Thawrat Islam Wa Batal Anbiya
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
3
إن قتل المرأة في الشرق - ولا سيما في البلاد العربية - بسبب العرض - لا يزال شائعا، ويبيح القانون قتل الزانية إذا بغتت متلبسة، واشتدت الحماسة للعرض في بعض الأذهان في مصر الحديثة؛ فاقترح بعضهم تشريعا يبيح للوالد والأخ والابن ما يبيحه للزوج، أو يخفف عقوبته.
وقوانين أوروبا تسهل براءة من يقتل بسبب الهوى والغيرة؛ وإن لم تكن علاقة الزوجية قائمة! وحكم في مصر بعقوبة لينة على والد عذب ابنته حتى الموت، وعلى أخ قتل أخته لشرفه، وعلى آخر قتل مطلقته تحت سلطان الغيرة! وكل هذا التخفيف والتعديل في الفكر القضائي دليل على أن فكرة الغضب للعرض لا تزال قوية في الأمم وفي الطبيعة الإنسانية، ومرجعها استقواء الرجل ورغبته الفطرية في الاستئثار بامرأة يحبها ويقتنيها؛ لتلد له أولادا لا شك في نسبهم، وهو رأي سديد، وفطرة سليمة؛ فالوأد كان في بعض الأحيان غيرة أبوية سابقة لأوانها!
4
وبالجملة كانت قريش متأخرة في كل شيء ما عدا التجارة، وهي مصدر حياتهم. وكانت أمورهم فوضى ما عدا ماليتهم وميزانيتهم، بل كانوا قبيلة منحطة ومنقرضة تكاد تئول إلى الزوال وتلحق بعاد وثمود وطسم وجديس، لولا أن أدركها الله بعنايته وأراد لها تلك الحياة الجديدة الخالدة، ولكن هذه القبيلة لم تهتد ولم تخضع للدين عن رغبة ما عدا أفرادا يعدون على الأصابع، إنما خضعت للحرب والقوة التي استطاع النبي تجميعها وتكوينها أثناء إقامته في المدينة؛ فالمهاجرون والأنصار هم قوة الإسلام.
لم اختارهم الله ليكونوا مصدر هذا الدين العظيم ومنبعه ومبعثه دون سائر خلقه، وهم على هذا الجحود والجمود وتلك القسوة والنكران والجهل والحماقة والبعد عن محجة الصواب وشدة العناد والمكابرة؟ إن قبيلة قريش مع ما كانت عليه من المعايب والنقائص ما انفكت منظورا إليها بعين الحرمة والتجلة، لا لشرف المحتد أو قوة الحرب أو سمو الفكر، ولا للكعبة المشيدة في بلدهم والأصنام الجاثمة في أحضانها، ولكن لأن قريشا ظهروا بمظهر الحذق والفطنة في التجارة والبراعة في ابتزاز أموال الغرباء واستدراج الأجانب إلى معبدهم وإلى بئرهم. وكانوا فوق ذلك مرغمين على حب السلم لأجل التجارة؛ فخلصوا بالتدريج من شوائب البداوة؛ فكفوا عن الرحيل لرعي الإبل وتربية الأنعام، بل استقروا وثبتوا ونظموا أسفارهم في قوافل رتيبة على ظهور الجمال لجلب الخير إلى وطنهم. ولعلهم صاروا أميل القبائل للسلم؛ لأنهم ذاقوا حلاوتها وحلاوة كسب المال واختزانه، وحلاوة الهدوء العائلي ولذاذة السفر في سبيل الغنى، ولذاذة الحنين إلى الوطن وهم بعداء، ولذاذة العودة إلى الدار والمرأة والولد ولقاء الأصحاب ومحافل السمر بعد الاغتراب، وقد رغبوا عن الغزو وتوليد الأحقاد بينهم وبين جيرانهم؛ فاتخذوا من هؤلاء الجيران أحلافا وأعوانا وأضيافا يرحلون إلى بلادهم في أعمالهم فيصلون إلى الشام شمالا وإلى اليمن جنوبا وإلى نجد وتهامة ونجران، ولا بد أن يكون محمد
صلى الله عليه وسلم
قد أزعجهم إزعاجا شديدا بتوريطهم في الحروب الدامية التي ربحها وخسروها؛ لأنه لم يكن من السهل على هذه القبيلة أن تخرج من هدوء ديارها لتجريد السيف في وجه ذاك الرجل الذي مناهم بسيادة العالم في الدنيا، وبشرهم بالجنة في الآخرة، وتوعدهم بالذل في الدنيا والعذاب في الآخرة إن خالفوا دعوته إلى ربه، وقد صدق وعده كما صدق وعيده.
ولم تحدثهم أنفسهم أنهم منذ جردوا السيوف وعرضوا الرماح أنهم يتدربون في ميدان الجزيرة على حروب كبرى في ميادين العالم، وأن تلك السيوف لن تعود إلى أغمادها حتى تفتح العالم وتكتسح كل ما ناوأها أو ناصبها العداء في ممالك الأرض قاطبة.
وليس المعنى في هذا أن العرب جملة كان ينقصهم المران الحربي؛ فإنهم - ما عدا قريشا التي استوطنت وسكنت البلد الحرام - كانوا أمة حرب ونضال وثأر وانتقام وغزو وقتل في سبيل السلب والسبي. ويمكن القول بأن سكان جزيرة العرب استمروا في حالة حرب متواصلة منذ أكثر من عشرة آلاف سنة ، وقد أمضوا هذه الحقب الكثيرة في مناضلة الفاتحين والمغيرين ومنابذتهم، أو في محاربة بعضهم بعضا.
Unknown page