10
منذ ذلك الحين، دافع باحثون مثل يورجن مايزل وأنيك دي هاور وفريد جينسي، من بين آخرين، عن وجود نظام لغوي مزدوج منذ البداية. يقول يورجن مايزل، الذي يتحدث عن اكتساب لغات أولى متعددة، إن الأطفال الذين يكتسبون لغتين في وقت واحد يمكنهم التمييز بين النظامين النحويين للغتين من مرحلة مبكرة للغاية، ودون عناء يذكر. ثم يقول إن المزج الذي يفعله الأطفال الثنائيو اللغة في سن الثانية تقريبا أو بعدها مباشرة، يمكن تفسيره في الأغلب على أنه تبديل لغوي (انظر الفصل التالي). ويقول إن هؤلاء الأطفال يجيدون الجوانب الصرفية جيدا (فهم لا يضيفون عشوائيا مقاطع صرفية إعرابية من كلتا اللغتين إلى مواد معجمية من كل من اللغتين المكتسبتين)، وإنهم يتبعون القواعد النحوية لهاتين اللغتين (على سبيل المثال: لا يستخدم أبدا الأطفال الثنائيو اللغة في الفرنسية والألمانية أنماط ترتيب الكلمات الخاصة باللغات الرومانسية في اللغة الألمانية).
11
ما موقفنا إذا من هذه القضية؟ بالتأكيد يوجد نوع من التواصل بين لغتي الأطفال الثنائيي اللغة، لكنه لا يكون في صورة «انصهار»، وهو ما يمكنه أن يفسر بعض ملاحظات الأنصار الأوائل لوجهة نظر اللغة الموحدة. يشير يورجن مايزل إلى أن اللغتين لا تكتسبان بالسرعة نفسها، وهذا ما يؤدي إلى أشكال الجمع بين اللغتين، مثل التداخل (التحول) وتسريع أو تأخير اكتساب تركيبات معينة. لاحظ الباحثان فرجينيا يب وستيفن ماثيوز، اللذان درسا الأطفال الثنائيي اللغة في الكانتونية والإنجليزية، التأثير الواسع للغة السائدة على اللغة الأضعف، بالإضافة إلى اكتساب بعض التركيبات أسرع في إحدى اللغتين نظرا لسهولتها أو وضوحها؛ واستنتجا أن الأطفال الثنائيي اللغة الذين خضعوا للدراسة يوجد لديهم سجل لغوي مميز ومنفصل لا يمكن وصفه بأنه مزيج من شخصين أحاديي اللغة موجودين داخل العقل نفسه، وينطبق هذا على الأرجح على معظم هذا النوع من الأطفال.
12
توجد ملاحظة أخيرة بشأن الاكتساب المتزامن للغتين؛ فحتى يستطيع الأطفال التمييز بوضوح بين اللغتين فهم يعتمدون على عوامل مختلفة؛ الإشارات الصوتية والعروضية لكل لغة (مثل الإيقاع)، وجوانب أخرى في تركيب اللغة، والسياق الذي تستخدم فيه اللغة، والأهم من ذلك، اللغة التي يتحدث بها شخص معين. فسيلاحظ أي شخص يتعامل لبعض الوقت مع طفل صغير ثنائي اللغة العلاقة القوية الموجودة لدى هذا الطفل بين الشخص ولغته (علاقة الشخص باللغة). فمن وجهة نظر الطفل، يرتبط الشخص بلغة واحدة معينة، وإذا تحدث هذا الشخص مع الطفل بلغة أخرى، فإن الطفل قد يرفض الرد عليه أو قد يشعر بالحزن. إليك مثالين على هذا: كان لوكا الصغير، وهو ثنائي اللغة في الفرنسية والكرواتية، يتحدث مع جدته لأبيه؛ كانت لغة التواصل بينهما هي الفرنسية، لكن نظرا لكونهما في كرواتيا، طلبت منه جدته ذكر أسماء بعض الأشياء بالكرواتية؛ فرفض أن يفعل هذا وقال لها بالفرنسية: «إن والدتي هي من تطلب مني هذا.» (إذ إن لوكا لا يتحدث بالكرواتية إلا مع والدته ووالديها فقط.) كانت جولييت (وهي طفلة ثنائية اللغة في الفرنسية والإنجليزية تبلغ من العمر عامين ونصف عام) تلعب مع مارك (وهو طفل يتحدث بالإنجليزية عمره خمس سنوات)؛ كانت الإنجليزية هي لغة التواصل المعتادة بينهما، لكن حتى يسعدها مارك ويفاجئها قرر استخدام إحدى الكلمات الفرنسية في حديثه معها؛ فقد سأل والدته عن مقابل كلمة
come (تعال ) في اللغة الفرنسية، ثم عاد إلى جولييت وقال لها:
Viens, viens . فوجئ مارك بأن جولييت لم تسعد بهذا على الإطلاق، وبدلا من أن تبتسم له، قالت له بغضب بالإنجليزية: «لا «تفعل» هذا مرة أخرى، يا مارك.» وكررت هذا عدة مرات. وعليه يبدو أن إحدى الاستراتيجيات التي يستخدمها الأطفال الثنائيو اللغة، هي تحديد اللغة التي يتحدث بها مع كل شخص، والالتزام بهذه اللغة؛ وهذا يجعل اختيار الكلمات والقواعد أسهل وأقل جهدا؛ وعند كسر هذه العلاقة بين الشخص واللغة، يشعر الطفل الصغير بالارتباك وقد يغضب. (2) الثنائية اللغوية المتتابعة
كما رأينا، يصبح معظم الأطفال ثنائيي اللغة باكتساب اللغتين بالتناوب؛ بمعنى أنهم يتعلمون إحدى اللغات في المنزل، ثم يتعلمون لغة أخرى في المدرسة أو في المجتمع الخارجي؛ ومن ثم تكون لديهم بالفعل إحدى اللغات عندما يبدءون في اكتساب لغة ثانية، ويمكنهم استخدام لغتهم الأولى، إلى حد ما على الأقل، في اكتساب اللغة الجديدة (لكن يختلف الباحثون حول مدى هذا الاستخدام).
قبل أن نشرح كيفية اكتساب الأطفال للغة ثانية على نحو طبيعي، سأتحدث عن أحد المفاهيم الخاطئة الراسخة:
Unknown page