وهنا رمق لورد جلزلاند الرجل الاسكتلندي بعين الريبة والإنكار وقال: «لست بالطبيب المداوي على ما أعتقد يا سيدي الاسكتلندي. إنه لأقرب إلى ظني أن تأتي لملك إنجلترا بالمال والثراء.»
ولم يرض السير كنث عن الأسلوب الذي أجابه به البارون، فرد عليه في هدوء وقال: «إنما الصحة لرتشارد فخار وثروة للعالم المسيحي طرا، ولكن على عجل، وأتوسل إليك أن تأذن لي برؤية الملك.»
فقال البارون: «كلا يا سيدي الكريم، لن تراه حتى تفضي إلي برسالتك بأكثر من ذلك جلاء. ليست غرف الأمراء المرضى مفتحة الأبواب لكل طارق كأنها نزل من منازل الشمال.»
فأجاب السير كنث وقال: «إن الصليب الذي أحمله يا سيدي - كما تحمله أنت - والأمر الجلل الذي أتيت لتبليغه، يحتمان علي الآن أن أتغاضى عن أسلوبك هذا، الذي ما كنت لولا ذلك لأصبر عليه؛ واعلم في صريح العبارة بعد هذا أني أتيت معي بطبيب من بلاد المغرب أخذ على نفسه أن يبرئ لنا الملك رتشارد.»
فقال دي فو: «طبيب من بلاد المغرب! ومن ذا الذي يكفل لنا أنه لم يأت بالسم الناقع عوضا عن الدواء الناجع؟» «حياته يا سيدي؛ إنه يقدم رأسه كفالة لما يقول.»
فقال دي فو «كم من رجل خبيث، ثابت العزم، عرفت، لم يقم لحياته وزنا، بل يسير إلى المقصلة مرحا كأن الجلاد رفيق له في حلبة الرقص.»
فأجاب الرجل الاسكتلندي وقال: «حقيقة الأمر يا سيدي أن صلاح الدين - الذي لا ينكر عليه أحد أنه عدو كريم شجاع - قد بعث بهذا الطبيب إلى هنا، ومعه حاشية شريفة وحرس نبيل، ممن يليق بالمكانة العليا التي يرفع السلطان إليها «الحكيم»، ومعه كذلك فاكهة وطعام وشراب لغرفة الملك الخاصة، كما أنه يحمل رسالة جديرة بأن تصدر من عدو نبيل إلى عدو نبيل، يرجو له فيها أن يسلم من الحمى معافى، حتى يتهيأ لزيارة السلطان الذي سوف يأتيه وبيده أحدب مسلول، وخلفه مائة ألف فارس. فهل تأذن - وأنت من أعضاء المجلس الملكي السري - بأن تطرح عن هذي البعير أحمالها، وأن تعد العدة للقاء الطبيب النطاسي؟»
فأجاب دي فو وكأنه يحدث نفسه: «يا للعجب! ومن ذا الذي يكفل لنا شرف صلاح الدين في أمر، لو ساء فيه مقصده، لخلص في الحال من أشد خصومه وأقواهم؟»
فأجاب السير كنث: «سأكون أنا نفسي له ضمينا بشرفي وحياتي ومالي.»
فتمتم دي فو ثانية وقال: «عجبا، رجل من أهل الشمال يكفل رجلا من أهل الجنوب؛ اسكتلندي يضمن تركيا! هل لي يا سيدي الفارس أن أسألك كيف أضحى يهمك هذا الأمر؟»
Unknown page