Turath Klasiki Muqaddima Qasira
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
هذا النوع من التحليل يؤكد على أنه ينبغي لنا النظر عن كثب إلى ما يظهره لنا النحت، وأن مجموعة المعارك الخرافية المصورة تحمل من المعنى ما يتجاوز مظهرها الخارجي. بيد أن هذا التحليل لا يعتمد على إصدار الأحكام بشأن «الجودة» الفنية للإفريز بوصفه «عملا فنيا»؛ فالأمر هنا ليس مسألة نجاح أسلوبي أو جمالي. فعلى أي حال، بينما تتفحص البقايا المهشمة التي أعاد تحليلنا بناءها ضمنيا إلى صورتها الأصلية (فنحن لم نتوقف كي نشير إلى أن نحت هرقل تنقصه ساق، أو أن غريمته الأمازونية فقدت رأسها حرفيا)، فمن المرجح أن تتساءل إلى أي مدى سوف «تحب» ما تراه أمامك أو «تعجب به».
الاحتفاء بالقديم: أحدث صيحة
دعونا نوضح على الفور أن رد الفعل حيال منظر تلك الألواح كان متضاربا للغاية «منذ اللحظة الأولى التي اكتشفت فيها». فأنت لن تتهم بالعمى أو الهمجية إذا وجدتها بغيضة أو فظة أو ذات نسب غريبة. على سبيل المثال، لم يجد فاوفل، وقت المزاد العظيم الخاص بالمنحوتات، أي غضاضة، فيما يبدو، في أن يعتبر الإفريز بمنزلة مشتريات من الدرجة الثانية، يصلح لأن يضيع البريطانيون أموالهم عليه. بل إن بعض البريطانيين أنفسهم كانوا متشككين في قيمة ما اشتروه. وبعد هذا بسنوات قليلة كتب إدوارد دودويل، وهو مسافر آخر ذهب بنفسه إلى موقع المعبد في باساي، يقول: «الأقدام أطول مما ينبغي، والسيقان قصيرة ومكتنزة، والأطراف سخيفة في تصميمها، وغير مثالية في تنفيذها.» وفي تعليقه على كتابات باوسانياس، اتفق فريزر مع هذا الحكم اتفاقا تاما؛ ذاكرا «العيوب الصارخة» في الصنعة، و«الأوضاع الجسمانية الفظة» للشخصيات. وقد شعر النقاد المعاصرون بالأمر عينه؛ فعلى سبيل المثال، يعلق دليل له ثقله عن الفن الإغريقي على «غرابة» الطراز و«التنفيذ الأخرق».
طالما قدمت أعذار لتبرير تلك الألواح الرديئة. وأكثر التعليقات شيوعا ورد على لسان الرسام بنجامين هايدون، الذي كتب وقت وصول المنحوتات إلى إنجلترا يقول: «وصلت الألواح الرخامية قادمة من فيجاليا، ورأيتها. ورغم أنها مليئة بعدم التناسب الفظ، فإنها مجمعة على نحو جميل، وكانت بكل تأكيد من تصميم عبقري عظيم، لكنها نفذت على نحو غير دقيق.» الفكرة الأساسية هنا هي أن هناك بصيصا من العبقرية الفنية نفسها التي ندركها في الأعمال العظيمة للفن الأثيني (روائع فيدياس في البارثينون مثلا)، لكن منحوتات معبد باساي تعرضت للحط بسبب الأصابع غير الخبيرة للعمال الأركاديين الخرقاء التي نحتتها. يزعم باوسانياس في فخر أن معبد باساي قد صمم بواسطة إكتينوس، المعماري الذي صمم البارثينون، بجلال قدره، وصمته بشأن الإفريز يسمح لنا بأن نلوم القرويين المحليين بسبب فشلهم في تنفيذ ذلك التصميم كما ينبغي.
كان هناك معجبون آخرون أقل ترددا بالإفريز، ومن بين هؤلاء كوكريل نفسه، وهو ما يعد مدعاة للدهشة. وهؤلاء يستفيضون في الحديث عن «طاقة» المنحوتات، من حيث عنفها المثير، والعرض الجريء الواضح لقسوة القتال البالغة. لكنهم أيضا يعترضون، عن حق، على حقيقة أننا نبتعد عن التصور الأصلي لهذا التصوير حين ننكفئ على دراسة الصور والرسومات الموجودة في الكتب، أو نمشي بالقرب من الألواح الموضوعة عند مستوى النظر في حجرتها بالمتحف. ألا ينبغي لنا أن نفكر بدلا من هذا في النطاق الداخلي المزدحم لقاعة أبوللو وفي الزاوية المائلة التي كان ينظر بها إلى الإفريز، الموضوع في مكان مرتفع فوق الزوار؟ ما الذي كان يمكن أن يكون أكثر ملاءمة، أو أشد وقعا على النفس، من تلك المنحوتات الواضحة التجسيم المزدحمة أعلى الزوار، بألوانها الصارخة وعراكها الصاخب، وتلك الظلال العميقة المتراقصة التي يسببها ضوء المشاعل الذي يخترق الظلمات؟
تتضمن دراسة التراث الكلاسيكي العديد من الأحكام المعقدة المشابهة. ومن الصحيح، حتى في وقتنا هذا، أن تعد الصفة «كلاسيكي» (عندما ينعت بها أي شيء، بداية من الروايات إلى السيارات) علامة على الاستحسان والإعجاب. لكن في الوقت عينه هناك الكثير من الجدل بشأن أفضل أعمال الفن أو الأدب الباقية من العالم القديم إلى اليوم؛ فهذه الأحكام تتأثر بشدة عادة بالتغيرات في الثقافة المعاصرة. على سبيل المثال، حين كان الفن التجريدي يحظى بشعبية خاصة في السنوات الأولى من القرن العشرين، كان هناك ميل أيضا إلى تقدير المراحل الأولى من النحت الإغريقي، الخاص بالقرنين السابع والسادس قبل الميلاد، بأشكالها الضخمة ذات الأسلوب الخاص التي تتخذ شكلا تجريديا. وفي السنوات الأخيرة باتت العبقرية البارعة الوقحة لأوفيد موضع تقدير، رغم أن مواهبه كانت في وقت سابق موضع استنكار بسبب ما اتسمت به من عبث وتمرد وتركيز على الانغماس في الملذات. وأيضا الشعراء الملحميون الذين جاءوا بعد فرجيل - الذين كان يجري التغاضي عن أعمالهم بسبب تكلفها الحسي، الذي هو نتاج عصر فاسد - يحظون الآن بالقبول من جانب العديد من القراء، سواء من أجل شجبهم الحاد لأهوال الحرب الأهلية أو شجاعتهم السياسية المتمثلة في تصريحهم بآرائهم في ظل الحكم الأوتوقراطي القمعي للإمبراطورية الرومانية.
وكما يتضح لنا من خلال قضية معبد باساي، لا بد أن تتأثر أحكامنا أيضا بالكيفية التي لا نعيد بها فقط بناء الأشياء نفسها، وإنما أيضا سياقها الأصلي وكيفية تلقيها. فسوف نحكم على الإفريز على نحو مختلف لو أننا تدبرنا أولا كيف كان سيبدو وهو في المعبد، ثم نربطه بوظيفة المبنى وبعادات وقيم من بنوه، واستخدموه، وزاروه. والأمر عينه ينطبق على الأدب مثلما ينطبق على الفن؛ فالمسرحية الإغريقية تمثل نصا قرئ ودرس في العالم القديم، مثلما قرئ ودرس منذ عصر النهضة إلى وقتنا الحالي، لكن هذه كانت نصوصا كتبت ومثلت للمرة الأولى في السياق الخاص للمسرح الأثيني، وسوف نتدبر الدراما الإغريقية على نحو مختلف بمجرد أن ننظر إليها من هذا المنطلق. إن الأسئلة الفنية المتعلقة بالتاريخ وإعادة البناء لا تنفصل عن الأسئلة المتعلقة بالجودة والتقييم، مثلما لا تنفصل عن أذواقنا وتفضيلاتنا. تبقي دراسة التراث الكلاسيكي هذه الاعتبارات معا تحت عملية متواصلة من المراجعة والنقاش.
الفصل الثامن
أعظم عرض على الأرض
التحضر والهمجية
Unknown page