف عوضا عن الأمير حسن ابن ايوب ودخل متسلمه إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشر صفر سنة ثلاث وستين وثمانمائة ثم في دولة الملك الأشرف اينال طلب الامير حسن إلى القاهرة وامتحن من السلطان بالضرب وعزل اياس بعدمدة يسيرة نحو الشهر وولي الامير شاه بكر منصور بن شهري ودخل متسلمة إلى القدس في يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول ودخل هو إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثامن ربيع الآخر وعزل في شهر رجب وولي الامير حسن بن أيوب الأمير أبو بكر امشهور بميزه اصله من بلادالمشرق يقال أنه من الرها ولي نيابة القدس الشريف في دولة الملك الظاهر خشقدم ودخل إلى القدس يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة سبع وستين وثمانمائة والسبب في تلقيبه بميزه أنه كان لما يحضر الخصم بين يديه من ارباب الجرائم وغيرهم يشير إلى اعوانه ويقول ميزه يريد بذلك ابراز الخصم من بين الناس ليتميز عن غيره وأقام مرة في النيابة نحو سنة وعزل وتنقلت به الاحوال بعد ذلك وصار تأجرا بسوق الرميلة بالقاهرة وبقي إلى بعد الثمانين والثمانمائة الأمير ثغرى بردى والي قطيا ولي النيابة بالقدس وكان يقال له أبو القرون وسبب ذلك أنه كان يلبس العمامة على طريقة أمراء مصر ولم يعهد لك قبله ببيت المقدس فظهر هذا اللقب عليه وكان يدق الكؤس في الطبلخانة في كل ليلة على عادة الامراء بمصر وغيرها ولم تجر بذلك عادة قبله بالقدس الشريف لم تطل مدته وعزل في سنة تسع وستين وثمانمائة وولي بعده الأمير حسن بن أيوب واستمر في النيابة إلى أول دولة الملك الاشرف قايتباي وسنذكر من ولي النيابة بعده إلى آخر وقت في ترجمة السلطان إن شاء الله تعالى الامير ناصر الدين محمد بن الهمام الشافعي كان من اعيان بيت المقدس استقر في نظر الحرمين بعد عزل الامير عبد العزيز بن المعلاق العراقي في شهر ذي الحجة سنة خمس وستين وثمامائة وفي أيامه انعم السلطان الملك الظاهر خشقدم في جهة الوقف بستين غرارة من القمح القيمة عنها ثمانمائة واربعون دينارا ثم طلب إلى القاهرة في يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول سنة تسع وستين عزل من النظر واستمر معزولا إلى أن توفي في المحرم سنة ست وسبعين وثمانمائة ودفن بالقلندرية بماملا وكان شكلا حسنا وعنده تواضع مع حشمة الزائدة الأمير حسن بن ططر الظاهري دويدار تمر نائب الشام ولي نظر الحرمين وعزل الأمير ناصر الدين بن الهمام ودخل إلى القدس الشريف في جمادي الآخرة سنة تسع وستين وثمانمائة واستمر في النظر إلى أول دولة الملك الأشرف قايتباي وعزل ولم يتول بعد ذلك إلى أن توفي قبل الثمانين والثمانمائة وسنذكر من ولي النظر بعده في ترجمة السلطان المشار اليه إن شاء الله تعالى وتقدم ذكر القاضي أمين الدين عبد الرحمن بن الديري الحنفي ناظر الحرمين عند ذكر فقهاء الحنفية لكونه من أهل العلم الشريف وتقدم ذكر الأمير ناصر الدين محمد بن خير بك ناظر الحرمين عند ذكر قبة القيمرية وتقدم عند ذكر القلعة ما كان لها من النظام في نيابتها وتلاشي احوالها في عصرنا وقد ذكرت واحدا من نوابها في هذا الفصل وممن ادركناه من نواب القلعة بدر الدين حسن بن حشيم المشهور بابن شمص وكان شيخا كبيرا قد أسن وله همة ومروءة زائدة ووفاته في سنة بضع وسبعين وثمانمائة وبوفاته اختل نظام القلعة وكان بالقدس الشريف - فيما تقدم - أمير حاجب على عادة غيره من البلاد وكان يحكم بين الناس ويرفع اليه الأمور المتعلقة بأرباب الجرائم وغيرها مما يرفع إلى حكام الشرطة وكان جملة من وليها الأمير شاهين الحاجب ثم ولي بعده جماعة منهم شهاب الدين أحمد بن شرف الدين موسى بن العلم وكان متوليا في سنة خمس وثمانمائة ثم ولي بعده ولده ناصر الدين محمد التركماني وتوفي في رجيب سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ثم ولي القاضي ناصر الدين صرر العلمي - المتقدم ذكره عند فقهاء الحنفية - وكان في سلطنة الملك الظاهر جقمق ثم لما ترك الامرة واشتغل بالعلم وصار من طائفة الفقهاء الحنفية وليها ولده عمر واقام نظامها مدة في سلطنة الأشرف اينال ثم بطل هذا الأمر واختص الحكم بنواب القدس من نحو الستين والثمانمائة وكان في الزمن السالف تولية النيابة والنظر من نواب الشام ولم يزل الأمر على ذلك إلى نحو الثمانمائة ثم عاد الأمر من السلطان بالديار المصرية وهو مستمر على ذلك إلى يومنا والله التوفيق ( ذكر ترجمة ملك العصر مولانا المقام الأشرف الامام الأعظم السلطان الملك الأشرف سلطان الاسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظاملين قاتل الكفرة والمشركين مبيد الطغاة والمارقين جامع كلمة الايمان قامع الظلم والعدوان ظل الله الوارف ورحمته السابغة للبادي والعاكف وناصر دينه الذي قطعت الآراء بتفضيله ولا مخالف ملك البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى ومسجد الخليل النيرين هو سيف الدين أبو النصر قايتباي ابن عبد الله الظاهري نسبة إلى الملك الظاهر جقمق رحمه الله ونصر الله مولانا السلطان - المشار اليه - نصرا عزيزا وفتح له فتحا مبينا ) مولده في سنة ست وعشرين وثمانمائة ودخل إلى الديار المصرية في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة في سلطنة الملك الأشرف برسباي وكان من مماليكه ثم انتقل إلى الملك الظاهر جقمق فأعتقه فنسب اليه ثم رفعه الله وساد على أقرانه إلى ان ملكه الله الأرض وبويع له بالسلطنة بحضرة أمير المؤمنين المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن محمد العباسي تغمده الله برحمته وقضاة القضاة ذوي المذاهب الأربعة بالديار المصرية وهم قاضي القضاة ولي الدين أبو الفضل أحمد الأسيوطي الشافعي وقاضي القضاة محب الدين أبو الفضل محمد بن الشحنة الحنفي وقاضي القضاة حسام الدين أبو عبد الله محمد الحسيني المالكي المشهور بابن حريز وقاضي القضاة عز الدين أبو البركات أحمد الكناني العسقلاني الحنبلي وأركان الدولة من الامراء والوزراء وأصحاب الحل والعقل فكان المتولي لاسترعاء البيعة له القاضي زين الدين أبو بكر بن مزهر الانصاري الشافعي صاحب ديوان الانشاء الشريف بعد خلع الملك الظاهر تمربغا والقبض عليه وجلس على سرير الملك الأشرف في بكرة يوم الاثنين سادس شهر رجب الفرد سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة فنشر العدل في الرعية واطمأن الناس بولايته وزين بيت المقدس ودقت به البشائرعند ورود الخبر بسلطنته وكان في ذلك التاريخ ناظر الحرمين بالقدس الشريف والخليل الأمير حسن بن ططر الظاهري ونائب السلطنة بهما الأمير حسن بن ايوب وشيخ الصلاحية وقاضي القضاة الشافعية شيخ الاسلام نجم الدين أبو البقاء محمد بن جماعة وقاضي القضاة الحنفية جمال الدين أبو العزم عبد الله بن الديري وقاضي القضاة المالكية شمس الدين أبو عبد الله محمد المعزاوي وقاضي القضاة الحنبلية شمس الدين أبو عبد الله محمد العليمي وتقدم ذكرهم في تراجمهم ففي السنة المذكورة وهي سنة اثنتين وسبعين عقب سلطنته برز مرس 3 وم شريف بالافراج عن الأمراء المقمين بالقدس الشريف من زمن الملك الظاهر خشقدم وهم بيبرس خال العزيز وبيبرس الطويل وجائي بك المشد وغيرهم وتوجههم إلى الديار المصرية فتوجهوا إلى أن وصلوا بالقرب من القاهرة فرسم بعودهم إلى القدس الشريف فعادوا على ما كانوا عليه وحضر أيضا إلى القدس الشريف جماعة من الامراء الذين أمر باخراجهم من القاهرة منهم الأمير يشبك الفقيه الدوادار الكبير وجائي بك كوهية الدوادار الثاني ومغلباي المحتسب وغيرهم فمنهم من أقام بالقدس إلى ان توفي ومنهم من أفرج عنه وتوجه بعد ذلك من القدس الشريف وفيها - أعني السنة المذكورة - استقر الأمير برد بك التاجي في وظيفة نظر الحرمين عوضا عن حسن الظاهري واستقر الأمير مرداش العثماني في نيابة السلطنة الشريفة عوضا عن الأمير حسن بن أيوب ودخل كل منهما إلى القدس واستقر قاضي القضاة غرس الدين أبو الصفا خليل بن عبد الله الكناني الشافعي أخو الشيخ أبي العباس الواعظ في مشيخة الصلاحية وقضاء الشافعية عوضا عن الشيخ نجم الدين بن جماعة ودخل إلى القدس في ذي القعدة ثم اضيف اليه قضاء بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام والرملة وكان الملك الظاهر خشقدم قد شرع في عمارة العين الواصلة من العروب إلى القدس الشريف ومات وهي محتاجة إلى إكمال العمارة فلما ولي بعده الملك الظاهر يلباي ثم الملك الظاهر تمر بغا رسم كل منهما بإكمال العمارة فلم تطل مدة واحد منهما فكتب اهل بيت المقدس من المشايخ والقضاة والاعيان استدعاء للسلطان الملك الأشرف يتضمن سؤال صدقاته في إكمال عمارته فبرز مرسومه الشريف بذلك فعمرت ووصل الماء إلى القدس وأعيد الجواب للسلطان بذلك وكان الأمير حسن الظاهري الناظر قد عمر مدرسة للملك الظاهر خشقدم على ظهر الرواق المجاور لمنارة باب السلسلة من جهة الشمال وكان المصرف من مال الأمير حسن فتوفي الظاهر خشقدم بعد إكمال عقودها وقبل انتهاء أمرها من القصارة وعمل الابواب الخشب فلما عزل الأمير حسن من النظر وتوجه إلى الديار المصرية انهى للسلطان انه عمر المدرسة من ماله وهي باقية على ملكه وسأل السلطان في قبولها وأن تكون منسوبة اليه فقبلها منه وكتب اسمه على بابها وكان بناؤها على حكم المدارس الموجودة بالمسجد ويتوصل اليها من الباب الذي يصعد منه إلى المنارة وكانت عمارتها على هيئة عمائر مدارس القدس ليس فيها كبير امر فإنها كانت تشتمل على مجمع وطارقة وخلوة للشيخ على ظهر رواق المسجد ويقابل ذلك من جهة الغرب ساحة على ظهر ايوان المدرسة البلدية وفيها بعض خلاوي وكان السلم المتوصل منه اليها وإلى المنارة ضيقا عسرا وكان الشيخ شهاب الدين العميري الشافعي قد تعين لمشيختها من زمن الملك الظاهر خشقدم فلما آل أمرها إلى مولانا السلطان الملك الأشرف استمر على ما هو عليه ثم كان من الأمر ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وفيها احتبس المطر ببيت المقدس حتى دخل أكثر الشتاء وحصل للناس شدة من قلة الماء ثم حصل الغلاء العظيم في جميع المملكة واشتد الأمر ببيت المقدس وقلت الأقوات منه ووصل سعر القمح كل مد بدينار والشعير كل مد بعشرين درهما ووقع الغلاء في كل الاصناف من الأرز والزيت والبصل وغير ذلك حتى في الخضروات وضج الناس إلى الله سبحانه وتعالى وفيها كثرت الفتن بين ناظر الحرمين بردبك التاجي ونائب السلطنة دمرداش العثماني ووقع الخلف بينهما وكثر القيل والقال وانتهى الحال إلى أن ناظر الحرمين كان يظاهر البلد عند بركة السلطان وكانت قتاة السبيل هناك محتاجة إلى عمارة وقد شرع الصناع في العمل فيها فخرج الناظر للاشراف عليهم وهو في جمع قليل من حاشيته فسلط النائب جماعة من أعوانه فخرجوا إلى الناظر على بغتة وضربوه ضربا مؤلما واغلظوا عليه وشتموه وأفحشوا له في القول فاقيمت النائرة لذلك ووصل المستنفرون إلى داخل المدينة فبادر قاضي القضاة الحنفي جمال الدين بن عبد الله الديري وركب معه جماعة إلى ظاهر البلد ودخل الناظر إلى المدينة على هيئة قبيحة مما حصل في حقه وعقد بالمسجد مجلسا فكتب ما وقع وجهز إلى السلطان فحضر من القاهرة خاصكي بالكشف على ذلك وبقي بعض أهل القدس في جهة الناظر وبعضهم في جهة النائب واشتد الأمر في وقوع الفتن والاختلاف بين الأكابر وحصل للقاضي الحنفي ضرر لكونه ركب إلى ظاهر البلد في يوم ضرب الناظر وغرم مالا بسبب ذلك ثم حصل الخلل في نظام الوقفين المبرورين بالقدس والخليل لسوء تدبير الناظر بردبك التاجي وعدم توفيقه وتلاشت الاحوال وفحشت وكثرت المناحس من السراق وقطاع الطريق وفيها استقر القاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي في قضاء الحنابلة بالقدس الشريف والرملة عوضا عن القاضي شمس الدين العليمي وتقدم ذكر ذلك وكتب توقيعه في ثاني جمادي الأولى ودخل إلى القدس في أواخر جمادي الآخرة وفيها اهتم الأمير بردبك التاجي ناظر الحرمين بإكمال عمارة المدرسة التي نسبت للسلطان - كما تقدم - وعمل لها الأبواب وفرشت بالبسط وجلس الشيخ شهاب الدين العميري فيها بعد صلاة الجمعة في شهر رجب وحضر معه القضاء والعلماء بالمجمع وعمل درسا تكلم فيه على قوله تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ثم عمل ناظر الحرمين سماطا من الحلوى السكب وأطعم الخاص والعام وكان يوما مشهودا وفيها توفي القاضي شمس الدين المغراوي المالكي قاضي القدس الشريف في نصف شهر شعبان وتقدم ذكر ذلك في ترجمه وفيها وقع الوباء بالطاعون في جميع المملكة ودخل إلى بيت المقدس في أوائل شهر ذي القعدة واشتد أمره وكثر من العشر الثالث من ذي القعدة إلى أواخر ذي الحجة وفي ليلة عيدالأضحى غسل الأموات في الليل وحملوا وقت القبح إلى صحن الصخرة الشريفة وصلي عليهم عقب صلاة الصبح وحملوا إلى التربة قبل صلاة العيد وكانت سنة شديدة لما حصل فيها من الحدب والغلا والوبا والفتن والخلف بين الحكام والاكابر وحصول المحن فسبحان من يتصرف في عباده بما يشاء وفيها توجه الأمير بردبك التاجي ناظر الحرمين الشريفين من القدس الشريف إلى الديار المصرية وهو مستمر على الأولاية واستناب عنه في النظر القاضي فخر الدين ابن نسيبة الخزرجي ولم يقدر له بعد ذلك الرجوع إلى القدس الشريف إلى أن انفصل من النظر ثم دخلت سنة اربع وسبعين وثمانمائة فيها سير السلطان الأمير ناصر الدين محمد النشاشيبي أحد الخزندارية بالخدم الشريفة لكشف أوقاف الحرمين الشريفين بالقدس والخليل وتحرير أمرهما واصلاح ما اختل من نظامهما في أيام الأمير بردبك التاجي فحضر إلى القدس ودخل بخلعة السلطان ونظر في مصالح الأوقاف وعمر المسجد الأقصى وصرف المعاليم وباشر تدبير الأمور حتى صلح منها ما فسد في زمن بردبك التاجي وتراجعت أحوال بيت المقدس إلى الخير وحصل الرخا وتباشر الناس بالفرج بعد الشدة وكانت العين الواصلة إلى القدس قد قطعت فدخلت إلى القدس في شهر جمادي الآخرة وتباشر الناس بذلك وعد ذلك من بركة الأمير ناصر الدين النشاشيبي ونقشت رخامة بذلك والصقت بالحائط الكائن عند درج العين بجوار التربة الجالقية وفيها استقر القاضي حميد الدين أبو حامد المالكي في قضاء المالكية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام ودخل إلى القدس في شهر رجب وتقدم ذكر ذلك في ترجمته وفيها استقر الأمير يوسف الجمالي المشهور بابن فطيس خازندارجا ثم نائب الشام في نيابة السلطنة بالقدس الشريف عوضا عن دمرداش العثماني ودخل اليه في شهر شوال في يوم خروج الحجاج وكان دخوله بعد الظهر وهو اليوم الذي توفي فيه الشيخ برهان الدين أبو الوفا ثم توجه الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي إلى الابواب الشريفة في أواخر السنة وفيها - في شهر رمضان - استقر القاضي برهان الدين إبراهيم بن القاضي شهاب الدين التميمي الشافعي في قضاء الشافعية بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام عوضا عن شيخ الصلاحية القاضي غرس الدين خليل الكناني ورسم بابطال ما كتب للقاضي أبو حامد المالكي من قضاة المالكية بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام ثم دخلت سنة خمس وسبعين وثمانمائة وفيها استقر الأمير ناصر الدين محمد ابن النشاشيبي في نظر الحرمين بالقدس والخليل استقلالا ودخل إلى القدس الشريف في يوم الجمعة ثامن عشري المحرم وكان يوما مشهودا وقرئ توقيعه بعد صلاة الجمعة وأوقد المسجد في تلك الليلة وشرع في عمارة الاوقاف وصلح حال سماط سيدنا الخليل عليه السلام وباشر بعفة وشهامة وحصل للأرض المقدسة الجمال بوجوده وكان يكثر من مجالسة العلماء والفقهاء ويحسن اليهم ويتلقاهم بالبشر والقبول فعطف الناس عليه وابتهجوا به وفيها - في شهر شعبان - ورد مرسوم شريف بعزل القاضي جمال الدين الديري - من قضاء الحنفية بالقدس الشريف - وتعين للولاية القاضي خير الدين ابن عمران ( واقعة أخي الشيخ أبي العباس ) وفيها - في يوم السبت عاشر شهر رمضان - دخل إلى القدس الشريف القاضي شرف الدين موسى الانصاري وكيل المقام الشريف ونزل بالمدرسة الجوهرية بخط باب الحديد فحضر عنده القاضي غرس الدين خليل الكناني أخو الشيخ أبي العباس الواعظ وهو شيخ الصلاحية وقاضي القضاة الشافعية للسلام عليه فصادف حضوره عنده حضور الشيخ شهاب الدين العميري الواعظ فقصد الشيخ شهاب الدين العميري الجلوس فوق القاضي وكان غلطا منه لأن القاضي كان شيخ الصلاحية والشيخ شهاب الدين من المعيدين عنده ورتبته لا تقتضي الجلوس فوقه فحصل بينهما تشاجر وفحش القول فكان من جملة كلام الشيخ شهاب الدين للقاضي اخرق عمامتك في رقبتك فقال له القاضي والله ما تعرف معنى العمامة ما هو ؟ ثم خرجا من المجلس وقد انتشر الكلام بينهما فبلغ ذلك شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف فانتصر للشيخ شهاب الدين العميري وانتهى الحال إلى ان اجتمع بمحراب الصخرة الشريفة جماعة مع الشيخ كمال الدين منهم الشيخ أبو الوفا والشيخ شهاب الدين بن عتبة الذي ولي قضاء الشافعية فيما بعد وجماعة من العلماء والفقراء والفقهاء واقيمت الغوغا على القاضي وانتهى الحال إلى أن العوام توجوا إلى المدرسة الصلاحية وهجموا على منزل القاضي وحريمه ونهبوا له بعض أمتعة من منزله واشتد الأمر وتفاحش وارتفعت الأصوات وكان يوما مشهودا كثير المطر وبقي الناس أحزابا وكانت فتنة فاحشة ثم أن الشيخ شهاب الدين العميري والشيخ شهاب الدين بن عتبة بادرا وختما صحيح البخاري قبل النصف من رمضان وشرع عشيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وهما في السفر إلى القاهرة فتوجهوا من القدس الشريف في سابع عشر رمضان وخرج الناس لوداعهم بالذكر والتهليل وكان يوما مشهودا وكان القاضي قد جهز ولده إبراهيم إلى القاهرة وسعى في طلب الجماعة إلى الابواب الشريفة فبرز الأمر بذلك فكان توجههم من القدس الشريف قبل وصول الطلب ووصلوا إلى القاهرة في أواخر شهر رمضان واجتمعوا بالسلطان وهو اول اجتماع شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف به فلما دخلوا عليه انتهر الشيخ شهاب الدين العميري وقال له اخربت القدس وجئت تخرب مصر فانزعج لذلك وقرأ الفاتحة وانصرف واستمر الشيخ كمال الدين جالسا ثم وجه خطابه للسلطان وقال يا مولانا السلطان تريد أن نتكلم بكلمات بين يديكم ولكن هيبة مولانا السلطان تمنعنا فان اذيتم تكلمنا فقال له تكلم فقال يا مولانا السلطان تثبت فحصل للسلطان سكون وزال ما كان عنده من الانزعاج وأذن له في الكلام فتكلم معه بكلام كان فيه الخير وعرفه حقيقة أمر القاضي وما هو عليه ثم انصرف ولما وصل إبراهيم ولد القاضي إلى القدس ووجد المشايخ قد سافروا قبل وصول الطلب خشي القاضي على نفسه من طلب يرد اليه فتوجه هو إلى القاهرة في شهر ذي القعدة وصحبته جماعة من العوام مطلوبون بسبب شكواه من جملتهم رجل اسمه عمر الزبال وآخر يدعى زريق يحمل الأموات وآخر يدعى كحيله يدق الطبل مع الحرافيش فلما وصلوا إلى القاهرة وقف القاضي لسلطان وأنهى ما وقع في حقه فقال له من هو غريمك ؟ فقال ما لي غريم فانتهره السلطن لذلك وقال له من هو غريمك ؟ وتكرر ذلك منه فقال غريمي عمر الزبال وهو رجل من أقل العوام يجمع الزبل للحمامات بالقدس فأمر السلطان بضرب عمر المذكور فضرب بالمقارع - وهو مظلوم في الواقع - وبقي أهل القدس يسخرون بالقاضي ويقولون غرماؤه عمر الزبال وزريق الحمال وكحيله الطبال ثم انتهى الحال إلى تلاشي احوال القاضي وانعكس أمره واختفى فتحقق السلطان باختفائه انه مبطل فصرح بعزله وخرجت سنة خمس وسبعين والأمر على ذلك والاخبار واردة إلى بيت المقدس على أنواع مختلفة واصحاب الاهواء كل منهم يتكلم بما يوافق هواه ثم دخلت سنة ست وسبعين وثمانمائة فيها دخل القاضي نور الدين البدرشي المالكي القدس الشريف متوليا قضاء المالكية عوضا عن القاضي حميدالدين أبي حامد بعد استقراره في الوظيفة من اواخر سنة خمس وسبعين وكان دخوله إلى القدس في أوائل المحرم فقمع المبتدعين ونصر الشريعة وفيها انعم السلطان على شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف باستقراره في مشيخة المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف من غير سعي منه ولا بدل بل عينه السلطان لذلك فتوقف في القبول ثم الزم فقبل وأنعم على القاضي شهاب الدين أبي - حاتم حامد بن عتبة الشافعي بقضاء الشافعية بالقدس الشريف وعلى القاضي خير الدين أبي الخير محمد بن عمران الحنفي بقضاء الحنفية وعلى الشيخ شهاب الدين العميري بمشيخة المدرسة القديمة التي كان بناها الناظر حسن - كما تقدم - وهي التي هدمت وبنى مكانها المدرسة الأشرفية الموجودة الآن بالمسجد الأقصى وكان ذلك في يوم السبت في شهر صفر والبس الثلاثة وهم شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف والقاضي الشافعي والقاضي الحنفي التشريف السلطاني على العادة وألبس الشيخ شهاب الدين العميري على العادة صوف اخضر على سنجاب وحصل لهم الجبر والاكرام فإنهم لما اقبلوا على السلطان من باب الحوش ووصلوا إلى قريب من سرير الملك نزل السلطان عن السرير فانتصب قائما وسلم عليهم ثم أمرهم القاضي زين الدين بن مزهر كانت بالسر بالخروج من الحلقة ولبسهم الخلع فالبسوا عن يمين السلطان تحت السحابة ثم عادوا إلى السلطان وهو واقف لم يجلس واسترعى القاضي زين الدين ابن مزهر لهم الولاية من السلطان في مشيخة الصلاحية وقضاء الشافعية وقضاء الحنفية فصرح بتوليتهم فعند ذلك قال الشيخ شهاب الدين العميري يا مولانا السلطان فوضم للملوك مشيخة مدرستكم الشريفة ؟ فقال نعم وكنت حاضرا ذلك المجلس وانصرفوا من حضرة السلطان إلى منازلهم بالجامع الأزهر وسافر شيخ الاسلام وصحبته القاضي الشافعي والحنفي من القاهرة في يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول ودخلوا إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشري الشهر المذكور وكان يوما مشهودا وقرئت التواقيع الشريفة بعد صلاة الجمعة سادس عشري شهر ربيع الأول وفيها في نهار الاثنين ثالث عشري شعبان دخل إلى القدس الشريف الأمير يوسف الجمالي التنائب عائدا من لتجريدة فإنه كان توجه إلى التجريدة المجهزة لقتال شهسوار صحبة الأمير يشبك الدوادار وأذن له في الانصارف إلى محل ولايته فحضر في التاريخ المذكور وفيها في شهر شعبان ايضا ظهر نجم في السماء له ذنب مستطيل واستمر يطلع مدة ليال وتطير الناس من ذلك وفيها في أواخر السنة حضر إلى القدس الشريف القاضي برهان الدين بن ثابت النابلسي وكيل السلطان وكان في ابتداء أمر وكالته توجه للسلام عليه قضاة بيت المقدس وأعيانه خشية سطوته وفيها في شهر ذي القعدة توفي الامام شهاب الدين أحمد بن حافظ إمام الصخرة الشريفة فقرر ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي في الامامة القاضي خير الدين بن عمران والشيخ شهاب الدين الشنتير فلم يتم ذلك وبرز مرسوم السلطان بعزلهما وان ييستمر شهاب الدين بن الشنتير يباشر على ان يرد على الناظر ما يعتمد عليه واشيع ان الوظيفة تعينت لامام السلطان الشيخ ناصر الدين الاخميمي الذي ولي قضاء الديار المصرية فيما بعد وكان غائبا بمكة فلما حضر إلى القاهرة امتنع من الحضور إلى القدس بمباشرة الامامة واستمر الشيخ شهاب الدين ابن الشنتير يباشر على صفة النائب لصاحب الوظيفة إلى اواخر السنة الآتية وهي سنة سبع وسبعين 877 ه ثم دخلت سنة سبع وسبعين وثمانمائة فيها في شهر المحرم ف شرع الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي في عمارة الدرجة المتوصل منها إلى صحن الصخرة الشريفة تجاه باب السلسلة المجاورة لقبة النحوية وكان قبلها درجة ضيقة عليها قبو معقود وكان يسمى زقاق البوس فسده وبنى فوقه الدرجة الموجودة الآن وعمل لها قناطر على عمد كبقية الدرج التي للصخرة وكان الفراغ من عمارتها في شهر جمادي الأولى وحصل بها الابتهاج لكونها تقابل باب السلسلة وهو عمدة أبواب المسجد وفيها في شهر المحرم حضر الشيخ شهاب الدين العميري من القاهرة ودخل إلى القدس الشريف وهو لابس التشريف السلطاني بمشيخة المدرسة التي هدمت فإنه لما توجه الشيخ كمال الدين بن أبي شريف ومن معه من القاهرة استمر هو مقيما إلى ان حضر في التاريخ المذكور وفيها في عاشر المحرم ورد الخبر بالقبض على شهسوار على يد الأمير يشبك الدوادار الكبير وكان قبضه في أواخر السنة الماضية وهي سنة ست وسبعين والذي تولى إمساكه ووضعه في الحديد ملك الامراء برقوق نائب الشام وفي مستهل شهر ربيع الأول توجه شيخ الاسلام كمال الدين بن أبي شريف شيخ المدرسة الصلاحية وصحبته القضاة الاربعة بالقدس الشريف وهم القاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي والقاضي خير الدين بن عمران الحنفي والقاضي نور الدين البدرشي المالكي والقاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي وجماعة من الفقهاء من القدس للرملة لملاقاة الأمير يشبك الدوادار الكبير عند قدومه من البلاد الشامية وصحبته شهسوار في الاعتقال وكان تقدمهم للملاقاة ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ونائب السلطنة يوسف الجمالي ودخل يشبك الدوادار ومعه شهسوار والعساكر السلطانية إلى مدينة الرملة في رابع شهر ربيع الأول وكان يوما مشهودا ونزل على قبة الجلوس واحتمع به شيخ الاسلام الكمالي والقضاة وناظر الحرمين وسلموا عليه وهو في مخيمه فتلقاهم بالاكرام وكان من خطاب شيخ الاسلام له المرجو من كرم الله تعالى كما جعلكم سببا لكشف هذه الغمة ان يلهمكم شكر هذه النعمة ثم سافر من ليلته إلى جهة غرة وتوجه شيخ الاسلام والقضاة إلى بيت المقدس وفيها استقر الأمير دقماق الاينالي في نيابة السلطنة بالقدس الشريف عوضا عن يوسف الجمالي ولاه الأمير يشبك الدوادار بمدينة غزة عقب سفرة من الرملة ودخل إلى القدس الشريف في حادي عشر ربيع الأول وحضر قراءة المولد الشريف في تلك الليلة وأوقد له المسجد على العادة وكانت ليلة مشهودة وباشر النيابة بحرمة زائدة وشهامة وقمع المناحيس لكنه كان عسوفا في احكامه ولم تطل مدته فأقام بالقدس مائة يوم واربعة أيام وتوفي في خامس عشري جمادي الآخرة ودفن بالزاوية القلندرية بتربة ماملا واستقر بعده في النيابة الأمير جقمق نائب دمياط الظالم الفاجر وكان - كما قال بعضهم - لا فارس الخيل ولا وجه العرب ودخل متسلمه إلى القدس في يوم الثلاثاء حادي عشري رجب ودخل جقمق في اوائل شهر رمضان وكان يوم دخوله المطر ولما ورد الخبر بتوليته وأنه من جملة من ترك الديار المصرية ظن الناس وشهامة فشرع العوام يقولون تولى جقمق من خالفه شنق فلما دخل في ذلك اليوم الكثير الأمطار تفاءل الناس ان لحيته باردة فكان وشرع يكثر المزاح ويتكلم بالكلام المهمل الموجب لضحك الناس عليه صدر منه ترهات وكلمات فشرية في المجالس والمحافل منها انه كان في عقد مجلس بالمسجد الأقصى بحضور ناظر الحرمين والقضاة وارتفع فشرع يتقلق من الجلوس ويقول انا إلى الآن ما افطرت وقد دخت من ثم أمر باحضار بقسماطة فأحضر له فشرع يأكل منه فقدر أن القيسماط كان يابسا فعسر عليه أكله وشرع يعالجه والناس ينظرون اليه وهو يقول إذا طلعت الشمس على البرج حط يدك في الخرج والناس يضحكون الخاص والعوام ثم نهض وتوجه إلى حال سبيله وتبعه اعوانه فقيل له ان المجلس فتنة والاكابر جلوس فلو جلست معهم فقال ما يحتاج انا حضوري لا فرض ولا سنة وكان يصدر منه أشياء من هذا النسق فكانت سببا لتلاشي أحوال البلاد وفساد النظام وكثرة السراق وقطاع الطرق وفيها وقع مطر كثير وبرد ببيت المقدس وهدم اماكن كثيرة بسبب ذلك قيل انها ثلثمائة وستون مكانا ومن جملتها زاوية سيدنا ولي الله الشيخ محمد رشي بخط مرزبان وكان هدم الزاوية في ليلة مستهل رمضان ولم يحصل أحد من الهدم ضرر سوى امرأة واحدة ماتت من بيت هدم عليها وفيها رتب السلطان لمدرسته بالقدس الشريف صوفية وفقهاء وعين لها أوقافا مدينة غزة وجعل عدة الصوفية ستين نفرا لكل نفر في كل شهر خمسة عشر درهما سامية وجعل للطلبة لكل نفر في كل شهر خمسة واربعين درهما وجعل لها أرباب لطائف من الفراش والبواب ونحو ذلك وجعل للشيخ في كل شهر خمسمائة درهم وحضر فيها شيخنا الشيخ شهاب الدين العميري وحضر معه الصوفية واشتغل الطلبة وكان ذلك في شهر جمادي الآخرة واستمر الأمر على ذلك مدة ثم قطع لما قصد السلطان هدمها كما سنذكره إن شاء الله تعالى وفيها ورد مرسوم شريف على يد ساع بطلب القاضي شهاب الدين بن عبية الشافعي إلى الابواب الشريفة فتوجه من القدس في يوم الاحد خامس ذي الحجة الحرام ولم يستخلف أحدا عنه في الحكم واستناب في النظر في الاوقاف القاضي الحنبلي كمال الدين النابلسي وفيها استقر الشيخ سعدالله الحنفي في إمامة الصخرة الشريفة بعد منع القاضي خير الدين بن عمران والشيخ شهاب الدين بن الشنتير ودخل إلى القدس في يوم الاحد سادس عشري ذي الحجة وهو لابس خلعة السلطان وهي تشريف وطرحة على العادة ودخل معه قاصدا ابن عثمان ملك الروم الوارد بالبشارة ان حسن بيك توجه إلى بلاده وعلى القاصد خلعة السلطان وتقدم ذكر ذلك ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وثمانمائة فيها في يوم الاحد سابع عشر المحرم توجه ناظر الحرمين الشريفين الامير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي إلى القاهرة وصحبته جماعة المباشرين بمرسوم شريف ورد بطلبهم وفيها في شهر المحرم ورد الخبر إلى القدس الشريف صحبة الحجاج بوفاة الخطيب برهان الدين إبراهيم بن علاء الدين علي القرقشندي أحد خطباء المسجد الأقصى الشريف وأنه توفي بعد فارغه من الحج وظهوره من مكة بمنزلة بطن مرو في خامس عشر ذي الحجة سنة سبع وسبعين وثمانمائة فتوجه ابن عمه الخطيب العلامة فتح الدين أبو الحرم محمد بن شيخنا العلامة شيخ الإسلام التقوي القرقشندي إلى القاهرة المحروسة للسعي فيما كان بيد ابن عمه الخطيب برهان الدين من نصف خطابة المسجد الأقصى الشريف وغير ذلك من الوظائف الدينية فوجد الشيخ شهاب الدين أبا العباس أحمد ابن المحوجب الدمشقي الشافعي أحد أصحاب المقر الزيني أبي بكر بن مزهر كاتب السر الشريف قد استقر في الوظائف المذكورة بمساعدة المقر المشار اليه وبرز له الأمر بذلك وكتب له توقيع شريف فلما وصل الخطيب فتح الدين القرقشندي إلى القاهرة وعلم به الشيخ شهاب الدين ابن المحوجب تنزه عن الوظائف وأسقط حقه منها وسأل في استقرار الخطيب فتح الدين أبي الحرم فيها فعرض الأمر على السلطان ورسم له باستقراره في ذلك وانتظم الحال على ذلك فعارض في ذلك القاضي برهان الدين بن ثابت وكيل السلطان وسعى في الوظائف المذكورة للخطيب محب الدين بن جماعة - المتقدم ذكره - وارسل اليه فتوجه من القدس إلى القاهرة وقوى أمره ببذل المال مع مساعدة وكيل السلطان فأخرجت الوظائف عن الخطيب أبي الحرم واستقر الخطيب محب الدين بن جماعة في نصف خطابة المسجد الاقصى وما معها من الوظائف الدينية عوضا عن الخطيب برهان الدين القرقشندي بحكم وفاته ورجوع شهاب الدين بن المحوجب وعزل الخطيب أبي الحرم واضيف اليه نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية مشاركا للشيخ أبي البركات بن غانم وكتب له بذلك توقيع شريف واستقر اخوه شيخ الاسلام نجم الدين بن جماعة في مشيخة الصلاحية عوضا عن شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شريف واستقر القاضي جمال الدين الديري في قضاء الحنفية بالقدس الشريف عوضا عن القاضي خير الدين بن عمران ورسم للقاضي شهاب الدين بن عبيه باستمراره في قضاء الشافعية وللأمير ناصر الدين بن النشاشيبي باستمراره في النظر على عادته كل ذلك في مدة متقاربة في أوائل سنة ثمان وسبعين وكان القاضي غرس الدين خليل الكناني الذي كان شيخ الصلاحية وقاضي القدس قد شكى القاضي شهاب الدين بن عبيه للسلطان بسبب ما وقع في حقه من النهب وما تقدم شرحه في سنة خمس وسبعين وزعم ان غريمه القاضي شهاب الدين ابن عبيه وانه هو الآمر بذلك وشهد له بذلك الشيخ جمال الدين بن غانم شيخ الحرم في حضرة السلطان في وجه القاضي شهب الدين بن عبيه فرسم له السلطان بألف دينار منها مائتا دينار على ناضر الحرمين الامير ناصر الدين بن النشاشيبي ومائتا دينار على شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شريف ومائتا دينار على القاضي شهاب الدين بن عبيه وعلى الخزائن الشريفة واربعمائة دينار فقبض ما رسم له به من القاضي شهاب الدين بن عبيه ولم يقبض من غيره شيئا ثم وقع بعد ذلك ما تقدم من استمرار القاضي الشافعي وناضر الحرمين وولاية شيخ الصلاحية وأخيه والقاضي الحنفي وأذن لهم في السفر فدخل إلى القدس الشريف ناظر الحرم الشريف الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي والقاضي شهاب الدين ابن عبيه وعلى كل منهما خلعة السلطان وكذلك الأمير جقمق نائب السطنة البس خلعة الاستمرار وردت عليه من القاهرة ودخل الثلاثة إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثامن عشري ربيع الاول وكان يوما حافلا ثم دخل القاضي جمال الدين الديري الحنفي إلى القدس الشريف في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر وهو لابس تشريف الولاية وهو ضعيف متوعك وكان حمل في محفة من الرملة إلى قصر ابن عمه الشيخ تاج الدين الديري عند خان الظاهر ثم البس الخلعة ودخل وهو في غاية الانزعاج فأقام اربعة عشر يوما وتوفي في يوم الاربعاء حادي عشر ربيع الآخر ولم يقدر انه حكم حكما ولا جلس للحكم بعد مال كبير بذله في الولاية وصلي عليه بالمسجد الأقصى ودفن بماملا إلى جانب والده من جهة القبلة وضبط موجوده وكان ممن حضره قاضي القضاة المالكي نور الدين البدرشي ثم توفي بعده بعشرة ايام في ليلة السبت ثاني جمادي الأولى ودفن بباب الرحمة وتقدم ذكر ذلك مفصلا عند ذكر التراجم وإنما ذكرت ذلك هنا لينتظم ذكر الحوادث الواقعة في زمن مولانا السلطان وفي يوم الاربعاء سادس جمادي الأولى توفي شمس الدين محمد بن قطيبا الانصاري المشهور بالعجمي أحد أعيان المباشرين بالقدس الشريف والخليل عليه السلام ودفن بماملا وفي يوم الخميس سابع جمادي الأولى وصل الخطيب محب الدين بن جماعة ودخل هو وأخوه شيخ الاسلام النجمي وعلى كل منهما خلعة السلطان بولاية ما تقدم ذكره من شيخة الصلاحية ونصف الخطابة وما معها ونصف مشيخة الخانقاه الصلاحية ودخلا إلى المسجد الأقصى الشريف والناس معهما وجلسا في المحراب وقرئ توقيع كل منهما وهما جالسان وكان القاري لهما شمس الدين بن عجور وهذا خلاف المصطلح المعروف فإن العادة جرت بتأخير قراءة التوقيع إلى بعد صلاة الجمعة واستقر القاضي خير الدين بن عمران في قضاء الحنفية بالقدس الشريف والرملة بحكم وفاة القاضي جمال الدين الديري وكتب توقيعه في خامس عشر جمادي الأولى وورد عليه التوقيع والتشريف فلبس من المسجد الأقصى الشريف في صبيحة يوم الاربعاء حادي عشر جمادي الآخرة ومشى الناس في خدمته إلى منزله بباب الحديد وقرئ توقيعه في يوم الجمعة ( واقعة بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ) وفيها وقعت فتنة بين طائفة الدارية وطائفة الاكراد فحصل بينهما تشاجر وانتشر الكلام بينهما فقتل من الفريقين ثمانية عشر نفرا واستنفر كل من الطائفتين من ينتصر لها من العشير فدخلوا إلى المدينة ونهبوا ما فيها عن آخره إلا القليل منها وخربت أماكن واجتمع أهل البلد من الاكراد ودخلوا بأولادهم ونسائهم إلى المسجد الشريف وأغلقوا الابواب ودخل جماعة الدارية إلى القلعة وتحصنوا بها وكانت حادثة فاحشة لم يسمع بمثلها في هذه الأزمنة ورفع الأمر للسلطان فسير الأمير علي باي الخاصكي للكشف عن ذلك وتحريره فحضر إلى القدس الشريف في يوم الثلاثاء من عشر جمادي الآخرة ونزل بدار طوغان برأس درجة المولة وكان ظالما عسوفا جبارا عنيدا ميالا يقرأ ولا يحسن الكلام بالعربي فوقع له انه صلى الصبح بقبة الصخرة في يوم كثير المطر فرأى الشيخ زين الدين عبد القادر بن قطلوشاه المقري يمشي على صحن الصخرة بالقبقاب فأخذه وتوجه به إلى منزله وضربه ضربا مبرحا ورسم عليه ولم يفلته إلا بمشقة بمساعدة ناظر الحرمين ابن النشاشيبي والقاضي شهاب الدين بن عبيه ثم توجه إلى بلد الخليل صحبة الناظر ونائب السلطنة الأمير جقمق والقاضي الشافعي شهاب الدين بن عبيه والقاضي الحنفي خير الدين بن عمران والقاضي الحنبلي كمال الدين النابلسي وكان القاضي نور الدين المدرس المالكي قد توفي إلى رحمة الله فتوجهوا إلى بلد سيدنا الخليل عليه السلام وجلسوا ومعهم أكابر بلد الخليل وكتبوا محاضر بما وقع من النهب والقتل والسبي في ذلك ثم قبض الخاصكي على أكابر بلد الخليل من القضاة والمشايخ وطلب منهم اثني عشر الف دينار وتوجه وهم معه معتقلا عليهم إلى أن وصل إلى مدينة غزة فقتله يشبك العلائي نائب غزة بمرسوم شريف ورد عليه من السلطان خفية وأشاع أنه دخل إلى الاصطبل ليأخذ فرسا طلبها من النائب فوقع عليه حائط فمات وكان موته في يوم الاربعاء حادي عشر رجب وثارت فتنة بسببه بالقاهرة من المماليك الجلبان واعتذر لهم السلطان وأنكر ان يكون أمر نائب غزة بقتله وحلف على ذلك ومما وقع انه لما ضرب الشيخ زين الدين عبد القادر بن قطلوشاه - كما تقدم - وكان من أهل القرآن وضرب بغير حق وكان يتضرع إلى الله ويدعو عليه فبينا هو ذات ليلة نائم في فراشه والى جانبه زوجته وهي ابنة عمه إذ سمعته وهو نائم يقول اللهم خلص حقي عاجلا فإني لا أصبر إلى الآخرة لا أصبر إلى الآخرة لا اصبر إلى الآخرة كررها ثلاثا ثم استيقظ من نومه فأخبرته زوجته بما سمعت منه فصدقها على أنه تكلم بذلك في رؤيا رآها ففي صبيحة تلك الليلة ورد الخبر إلى القدس بهلاكه بغزة فسبحان قاصم الجبابرة ثم توجه اهل الخليل إلى حضرة السلطان ولم يحصل لهم إلا الخير ببركة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وعادوا إلى أوطانهم وتراجع أمر مدينة الخليل إلى العمارة وصلح حالها ولله الحمد ( واقعة كنيسة اليهود ) وفيها وقعت حادثة بالقدس الشريف وهي ان بحارة اليهود مسجدا للمسلمين عليه منارة وهو بلصق كنيسة اليهود من جهة القبلة ويتوصل إلى المسجد من زقاق مستطيل من جهة القبلة وبجوار المسجد من جهة الغرب دار من جملة اوقاف اليهود فوقع المطر في زمن الشتاء ولعله في شهر جمادي الاخرة فهدمت الدار المذكورة فكشف باب المسجد من جهة الشارع المسلوك فقصد المسلمون الاستيلاء على الدار المنهدمة وأن يكون الاستطراق إلى المسجد منها لكونها على الشارع المسلوك فيكون أقرب للمصلين من الاستطراق من ذلك الزقاق القبلي لبعده بالنسبة إلى هذا المكان فامتنع اليهود من ذلك ورفعوا أمرهم للقضاة واظهروا من ايديهم المستند الشاهد لهم باستحقاقهم للدار المذكورة واتصل ثبوته بحكام الشريعة فنازعهم السملمون في ذلك وزعموا ان الدار المذكورة من حقوق المسجد وانتهى الحال إلى ان القضاة توجهوا بأنفسهم لكشف ذلك وتحريره فجلسوا بالمسجد المذكور وهم القاضي شهاب بن عبيه الشافعي والقاضي خير الدين بن عمران الحنفي والقاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي وكنت حاضرا ذلك المجلس فحرر أمر الدار المذكورة المهندسون وقرئ المكتوب المحضر من ايدي اليهود فتبين أن الدار من جملة أوقاف اليهود وأن الحق لهم فيها وانفصل المجلس على ذلك وكان ذلك في شهر رجب فلم يرض المسلمون بذلك وتعصب بعض العوام وتوجه إلى القاهرة ووقف للسلطان وأنهى أن الكنيسة التي لليهود بالقدس محدثة وأن الدار المذكورة من جملة حقوق المسجد وهي بايدي اليهود بغير حق فبرز مرسوم السلطان بالنظر في ذلك وتحريره وورد الأمر بذلك إلى القدس الشريف في شهر رمضان فعقد مجلس بالمدرسة التنكزية بمجلس ناظر الحرمين بن النشاشيبي بحضور القاضي الشافعي شهاب الدين بن عبيه والقاضي الحنفي خير الدين بن عمران وكان المالكي قدتوفي - كما تقدم - والحنبلي قد عزل من شهر شعبان ولزم بيته وحضر بالمجلس شيخ الاسلام نجم الدين بن جماعة شيخ الصلاحية والشيخ برهان الدين الانصاري والشيخ شهاب الدين العميري وجمع من الفقهاء وقرئ المرسوم الشريف ودار الكلام بين الحاضرين واقيمت بينه شهدت عند القاضي الشافعي ان كنيسة اليهود محدثة في دار الاسلام فاشهد عليه عند القاضي انه منع اليهود من اتخاذها كنيسة لما صح عنده من انها محدثة في دار الاسلام إذ لا دار لهم فتكلم كبير اليهود واسمه يعقوب بكلام يقتضى العند لما امر به القاضي فانتهره القاضي وقال له يا ملعون تنازع في الاحكام الشرعية والله أحضر لك الجلاد يضرب عنقك فهم المسلمون بالبطش باليهود فنهاهم القاضي عن ذلك وكان من لفظه يا أمة التوحيد لا يعارضهم أحد فإن هؤلاء ذمة الله وذمة رسوله وذمة أمير المؤمنين ثم كتب محضرا بما وقع وكتب فيه العلماء والمشايخ خطوطهم وكتب الموثق فيه ما صدر من القاضي الشافعي من منعهم وكتب أن القاضي الحنفي نفذ المنع فلما وقف القاضي الحنفي على المحضر انكر أن يكون نفذ ذلك ولم يضع خطه على المحضر وأغلقت الكنيسة ومنع اليهود من دخولها والتعبد فيها على عادتهم فرفع اليهود أمرهم للسلطان وأنهوا ما وقع لهم بالقدس ومنعهم من كنيستهم فرسم السلطان بعقد مجلس بالمدرسة الصالحية بخط بين القصرين والنظر في ذلك وتحريره فجلس قضاة القضاة بالديار المصرية وهم قاضي القضاة ولي الدين الاسيوطي الشافعي وقاضي القضاة شمس الدين الامشاطي الحنفي وقاضي القضاة برهان الدين اللقاني المالكي وقاضي القضاة بدر الدين السعدي الحنبلي ومن العلماء الشيخ سراج الدين العبادي والشيخ جلال الدين البكري والشيخ جلال الدين بن الامانة وجمع من النواب والفقهاء وقرئ المحضر المكتتب بالقدس الشريف ودار الكلام بينهم فيه وتأملوا ما صدر من القاضي الشافعي بالقدس من منع اليهود من اتخاذها كنيسة وتكلم العلماء في ذلك فافاد كل من قاضي القضاة الشافعي وقاضي القضاة الحنفي ان المنع المذكور ليس بكاف في رفع اليد ووافقهما على ذلك كل من العلماء الثلاثة - المشار اليهم - وأما المالكي والحنبلي فإنهما قالا هذا أمر يتعلق بالشافعية وليس لنا فيه تكلم وكتب على ظاهر المحضر المكتتب بالقدس صورة عقد المجلس بالصالحية وما وقع من قضاة مصر وعلمائها على هذه الصورة ثم برز مرسوم السلطان إلى ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس والقضاة بعقد مجلس بالقدس الشريف والعمل بما افاده قضاة مصر وعلماؤها وجهز المرسوم والمحضر على يد بشير الساعي وهو عبد اسود فحضر إلى القدس الشريف وعرض الأمر على الحكام فعقد مجلس بالمسجد الأقصى تجاه باب الناظر عند شجرة الميس التي عليها السلسلة الحديد وجلس ناظر الحرمين ناصر الدين بن النشاشيبي ونائب السلطنة الأمير جقمق والقاضي شهاب الدين بن عبيه الشافعي والقاضي خير الدين بن عمران الحنفي والشيخ برهان الدين الانصاري والشيخ أبو العزم بن الحلاوي وهو الذي كان قائما في هذه الحادثة وجمع من الفقهاء والاعيان والخاص والعام وكان يوما مشهودا فقرئ المرسوم الشريف ثم فتح المحضر وقرئ ما كتب على ظاهره بالديار المصرية وقول العلماء بها أن المنع الصادر من الحاكم الشافعي بالقدس الشريف ليس بكاف في رفع اليد فلما سمع القاضي شهاب الدين بن عبيه هذا اللفظ انتهر اليهود وكانوا قد دخلوا إلى المسجد باذن لهم في ذلك ووقفوا في الحلقة بين المسلمين وقال القاضي اما قول علماء مصر ان هذا المنع ليس بكاف في رفع اليد فأنا موافق على ذلك أنا ما رفعت ايديهم عنها وإنما منعتهم من اتخاذها كنيسة وهي مستمرة في أيديهم وأذنت لهم ان يتصرفوا فيها حانوتا وصمم على ذلك ومن جملة لفظه أنا منعتهم من اتخاذها كنيسة وأنا باق على هذا المنع إلى ان القى الله وأحضر الشهود بالمجلس وهم الشيخ أبو العزم بن الحلاوي وشمس الدين محمد بن ناصر الصبان وناصر الدين محمد بن الدمشقي وعلي بن نصير البنا وخليل بن عليان وغيرهم وشهدوا عند القاضي الشافعي ان الكنيسة محدثة في دار الاسلام وأشهد عليه القاضي مرة ثانية أنه منع اليهود من اتخاذها كنيسة وكتب الجواب للسلطان بذلك وتوجه القاصد من القدس الشريف بالجواب وكان ذلك في شهر ذي القعدة الحرام وتأتي تتمة هذه الحادثة في السنة الآتية إن شاء الله تعالى وفيها في الشهر المذكور وهو شهر ذي القعدة الحرام توفي الشيخ زين الدين أبو البركات بن غانم شيخ الخانقاه الصلاحية واستقر بعده في نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية القاضي برهان الدين بن ثابت وكيل المقام الشريف وورد إلى القدس الشريف مرسوم السلطان فحضر بالخانقاه الصلاحية ناظر الحرمين ونائب السلطنة والقاضي الشافعي والحنفي وقرئ المرسوم الشريف بعد فراغ المحضر مضمونة ان الصدقات الشريفة شملت القاضي برهان الدين بن ثابت باستقراره في نصف مشيخة الخانقاه ونظرها عوضا عن أبي البركات بن غانم وانه استناب عنه في المباشرة شريكه الخطيب محب الدين بن جماعة فتمكن من المباشرة مع مساعدته وشد عضده وكان المتولي لقراءة المرسوم العدل شمس الدين محمد ابن عجور وفيها عمر سوق الطباخين بالقدس الشريف ببناء القناطر المعقودة على الحوانيت وكانت ابتداء العمارة من شهر رجب سنة ثمان وسبعين وكان قبل ذلك يسقف على الحوانيت بالقواصر ويحصل من ذلك مشقة في الشتاء من الوحل وسقوط الماء من ظهر السقف فعملت القنطرة وابتداؤها من درج الحرافيش إلى قنطرة خان الجبيلي فحصل الرفق للناس بذلك في زمن الشتاء ثم دخلت سنة تسع وسبعين وثمانمائة وفيها ورد مرسوم السلطان على الامير ناصر الدين بن النشاشيبي ناظر الحرمين بتمكين اليهود من كنستهم وعدم معارضتهم على عادتهم فمكنوا منها ودخلوا اليه العنة الله عليهم وحصل للمسلمين بذلك نكاية فإن اليهود أظهروا السرور بذلك وعلقوا بها الستور وأوقدوا القناديل ومضى الأمر على ذلك وفيها في يوم السبت سابع عشر صفر ورد مرسوم السلطان بالترسيم على القاضي فخر الدين بن نسيبة فأخذه نائب السلطنة الأمير جقمق عنده بمنزلة وأقام مدة ثم ورد الأمر الشريف بالافراج عنه وفيها في عشية يوم الاربعاء تاسع عشري صفر ورد مرسوم شريف بولاية قاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن شيخ الاسلام شمس الدين محمد الديري الحنفي وهو أخو القاضي جمال الدين الديري - المتقدم ذكره - وظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام والرملة وعزل القاضي خير الدين بن عمران واصبح القاضي شمس الدين الديري في يوم الخميس سلخ صفر جلس باصطبل أخيه الكائن برأس عقبة الست عند سوق الزيت وسلم الناس عليه ثم في نهار الاثنين اربع ربيع الأول البس التشريف من ظاهر البلد وقرئ توقيعه في يوم الجمعة ثامن ربيع الأول بالمسجد الأقصى وفي نهار الاثنين ثامن عشر ربيع الاول توجه القاضي فخر الدين بن نسيبة إلى القاهرة مطلوبا وفيها في أحد الربعين توفي الأمير خير بك الظاهري الخشقدمي الذي تسلطن ليلة واحدة من غير عهد ولا مبايعة وكان قدومه من مكة في أول سنة ثمان وسبعين واستمر إلى ان توفي في التاريخ المذكور بالمدرسة الخاتونية ودفن بالقلندرية بماملا وفيها في شهر ربيع الآخر ورد مرسوم السلطان إلى ناظر الحرمين ناصر الدين ابن النشاشيبي ونظيره للأمير جقمق نائب السلطنة مضمون كل منهما انه اتصل بمسامعنا الشريفة ان بعض الفقراء بالقدس الشريف كتب كتابا إلى القاهرة يذكر فيه أن كنيسة اليهود بالقدس الشريف محدثة وان علماء الاسلام افتوا بعدم ابقائها وان اليهود قاموا بمبلغ له صورة للخزائن الشريفه حتى مكنوا من كنيستهم والدخول اليها بسبب ما بذلوه من المال للخزائن الشريفة فعز ذلك على خواطرنا الشريفة ومرسومنا ان يتقدم المجلس بتحرير هذا الأمر ومن تكلم به وتجهيز القاضي الشافعي والشهود الذين شهدوا فيها إلى الابواب الشريفة لننظر في ذلك وأحضر كل من المرسومين على يد بشير الساعي فعقد مجلس بالمسجد الأقصى على المسطبة الكائنة عند باب جامع المغاربة وكان إذ ذاك عليها شجرة ميس فقلعت ونبت مكانها الآن شجرتين وحضر بالمجلس ناظر الحرمين ونائب السلطنة وشيخ الصلاحية نجم الدين بن جماعة والشيخ برهان الدين الانصاري والقاضي الشافعي شهاب الدين بن عبيه والقاضي الحنفي شمس الدين الديري وجمع من الفقهاء وكنت حاضرا ذلك المجلس وطلب جماعة من مشايخ الصوفية منهم الشيخ موسى بن الصامت وغيره وسئلوا عن هذا الكتاب المحكي لفظه في مرسوم السلطان فأنكر كل منهم أنه كتب هذا الكتاب وحلف بالله العظيم أنه لم يكن سمعه إلا من لفظ المرسوم الشريف وكتب محضر باعادة الجواب على السلطان وكان المسطر له القاضي كمال الدين أبو البركات محمد بن الشيخ خليفة المالكي الذي ولي قضاء المالكية فيما بعد وكتب فيه ان العلماء والفقراء حلفوا بالله العظيم انهم لم يكونوا كتبوا ذلك ولا علموا به وكتب العلماء والقضاة خطوطهم على المحضر وكل منهم يحلف بالله على ذلك ومن جملة لفظ شيخ الصلاحية فيما كتبه انه يقسم بالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما كتبت ذلك ولا علمت من كتبه ومن جملة ما كتبه القاضي الشافعي ولو علمت بهذا القائل لعزرته تعزيرا ولأقعدت به من الدجالين خلقا كثيرا وجهز هذا المحضر إلى السلطان على يد قاصده بشير الساعي فلم يرض السلطان بذلك ورسم بطلب القاضي الشافعي إلى القاهرة فحضر هجان بطلبه بسبب ذلك وبطلب ناظر الحرمين أيضا فتوجها من القدس الشريفه في نهار الاثنين ثاني عشر جمادي الآخرة وكان الشيخ أبو العزم بن الحلاوي خال القاضي الشافعي بالقاهرة يتكلم في أمر الكنيسة فإنه هو الذي أثار هذه الفتنة من أولها فلما وصل ناظر الحرمين والقاضي الشافعي إلى منزلة بئر العبد قبل وصولهما إلى قطية لقيهما الشيخ أبو العزم والسيد الشريف محمد بن عفيف الدين الايجي الحسيني وهما متوجهان إلى القدس الشريف فتكلما مع القاضي الشافعي وقالا له ان السلطان لم يطلبك وقد فوض النظر في أمر الكنيسة للسيد الشريف - المشار اليه - وهو متوجه إلى القدس لتحرير أمرها فرجع القاضي صحبتهما من بئر العبد ودخلوا إلى القدس في يوم السبت ثاني شهر رجب ( ذكر هدم الكنيسة ) ثم في يوم الاثنين رابع شهر رجب عقدمجلس بالمدرسة التنكزية حضره شيخ الاسلام كمال الدين بن أبي شريف والشيخ برهان الدين الانصاري والأمير جقمق نائب السلطنة والقاضي الشافعي شهاب الدين بن عبيه والقاضي الحنفي شمس الدين الديري والسيد الشرف محمد بن عفيف الدين ودار الكلام بينهم وحصل البحث بين الشيخ كمال الدين بن أبي شريف والشيخ برهان الدين الانصاري الخليلي وانتشر الكلام بينهما فإن شيخ الاسلام يقول لا وجه لمنع اليهود من كنيستهم بغير مسوغ شرعي ويرى ان شهادة من شهد بحدوثها بغير مستند شرعي يستند اليه في شهادته لا تقبل والشيخ برهان الدين الانصاري كان من جملة القائمين في منع اليهود بترجيح شهادة من شهد بحدوثها فلما حصل البحث بينهما قصد الشيخ برهان الدين الانصاري نصرة قوله فكان من جملة لفظ شيخ الاسلام له لا تبحث معي بحث خليلي وكان مجلسا حافلا آخره ان القاضي الشافعي اشهد عليه بمنع اليهود من اتخاذها كنيسة كما تقدم أولا وثانيا واتصل إشهاده بذلك بالقاضي الحنفي وكتب محضر بذلك ثم في آخر ذلك اليوم بعد الصعد توجه الشيخ محمد بن عفيف الدين ومن معه إلى الكنيسة وأمر بهدمها فشرع المسلمون في هدمها فهدم غالبها ثم في ثاني ذلك اليوم هدم باقيها وكان يوما مشهودا وشرع الشيخ أبو العز يحرض الناس على الهدم ويقوي عزمهم وكلما ثار الغبار من التراب على رؤس الناس واثوابهم ينفضه عنهم بمنديل في يده ويقول هذا غبار الجنة تثابون على هذا الفعل في الجنة ثم توجه الشيخ أبو العزم بالمحضر إلى القاهرة وتوجه اليهود للشكوى للسلطان فلما علم السلطان بذلك وانهم افتاتوا عليه وهدموا الكنيسة بغير مرسومه غضب غضبا شديدا وأمر بالقبض على الشيخ أبي العزم وكان يوم وصوله للقاهرة فبلغه الخبر فاختفى من حينه واستمر مختفيا إلى أن توجه إلى مكة المشرفة واقام بها بقية عمره إلى ان توفي بها في شهور سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة ثم رسم السلطان بطلب القاضي شهاب الدين بن عبيه الشافعي والشيخ برهان الدين الانصاري والشهود إلى القاهرة فبادر القاضي الشافعي وسافر من القدس قبل وصول المرسوم فلما وصل إلى مدينة غزة صادف وصول المرسوم لنائب غزة الأمير يشبك العلائي وعلم ان القاضي الشافعي وصل إلى غزة فقبض عليه وتركه في الترسيم بغزة ثم ركب وحضر إلى القدس في يوم الاحد تاسع شعبان وجلس بالرواق العلوي الذي عند دار النيابة بجوار منارة الغوانمة وارز من يده المرسوم الشريف يتضمن اعلامه انه اتصل بالمسامع الشريفة ما وقع من هدم كنيسة اليهود بالقدس الشريف فالجناب العالي يتقدم من فوره قبل وضع هذا المثال الشريف من يده ويتوجه بنفسه إلى القدس الشريف ويقبض على القاضي الشافعي والشيخ برهان الدين الانصاري وولديه وأبي العزم وشمس الدين بن ناصر وناصر الدين الدمشقي الحوراني ويجهزهم إلى الابواب الشريفة محتفظا بهم فطلب الجماعة فهرب ابن أبي العزم وهو المكنى بأبي اليمن وقبض على بقية الجماعة وهم الشيخ برهان الدين الانصاري ومن ذكر في المرسوم ووضعوا في الحديد ما عدا الشيخ برهان الدين وتوجه بهم من القدس الشريف إلى غزة ثم جهزهم وصحبهم القاضي الشافعي إلى القاهرة صحبة قاصد وهو رجل من اعوان الظلمة اسمه اسماعيل الكافري فوصلوا إلى القاهرة في أواخر شعبان ووقفوا للسلطان وهو جالس بالحوش في محل خلوة فأمر بضربهم فضرب القاضي اولا ثم الشيخ برهان الدين الانصاري ومن معهما ضربا مؤلما ما عدا ابن الدمقشي وابن عليان وابن نصير فإن السلطان رآهم من الشيوخ الهرمين فعفا عنهم ولما ضرب الشيخ برهان الدين الانصاري شرع يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر لا يزيد على ذلك فألح عليه السلطان بقوله قل لي الحق فقال له الحق ما أقول وشرع في التسبيح والتهليل على ما هو فيه إلى ان فرغ من ضربه ونهض وهو يذكر الله ثم سلمهم للوالي الأمير يشبك بن حيدر وتركهم عنده في الترسيم ثم في اوائل شهر رمضان عقد مجلس بمجلس الأمير يشبك بن مهدي الدوادار الكبير وحضره قضاة القضاة الاربعة بالديار المصرية - المتقدم ذكرهم - وحضر من العلماء الشيخ أمين الدين الاقصراني الحنفي وهو من المساعدين للمسلمين وحضر جماعة من العلماء ممن افتى بعدم جواز هدم الكنيسة وتعزير من افتات على الامام بالهدم بغير اذن شريف منهم سراج الدين العبادي الشافعي والشيخ جلال الدين البكري الشافعي والقاضي شهاب الدين المغربي المالكي قاضي الجماعة بالمغرب وهو الذي تولى كبرها وأظهر التعصب لليهود وافحش وحضر خلق من الفقهاء وغيرهم وكان يوما مهولا بنصرة اليهود على المسلمين ودار الكلام بين العلماء وحصل البحث بينهم وبقي الفقهاء احزابا منهم من ينتصر للمسلمين ومنهم من يساعداليهود واصحاب الاهواء كل يتكلم بما يوافق هواه وكان الأمر بالقدس الشريف كذلك وخرج الشيخ أمين الدين الاقصراني من المجلس وهو مغضب فلم يلتفت اليه وتكلم رجلان من طلبة العلم بما فيه اعانة للمسلمين فأشهرهما الدوادار الكبير ووضعهما في زنجير ثم سئل القاضي شهاب الدين بن عبيه عن المنع الصادر منه ما وجهه وما مستنده فيه ؟ فقال ما أدري ما اقول فقال له القاضي زين الدين ابن مزهر كاتب السر الشريف قطع الله يدك ورجلك وأغلظ عليه في القول وشرع الأمير يشبك الدوادار الكبير يهدده وطال الكلام والنزاع بين الفقهاء وآخر الامر ان قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية ولي الدين الاسيوطي استخلف القاضي شهاب الدين بن عبيه في الحكم ورجع عن المنع الصادر منه بالقدس الشريف لماتبين له من فساده وحكم بصحة الرجوع الصادر من نفسه ونفذ على خلفاء الحكم العزيز بالديار المصرية من المذاهب الأربعة وأفتى جماعة من علماء الشافعية والحنفية بمصر بجواز إعادة الكنيسة ومن جملة من أفتى قاضي الجماعة المغربي فأنشد فيه بعضهم تفتي بعود كنيس وكان ذلك جهلا وتدعي فرط علم والله ما أنت إلا وأنشد الناس أبياتا كثيرة في معنى ذلك ووقع القدح في حق الشيخ سراج الدين العبادي وأنشدوا فيه ابياتا وأخبرت أن بعضهم كتب على باب منزله ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) وكانت فتنة فاحشة فالحكم لله العلي الكبير واستمر المسلمون في الترسيم عند الوالي إلى ان روجع السلطان في أمرهم فرسم باخراج القاضي الشافعي والشيخ برهان الدين وانهما لا يسكنان القدس إلا باذن شريف وافرج عنهم اجمعين فالقاضي سافر من القاهرة بعد أن صرح السلطان بعزله في وجهه فوصل إلى مدينة الرملة في يوم السبت رابع عشري ذي القعدة وتوجه إلى دمشق وأقام بها إلى يومنا وهو حي يرزق والشيخ برهان الدين استمر في القاهرة إلى سنة ثمان وثمانين وثمانمائة ثم سافر إلى مدينة سيدنا الخليل عليه السلام واقام بها إلى ان توفي في شهور سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة - كما تقدم في ترجمته - ويأتي ذكر إعادة الكنيسة وبنائها وما وقع في ذلك في السنة الآتية إن شاء الله تعالى وفيها - يعني سنة تسع وسبعين وثمانمائة أعيدالقاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي إلى قضاء القدس والرملة ونابلس على عادته ودخل إلى القدس الشريف في شهر شعبان عائدا من القاهرة بعد كلفة مال كبير بذله في المنصب لم تجر به عادة قبله في قضاء الحنابلة وسببه جور وكيل السلطان ابن ثابت وفيها في ثامن رمضان حضر خاصكي إلى القدس الشريف بتوجيه نائب غزة ونائب القدس إلى الرملة بسبب غازي واولاد شبانه فتوجه نائب القدس الأمير جقمق إلى الرملة فوردعليه مرسوم السلطان وهو بهابان يحضر إلى الابواب الشريفة طيب القلب منشرح الصدر فتوجه إلى الأبواب الشريفة واستقر عوضه في نيابة القدس الشريف الأمير جارقطلي الظاهري وفي يوم الاثنين تاسع عشري رمضان دخل القاضي فخر الدين بن نسيبة إلى القدس بخلعة السلطان وفي يوم الاربعاء مستهل شوال حضر متسلم جارقطلي النائب وفي يوم الخميس خامس عشر ذي القعدة دخل الأمير جارقطلي إلى القدس الشريف وكان يوما مشهودا وقرئ توقيعه يوم الجمعة ثاني يوم دخوله وفي يوم الاثنين تاسع عشر ذي القعدة دخل ناظر الحرمين ناصر الدين بن النشاشيبي إلى القدس الشريف عائدا من الابواب الشريفة بخلعة السلطان وفيها قدم القاضي غرس الدين خليل الكناني الذي كان شيخ الصلاحية إلى القدس الشريف ونزل بالارغونية وأقام بها لأن جارقطلي النائب كان صاحبه فلما ولي بيت المقدس قصد استيطانه في زمنه فحضر إلى القدس في شهر شوال وفيها في رابع شهر ذي الحجة استقر قاضي القضاة شمس الدين محمد بن يونس النابلسي الشافعي قاضي الرملة ونابلس في قضاء القدس الشريف عوضا عن القاضي شهاب الدين بن عبيه ووصل اليه علم بذلك وهو بالرملة في شهر ذي الحجة ومضت سنة تسع وسبعين وكانت كثيرة الفتن والمحن بالقدس الشريف ونسأل الله حسن العاقبة ثم دخلت سنة ثمانين وثمانمائة في شهر المحرم منها دخل القاضي شمس الدين ابن يونس الشافعي إلى القدس الشريف بخلعة السلطان وركب له القضاة وناظر الحرمين ونائب السلطنة الأمير جارقطلي ولكنه لم يمش امامه وإنما مشى خلفه وفرئ توقيعه بالمسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة وفي يوم الخميس سابع عشر صفر دخل القاضي علاء الدين بن المزوار متوليا قضاء المالكية بالقدس الشريف عوضا عن القاضي نور الدين البدرشي وكانت ولايته مستهل شوال سنة ثمان وسبعين واستمر بالقاهرة بعد الولاية سنة واربعة اشهر إلى ان حضر في التاريخ المذكور ودخل إلى القدس بخلعة السلطان وقرئ توقيعه بالمسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة وكان يوما حافلا ( ذكر إعادة كنيسة اليهود ) لما جرى ما تقدم ذكره من هدم الكنيسة بالقدس الشريف وحصول المحنة للمسلمين من العلماء وغيرهم شرع اليهود في السعي في إعادة الكنيسة وتمسكوا بما معهم من الفتاوى بجواز إعادتها وتشفعوا للسلطان بمن لهم بهم اعتناء وكان اعظم المساعدين لهم يشبك الدوادار الكبير بمال بذلوه ولم يعلم السلطان بشيء من ذلك فلم يزل يشبك يسعى عند السلطان إلى ان رسم باعادتها بالاتها القديمة وعين قاضيين من خلفاء الحكم بالديار المصرية وهما القاضي شهاب الدين أحمد الحزمي الشافعي المشهور بابن جبيلات والقاضي علاء الدين علي الميموني الحنفي فحضر إلى القدس الشريف في يوم الاربعاء عشري ربيع الآخر وعقد مجلس بقبة موسى حضره قضاة القدس الشريف الاربعة ومن حضر من قضاة القاهرة وقرئ المرسوم الشريف الوارد بمعنى ذلك فقضاة القدس لم يحصل منهم معارضة ولا اذن واسندوا الامر إلى من حضر من القاهرة فأذن القاضي الميموني علاء الدين الحنفي لليهود في إعادة الكنيسة بالاتها القديمة وشرعوا في بنائها في يوم الخميس حادي عشري ربيع الآخر سنة 110 ه وكان القاضي شهاب الدين بن جبيلات حصل له توعك بالقدس فبادر إلى الرجوع إلى القاهرة قبل اتهاء أمر الكنيسة ولم يتكلم في أمرها بشيء واستغفر الله تعالى مما وقع منه من السفر في هذه الحادثة وحكي لي بالقاهرة ان السبب في رجوعه من القدس بسرعة وعدم تكلمه في أمر الكنيسة انه لما حصل له التوعك بالقدس كان في خلوة بالمدرسة الجوهرية وإذا باليهود قد حضروا وجلسوا على باب الخلوة التي هو بها وتكلموا في أمر الكنيسة وما حصل لهم من اذن القاضي الحنفي في إعادتها فقال بعضهم لبعض هذا عيد مبارك باعادة هذه الكنيسة فما نسمي هذا العيد ؟ فقالوا نسميه عيدالنصر فلما سمع القاضي شهاب الدين بن جبيلات الشافعي ذلك اقشعر جسده وانزعج وبادر بالخروج من القدس وتوجه إلى القاهرة واستغفر الله مما وقع منه وقد سمعت هذا الكلام من لفظه بالقاهرة على هذه الصفة في سنة اربع وثمانين وأما الحنفي فإنه استمر مقيما بالقدس إلى ان كملت عمارتها ولما اذن في إعادتها امتنع شهود بيت المقدس من كتابة مستند بذلك فكتب هو بخطه ورقة بالاذن لليهود في ذلك وكان بالقدس رجل اسمه اسماعيل البناء تعين لبنائها فبات تلك الليلة فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا اسماعيل انت تصلي علي في كل يوم وليلة وتبني مكانا اسب فيه فامتنع من بنائها فوعد بمال له صوره فلم يلتفت اليه وتولى بناءها من كتب عليه الشقاوة ولما وقع ذلك كنت مقيما بالقاهرة وبلغني عن هذا البنا انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ونهاه عن البناء ولم اتحقق كيف وقع القول فلما قدمت بيت المقدس في أواخر سنة اربع وثمانين وجدته حيا فسألته عن حقيقة الرؤيا فأخبرني بها من لفظه - كما تقدم ذكره - ولما انتهى بناء الكنيسة عاد الحنفي إلى القاهرة وقد أسكن الله مقته في قلوب العباد وصار يدعى بقاضي الكنيسة وبلغني انه لما وصل إلى القاهرة استدعى كبير اليهود وقال له ابشرك انني بنيت لك الكنيسة أعلى مما كانت بكذا - واشار بذراع يده - ومما وقع له انه كان يكتب علامته على المستندات الشرعية الحمد لله ربالعالمين حمد الشاكرين فلما عمر الكنيسة وعاد إلى القاهرة كتب الحمد لله الذي أعلى معالم العلم واعلامه فنكت عليه بعض الظرفاء من الفقهاء وقال له ينبغي ان تكتب الحمد الله الذي أعلى معالم الدين فرجع وكتب علامته الأولى ولم يزل امره يضمحل وأحواله تتناقص حتى وقع له محنة في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة بسبب حكم حكم به في ايام قاضي القضاة سعدالدين الديري من مدة تقرب من عشرين سنة قبل التاريخ المذكور فأحضره السلطان بين يديه وضربه ضربا مؤلما وهو بالحوش في المكان الذي ضرب فيه أهل القدس ووضعه في زنجير وسلمه للوالي الذي كان تسلم أهل بيت المقدس وأمر باخراجه إلى حلب بعد ان كتب عليه انه لا يعمل قاضيا ولا شاهدا وعزله عزلا مؤبدا فخرج من القاهرة إلى ان وصل إلى خانقاه سرياقوس فوقعت فيه شفاعة فاعيد إلى القاهرة وتوجه من ليلته إلى بلدة مينة ميمون واقام بها مدة طويلة ثم عاد إلى القاهرة وقد صار فقيرا حقيرا لا يقدر على قوته وقد اجتمعت به وتكلمت معه ولمته على ما صدر منه في أمر الكنيسة والاهتمام باعادتها فأشهدني عليه ان الاذن الصادر منه في إعادتها إنما قصد به الفتوى ولم يقصد به الحكم الشرعي الرافع للخلاف والله متولي السرائر ( ذكر قدوم السلطان إلى بيت المقدس ) 880 ه وفي شهر رجب الفرد سنة ثمانين سافر السلطان الملك الأشرف من القاهرة المحروسة قاصدا زيارة سيدنا الخليل عليه السلام والمسجد الأقصى الشريف فوصل إلى مدينة غزة المحروسة وتوجه منها فوصل إلى مدينة الخليل في يوم السبت خامس عشري رجب ورفع اليه امر الحسبة بمدينة الخليل وأنه يؤخذ من المحتسب مال لنائب القدس فيلزم منه تسلطه على الفقراء من المتسببين فرسم السلطان بابطال تولية الحسبة من نائب القدس وابطال ما هو مقرر عليها من الرشوة وان يكون المحتسب بمرسوم شريف بغير كلفة واستمر الأمر على ذلك مدة ثم اختل النظام ورجع الأمر على ما كان عليه أولا وتوجه السلطان من مدينة الخليل في يوم الأحد سادس عشري رجب ووصل إلى القدس في يوم الاثنين سابع عشري رجب ونزل بمخيمه عند خان الظاهر ثم ركب ودخل إلى المدينة وقت الظهر ونزل بمدرسته القديمة التي هدمت فلما رآها لم تعجبه وكان ذلك هو السبب لهدمها وبناء المدرسة الموجودة الآن ثم بعد صلاة العصر من اليوم المذكور جلس بقبة موسى تجاه باب السلسلة وجلس على مدرسته في الشباك المطل من جهة الشرق وجلس عنده من داخل القبة الأمير ازبك أمير كبير ومنن ظاهر الشباك على المسطبة الأمير يشبك الدوادار والقاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف وكان يوما مشهودا وحضر مع السلطان جماعة من اركان الدولة منهم الأمير خشقدم الطواشي الوزير والقاضي تاج الدين المقدسي ناظر الخواص الشريفة والقاضي شرف الدين الانصاري والقاضي برهان الدين بن ثابت وغيرهم وشكى الناس على الأمير جارقطلي نائب القدس ورفعت فيه القصص بسبب ما تعمده من الظلم والجور فطلبه وسمع فيه الشكوى وانصف الناس منه وأمره ان يدفع اليهم ما أخذ منهم وشكى الناس من القاضي غرس الدين خليل أخي أبي العباس وأنه يجتمع بالنائب وتيكلم في حق الناس فطلبه السلطان وانتهره ووضعه على الأرض ليضربه فشفع فيه الأمير يشبك الدوادار ورسم بعدم إقامته بالقدس فسافر منه فكان يقيم تارة بغزة وتارة ببلد المجدل ولم يزل على ذلك إلى ان توجه إلى مكة وتوفي بها في شهور سنة ثمان وتسعين وثمانمائة 898 ه ثم بعد فراغ السلطان من فضل الحكومات في اليوم الذي دخل فيه إلى القدس صلى المغرب بقبة الصخرة الشريفة خلف الامام سعدالله الحنفي ثم نزل إلى الجامع الأقصى وقد اوقدت القناديل على العادة التي تكون في نصف شعبان وكذلك قبة الصخرة الشريفة وكانت لية مشهودة وجلس في محراب المسجد الأقصى وإلى جانبه الأمير أزبك أمير كبير والأمير يشبك الدوادار الكبير وغيرهم من اركان الدولة وجلس معه شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وشيخ الاسلام النجم بن جماعة والقضاة والخاص والعام وقرئت ختمات شريفة وكان مع السلطان ثلاثة انفار من رؤساء القراء بالقاهرة فقرؤا وحصل بهم البهجة والانس ثم قرأ بعدهم القراء ببيت المقدس وصلى السلطان العشاء الآخرة خلف الشيخ نجم الدين بن جماعة وانصرف ولم يسمع قراءة المعراج الشريف لعدم وجود من يقرؤه فإن الشيخ شهاب الدين العميري كان غائبا بالقاهرة ثم حضر الشيخ أبو مدين وقرأ المعراج بحضور اركان الدولة ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشري رجب خرج السلطان إلى مخيمه بظاهر القدس وطلب النائب وأمره ان يصالح جميع من شكى منه فصالحهم ودفع لكل من اخذ منه شيئا على جريمة نصف ما أخذ منه ومن له دين شرعي دفعه له بكماله ثم أعلم الدوادار الكبير السلطان ان النائب أرضى جميع خصمائه فقال له السلطان احسن للناس واحكم بينهم بالعدل والانصاف وبالشرع الشريف وإن شكى أحد منك بعد اليوم قطعتك نصفين ثم قدم النائب خدمته للسطان فألبسه خلعة الاستمرار وتوجه السلطان في ليلة الاربعاء إلى الرملة وكان في زمن الشتاء ووقع مطر كثير وهو بالمخيم على قبة الجاموس ومما انفق ان انسانا من اللصوص دخل على السلطان وهو نائم بالخيمة في الليل وسرق بقجة قماش من عند رأسه فأصبح السلطان وقبض على الشيخ حرب شيخ جبل نابلس بسبب ذلك وقصد قتله وغرمه مالا ثم توجه السلطان إلى مدينة غزة وعاد إلى القاهرة ودخل اليها في يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان وكان يوما مشهودا لدخوله وقدر أن اللص الذي دخل على السلطان قبض عليه وجهز إلى السلطان ووقف بين يديه واعترف بدخوله عليه فأمر بسجنه بالمقشرة ولم يتقله وفيها وقعت حادثة بالقدس الشريف وهي ان شخصا نصرانيا وقع في حق سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والسيدة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقذف ورفع أمره القاضي علاء الدين بن المزوار المالكي وعقد له مجلس بدار النيابة بحضور الأمير جارقطلي نائب السلطنة وحضر بالمجلس شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وثبت ما نسب إلى النصراني عند القاضي المالكي وحكم بسفك دمه وضرب عنقه بحضور الجماعة بديار النيابة ثم دخلت سنة إحدى وثمانين وثمانمائة وفيها في مستهل المحرم حضر هجان من القاهرة بمرسوم شريف بالقبض على الافرنج المقمين بدير صهبون وبيت لحم وكنيسة قمامة وتجهيزهم إلى الابواب الشريفة بمقتضى ان الافرنج أسروا أربعة من اسكندرية وعدوا بهم واخذوهم إلى بلاد الافرنج وفيها استقر القاضي فتح الدين أبو الفتح محمد بن داود بن الاسيل الشافعي في قضاء الشافعية بالقدس الشريف والرملة ونابلس عوضا عن القاضي شمس الدين ابن يونس وورد عليه المرسوم الشريف الوارد عليه من الابواب الشريفة والبس القاضي شمس الدين الديري خلعة الاستمرار بقضاء الحنفية وهي كاملية صوف مرسيني بفروسمور وألبس جمال الدين يوسف بن ربيع خلعة لاستقراره في وظيفة أمانة الحكم ووكالة الغياب وهي فوقاني حرير بوجهين وطراز وقرئ توقيع الشافعي في يوم الجمعة ثاني يوم لبسه ولم يقدر لابن يونس بعد ذلك ولاية قضاء بيت المقدس إلى ان حج إلى بيت الله الحرام في سنة سبع وتسعين وتوفي بعد خروجه من مكة بمنزلة بطن مرو وحمل إلى مكة فدفن بها وفيها - اعني سنة إحدى وثمانين - في يوم الجمعة خامس عشر جمادي الاخرة رحل شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف من القدس الشريف بأولاده وعائلته إلى القاهرة المحروسة واستوطنها وكان دخوله اليها في اوائل رجب وفيها دخل الوباء بالطاعون حتى عم جميع المملكة وكان دخوله بيت المقدس في اوائل رجب واستمر مدة طويلة ولم يزل الطاعون بالقدس إلى مستهل ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وأفنى خلقا من الشباب والنساء وأهل الذمة ولم يكن طال ببلدة من البلاد أكثر من بيت المقدس فسبحان القادر علي ما يشاء ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة وفيها وصل إلى القدس الشريف الأمير جانم الخاصكي قريب السلطان وناظر الجوالي بعد عوده من المملكة الشامية وكان دخوله إلى القدس في يوم الجمعة تاسع عشر جمادي الأولى فإنه توجه إلى بلاد الشام لكشف الاوقاف وحضر إلى القدس بسبب ذلك وأوقد له المسجد الأقصى في ليلة السبت وقبة الصخرة في ليلة الاحد والمدرسة السلطانية في ليلة الاثنين وفي كل ليلة كان يقرأ له ختمات شريفة بحضوره وجمع له من جهة الاوقاف بالقدس الشريف تسعمائة دينار وقيل الف دينار ومن اهل الذمة ثلثمائة دينار فلم يقبل شيئا من جهة الاوقاف وأعاد المبلغ بكماله لمستحقية وأخذ ما جمع له من اهل الذمة وحصل للمسلمين من مستحقي الاوقاف الجبر بذلك وتضاعف الدعاء في صحائفه وسافر من القدس في ليلة الاثنين ثالث عشري جمادي الاولى ( ذكر سفر السلطان إلى المملكة الشامية ) وفيها سافر السلطان الملك الأشرف من القاهرة قاصدا المملكة الشامية فوصل إلى مدينة غزة في يوم الاربعاء تاسع شهر جمادي الآخرة في جمع قليل دون مائة نفس وولي الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نيابة القدس الشريف وهو بغزة عوضا عن جار قطلي وألبسه كاملية خضراء بفروسمور ودخل إلى القدس في نهار الجمعة حادي عشر الشهر المذكور وعلى يده المرسوم بولايته بخط قاضي القضاة قطب الدين الخضري الشافعي قاضي دمشق ووصل السلطان إلى مدينة حلب وتوجه إلى الفرات وحصل له توعك في السفر وعاد إلى دمشق وهو متوعك ثم عوفي وعاد إلى القاهرة ولم يقدر له الدخول ببيت المقدس وكان دخوله إلى القاهرة في يوم الخميس رابع شهر شوال وكان يوما مشهودا لدخوله وفيها استقر الخطيب أبو الحزم محمد بن شيخ الاسلام تقي الدين أبي بكر بن القرقشندي في نصف خطابة المسجد الأقصى الشريف عوضا عن الخطيب محب الدين ابن جماعة وهو النصف الذي كان استقر فيه ووقع فيه ما تقدم شرحه في حوادث سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وخطب بالمسجد الأقصى الشريف في يوم الجمعة ثامن عشر جمادي الآخرة وقرأ في أول ركعة ( ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم ) وقرئ توقيعه وتوجه إلى منزله وأعلام المسجد حوله ومشى الناس في خدمته وكان يوما مشهودا واستقر الشيخ جمال الدين عبد الله بن غانم شيخ الحرم في جميع مشيخته الخانقاه الصلاحية عوضا عن القاضي برهان الدين بن ثابت وكيل السلطان بحكم وفاته وعن الخطيب محب الدين بن جماعة بحكم عزله فإن ابن ثابت هو الذي كان قائما بنظام الخطيب محب الدين بن جماعة وعضده في تولية نصف الخطابة ونصف مشيخة الخانقاه ثم استقر ابن ثابت في النصف الثاني من مشيخة الخانقاه - تقدم ذكره - فلما توفي في اوائل سنة اثنتين وثمانين بعد محن حصلت له مع الخطيب أبو الحزم في نصف الخطابة وشيخ الحرم في جميع مشيخة الخانقاه الصلاحية وأعانهما القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف فاستقل في ذلك في شهر جمادي الاخرة وفيها في جمادي الآخرة عزل القاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي من قضاء الحنابلة بالقدس الشريف والرملة ونابلس عزله القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف وهو بمنزلة قانون صحبة السلطان ووقع في عزله ما لم يقع لغيره فإن العادة جرت إذا عزل القاضي يكتب مرسوم السلطان أو مطالعة القاضي كاتب السر بعزله وهذا القاضي إنما ثبت عزله ببينة شهدت عند القاضي فتح الدين أبي الفتح بن الاسيل الشافعي على القاضي كاتب السر انه عزله من القضاء فصرح القاضي الشافعي بثبوت عزله وكان الحنبلي غائبا بالقاهرة لأنه توجه اليها من جمادي الأولى وكتب القاضي الشافعي إلى نائبه بالرملة انه يمنع نائب الحنبلي بها من الحكم بمقتضى ثبوت عزل مستخلفه وفيها في يوم الاحد حادي عشري رجب توفي الأمير غرس الدين خليل ابن أبي والي أحد أعيان بيت المقدس وكان رئيسا كريما وفيه الخير والاحسان إلى الخاص والعام وكان الناس يترددون اليه من الاعيان وغيرهم ويأكلون على سماطة في كل وقت وكان يطعم من عرف ومن لم يعرف في جميع السنة وأما في شهر مضان فمن العجائب في إطعام الطعام وكان ذلك عن طيب نفس منه لا يتكره من ذلك بل يفرح له وكان قد اعتراه السمن وتزايد حتى كان لا يستطيع القيام إلا بمشقة وكان من محاسن بيت المقدس ومن أعظم محاسنه مع ما هو عليه من هذه المناقب الحسنة سلامة الناس من يده ولسانه ولم يبق بعده من هو في معناه ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة فيها في شهر ربيع الأول توجه المباشرون بالقدس الشريف إلى القاهرة المحروسة بمرسوم شريف ورد في ذلك وأقاموا بمشهد الحسين بالقاهرة في ترسيم القاضي علاء الدين ابن الصابوني وكيل المقام الشريف ثم افرج عنهم وعادوا إلى القدس وفيها طلب الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نائب القدس الشريف بسبب ما وقع عليه من الشكوى للسلطان ثم خلع عليه بالاستمرار وعاد إلى محل ولايته وكان ذلك في جمادي الأولى وفيها في شهر رجب توفي الأمير جاني بك الفقيه أمير سلاح بالمدرسة الخاتونية بعد حضوره إلى القدس من شهر المحرم حين عوده من الحجاز الشريف ودفن بالقلندرية بماملا ثم دخلت سنة اربع وثمانين وثمانمائة فيها في المحرم برز الامر الشريف بطلب القاضي فتح الدين بن الاسيل الشافعي إلى الابواب الشريفة فتوجه إلى القاهرة ونزل عند الأمير أبي بكر قرا الدويدار الثاني وغرم مالا وعاد بعد الانعام عليه بالاستمرار في وظيفته ودخل إلى القدس الشريف في يوم السبت رابع عشر ربيع الأول بخلعة السلطان وفيها حضر قاصد من الأبواب الشريفة بطلب المباشرين بالقدس الشريف فتوجهوا في شهر ربيع الأول - كما تقدم في السنة الماضية - ورسم عليهم من باب القاضي علاء الدين الصابوني ثم افرج عنهم وعادوا إلى القدس وفيها توفي أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن محمد العباسي تغمده الله برحمته واستقر بعده في الخلافة مولانا الامام الأعظم والخليفة المكرم أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ووارث الخلفاء الراشدين المتوكل على الله أبو العز عبد العزيز بن يعقوب أعز الله به الدين وأمتع ببقائه الاسلام والمسلمين ودعي له على منبر بيت المقدس وغيره من منابر الاسلام وفيها جدد عمل الرصاص على ظاهر الجامع الأقصى وفك الرصاص القديم ثم ركب ولم يكن كالاول في حسن الصناعة والاتقان وكان الصانع له رجلا من أهل الروم ثم قصد ناظر الحرمين الامير ناصر الدين بن النشاشيبي ان يفك الرصاص عن ظاهر قبة الصخرة ويجدده كما فعل بالجامع الأقصى فمنعه الشيخ جمال الدين بن غانم شيخ الحرم وقام في ذلك أعظم قيام وكان توفيقا من الله فإن الرصاص القديم الموجود إلى الآن أولى وأحسن من المستجد الذي عمل بالأقصى وفيها استقر الأمير سنطباي النحاسي في نيابة السلطنة الشريفة بالقدس الشريف عوضا عن الامير ناصر الدين محمد بن أيوب ودخل متسلمه إلى القدس في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادي الأولى ودخل هو إلى القدس في يوم السبت سادس عشر رجب وقرئ توقيعه يوم الجمعة وفيها توجه القاضي فتح الدين بن الاسيل الشافعي قاضي القدس إلى الحجاز الشريف خفية من حيث لم يعلم الناس بحاله فإنه اظهر انه يتوجه إلى نابلس في شهر رمضان فتوجه اليها ثم توجه من نابلس إلى بلد الخليل وسافر صحبة الحجاج وهو مستمر على الأولاية وشغرت الوظيفة عنه من شهر رمضان سنة اربع وثمانين ألى آخر سنة خمس وثمانين ولم يكن بالقدس إذ ذاك حاكم مالكي ولا حنبلي وانفرد القاضي شمس الدين الديري الحنفي بالحكم في مدينة القدس مدة سنة كاملة إلى ان ولي الحنبلي ودخل إلى القدس في ثامن عشر شهر شعبان سنة خمس وثمانين فكان القاضي الحنفي كلما احتاج الأمر إلى مسئلة خلافية استخلف فيها من اهل ذلك المذهب وفيها - أعني سنة اربع وثمانين - حج السلطان والملك الأشرف قايتباي إلى بيت الله الحرام وزار النبي صلى الله عليه وسلم في الذهاب واقام بالمدينة الشريفة أربعة أيام ثم توجه منها إلى مكة المشرفة وقضى مناسكه وعاد إلى محل سلطنته بالديار المصريية والله الموفق ثم دخلت سنة خمس وثمانين وثمانمائة 885 ه فيها في شهر المحرم وردت البشرى إلى القدس الشريف بوصول السلطان من مكة المشرفة وكان دخوله إلى القاهرة في يوم الاثنين ثاني عشر المحرم وكان يوما مشهودا لدخوله وزينت مدينة القدس وغيرها من البلاد وفيها - بعد قدوم السلطان من الحجاز الشريف - انعم على الامير ناصر الدين محمد بن أيوب باستقراره في نيابة القدس الشريف عوضا عن الامير سنطباي النحاسي وصول متسلمه - وهو أخوه الشهابي أحمد - إلى القدس في يوم الأحد خامس صفر وفيها ورد مرسوم شريف بطلب ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي والمباشرين إلى الأبواب الشريفة فتوجهوا في نهار الثلاثاء سادس ربيع الأول ثم توجه القاضي فخر الدين بن نسيبة ثاني نهار الاثنين عاشر ربيع الآخر بمرسوم شريف ورد بحضوره وفي يوم السبت ثاني عشري ربيع الآخر دخل الأمير ناصر الدين بن أيوب إلى القدس بخلعة السلطان وكان يوما حافلا وفي يوم الاثنين تاسع جمادي الأولى دخل الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ناظر الحرمين إلى القدس الشريف عائدا من الابواب الشريفة وكان يوما مشهودا لدخوله وفيها في يوم الجمعة حادي عشر جمادي الآخرة كبس عمرو بن غانم البدري ومن معه من العرب الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نائب القدس باريحاء الغور وحصلت فتنة قتل فيها جماعة وفي يوم الثلاثاء سابع رجب توجه الأمير ناصر الدين بن أيوب إلى حلب قاصدا الأمير يشبك الدوادار الكبير وفي يوم الاحد ثاني عشر رجب حضر ملك الأمراء برسباي نائب غزة إلى برك المرجيع ونصب مخيمه هناك بعمارة البرك وشرع في العمل بنفسه وعسكره وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان حضر الأمير ناصر الدين بن ايوب من مدينة حلب إلى القدس الشريف وفيها استقر القاضي زين الدين عبد الباسط بن القاضي بدر الدين محمد الجعفري النابلسي في قضاء الحنابلة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام والرملة ونابلس بعد شغور قضاء القدس عن أخيه القاضي كمال الدين من سنة اثنتين وثمانين - كما تقدم - والبس القاضي فخر الدين بن نسيبة كاملية على سمور واذن له في السفر فتوجه هو والقاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي من القاهرة ودخلا إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشر شعبان وكل منهما لابس خلعته وقرئ توقيع القاضي في يوم الجمعة ثاني عشري شعبان وفيها في شهر رمضان ورد الخبر إلى القدس الشريف ان الأمير يشبك الدوادار الكبير قتل في التجريدة في مملكة الشرق وأشاع ذلك رجل اسمه يحيى ابن جرار الفطايس فبلغ النائب الأمير محمد بن أيوب ذلك فطلب يحيى المذكور وضربه بالمقارع لكونه أشاع ذلك ثم تواترت الاخبار بتقله وصحت وارخ يوم قتله فكان في ذلك اليوم الذي تحدث الناس به بالقدس الشريف وكان قتله بأرض الرها من ملك العجم وفيها وقعت فتنة بالقدس الشريف سببها ان الأمير ناصر الدين بن أيوب نائب القدس قبض على جماعة من بني زيد وقتلهم فحضر إلى القدس جمع كبير من جماعة المقتولين وعصبتهم وهجموا على مدينة القدس في يوم الاثنين ثاني عشري شوال فعلم بهم النائب فركب من منزله وتوجه إلى نحو باب الاسباط فأدركه القوم وقصدوه فدخل وهو راكب إلى المسجد من باب الاسباط واستمر راكبا إلى أن خرج من باب المغاربة وهجم العشير إلى داخل المسجد والسلاح مشهور بأيديهم لقصد قتله فنجا منهم باسراعه بالخروج من باب المغاربة وكسر باب السجن وأخرج من به من المسجونين وبادر التجار بتوزيع ما في حوانيتهم وقتل ثلاثة أنفار وجرح جماعة وشرع العرب في قطع الطرق وايذاء الناس وحصل الارجاف في الناس واغلقت الاسواق والمنازل خشية النهب وكانت فتنة فاحشة ( ذكر بناء المدرسة الأشرفية المنسوبة لملك العصر مولانا السلطان ) ( الملك الأشرف أبي النصر قايتباي نصره الله تعالى ) قد تقدم ان الأمير حسن الظاهري كان قد بنى المدرسة القديمة للملك الظاهر خشقدم ثم بعد وفاته سأل السلطان الملك الأشرف في قبولها فقبلها منه ونسبت اليه ورتب لها شيخا وصوفية وفقهاء وصرف لهم المعاليم ثم حضر السلطان إلى القدس الشريف في سنة ثمانين وثمانمائة فلم تعجبه فلما كان في سنة اربع وثمانين توجه القاضي أبو البقا بن الجيعان من القاهرة إلى دمشق لضبط تركة ملك الأمراء جاني بيك قلقيس نائب دمشق ودخل إلى بيت المقدس في يوم الاربعاء ثالث ربيع الآخر وصحبته خاصكي لهدم المدرسة المشار اليها وتوسيعها بما يضاف اليها من العمارة وسافر القاضي أبو البقا في يوم الخميس ثاني يوم دخوله ولم تهدم في ذلك التاريخ فلما كان في يوم الاحد رابع عشري شعبان سنة خمس وثمانين كان الابتداء في حفر الاساس لعمارة المدرسة وهدم البناء القديم الذي على رواق المسجد وشرع المهندسون في العمل فبنى المجمع السفلي الملاصق لرواق المسجد من جهة الشرق ثم توجه الشيخ شهاب الدين العميري إلى الديار المصرية بسبب عمارة المدرسة ليحرض السلطان على الاجتهاد في أمرها والاسراع في عمارتها وفيها استقر الامير شهاب الدين أحمد بن مبارك شاه في نيابة القدس الشريف عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب ودخل متسلمه إلى القدس الشريف في تاسع عشر ذي القعدة ثم دخل هو إلى القدس في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي القعدة وصحبته جمع كبير من العرب والعشير وكان يوما مشهودا وقرئ توقيعه يوم الجمعة وغضب السلطان على الأمير ناصر الدين بن أيوب وقبض عليه وامتحنه ثم دخلت سنة ست وثمانين وثمانمائة في يوم الخميس رابع عشر المحرم دخل قاضي القضاة محيي الدين أبو الفضل عبد القادر بن جبريل الغزي الشافعي إلى القدس الشريف متوليا قضاء الشافعية بالقدس والرملة ونابلس عوضا عن القاضي فتح الدين ابن الاسيل بعد شغوره عنه لغيبته من شهر رمضان سنة اربع وثمانين وكانت ولاية القاضي محيي الدين من اواخر سنة خمس وثمانين وقرئ توقيعه في يوم الجمعة ثاني يوم دخوله وفيها سير السلطان إلى القدس الشريف من القاهرة جماعة من المعمارية والمهندسين والحجارين لعمارة مدرسته فحضر معهم شخص نصراني من المهندسين بالقاهرة له حذق في الهندسة فلما رأى المجمع السفلي المبني بالمسجد بلصق الرواق لم يعجبه فقصد هدمه بكماله ثم اقتضى الحال هدم بعضه من القبلة فهدم وهدم ايضا ثلاث قناطر من الرواق مما هو ملاصق للباب المتوصل منه إلى المنارة واجتهد المنهدسون والصناع من المصرين في العمارة وكان المتولى لذلك القاضي فخر الدين بن نسيبة الخزرجي وفيها في يوم الاربعاء ثامن عشر صفر ورد إلى القدس قاصد سلطان الحبشة - وكان زمن عيد النصارى المسمى بسبت النور - وعلى يده مرسوم شريف بأن يمكن جميع النصارى من الدخول إلى قمامة فمنعه المباشرون وخازندار نائب الشام الأمير قجماس وسمحوا له بالدخول هو وجماعته فامتنع من ذلك ثم سلموه مفاتيح قمامة ودخل هو وجميع طوائف النصارى بغير كلفة ولا بذل وفيها في يوم السبت رابع عشر رجب دخل إلى القدس السلطان جم بن محمد بن عثمان ملك الروم ودخل في خدمته ناظر الحرمين ونائب السلطنة والجم الغفير وفيها في يوم الخميس رابع عشري شعبان حضر إلى القدس نائب غزة برسباي وخليل بن اسماعيل شيخ جبل نابلس ومعهما خاصكي العزب وكبسهم وانصرفوا من غير شيء وفيها توجه الخطيب محب الدين بن جماعة إلى القاهرة للسعي فيما كان بيده من مشيخة الخانقاه الصلاحية ونصف خطابة المسجد الأقصى الشريف وحضر إلى القاهرة الشيخ جمال الدين بن غانم شيخ حرم القدس الشريف والخطيب فتح الدين أبو الحزم القرقشندي واتصل الامر بالسلطان واركان الدولة وحصل بينهم تشاجر وتنازع وطال الخصام بينهم وكانوا بالقاهرة في شهر رجب وآخر الامر وقع الصلح بينهم بأن يكون الخطيب محب الدين بن جماعة بيده نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية على عادته بمشاركة شيخ الحرم بالنصف الباقي وأن يكون نصف الخطابة المتنازع فيه وهو الذي كان بيد الخطيب أبي الحزم القرقشندي مشتركا بين الخطيب محب الدين بن جماعة والخطيب أبي الحزم القرقشندي لكل منهما الربع وحصل الرضا على ذلك وتصادقوا عليه وكتب لكل منهم توقيع شريف بما استقر فيه من ذلك وعادوا إلى أوطانهم وفيها حضر إلى القدس الشريف الأمير قانصوه اليحياوي نائب الشام بعد ان عاد من الأسر ببلاد العجم فإنه كان قبض عليه بيندور باش عسكر يعقوب بك ابن حيدر بك لما توجه للتجريدة مع يشبك الدوادار الكبير وأطلق من الأسر وحضر صحبة الامير ازبك امير كبير فلما وصل إلى الرملة ورد مرسوم السلطان بالقبض عليه وتجهيزه إلى القدس الشريف فحضر إلى القدس في شهر شوال وأقام بالمدرسة الخاتونية وفيها في يوم الثلاثاء ثالث عشري ذي الحجة ثار جماعة من مشايخ الفقراء بمساعدة شيخ الصلاحية على نائب القدس أحمد بن مبارك شاه بسبب جماعة قبض عليهم ليجهزهم إلى خليل بن اسماعيل شيخ جبل نابلس وحملوا عليه الاعلام وخلصوا منه الجماعة الذين قبض عليهم ثم دخلت سنة سبع وثمانين وثمانمائة وفيها تكاملت عمارة المدرسة الاشرفية التي انشأها مولانا السلطان الملك الأشرف بالمسجد الأقصى الشريف بجوار باب السلسة وصارت قائمة البناء وكان الفراغ من بنائها في شهر رجب الفرد وشرع المرخمون في عمل الرخام بها إلى ان انتهت عمارتها ( صفة المدرسة الأشرفية ) قد تقدم ذكر بناء المدرسة القديمة وتقدم ذكر اوصافها التي كانت عليها أولا وبروز أمر السلطان بهدمها وبنائها وتجهيز الصناع من القاهرة لعمارتها وما وقع في ذلك من الاهتمام إلى ان صارت قائمة البناء وتكامل الرخام بها وركبت الابواب الخشب وصارت تشتمل على الاوصاف التي هي عليها الآن من البناء السفلي والعلوي فالسفلي منها هو المجمع الملاصق لرواق المسجد من جهة الشرق المقابل لثلاث قناطر من الرواق ولهذا المجمع بابان الاول منهما من جهة الشمال وبجواره شباك مطل على الرواق الذي هو سفل المدرسة العثمانية والباب الثاني من جهة الشرق والى جانبه شباكان عن يمينه وشماله وبصدر المجمع محراب مما يلي الغرب وشباك مطل إلى القبلة مما يلي الشرق وبلصق هذا المجمع من جهة القبلة دركاه محكة السناء بصدرها من جهة الغرب الباب المتوصل منه إلى المدرسة العلوية ويدخل من هذا الباب إلى دركاه ثانية مفروشة بالرخام بها عن يمنة الداخل خلة صغيرة وبصدر الدركاه مسطبة مرخمة وعن يسرة الداخل باب يصعد منه إلى سلم متسع البناء يتوصل منه إلى المدرسة العلوية والى منارة باب السلام ويمتد انتهاء السلم باب يدخل منه إلى سا حة سماوية مفروشة الأرض بالبلاط الابيض وبصدر هذه الساحة من جهة الشمال باب مربع يدخل منه إلى دركاه لطيفة بها عن يمنة الداخل دهليز يتوصل منه إلى المدرسة الراكبة ظهر المجمع اسلفي - المنبه عليه اولا - وهذه المدرسة العلوية تشتمل على أربعة أواوين متقابلة القبلي منها وهو الأكبر بصدره محراب وبجانب المحراب من جهة الشرق شباكان مطلان على المسجد الشريف ومن جهة الغرب شباكان مطلان على السلم المتوصل منه إلى المدرسة وبالايوان المذكور من جهة الشرق ثلاثة شبابيك مطلة على المسجد إلى جهة صحن الصخرة الشريفة ويقابلها ثلاث شبابيك على صحن المدرسة والايوان الشمالي به شباكان مطلان على المسجد الشريف من جهة الشمال وشباكان من جهة الشرق والايوان الشرقي وهو الطارمة به ثلاث قناطر على عمودين من الرخام وعلوها قمريات من الزجاج والافرنجي في غاية البهجة والاتقان ويقابله الايوان الغربي وبه شباك مطل على صحن المدرسة مفروش ارض جميع ذلك بالرخام الملون وحيطان ذلك مستدير عليها الرخام والسقف على جميع ذلك من الخشب المدهون بورق الذهب واللازورد وهو في غاية الاحكام والاتقان والارتفاع وبجوار الايوان الشمالي بيت معقود يدخل اليه من الدركاه - المتقدم ذكرها - باب عن يسرة الداخل وهو مفروش الأرض بالرخام الملون وحيطانه مستدير عليها الرخام به شباكان مطلان على الايوان الشمالي من المدرسة وعلى ظاهر هذا البيت طبقة لطيفة بها شباك مطل على داخل المدرسة وشباك مطل على الساحة السماوية وبالساحة المذكورة - وهي السماوية - باب يدخل منه إلى سا حة اخرى بها الخلاوي المعقودة والمتوضأ والمنافع مركب جميع ذلك على الايوانين القبلي والشرقي وغيرهما من المدرسة البلدية وبالمدرسة المشار اليها من آلات البسط والقناديل ما هو في غاية الحسن مما لا يوجد في غيرها وعلى ظاهرها الرصاص المحكم كظاهر المسجد الاقصى الشريف ومن أعظم محاسنها كونها في هذه البقعة الشريفة ولو بنيت في غير هذا المحل لم يكن عليها الرونق الموجود عليها ببنائها فإن الناس كانوا يقولون قديما مسجد بيت المقدس به جوهرتان هما قبة الجامع الأقصى وقبة الصخرة الشريفة قلت وهذه المدرسة صارت جوهرة ثالثة فإنها من العجائب في حسن المنظر ولطف الهيئة والله الموفق ومن جملة ما عمره السلطان حين عمرة المدرسة لسبيل المقابل لها بداخل المسجد فوق البئر المقابل لدرج الصخرة الغربي وكان قديما على البئر المذكور قبة مبنية ابالاحجار كغيره من الآبار الموجودة بالمسجد فازيلت تلك القبة وبني السبيل المستجد وفرش أرضه بالرخام وصار في هيئة لطيفة وكذلك الفسقية التي بالقرب منه قبلي المسطبة المجاورة للسبيل والفسقية التي هي بين باب السلسلة وباب السكينة وكان قديما مكاها حوانيت ويقابلها من جهة القبلة حوانيت اخر فازيلت الحوانيت من الجانبين وعمرت الفسقية المذكورة والتي بداخل المسجد افنتفع الناس بهما في تيسير الوضوء ولم يقع لنا في هذه السنة ما يصلح أن يؤرخ غير ذلك وبالله التوفيق ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وثمانمائة وفيها استقر الأمير جانم الأشرفي في نيابة القدس الشريف وحضر متسلمه خضر بك الذي ولي النيابة فيما بعد في يوم الجمعة ثالث عشر المحرم وتسحب أحمد بن مبارك شاه - المنفصل - وضبط موجوده وفي يوم السبت رابع عشر المحرم توجه قاضي القضاة محيي الدين بن جبريل الشافعي إلى القاهرة بمطالبة القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف وردت عليه بالحضور وان يكون طيب القلب منشرح الصدر والسبب في طلبه انه سمى عليه القاضي بدر الدين بن الحمامي فتوقف الامر على طلبه فتوجه إلى القاهرة فقبض عليه الأمير اقبردى الدوادار الكبير ووضعه في الترسيم وفيها ورد المرسوم الشريف إلى الأمير قانصوه اليحياوي بعمارة قناة العروب وعمارة بكرة المرجيع وجهز له من الخزائن الشريفة خمسة آلاف دينار منها الف دينار نفقة للأمير قانصوه وأربعة آلاف دينار للعمارة فتوجه في عاشر صفر للعمارة وصحبته مائتا فاعل ونصب مخيمه وشرع في العمارة إلى أن اكملها وتوجه اليه اعيان بيت المقدس وأكابرها وكل من توجه اليه يصحب معه شيئا من أنواع المأكول كالعسل والسمن والغنم وغير ذلك وفيها استقر القاضي بدر الدين أبو البركات حسن بن علي الحمامي الرملي القدس الشريف قاضي القضاة شرف الدين يحيى بن محمد الاندلسي الانصاري المالكي متوليا قضاء المالكية بعد شغوره عن القاضي علاء الدين بن المزوار نحو سبع سنين فان ابن المزوار سافر من القدس في جمادي الاولى سنة اثنتين وثمانين وأقام بالقاهرة وهو باق على الولاية إلى ان توفي في آخر جمادي الاولى سنة خمس وثمانين واستمرت الوظيفة شاغرة إلى أن ولي القاضي شرف الدين يحيى - المشار اليه - في أواخر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين ودخل إلى القدس في التاريخ المذكور وفي يوم السبت خامس عشر صفر أيضا توفي أمين الدين محمد بن أحمد الحلبي المشهور بابن قطيبا مباشر الاوقاف ومولده في سنة ست وعشرين وثمانمائة وكان له معرفة تامة بمصطلح المباشرة والحساب وكان منور الشيبة حسن الشكل وفيها في مستهل جمادي الاولى ورد جراد كثير على بيت المقدس فأكل غالب ثمرة الكروم والزرع والخضروات واستمر مدة يذهب ويعود وفيها عاد شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف من القدس إلى القاهرة فوصل اليها في جمادي الآخرة وفيها كان ابتداء الفتنة بين السلطان الملك الأشرف قايتباي وبين السلطان بايزيد ابن عثمان ملك الروم وجهز السلطان التجريدة لقتال ابن عثمان وكان المقدم على العسكر الأمير تموراز أمير سلاح وكان سفره من القاهرة في جمادي الاولى فلما وصل إلى الرملة توجه اليه الامير جانم نائب القدس وصحبته العشير المجتمع من جبل القدس بعد أن عرض الرجال في يوم الجمعة ثاني جمادي الآخرة وتوجهوا في يوم السبت وفيها توجه ناظر الحرمين الامير ناصر الدين بن النشاشيبي وصحبته جماعة المباشرين إلى القاهرة المحروسة بمرسوم شريف ورد بطلبهم وحصل بعض المباشرين محنة من السلطان في شهر شعبان ثم لطف الله بهم وعادوا إلى القدس الشريف ودخل ناظر الحرمين بخلعة السلطان في يوم الخميس رابع عشري رمضان وكان يوما مشهودا ثم دخلت سنة تسع وثمانمائة وفيها توفي الشيخ شهاب الدين العميري في شهر ربيع الأول - كما تقدم في ترجمته - وكان قد حصل له السرور بمعمارة المدرسة الاشرفية لأنه اجتهد في عمارتها وراع السلطان فيها واحتفل بأمرها فلما انتهت عمارتها أدركته المنية قبل بلوغ الامنية فسبحان من يتصرف في عباده بما يشاء وفيها توفي الشيخ سعد الله الحنفي إمام الصخرة الشريفة وترك ولدا صغيرا فحمل الولد إلى السلطان وساعده جماعة في استقراره في إمامة الصخرة الشريفة عوضا عن والده وتوجه ناصر الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن خشنى المهشور بابن الشنتير للسعي في الامامة وساعده الأمير تمراز أمير سلاح فاقضى الحال المشاركة بينهما فاستقر ناصر الدين ابن دشني في نصف الامامة وهو الذي كان قرر والده فيه الامير ناصر الدين بن النشاشيبي - كما تقدم ذكره في حوادث سنة ست وسبعين - واستقر ناصر الدين محمد بن الشيخ سعد الله في النصف الثاني وكتب لكل منهما توقيع شريف بما استقر فيه وفيها توجه القاضي شرف الدين يحيى المالكي قاضي القدس إلى الديار المصرية يشكي حاله من جماعة بالقدس الشريف فرسم له باستمراره في الوظيفة وتقوية يده وشد عضده وكتب له مرسوم شريف بذلك ( ذكر إقامة نظام المدرسة الأشرفية ) وفيها عين السلطان لمشيخة مدرسته بالقدس الشريف شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف بحكم وفاة الشيخ شهاب الدين العمري وطلبه إلى حضرته وشافهه بالأولاية وسأله في القبول فأجاب بذلك والبسه كامليه وتوجه من القاهرة المحروسة إلى القدس الشريف وصحبته القاضي بدر الدين أبو البقا ابن الجبعان والأميران جان بلاط وماماي والمهتار رمضان وجماعة من القراء السلطانية ودخلوا إلى بيت المقدس في يوم الاحد سادس رجب مومعهم اكبار المقادسة وأنعم في ذلك اليوم على جماعة بلبس الخلع الواردة من الابواب الشريفة منهم نائب الشام الأمير قانصوه اليحياوي واولاده ونائب القدس الأمير جانم والناظر الامير ناصر الدين بن النشاشيبي والقاضي فخر الدين بن نسيبة والامام نصر الدين بن الشنتير حضر معهم من القاهرة وألبس تشريفا بطرحة وممن حضر معهم من القاهرة القاضي شرف الدين يحيى المالكي ودخل بغير خلعة وكان يوما مشهودا ثم في يوم الجمعة جلس شيخ الاسلام الكمالي بالمدرسة وعمل درسا حضره شيخ الاسلام نجم الدين ابن جماعة والقضاة والاعيان ومن حضر من اركان الدولة السلطانية والخاص والعام وكان يوما حافلا ورتبت الوظائف بالمدرسة وتقرر أمرها واستوطن شيخ الاسلام الكمالي ببيت المقدس وسنذكر ترجمته فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم توجه القاضي أبو البقا وأركان الدولة إلى الديار المصرية في الشهر المذكور وفيها طلب القاضي بدر الدين ابن الحمامي الشافعي إلى الابواب الشريفة وتوجه في شهر جمادي الآخرة وغرم مالا وأنعم عليه بالاستمرار في وظيفته بالقدس والرملة وعاد بعد ان خلع عليه كاملية بسمور ودخل إلى القدس الشريف في خامس عشري رمضان وفيها وردت مكاتبات القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف إلى الأمير قانصوه اليحياوي نائب الشام وإلى ناظر الحرمين الشريفين والقضاة الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي يعملهم انه بلغه ان القاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي بالقدس الشريف يعتمد أمورا لا تليق بمن هو راكب لهذا المنصب الشريف بل تسقط العدالة وسالهم في الكشف عليه وتحرير أمره وإعادة الجواب بحقيقة حاله من غير مراعاة ليراجع في أمره المسامع الشريفة ليترتيب على كل شيء مقتضاه ووردت المكاتبات بذلك في شهر ذي القعدة فقدر ان القاضي كان غائبا بنابلس فلما حضر إلى القدس الشريف حصل له محنة في الطريق بخروج اللصوص عليه وأخذ جميع ما معه فكان ذلك سببا لعدم الكشف عليه اكتفاء بما حصل له من المحنة ثم كان من أمره ما سنذكره في حوادث السنة الآتية إن شاء الله تعالى وفيها في شهر ذي الحجة توفي الشيخ جمال الدين عبد الله بن غانم شيخ حرم القدس الشريف واستقر ولده الشيخ ناصر الدين محمد فيما كان بيد والده من مشيخة الحرم ونصف مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وثمانمائة وفيها في يوم الاثنين ثالث المحرم دخل الامير ماماي الخاصكي إلى القدس الشريف بخلعة السلطان والناس في خدمته فرسم على أكابر البلد وأخذ منهم مالا فأخذ من ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي اربعة بغال وحصانا ومن النائب الأمير جانم مائتي دينار ومن شيخ الصلاحية ثلاثين دينارا ومن القاضي فخر الدين بن نسيبة أربعمائة دينار ومن القاضي شهاب الدين الجوهري ثلثمائة دينار وحصل للناس منه شدة وتوجه في يوم السبت ثامن المحرم وفيها في يوم الاثنين سابع ربيع الأول توجه القاضي فخر الدين بن نسيبة إلى القاهرة بمرسوم شريف ورد بطلبه وفيها حضر الأمير اقبردي الدوادار الكبير من القاهرة المحروسة إلى جهة نابلس لتجهيز رجال للتجريدة لقتال بايزيد بن عثمان ملك الروم ووصل إلى مدينة الرملة في خامش عشر ربيع الأول وهو أول قدومه إلى هذه الأرض فنصب مخيمه على تل العوجاء وشرع يتنقل فتارة ينزل بارض قاقون وتارة بأرض اللجون وتارة بالرملة والبس خليل بن اسماعيل مشيخة جبل نابلس على عادته وشرع في تجهيز الرجال وعرضهم ودفع النفقة لهم وفيها في اواخر شهر ربيع الاول حصل للسلطان عارض وهو انه ركب فرسا في الحوش بالقلعة فرماه ووقع فوقه فكسر فخذ السلطان واستمر نحو شهرين وانزعجت المملكة لذلك ثم عوفي - ولله الحمد - وزينت مدينة القدس وغيرها من البلاد لعافيته وفيها عزل القاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي من قضاء القدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ونابلس وكان بروز الامر بعزله في رابع عشري ربيع الآخر وورد علم ذلك إلى بيت المقدس في العشر الاول من جمادي الأولى وخرج مختفيا في ليلة خامس عشر الشهر المذكور بعد محن حصلت عليه من الشكاوى الواقعة عليه إلى دوادار السلطان وهو بمخيمه بأرض اللجون وانحرف نائب القدس عليه وغيره من الاكابر والعيان ببيت المقدس والله الموفق وفيها في يوم السبت سابع عشري رجب حضر الأمير اقبردي الدوادار الكبير إلى القدس الشريف بعد فراغه من المهم السلطاني وقصد التوجه إلى الابواب الشريفة وفرش له نائب القدس - الأمير جانم - الشقق الحرير ونثر على رأسه الفضة وأوقد له المسجد الأقصى وقدم له نائب القدس عشرين فرسا وقطار بغال وعمل له سماطا عظيما فخلع عليه وعلى الأمير قانصوه اليحياوي نائب الشام وسافر من القدس في عشية يوم الأحد وتوجه إلى بلد سيدنا الخليل عليه السلام للزيارة ثم توجه إلى مدينة غزة وأقام بها مدية يسيرة ثم توجه إلى الديار المصرية وفيها في أواخر شهر شعبان حضر سيدنا ولي الله تعالى الشيخ شمس الدين أبو العون محمد الغزي القادري الشافعي نزيل جلجوليا أعاد الله علينا من بركاته إلى القدس الشريف زائرا ثم توجه لزيارة سيدنا الخليل عليه السلام وكان السماط قد قطع مدة أيام فلما قدم إلى بلد الخليل تلقاه الفقراء والفقهاء ودخلوا معه بتلاوة القرآن والذكر واعيد السماط ببركته ثم عاد إلى القدس الشريف في سلخ شعبان وصام أياما في شهر رمضان ثم عاد إلى محل وطنه عامله الله بلطفه وفيها استقر الأمير خضر بك في نيابة القدس الشريف ووصل متسلمه السيفي كتبغا مملوك الأمير قانصوه اليحياوي في يوم الجمعة ثالث عشري رمضان وقرئ المرسوم الشريف بالمسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة ودخل النائب إلى القدس في يوم الثلاثا تاسع ذي القعدة بعد كبس قرية جلجوليا فقبض جماعة من أهلها ودخلوا معه إلى القدس بعد ضربهم واشهارهم على الجمال وقصد قتلهم عند باب الخليل فوقعت الشافعة فيهم وقرئ توقيعه يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة وفيها احتبس المطر حتى دخل اكثر الشتاء ووقع الجدب وانزعج الناس لذلك وتزايد ظلم النائب وإفحاشه في حق الرعية بالجور وقل القوت لاحتباس المطر ومضت السنة والأمر على ذلك ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وفيها عمر الأمير خضر بك نائب القدس بدار النيابة المقعد الملاصق لايوان الحكم من جهة الشمال وجعله على طريقة مجالس الحكام بالديار المصرية وسقفه بالخشب المدهون وكان قبل ذلك جلوس النائب بصدر الايوان فصار جلوسه بالمقعد وهو أولى من النظام الأول وقد كتب بأعلا المقعد تاريخ عمارته في المحرم سنة احدى وتسعين وهو خطأ وإنما عمر في المحرم سنة اثنتين وتسعين وفيها فشا الغلاء في جميع المملكة واشتد الأمر ببيت المقدس وتزايد ظلم النائب به وجوه فورد مرسوم شريف بالكشف عليه وما يعلمه في حق الرعية وأن يكون المتولي لذلك الأمير طومان باي الخاصكي وكان إذ ذاك بالمملكة الشامية فانتظر حضوره وكان من تقدير الله تعالى أن الذي تسبب في ورود المرسوم الشريف بالكشف على النائب جمال الدين يوسف بن ربيع أمير الحكم بالقدس فلما وصل المرسوم سر بذلك وشرع في تدبير الامور وترتيب الشكاة إلى أن يحضر الخاصكي للقدس فقدر الله وفاة جمال الدين بن ربيع في ثالث عشري جماي الاولى قبل حضور الخاصكي وصادف يوم وفاته ورود خلعة من الابواب الشريفة للنائب فخرجت جنازة جمال الدين بن ربيع إلى ماملا والأسواق قد زينت والبشائر دقت لورود خلعة النائب ولبسها ودخل إلى القدس في ثاني يوم وفاة ابن ربيع وقد رأيت في ذلك اليوم العجب من حال الدنيا فإن الناس قد اختلفوا للكشف على النائب والقيام في نصرة جمال الدين بن ربيع من الاكابر والعوام لبغضهم في النائب فانقلب الأمر بضده وشرع الناس في الاحتفال بأمر النائب والركوب في خدمته وتهنئته بالخلعة الواردة عليه وشرع أهل جمال الدين بن ربيع من اولاده وعائلته وأصحابه فيما هم فيه من عقد عزائه والنياحة عليه وتعاطي أسباب تكفينه ودفنه والأمران في يوم واحد في ساعة واحدة فسبحان ناقض العزائم الذي لا يسئل عما يفعل فلما حضر الخاصكي إلى القدس خمدت الامور لوفاة جمال الدين بن ربيع وحضر النائب لشيخ الاسلام الكمالي بن أبي شريف وتلطف به وعاهد الله أن لا يعود لما صدر منه فكتب محضر للسلطان ان النائب عاهد الله على سلوك الطريق الحميدة وان لا يعود لما صدر منه وكتب اهل بيت المقدس من القضاة والاعيان خطوطهم بالمحضر وجهز على يد الخاصكي ومضى الأمر على ذلك وفيها حضر إلى القدس الشريف الأمير جان بلاط وعلى يده مرسوم شريف بالكشف على الأوقاف وتحرير أمرها وحضر صحبته ملك الأمراء أقباي نائب غزة المحروسة ودخل إلى القدس الشريف في يوم الاحد ثاني عشري شهر شعبان وجلس بالمدرسة الاشرفية بحضور شيخي الاسلام الكمالي بن أبي شريف والنجمي بن جماعة والناظر والنائب والقضاة والخاص والعام وقرئ المرسوم الشريف ثم انتهى الحال على أن جمع له من الاوقاف أكثر من ألف دينار فأخذها وخدمه نائب القدس وناظره وجماعة من الأعيان ثم في يوم الخيمس سادس عشري شعبان توجه وصحبته ملك الأمراء بغزة وشيخ الاسلام الكمالي والناظر والنائب والقضاة إلى ظاهر القدس الشريف وجلسوا على تل الغول لايقاع الصلح بين نائب القدس السيفي خضر بك وخليل بن اسماعيل شيخ جبل نابلس بسبب ما وقع بينهما من التنافر فحصل الصلح بينهما وكتب الجواب للسلطان بذلك وتوجه المشار اليه إلى نابلس وفيها في شهر شعبان ورد مرسوم شريف بالافراج عن الأمير قانصوه اليحياوي وان يتوجه من القدس الشريف إلى القاهرة المحروسة فتوجه في يوم الاربعاء يوم عيد الفطر فلما وصل إلى غزة ورد خبر وفاة الأمير قجماس نائب الشام فتباشر الأمير قانصوه وجماعته بولايته نيابة الشام على عادته فلما قدم إلى القاهرة المحروسة أكرمه السلطان وانعم عليه واقام اياما ثم استقر في نيابة الشام في أواخر السنة وفيها اشتد الأمر بالقدس والخليل وغيرهما وغلت الأسعار فوصل سعر القمح بالقدس كل مد بثلاثين درهما والشعير كل مد باثني عشر درهما والخبز كل رطل بأربعة دراهم وكان الغلاء عاما في جميع المملكة ( واقعة خضر بك ) وفيها فحش أمر خضر بك النائب بالقدس وتزايد ظلمه وسفكه الدماء وأخذ اموال الناس وكثر شاكوه وساءت سيرته فكتب شيخ الصلاحية النجمي بن جماعة في أمره اللسلطان فورد مرسوم السلطان على الامير تغرى ورمش دوادار المقر الأشرف السيفي أقبردي الدوادار الكبير وهو بمدينة نابلس بالتوجه إلى القدس والكشف على النائب وتحرير امره فحضر الامير تغرى ورمش إلى القدس في يوم الخيمس ثالث عشر ذي الحجة وقرئ المرسوم الشريف بالكشف على النائب فعقد له عدة مجالس اولها عقب صلاة الجمعة رابع عشر ذي الحجة بمحراب المسجد الأقصى الشريف ثم تكرر عقود المجالس في عدة أماكن بعضها بالمجمع الكائن سفل المدرسة الاشرفية وبعضها على المسطبة الكائنة عند باب جامع المغاربة وبعضها بالمدرسة لعثمانية وأكثر الناس من الشكوى عليه وكتبت القصص في حقه وحضر أهل مدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام بأعلام المسجد الشريف والطبلخانات واقيمت الغوغاء عليه واستمر الأمر على ذلك أكثر من عشرة أيام وكانت أياما مهولة مزعجة ثم كتب الجواب للسلطان بما صدر منه من الكشف على النائب وما هو مرتكبه من الظلم وسوء السيرة وكتب العلماء والقضاة بالمدينتين على المحضر ليحضر على السلطان ومما وقع ان القاضي المالكي بالقدس الشريف شرف الدين يحيى المغربي الاندلسي كان في باطن الامر يساعد النائب ويلطف امره فلما وقع الكشف ورد على ناظر الحرمين الامير ناصر الدين بن النشاشيبي مطالعة المقر الزيني أبي بكر بن مزهر كاتب السر الشريف يعلمه انه وصل بالمسامع الشريفة ان القاضي المالكي بالقدس كانت سيرته اولا حسنة وكان يباشر بعفة ثم ساءت سيرته وشرع يأخذ الرشوة وقد اقتضت الآراء الشريفة عزله ومنعه من تعاطي الاحكام الشرعية فالمخدوم يعلمه بذلك ويمنعه من تعاطي الاحكام مؤرخ في اواخر ذي القعدة فلما وصلت المطالعة لناظر الحرمين كتم امرها حتى يفرغ أمر الكشف على انائب ثم يتتلطف في عود الجواب عن القاضي والسعي في استمراره على عادته فلما كان في يوم الاحد سادس عشر شهر ذي الحجة عقد مجلس للكشف بالمدرسة العثمانية وجلس الامير تغرى ورمش وناظر الحرمين وشيخ الاسلام الكمالي وشيخ الاسلام النجمي والقضاة ومن جملتهم المالكي فأذن العصر فقام القاضي المالكي يصلي والناس جالسون خلفه فوقع كلام من الناظر عرض فيه بذكر القاضي المالكي وانه يساعد النائب في أمره وانه يأخذ الرشوة وكان القاضي المالكي حين تكلم الناظر في صلب الصلاة فسمع كلامه فلما فرغ من الصلاة وجه خطابه للأمير تغرى ورمش وقال له يا خوند إن كان هذا الرجل ينسبني لأخذ الرشوة على الاحكام فهو يأخذها على الاوقاف فانتشر الكلام بينهما وأخذ شيخ الاسلام الكمالي ينتصر للناظر وانتهر القاضي وقال لب تكذب فبادر الناظر وأمر باحضار المطالعة الواردة بعزل القاضي فلما قرئت قال القاضي أنا ولايتي من السلطان وهذه مطالعة القاضي كاتب السر لا أنعزل بها فقيل له ان كاتب السر هو لسان الملك وقائم مقامه في العزل والولاية وصرح الناظر بمنعه من تعاطي الأحكام فكثر الغوش على القاضي من الناس وأفحشوا له في القول وخرج من المجلس معزولا فتوجه من حينه إلى القاهرة ولم يقدر له ولاية بعد ذلك ثم توجه إلى بلاد اليمن فتوفي بها - كما تقدم في ترجمته - ثم كتب الجواب للسلطان بما صدر من الكشف على النائب وما هو مرتكبه من الظلم وسوء السيرة وكتب العلماء والقضاة والاعيان بالقدس خطوطهم على المحاضر وكتب اهل الخليل ايضا محاضر وكتب عليها قاضي بلد الخليل واعيانه وجهزت لتعرض على المسامع الشريفة ومضت السنة المذكورة والاحوال مضطربة لما وقع فيها من الكشف على النائب وغير ذلك من اختلال النظام والله المدبر ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة فيها في شهر المحرم توجه نائب القدس الأمير خضر بك إلى الابواب الشريفة بعد صدور الكشف عليه - كما تقدم - وتوجه أيضا ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي في الشهر المذكور وتمثل كل منهما بالحضرة الشريفة فلما وقف النائب للسطان وكان قد عرض عليه ما كتب في حقه من محاضر الكشف ضربه السلطان وسجنه ورسم ان يدفع ما عليه من الحقوق لأربابها وعزله من النيابة وأما الناظر فإنه استعفى من وظيفته وسأل في عزل نفسه فتوقف السلطان في ذلك فادعى العجز والخ عليه في الاستعفاء فأعفي وشغرت كل من الوظيفتين النيابة والنظر وبرز مرسوم شريف إلى ملك الأمراء اقباي نائب غزة بتجيهز دواداره إلى مدينة القدس ليقيم بها إلى ان يجهز اليها من يوليه السلطان فجهز دواداره السيفي خشقدم فقدم إلى القدس في يوم السبت ثامن عشري المحرم وأحسن السياسة وفيها في شهر صفر استقر الأمير دقماق دوادار اينال الاشقر في نظر الحرمين الشريفين ونيابة السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام ببذل عشرة آلاف دينار للخزائن الشريفة غير ما تكلفه لأركان الدولة وحضر متسلمه طرباي إلى القدس في يوم الثلاثاء ثامن عشري صفر وكان ذلك من أقبح الأمور وأبشعها فإن ناظر الحرمين الامير ناصر الدين بن النشاشيبي كان من أهل الخير والصلاح فأبدل بظالم فاجر وهو - كما قيل - لاذات ولا أدوات وفيها قطع السماط الكريم بحضرة سيدنا الخليل عليه السلام من أول السنة إلى عشري جمادي الأولى ثم عمل من الشعير ولم يعلم انه قطع مثل ذلك في تقادم السنين فالحكم لله العلمي الكبير وفيها أنعم السلطان على القاضي فخر الدين بن نسيبة بالرضا والبس خلعة من الحضرة الشريفة وأذن له فيا لتوجه إلى محل وطنه بالقدس الشريف فسافر هو والأمير دقمقا ناظر الحرمين ونائب السطنة وصحبتهما جماعة المباشرين وتوجه الناس للقائهم من القدس الشريف إلى مدينة غزة ودخلوا إلى الرملة في يوم الجمعة ثالث عشر جمادي الأولى وفيها حضر الأمير أقبردي الدوادار الكبير وصحبته القاضي زين الدين ابن مزهر كاتب السر الشريف من القاهرة المحروسة إلى جهة نابلس لتجهيز الرجال للتجريدة لقتال بايزيد خان بن عثمان خان فوصلا إلى الرملة في يوم السبت حادي عشري جمادي الاولى وكان الأمير دقماق والقاضي فخر الدين بن نسيبة بالرملة قبل توجهما إلى القدس فاجتمعا بالمشار اليهما وحضر اعيان بيت المقدس للقاء القاضي كاتب السر والدوادار الكبير بالرملة منهم شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وشيخ الاسلام النجمي ابن جماعة والقضاة والاعيان وتسلم الامير دقماق والقاضي فخر الدين من مال الخزائن الشريفة الوارد علي يد الأمير الدوادار الكبير خمسة آلاف دينار ليصرفا ذلك على الرجال المعينين من جبل القدس والخليل واذن لهما في التوجه إلى القدس فتوجها من الرملة في يوم الاثنين ثالث عشري جمادي الأولى ودخلا إلى القدس في يوم الخميس سادس عشري جمادي الأولى والامير دقماق بخلعة النيابة والنظر وهو متوشح بأطلسين على العادة والقاضي فخر الدين بكاملية على سمور وكان يوما حافلا وقرئ توقيع النائب في يوم الجمعة ثاني يوم دخوله وحصل للنائب ضعف شديد عقب ذلك وانقطع فتولى القاضي فخر الدين أمر تجهيز الرجال وصرف عليهم المبلغ وتوجه بهم من القدس في يوم الجمعة ثالث رجب إلى الامير الدوادار الكبير وتوجه الدوادار الكبير والقاضي كاتب السر لجهة نابلس وجهز الرجال من جبل نابلس ثم توجه القاضي كاتب السر في شهر رجب وهو متوعك إلى الابواب الشريفة فوصل إلى محل وطنه واستمر متوعكا إلى أن توفي في يوم الخميس سادس شهر رمضان وصلي عليه صلاة الغائب بالمسجد الأقصى في يوم الجمعة ثامن عشري رمضان رحمه الله وعفا عنه ثم توجه بعده الدوادار الكبير في شهر شعبان وسارت العساكر لقتال بايزيد خان بن عثمان خان وفيها من الله تعالى على عباده بحصول الرخا وتيسير الاقوات وانحطاط الاسعار وحصل الرفق للعباد مع وجود الشدة بسبب التجاريد وذهاب الناس إلى بلاد الروم فسبحان من يتصرف في عباده بما يشاء وفيها استقر شيخ الشيوخ جلال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي شريف الشافعي أخو شيخ الاسلام الكملاي في ربع وظيفة المشيخة بالخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف بنزول شرعي صدر له من الشيخ ناصر الدين محمد بن غانم شيخ الحرم وتوجه إلى الديار المصرية لاخراج توقيع شريف على حكم النزول فأجيب إلى ذلك وكتب له التوقيع الشريف وحضر من القاهرة المحروسة وباشرها وهي مستمرة بيده إلى يومنا وفيها تزايد ظلم دقماق نائب القدس الشريف وكثر طمعه وتلاشت احوال المعاملة واختل نظامها وكثر السراق وأفحشوا في قطع الطرق وقتل الأنفس وبقي الناس في شدة لذلك فإن دقماق - المذكور - كان في مباشرته على طريقة النائب جقمق - المتقدم ذكره - يصدر منه كلمات مهملة في المجالس والمحافل توجب انتقاص الناس له وكان يخاطب آحاد العوام بالترهات الفشرية ويعتمد افعالا لا تليق منها انه وزن نفسه في القبان وكان يجالس السفهاء ويضحك معهم ويخاطبهم بالمزاح وكان إذا مر بجماعة يقول سلام عليكم جماعة فنقموا عليه بذلك وشرع بعض الناس يرتب ألفاظا ويسجعها منها سلام عليكم جماعة دقماق عنده سقاعة فبلغه ذلك فطلب ذلك الرجل وقال له تقول عني كذا ؟ فقال حاش ا لله إنما قلت سلام عليكم جماعة دقماق عنده شجاعة فشرع النائب يضحك ويتكلم بالسخريات ووقع له انه حكى عن اخته حكاية معناها انه كان في مكان مخوف وانه ظهر عليه جماعة وطردوه فهرب منهم فمن ألفاظه أنه قال فأخذت فلسي في كفي وقمت القيام وأشياء من هذا النسق اوجبت تلاشي احواله واختلال نظامه فكان أمره بخلاف دقماق الاينالي - المتقدم ذكر - فإنه ولي مدة يسيرة وكانت سطوته وهيبته تضرب بهما الامثال فهو يوافقه في الاسم ويخالفه في الفعل وفيها استقر القاضي شمس الدين محمد بن إبراهيم الرجبي المشهور بابن مازن القروي المالكي في وظيفة قضاء المالكية بالقدس الشريف بعد شغورها عن القاضي شرف الدين يحيى الاندلسي - المتقدم ذكره - من اواخر سنة اثنتين وتسعين وكتب توقيعه بذلك في ثامن عشر شوال وورد كتابه إلى القدس الشريف باستخلاف القاضي كمال الدين أبي البركات محمد بن الشيخ خليفة فباشر عنه من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وفيها توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن الغزي سبط الجوهري وبه اشتهر وكان عنده معرفة تامة بالحساب والمباشرة واحوال الناس وباشر العمالة بالمسجد الأقصى الشريف مدة ثم نزل عنها وكان له مروءة وقيام مع أصحابه مع لين جانب وساد وراس وكان يترفه بالملبوس الحسن والمأكل وعنده حشمة وتواضع ووفاته في شهر ذي القعدة وقد قارب السبعة ودفن بماملا وكانت جنازته حافلة رحمه الله ثم دخلت سنة اربع وتسعين وثمانمائة فيها حضر الأمير اقبردي الدوادار الكبير إلى جبل نابلس في شهر المحرم بسبب القبض على بني اسماعيل مشايخ جبل نابلس لما حصل منهم التقصير في المهم الشريف ببلاد الروم وبرز الأمر لنائب القدس دقماق باسترجاع مال التجريدة ممن كان دفع اليه من الرجال لما نسب اليهم من التقصير وعودهم من بلاد الروم بغير اذن فأحضر دقماق كل من اخذ شيئا واسترجعه منه بالضرب والحبس وافحش في الامور ومن الناس من تسحب فقبض على من يكون منسوبا اليه من أقاربه واصحابه وجيرانه وشرع يضرب الناس بالمقارع ويضعهم في الحبس وفعل بهم فعلا لم يسمع بمثله في زمن الجاهلية حتى ان بعض الناس باع ابنته كما يباع الرقيق وتفاحش الأمر وبقي الناس في شدة شديدة ومحنة لم تعهد بالارض المقدسة قبل ذلك فسبحان من يتصرف في عباده بما يشاء وتوجه الدودار الكبير في اوائل جمادي الاولى إلى محل وطنه بالديار المصرية وفيها في شهر صفر احدث النصارى المقيمون بدير صهيون كنيسة ظاهر القدس الشريف بالقرب من الدير زعموا ان مكانها مقام السيدة مريم عليها السلام واحكموا بناءها وجعلوا بها من جهة الشرق الهيكل الذي يعمل في الكنائس وصارت كنيسة محدثة بدار الاسلام وكان المساعد لهم دقماق النائب وأذن لهم في البناء بمال بذل له ولغيره في ذلك وحصل الوهن في الاسلام بذلك فمن الله بزاولها كما سنذكره في السنة الآتية إن شاء الله تعالى ( تجديد البيعة للسلطان ) وفيها غضب السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي نصره الله تعالى من مماليكه فقصد خلع نفسه من الملك والخروج من الديار المصرية وكان ذلك في يوم السبت رابع شهر ربيع الاخر بحضرة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي العز عبد العزيز ابن يعقوب أعز الله به الدين وقضاة القضاة الاربعة وهم شيخ الاسلام زين الدين أبو محمد زكريا الانصاري الشافعي وشيخ الاسلام ناصر الدين محمد الاخميمي الحنفي وشيخ الاسلام محي الدين عبد القادر بن تقي المالكي وشيخ الاسلام بدر الدين محمد السعدي الحنبلي وغيرهم من الامراء واركان الدولة فوقع منه بحضرتهم ما يؤذن بخلعة بأن قام وخلع سلارية عنه ورمى به بعد ان تبرم من السلطنة وهؤلاء الامراء وفيهم من هو أهل للسلطنة فاختاروا من شئتم وأنا اتوجه من هنا إلى مكة في جماعة قليلة ولا اعارضكم في سلطنتكم وكلمات اخر نحوا من هذا فجزع الناس لذلك ثم استعطف خاطره واسترضى وجددت له البيعة بالسلطنة وكاني وما مشهودا وفيها حضر إلى القدس الشريف القاضي شمس الدين محمد بن مازن المالكي وبيده التوقيع الشريف بولاية القضاء وكان قدومه في يوم الاربعاء ثامن ربيع الآخر وفيها قصد أمير عربان جرم وهو أبو العويسر ان يجدد مظلمة على الفلاحين بجبل القدس الشريف ويأخذ منهم مالا وكان أبو العويسر صغيرا دون البلوغ وكان حاجبه هو المدبر لأمره فقام في ذلك شيخ الاسلام نجم الدين بن جماعة شيخ المدرسة الصلاحية ومنعه من ذلك وجلس بالمسجد الأقصى عند الشباك المطل على عين سلوان وجلس معه شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف والقضاة والمشايخ وكتبوا محضرا ووضعوا خطوطهم به ان ذلك لم تجر به عادة قبل اليوم وجهز المحضر إلى الأمير اقبردي دوادار المقام الشريف وهو بمخيمة بالرملة ولم يمكن أمير جرم من اخذ شيء من الفلاحين وسطرت هذه المثوبة في صحائف شيخ الاسلام النجمي بن جماعة وفيها ورد مرسوم شريف في شهر شعبان على يد قاصد من باب الامير ازبك امير كبير يتضمن أن رهبان دير صهيون انهوا ان من حقوق ديرهم جميع القبو المجاور له وكان مدفنا لموتاهم وان جماعة من المسلمين زعموا ان به قبر داود عليه السلام وبنوا به محرابا للقبلة وليس الأمر كذلك وان العلماء أفتوا بأنه من استحقاق النصارى ولا يجوز ان يكون مسجدا لكونه مقبرة وبرز الأمر بتحرير ذلك وتسليم القبو للنصارى ومنع من يعارضهم وعقد مجلس بدار النيابة بحضرة القضاة وقصد بعض الناس إعانة النصارى على انتزاعه من المسلمين فعز ذلك على أهل الاسلام لكونه بأيديهم وبه قبلة إلى الكعبة المشرفة فخذل الله النصارى ومساعديهم وانصرف المجلس من غير شيء وسنذكر تتمة هذه الحادثة في السنة الآتية إن شاء الله تعالى وفيها ورد مرسوم شريف على دقماق نائب القدس الشريف بطلب المباشرين إلى الابواب الشريفة والحط عليه بسبب تقصيره في سماط سيدنا الخليل عليه السلام ومن جملة ألفاظ المرسوم يا معلون ما أنت مسلم وقرئ المرسوم في مجلس حافل بحضرة الخاص والعام بدار النيابة في يوم الجمعة خامس عشري شعبان ومما تضمنه المرسوم عزل القاضي شمس الدين الديري الحنفي من قضاة الحنفية بالقدس الشريف وتجهيزه إلى الابواب الشريفة فأعيد الجواب بالتطلف في مره واستمر مقيما إلى ان حصل الانعام عليه باعادته إلى وظيفته اواخر شهر ذي القعدة وفي شهر ذي الحجة بعد عيد الاضحى توجه القاضي شمس الدين محمد بن مازن المالكي إلى محل وطنه بغزة واستخلف عنه في الحكم القاضي كمال الدين أبو البركات بن الشيخ خليفة على عادته ثم دخلت سنة خمس وتسعين وثمانمائة فيها قحط المطر ببيت المقدس حتى مضى غالب الشتاء وانزعج الناس لذلك وصاموا ثلاثة ايام ثم استسقوا في صبيحة يوم الأحد خامس عشر ربيع الآخر بالصخرة الشريفة وخطب الخطيب شرف الدين ابن جماعة خطبة بليغة وتضرع وابتهل وضج الناس إلى الله بالدعاء ودخلوا إلى الجامع الأقصى بالذكر والتهليل ثم انصرفوا ولم يسقوا في يومهم فجزع الناس لذلك وتضرعوا إلى الله تعالى فلما مضى النهار وأقبلت ليلة الاثنين أغاث الله عباده بالمطر الغزير فامتلأت الآبار ورويت الأرض وأظهر الله إجابة دعاء عباده الضعفاء فاطمأن الناس وحمدوا الله واثنوا عليه وله الحمد والمنة وفيها اشتد الامر بسبب التجريدة لقتال بايزيد خان بن عثمان خان ملك الروم وتجهيز الرجال من جبل القدس وجبل الخليل وغيرهما وتوجه الأمير أزبك أمير كبير وصحبته المراء والعساكر فلما وصل إلى مدينة الرملة كتب مرسومه إلى بيت المقدس إلى مشايخ الاسلام والقضاة بسبب رهبان دير صهيون وما أنهوه من جهة القبو الذي يقال ان به قبر داود عليه السلام وان يحرر الأمر فيه وإذا تبين انه من استحقاق النصارى بالطرق الشرعي يسلم اليهم فعقد مجلس لذلك بالمدرسة التنكزية بحضرة شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وشيخ الاسلام النجمي بن جماعة ودقمق ناظر الحرمين ونائب السلطنة والقضاة ودار الكلام بينهم في تحرير امره وكتبوا محضرا يتضمن ان هذا المكان به محراب إلى جهة القبلة وانه بأيدي المسلمين من تقاد السنين وكتب العلماء والقضاة والفقهاء خطوطهم بالمحضر ولم يتلفت إلى النصارى ولا إلى من يساعدهم في ذلك كل ذلك وهم مستمرون على الفساد لعنة الله عليهم ( واقعة قبر داود عليه السلام والقبة المحدثة عند دير صهيون ) ( والكشف على دقماق ناظر الحرمين ونائب القدس الشريف ) وفيها - عقب ما تقدم ذكره من أمر النصارى - كتب شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف للسلطان مكاتبتين احداهما ذكر فيها ان المسجد الأقصى الشريف قد اختل نظامه واحتاج إلى العمارة وإقامة الشعائر والثانية في معنى القبة التي احدثها النصارى عند دير صهيون وانها صارت كنيسة محدثة وما وقع بسبب القبو الذي يقال ان به قبر داود عليه السلام وجهز المكاتبتين للسلطان فعرضتا عليه واقترن بذلك كثرة الشكاوى على دقمق نائب القدس لما يصدر منه من الظلم والجور وقطع الطرق في أيامه فجهز السلطان خاصكيا اسمه أزبك بالكشف على النائب وكتب مرسوم شريف مطلق بما وقع على النائب من شكوى الرعية وما يعمل في حقهم وان يحرر أمره ويعاد الجواب على المسامع الشريفة ورسوم ثان مختص بالشيخ كمال الدين جوابا لمكاتبتيه - المتقدم ذكرهما - وانه يحرر أمر المسجد الأقصى الشريف وما هو يحتاج اليه من العمارة وان ينظر في أمر القبة التي احدثها النصارى عند دير صهيون واذا كان البناء مخالف للشرع يهدم ويحرر أمر قبر داود عليه السلام ويعمل ما يقتضيه الشرع الشريف وإعادة الجواب بما يتحرر من ذلك وفصل الخاصكي إلى بلد سيدنا الخليل عليه السلام وجلس بالمسجد الشريف الخليللي وحصل الكشف على النائب بمدينة سيدنا الخليل فكثرت عليه الشكوى بسبب سماط سيدنا الخليل عليه السلام وما يحصل منه من الضرر لأهل بلد الخليل وكتب محضر بذلك بخط القاضي وأهل البلد ثم حضر الخاصكي والنائب صحبته فدخلا إلى القدس الشريف في يوم الخميس آخر جمادي الآخرة وجلسا في محراب المسجد الأقصى وجلس مشايخ الاسلام والقضاة والخاص والعام وقرئ المرسوم الشريف الوارد بالكشف على النائب والمرسوم الثاني بسبب النصارى وما أحدثوه وضج الناس وأكثروا من الشكوى على النائب وافحشوا له في القول واصبح الناس في يوم الجمعة جلسوا بالمجمع سفل المدرسة الشرفية وشرعوا في الكشف على النائب وادعى عليه كثير من الناس عند قاضة الشرع الشريف بأمر أنكر بعضها واعترف ببعض ( هدم القبة ) فلما كان في يوم السبت ثاني شهر رجب توجه شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وشيخ الاسلام النجمي ابن جماعة ودقماق النائب وأزبك الخاصكي والقضاة والخاص والعام إلى دير صهبون وجلسوا بداخل القبة اليا حدثها النصارى وتكلموا في أمرها فتحرر من امرها ان النصارى انهو ان بقرب دير صهيون قبرا يسمى القبر المنسي وأنه يقصد للزيارة وأن مرادهم البناء عليه واثبتوا محضرا ان هذا المكان هو القبر المنسي فبنوا القبة المذكورة اعتمادا على أن القبر المنسي تحتها فلما جلس العلماء والقضاة للتحرير تبين أن الأمر بخلاف ما انهوه لمقتضى ان القبر المنسي في موضع آخر بالقرب من القبة في حاكورة هناك وأمره مجهول لا يعلم ما هو وأن المدفون به حيث كان مسلما فلا مدخل للنصارى في البناء عليه وتحرر أن محل القبة المذكورة إنما هو المكان الذي تزعم النصارى أنه مقام السيدة مريم عليها السلام وقد بنيت القبة المذكورة على صفة الكنائس وبها هيكل إلى جهة الشرق فلما اتضح ذلك اقيمت البينة عند القاضي بدر الدين بن الحمامي الشافعي ان القبة المذكورة مجدثة في دار الاسلام وان المتولي لبنائها رئيس دير صهيون ورجل آخر من النصارى بسعيهما في ذلك وحضرا بالمجلس وسألهما القاضي عن ذلك فاعترفا ببنائها وأنهما هما المتسببان في ذلك فألزمهما بهدمها ونفذ له بقية القضاة الأربعة ما صدر منه من الالزام بالهدم وأما القبو الذي يقال ان به قبر داود عليه السلام فتحرر من أمره انه كان قديما بأيدي النصارى وحصل فيه نزاع كثير من المسلمين في الزمن السالف من نحو مائة سنة ورفع امره إلى الملوك السالفة منهم الملك المؤيد شيخ والأشرف برسباي وغيرهما وكتب مراسيم شريفة في أمره وكثر النزاع في الزمن السالف بين المسلمين والنصارى بسببه وكان تارة يأخذه المسلمون وتارة يسترجعه النصارى ولم يزل امره في تخبيط إلى زمن الملك الظاهر جقمق رحمة الله عليه فرفع أمره اليه وكان من امره ما تقدم شرحه في ترجمته في سنة ست وخمسين وثمانمائة واستقر قبر داود من ذلك التاريخ بأيدي المسلمين بمرسوم الملك الظاهر جقمق وبنى به قبلة إلى جهة الكعبة المشرفة وبالقبو المذكور محراب موجه إلى جهة صخرة بيت المقدس وبه صفة قبر يقال أنه قبر داود عليه السلام وولي النظر عليه الشيخ يعقوب الرومي الحنفي عالم الحنفية بالقدس الشريف وكتب له مربعات حسبة من الملك الأشرف اينال والملك الظاهر خشقدم بمرتب يصرف للمكان المذكور واستمر بأيدي المسلمين إلى عصرنا من غير منازع وتحرر أمر ذلك على الصفة المذكورة ولم يتبين للنصارى ما يقتضي استحقاقهم له ولا ما يسوغ انتزاعه من المسلمين فعند ذلك جلس شيخ الاسلام والقضاة والاعيان بالقبو المذكور وقرؤا القرآن وذكروا الله تعالى ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وكان يوما مشهودا أعز الله فيه الاسلام وأعلى كلمة الايمان وقمع عبدة الصلبان فلله الحمد والمنة ثم انصرف الناس إلى داخل المدينة للكشف على النائب وحصل الاتفاق مع النصارى انهم في اليوم الثاني وهو نهار الاحد يهدمون ما أحدثوه من بناء القبة المذكورة وانفصل الامر على ذلك فلما دخل الناس إلى المدينة ورد الخبر أن السلطان قدم إلى مدينة الرملة ونصب خيامه بها فاضطرب الحال لذلك وشرع الناس من الاعيان والاكابر في التأهب للقاء السلطان وبقي الخلق في هوج وموج فأشار شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف بالمبادرة إلى هدم القبة المذكورة قبل التوجه إلى لقاء السلطان خشية من عارض يحدث ثم ركب بنفسه وتوجه وصحبته الخاصكي والنائب والقضاة والجم الغفير وعادوا على الفور إلى دير صهيون وأمروا بهدمها وهم جلوس هناك فاحضرت آلات الهدم وانتهز أهل الاسلام الفرصة وهدموا القبة عن آخرها ودكوها دكا واسبعوا الكافرين صكا واستمر الهدم من ضحى النهار إلى آخره وعمل فيه خلق من الفقهاء والفقراء والصوفية والزهاد والخاص والعام كل ذلك والمسلمون تعلو أصواتهم بالتسبيح والتهليل والتكبير وكان يوما مشهودا يذكر ما سلف من الغزوات نصرة الاسلام على ملة الكفر وهذه المثوبة في صحائف شيخ لااسلام الكمالي فإنه هو الذي كان سببا لهذا المعروف فجزاه الله عن الاسلام والمسلمين خيرا فلما انتهى الهدم ولم يبق للقبة اثر ورد الخبر من مدينة الرملة من جماعة حضروا منها في ذلك الوقت ان السلطان لم يكن حضر ولا خرج من القاهرة وان الخبر الوارد بقدومه إلى الرملة لا أثر له فعجب الناس لذلك وعد ذلك من بركة الاسلام فإنه لماورد الخبر بقدوم السلطان كان السبب إلى الاسراع بهدم القبة ووقع جميع ذلك في يوم السبت ثاني شهر رجب - كما تقدم ذكره وكتبت محاضر بما وقع في أمر القبة وهدمه ا بحكم الشرع الشريف وما تحرر من أمر قبر داود عليه السلام وأنه تبيين انه بأيدي المسلمين من تقادم السنين وما وقع فيه من القراءة والذكر وكتب شيوخ الاسلام والقضاة والفقهاء خطوطهم على المحاضر ولما حضر الخاصكي بالكشف كان القاضي المالكي شمس الدين بن مازن بغزة فحضر بعد الشروع في الكشف بنحو ثلاثة أيام وكتب خطه مع الجماعة على المحاضر واصبح الناس في يوم الأحد في الشروع فيما يتعلق بالكشف على النائب وحصل التشديد من الخاصكي عليه واغلظ عليه في القول ووضعه في الترسيم وكتب الجواب للسلطان بمحاضر عليها خطوط اعيان بيت المقدس بما تحرر من أمر النائب وسوء سيرته وما اعتمده في حق الرعية من الظلم وعدم سلوك الطريق الحميدة وخراب المسجد الأقصى الشريف وجهزت المحاضر على يد الامام ناصر الدين ابن الشنتير إمام الصخرة الشريفة فبادر النائب وجهز دواداره طرباي خفية إلى القاهرة واجتمع بالأمير اقبردي الدوادار الكبير واعلمه بما وقع في حق استاذه ووعده بمال فانتصر للنائب ثم علم بوصول إمام الصخرة وعلى يده المحاضر فجهز له من تلقاه في ظاهر القاهرة وقبض عليه ووضعه في الترسيم ومنعه من الاجتماع بالسلطان واستمر الأمر بالقدس الشريف على ما هو عليه من الكشف على النائب وعقود المجالس نحو ستة وعشرين يوما وحصل للنائب شدة من الاساءة عليه من أقل العوام فلما كان في اليوم السادس والعشرين من شهر رجب والناس مجتمعون بالمدرسة الأشرفية من المشايخ والقضاة والخاص والعام إذ ورد مرسوم شريف على يد قاصد النائب طرباي يتضمن الانكار على الخاصكي لما وقع منه في حق النائب لكونه رسم عليه بغير مرسوم شريف وان الأبواب الشريفة اقتضت حضور النائب وشيخ الصلاحية والقاضي فخر الدين بن نسيبة وان الخاصكي يعيد للنائب جميع ما وصل اليه منه حتى النفقه فلما ورد هذا الخبر حصل للنائب الفرج بعد الشدة ودق الطبلخانات للبشرى وشرع في تتبع من أساء الأدب في حقه فاختفى كثير من الناس وانزعج الاكابر وانقلب الأمر بنصرة النائب على من خاصمه واسترجع من الخاصكي كل ما دفعه اليه وكانت فتنة فاحشة ثم في أوائل شعبان توجه من القدس الشريف كل من النائب وشيخ الاسلام النجمي ابن جماعة والقاضي فخر الدين بن نسيبة ودخلوا إلى القاهرة المحروسة وورد مرسوم شريف لشيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف بالتكلم على المسجد الأقصى الشريف ومقام سيدنا الخليل عليه السلام فتوجه إلى بلدالخليل وأقام نظامه واصلح امر السماط الكريم ولما وصل الجماعة المطلوبون للقاهرة قدر ان شيخ الصلاحية تكلف مبلغا نحو الف دينار ورسم باستمراره في وظيفته وعاد إلى بيت المقدس في شهر شوال ودخل في الليل والقاضي فخر الدين بن نسيبة حصل له محنة من السلطان وأخرجه إلى الواح فأقام بها نحو سنتين ثم في سنة سبع وتسعين رسم بعوده إلى القاهرة فعاد وهو مقيم بها إلى يومنا والله لطيف بعباده وأما النائب فإنه انتمى إلى الدوادار الكبير وبذل مالا ورسم باستمراره في النيابة والنظر ومماوقع في هذه الحادثة أنه لما توجه ناصر الدين إمام الصخرة بالمحاضر - كما تقدم - وأشهد عليه دقماق انه عزله مما بيده من نصف إمامة الصخرة وقرر فيها القاضي شهاب الدين بن المهندس فلما وصل النائب إلى القاهرة ورسم له باستمراره في النيابة والنظر حصل لامام الصخرة ناصر الدين بن الشنتير الاجتماع بالسلطان ولامه على ما صدر منه من التكلم فيما لا يعنيه من سفره بالمحاضر وكونه جعل نفسه قاصدا ووبخه بمثل ذلك فاستغفر الله تعالى وكان من لفظه للسلطان يا مولانا السلطان اعف عني عفا الله عنك ووقع بينهما كلام لطيف من جملته ان السلطان امره ان يرمي بحضرته النشاب فرمى فأعجب السلطان رميه وأمره ان يجعل عمامته كعمامة الجند كما كانت اولا وحصلت له عناية فرسم السلطان باستمراره في نصف الامامة على عادته وعزل القاضي شهاب الدين بن المهنس وكتب له توقيع شريف بذلك معناه ان يستقر في نصف الامامة على عادته وعزل شهاب الدين ابن المهندس الذي قرره السيفي دقماق بغير طريق شرعي ولا مرسوم شريف وحضر إمام الصخرة إلى القدس الشريف في شهر رمضان وقرئ توقيعه بالمسجد الاقصى بعد صلاة الجمعة عقب ختم البخاري وإهدائه في صحائف السلطان وفي رابع شهر شوال توجه القاضي شمس الدين ابن مازن المالكي إلى وطنه بغزة واستخلف عنه في الحكم بالقدس الشريف القاضي تقي الدين أبا بكر بن العلم المالكي قاضي الرملة كان وفيها استقر القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن المهندس المصري الحنفي في وظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام عوضا عن القاضي شمس الدين الديري بمساعدة دقماق ناظر الحرمين ونائب القدس والسبب في ذلك انه لما حصل الكشف على النائب حصل له من القاضي شمس الدين الديري كلمات اغلظ فيها عليه فوجد في نفسه فلما تقرر القاضي شهاب الدين بن المهندس في نصف إمامة الصخرة ولم يتم له الأمر سعى له في قضاء الحنفية لكونه سافر في خدمته مساعدا له واجيب إلى ذلك وبرز الأمر بولايته في ثامن عشري رمضان ووصل مرسوم الاعلام إلى القدس في أواخر شهر ذي القعدة ومنع القاضي شمس الدين الديري من الحكم وفيها حضر الأمير اقبردي الدوادار الكبير إلى القدس الشريف متوجها لجهة الغور ووصل إلى القدس في يوم الاحد سابع عشري ذي الحجة ونزل بخان الظاهر واستمر إلى يوم الثلاثاء تاسع عشر الشهر ودخل إلى المسجدا لأقصى فصلى ركعتين ثم ركب من حينه وتوجه إلى الغور ثم دخلت سنة ست وتسعين وثمانمائة وفي يوم الخميس خامس المحرم دخل الأمير دقماق ناظر الحرمين ونائب السلطنة إلى القدس الشريف وهو لابس خلعة الاستمرار كاملية بسمور وصحبته القاضي شهاب الدين بن المهندس الحنفي وهو لابس تشريف الولاية وفي يوم الجمعة ثاني يوم دخلوهما قرئ بالمسجد الأقصى مرسوم السلطان باستمرار النائب وتوقيع القاضي الحنفي ثم في يوم الاثنين تاسع المحرم توجه النائب إلى الدوادار بالغور واستمر عنده إلى اواخر ربيع الأول وحضر الدوادار من الغور ونزل الرملة على قبة الجاموس وحضر النائب إلى القدس وفيها ورد مرسوم شريف بطلب القاضي بدرالدين بن الحمامي الشافعي والقاضي شمس الدين الديري الحنفي والشيخ شهاب الدين أحمد بن شروين المقري إلى القاهرة والسبب في ذلك دقماق نائب القدس الشريف بسبب كلام وقع منهم في وقت الكشف عليه في السنة الماضية وتوجهوا من القدس في نصف شهر صفر وتكلفوا مالا وعادالقاضي الشافعي وهو مستمر على الولاية والقاضي شمس الدين الديري وهو مستمر على العزل وكان عودهما إلى القدس في نصف شهر رمضان وفي أول شهر ربيع الأول حضر القاضي المالكي شمس الدين بن مازن من غزة إلى القدس الشريف بمباشرة وظيفته { واقعة الزيت } وفي أول شهر ربيع الآخر حضر السيفي قانصوه من مخيم الأمير اقبردي الدوادار الكبير بمرسومه برمي الزيت المتحصل من جبل نابلس على أهل بيت المقدس الخاص والعام من المسلمين واليهود والنصارى كل قنطار بخمسة عشر دينارا ذهبا والسبب في ذلك دقماق نائب القدس الشريف لما حصل عنده من الحنق على أهل بيت المقدس مما وقع منهم حين الكشف عليه في السنة الماضية وكان الزيت قبل ذلك من تقادم السنين ومضي الأزمنة يرد من جبل نابلس ويباع بالقدس والرملة بالسعر الواقع من غير حرج على أحد واستمر الامر على ذلك إلى سنة تسعين وثمانمائة فتسبب بعض وسائط السوقة في امره فصار يضبط الزيت ويرمي على اربابه وهم التجار الذين يصنعون الصابون بالقدس الشريف ومدينة الرملة ويدفع لهم بقدر معين من غير تعرض إلى أحد غير من يصنع الصابون وحضر في اوائل الأمر الأمير تغرى ورمش لقبض ثمنه ثم صار يعين في كل سنة بعض المماليك بخدمة الأمير دوادرا كبير للحضور إلى جبل نابلس فيحضر ويضبط الزيت ويبيعه لأربابه ويقبض ثمنه فلما كان في هذه السنة خضر الأمير الدوادار من القاهرة - كما تقدم - وقصد بيع الزيت لأربابه على ما جرت به العادة من سنة تسعين فسعى دقماق في رميه على جميع أهل بيت المقدس لينتقم منهم فلما حضر السيفي قانصوه في أول ربيع الآخر - كما تقدم - وجلس مع دقماق بدار النيبابة طلب أهل القدس بأسرهم وكتب أسماءهم في قوائم وعين على كل انسان قناطير معينة وأمرهم بشراء الزيت كل قنطار بخمسة عشر دينارا ورسم على الناس وشدد عليهم وضربهم ضربا مؤلما وشرع يحمل كل أحد فوق طاقته ولم يطعه ضربه حتى يكاد يهلك ومن غاب هجم على منزله وأخذ ماله من الأمتعة ومن لم يوجد له امتعة ولا موجود أحضر زوجته وضرباه وسجنها حتى تدفع ما علي زوجها فهتك كثير من المخدرات ومن لم يظفر بزوجته احضر من يكون من أقاربه فإن لم يوجد له قريب أحضر من يكون من جيرانه حتى وقع أنه طلب شخصا فلم يجده فقال لأعوانه أحضروا زجته فقيل له انها ختفت فقال انظروا من يكون من اقاربه فقيل ليس له قرابة فقال انظروا جيرانه فقيل أن جيرانه قد اختفوا فقال انظروا من يكون جلس عنده وحدثه فأحضر الاعوان رجلا وقالوا ان هذا جلس في وقت على حانوته وتحدث معه فأمر دقماق ذلك الرجل ان يدفع ثمن الزيت المعين عليه فقال له لم ؟ قال لأنك جلست عنده في وقت وتحدثت معه ثم ضرب ذلك الرجل إلى ان اخذ منه ما على الغائب ومثل هذه الحكاية كثيرة ووقع ماهو أفحش منها وأشنع واستمر الناس في الضرب والترسيم والمحنة وهتك الحرم شهر ربيع الآخر بكماله وباع الناس امتعتهم وثيابهم بأبخس الاثمان وبيع كل مثقال من الذهب الطيب بدون خمسين درهما وباقي الناس يأخذون الزيت كل قنطار بخمسة عشر دينارا ذهبا ويبيعونه بمائتي درهم وخمسين درهما فضة فكانت الخسارة أكثر من الثلثين ثم جهز دقماق دواداره طرباي إلى بلد سيدنا الخليل عليه السلام ورمى على أهل بلد الخليل جانبا من الزيت ورسم عليهم إلى ان استوفى منهم الثمن وحملت إلى مخدومه وكانت محنة فاحشة لم يسمع بمثلها في عصر من الاعصار بل ولا في ملة من الملل خصوصا في مثل هذه البقعة الشريفة التي فيها أحد المساجد الثلاثة التي تشد لها الرحال وعند مقام نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام فالحكم لله العلي الكبير ثم توجه دقماق والسيفي قانصوه - المذكوران - بالمبلغ المقبوض ثمنا عن الزيت وهو نحو عشرين الف دينار إلى مخيم لأمير الدوادار بظاهر مدينة الرملة فانتقم الله تعالى من دقماق اشد انتقام وعزل الامير دوادار كبير من نظر الحرمين ونيابة السلطنة وأخرجه الله من الأرض المقدسة فسبحان المنتقم بعدله وفيها استقر الأمير خضر بك الذي كان نائب القدس الشريف في نظر الحرمين ونيابة السلطنة بالقدس وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام عوضا عن دقماق - المتقدم ذكره - وألبس الخلعة من حضرة دوادار السلطان بظاهر مدينة الرملة في يوم الثلاثاء رابع شهر جمادي الأولى وهو اليوم الذي سافر فيه الأمير دوادار من الرملة قاصدا الأبواب الشريفة ودخل إلى القدس الشريف في يوم الاثنين عاشر جمادي الأولى ومعه من الخلق والعشير ما لا يحصيهم إلا الله تعالى وكان يوما مشهودا لدخوله لم ير مثله لدخول حاكم في هذه الازمنة واستبشر الناس بولايته وحصل الأمن في الطرق وردع الناحيس وكان قبل ذلك بيسير في شهر ربيع الآخر برز الأمر الشريف باخراج مدينة الرملة عن نائب الشام الأمير قانصوه اليحياوي وإضافتها إلى ملك الأمراء أقباي نائب غزة المحروسة ولم تجر بذلك عادة قبل هذا التاريخ ثم في شهر شعبان ورد على الأمير خضر بك نائب القدس وناظر الحرمين خلعة من الأبواب الشريفة وكتب له توقيع شريف باستقراره في الوظيفتين والبس من ظاهر القدس ودخل الناس في خدمته وكان يوما حافلا وقرئ توقيعه بعد صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى الشريفز وفيها أخمد الله الفتنة بين الملك الأشرف وبين السلطان بايزيد خان بن عثمان خان ملك الرم وحضرقصاد السلطان بايزيد خان قاضي مدينة برصة لعقدالصلح مع مولانا السلطان عز نصره فأحسن اليهم واكرمهم وعاد القصاد والقاضي - المشار اليه - وزاروا سيدنا الخليل عليه السلام ودخلو بيت المقدس في شهر رمضان وركب للقائهم الأمير خضر بك ناظر الحرمين ونائب السلطنة شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وشيخ الاسلام النجمي ابن جماعة والقضاة الاربعة والخاص والعام ودخلوا إلى القدس الشريف وكان يوما مشهودا وتوجهوا في الشهر المذكور قاصدين بلادالروم وحصل الصلح بين الملكين وحصل للرعية الطمأنينة بذلك ولله الحمد والمنة وجهز السلطان قاصده الأمير جان بلاط السلطان ابن عثمان لعوق الجواب عن الصلح فحصل له الخير من ملك الروم وبالغ في إكرامه وأكمل الله الصلح بين الملكين وكان ابتداء الفتنة وتجهيز العساكر للتجريدة من اوائل سنة تسع وثمانين وثمانمائة إلى ان لطف الله تعالى بعباده ووقع الصلح في هذا التاريخ بعد وقوع الحرب وافتن نحو ثمان سنين وصرف في التجاريد لذلك ما لا يحصى كثرة وكان عود الأمير جان بلاط من بلاد الروم في شهر ربيع الأول من سنة سبع وتسعين وفيها - أعني سنة ست وتسعين - ورد مرسوم شريف على شيخ الاسلام الكمالي يتضمن انه اتصل بالمسامع الشريفة ان القبة التي احدثها النصارى عند دير صهيون لما هدمت بقي بعض بناء من أثرها فتقدم باكمال هدمها ومحو أثرها فتوجه شيخ الاسلام الكمالي وناظرا لحرمين ونائب السلطنة الامير خضر بك والقضاة إلى دير صهيون ومحى أثرها بهدم ما بقي منها ونبش اساسها بحضورهم وذلك في شهر رمضان وكان يوما مشهودا اعظم من يوم هدمها الأول - كما تقدم في السنة الماضية - وفيها في يوم الاثنين سادس عشر شوال دخل قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الازرق الاندلسي المالكي إلى القدس الشريف متوليا قضاء المالكية عوضا عن القاضي شمس الدين الغزي وباشر بعفة وتوجه ابن مازن إلى غزة في اوائل شهر ذي القعدة واستمر معزولا إلى ان توفي في خامس عشر ذي الحجة سنة تسعمائة وكانت إقامة ابن الأزرق بالقدس الشريف مدة شهرين وتوفي في يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة وتقدم ذكر ذلك في ترجمته عفا الله عنه ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثمانمائة فيها في شهر ربيع الأول الموافق لكانون الثاني وقع هدم فاحش بكنيسة قمامة بالقدس في الليل من المطر وهلك تحته رجلان من طائفة الحبش واستمر إلى يومنا لم يعمر وفيها ورد مرسوم شريف على شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف بالتوجه إلى مدينة غزة وصحبته الأمير خضر بك ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وإيقاع الصلح بينه وبين المقر الاشرف السيفي اقباي كافل المملكة الغزية بسبب ما بينهما من التنافر وإزالة الكدر والوحشة من بينهما والمعاهدة بينهما على ذلك وكتابة صورة وعرضها على المسامع الشريفة فتوجه من القدس الشريف إلى غزة امتثالا للمراسيم الشريفة وحصل الصلح بين المشار اليهما على أحسن وجه فكان ذلك في جمادي الآخرة ودخل الأمير خضر بك إلى القدس الشريف بخلعة كاملية بسمور في بكرة يوم الاربعاء حادي عشري جمادي الاخرة ودخل شيخ الاسلام الكمالي بعد العصر من يوم الخميس بكاملية صوف ابيض سمور وفيها دخل الوباء بالطاعون حتى عم جميع المملكة وابتدأ بالقدس الشريف في عشري جمادي الآخرة واستمر إلى آخر رجب يبلغ عدد الاموات في كل يوم إلى ثلاثين واربعين وفي يوم الجمعة حادي عشري رجب نحو الخمسين وهي أول جمعة ظهر فيها كثرة الأموات واشتد الأمر في شهر شعبان فبلغ العدد في كل يوم فوق المائة وقيل انه بلغ في اليوم إلى المائة وثلاثين وبلغ العدد بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في دون الخمسين وتوفي الامير خضر بك ناظر الحرمين ونائب السلطنة في ليلة الاحد الحادي والعشرين من شعبان وكان لما ولي النيابة في المرة الاولى ساءت سيرته ووقع في أمره ما تقدم شرحه في حوادث سنة اثنتين وتسعين فلما ولي النيابة والنظر في المرة الثانية في سنة ست وتسعين باشر مباشرة حسنة واظهر العدل في الرعية واستعطف خواطر الناس وشرع في سلوك طرق الرياسة واستمر على ذلك إلى أن دخل الوباء فتطير من ذلك وخرج من مدينة القدس إلى ظاهرها وأقام بالكروم اياما واظهر الخوف الزائد فأنكر الناس عليه ذلك فدخل إلى المدينة وأقام يسيرا وتوفيت ابنة له ثم بعد يومين أو ثلاثة توفيت زوجته ثم بعد وفاتها بنحو ستة أيام توفي هو وصلي عليه بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر من يوم الاحد الحادي والعشرين من شعبان ودفن بتربة ماملا وكان اسند وصيته لشيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف - أمتع الله بحياته - فتوجه إلى التربة وتولى امره ووقف على دفنه وصحبته جماعة من الاعيان وقضاة الشرع الشريف واستمر الوباء بالقدس في قوته إلى سلخ شعبان وافنى خلقا من الاطفال والشباب وافنى طائفة الهنود عن آخرهم وكذلك الحبش ومات جماعة من الاخيار الصالحين منهم الشيخ عبد السلام الرضي الحنفي وتقدم ذكر ترجمته ومنهم الشيخ جبريل الكردي الشافعي وكان من أهل الفضل ومن اصحاب شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف ومنهم الشيخ الصالح الفاضل يوسف السليماني الحنفي نائب إمام الصخرة الشريفة وكان من أهل الخير والصلاح والفضل في مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وكان يصلي إماما بالصخرة وعلى قراءته الانس والجمال ومنهم الشيخ الصالح المقري علي الجزولي المالكي نائب إمام المالكية بالمسجد الأقصى وكان من أهل الخير والصلاح حافظا لكتاب الله تعالى وكان يؤم بجامع المغاربة ويؤدي الصلاة على أوضاعها من الطمأنينة في الركوع والسجود ومنهم الشيخ صالح موسى المغربي وكان عبدا صالحا يقيمها بالخلوة التي تحت سور الصخرة الشريفة القبلي سفل التاريخ وكان يجلس على باب الخلوة ويجتمع عنده أهل الخير يتلون كتاب الله وكان يجلس غالبا ورأسه مكشوف والصلاح ظاهر عليه ومنهم الشيخ الصالح الناسك اسحاق الجبرتي وكان عابدا زاهدا منقطعا إلى الله تعالى في الخلوة التي بصدر جامع النساء بداخل المسجد الأقصى والناس يترددون اليه ويتبركون به وقد ظهر له كرامات ومكاشفات ومنهم العدل خير الدين أبو الخير أحمد بن شهاب الدين أحمد بن شمس الدين محمد القلقيلي المقري الحنفي وتقدم ذكر والده وجده مع الفقهاء الشافعية كان يحفظ القرآن ويؤديه بحسن صوت وطيب نغمة واحترف بالشهادة مدة طويلة وباشر عقود الانكحة ولم يمت بالطاعون وإنما ركب بغلة وتوجه إلى الكروم فوقع بظاهر البلد فكسرت رجله من ركبته وحمل إلى المدينة فمرض أياما وتوفي آخر يوم من رجب ومنهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن شروين المقري الخليلي التاجر وكان رجلا من أهل القرآن يتقنه بالروايات وأجازه الشيخ شمس الدين ابن عمران وكان حسن الصوت طيب النغمة بالقراءة وله دنيا واسعة وكانت وفاته في الحادي والعشرين من شعبان رحمة الله عليهم أجمعين وتناقص الوباء من أول شهر رمضان وفيها في يوم الاثنين سابع شهر رمضان توفي الخطيب جلال الدين بن جماعة - المتقدم ذكره مع والده عند ذكر خطباء المسجد الأقصى الشريف - وكان بيده نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية والربع والثمن من خطابة المسجد الأقصى واستقر بعده فيما بيده من الوظيفتين أولاد عميه وهم الخطيب العلامة برهان الدين أبو السحاق إبراهيم بن شيخ الاسلام النجمي بن جماعة واخوه لأبيه الخطيب العلامة زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن وابن عمهما الخطيب محي الدين عبد الرحيم بن الشيخ عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة وانعمت الصدقات الشريفة عليهم باستقرارهم في ذلك بمال بذلوه وكان ارتفاع الوباء من القدس الشريف في أواخر شهر شوال بعد إقامته بها نحو أربعة أشهر وعشرة أيام وبلغ عدد الأموات بالقاهرة المحروسة في كل يوم أكثر من عشرين ألفا وبدمشق في كل يوم ثلاثة آلاف وبحلب في كل يوم ألف وخمسمائة وبغزة في كل يوم نحو أربعمائة وبالرملة في كل يوم نحو المائة وعشرة ولم يمكث في بلدة من البلاد أكثر من بيت المقدس فسبحان من يتصرف في عباده بما يشاء وفيها استقر قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة شمس الدين محمد الديري الحنفي في وظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف عوضا عن القاضي شهاب الدين بن المهنسد واستقر قاضي القضاة كمال الدين أبو البركات محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ خليفة المالكي في وظيفة قضاء المالكية بعد شغورها عن القاضي شمس الدين بن الازرق - المتقدم ذكره في السنة الماضية - ووصلت الولاية اليهما معا على يد سعد الدين قاصد المقر البدري ابن مزهر كاتب السريف الشريف في صبيحة يوم الخميس خامس عشر شوال وحصل الجمع بين يدي شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شريف بالمدرسة الاشرفية وجماعة من طلبة العلم الشريف والخاص والعام فكان تاريخ توقيع القاضي المالكي خامس عشري رمضان وتوقيع الحنفي خامس شوال ثم في يوم الجمعة بعد صلاتها قرئ كل من التوقيعين بالمسجد الأقصى الشريف وفيها حج إلى ابيت الله الحرام سيدنا ولي الله تعالى الشيخ شمس الدين أبو العون محمد القرشي القادري الشافعي نزيل جلجوليا أعاد الله علينا من بركاته ونفعنا ببركة علومه وصالح دعواته فدخل إلى القدس الشريف من جلجوليا في يوم السبت سابع عشر شوال وتوجه من القدس الشريف إلى بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام قاصدا مكة المشرفة بعد الظهر من يوم الاثنين تاسع عشر من شوال فقضى مناسكه وزار النبي صلى الله عليه وسلم وعاد إلى محل وطنه ولله الحمد فسح الله في مدته وفيها استقر الامير جان بلاط اخو الأمير خضر بك ووصل إلى القدس الشريف مرسوم السلطان بولايته في شهر رمضان وقدم إلى بلد سيدنا الخليل عليه السلام ثم دخل إلى القدس في بكرة يوم السبت ثامن شهر ذي القعدة الحرام وكان يوما مشهودا لدخوله وسلك مسلكا حسنا ومما وقع ان أخاه الأمير خضر بك لما توفي ضبط موجوده ومن جملته سبعمائة دينار ذهبا فوضع المال في خزانة بمنزل اخيه بالمدرسة الارغونية مع بعض الموجود المخلف عنه فلما قدم الأمير جان بلاط حضر بالمدرسة الارغونية وحضر شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف والقضاة وفتح المكان واحضر الصندوق فوجد مكسورا والمال قد فقد منه واضطرب الحال لذلك واتهم به جماعة ولم يثبت في جهة أحد منهم ومضى أمره ولم يعلم حقيقة الحال فيه ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثمانمائة فيها في شهر الله المحرم تعين السيفي قائم الخاصكي للتوجه إلى المملكة الشامية لكشف الاوقاف والمدارس على عادة من تقدمه في ذلك فدخل إلى القدس الشريف في عشية يوم السبت ثالث صفر وجلس في بكرة يوم الاحد بالمدرسة السلطانية بحضور شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شريف وشيخ الاسلام النجمي ابن جماعة والأمير جان بلاط ناظر الحرمين ونائب السلطنة الشريفة وقضاة الشرع الشريف وقرئ المرسوم الشريف الوارد على يده بمعنى كشف الأوراق وما تحصل من الترك المخلفة عن الأموات في الوباء المختصة بجهة بيت المال المعمور واستخرج من الاوقاف اموالا نحو الف وخمسمائة دينار وحصل الضرر بذلك للفقراء والفقهاء والحكم لله العلي الكبير وتوجه من القدس في صبيحة يوم السبت عاشر صفر وفيها في العشر الأوسط من صفر حضر الأمير اقبردي الدوادار الكبير من الديار المصرية على حين غفلة ولم يعلم به حتى دخل إلى مدينة غزة ثم توجه إلى الرملة ووضع اثقاله بها ثم توجه من فوره هو ومن معه على الخيول إلى جهة نابلس ثم عاد إلى الرملة وأقام بداخل البلد هو وجماعته ولم ينصب مخيمه بظاهرها على ما جرت به العادة ونادى بالأمان وأمر جماعته بعدم التعرض لأحد من الرعية وكان مقامه بالرملة بدار الامير منصور بن قرابغا يبيت بها ليلا وجلوسه في النهار بدار ابن باكيش المعدة للحكام وجماعة من الخدم وغيرهم نزلوا عند الناس في منازلهم متفرقين ثم في يوم الاحد عاشر ربيع الأول حضر إلى القدس الشريف السيفي قانصوه وعلى يده مرسوم الأمير اقبردي الدوادار في الزيت المتحصل من جبل نابلس على التجار المعتادين بعمل الصابون كل قنطار بخمسة عشر دينار ذهبا بعد أن ختم على ما اشتروه ونودي في البلد بالأمان للعوام وان الزيت لا يأخذه إلا اربابه فمن الناس من لم يصدق هذه المنادات وخرج هاربا ومنهم من اطمأن ثم شرع قانصوه في كتابة أسماء التجار ومن له عادة بعمل الصابون حتى اطمأن الناس وشرع يقبض عليهم واحدا بعد واحد من التجار وغيرهم ويلزمهم بشراء الزيت على حكم ما فعل بهم في سنة ست وتسعين ورمى على اليهود والنصارى وطلب نساء الغائبين وضرب بعض جماعة ولكنه في هذه المرة أخف وطأة من المرة الاولى التي كانت في سنة ست بمقتضى ان ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الأمير جان بلاط اعتنى بأهل بيت المقدس وتلطف بهم فلم يقع فيهم الافحاش كما تقدم في زمن دقماق النائب وكان الزيت المرسوم برميه على أهل القدس وبلد الخليل ألف وخمسمائة قنطار من ذلك مائة وستون قنطارا مختصة بأهل بلد الخليل والباقي على أهل القدس ورمى على أهل غزة ألف قنطار ثم رمى على أهل الرملة جانبا من الزيت وضيق عليهم بالضرب والحبس وسافر السيفي قانصوه من مدينة القدس صحبة النائب بالمال المقبوض بعد صلاة الجمعة العشرين من ربيع الآخر بعد إقامته بها اربعين يوما وحضر إلى الامير اقبردي الدوادار الكبير النواب والأمراء إلى الرملة من طرابلس وحماه وصفد والبيرة واهدي اليه من الأموال والمواشي ثم جهز إليه ملك الامراء قانصوه اليحياوي كافل المملكة الشامية والأمير يونس حاجب الحجاب بالشام وغيرها وحضر الأمير قانصوه اليحياوي ال القدس الشريف لقصد الزيارة ونزل في تربته التي انشأها بظاهر باب الاسباط في عشية يوم الخميس رابع جمادي الأولى وتوجه من القدس الشريف في صبيحة يوم الأحد سابع الشهر إلى دمشق وتوجه الأمير اقبردي الدودار الكبير من الرملة لجهة الغو لقتال العرب وتوجه اليه الأمير جان بلاط لجهة القدس في بكرة يوم الاثنين ثامن جمادي الأولى وتوجه إلى بلاد حوران وأذرعات وغيرهما وحصل له من الموال والمواشي مالا يحصى كثرة وحضر اليه عامر بن مقلد شيخ العرب فقبض عليه وحضر إلى مدينة الرملة في يوم السبت تاسع عشر شهر جمادي الآخرة وتوجه منها قاصدا الديار المصرية في ليلة الجمعة خامس عشري جمادي الآخرة وصحبته من المواشي مالا يحصى كثرة فهلك منها في الطريق غالبها ولم يصل معه منها إلى القاهرة إلا الأقل وفيها استقر القاضي كمال الدين أبو البركات محمد بن الشيخ خليفة المالكي في وظيفة مشيخة المغاربة بالقدس الشريف عوضا عن قاسم المغربي بحكم وفاته وورد التوقيع الشريف عليه بذلك في العشر الاول من شهر ربيع الآخر وتاريخه في حادي عشري ربيع الأول وفيها استقر القاضي شهاب الدين بن المهندس في ربع وظيفة مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف بنزول صدر له من الشيخ ناصر الدين محمد بن الشيخ جمال الدين عبالله بن غانم شيخ حرم القدس الشريف وهذا الربع هو الذي كان تأخر بيده من الوظيفة المذكورة وبمقتضى هذا النزول من الشيخ ناصر الدين خرجت مشيخة الخانقاه من يد بني غانم وكانت بأيديهم من زمن الواقف الملك صلاح الدين رحمه الله تعالى وحضر القاضي شهاب الدين بالصوفية في المجمع في شهر رمضان المعظم وفيها في شهر شوال حل ركاب الأمير قانصوه نائب قلعة الجبل المنصورة بالديار المصرية في مدينة الرملة متوجها إلى ملك الشرق من الأبواب الشريفة وأوقع الصلح بين أخيه الأمير جان بلاط ناظر الحرمين الشريفين ونائب القدس الشريف وبين ملك الأمراء المفر السيفي اقباي كافل المملكة الغزية بسبب ما كان بينهما من التنافر والبس الامير جان بلاط كاملية بسمور وكان ذلك بمدينة الرملة ثم دخلت سنة تسع وتسعين وثمانمائة فيها في العشر الاوسط من المحرم توجه الأمير جان بلاط نائب القدس إلى قرية القباب - من أعمال الرملة - الجارية تحت نظره وكبسها وأخذ موجود الفلاحين بها واحتج بأنهم عصوا عليه وأنهم تحت نظره وحصل التنافر بينه وبين ملك الأمراء اقباي نائب غزة لكون القرية المذكورة في معاملته ودخل اليها بغير اذنه وحصل بذلك التخبيط في الطرق وفيها - عقب الوقعة المذكورة - ورد مرسوم شريف بطلب الأمير جان بلاط - المذكور - إلى الابواب الشريفة بسبب شكوى جماعة عليه فتوجه من القدس في ليلة السبت تاسع عشري شهر المحرم ولم يعلم أحد بسفره إلا بعد يومين أو ثلاثه فوصل إلى القاهرة المحروسة وغرم مالا ورسم له بالاستمرار في وظيفته وفيها في يوم الثلاثاء تاسع عشري ربيع الأول الموافق السابع كانون الثاني وقع الثلج بالقدس الشريف واستمر ينزل من ظهر الثلاثاء إلى عشية يوم الخميس مستهل ربيع الآخر ليلا ونهارا حتى امتلأت الشوارع والاسطحة والأماكن وحكى الكبار انهم لم يروا مثل ذلك في هذه الأزمنة من نحو سبعين سنة وكان حجمه فوق الأرض في بعض الأماكن أكثر من أربعة اذرع واخبرت انه كان في بعض الأماكن اكثر من خمسة أذرع وتقطعت السبل وسدت الشوارع وأصبح الناس يوم الجمعة ثاني ربيع الآخر في شدة شديدة واقيمت صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى الشريف فلم يحضرها من أهل بيت المقدس النصف بل ولا الثلث ووقع الثلج بمدينة الرملة ولم يعهد وقوعه بها في هذه الأزمنة إلا ما يحكى ان من مدة طويلة نحو ثمانين سنة وقع بها الثلج في سنة فسماها أهل الرملة سنة الثلج ولم يعلم انه بلغ قدر ما بلغ في هذه المرة فإنه وصل إلى البحر واستمر في شوارع القدس أكثر من عشرين يوما واشتد حتى صار كالحجارة ثم وقع البرد الشديد بعد وقوع الثلج بنحو خمسة عشر يوما حتى جمد الماء وصار جليدا ثم في عشية الخميس ليلة الجمعة السادس عشر من ربيع الآخر عادالثلج ونزل حتى عم الأرض لكنه كان خفيفا ومن الاتفاق ان الثلج كان قد وقع بالقدس في السنة الماضية وهي سنة ثمان وتسعين في يوم تاسع عشري ربيع الأول ثم وقع في هذه السنة في يوم تاسع عشري ربيع الأول لكنه في العام الماضي كان في يوم الجمعة وفي هذا العام في يوم الثلاثاء ثم وقع الثلج بغزة المحروسة ولم يعلم وقوعه بها قبل ذلك فسبحان القادر على ما يشاء وأما الأمير جان بلاط نائب القدس فقد تقدم توجهه إلى الابواب الشريفة والانعام عليه بالاستمرار في وظيفته ثم البس التشريف المستمر بالحضرة الشريفة ودخل في بكرة يوم الخميس ثاني عشري ربيع الآخرة وكان يوما كثير المطر لم ير مثله في تزاحم العالم وركب الناس للقائه من القضاة والاعيان واستمر المطر ينزل عليهم من عند خان الظاهر إلى دار النيابة ودخل صحبته القاضي برهان الدين الجوهري وعليه خلعة كاملية بسمور ولم يعهد دخول حاكم لبيت المقدس في مثل هذا اليوم إلا جقمق الظالم الفاجر - كما تقدم ذكره في حوادث سنة سبع وسبعين وثمانمائة ثم في ثاني يوم دخول الأمير جان بلاط إلى القدس الشريف وهو نهار الجمعة ث الث عشر من ربيع الآخر استمر الثلج نازلا إلى بعد الظهر من يوم السبت حتى بقي حجمه فوق الأرض أكثر من ذراع وامتلأت الشوارع والاسطحة منه وأنزعج الناس لذلك خشية الضرر واصبح إلى يوم الاحد فأغاث الله عباده بنزول المطر الغزير من بعد الظهر من يوم الاحد إلى آخر ليلة الاثنين فأزال الثلج حتى لم يبق منه إلا القليل ثم وقع الهدم في الاماكن فسقط الكثير من الدور والابنية وفيها استقر ملك الأمراء اقباي نائب غزة في نيابة صفد وتوجه اليها في ربيع الآخر واستقر الأمير قاني بك في نيابة غزة وقدم اليها في جمادي الآخرة واضيف اليه كشف الرملة في شهر رجب بعد استيلاء نائب الشام عليها وحضر نائب غزة اليها في يوم الثلاثاء ثامن شعبان وحضر اليه الأمير جان بلاط ناظر الحرمين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وصحبته قضاة بيت المقدس في يوم السبت ثاني عشر شعبان وعادوا إلى القدس الشريف في يوم الاربعاء سادس عشرة وفيها استقر القاضي شهاب الدين بن المهندس الحنفي في وظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام والرملة وورد توقيعه مؤرخ في ثامن عشر رجب والبس التشريف من ظاهر مدينة القدس في يوم الاثنين سابع شعبان وكانت ولايته ببيت المقدس عوضا عن القاضي عز الدين الديري والرملة عوضا عن القاضي كمال الدين محمد بن الاحزم النابلسي وحضر إلى محل ولايته بالرملة صحبة ناظر الحرمين الأمير جان بلاط في التاريخ المتقدم ذكره قريبا وفيها استقر محمد بن إبراهيم الودياتي في أمرية جرم عوضا عن ثابت الرميني بمساعدة الأمير جان بلاط ومكاتبته مع السلطان واركان الدولة وقدم إلى مدينة غزة فورد مرسوم شريف لنائب غزة الأمير قاني بك وقرينه مرسوم شريف لناظر الحرمين ونائب القدس الأمير جان بلاط يعلمها ان مكاتبة نائب غزة وردت للأبواب الشريفة تتضمن ان الامير جرم محمد الودياتي لا يصلح للأمرية لعجزه عن القيام بالقوة وما هو مقرر عليه للخزائن الشريفة وان نائب القدس يتوجه وصحبته قضاة القدس الشريف واركان الدولة بمدينة غزة ويجتمع نائب غزة وقضاتها واركان الدولة بها وجميع أمراء جرم ومن كان يصلح للولاية ممن ترضى به الرعية ويقدر على ما هو مقرر ويكتب به محضر شرعي ويعرض على الابواب الشريفة فتوجه ناظر الحرمين وقضاة القدس الشريف الأربعة من القدس الشريف في ليلة الاحد سابع عشري شعبان ووصلوا إلى غزة في بكرة يوم الاثنين وحصل الاجتماع بنائب غزة وقضاتها بدار النيابة بغزة بعد العصر من يوم الثلاثاء ودار الكلام بينهم فيمن يصلح فنائب غزة قصد ان يستقر في الأمرية أبو العويس ابين أبي بكر ونائب القدس قصد استمرار محمد الودياتي لكونه هو الذي سعى في توليته ثم التزم ناظر الحرمين ونائب القدس بما على محمدا لودياتي من القوة والعادة في مدة ولايته وبمبلغ خمسمائة دينار زيادة على ما هو مقرر عليه فلم يحصل اتفاق بين نائب غزة ونائب القدس وانفصل المجلس على غير تراض وكل من النائبين كتب للسلطان بما يختاره وتوجه نائب القدس وقضاته من غزة في بكرة يوم الاربعاء سلخ شعبان وبصحبتهم محمد الودياتي امير جرم ومكنه نائب القدس من الأمرية والبس خلعة السلطان بقرية قرنيا في بكرة يوم الخميس مستهل رمضان وقام في نصرته لكل ممكن وفيها افردت وظيفة قضاء الحنفية بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام عن قضاء بيت المقدس واستقر فيها القاضي شمس الدين محمد بن أبي الطيب التميمي عوضا عن القاضي شهاب الدين بن المهندس وكتب توقيعه بذلك في ثامن عشري شعبان فكان استمرار القاضي شهاب الدين بن المهندس في قضاء بلد الخليل مدة أربعين يوما ولم تجر عادة قبل ذلك بافراد قضاء الحنفية ببلد الخليل بل كانت تضاف لقضاء القدس - كما تقدم - فلما وقع ذلك شق على القاضي برهان الدين إبراهيم التميمي الشافعي قاضي بلد الخليل وسعى إلى أن كتب له توقيع شريف باستمراره في قضاء الشافعية بمدينة الخليل وابطال ما كتب للحنفي بالخليل وورد التوقيع بذلك في شهر ذي القعدة فكانت مدة ولاية الحنفي بالخليل دون ثلاثة اشهر وفيها ورد مرسوم شريف على الأمير قاني بك نائب غزة بالتوجه إلى القدس الشريف والصلح مع نائب القدس والسبب فيه حادثة وقعت قتل فيها جانم دوادار نائب القدس في قرية بيت لقيا في شهر شوال ونسب قلته لمن هو من جهة نائب غزة فحضر إلى القدس في ضحى يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة وحصل الاجتماع بينه وبين الأمير جان بلاط ناظر الحرمين ونائب القدس بحضور شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف بمنزله بالمدرسة التنكزية ووقع الصلح بينهما وحصلت الموافقة والمعاهدة بينهما على زوال ما حصل من التنافر وتوجه نائب غزة من القدس في ذلك اليوم ثم دخلت سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة وفيها في ثامن المحرم اعيد شمس الدين محمد بن أبي الطيب التميمي إلى قضاء الحنفية بمدينة الخليل وهي ولايته الثانية وكتب توقيعه بذلك وبابطال ما كتب للقاضي شهاب الدين الشافعي المنافي ذلك فكان استمرار منعه من قضاء الحنفية ببلد الخليل وإضافتها للشافعي دون شهرين وفيها في شهر الله المحرم اخذ العرب من بني لاد ركب الحج الشامي بالقرب من الكرك ونهبوا الحجاج عن آخرهم وكان عدة جمال الركب ثلاثة عشر الف جمل لم يسلم من ذلك سوى ستة عشر جملا من غير أحمال وهلك من الرجال والنساء والاطفال خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى وأخذت الاموال وسبي الحريم وكانت حادثة فاحشة وقد اشتهر أمرها فاعتصب من أهل بلد الخليل عليه السلام جماعة من الكرك وتوجهوا إلى جهة الاعوان وغيرها وأحضروا جماعة من الحجاج إلى بلد الخليل وإلى القدس الشريف وتسبب شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وجماعة من أهل الخير في جمع مال من أهل القدس الشريف ودفع لكل واحد من الحجاج ما يكتري به وينفقه عليه إلى ان يصل إلى وطنه فالحكم لله العلي الكبير وفيها استقر القاضي عز الدين عبد العزيز الديري الحنفي في وظيفة قضاء الحنفية بالقدس الشريف عوضا عن القاضي شهاب الدين بن المهندس وتقدم ان القاضي شهاب الدين استقر في قضاء القدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام والرملة وان توقيعه مؤرخ في ثامن عشر رجب سنة تسع وتسعين وتقدم أن قضاء بلدالخليل عليه السلام افرد عنه بعد استمراره بيده اربعين يوما ثم افرد عنه قضاء الرملة باستقرار القاضي كمال الدين بن الأخرم في يوم الاربعاء مستهل المحرم سنة تسعمائة فكان استمراره في قضاء الرملة خمسة أشهر واثنى عشر يوما ثم استقر القاضي عز الدين الديري في قضاء القدس الشريف وورد الخبر بولايته وجلس للحكم في يوم السبت ثامن عشري ربيع الأول فكان استمراره في قضاء القدس من حين تمكنه من الحكم في سابع شعبان سنة تسع وتسعين سبعة أشهر وعشرين يوما ثم في يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الآخر دخل جان بلاط إلى القدس وهو لابس خلعة التشريف الواردة اليه من الابواب الشريفة ودخل معه القاضي عز الدين الديري وهو لابس خلعة بطرحة وفيها كتب توقيع شريف باستمرار القاضي برهان الدين التميمي الشافعي في قضاء بلد سيدنا الخليل عليه السلام وابطال ما كتب للقاضي الحنفي بها فكان استمرار الحنفي في ولايته الثانية نحو ثلاثة أشهر وفيها برز الأمر الشريف باضافة التكلم على كشف مدينة الرملة المحروسة للأمير جان بلاط ناظر الحرمين ونائب القدس الشريف واخرجت عن الأمير قاني بك نائب غزة وتسلمها الأمير جان بلاط في شهر جمادي الأولى وفرح أهل الرملة بزوال نائب غزة لكن حصل تخبيط في الطرق وفيها في سادس عشر رجب اعيد شمس الدين محمد بن أبي الطيب إلى قضاء الحنفية بمدينة سيدنا الخليل عليه السلام وهي ولايته الثالثة وكتب توقيعه بذلك وابطال ما كتب للقاضي الشافعي المنافي لذلك فكان استمرار منعه من قضاء الحنفية واضافتها للشافعي دون ثلاثة أشهر واستمر إلى يومنا لم يعزل وقد تقدم تاريخ ابتداء ولايته في ثامن عشري شعبان سنة تسع وتسعين فعزل وولي ثلاث مرات في عشرة أشهر وثمانية أيام وفيها ورد السيفي علان من الابواب الشريفة وعلى يده مرسوم شريف برمي الزيت المتحصل من جبل نابلس على أهل القدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه السلام وغزة والرملة على ما جرت به العادة في سنة ست وسنة ثمان وتسعين وثمانمائة فرمي عليهم كل قنطار بالكيل الرملي بخمسة عشر دينارا ذهبا فالذي رمي على أهل القدس وأهل بلد الخليل تسعمائة قنطار وعلى أهل الرملة مائتا قنطار وحصل لأهل البلاد المذكورة الرفق من الأمير جان بلاط النائب فإنه تلطف بهم ولم يحصل منه ضرر ولا تشويش لأحد منهم بل استعطف خواطرهم وأخذهم بالتي هي أحسن ولكن تضرر الفقراء من ذلك لكثرة الخسارة في بيعه فإن كل قنطار بخمسة عشر دينارا وكلفته نحو دينار فبيع بتسعة دنانير فما دونها فكانت الخسارة نحو النصف وكان الرمي على أهل القدس والخليل في الجمادين وعلى أهل الرملة في رجب وشعبان ثم ورد مرسوم السلطان إلى الأمير جان بلاط في شهر شوال بأن يرمى على أهل القدس الشريف من الزيت ثلاثمائة قنطار بالسعر المتقدم ذكره فطلب التجار والناس وألزمهم بأخذ الزيت وكتب إلى كاشفه بالرملة يطلب التجار بأن يرمي عليهم من الزيت جانبا فطلبوا والزموا بذلك وحصل لأهل القدس الشريف والرملة الضرر من ذلك لكونهم تقدم لهم اخذ الزيت ثم رمى عليهم مرة ثانية فانزعج الناس لذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي الكبير ( ذكر الفتنة بين نائب القدس ونائب غزة ) وفيها وقعت فتنة بين الأمير جان بلاط ناظر الحرمين ونائب القدس والرملة وبين الأمير قاني بك نائب غزة وهي ان الأمير جان بلاط قدم إلى الرملة بسبب الزيت - المتقدم ذكره - وكان وصوله إلى الرملة في يوم الاحد سادس عشر رجب فلما كان في صبيحة يوم الثلاثاء ثامن عشر رجب أمر كاسشفه بالرملة وهو الجمالي يوسف بالركوب هو وجماعته والمشي في معاملة الرملة لحفظها من المناحيس والذب عن الرعية لأنه كان قبل ذلك حضر جماعة من العرب ونهبوا ابقارا لأهل الرملة فلما ركب الكاشف بجنده ركب ناظر الحرمين وصحبته دواداره برسباي ومعهما اربعة انفس وخرجوا إلى ظاهر الرملة للمسايرة فخرج على الكاشف جماعة من العرب وطردوه وطردهم ثم قوى أمرهم عليه فطردوه إلى أن حصروه بالبرج الكائن بقرية خلدا من اعمال الرملة فتحصن به فأخذوا خيوله وقلوا جماعة ممن معه وكان الأمير جان بلاط بالقرب من قرية تل الجزر فسمع الصوت فسار بمن معه من دواداره برسباي والأربعة أنفس الذين معهم نحو الصوت فخرج عليهم العرب وتواقعوا فقتل برسباي ومن معه حتى لم يبق سوى الأمير جان بلاط بمفرده فثبت لهم وقاتلهم أشد القتال بمفرده حتى تخلص منهم ونجا فكانت عدة القتلى في ذلك اليوم عشرة أنفس منهم رجل شريف وحملوا إلى الرملة ودفنوا بها وتوجه قضاة الرملة إلى تل الجزر وعاينوا بعض القتلى بأرضها وكنت إذ ذاك بالرملة وحضرت هذه الحادثة وكانت في غاية الشناعة وكتب محضر بذلك وجهز إلى الابواب الشريفة مع مكاتبة الأمير جان بلاط المتضمنة ان هذا الفعل باشارة نائب غزة وهو الواقع لأنه وجد في نفسه من نائب القدس بسبب ما تقدم من ولاية أمير جرم باشارة نائب القدس دون رضا نائب غزة ثم وقع ان نائب القدس أخذ كشف الرملة وانتزعه من نائب غزة فتأكدت العداوة بينهما فكان نائب غزة يسلط العرب والمفسدين ويغريهم على نائب القدس ويحرضهم على الفساد في معاملته يقصد بذلك التشنيع عليه فلما وقع لما ذكر من هذه الفتنة القبيحة وسطرت المحاضر بشرح الحال وجهزت للسلطان كتب نائب غزة إلى السلطان يشتكي من الأمير جان بلاط بكلمات مهملة لا حقيقة لها فبرز أمر السلطان بتجهيز السيفي قانصوه الخاصكي وعلى يده مرسوم شريف لشيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف وقضاة غزة والقدس والرملة بالتوجه إلى المكان الذي وقعت فيه الفتنة وتحرير ذلك وإعادة الجواب على المسامع الشريفة فتوجه شيخ الاسلام - المشار اليه - وصحبته قضاة القدس الشريف إلى الرملة في يوم الاربعاء عاشر شهر رمضان واجتمع به الخاصكي وقاضة الرملة وتوجهوا إلى قريتي تل الجزر وخلد وحرروا الامر في ذلك فتبين لهم ان الحق بيد نائب القدس وان القتل والفتنة كانا في معامله بأرض الرملة وحضر قضاة غزة إلى تل الطافية بأطراف معاملة غزة وامتنعوا من الحضور إلى الرملة والاجتماع بشيخ الاسلام وقضاة القدس والرملة واظهروا التعصب لنائب غزة فكتب شيخ الاسلام وقضاة القدس والرملة محضرا وكتبوا خطوطهم عليه بما يقتضي ان الحق بيدنائب القدس وناظر الحرمين ثم كتب قضاة غزة محضرا بما اختاروه ومخلصه أن نائب القدس هو المعتدي بدخوله معاملة غزة وجهز كل من المحضرين للسلطان وعاد شيخ الاسلام وقضاة القدس إلى اوطانهم في يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان ثم حضر الخاصكي إلى القدس الشريف للزيارة ودخل بخلعة السلطان في شهر رمضان وحضر عيدالفطر بالقدس وتوجه لزيارة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ثم توجه إلى مدينة غزة ليقيم بها لانتظار الجواب الوارد عليه من المراسيم الشريفة فلما كان العشر الثالث من شهر شوال ورد مرسوم السلطان إلى شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شريف الشافعي ومرسوم شريف مطلق لقضاة غزة والقدس الشريف يعلمهم انه لما جهز الأمير قانصوه باقر الخاصكي لكشف هذه الاجوبة وتحريرها وكتابة محضر بقضاة غزة والقدس بما يتضح به الحق وان كلا من النائبين كتب محضرا بما يختاره ولم يتضح للمسامع الشريفة الحق في ذلك وان المرسوم الشريف الوارد على يد الخاصكي انما برز بكتابة محضر واحد لامحضرين وبرز أمر السلطان ان شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف يتوجه بنفسه وصحبته قضاة القدس الشريف والرملة إلى مدينة غزة المحروسة ويجتمعون مع قضاة غزة وتحرر هذه الواقعة من اولها إلى آخرها ويكتب محضر شرعي بما يتضح به الحق وإن لم يحرر ذلك تبرز المراسيم الشريفة لقضاة غزة والقدس بالزامهم بالقيام للخزائن الشريفة بعشرة آلاف دينار مؤرخ المرسوم الشريف في ثالث عشر شوال فعند ذلك قابل شيخ الاسلام الكمالي وقضاة القدس الشريف أمر السلطان بالسمع والطاعة وتوجهوا إلى الرملة وسار منها مع من تيسر من قضاتها إلى مدينة غزة وهذه الواقعة من العجائب لأن شيخ الاسلام رجل عظيم الشأن وهو بركة الوجود وعالم المملكة وهو شيخ كبير سنة نحو الثمانين وبنيته ضعيفة والسفر يشق عليه فكلف إلى مالا طاقة لديه في زمن الحر الشديد بسبب واقعة حدثت من العرب المفسدين المحاربين للدين لا إسلام لهم ولا إيمان ولما توجه من القدس الشريف حمل في محارة على جمل وكان لا يركب الفرس إلا قليلا لضعف بدنه فقدم إلى مدينة غزة في عشية يوم الخميس مستهل ذي القعدة ونزل بالجامع المنسوب لمولانا السلطان الملك الأشرف واصبح يوم الجمعة فحضر بين يديه قضاة غزة وأكابرها للسلام عليه ثم عقب صلاة الجمعة جلس بالجامع - المشار اليه - وجلس معه قانصوه الخاصكي وقضاة غزة والقدس الشريف ومن تيسر من قضاة الرملة ودار الكلام بينهم في تحرير هذه الحادثة وكتبوا محضرا واحدا ملخصه ما كتب في المحضر الاول من قتل جماعة نائب القدس الشريف ونهب خيولهم يزيد فيه ان الجمالي يوسف كاشف الرملة لما خرج من الرملة ووصل إلى آخر معاملتها وجد ثلاثة أنفار من العشير والعوام فطردهم إلى أرض عمورية من عمل غزة المحروسة وقتل منهم فرسين ثم طردوه إلى أن وصل إلى معاملة الرملة عند قرية خلدا وقرية تل الجزر وحصل ما حصل من القتل والنهب - كما تقدم شرحه - وكتب شيخ الاسلام وقضاة غزة والقدس والرملة خطوطهم بالمحضر المذكور وجهز للأبواب الشريفة مكاتبة شيخ الاسلام واستمر الخاصكي بغزة لانتظار الجواب وعاد شيخ الاسلام وقضاة القدس إلى أوطانهم وكان سفرهم من غزة في ليلة الاثنين خامس ذي القعدة وانتهى الحال إلى أن السلطان عزل نائب غزة ونائب القدس معا ومضت سنة تسعمائة وكانت سنة شديدة كثيرة الفتن والحروب والخلف بين الحكام والعسكر في جميع مملكة الاسلام بالديار المصرية والمملكة الشامية والأرض المقدسة والله لطيف بعباده وقد انتهى ذكر الحوادث الواقعة بالقدس الشريف وبلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام فلنذكر ترجمة شيخنا الكمالي ابن أبي شريف كما تقدم الوعد به فأقول - وبالله استعين - هو شيخ الاسلام ملك العلماء الاعلام حافظ العصر والزمان بركة الامة علامة الأئمة كمال الدين أبو المعالي محمد بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي شيخنا الامام الحبر الهمام العالم العلامة الرحلة القدوة المجتهد العمدة سبط قاضي القضاة شهاب الدين أبي العباس أحمد العمري المالكي المشهور بابن عوجان مولده في ليلة يسفر صباحها عن يوم السبت خامس شهر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بمدينة القدس ونشأ بها في عفة وصيانة وتقوى وديانة لم يعلم له صبوة ولا ارتكاب محظور وحفظ القرآن العظيم والشاطبية والمنهاج للنووي وعرضهما على قاضي القضاة شيخ الاسلام شهاب الدين بن حجر وقاضي القضاة شيخ الاسلام محب الدين بن نصر الله الجبيلي وقاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي وشيخ الاسلام عز الدين المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ثم حفظ الفية بن مالك وألفية الحديث وقرأ القرآن بالروايات على الشيخ أبي القاسم النويري وسمع عليه وقرأ في العربية واصول الفقه والمنطق واصطلاح الحديث والتصريف والعروض والقافية وأذن له في التدريس فيها سنة اربع واربعين وثمانمائة وتفقه بالشيخ زين الدين ماهر والشيخ عماد الدين بن شرف وحضر عند الشيخ شهاب الدين ابن ارسلان والشيخ عز الدين المقدسي واشتغل في العلوم ورحل إلى القاهرة في سنة اربع واربعين واخذ عن علماء الاسلام منهم شيخ الاسلام ابن حجر وكتب له إجازة ووصفه بالفاضل البارع الأوحد وقال شارك في المباحث الدالة على الاستعداد وتأهل لان يفتي بما يعلمه ويتحققه من مذهب الامام الشافعي من أراد ويفيد العلوم الحديثية من المتن والاسناد علما بأهليته لذلك وتلوحه في مضائق تلك المسالك انتهى وأخذ عن غير واحد من العلماء كالشيخ كمال الدين بن الهمام وقاضي القضاة شمس الدين القاياتي والمقر البغدادي وغيرهم وجد ودأب ولازم الاشتغال والاشغال إلى أن برع وتميز واشير اليه في حياة شيخه الزيني ماهر وكان يرشد الطلبة للقراءة عليه حين ترك هو الاقراء وكذلك المستفتين ودرس وأفتى من سنة ست واربعين وثمانمائة ونظم وأنشأ وسمع الحديث على شيخ الاسلام ابن حجر والشيخ زين الدين الزركشي الحنبلي والشيخ عز الدين بن الفرات وغيرهم من المشايخ الاعيان وتردد إلى القاهرة مرات وحج منها في وسط السنة صحبة القاضي عبد الباسط رئيس المملكة في سنة ثلاث وخمسين وثمانماءئة فسمع الحديث بالمدينة الشريفة على المحب الطبري وغيره وبمكة المشرفة على أبي الفتح المراغي وغيره ولم يزل حاله في ازدياد وعلمه في اجتهاد فصار نادرة وقته واعجوبة زمانه إماما في العلوم محققا لما ينقله وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه وعين أعيان المعيدين بالمدرسة الصلاحية ثم لما وقعت حادثة أخي أبي العباس - المتقدم شرحها في حوادث سنة خمس وسبعين وثمانمائة - سافر إلى القاهرة المحروسة واجتمع بالسلطان وحوسب فعرف مقامه وأنعم عليه باستقراره في مشيخة المدرسة الصلاحية فتوقف في القبول فالزم به وتمثل بالحضرة الشريفة في شهر صفر سنة ست وسبعين فلما قدم على السلطان نزل عن سرير الملك وتلقاه وأكرمه وفوض اليه الوظيفة المشار اليها والبسه التشريف وولي معه في ذلك اليوم القاضي شهاب الدين بن عبيه قضاء الشافعية والقاضي خير الدين بن عران قضاء الحنفية والشيخ شهاب الدين العميري مشيخة المدرسة الأشرفية التي هدمت وكنت حاضرا ذلك المجلس وسافر شيخ الاسلام وصحبته القاضيان - المشار اليهما - من القاهرة المحروسة في يوم الاثنين ثامن ربيع الأول ودخلوا القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول سنة ست وسبعين وثمانمائة وكان يوما مشهودا وباشر تدريس الصلاحية والنظر عليها مباشرة حسنة عمرها وأوقافها وشدد على الفقهاء وحثهم على الاشتغال وعمل بها الدروس العظيمة فكان يدرس فيها أربعة أيام في الاسبوع فقها وتفسيرا وأصولا وخلافا وأملى فيها مجالس من الاحاديث الواقعة في مختصر المزني واستمر بها أكثر من سنتين ثم استقر فيها شيخ الاسلام النجمي ابن جماعة في شهور سنة ثمان وسبعين - كما تقدم ذكره - فلم يهتم بها بعد ذلك واسمر بمنزله على ما كان عليه من الاشتغال بالعلم والافتاء وتوفي والده الأمير ناصر الدين محمد في جمادي الاولى سنة تسع وسبعين وثمانمائة عن ست وثمانين سنة ودفن بجوار منزله بباب السلسلة ثم في سنة إحدى وثمانين توجه شيخ الاسلام إلى القاهرة المحروسة واستوطنها وتردد اليه الطلبة والفضلاء واشتغلوا عليه في العلوم وانتفعوا به وعظمت هيبته وارتفعت كلمته عند السلطان وأركان الدولة وفي شوال سنة ثمان وثمانين حضر إلى القدس الشريف زائرا ثم توجه إلى القاهرة في جمادي الآخرة سنة تسع وثمانين - كما تقدم ذكر ذلك - ولما وقع ما تقدم ذكره من هدم المدرسة الأشرفية القديمة وبناء المدرسة المستجدة المنسوبة لملك العصر مولانا السلطان الملك الأشرف وانتهت عمارتها وقدر الله تعالى وفاة الشيخ شهاب الدين العميري قبل تقرير أمرها وترتيب وظائفها - كما تقدم ذكره - برز أمر السلطان باستقرار شيخ الاسلام الكمالي فيها وطلبه إلى حضرته وشافهه بالولاية وسأله في القبول فأجاب لذلك وألبسه كاملية بسمور وحضر إلى القدس الشريف هو ومن معه من اركان الدولة الشريفة وباشرها - كما تقدم ذكره في حوادث سنة تسعين وثمانمائة - وحصل للمدرسة المشار اليها وللأرض المقدسة بل ولسائر مملكة الاسلام الجمال والهيبة والوقار بقدومه وانتضم امر الفقهاء وحكام الشريعة المطهرة بوجوده وبركة علومه ونشر العلم وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وازداد شأنه عظما وعلت كلمته ونفذت أوامره عند السلطان فمن دونه وبرزت اليه المراسيم الشريفة في كل وقت بما يحدث من الوقائع والنظر في أحوال الرعية وترجم فيها بالجناب العالي شيخ الاسلام ووقع له ما لم يقع لغيره ممن تقدمه من العلماء والأكابر وبقي صدر المجالس وطراز المحافل المرجع في القول اليه والتعويل في الأمور كلها عليه وقلده أهل المذاهب كلها وقبلت فتواه على مذهبه ومذهب غيره ووردت الفتاى اليه من مصر والشام وحلب وغيرها وبعد صيته وانتشرت مصنفاته في سائر الاقطار وصار حجة بين الأنام في سائر ممالك الاسلام ومن اعظم محاسنه التي شكرت له في الدنيا ويرفع الله بها درجاته في الآخرة ما فعله في القبة المستجدة عند دير صهيون وقيامه في هدمها بعد أن صارت كنيسة محدثة في دار الاسلام في بيت الله المقدس وقيامه في منع النصارى من انتزاع القبو المجارو لدير صهيون المشهور أن به قبر سيدنا داود عليه السلام بعد بقائه في ايدي المسلمين مدة طويلة وبنى قبلة فيه لجهة الكعبة المشرفة - كما تقدم ذكر ذلك مفصلا في حوادث سنة خمس وسنة ست وتسعين وثمانمائة وغير ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيامه على حكام الشرطة ومنعهم من الظلم ومواجهتهم بالكلام الزاجر لهم وفي شهر شوال سنة تسعمائة ورد عليه مرسوم شريف بأن يكون متكلما على الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ينظر في أمرها وعمل مصالحها فحضرها في عشية يوم الاثنين سادس شوال وجلس بالمجمع مع الصوفية في مجلس الشيخ وحصل للخانقاه وأهلها الجمال بحضوره ثم بعد فراغ الحضور جلس على تفرقة الخبز على مشايخها وتصرف فيها باجازة الوقف وانلظر في أمره وشرع في عمارة الخانقاه واصلاح ما اختل من نظامها واضيف اليه التكلم على المدرسة الجوهرية وغيرها لما هو معلوم من ديانته وورعه واجتهاده في لعل الخيرات وإزالة المنكرات وأما سمته وهيبته فمن العجائب في الابهة والنورانية رؤيته تذكر السلف الصالح ومن رآه علم انه من العلماء العاملين برؤية شكله وإن لم يكن يعرفه وأما خطه وعبارته في الفتوى فنهاية في الحسن وبالجملة فمحاسنه أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وهو اعظم من أن ينبه مثلي على فضله ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل فإن مناقبه وذكر مشايخه يحتمل الأفراد بالتأليف والمراد هنا الاختصار ومن تصانيفه الاسعاد شرح الارشاد في الفقه والدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع في الاصول والفرائد في حل شرح العقائد والمسامرة بشرح المسايرة وكتب قطعة على تفسير البيضاوي وقطعة على صحيح البخاري وقطعة على شرح المنهاج وقطعة على صفوة الزبد للشيخ شهاب الدين بن أرسلان وغير ذلك وقد عرضت عليه في حياة الوالد رحمه الله قطعة من كتاب المقنع في الفقه على مذهب الامام أحمد رضي الله عنه ثم عرضت عليه مرة ثانية ما حفظت بعد العرض الأول وأجازني في شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وحضرت بعض مجالسه من الدروس والاملاء بالمدرسة الصلاحية وحضرت كثيرا من مجالسه بالمسجد الأقصى الشريف قبل رحلته إلى القاهرة المحروسة وبعد قدومه إلى بيت المقدس وحصلت الاجازة منه غير مرة خاصة وعامة ومن إنشاده في بيت المقدس - بعد غيبته عنه مدة طويلة - أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا فتلك رباع الأنس في زمن الصبا وما زلت من شوق اليها مواصلا سلامي على تلك المعاهد والربا وقد سمعتهما من لفظه بدرس القدس حين عوده من غزة المحروسة في شهر ذي القعدة الحرام سنة تسعمائة وأجازني بروايتهما عنه أعز الله به الدين وأدام بقاءه للمسلمين قال المؤلف وهذا آخر ما تيسر ذكره من أخبار بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل عليه السلام وغيرهما مما تقدم الوعد بذكره فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فهو من شأن الانسان والمسئول من كل واقف عليه من الاخوان في الله تعالى ستر ما فيه من الخطأ وإصلاح ما يمكن إصلاحه وعدم المؤاخذة بما فيه من نقص أو خلل فإني اجتهدت في تحرير ما نقلته وتتبعت التراجم والحوادث ما استطعت وجمعتها من كتب وأوراق متفرقة وكثير منها من حفظي للوقائع والاطلاع عليها ومع ذلك لم أستوعب ما هو المقصود من التاريخ لعدم الاطلاع على ( ) منه في هذا المختصر ما لم يوجد في غيره مما يتعلق بالقدس الشريف ( ) الخليل عليه السلام وقد تفحصت فلم أظفر بغير ما نقلت والله الموفق وكان ابتدائي في جمعه في خامس عشري ذي الحجة سنة تسعمائة من جمعه وترتيبه في دون أربعة أشهر مع ما تخلل في ذلك من عوارض ( ) نحو شهر لم أكتب فيه شيئا ومع اشتغال الفكرة بأمور الدنيا والله لطيف بعباده وإن فسح الله في الأجل جعلت له ذيلا أذكر فيه ما يقع من الحوادث بالقدس الشريف وبلاد سيدنا الخليل عليه السلام وغيرهما من أولى سنة إحدى وتسعمائة إلى آخر وقت يريده الله تعالى فيما بقي من العمر حمدا لمن يسر لنا إتمام هذا التاريخ الجميل المسمى ب ( الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل ) وهو مشتمل على جل ما احتوى عليه تواريخ القدس مع زيادات نافعة مثل ذكر وفيات العلماء الأعلام ومن تولى القضاء منهم في المذاهب الأربعة بين الأنام وذكر الوقائع الحاصلة بالشام في مدة السلطان قايتباي من ابتداء سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة إلى التسعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وبالجملة فهو كتاب عظيم الفوائد وافر الموائد يبتهج المطالعون بدراري أخباره ويتشف السامعون بدرر آثاره فهرس مواضيع كتاب ( الانس الجليل بتاريخ القدس والخليل ) صفحة مواضيع الكتاب 5 ذكر الفتح الناصري الداودي ( وهو أول الجزء الثاني ) 6 ذكرت سليم القدس إلى الافرنج 7 ذكر الفتح الصلاحي النجمي 11 ذكر صفة المسجد الأقصى وما هو عليه في عصرنا 13 بئر الورقة وفيه نادرة عن النبي ( ص ) 14 محراب النبي داود عليه السلام 14 سوق المعرفة 15 مهد النبي عيسى عليه السلام 15 جامع المغاربة 16 قبة الصخرة الشريفة 16 القدم الشريف 17 ذكر المغارة التي تحت الصخرة 18 قبلة السلسلة 19 قبة المعراج 20 مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم 20 مقام النبي الخضر عليه السلام 21 قبة النبي سليمان وقبة النبي موسى عليهما السلام 23 قبة الطومار وحاكورة القاشاني 23 زاوية البسطامية وزاوية الصمادية 24 ذرع المسجد طولا وعرضا صفحة مواضيع الكتاب 24 تنبيه ان الأقصى اسم لجميع المسجد 25 في المسجد صفاة عظيمة لا يتصورها إلا من شاهدها 26 الأقصى القديمة من جهة القبلة = اصطيل سليمان وهو داخل تحت المسجد = ان منائر المسجد اربعة والبناء الجديد 27 ابواب المسجد بابان متحدان 28 قيل للخضر أين تصلي الصبح ؟ فقال عند الركن اليماني 29 قول ابن عباس ( وإذ قلنا ادخلو هذه القرية ) = في تسمية باب حطة وهو فعلة من الحط ومغفرة 30 كان في زمن بني اسرائيل إذا أذنب أحد كتب على بابه = باب شرف الأنبياء في جهة الشمال من المسجد 32 في ترتيب الأئمة في داخل المسجد = قبلة أهل بيت المقدس من غزة والرملة 33 وللمسجد الأقصى عدة أئمة بداخل الجامع = ما يوقد يه من المصابيح في كل ليلة وقت العشاء = وظائف المدرسين والمعيدين والخدام والقراء = ذكر غالب ما في بيت المقدس من المدارس = الفارسية بداخل المسجد الأقصى 34 النحوية على طرف صحن الصخرة من القبلة = الناصرة على برج باب الرحمة = ما حول المسجد من المدارس والزوايا الخنثية = المدارس المجاورة للسور من جهة الغرب صفحة مواضيع الكتاب 35 المدرسة التنكزية واقفها تنكز الناصري = المدرسة البلدية واقفها الأمير منكلي 36 المدرسة العثمانية واقفها امرأة اسمها اصفهان = الرباط الخاتونية واقفتها أغل خاتون = المدرسة الارغونية واقفتها ارغون الكاملي 37 المدرسة المزهرية واقفها أبو بكر بن مزهر = رباط كرد واقفه المقر السيفي كرد = الزاوية الوفائية تعرف قديما بدار معاوية = المدرسة المنجكية واقفها الأمير منجك 38 المدرسة الجاولية واقفها سنجر الجاولي = المدرسة الصبييبية واقفها علي بن ناصر الدين محمد = المدرسة الأسعردية واقفها الخواجا عبد الغني = المدرسة الملكية عمرها ملك الجوكندار = المدرسة الفارسية واقفها الأمير فارسي البكي 39 المدرسة الأمينية واقفها أمين الدين عبد الله = المدرسة الدويدارية واقفها أبو موسى سنجر بن عبد الله = المدرسة الباسطية واقفها عبد الباسط بن خليل = التربة الأوحدية واقفها الأوحد نجم الدين = المدرسة الكريمية واقفها كريم الدين عبد الكريم 40 المدرسة الغادرية واقفها محمد بن دلغادر = المدرسة الطولونية أنشأها الظاهر برقوق = المدرسة الفنرية أنشأها شهاب الدين الطولوني صفحة مواضيع الكتاب 40 الحسنية وقف شاهين الحسني 41 الأماكن المتوصل منها إلى المسجد ولها ابواب = ما في المدينة من المدارس والمشاهد = المدرسة الصلاحية وقف صلاح الدين = الزاوية الشيخونية واقفها سيف الدين قطيشا 42 المدرسة الكاملية واقفها كامل من طرابلس = رباط المارديني منسوبة لامرأتين = المدرسة المعظمية وقف المعظم عيسى = المدرسة السلامية واقفها الخواجا أبو الفدا = الزاوية المهمازية منسوبة للشيخ كمال المهمازي = المدرسة الوجيهية وقف وجيه الدين محمد = المدرسة المحدثية واقفها رجل من أهل العلم = الرباط المنصوري وقف السلطان قلاوون = رباط علاء الدين واقفه الأمير علاء الدين آيدغدي = المدرسة الحسنية واقفها الأمير حسن الكشكيلي = المدرسة التشتمرية واقفها الأمير تشتمر السيفي = المدرسة البارودية واقفهتها الست سفري خاتون 44 الزاوية المحمدية واقفها محمد بك زكريا = اليونسية زاوية مقابل البارودية = المدرسة الجهاركسية بجوار اليونسية = المدرسة الحنبلية واقفها الأمير بيدمر = التربة السعدية صفحة مواضيع الكتاب 44 التربة الجالقية وقف ركن الدين العجمي = دار الحديث واقفها الأمير عيسى الهكاري 45 دار القرآن واقفها سراج الدين السلامي = المدرسة الطازية وقف الأمير طاز = تربة الملك حسام الدين بركة = التربة الكيلانية بجوار الطازية = التربة الطشتمرية وقف الأمير طشتمر العلائي = زاوية الطواشية واقفها شمس الدين محمد = زاوية المغاربة وقف عمر بن عبد اله المغربي 46 المدرسة الأفضلية وقف الملك الأفضل = زاوية البلاسي نسبتها للشيخ أحمد البلاسي = زاوية الأزرق نسبتها للشيخ إبراهيم الأزرق = المدرسة اللؤلؤية واقفها الأمير لؤلؤ غازي 47 المدرسة البدرية واقفها بدر الدين الهكاري = زاوية الدركاه واقفها الملك المظفر = زاوية الشيخ يعقوب العجمي وهي كنيسة = مسجد الحيات منسوب إلى عمر بن الخطاب = الخانقاه الصلاحية وقف الملك صلاح الدين = الزاوية الحمراء منسوبة للفقراء = الزاوية اللؤلؤية وقف بدرالدين لؤلؤ 48 الزاوية البسطامية واقفها عبد الله البسطامي = المدرسة الميمونية واقفها الأمير فارس الدين صفحة مواضيع الكتاب 48 التربة المهمازية واقفها الأمير ناصر الدين المهمازي = زاوية الهنود للفقراء الرفاعية = الجراحية زاوية واقفتها الأمير حسام الدين الجراحي = القيمرية نسبتها لجماعة من الشهدا المجاهدين 49 منارة على المسجد على سجن الشرطة = المنارة على زاوية الدركاه = منارة على المسجد ملاصق للكنيسة 50 وصف مدينة القدس شوارعها وابنيتها = سوق القطانين مجاور لباب المسجد 51 الكنائس والديارات من زمن الروم = الحارات المشهورة في القدس الشريف 52 خط داود عليه السلام 53 خط مرزبان = خط وادي الطواحين 55 القلعة حصن عظيم البناء بظاهر القدس 57 ذكر عين سلوان وغيرها مما هو بظاهر القدس = عين المقذوفات 58 بئر أيوب 60 دير أبي ثور = طورزيتا وهو الجبل الشرقي 61 قبر مريم عليها السلام 62 الساهرة قرب طور زيتا صفحة مواضيع الكتاب 63 الأدهمية كهف عجيب = مغارة الكتان من جهة القبلة 64 مقبرة الساهرة ومقبرة الشهداء ومقبرة ماملا بظاهر القدس = القلندرية وسطها زاوية تسمى القلندرية 65 بيت لحم قريبة من القدس 66 قبة راحيل والدة يوسف الصديق ( ع ) = ذكر رملة فلسطين 67 فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام 68 صفة مدينة الرملة قديما = هدم القلعة وهدم مدينة لد 587 = ما بني فيها من مساجد ومنائر زمن الملك قلاوون 69 لم يبق حول الجامع من الأبينية سوى حارة = تجديد عمارة الجامع الأبيض زمن صلاح الدين = فتح يافا سنة 666 بيد الملك بيبرس = بناء منارة بأمر الأمير شاهين الكمالي 70 أول من ولي قضاء فلسطين عبادة بن الصامت = مولد أبي شعيب النسائي ووفاته بالرملة = فيها من الأولياء محمد البطائحي والاختلاف في أمره = قبر الشيخ محمود العدوي بحارة العنابة = ذكر لد وحديث الدجال آخر الزمان = بظاهر لد قبر عبد الرحمن بن عوف الصحابي 72 وبظاهر الرملة مشهد روبيل بن يعقوب صفحة مواضيع الكتاب 72 ومن الاولياء بأرض فلسطين علي بن عليل 73 في عصر المؤلف ولي النظر أبو العون محمد الغزي = ذكر عسقلان وقول النبي ( ص ) عليك بالشام وعسقلان فيهما البركة 74 خراب عسقلان بيد الملك صلاح الدين = ذكر غزة وهي مجاورة لبيت المقدس = ذكر أريحا ( وإذا قال موسى لقومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) 75 ذكر نابلس مدينة بالأرض المقدسة = المشاهد المنسوبة إلى جماعة من الانبياء 76 ذكر نبذة من اخبار مدينة الخليل ( ع ) 77 من أدرك عيسى ( ع ) وآمن به = حارة الشيخ علي البطا وحارة الأكراد وبقية الحارات محيطة بالمسجد 78 زاوية الشيخ عمر المجرد وزاوية المغاربة في القدس = زاوية الشيخ علي البكا وزاوية القواسمة بالقرب منها 79 الرباط المنصوري تجاه باب القلعة = البيمارستان المنصوري وقف قلاوون = زاوية الشيخ إبراهيم المري = مسجد رعونة وبقية الزوايا بظاهر البلد 80 مشهد الأربعين يقصد للزيارة = عين الطواشي بقرب مدينة الخليل ( ع ) = عين الخدام منبعها خلة العيون = عين سارة بظاهر البلد بين الكرم الكروم صفحة مواضيع الكتاب 80 عين الحمام بمدينة سيدنا الخليل ( ع ) = عين حبري ومنبعها من الجبل 81 الكروم بظاهر المدينة محيطة بها من كل جانب = إقطاع تميم الداري الذي أقطعه له النبي ( ص ) = القطعة الأديم يقال انها من خف أمير المؤمنين ( ع ) 82 نسخة كتاب رسول الله 0 ص ) كتبه لتميم الداري 85 ذكر جماعة من أعيان من ولي على بيت المقدس = عمر بن الخطاب فتحه وأنقذه من أيدي الكفار = ممن ولي الملك نجم الدين أيوب = ولاية الملك المعز أيبك التركماني 86 الملك الشرف موسى آخر ملوك بني أيوب بمصر = الملك الظاهر بيبرس الصالحي 87 تجديد فصوص الصخرة وتعمير الخان بظاهر القدس = تعيين القضاة الثلاثة عوضا عن قاضي واحد 88 ولاية الملك السعيد محمد بركة = ولاية السلطان قلاوون الصالحي 89 الرباط المنصوري بباب الناظر = تسلطن الملك الأشرف الحاكم بأمر الله = انقطاع الافرنج وزوال دولتهم من بلاد الاسلام 90 قتل الملك صلاح الدين قلاوون في القاهرة = تسلطن الملك الناصر محمد بن قلاوون = خلع العادل كتبغا وولاية الملك المنصور صفحة مواضع الكتاب 90 تسلطن الملك الناصر محمد بن قلاوون 92 في غارات التتر وغيرهم 93 تسلطن جماعة من الخلفاء وعزل البعض منهم 94 ولاية الملك الظاهر برقوق وخلعه ثم اعادته = ورود الأمير شهاب الدين أحمد بن اليغموري 95 ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق 96 ولاية الملك الأشرف برسباي الدقمامقي = المصحف الشريف الذي وضع بداخل الجامع = ولاية الملك جقمق العلائي الظاهري 97 حرق سقف الصخرة بصاعقة من السماء 98 الحوادث التي وقعت في القدس الشريف = وفاة الملك الظاهر سنة 857 = ولاية الملك الأشرف اينال الناصري = وولي النظر الأمير عبد العزيز العراقي 00 ولاية السلطان الظاهر خشقدم = عمارة قناة السبيل من عين العروب = ولاية الأمير ناصر الدين ناظر الحرمين الشريفين 100 ابطال المظالم من القدس الشريف = تسلطن الظاهر بيلباي = ثم تسلطن الملك الأشرف قايتباي 101 ذكر ما تيسر من أعيان العلماء بالقدس = قاضي القضاة بهاء الدين ابن تميم الاسدي الموصلي صفحة مواضيع الكتاب 102 شيخ الاسلام مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل 103 شيخ الاسلام فخر الدين محمد بن الحسين بن عساكر 104 شيخ الاسلام تقي الدين عثمان النصري 105 من مشايخ الصلاحية ابن الصلاح = ممن ولي قضاء غزة جمال الدين الباجربقي = ولاية القضاء شمس الدين ابن خلكان = الشيخ نجم الدين الكردي مدرس الصلاحية = الشيخ شهاب الدين بن جهبل الحلبي 106 شيخ الاسلام علاء الدين علي المقدسي = شيخ الاسلام صلاح الدين خليل بن كبكاري 107 قاضي القضاة برهان الدين ابن الخطيب 108 ممن ولي التدريس وخطابة المسجد محب الدين أحمد 109 قاضي القضاة عماد الدين أحمد الأزرقي الكركي = شيخ الاسلام شمس الدين محمد الجزري الدمشقي 110 العلامة زين الدين ابن عمر القمني المصري = شيخ الاسلام شهاب الدين المقدسي ابن الهائم 111 قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عطا الرازي 112 شيخ الاسلام محمد بن عبد الله الدائم العسقلاني = قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الصلاح 113 شيخ الاسلام عز الدين بن عبد السلام السعدي 114 قاضي القضاة أبو حفص عمر بن موسى الحمصي 116 قاضي القضاة نجم الدين محمد بن جماعة الكناني صفحة مواضيع الكتاب 118 القضاة الشافعية بالقدس وبلد الخليل 119 قاضي القضاة سالم بن صاعد الباهلي = قاضي القضاة محمد بن هبة الله بن بندار 120 قاضي القضاة يحيى بن هبة الله العلثي = القاضي أبو عبد الله محمد بن صاعد بن القرشي = قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن أبي الغنائم = القاضي أبو الحسن علي بن صاعد بن السلم 121 القاضي صفي الدين بن مكتوم القيسي = القاضي شهاب الدين محمد بن ناصر بن العالمة = القاضي شرف الدين موسى بن جبريل = القاضي أبو محمد بن أبي حامد الجعبري = القاضي جلال الدين ابن أبي الفرج الخزاعي = قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن جعفر 122 القاضي أبو عبد الله بن أبي الغنائم = القاضي شرف الدين منيف بن سليمان 123 القاضي فخر الدين بن علم الهلالي = القاضي نجم الدين أحمد بن محمد الانصاري = القاضي شمس الدين محمد بن أبي الفرج = القاضي نجم الدين عبد المحسن بن معالي = القاضي أبو عبد الله بن حامد = القاضي شمس الدين التدمري 124 القاضي شهاب الدين أحمد التدمري صفحة مواضيع الكتاب 124 القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله = القاضي علاء الدين بن شهاب الوحيد = القاضي أمين الدين أبو عبد الله = القاضي بدر الدين أبو عبد الله = القاضي شمس الدين محمد الكناني 125 القاضي علم الدين أبو الربيع = القاضي علم الدين سليمان = القاضي تاج الدين أبو الانفاق = القاضي شمس الدين أبو عبد الله = القاضي أبو عبد الله بن أبي البركات 126 القاضي علاء الدين علي بن العباس = القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد = القاضي زين الدين أبو المكارم = القاضي شمس الدين محمد بن جلال الدين = القاضي بدر الدين أبو عبد الله بن شجرة 127 القاضي شمس الدين بن شرف الدين الأنصاري = القاضي شمس الدين بن الخطيب = القاضي عماد الدين أبو الفدا = القاضي تقي الدين البرلسي = القاضي شهاب الدين أحمد = القاضي شرف الدين أبو الروح = القاضي تقي الدين أبو محمد صفحة مواضيع الكتاب 128 القاضي شمس الدين محمد بن أبي عمرو عثمان = القاضي شهاب الدين أحمد السلاوي = القاضي تقي الدين أبو الأيادي = القاضي زين الدين عبد اللطيف = القاضي سعد الدين بن يوسف النواوي = القاضي شمس الدين بن قرموز الزرعي 129 القاضي بدر الدين بن مكي = القاضي جمال الدين عبد الله العراقي = القاضي شرف الدين بن القرقشندي = القاضي برهان الدين إبراهيم = القاضي شهاب الدين أحمد بن الحكمة = القاضي شهاب الدين أحمد بن رشيدة 130 القاضي شمس الدين محمد أبو الانفاق = القاضي علاء الدين أبو الحسن الرماوي = قاضي القضاة علاء الدين علي التميمي = القاضي شمس الدين النقوعي = قاضي القضاة ناصر الدين البصروي 131 قاضي القضاة علاء الدين ابن السائح 132 قاضي القضاة شهاب الدين أحمد السعدي = قاضي القضاة شهاب الدين أحمد التميمي 133 القاضي زين الدين عبد الرحمن التميمي = القاضي شمس الدين محمد التميمي صفحة مواضيع الكتاب 133 قاضي القضاة ابن جماعة الكناني 134 الخطباء بالمسجد الأقصى ومقام الخليل 135 الشيخ أبو الحسن علي بن المغافري المالقي = الخطيب محمد بن بكران بن محمد = الشيخ شهاب الدين أحمد النابلسي = القاضي شرف الدين أحمد الخطيب 136 الشيخ عبد المنعم بن أبي الفهم = قاضي القضاة محمد الأنصاري = قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن جماعة 137 قاضي القضاة عمر بن يحيى القرشي = الشيخ شمس الدين محمد بن أبي البقاء 138 الشيخ برهان الدين إبراهيم الكناني = الخطيب عماد الدين أبو الفدا = قاضي القضاة جمال الدين بن غانم 139 قاضي القضاة شهاب الدين محمد الباعوني = الشيخ شرف الدين القرقشندي = الخطيب تاج الدين التدمري 140 الخطيب عماد الدين التدمري = الشيخ زين الدين عبد الرحيم الحموي = الخطيب شهاب الدين القرقشندي 141 الحافظ شهاب الدين الكناني = الخطيب علاء الدين القرقشندي صفحة مواضيع الكتاب 142 الخطيب برهان الدين ابن علي القرقشندي = الخطيب مجد الدين التدمري الخليلي = شيخ الشيوخ أبو البقا أحمد الكناني 143 الشيخ شرف الدين موسى بن جماعة = ذكر فقهاء الشافعية وغيرهم من الاعيان 144 الشيخ جلال الدين محمد بن أحمد = الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر = الشيخ شهاب الدين أحمد المعروف بالقدسي 145 الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الهاشمي 146 الشيخ شرف الدين محمد بن عروة الموصلي = الشيخ غانم بن علي الخزرجي = السيد بدر الدين بن سالم من ذرية الامام علي رضي الله عنه 147 السيد عبد الحافظ من أصحاب الكرامات 152 قبر وجدناه بالقرب من قبر الواسطي = الفقيه شرف الدين الحوراني = الشيخ أبو يعقوب المغربي = الشيخ صالح جلال الدين العقيلي 153 الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم القصري = الشيخ ناصر الدين ابن غانم = الشيخ إبراهيم الهدمة الكردي = الشيخ برهان الدين الجعبري 154 الشيخ سيف الدين أبو بكر الانصاري صفحة مواضيع الكتاب 154 الأمير جلال الدين العشي = القاضي علاء الدين علي الصالحي = الشيخ شمس الدين محمد الجعبري 155 علي ويقال أبو الحسن الجعبري = برهان الدين إبراهيم الجعبري = الشيخ نور الدين أبو عبد الله الجعبري 156 الشيخ زين الدين عبد القادر = الشيخ شمس الدين محمد الصفدي = الشيخ شرف الدين الأذرعي = الشيخ قطب الدين الخزرجي 157 الشيخ أمين الدين محمد الجزري = شمس الدين محمد بن اليسر = الشيخ علي الصفي البسطامي = الشيخ الشهيد علي بن أحمد المذكوري = الحافظ جمال الدين بن هلال الخواصي 158 الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم البيساني = الشيخ سراج الدين القاسم العدلي = الشيخ غانم بن عيسى المقدسي = الشيخ جمال الدين عبد الله بن غانم 159 الشيخ عبد الله الهندي = المسند سيف الدين قلنج ابن العلائي = شيخ الاسلام أبو الفدا اسماعيل صفحة مواضيع الكتاب 159 الشيخ سراج الدين عمر الزيلعي 160 السيد شهاب الدين أبو الخير البصير = الشيخ شمس الدين محمد بن سليمان المقدسي = الشيخ بدر الدين محمد بن جلال الدين المقدسي = الشيخ شمس الدين محمد بن الخطيب = الشيخ شمس الدين بن حامدا النصاري = الشيخ شمس الدين محمد بن عمر التركماني 161 الأمير ناصر الدين محمد بن الجيلي = الشيخ برهان الدين القرقشندي 162 الشيخ عبد الله بن خليل البسطامي = المسندة اسماء ابنة خليل العلائي 163 الشيخ عمر بن نجم الدين البغدادي 164 الشيخ عيسى بن الرحمن الغوري = الشيخ أبو بكر بن علي الشيباني الموصلي 164 الشيخ محمد بن أبي جوز = المسندة خديجة بنت أبي بكر = الأمير شرف الدين موسى بن سليمان 165 الشيخ شهاب الدين أحمد بن خليل = الشيخ أحمد بن الناصح المصري = المسند شهاب الدين أحمد بن عثمان 165 الشيخ زين الدين عبد الرحمن = الشيخ صامت الأدهمي صفحة مواضيع الكتاب 165 القاضي جمال الدين أبو محمد عبد الله 166 المسندة آمنة ابنة اسماعيل القرقشندي = المسندة غزال أم عبد اللطيف = شيخ زين الدين عبد الرحيم الكناني 167 الشيخ عبد الله بن مصطفى الرومي = الشيخ شمس الدين محمد الصفدي = الشيخ إبراهيم المزي = الشيخ إبراهيم بن أحمد السعدي = المسند شهاب الدين أحمد الخليلي = المسند شرف الدين موسى بن الهائم 168 الشيخ برهان الدين إبراهيم الخواصي = المسند اسماعيل بن إبراهيم الخليلي = الشيخ زين الدين عبد الرحمن القرقشندي = الشيخ محمد بن الشيخ عيسى الصمادي = الشيخ شمس الدين نصر الله الكركي = الشيخ علم الدين قاضي الجزيرة 169 الشيخ محمد المعروف بآكل الحيات = الشيخ علاء الدين علي بن صفر الأردبيلي = الشيخ شهاب الدين أحمد المعروف بشكر 170 الشيخ علاء الدين بن عثمان الحوادي = الخواجا محمد بن أحمد بن حاجي = الشيخ تاج الدين ابن الغرابيلي الكركي صفحة مواضيع الكتاب 171 الشيخ شمس الدين محمد التدمري = الشيخ برهان الدين إبراهيم الأنصاري 172 الشيخ أبو بكر بن عبد الله العداس = القاضي براهان الدين العرابي = الشيخ شمس الدين محمد ابن المصري = الشيخ زين الدين عبد القادر القرمي 713 الشيخ تقي الدين أبو الصدق الطولوني = الشيخ فولاذ بن عبد الله اصله من العرب 714 الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي 176 الشيخ عبد الملك بن أبي بكر الموصلي = الشيخ علاء الدين أبو الحسن البدري 177 الشيخ زين الدين عبد الؤمن الرهاوي = الشيخ عمر بن حاتم العجلوني 178 الشيخ زين الدين عبد الرحمن الأنصاري = الشيخ عبد الله الزرعي الدمشقي 179 الشيخ شمس الدين محمد بن المقدسي = الشيخ شمس الدين محمد بن خليل القباقبي 180 الشيخ شمس الدين محمد الأوثادي = الشيخ شمس الدين محمد القادري 181 الشيخ ناصر الدين محمد بن الزولعة = الشيخ عماد الدين اسماعيل بن إبراهيم = الشيخ شمس الدين محمد ابن أحمد القلقيلي صفحة مواضيع الكتاب 182 الشيخ شهاب الدين أبو العباس الصلتي = الشيخ شمس الدين محمد ابن البرهان 183 الشيخ شهاب الدين أبو البقاء الزبيري = الشيخ شهاب الدين أحمد الأنصاري = الشيخ شمس الدين محمد بن محمد = الشيخ شمس الدين محمد النحال 184 الشيخ شمس الدين محمد التميمي = الشيخ شهاب الدين أحمد بن روحة = الشيخ زين الدين عبد الكريم القرقشندي = شيخ الاسلام محمد بن علي الحصفكي 185 الشيخ علاء الدين علي وأخيه القرقشندي = الشيخ تقي الدين أبي الوفا الحسنيني 186 نور الدين علي بن الأيدوني = الرئيس علم الدين سليمان الصفدي = الشيخ عماد الدين أبو الفدا اسماعيل 187 نادرة وقعت للشيخ جمال الدين = الشيخ جمال الدين ابن النائب 188 زين الدين عبد الرحيم بن حسن = الشيخ شمس الدين محمد القرمي = الشيخ زين الدين أبو الجود الأنصاري = شيخ الاسلام أبو بكر القرقشندي 190 القاضي جمال الدين التميمي صفحة مواضيع الكتاب 190 الشيخ نجم الدين محمد بن شهاب = الشيخ شمس الدين محمد بن بدر الدين = الشيخ زين الدين عبد القادر النواوي 191 العدل تاج الدين عبد الوهاب بن الصلت = الشيخ زين الدين عمر بن عبد المؤمن = العدل تاج الدين عبد الوهاب = الشيخ أحمد جعارة = الشيخ شمس الدين أبو مساعد = العدل شهاب الدين أحمد الخليلي = السيد عز الدين حمزة الدمشقي = القاضي زين الدين عمر الحواري = غرس الدين خليل بن الخليلي 193 الشيخ شمس الدين أحمد الانصاري = الشيخ شهاب الدين الأوتاري = الشيخ برهان الدين البدري الحسيني 194 الشيخ شمس الدين محمد البسطامي = وأخوه الشيخ محمد زرع = الشيخ شمس الدين محمد بن محمد = الشيخ تاج الدين عبد الوهاب 195 الشيخ شمس الدين محمد بن حسين = قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الرملي = الشيخ تاج الدين عبد الوهاب صفحة مواضيع الكتاب 195 الشيخ شمس الدين محمد بن نجم الدين 196 القاضي شمس الدين محمد الجلجولي = القاضي شهاب الدين أحمد الليدي 197 الشيخ يوسف الكردي = الشيخ حسن الجزري النحوي = الشيخ عثمان الحصني الفرضي = الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الكردي 198 الشيخ علاء الدين أبو مدين الرملي = العدل علاء الدين علي المرداوي = الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان السعدي = القاضي برهان الدين إبراهيم 199 الشيخ زين الدين عبد الرحمن المقري = الشيخ أبو العزم محمد الحلاوي = قاضي القضاة شمس الدين أبو زرعة 200 الشيخ أبو طاهر خليل بن موسى 201 زين الدين عبد القادر بن قطلوشاه = العدل شمس الدين محمد الحريري = القاضي عماد الدين اسماعيل التركماني = الشيخ شمس الدين محمد النجار 202 الشيخ برهان الدين الاسعري = الشيخ برهان الدين العجلوني = الشيخ شعبان بن سالم من ساحور صفحة مواضيع الكتاب 202 الشيخ شمس الدين محمد السعدي 203 الحافظ شهاب الدين أحمد بن عمر 204 القاضي زين الدين عبد الرحيم الانصاري = الشيخ جمال الدين عبد الله بن غائم = الشيخ تاج الدين الحسيني البدري = الشيخ زين الدين عبد الرزاق المصري 205 الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف الأزرقي = الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الأزرقي = الشيخ عثمان الخطاب المصري = الشيخ شمس الدين محمد القميري 206 شيخ الاسلام برهان الدين إبراهيم 208 الشيخ غرس الدين خليل = الشيخ سراج الدين عمر بن محمد الجعبري 209 الشيخ حميد الدين محمد بن المصري = الشيخ شمس الدين محمد بن عجور = العدل محب الدين بن الناصري الترسني 210 الشيخ زين الدين عبد الكريم المغربي = الشيخ شهاب الدين أحمد بن عمر القلانسي = الشيخ شمس الدين محمد القزازي 211 الشيخ كريم الدين عبد الكريم البدري = الشيخ جمال الدين عبد الله المراكشي = الشيخ شمس الدين محمد بن الوفائي صفحة مواضيع الكتاب 212 الشيخ علاء الدين علي بن قاسم الاردبيلي = الشيخ شهاب الدين أحمد بن اسماعيل المرزوقي = الشيخ زين الدين عبد القادر الجعبري 213 الشيخ زين الدين عبد الله الجعبري 214 الشيخ شمس الدين محمد بن أبي هريرة = الشيخ شمس الدين عمر بن الرحمن 215 الشيخ شمس الدين الجعبري = الشيخ شهاب الدين أحمد بن العمري 216 شيخ الاسلام بن الامير ناصر الدين محمد 217 ذكر فقهاء الحنفية من القضاة والعلماء = الشيخ جمال الدين محمد بن سليمان البلخي = الشيخ شمس الدين محمد بن أبي حفص عمر 218 الشيخ كمال الدين اسماعيل الشريحي = الشيخ شهاب الدين أحمد بن حسن = الشيخ تقي الدين خليفة الحكم العزيز = القاضي شمس الدين أحمد الحكم العزيز = الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد 219 الشيخ خليل بن مقبل العلقمي = قاضي القضاة خليل بن عيسى البايرتي = القاضي شمس الدين بن أبي البركات = قاضي القضاة محمد بن الكاشهري = الشيخ شهاب الدين أحمد بن السوداني صفحة مواضيع الكتاب 219 قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد الله 220 قاضي القضاة علاء الدين بن رصاص = القاضي جمال الدين محمد بن محمد = العدل علاء الدين علي الافتخار = قاضي القضاة تقي الدين بن الرصاص = قاضي القضاة تاج الدين أحمد الحسيني = الشيخ علاء الدين علي بن النقيب 221 الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب = الشيخ كمال الدين محمد بن النقيب = الشيخ الزاهد عمر بن عبد الله البلخي = قاضي القضاة شمس الدين الديري 223 الشيخ جمال الدين عبد الله بن الصامت = الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر = القاضي ناصر الدين محمد ابن السكاكيني 224 شيخ الاسلام شمس الدين محمد بن عبد الله = القاضي شمس الدين محمد بن عضبة = قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أبي المواهب 225 القاضي أمين الدين عبد الرحمن الديري = الشيخ شمس الدين محمد بن محسن الهاشمي 226 القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي = القاضي شمس الدين محمد بن أبي العباس = القاضي عماد الدين بن عبد الوهاب صفحة مواضيع الكتاب 226 العدل نجم الدين محمد بن بقيرة = القاضي زين الدين عمر بن خليل = السيد بدر الدين حسن بن حسين الحسيني 227 العدل برهان الدين إبراهيم الكتبي = الشيخ شمس الدين محمد بن خضر = قاضي القضاة سعد بن محمد الديري 228 قاضي القضاة أبو اسحاق إبراهيم = الشيخ سراج الدين بن مسافر الرومي 229 الشيخ شرف الدين يعقوب بن يوسف = القاضي زين الدين عبد اللطيف الديري = وولده الشيخ شرف الدين يونس = العدل زين الدين عبد القادر = الشيخ شمس الدين محمد بن موسى الغزي 230 الشيخ إبراهيم بن محمد بن السبرتي = الامام شمس الدين محمد بن الحافظ 231 الشيخ أبو يزيد العجمي = القاضي ناصر الدين محمد بن أبي بكر = الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن النقيب = الشيخ شمس الدين محمد العجمي 231 الشيخ زين الدين عبد الرحيم العجمي 232 قاضي القضاة عبد الله الديري 233 الشيخ جمال الدين الرومي صفحة مواضيع الكتاب 233 الفقيه شمس الدين محمد بن محمد غضية = الشيخ شهاب الدين بن أحمد أبي بكر الحسيني 234 الشيخ علاء الدين علي بن أبي بكر الرصاص = الشيخ علي بن محمد المشهور بقراعلي = الشيخ شجاع الدين الياس الرومي 235 الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف = الشيخ ناصر الدين محمد بن محمد بن حبشي = الشيخ شهاب الدين أحمد بن حبشي 236 الشيخ شمس الدين محمد محمد بن الصائغ = الشيخ شهاب الدين أحمد بن جمال الدين 237 الفقيه علاء الدين علي الغزي = القاضي زين الدين محمود الدويك = الشيخ خير الدين خضر القرماني 238 قاضي القضاة تاج الدين سعد العبسي 239 قاضي القاضي خير الدين محمد الغزي 241 العدل علاء الدين علي بن محمد = الشيخ شمس الدين محمد بن محمود = الشيخ زين الدين عبد السلام الكركي 243 الشيخ شرف الدين موسى بن شهاب = ذكر فقهاء المالكية من القضاة والعلماء = الشيخ عمر بن عبد الله المصمودي 244 الشيخ شمس الدين عبد الرحمن المغربي صفحة مواضيع الكتاب 244 الشيخ موسى المغربي 245 الشيخ شهاب الدين أحمد بن مغيث = قاضي القضاة بدر الدين الحسن بن الأزرقي = الشيخ عبد الواحد بن جبارة المغربي 246 الشيخ عبد الله بن إبراهيم السكري = الشيخ خليفة بن مسعود المغربي 247 قاضي القضاة شهاب الدين أحمد ابن عوجان = قاضي القضاة شمس الدين محمد ابن عوجان = قاضي القضاة علاء الدين علي بن أبي البركات = قاضي القضاة أمين الدين سالم الصنهاجي 248 قاضي القضاة شمس الدين محمد البسطامي = قاضي القضاة شرف الدين عيسى الشحيني 249 القاضي برهان الدين إبراهيم ابن أبي الوفا = القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن شداد = الشيخ شمس الدين محمد بن علي المغربي 250 القاضي جمال الدين يوسف المارديني = قاضي القضاة شمس الدين محمد المغراوي = العدل شهاب الدين أحمد بن محمد المغربي = قاضي القضاة نور الدين علي بن إبراهيم 251 قاضي القضاة حميد الدين محمد بن الحسيني = قاضي القضاة علاء الدين علي الهاشمي 252 السيد شهاب الدين أحمد بن محمد الحسيني صفحة مواضيع الكتاب 252 العدل شمس الدين محمد بن المصطاوي 253 الشيخ شمس الدين بن محمد خليفة = الشيخ شمس الدين محمد المغربي = قاضي القضاة شرف الدين يحيى الانصاري 254 السيد شرف الدين عيسى بن عمر الحسيني = القاضي شمس الدين بن مارب 255 قاضي القضاة شمس الدين محمد بن الأزرق 256 شيخ شرف الدين يحيى الآندلسي = ذكر فقهاء الحنابلة من القضاة والعلماء = القاضي محي الدين بن الزنكي 257 الفقيه تقي الدين يوسف = الشيخ نجم الدين أحمد 258 الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي عبد الله 259 الشيخ سراج الدين عمر بن عبد الرحمن = الشيخ شهاب الدين أحمد بن المدرس = الشيخ عبد الرحمن وأولاده وغيرهم 260 القاضي فخر الدين عثمان بن العباس = الشيخ زين الدين عبد الرحمن القياتي 261 قاضي القضاة عز الدين البغدادي 262 الشيخ شهاب الدين أحمد الشحام = قاضي القضاة شمس الدين محمد التعليمي 266 سلسلة النسب العمري صفحة مواضيع الكتاب 266 محمد بن عبد الرحمن بن محمد العمري 267 قاضي القضاة بدر الدين الجعفري 269 ذكر ما تيسير من أسماء النظار والنيابة = الشيخ موسى بن غانم الانصاري = الأمير عز الدين جروبك = الأمير علم الدين قيصر = الأمير سنقر الكبير صاحب القدس 270 الأمير الأسفهلار أبو عمرو الزنجيلي = الأمير حسام الدين عثمان المعظمي = الأمير رشيد الدين فرج المعظمي = الأمير علاء الدين الأعمى 271 القاضي شرف الدين عبد الرحمن = الملك الأوحد نجم الدين يوسف = الأمير ركن الدين منكورس الجاشنكير = الأمير ناصر الدين مشد الأوقاف = الأميرعلم الدين سنجر الجاولي 272 الأمير أبو القاسم بن عثمان البصروي = الأمير تمراز ناظر الحرمين 273 الأمير بدر الدين حسن العسكري = الأمير ناصر الدين محمد بن بهادر 273 الأمير شرف الدين موسى بن حسن = الأمير بلوي الظاهري ناظر الحرمين صفحة مواضيع الكتاب 23 الأمير جانتمر الركني الظاهري = الامير شهاب الدين أحمد اليغموري = الأمير اصفهان بلاط 274 الامير زين الدين عمر المشهور بابن المعلم = ممن ولي بعده الأمير علاء الدين الشاهين = الأمير علاء الدين علي نائب الصبيبية = الأمير ناصر الدين محمد العطار = الأمير شاهين الشجاعي = الأمير شرف الدين يحيى شلوه الغزي = الأمير كماس الجلباني 275 الأمير حسن فجا نائب السلطنة = الأمير حسام الدين الكشكلي = الأمير طوغان العثماني 276 القاضي غرس الدين خليل = الأمير خشقدم نائب السلطنة = وومن ولي القدس جماعة كثيرة 277 الامير تمراز المصارع = الامير مبارك شاه = القاضي شمس الدين محمد بن الصلاح 278 الأمير شهاب الدين أحمد النابلسي = الأمير فارس العثماني = الأمير اسبنغا الكلفكي صفحة مواضيع الكتاب 279 الامير قانصوه = الأمير اياس الحلبي = الأمير أبو بكر المشهور بمزة 280 الامير تغري بردي والي قطيا = الأمير ناصر الدين محمد بن الهمام 280 الامير حسن بن ططر الظاهري 281 بدر الدين حسن بن حشيم = شهاب الدين أحمد بن العلم = القاضي ناصر الدين صرر العلمي 282 ذكر ترجمة سيف الدين قايتباي 284 قاضي القضاة غرس الدين خليل = عمارة العين الواصلة من العروب = تعمير مدرسة الظاهر خشقدم = عزل الأمير حسن من النظر = تعيين الشيخ شهاب الدين العميري 285 احتباس المطر سنة 873 = فتنة بردبك التاجي ودمرداش = أقدام جمال الدين مع جماعة = الخلل في نظام الوقفين القدس والخليل 268 تعيين القاضي كمال الدين في القضاء = إتمام عمارة المدرسة بيد بردبك التاجي = وفاة القاضي شمس الدين المغراوي صفحة مواضيع الكتاب 268 وقوع الوباء بالطاعون في المملكة = سفر الأمير بردبك إلى الديار المصرية = ورود الأمير ناصر الدين لكشف الاوقاف = استقرار القاضي حميد الدين في قضاء المالكية = الأمير سيف الدين الجمالي المشهور بابن فطيس = استقرار القاضي برهان الدين في القضاء = استقرار الأمير ناصر الدين النشاشيبي 288 ورود مرسوم بعزل القاضي جمال الدين = واقعة الشيخ أبي العباس في رمضان 290 دخول القاضي نور الدين البدرشي = الانعام على الشيخ الكمالي 291 سفر شيخ الاسلام من القاهرة إلى القدس = دخول الامير يوسف الجمالي القدس = ظهور نجم في السماء له ذنب مستطيل = حضور القاضي برهان الدين إلى القدس 292 وفاءة شهاب الدين أحمد = مباشرة الشيخ شهاب الدين الشنتيري = عمارة الدرجة في القدس = حضور الشيخ شهاب الدين من القاهرة = القبض على شهسوار على يد الدوادار 293 توجه القضاة الأربعة إلى الرملة = دخول يشبك ومعه شهسوار إلى الرملة 293 استقرار الامير دقماق في نيابة القدس = استقرار الامير جقمق نائب دمياط 294 هطول الامطار والبرد وهدم اماكن كثيرة صفحة مواضيع الكتاب 294 تعيين الاوقاف لمدينة غزة للصوفية 295 ورود مرسوم بطلب القاضي ابن عتبة = استقرار الشيخ سعد الله الحنفي في القدس 296 خروج الوظائف عن الحرم = استقرار شيخ الاسلام بن جماعة = استقرار القاضي جمال الدين في قضاء الحنفية = مرسوم بتعيين شهاب الدين في القضاء = شكوى القاضي غرس الدين الكناني 297 استمرار القاضي الشافعي = دخول القاضي جمال الدين الديري 298 وفاة شمس الدين محمد قطيبا = وصول الخطيب محب الدين بخلعة السلطان = استقرار القاضي خير الدين بن جماعة 298 استقرار القاضي خير الدين في القضاء = واقعة بلد الخليل عليه السلام = وقوع الفتنة بين الدارية والاكراد 299 سفر الامير علي باي الخاصكي = توجه الأمير جقمق إلى بلد الخليل ( ع ) = ضرب الشيخ زين الدين بن قطلوشاه 300 توجه اهالي الخليل إلى حضرة السلطان = واقعة الكنيسة بالقدس الشريف 301 عقد مجلس بالمدرسة التنكزية = عناد الكفار بأمر القاضي في الحكم 302 غلق الكنيسة ومنعهم من دخولها صفحة مواضيع الكتاب 302 بروز مرسوم السلطان بأمر العلماء 303 وفاة الشيخ زين الدين شيخ الصلاحية = مرسوم سلطاني في الصدقات 304 تعمير سوق الطباخين وبناء القناطر = مرسوم بتعيين شمس الدين الديري 305 وفاة الأمير خير بيك الظاهري = ورود مرسوم إلى ناصر الدين النشاشيبي = عقد مجلس للعلماء بالمسجد الأقصى 306 كتابة محضر وانتضار الجواب 307 ذكر هدم الكنيسة 308 طلب القاضي ابن عبية من القاهرة 309 عقد مجلس بمجلس الامير يشبك 309 استخلاف القاضي ابن عبية في الحكم 310 اعادة القاضي كمال الدين إلى القدس = حضور الخاصكي نائب غزة 311 دخول القاضي فخر الدين إلى القدس = قدوم القاضي غرس الدين الكناني إلى القدس 311 استقرار القاضي شمس الدين محمد في قضاء القدس = دخول القاضي علاء الدين بن المزوار متوليا 312 حصول المحنة بالأعادة = رجوع القاضي شهاب الدين بن جبيلات 313 رؤيا اسماعيل البنا النبي ( ص ) حول البناء صفحة مواضيع الكتاب 314 قدوم السلطان إلى بيت المقدس من القاهرة = رفع الحسبة بمدينة الخليل ( ع ) 315 توجه السلطان في مدينة الخليل = جلوس السلطان بقبة موسى باب السلسلة = بشكوى الناس من الأمير جار قطلبي = فراغ السلطان من فصل الحكومات 316 جلوس السلطان مع الأمير لزبك الكبير = خروج السلطان إلى مخيمه بظاهر القدس = وصول السلطان للرملة ووقوع المطر 317 القبض على اللص الذي دخل على السلطان = فيمن سب سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه = القاء القبض على الافرنج المقيمين = لبس الخلعة لجمال الدين يوسف 318 دخول الوباء بالطاعون حتى عم الجميع = وصول الأمير الخاصكي إلى القدس = سفر السلطان إلى المملكة الشامية 319 وصول السلطان إلى حلب 319 استقرار الخطيب أبو الحزم في الخطابة = استقرار الشيخ جمال الدين عبد الله 320 عزل القاضي كمال الدين النابلسي = وفاة الأمير غرس الدين = توجه المباشرين من القاهرة للقدس = طلب الامير ناصر الدين من قبل السلطان صفحة مواضيع الكتاب 321 وفاة الأمير جاني بك أمير سلاح = بروز الأمر إلى القاضي ابن اسيل = حضور قاصد من السلطان بطلب المباشرين = وفاة المستنجد بالله يوسف العباسي = تجديد عمل الرصاص لظاهر الجامع 322 استقرار الامير سنطباي النحاسي = توجه القاضي فتح الدين ابن الاسيل للحجاز = توجه الملك قايتباي إلى بيت الله الحرام = قدوم السلطان من الحجاز 323 دخول الامير ناصر الدين النشاشيبي = حصول فتنة وقتل من العرب = حضور الامير ناصر الدين من حلب = استقرار القاضي بدر الدين محمد الجعفري 324 قتل الامير يشبك الدوادار = القبض على جماعة من بني زيد 325 بناء المدرسة الاشرفية = استقرار الامير شهاب الدين أحمد في النيابة 326 دخول قاضي القضاة محي الدين القدس = تسفير السلطان جماعة من القاهرة إلى القدس = وصول قاصد من سلطان الحبشة إلى القدس 326 دخول السلطان جم ملك الروم = وصول نائب غزة برسباي لكبس العرب 327 توجه الخطيب محب الدين للحصول على المشيخة = رجوع الامير قانصوه اليحياوي من العجم = قيام مشائخ الفقراء بمساعدة نائب القدس = اتمام عمارة المدرسة الاشرفية بالمسجد صفحة مواضيع الكتاب 328 صفة المدرسة وأمر السلطان بهدمها 329 محاسن المدرسة ومحل بناءها 330 استقرار الامير جانم الاشرفي 330 توجه قاضي القضاة إلى القاهرة = صدور مرسوم بعمارة قناة العروب 331 استقرار القاضي بدر الدين حسن = دخول الامير جانم نائب المدينة بخلعة = خلعة الامير قانصوه على المعلمين = قدوم شيخ الاسلام إلى القدس من القاهرة 332 وفاة امين الدين محمد الحلبي = الفتنة بين الملك قايتباي و السلطان 333 وفاة الشيخ سعدالله امام الصخرة = توجه القاضي شرف الدين إلى الديار المصرية = اقامة نظام المدرسة الاشرفية = تعيين لمدرسة السلطان الكمالي 334 الانعام بلبس الخلع من الابواب الشريفة = جلوس شيخ الاسلام وجماعة من القضاة = تغريم بدر الدين الحمامي = المكاتبات الواردة في حق عبد الباسط 335 وفاة الشيخ جمال الدين عبد الله = دخول الامير ماماي الخاصكي بالقدس 336 وصول الامير اقبردي من القاهرة = حضور الشيخ محمد الغزي للزيارة = استقرار الامير خضر بك في النيابة 337 وقوع الجدب واحتباس المطر = تعمير المقعد الملاصق لايوان الحكم = افشاء الغلاء في جميع المملكة 338 اخمادالفتنة فسبحان ناقض العزائم 338 الكشف على الأوقاف وتحريريها 339 الافراج عن الامير قانصوه 339 واقعة خضر بك نائب القدس = ما وقع للقاضي يحيى المغربي = وصول المطالعة وكتم امرها 341 ما كتب للسلطان من الكشف صفحة مواضع الكتاب 339 صدور الأمر إلى اقباي نائب غزة 342 استقرار الأمير دقماق في نظر الحرمين = قطع السماط عن سيدنا الخليل = خلعة السلطان للقاضي = استلام الخزينة من القاضي 343 تجهيز فخر الدين بالرجال = حصول الرخاء والاقوات = استقرار جلال الدين بوظيفة المشيخة 344 تزايد ظلم دقماق واطماعه 344 استقرار القاضي محمد الرحبي 345 وفاة القاضي شهاب الدين أحمد 345 القبض على بني اسماعيل = احداث النصارى كنيسة ظاهر القدس 346 تجديد بيعة السلطان بعد خلع نفسه = استلام القاضي شمس الدين ولاية القضاء = تجديد المظلمة على الفلاحين بجبل القدس 347 ورود مرسوم في دفن الموتى 348 توجه القاضي شمس الدين إلى محلة بغزة = قحط المطر بيت المقدس وانزعاج الناس = مقاتلة بايزيد ملك الروم = تحرير مجلس بالمدرسة التنكزية 349 واقعة قبر داوود عليه السلام والقبة المحدثة = اقامة الشعائر بالمسجد الأقصى 350 هدم القبة التي احدثها النصارى 351 تحرير القبو الذي على قبة داوود ( ع ) 352 التهليل والتكبير وفرح المسلمين بالنصر = ورود الاخبار مع جماعة من مدينة الرملة = ما كتب محضر لما وقع في هدم القبة 354 ورود جماعة إلى القاهرة وتضمينهم 355 استقرار القاضي شهاب الدين أحمد بالقضاء صفحة مواضيع الكتاب 355 ورود الامير اقبردي للقدس 356 مرسوم بطلب القاضي بدر الدين الحمامي 357 مجيء الامير الدوادرا لبيع الزيت = ظلم الرعية والمحنة والهتك 358 القاء الزيت على بلد الخليل = استقرار الامير خضر بك في نظر الحرمين = اخراج مدينة الرملة عن نائب الشام 359 اخماد الفتنة بين السلطان وملك الروم 360 دخول القاضي شمس الدين محمد إلى القدس = توجه شيخ الاسلام الكمالي إلى القاهرة = دخول الوباء بالطاعون في القدس 361 وفاة الأمير خضر بك ناظر الحرمين = استمرار الوباء وقوته وافناء الاطفال = الشيخ يوسف السليماني وجماعته 363 ارتفاع الوباء من القدس بعد اربعة أشهر = استقرار القاضي عز الدين في القضاء 368 هطول الثلج حتى جمد الماء = توجه الامير جان بلاط إلى القاهرة 377 كثرة الفتن والحروب والخلف بين الحكام = انتهاء الحوادث بالقدس آخر سنة 900 = ترجمة الكمالي ابن أبي شريف 379 وقوع حادثة اخوابي العباس = سفر شيخ الاسلام والقضاة إلى القاهرة 380 وفاة الامير ناصر الدين محمد = تجديد المدرسة الاشرفية القديمة 381 وصول مرسوم على الخانقاه الصلاحية 382 انتهاء كلام المؤلف من اخبار بيت المقدس 383 صورة الانتهاء من الطبع سنة 1283 ه { تم الفهرست بعونه تعالى }
Page 434