Tarikh Tamaddun Islami
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Genres
وكان يزيد هذا عاقدا النية على إصلاح الأحوال، ولكن الأمر كان قد استفحل وبدأت الدعوة العباسية واضطرب حبل بني أمية.
وفي أيام خلفه مروان بن محمد بن مروان خرجت الخلافة من أيديهم سنة 132ه رغم ما كان عليه مروان هذا من الرغبة في استبقائها والهمة في سبيل الدفاع عنها، لكنه جاء متأخرا وقد قضي عليها بالزوال.
بنو العباس
(1) الدعوة العباسية
قلنا في عرض كلامنا عن خلافة أبي بكر أن المسلمين لم يشاءوا أن يجمعوا في بني هاشم النبوة والخلافة فبايعوا غيرهم من قريش، وأما بنو هاشم فكانوا يعدون ذلك عدولا عن الحق وأنهم أولى الناس بذلك الأمر وجعلوا يسعون في سبيله، والهاشميون المطالبون بالخلافة أصناف منهم العلويون من أعقاب علي بن أبي طالب، وهم فئتان إحداهما تدعو لنسل فاطمة الزهراء، والأخرى تدعو لمحمد ابن الحنفية (ابن علي من غير فاطمة)، ومنهم العباسيون سلالة العباس عم النبي، وكان كل من هؤلاء يدعو الناس إلى نفسه فيبايعونه سرا ويظل صاحب الدعوة مستترا لا يظهر، فلما ظهر ضعف بني أمية واضطرابهم هان على الناس الخروج من طاعتهم، وخصوصا لأنهم لم يخضعوا للأمويين إلا طعما أو خوفا وأكثرهم يعتقدون أن بني هاشم أولى بالخلافة منهم.
ووفق العباسيون يومئذ إلى رجل فارسي من أهل خراسان ذي بطش وبسالة اسمه أبو مسلم الخراساني، فأنفذوه في طلب البيعة لهم في خراسان، لبعدها عن مركز الخلافة الأموية فوفق إلى ذلك توفيقا عجيبا، فحارب وجاهد حتى أدنى الخلافة من بني العباس وسلم أزمتها إلى أبي العباس السفاح أول خلفائهم سنة 132ه، ولأبي مسلم فضل في تأسيس الدولة العباسية أعظم من فضل عمرو بن العاص في خلافة معاوية، لأن عمرا نصر معاوية برأيه، وأما أبو مسلم فإنه نصر العباسيين بسيفه وقومه. (2) الدولة العباسية
مهما قيل في دولة بني أمية فهي تمتاز عن دولة بني العباس بأنها عربية حقيقية، لأن عمالها وقضاتها وسائر رجالها كانوا عربا، إلا بعض الكتبة والأطباء ونحوهم، وأما بنو العباس فقد غلب في العصر الأول من دولتهم العنصر الفارسي، لأن الفرس هم الذين سلموا إليهم مقاليد الأحكام - كما رأيت - فاتخذوا منهم الوزراء، وهم أول من اتخذ الوزراء، اقتبسوا هذا المنصب من الفرس كما سيأتي.
أول خلفائهم أبو العباس السفاح، وكان له عدة إخوة وأعمام استخدمهم في تأييد سلطانه، وكان مقر السفاح في الأنبار على الفرات غربي بغداد، وما زال فيها حتى مات ولم يحكم إلا بضع سنين. (2-1) المنصور وخلفاؤه
فخلفه أخوه أبو جعفر المنصور سنة 136-157ه وهو من أعظم رجال الإسلام دهاء وسياسة وشجاعة، بنى مدينة قرب الكوفة سماها الهاشمية ثم اتفق له فيها حرب مع جماعة يقال لهم الراوندية فكرهها لذلك ولقربها من الكوفة، وكان يخاف أهل الكوفة، لأنهم قتلوا عليا والحسين، فخرج منها وبنى مدينة بغداد وهي أشهر عواصم المسلمين، ثم رأى أن بقاء أبي مسلم يجعل مركزه في خطر، لأنه أقدر الناس على إخراج الملك من أيدي العباسيين كما سلمه إليهم فقتله غيلة، وعذره في ذلك أنه كان عقبة في سبيله فأزالها، كما فعل محمد علي بالأمراء المماليك، وكما فعل السلطان محمود الثاني بالإنكشارية بعد ذلك بأحد عشر قرنا. وأيام المنصور كلها حروب وفتوح.
وخلفه ابنه محمد الهادي فهارون الرشيد ثم ابنا الرشيد الأمين فالمأمون، وفي أيام الرشيد والمأمون بلغت الدولة العباسية أوج مجدها ومعظم سلطانها، وزهت فيها العلوم والمعارف وترجمت الكتب وتفجرت ينابيع الثروة مما سنأتي على تفصيله في أماكنه.
Unknown page