أريد أن أعبر عن امتناني لكل الذين ساعدوني في إعداد هذا الكتاب، وأخص بالشكر العميق إليزابيث نول، كبيرة المحررين في مجال العلوم السلوكية والقانون في مطبعة جامعة هارفرد، التي شجعتني على «العودة إلى موطني» من أجل تأليف هذا الكتاب الجديد، وساعدتني كثيرا في مختلف مراحل إعداده؛ كما أنها تكرمت بالسماح لي باستخدام بعض المقتطفات المختارة بعناية من كتابي الأول «الحياة مع لغتين». وأتقدم بجزيل الشكر إلى جولي هاجين، التي بذلت مجهودا رائعا في إعداد الكتاب للطباعة، والتي استمتعت بالعمل معها كثيرا. وأنا ممتن أيضا لبعض الأشخاص المميزين الذين خصصوا بعض وقتهم للقائي أو التواصل معي على نحو كبير عبر البريد الإلكتروني للتحدث عن بعض جوانب الثنائية اللغوية، وأخص هنا إليزابيث بوجور، الخبيرة في الكتاب الثنائيي اللغة؛ وماريا بريسك، المختصة في مجال الثنائية اللغوية والتعليم؛ ونانسي هيوستن، الكاتبة الثنائية اللغة الشهيرة التي تستخدم اللغتين الإنجليزية والفرنسية؛ وأوليفيه تود، كاتب السير الذاتية والصحفي العالمي؛ وإلين بياليستوك، الخبيرة في تأثير الثنائية اللغوية على الأطفال؛ وأنيتا بافلينكو، المرجع في عدة جوانب للثنائية اللغوية؛ وكوري هيلر، رئيسة تحرير مجلة «مالتيلينجول ليفينج» التي ساعدتني في إعداد قائمة بالمخاوف التي توجد لدى الوالدين عند تنشئة أطفال ثنائيي اللغة. ويجب أن أضيف إلى كل هؤلاء مراجعين لا أعرف اسمهما وأحد كبار المسئولين في مطبعة جامعة هارفرد، الذين قدموا لي بعض النصائح القيمة للغاية. أتقدم إلى كل هؤلاء بخالص امتناني.
أوجه الشكر أيضا إلى الذين أرسلوا إلي أبحاثهم (وحتى كتبهم)، والذين تحدثوا معي أو راسلوني؛ ومن هؤلاء: كريستينا بانفي، وفيرونيكا بينيت-مارتنيز، وجون بيري، وفيليب بلانشيه، وروبنز بيرلنج، وسوزانا شافيز-سيلفرمان، وفيفيان كوك، وتيم كروكشانك، وجيم كومينز، وسوزان دوبكا، وناديا دريكوفا، وكارين إيموري، وليلي وونج فيلمور، وديفيد جرين، وجون هيل، وميشيل كوفين، وأسعد خطيب، وإليزابيث لانزا، وديفيد لونا، وستيفن ماثيوز، وتيريزا مكارتي، وإلينا نيكولاديس، ويوهان باراديس، وباربرا زيورا بيرسون، وجنيفر براذر (آريل دورفمان)، وبول بريستون، وكاثي برايس، وماري-إيف بيرو، وإيليوت روث، وروبرت شروف، وسيسيليا سيرا ستيرن، وتيموثي شاناهان، وميريل سوين، وجانين تريفيرز-دالير، وجوتسنا فايد، وجوادالوب فالديز، ومارلين فيمن، وفرجينيا يب، وكاثرين يوشيدا، ومارتين والش، وجانيت فيركر، وإيوار فيرلن، وجانين فورتس.
وأود أن أشكر الأشخاص التالي ذكرهم على السماح لي باستخدام بعض من موادهم في هذا الكتاب: كاميلا كاي على المقتطفات من كتاب أينار هوجن «اللغة النرويجية في أمريكا: دراسة في السلوك الثنائي اللغة» (بلومنجتون: مطبعة جامعة إنديانا، 1969)، ومقال أينار هوجن «سمات الثنائية اللغوية» من كتاب «اللغة والبيئة: مقالات لأينار هوجن» الذي حرره أنور ديل (ستانفورد: مطبعة جامعة ستانفورد، 1972)؛ ومطبعة جامعة هارفرد على المقتطفات من كتاب فرانسوا جروجون «الحياة مع لغتين: مقدمة للثنائية اللغوية» (كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة جامعة هارفرد، 1982)؛ ودار نشر ماكآرثر آند كومباني على المقتطفات من كتاب نانسي هيوستن «فقدان الشمال: تأملات في الأرض واللغة والذات» (تورونتو: ماكآرثر آند كومباني، 2002).
وأخيرا أقدم امتناني العميق لأفراد أسرتي، ليزيان ومارك وإريك، الذين قدموا لي دعما رائعا على مر السنين، وكان التواصل معهم ممتعا للغاية عند الحديث عن حياتنا - من بين أشياء أخرى - بلغتين أو أكثر في ثقافات متعددة.
مقدمة
أثناء تأليفي هذا الكتاب، كم أدهشني حال الأشخاص الثنائيي اللغة، وهم الذين يستخدمون لغتين أو أكثر في حياتهم اليومية. ففي خلال بضع ساعات في صباح يوم الإثنين هذا، استخدمت اللغة الفرنسية في شراء كرواسون من زوجة الخباز، التي تعاملت مع العميل التالي لي باللغة الألمانية السويسرية؛ وذهبت مع زوجتي الثنائية اللغة إلى المدينة للقاء صديقتها الثلاثية اللغة التي تتحدث بالإيطالية والفرنسية والألمانية؛ ومررت بالميكانيكي الإيطالي الأصل الذي أتعامل معه ليقوم بفحص سيارتي، وقد شرح لي باللغة الفرنسية كيف يعمل نظام التبريد بالسيارة. ومع تنقلي من مكان لآخر استمعت إلى الراديو، وسمعت أن إنجريد بيتانكورت، السياسية الكولومبية التي ظلت مختطفة لفترة طويلة قبل أن يتم تحريرها، قضت يوم الأحد الماضي في باريس مع أصدقاء فرنسيين، وتحدثت بالإسبانية على محطة كاراكول الإذاعية الكولومبية إلى المختطفين الآخرين الذين كانوا معها ولم يتم تحريرهم بعد. استمعت أيضا إلى روجر فيدرير في لندن يتحدث عن مباراة النهائي التي لعبها في ويمبلدون؛ فقد كان متعبا بسبب انتهائه من مباراته ضد رافاييل نادال في وقت متأخر في المساء، ثم إجرائه مقابلات باللغات الأربع التي يتحدث بها: «الألمانية السويسرية، والألمانية، والفرنسية، والإنجليزية». والآن وأنا أجلس في مكتبي، مستمعا إلى موسيقى جورج فريدريك هاندل، المؤلف الموسيقي الثلاثي اللغة الذي كان يتحدث بالألمانية والإيطالية والإنجليزية، أستطيع سماع الأطفال في مركز الرعاية النهارية على الجهة المقابلة من الشارع وهم يغنون أغنيات بالفرنسية والإيطالية. توجد الثنائية اللغوية فعليا في كل دولة في العالم، وفي جميع طبقات المجتمع، وفي جميع الفئات العمرية. لقد قدر أن نحو نصف سكان العالم، إن لم يكن أكثر، ثنائيو اللغة، وهذا الكتاب يتحدث عنهم.
لماذا أقدم كتابا جديدا بعد كل الكتب الكثيرة التي تتحدث عن الموضوع نفسه؟ يعود السبب إلى زمن بعيد؛ فعندما كنت طالبا في جامعة باريس أحاول التكيف مع ثنائيتي اللغوية والثقافية، بحثت عن كتاب عن الموضوع ولم أجد إلا المراجع المتخصصة التي كانت طويلة جدا وذات أسلوب شديد الصعوبة (فلم أكن حينها عالم لغة بعد). بالإضافة إلى ذلك، لم أشعر أنها كانت تتحدث عن القضايا الواقعية التي كنت مهتما بها في ذلك الوقت، كما أنها لم تجب عن بعض أسئلتي الأساسية، وهي: ما هي الثنائية اللغوية؟ وهل أنا فعلا ثنائي اللغة؟ ولماذا أواجه فجأة صعوبات في اللغة مع أن الأمور كانت تسير بسلاسة حتى ذلك الوقت؟ (كنت قد عدت إلى فرنسا للتو بعد غياب دام عشر سنوات.) وهل أنا إنجليزي كما صنع مني تعليمي، أم فرنسي كما كان يشير اسمي وجواز سفري؟ هل هناك مشكلة في كون المرء ثنائي الثقافة؟ هذه بعض الأسئلة التي كنت أبحث عن إجابات لها، وبالنظر إلى السنوات الماضية، أدرك الآن أن كثيرا من ثنائيي اللغة كانوا يطرحون على أنفسهم الأسئلة نفسها. لقد استغرق الأمر مني بعض الوقت والبحث المتعمق في مجال الثنائية اللغوية، أولا على مستوى عملي في رسالة الماجستير التي حصلت عليها، ثم في عملي كباحث، حتى وصلت إلى إجابات مرضية لهذه الأسئلة.
عقب مرور أكثر من أربعين عاما، وبعد نشري لكتابي «الحياة مع لغتين» و«دراسة ثنائيي اللغة» وكثير من الأبحاث العلمية، شعرت بالحاجة إلى تأليف كتاب يكون بمنزلة مقدمة بسيطة وأساسية عن الموضوع الذي كنت أبحث عنه وأنا ما زلت شابا. لا يمكن إنكار أن هذا الموضوع ألف حوله العديد من الكتب التي تعد بمنزلة مقدمات له (وقد ألفت أحدها)، والمجلدات المحررة والدراسات الأكثر تخصصا، كما أن هناك موسوعة، ودوريات أكاديمية (ساهمت في تأسيس إحداها) خصصت له، فضلا عن الرسائل الإخبارية الخاصة بالأسر الثنائية اللغة، والعديد من المواقع الإلكترونية المخصصة لهذا الموضوع. ومع هذا، وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة، فإن الثنائية اللغوية كموضوع للبحث ما زالت غير مألوفة لمعظم الناس. كذلك يحيط بالثنائية اللغوية عدد من الخرافات مثل أن الأشخاص الثنائيي اللغة من النادر وجودهم ويتمتعون بمعرفة متساوية ومثالية بلغاتهم، وأن الأشخاص الثنائيي اللغة الحقيقيين قد اكتسبوا ما يجيدونه من لغتين أو أكثر في مرحلة الطفولة وليس لديهم لكنة في أي منها، وأن الأشخاص الثنائيي اللغة مترجمون بالفطرة، وأن تنقلهم بين اللغات هو علامة على كسلهم، وأنهم كلهم ثنائيو الثقافة، وأن لديهم شخصيات مزدوجة أو منفصمة، وأن الثنائية اللغوية تؤخر اكتساب اللغة لدى الأطفال ولها آثار سلبية على نموهم، وأنك إذا أردت أن تربي طفلك ليصبح ثنائي اللغة، فعليك استخدام أسلوب التزام كل من الوالدين بالتحدث إليه بلغة واحدة فقط، وأن الأطفال الذين ينشئون على الثنائية اللغوية يخلطون دوما بين لغاتهم، إلى آخر ذلك.
إن هدفي الأول في هذا الكتاب هو عرض الجوانب المختلفة لكون المرء ثنائي اللغة بأبسط وأوضح طريقة ممكنة، حتى أزيل الغموض المحيط بطبيعة هؤلاء الأفراد. وعلى عكس كتاباتي ذات الطابع الأكاديمي عن هذا الموضوع، أضع في ذهني هنا قاعدة قراء عامة أكثر تتألف من كل المهتمين بالثنائية اللغوية، أو كل من تربطهم علاقة، بنحو أو بآخر، بثنائيي اللغة؛ الطلاب والقراء العاديين، والآباء الذين يخططون لتنشئة أطفالهم أو ينشئونهم ليكونوا ثنائيي اللغة، والأزواج وأفراد العائلات الذين يتعاملون مع ثنائيي اللغة، بالإضافة إلى الزملاء والأصدقاء والمختصين الذين يتعاملون مع الأطفال الثنائيي اللغة، مثل المعلمين وعلماء النفس واختصاصيي التخاطب. أما هدفي الثاني، الذي هو على نفس قدر أهمية الهدف الأول، فيتمثل في تقديم كتاب للأشخاص الثنائيي اللغة يتحدث عنهم، من تأليف شخص هو نفسه ثنائي اللغة، تعرض لكل مميزات وعيوب العيش وهو يمتلك عدة لغات وينتمي لعدة ثقافات. لا يرى كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة أنفسهم أنهم كذلك، ويتشككون في كفاءتهم اللغوية؛ لذا أتمنى أن يساعدهم هذا الكتاب في التصالح مع حقيقتهم وتقبل هويتهم بوصفهم متمتعين بالكفاءة لكنهم نوع مختلف من مستخدمي اللغات.
لا أريد أن يتسم هذا الكتاب بالتفاؤل فحسب وإنما أيضا بالواقعية؛ فالثنائية اللغوية ليست عبئا أو مشكلة كما يصورها البعض، لكنها أيضا ليست ميزة رائعة كما يريد البعض الآخر منا أن نعتقد؛ فالثنائية اللغوية هي ببساطة حقيقة حياتية لملايين وملايين الأفراد، بكل مميزاتها وعيوبها، وأوقات نفعها وأوقات ضررها، وما ينتج عنها من لحظات بهجة (وهي كثيرة) ولحظات إحباط (وهي قليلة). ونظرا لكوني ثنائي اللغة والثقافة، سأحاول وصف الأشخاص الذين يعرفون ويستخدمون، مثلي، عدة لغات ويتعاملون مع ثقافات مختلفة، وسأحاول فعل هذا بأوضح وأكثر طريقة معبرة ممكنة.
Unknown page