16
يحتوي نموذج وونج فيلمور على ثلاثة عناصر وثلاث مجموعات من العمليات؛ تتمثل العناصر في المتعلمين الذين يدركون ضرورة اكتسابهم اللغة الثانية، والمتحدثين باللغة الذين سيساعدونهم في ذلك بمختلف الطرق، والسياق الاجتماعي الذي يجعل المتعلمين يتواصلون مع المتحدثين؛ المدرسة في المقام الأول والمجتمع أيضا. أما بشأن العمليات، فتتعلق المجموعة الأولى في النموذج بجوانب اجتماعية؛ فيجب على المتعلمين ملاحظة ما يحدث في السياقات الاجتماعية ومعرفة ما يتحدث عنه الناس وكيف يفعلون هذا، كذلك يجب عليهم أن يعرفوا المتحدثين باحتياجاتهم ويحثوهم على عمل تسهيلات وتعديلات حتى يتمكنوا من فهمهم، وحتى يستطيعوا اكتساب اللغة؛ بإيجاز، يجب على الجانبين أن يتعاونا. ذكرت ليلي وونج فيلمور في بحث سابق لها ثلاث استراتيجيات اجتماعية يستخدمها متعلمو اللغة؛ أولا: الانضمام إلى مجموعة ما والتصرف كما لو أنهم يفهمون ما يحدث، حتى إن لم يكونوا يفهمون. ثانيا: إعطاء الانطباع، ببعض الكلمات المختارة بعناية، بأنهم يستطيعون التحدث بهذه اللغة. ثالثا: الاعتماد على أصدقائهم في تقديم المساعدة.
17
إليك مثالا على كيفية استخدام سيرل البالغ من العمر عشر سنوات لهذه الاستراتيجيات؛ فبعد قضائه عدة سنوات وهو أحادي اللغة، انتقل مع والديه إلى الجزء الذي يتحدث بالفرنسية في سويسرا والتحق بمدرسة القرية بعد شهر من وصوله، ونظرا لكونه أمريكيا (في الثقافة على الأقل) وكانت صحبته ممتعة، حقق نجاحا على الفور. مع ذلك، لم يكن يعلم شيئا عن الفرنسية في البداية، وكذا أصدقاؤه لم يكونوا يعلمون شيئا عن اللغة الإنجليزية؛ لذلك طبق استراتيجيات وونج فيلمور لبضعة أسابيع، دون أن يعلم بالطبع أن هذا ما كان يفعله؛ فقد تعلم سريعا بعض التعبيرات المعروفة، وكان يستخدمها مع إيماءات وابتسامة عريضة، وفي المقابل بذل أصدقاؤه الجدد كل ما وسعهم لمساعدته. كانت إحدى الطرق التي استخدموها تبسيط لغتهم الفرنسية إلى أقصى حد؛ فعلى سبيل المثال: في معرض القرية المحلي يستطيع الأطفال «اصطياد» هدية يضعها أحد الكبار، من وراء الحاجز، في الخطاف. كانت إحدى الجوائز التي يريدها سيرل تمساحا أمريكيا مطاطيا، عندما علم أحد الأطفال الذي يتحدثون الفرنسية بهذا، قال لسيرل بلغة فرنسية «سيئة»:
Moi avoir alligator, te donner (التي تعني حرفيا: «أنا أحصل على التمساح، أعطيه إليك»). في حين أن الجملة التي كان سيستخدمها بنحو طبيعي مع صديق يتحدث بالفرنسية ربما تكون أكثر تعقيدا، من قبيل:
Si j’obtiens l’alligator, je te le donnerai . فهم سيرل هذه الجملة المبسطة وسار الأمر على ما يرام (لكني لا أعتقد أنه حصل بالفعل على التمساح).
ترتبط المجموعة الثانية من العمليات التي ذكرتها ليلي وونج فيلمور بالجوانب اللغوية. مرة أخرى دون إدراك الأمر، يجب على المتعلمين أن يحصلوا من المتحدثين الأصليين للغة على معلومات تسمح لهم باكتشاف طريقة عمل اللغة، وكيف يستخدمها الناس؛ وهم يحصلون على هذه المعلومات من الكلام المسهب والمكرر والمعتاد الذي يوجهه إليهم المتحدثون الأصليون للغة في سياق ما. يجب أن ينتبه المتعلمون جيدا لما يقال لهم، ويخمنوا العلاقة بينه وبين الأحداث المحيطة بهم؛ فهم يقومون بتخمينات مدروسة عما يقوله الناس وما يمكن أن يتحدثوا عنه في موقف معين. تقول وونج فيلمور عن هذا: «افترض أن ما يقوله الناس يرتبط ارتباطا مباشرا بالموقف القائم، أو ما يتعرضون له أو تتعرض له أنت (الاستراتيجية الأسمى هي التخمين).»
18
يجلب المتعلمون معهم في هذه المهمة معرفتهم بالفئات اللغوية، وأنواع التراكيب (التقريرية والاستفهامية، وما إلى ذلك)، والأفعال اللغوية للكلام (المباشرة وغير المباشرة)، ومن ثم يستطيعون البحث عن مقابلاتها في اللغة الجديدة.
أخيرا، تشكل العناصر المعرفية المجموعة الثالثة من العمليات. ترى وونج فيلمور أن هذه العناصر محورية؛ إذ إنها تؤدي لاكتساب اللغة؛ ففي ظل مدخلات السياق التي يحصل عليها المتعلمون، ينبغي لهم اكتشاف وحدات وقواعد اللغة، وعليهم بعد هذا أن يصوغوا هذه المعرفة في شكل قواعد نحوية؛ لذا يستخدمون مهارات معرفية من أجل تحقيق هذا، من مهارات الترابط والتحليل، والتذكر، والمهارات الاستدلالية، إلى آخره. ويستخدمون كذلك استراتيجيات التعلم، التي تذكر وونج فيلمور بعضها فيما يلي: «ابحث عن الأجزاء المتكررة في الصيغ التي تعرفها؛ وحقق أكبر استفادة مما توصلت إليه؛ واعمل على الأشياء الكبيرة، ودع التفاصيل لوقت لاحق.»
Unknown page