Thawrat Islam Wa Batal Anbiya
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
قال: «ما وصف لي أعرابي فأحببت أن أراه إلا عنترة.» وقد توفي قبل الهجرة بثماني سنين. وقال الحطيئة لعمر بن الخطاب: «كان فارسنا عنترة، فكنا نحمل إذا حمل، ونحجم إذا أحجم.» قال عمر: صدقت.
إذن كان عنترة فارس قومه وزعيمهم ومقدمهم وباقعتهم في السياسة، وهو الذي قال: «لا أدخل موضعا لا أرى لي منه مخرجا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأنثني عليه فأقتله.» وقد قارن كاتب معاصر بينه وبين طغاة أوروبا.
2
وكان من فحول الشعراء ومنقذا لقبيلته، ولكن كل هذه المناقب لم تشفع له في سواده فعيروه به باعترافه في شعره. وكان بعض هذه الفضائل كافيا لتمجيده إذا كانت بيئته ديمقراطية، بل إن بعضها في الوقت الحاضر كفيل بتعظيم شأن أي رجل أسود أو أصفر أو أحمر! (انظر شعر عنترة وتاريخه، تأليف
Thorbeck
طبع ليبزيج سنة 1867.) ولم يقف الحال بمعيريه بسواده عند حد إنكار بنوته واستعباده ونبذه حتى يعيش من رعي الإبل، فتعدى إلى السخرية من عواطفه؛ فقد أحب ابنة عمه عبلة وهو العبد الوضيع في نظر عشيرته! فكان حبه مثيرا للهزؤ في أحياء القوم، وتركوه فقيرا لأنه كان يغشى الوغى ويعف عن المغنم، ولم يمض مع عادات القوم في النهب والسلب وهما مورد الجاهلية (راجع الأصمعي وأبا عمرو بن العلاء في قصة غرامه ووصف أخلاقه).
وقد بلغ الذل من نفس عنترة أنه لم يرو عنه في حال رقه من الشعر رديء ولا جيد؛ لأن العبودية ترين على القلب وتطفئ ضرام العواطف، فلما استلحقه أبوه وحالفه الفوز في حربه واستولى حب عبلة على قلبه جاش الشعر في صدره، ولكن هذا الاستلحاق لم يكن إلا مصطنعا في حالة الحاجة إليه - كما فعل معاوية بزياد ابن أبيه - فاستلحقه متلمسا حجة واهية! على أن عنترة لم ينسب إلى أبيه بل إلى جده. قال الكلبي: شداد جد عنترة غلب على نسبه، وهو عنترة بن عمرو بن شداد. وما أضحك ما زعموا من أن عنترة قال لأبيه: «العبد لا يحسن الكر، ولكنه يحسن الحلب والصر.» فقال له: «كر وأنت حر!» خرافات وخزعبلات وأخبار ملفقة وأسجاع منمقة وتعليلات باطلة تدور حول ما قاساه هذا البطل الأسود من جور قومه ما لا يحيط به الكلام، وكل ذنبه عندهم أنه أسود! فأين الديمقراطية والمساواة وأين دعاة الجاهلية الذين ينسبون إليها كل الفضائل من علم وأدب وخلق ورحمة وإخاء وحرية.
ولعل ما قاساه هذا البطل الأسود جعله رجلا مرعبا دأبه سفك الدماء وشن الغارات؛ لأن ما وقع عليه من العذاب بغض إليه الإنسانية؛ فتراه لما لمسه من احتقار قومه إياه وعزوف أبيه عن الاعتراف به قد اندفع إلى المعامع، عابثا بالموت راغبا عن حياة طافحة بالمكر والكره والاستبداد بالعبيد والضعفاء
3
وكلما ذاق الفرد طعم الأذى والجور تحجرت عواطفه وقسا قلبه على بني جنسه، حتى إنه ليقول:
Unknown page