ومن اليسير أن نتصور أن منشدا جاهلا يجد أذواق هذه الطائفة وضراوتها مسجلة في روايات تاريخ الحروب المقدسة فينسب أعمالها ونزواتها إلى ملك إنجلترا الذي كانت شراسته من الموضوعات التي تجوز فيها المبالغة كما تجوز في شجاعته وإقدامه.
الفصل الأول
وأووا هم كذلك إلى القفر، ولكنهم كانوا مسلحين.
1
الفردوس المردود
لم تكن الشمس المحرقة في سوريا قد بلغت كبد السماء، حينما كان فارس من فرسان الصليب الأحمر - وقد ترك بلاده النائية في الشمال، والتحق بجماعة الصليبيين في فلسطين - يسير الهوينى في الصحراء الرملية التي تقع على ضفاف البحر الميت (أو بحيرة «أسفلت» كما يطلق عليه أحيانا) حيث تتدفق أمواج الأردن في ذلك البحر الداخلي الذي ليس لمائه مخرج.
وفي الصباح الباكر كان هذا الحاج المجاهد يكافح الجروف والمنحدرات، ثم لما تبين الضحى انطلق من هذه الأودية الصخرية الخطرة، ودخل في ذلك السهل الفسيح، حيث المدائن اللعينة التي أنزل الله عليها من عنده نقمة مروعة شديدة في سالف الأيام.
وتذكر مسافرنا تلك الطامة الكبرى التي نزلت بوادي «سدوم» اليانع الخصيب، الذي كانت تتخلله الأنهار كأنه جنة الخلد، فأحالته يبابا بلقعا كئيبا، وصيرته أرضا جرداء مجدبة لا زهر فيها ولا شجر، وكأن الله قد أصابها بالإمحال أبد الآبدين. تذكر ذلك فنسي ما أصابه من إجهاد وعطش وما كان يحوطه من مخاطر الطريق.
ولما رأى المياه المظلمة يعج عجاجها، وهي في لونها وطبيعتها تختلف عن مياه البحيرات جميعا، رسم علامة الصليب على نفسه، وانتابته رعدة حينما تذكر أن تحت تلك الأمواج التي تتكسر في هدوء، تندثر مدن الوادي التي كانت تتيه يوما بعزها، فأنزل عليها ربك الصواعق من السماء، ونفث فيها من باطن الأرض نارا حامية فدكها دكا، ولم تبق منها إلا أطلال طمرها هذا البحر الذي ليس في جوفه سمك ولا على سطحه سفين، ولا يجود - كما يجود غيره من البحار - بقطرة ماء على المحيطات، كأن مياهه الكئيبة لن تستقر إلا في قاعة الموحش. وكل ما جاوره من يابس «كبريت وملح، أرض لا زرع فيها ولا ثمر ولا يكسوها عشب»
2
Unknown page