The Poetic Evidence in Quranic Interpretation: Its Importance, Impact, and Methods of Exegetes in Citing It
الشاهد الشعري في تفسير القرآن الكريم أهميته، وأثره، ومناهج المفسرين في الاستشهاد به
Publisher
مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣١ هـ
Publisher Location
الرياض - المملكة العربية السعودية
Genres
الشاهد الشعري
في تفسير القرآن الكريم
أهميته، وأثره، ومناهج المفسرين في الاستشهاد به
تأليف
د. عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود
مكتبة دار المنهاج
للنشر والتوزيع بالرياض
1 / 1
أصل هذا البحث رسالة دكتوراه نوقشت يوم ١٥/ ٨ / ١٤٢٦ هـ.
بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،
ومنحت اللجنة البحث تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى
لجنة المناقشة:
أ. د. محمد بن عبد الرحمن بن صالح الشايع مقررًا
الأستاذ بقسم القرآن وعلومه والمشرف الرئيس على الرسالة
أ. د. تركي بن سهو بن نزال العتيبي عضوًا
الأستاذ بقسم النحو والصرف وعميد البحث العلمي بالجامعة والمشرف المساعد على الرسالة
أ. د. زاهر بن عواض الألمعي عضوًا
الأستاذ بقسم القرآن وعلومه
أ. د. فهد بن عبد الرحمن الرومي عضوًا
الأستاذ بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض
أ. د. محمد عبدو فلفل عضوًا
الأستاذ المشارك بقسم النحو والصرف بكلية اللغة العربية
بجامعة الإمام
1 / 2
الشاهد الشعري
في تفسير القرآن الكريم
1 / 3
جميع الحقوق محفوظة لدار المنهاج بالرياض
الطبعة الأولى
ذو القعدة - ١٤٣١ هـ
مكتبة دار المنهاج
للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية - الرياض
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مُقدِّمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإِنَّ القرآن الكريم بنصِّهِ المُوثَّقِ، وقراءاتهِ المَحفوظةِ، يُعَدُّ المصدرَ الأولَ لدراسةِ اللغةِ بفروعها؛ وذلك لأنَّ اللغة إذا وردت في القرآن فهي أفصحُ مِمَّا في غير القرآن، غيرَ أَنَّ المُفسِّرينَ رجعوا كثيرًا إلى لغة العرب من شعرٍ ونثرٍ لبيانِ معاني القرآن الكريم، لأَنَّها مِنْ أَهمِّ مصادر التفسيرِ بالرأَي وأَوسَعِها، والمفسرون يشترطون في تلك اللغة التي يُفسَّرُ بِها القرآنُ الاستفاضةَ والشهرةَ؛ لأَنَّ كتابَ الله جلَّ ثناؤه نزلَ بأفصحِ لغات العربِ، وغير جائزٍ توجيهُ شيءٍ منهُ إلى الشاذِّ مِن لغاتِها، ولَهُ في الأفصحِ الأشهرِ معنىً مفهومٌ، ووجهٌ معروفٌ.
ولم تكن تلك اللغةُ المستفيضةُ المشتهرةُ المعروفةُ المَحفوظة سوى اللغة التي عُرفت بتتبعِ شِعْرِ العَربِ، الذي لا يزالُ مَحفوظًا مرويًّا، وهو ديوانُ مفاخرِ العرب، وسجلُّ علومِها وعاداتِها، ولم يكن للعربِ قبلَ الإسلام عِلمٌ أَصحَّ منه، وكان المفسرون من الصحابة ومَنْ بَعدَهم يرجعون في فهم بعض حروف القرآن إلى ذلك الشعر الثابت ليتبينوا منه ما خفي عليهم منها، ولم يكن حرصُ المفسرين على الشِّعر الجاهلي وما
1 / 5
بعده من شعر الاحتجاج ليتفقَّهوا فيه لذاته، وإِنَّما ليَفقَهوا به القرآن والسنَّة قبل ذلك، وكان بعض العلماء مشهورًا بحفظ شواهد الشعر للاستشهاد بها على تفسير القرآن خاصةً.
وقد كان العلماء في استشهادهم بالشعر في تفسير القرآن مدفوعين إلى ذلك بتوجيهٍ من القرآن الكريم ذاته، وذلك لِمَا كرَّرَ من ذكرِ اللسانِ العربيِّ المبين، واللسانُ العربي هو الشعرُ وكُلُّ ما نَطق به أصحابُ السَّليقةِ في حَواضرِهم وبوادِيهم، وحفظُ القُرآنِ يقتضي حفظَ اللسانِ الذي نَزَلَ بهِ القرآنُ. والله سبحانَهُ لَمَّا وَصَفَ كتابه بأنَّهُ نَزَلَ ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾ [الشعراء: ١٩٥]، لم يكن هذا الوصفُ مَدحًا للقُرآنِ؛ لأَنَّهُ لا يُمدَحُ بأفضلَ مِن أَنَّهُ كلامُ الله، وإِنَّما هو مَدحٌ لهذا اللسانِ العربيِّ، المُتمثِّلِ - في غالبه - في كُلِّ ما نطقَ بهَ أصحابُ السليقةِ من شِعرٍ، وفي القليل منه فيما حُفِظَ مِن نَثر العرب.
ولِما لاعتماد الشواهد الشعرية في كتب التفسير وكتب معاني القرآن وغريبه من أهمية في التفسير اللغوي رغبتُ في دراسة هذا الموضوع بعنوان: «الشاهد الشعري في تفسير القرآن الكريم» من حيث أهميتهُ، ومناهج المفسرين في الاستشهاد به، وأثرهُ في التفسير، ليكون موضوعًا لرسالة الدكتوراه في تخصص التفسير وعلوم القرآن.
• أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
١ - كثرة الشواهد الشعرية في كتب التفسير، ومعاني القرآن، وغريبه، مما جعلها تُشَكِّلُ ظاهرةً لا يُمكنُ إغفالُ دراستها، بوصفها الشاهد اللغويَّ الذي يورده المفسرون كلما احتاجوا إلى ذلك في التفسير اللغوي، مع اختلاف مناهجهم في ذلك.
٢ - أنَّ الشاهد الشعريَّ قد وُظِّفَ في مجالاتِ المعرفة المختلفة من لغةٍ
1 / 6
ونحوٍ (١) وتفسيرٍ وقراءات وصرفٍ وتاريخ وبلدان، غير أَنَّ توظيفهُ في تفسير القرآن الكريم، وكتبه، وكتب الدراسات القرآنية عامةً لم يَحظَ - فيما أعلم - بدراسةٍ مفصلةٍ، تستقري مُفرداتِه، والجهود التي بذلت من قبل المفسرين في جَمعِه وترتيبه، ومناهجهم في ذلك، بطريقة وصفيَّة تَحليليةٍ، تَجمع إلى الاستقراء المتتبع، دِقَّةَ التحليل والوصف المطابق لمثل تلك المناهج.
٢ - حاجة الموضوع في كتب التفسير إلى دراسةٍ تأصيليةٍ، تكشف عن مناهج المفسرين في الاستشهاد بالشعر، وأثر الشاهد الشعري في التفسير، والأسباب التي جعلت العلماء يُعْنَون بالشِّعر، ومعرفة ضوابط التعامل مع الشواهد الشعرية في تفسير القرآن الكريم.
• الدراسات السابقة: هناك بعض الدراسات السابقة، منها:
_________
(١) أكثر من عُنِي بالشواهدِ الشعريةِ وشَرْحِها هم النحويون، ومنذ صنَّفَ سيبويه كتابَهُ واستشهد فيه بِما يزيد عن ١٠٥٠ شاهدًا شعريًا اشتغلَ مَن بعده بحفظ هذه الشواهد ونسبتها لقائليها وشرحها. ومن تلك المصنفات:
١ - شرح أبيات سيبويه لأبي جعفر النحاس (ت ٣٣٨ هـ).
٢ - شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (ت ٣٨٥ هـ).
٣ - تحصيل عين الذهب للأَعْلَم الشَّنْتَمَريِّ (ت ٤٧٦ هـ).
٤ - شرح أبيات سيبويه والمفصل لعفيف الدين الكوفي، فرغ منه عام ٩٦٩ هـ.
٥ - ومن آخرها دراسة تأصيلية بعنوان «شواهد الشعر في كتاب سيبويه» للدكتور خالد عبدالكريم جمعة.
وأبرز من عني بشرح شواهد النحو واللغة من المتأخرين هو العلامة اللغوي عبدالقادر بن عمر البغدادي (ت ١٠٩٣ هـ) فقد صنف في شرح الشواهد الشعرية في كتب النحو والصرف كتبًا هي «خزانة الأدب» وهو أوسعها، شرح فيه شواهدَ شرحِ الرَّضيِّ على الكافيةِ في النحو، وكتاب «شرح أبيات مغني اللبيب»، وكتاب «شرح شواهد الشافية» للرضي في الصَّرفِ، و«شرح شواهد التحفة الوردية» في النحو، وغيرها وكلها مطبوعة. انظر: الشاهد وأصول النحو في كتاب سيبويه لخديجة الحديثي ٢٣ - ٢٥
1 / 7
أولًا: رسالة ماجستير بعنوان «جهود الطبري في دراسة الشواهد الشعرية - في جامع البيان عن تأويل آي القرآن» تقدم بها الباحث محمد المالكي، إلى كلية الآداب بظهر المهراز بالمغرب، طبعت في مطبعة المعارف الجديدة بالدار البيضاء عام ١٩٩٤ م، وهي دراسة أدبية للشواهد الشعرية في تفسير الطبري، تعرَّضت لجهود الطبري من الناحية الأدبية واللغوية في تفسيره.
ثانيًا: كتاب «شواهد أبي حيان في تفسيره» للدكتور صبري إبراهيم السيد، وهو دراسةٌ نحوية لمنهج أبي حيان في تفسيره من خلال الشواهد الشعرية، وقد طُبع الكتاب بدار المعرفة الجامعية بالاسكندرية عام ١٤٠٩ هـ.
ثالثًا: كتاب «الشواهد الشعرية في تفسير القرطبي» للأستاذ الدكتور عبدالعال سالم مكرم، وهو ليس دراسة تأصيليةً للموضوع، وإِنَّما هو جَمع للشواهد الشعرية التي وردت في تفسير القرطبي، وتَخريج لها، مع بيان مواضع الاستشهاد في هذه الشواهد. وقد نشرته دار عالم الكتب في طبعته الأولى عام ١٤١٨ هـ.
رابعًا: رسالة دكتوراه بعنوان «التفسير اللغوي للقرآن الكريم» للدكتور مساعد بن سليمان الطيار، تقدم بِها لقسم القرآن بكلية أصول الدين بالرياض عام ١٤٢١ هـ، ونشرت عن دار ابن الجوزي عام ١٤٢٢ هـ. وقد أشار فيها للشاهد الشعري وأهميته في عِدَّةِ مواضعٍ، ونَبَّهَ إلى أَهمية بَحث هذا الموضوع بحثًا مستقلًا.
ونظرًا لطبيعة هذه الدراسة، وقصر المدة المقررة، وكثرة الشواهد الشعرية في كتب التفسير فقد قصرتُ دراستي هذه على عددٍ من كتب التفسير وكتبِ غريب القرآن ومعانيه، هي العُمدةُ في هذا الباب، وإِنْ كان غَيْرُها جديرًا بالدراسة، إِلا أَنَّها لا تكاد شواهدها تَخرجُ عما في هذه الكتب، وهذه الكتب هي:
1 / 8
أولًا: «جامع البيان في تأويل آي القرآن» للإمام محمد بن جرير الطبري (ت ٣١٠ هـ) ﵀، حيث اشتمل على أكثر من ألفين ومائتي شاهدٍ شعري، وكان لابن جرير سبقٌ في العناية بالشواهد الشعرية أتى البحث على بيانه وإيضاحه. وقد اعتمدت في هذا البحث طبعتين لهذا التفسير، الأولى التي حققها العالمان الجليلان أحمد محمد شاكر، ومحمود محمد شاكر، ومُعظَمُ العملِ فيها لِمَحمود رَحِمهما الله، وأشير إليها في البحث بـ «تفسير الطبري (شاكر)»، وطبعتها دارُ المعارف بالقاهرة وينتهي الجزء السادس عشر منها بتفسير الآية السابعة والعشرين من سورة إبراهيم، والطبعة الثانية التي حققها معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمُحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، وأشير إليها في البحث بـ «تفسير الطبري (هجر)».
ثانيًا: تفسير «الكشاف» للزمخشري (ت ٥٣٨ هـ)، وهذا التفسير قد عُنِيَ بالجانب البلاغي وكان له منهجه الخاص في الاستشهاد بالشعر في التفسير، كان مرحلةً جديدةً في فتح الباب للاستشهادِ بشعرِ المُحدَثين من الشعراء، وتَجويزِ ذلك، وسيأتي بسط المسألة.
ثالثًا: «المُحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» للقاضي عبدالحق ابن عطية الأندلسي (ت ٥٤٢ هـ)، وقد اشتمل على ما يزيد عن ألفٍ وتسعمائةِ شاهد شعري، وهو من التفاسير الأصيلة المتقدمة، وكان له عناية بالشاهد الشعري في تفسيره. وقد اعتمدت في البحث على طبعتين، الأولى التي حققها المجلس العلمي بفاس بالمغرب، وصدرت في ستة عشر جزءًا، وعند الإشارة إليها أكتفي بعبارة «المحرر الوجيز». والطبعة الثانية التي حققها السيد عبدالعال السيد إبراهيم وآخرين، وطبعتها وزارة الأوقاف القطرية، وقد أشرت إليها في البحث بـ «المحرر الوجيز (قطر)».
رابعًا: «الجامع لأحكام القرآن» للإمام القرطبي (ت ٦٧١ هـ)، فقد
1 / 9
قارب عدد شواهده من الشعر خَمسة الآف شاهد، شَملت شواهد اللغة والغريب، والنحو والقراءات والبلاغة والأدب والتاريخ، وهو أوسع كتب التفسير التي درستها إيرادًا للشعر لتأخره واطلاعه على شواهد المتقدمين. وقد اعتمدت في هذا الكتاب على طبعة دار الكتب المصرية الأولى عد الجزء الأول والثالث من الطبعة الثالثة.
خامسًا: «مجاز القرآن» لأبي عبيدة مَعْمَر بن المُثَنَّى البَصري (ت ٢١٠ هـ)، حيث زادت شواهده عن تسعمائةٍ وخَمسين شاهدًا، ويُعدُّ عُمدةً ومصدرًا أصيلًا في شواهد الشعر عند المفسرين وغيرهم، وقد عُنِي العلماءُ بشواهدهِ وشَرحُوها.
سادسًا: «معاني القرآن» ليحيى بن زكريا الفراء الكوفي (ت ٢٠٧ هـ)، وهو كسابقه من أهم الكتب التي عنيت بالشاهد الشعري في تفسير أساليب القرآن، وفهم معانيه.
سابعًا: «تفسير غريب القرآن»، و«تأويل مشكل القرآن» كلاهما لابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ)، لوفرة شواهدِهِما، وتقدم وفاة مؤلفهما، واعتماد من جاء بعده من المفسرين على كتبه.
كما رجعت إلى غير هذه المصادر من كتب التفسير والغريب والمعاني واللغة والنحو وشروح الشواهد والشعر الجاهلي حسب الحاجة، في بعض المسائل لحاجة البحث إلى ذلك، ورغبة في اكتمال الصورة.
• منهج البحث:
انتفعتُ في بَحثي بالمنهجِ الوصفيِّ والتحليليِّ معًا في البحث العلمي، مع اللجوءِ للإحصاءِ رغبةً في الحصولِ على نتائجَ دقيقةٍ بقدر الطاقة، خاصةً في دراسة الشعراءِ الذين اعتمدَ عليهم المفسرون في الاستشهاد، والقبائل التي ينتمي إليها شعراءُ الاحتجاجِ، والنسب الإحصائية ذات الدلالة، كما استفدت من المنهج التاريخي في بعض
1 / 10
المسائل التي تطلبت ذلك، فكان المنهجُ التوفيقيُّ الذي يَجمعُ بين مناهجِ البحث العلميِّ المتبعةِ في الدراسات العلميَّةِ المعاصرة هو المنهجَ الذي سِرتُ عليهِ في هذا البحث، وسلكت في كتابة البحث المنهج الآتي:
- وضعت الآيات بين قوسين للآيات القرآنية هكذا ﴿﴾.
- عزوت الآيات إلى سورها من القرآن الكريم، وذلك بكتابة اسم السورة ورقم الآية بعدها مباشرة في الحاشية.
- خرَّجت الأحاديث والآثار التي وردت في البحث من مصادرها المعتمدة من كتب السنة النبوية، فإن كان الحديث أو الأثر مخرجًا في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك وإلا خرجته من الكتب والمصادر الأخرى ونقلت حكم أهل الحديث عليه.
- جَمعت الأقوال والمسائل التي تتعلق بموضوع البحث من الكتب الأساسية في البحث في بطاقات، وقد زاد عدد هذه البطاقات عن عشرة الآف بطاقة، ثم رتبت هذه البطاقات بحسب موضوعاتها، ووضعتها في مكانها من البحث، ثُمَّ جَمعتُ كل ما استطعت الوصول إليه من معلومات متعلقة بالبحث في كتب التفسير الأخرى، وكتب علوم القرآن، واللغة، والنقد الأدبي، وشروح الشعر الجاهلي، وغيرها، وأخذ مني ذلك وقتًا طويلًا، ولم أكتب خلال ذلك شيئًا في الموضوع غير ما دونته في تلك البطاقات، وكنت كلما أعدت قراءة هذه البطاقات بدا لي جانب من البحث واتضح، فأضطر إلى إعادة قراءة ما كنت كتبته مرات أخرى، ولم أبدأ في الكتابة إلا بعد أن اتضح لي الموضوع اتضاحًا كاملًا، وأرجو أن لا يكون نَدَّ عني شيءٌ ذو بالٍ إِنْ شاء الله، ثُمَّ شَرَعتُ في الكتابة بعد ذلك مُسترشدًا بتوجيهات المشرفَين الكريِمَين وفقهما الله.
- اعتمدت على المصادر الأصلية في كل مسألةٍ بِحسبها، ما استطعت، فإن لم أجد لجأت إلى المصادر المتأخرة عنها.
1 / 11
- عند الإحالة إلى المرجع أو المصدر في أول موضع أكتفي بذكر عنوان الكتاب إن كان مشهورًا ولا أذكر اسم المؤلف إلا عند الاشتباه، ثُمَّ أُتبعهُ بالجزء والصفحة، وأذكر تفصيلًا كاملًا عن المرجع في ثَبت المراجع والمصادر في نِهاية البحث.
- نسبت الشواهد الشعرية الواردة في البحث إلى قائليها، إلا ما لم يعرف له قائل، فأكتفي بكتابة: لم أعثر عليه، أو لم أجده، وقد اعتمدت الإحالة إلى ديوان الشاعر الأصلي، أو المجموع، وإلا أحلت إلى المراجع الأدبية المعتمدة التي ذكرت الشاهد، وربما لا أجد من نسب الشاهد قبل المرجع الذي أنقل منه، فأحيل إلى مراجع متأخرة لمن أراد مصدرًا آخر، لا لتوثيقه.
- ما أنقله بنصه فإني أضعه بين قوسين مزدوجين هكذا «»، وما نقلته بمعناه أكتفي بالإشارة إليه في الحاشية بعد عبارة (انظر:).
- عرَّفتُ بالأعلام غير المشهورين في الرسالةِ بإيجازٍ، وأحلت إلى مرجع أو مرجعين للاستزادة، وأَتبعتُ اسمَ العَلَمِ في المَتْنِ بذكرِ سنةِ وفاتهِ إِنْ رأيتُ حاجةً لذلك في فهم المسألةِ وتسلسلها التاريخي، وأما الشعراءُ فأَحَلْتُ إلى تَرجَمتِهم في طبقات الشعراء لابن سلَّام، والشعر والشعراء لابن قتيبة، لكونِهما مِنْ أوثقِ المصادر المتقدمة في ترجَمة الشعراء، فإن لم أجد الشاعرَ فيهما، أو في أحدهما أَحلتُ إلى مصادر أخرى.
- لا أطيل في مناقشة الأمثلة التي أوردها بتحقيق المسائل التي اشتملت عليها مما لا علاقة له بالشاهد الشعري؛ لأن الغرض التمثيل، ورغبة في تركيز البحث في موضوع الشاهد الشعري، دون الاستطراد إلى مسائل أخرى بُحِثَتْ بَحثًا مُستقلًا في دراسات مطبوعة، وأكتفي بالإحالة إلى مواضع بحث هذه المسائل.
1 / 12
- رُبَّما طال القول في بعض مباحث الرسالة، وذلك حين تكون القضية مِمَّا له صلة بجوهر موضوع الرسالة ولا سيما المباحث التمهيدية، فإنَّ الإيجاز يُذهبَ الوضوح المقنع، وقد حرصت على التوسط دون الإطالة.
- اقتضت طبيعة موضوع الرسالة، وطبيعة الخطة التي التزمتها في البحث تكرار بعض الشواهد، والتقريرات في مواضع متفرقة من الدراسة، ولم يكن بوسعي العدول عن ذلك، مع حرصي على التقليل من ذلك، وجعله في أضيق الحدود، وإن كان المثال المكرر صالحًا للموضعين معًا.
- لعلَّ من المفيد أن أذكر أنني حين بدأت في دراسة الشاهد الشعري في كتب التفسير لم يكن يدفعني إلا الموضوع نفسه، ولم يكن نصب عيني غاية بذاتها أتوخاها وأرمي إلى إقامة الدليل عليها، غير الغاية المُجرَّدة التي سينتهي إليها البحث الموضوعي وحده، فقد لحظت هذه الظاهرة في كتب التفسير فأردت أن أتتبعها لأرى هل لها من أثر في التفسير أم لا، ولذا فلم يكن من المُحبِط لي أَنَّنِي لم أجد في بعض المباحث أَثرًا كبيرًا للشاهد الشعري في كتب التفسير، بل اعتبرت ذلك نتيجةً مهمةً من نتائج البحث العلمي التي يرمي إليها، فقد يقرأ الباحث كتابًا يستغرق منه الوقت الطويل ثُمَّ لا يَخرجُ منه بشيء يفيده في بحثه.
• خطة البحث:
قَسَّمتُ خطةَ البحث بعدَ هذه المقدمةِ التي بينت فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره، ومنهج البحث، إلى تَمهيدٍ، وبابَيْن وخاتِمة.
أما التمهيد فهو مدخلٌ عَرَّفتُ فيه الشِّعرَ في اللغة والاصطلاح ثمَّ تَحدثتُ حديثًا مُختصرًا عن نشأة الشعر العربي والأقوال التي قيلت في ذلك، ثم تطرقت بعد ذلك إلى الأثر الذي أحدثه الإسلام في الشعر، ثُمَّ
1 / 13
ختمتُ التمهيدَ ببيان الحكم الشرعي الفقهيِّ في الشِّعرِ، وحكم الاستشهادِ به في تفسير القرآن الكريم وضوابط ذلك. وكانت بقيةُ تفاصيلِ الخطةِ على النحو الآتي:
الباب الأول: الشعر وموقف علماء السلف من الاستشهاد به في تفسير القرآن الكريم. اشتمل على فصلين:
الفصل الأول: الشاهد الشعري، فيه سبعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الشاهد الشعري.
المبحث الثاني: أنواع الشواهد الشعرية.
المبحث الثالث: الشاهدُ الشعري المُحْتَجُّ به.
المبحث الرابع: عيوب الشاهد الشعري.
المبحث الخامس: مصادر الشعر المُحتج به.
المبحث السادس: صلة الشاهد الشعري بالتفسير اللغوي.
المبحث السابع: الرد على التشكيك في الشعر الجاهلي، وخطره على تفسير القرآن.
الفصل الثاني: الاستشهاد بالشعر في التفسير وموقف السلف منه، فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: منهج الصحابة في الاستشهاد بالشعر في التفسير.
المبحث الثاني: تحقيق مسائل نافع بن الأزرق من حيث ثبوتها وحجيتها.
المبحث الثالث: منهج التابعين وأتباعهم في الاستشهاد بالشعر في التفسير.
الباب الثاني: مناهج المفسرين في الاستشهاد بالشعر وأثر الشاهد الشعري في التفسير. يشتمل على ثلاثة فصول:
1 / 14
الفصل الأول: مناهج المفسرين في الاستشهاد بالشعر، فيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: منهجهم في إيراد الشاهد الشعري.
المبحث الثاني: مدى اعتمادهم على الشاهد الشعري في التفسير.
المبحث الثالث: منهجهم في شرح الشاهد الشعري ودلالته على المعنى المراد.
المبحث الرابع: منهجهم في توثيق الشاهد الشعري.
المبحث الخامس: أغراض إيراد الشاهد الشعري عند المفسرين.
الفصل الثاني: مناهج أصحاب كتب معاني القرآن وغريب القرآن في الاستشهاد بالشعر، فيه سبعة مباحث:
المبحث الأول: المقصود بأصحاب كتب المعاني وأصحاب كتب الغريب.
المبحث الثاني: الفرق بين كتب المعاني وكتب الغريب.
المبحث الثالث: منهجهم في إيراد الشاهد الشعري.
المبحث الرابع: مدى الاعتماد على الشاهد الشعري عندهم.
المبحث الخامس: منهجهم في توثيق الشاهد الشعري.
المبحث السادس: الفرق بين مناهج أصحاب هذه الكتب والمفسرين في توظيف الشاهد الشعري.
المبحث السابع: أغراض إيراد الشاهد الشعري عندهم.
الفصل الثالث: أثر الشاهد الشعري في تفسير القرآن، فيه أحد عشر مبحثًا:
1 / 15
المبحث الأول: أثره في إيضاح المعنى.
المبحث الثاني: أثره في توجيه القراءات.
المبحث الثالث: أثره في الجانب العَقَديِّ عند المفسرين.
المبحث الرابع: أثره في الجانب الفقهي.
المبحث الخامس: أثره في الترجيح بين الأقوال.
المبحث السادس: أثره في بيان الأساليب القرآنية.
المبحث السابع: أثره في نسبة اللغات للقبائل.
المبحث الثامن: أثره في الحكم بعربية بعض الألفاظ وفصاحتها.
المبحث التاسع: أثره في بيان الأحوال التي نزلت فيها الآيات.
المبحث العاشر: أثره في معرفة الأماكن.
المبحث الحادي عشر: صلة الشعر الجاهلي بإعجاز القرآن الكريم.
الخاتِمة، لخصت فيها أهمَّ نتائج البحث.
الفهارس، اشتملت على الفهارس الآتية:
ثبت المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات.
* * *
وبعدُ، فهذا جهد علمي متواضع، في موضوعٍ فيه قدرٌ من الصعوبةِ لاتصاله بعِلمين من أكبَرِ علومِ الإسلام، وهُما التفسير والعربية، وقد عانيت في بداية البحث من الغموض الشديد الذي أحاط بي، ثُمَّ ما لبث أَنْ تَبدَّدَ شيئًا فشيئًا، بفضل الله ﷾ ثُمَّ بتوجيهاتِ المُشرِفَين على هذا
1 / 16
البحث وفقهما الله؛ وذلك لكثرة المسائل التي ينبغي التطرق لها، ودراستها في عدد كبير من المصادر، وتفرقِ جُزئياتِها في كتب كثيرة متباعدة.
وإِنَّ ما تضمنه هذا البحث، من الجديد في تفسير ظواهر الاستشهاد بالشاهد الشعري في كتب التفسير وتاريخها، والمناهج التي اتبعت في ذلك، والأثر الذي تركته في كتب التفسير، إِنَّما هو حصيلة ما تيسر من معلومات في كتب محددةٍ من كتب التفسير وغريب القرآن ومعانيه، أرجو أن تكون صحيحةً في أكثرها، إلا أَنَّها ليست آخر ما يُمكن قوله في هذا الموضوع، بل هي - كما أرجو لها - فاتحة منهج صحيح - إن شاء الله - في دراسة هذا الأمر في بقية كتب التفسير، ولذا فإني مدين سلفًا لكل من يصحح رأيًا في هذا البحث، أو يقوم خطأ، أو يوضح غامضًا، فإن الأمر يتعلق بكتاب الله العزيز، وإذا كان هذا مطلبًا في سائر البحوث، فإنه في بحث يتصل بالقرآن وتفسيره أولى.
وأخيرًا فإنِّي أشكرُ اللهَ ﷾ الذي أَعانَ ووفَّقَ لإتمامِ هذا البحث على هذا الوجه، وأسأل الله أنْ ينفعَ بِه، وأَن يَجزي كُلَّ مَنْ أسدى إليَّ عَونًا لإنجازهِ خَيْرَ الجزاء في الدنيا والآخرة.
وأخص بالشكر والتقدير والدعاء الأستاذين الكريِمين المشرفَيْنِ على هذا البحث وهُما أستاذي الكريم الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الشايع الأستاذ بقسم القرآن وعلومه بالكلية المشرف على هذه الرسالة، والأستاذ الكريم الدكتور تركي بن سهو العتيبي عميد البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والأستاذ بقسم النحو والصرف وفقهِ اللغة بكلية اللغة العربية المشرف المساعد، اللذين لم يبخلا عليَّ بأَيِّ توجيهٍ وتعليمٍ وتقويمٍ طيلةَ إعدادي لهذا البحثِ، وأسأل الله أن
1 / 17
يجعلَ ما قَدَّماهُ في موازين حسناتهما، وأن يكتب لهما أجزل الأجر والثواب.
كما أشكر أصحاب الفضيلة الذين تفضلوا بقبول قراءة هذا البحث وتقويِمِه، سائلًا الله تعالى أن يكتب لهم الأجر والثواب على حسن صنيعهم.
وأختم بشكر شقيقي الدكتور زاهر بن معاضة الشهري الذي كان لي خير أخ ومعين طيلة إعداد هذه الرسالة بدعمه المتواصل، وتشجيعه المستمر، فشكر الله له، وجزاه عني خيرًا.
والله الموفق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
المؤلف
١٥/ ٨/ ١٤٢٦ هـ
amshehri@gmail.com
* * *
1 / 18
التَمهيد
تعريف الشِّعرِ في اللغة
الشِّعْرُ في اللغةِ مأخوذٌ من قولهم: شَعَرْتُ بالشيءِ إذا علمتُهُ وفطنتُ لهُ، فاشتقاق لفظة الشِّعْرِ من العلم والإدراك والفطنة. ومنه قولهم: ليت شِعري، أي علمي (١). وفي القرآن الكريم: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] (٢)، أي: وما يُدريكم (٣). وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩] (٤) أي: لا يعلمون، ولا يدرون. (٥) وسُمِّي الشاعرُ بذلك لفطنته لِما لا يَفطنُ له غيره من الناس لدقةِ حسِّهِ، ورهافة خاطره (٦).
والشعرُ لغةً يشملُ كلَّ علمٍ، ولكنَّه غَلَبَ على منظومِ القول لشرفهِ بالوزن والقافية، وكونه قريضًا محدودًا بعلاماتٍ لا يُجاوزُها (٧).
تعريف الشعر في الاصطلاح
عُرِّفَ بتعريفات (٨) من أمثلها أنه الكلام الموزون المُقَفَّى المقصودُ
_________
(١) انظر: تهذيب اللغة ١/ ٤٢٠، مقاييس اللغة ٣/ ١٩٤، الصحاح ٢/ ٦٩٩، لسان العرب ٧/ ١٣٢ (شعر)
(٢) الأنعام ١٠٩
(٣) تفسير الطبري (هجر) ٩/ ٤٨٤.
(٤) البقرة ٩.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ٢٧٧، ٢٩١، مقاييس اللغة ٣/ ١٩٣، الصحاح ٢/ ٦٩٨، لسان العرب ٧/ ١٣٣ (شعر)، القاموس المحيط ٥٣٣.
(٦) انظر: تهذيب اللغة ١/ ٤٢٠ لسان العرب ٧/ ١٣٢ (شعر).
(٧) انظر: المصادر السابقة.
(٨) نقد الشعر ٣، ٧، العمدة في محاسن الشعر ونقده ١/ ١٩٣، مقدمة ابن خلدون ٦٤٧، أبجد العلوم ٤٢٥.
1 / 19
الذي يُصوِّرُ العاطفة (١).
(فالكلامُ) جنسٌ يدخل فيه كلُّ كلامٍ، من الشعر وغيره.
و(الوزنُ) يُخرِجُ ما ليس موزونًا من الكلام. والمراد بالوزن ما كان على بُحورِ الشعر العربي التي استخرجها الخليل بن أَحْمد (٢) من شعر العرب وهي خَمسة عشر بحرًا، تدارك الأخفش (٣) على الخليل واحدًا هو البحر السادس عشر وسَمَّاهُ المتدارك (٤).
و(المقفَّى) هو انتظام الشعر في قافية واحدة، وهي «الساكنان آخر البيت وما بينهما من الحروف المتحركة - إن وجدت - مع المتحرك الذي قبل الساكن الأول» (٥). مثال ذلك، قول امرئ القيس (٦):
قِفَا نَبْكِ من ذكرى حَبيبٍ ومَنْزِلِ ... بِسِقْطِ اللِّوى بينَ الدخولِ فَحَوْمَلِ (٧)
فالقافية هي كلمة «حَوْمَلِ». حيث يشكل حرف الواو أقرب حرف ساكن لآخر حرف في البيت، مع ما قبله وهو حرف الحاء هنا.
_________
(١) انظر: أصول النقد الأدبي لأحمد الشايب ٢٩٨.
(٢) هو أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد بن عبدالرحمن الفراهيدي الأزدي البصري، (١٠٠ - ١٧٠ هـ)، له كتاب العين، والعروض، وغيرها، اخترع علم العروض، والمعجم، وهو أستاذ سيبويه في النحو رحمهما الله. انظر: أخبار النحويين البصريين ٥٤، إنباه الرواة ١/ ٣٧٦.
(٣) هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة أوسط ثلاثة كلهم اشتهر بالأخفش، وإذا أطلق الأخفش دون وصف فهو المراد، روى كتاب سيبويه ونشره بين الناس، له كتاب معاني القرآن وغيره، وهو بصري المذهب في النحو. مات قبل سنة ٢١٥ هـ. انظر: إنباه الرواة ٢/ ٣٦، وبغية الوعاة ١/ ٥٩٠.
(٤) المعجم المفصل في علم العروض ٣٤٧.
(٥) العيون في القوافي ٢٣٨، والعروض والقافية لأمين سالم ١٢١.
(٦) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث، يلقب بذي القروح، وهو أشهر شعراء الجاهلية، وأجودهم شعرًا، مات مسمومًا عام ٥٤٠ م. ومن أكثر من احتج المفسرون بشعره. انظر: طبقات فحول الشعراء ١/ ٥١، الشعر والشعراء ١/ ١٠٥.
(٧) انظر: ديوانه ٥٢.
1 / 20