Tarikh Tamaddun Islami
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Genres
وأخذ نفوذ الوزارة في بني العباس يتقلص بتقلص نفوذ الخلفاء، حتى استبد العمال في الأعمال، وتفرعت المملكة العباسية، فأصبحت الوزارة كالخلافة اسما بلا مسمى، فأسقطوها وأبدلوها بإمرة الأمراء. (2) أمير الأمراء
عندما عجز خلفاء بني العباس عن ضبط الأمور، بسبب استبداد أمراء النواحي بما تحت أيديهم وضعف الخلفاء عن السيطرة على جندهم، بسبب قلة الجباية والتوقف عن دفع الأعطيات، أخذوا يستبدلون الوزراء واحدا بواحد، باحثين عن شخصيات تستطيع القيام بشئون الدولة ومواجهة المشاكل العسيرة التي واجهتها، وقد عين الخليفة الراضي سنة (322 / 934-329 / 940) خمسة وزراء واحدا بعد الآخر، وكان آخرهم سليمان بن الحسن بن مخلد، وعندما ضاقت به الحيل اتجه ببصره إلى أكبر القواد العسكريين في أيامه، وهو ابن رائق، وكان واليا على واسط والبصرة، فاستدعاه وسلم إليه مقاليد الأمور ولقبه أمير الأمراء.
فاستحدث بذلك وظيفة كبرى كانت قاضية على الوزارة، وكان لها أثر بعيد في الهبوط بمستوى الخلافة، وفي ذلك يقول ابن طباطبا: «واستبد ابن رائق أمير الأمراء بالأمور، ورد الحكم في جميع الأمور إلى نظره، ولم يبق للوزير سوى الاسم» - (الفخري، ص253).
ويقول مسكويه إن الراضي «عرفه أنه قلده الإمارة ورياسة الجيش، وجعله أمير الأمراء، ورد إليه تدبير أعمال الخراج، والضياع وأعمال المعادن في جميع النواحي، وفوض إليه تدبير المملكة، وأمر بأن يخطب له على جميع المنابر في الممالك ...» - (تجارب الأمم، ج1 ص356).
ويبدو أن ابن رائق لم يكن أول من تلقب بأمير الأمراء، فقد ذكر مسكويه أن الخليفة المقتدر منح هذا اللقب لمولاه مؤنس الخادم، ولقبه بمؤنس المظفر، ولكن هذه الوظيفة لم تأخذ مظهرها الحقيقي إلا في أيام ابن رائق، وعندما استبد بنو بويه بأمور الخلافة على يد معز الدولة بن بويه ابتداء من سنة 320 / 932 انتقل إليهم هذا اللقب.
وما زال هذا اللقب في بني بويه إلى سنة 449ه، فانتقل إلى السلاجقة الأتراك وأولهم طغرل بك، ثم صار خلفه ألب أرسلان من أعظم ملوك زمانه، وظل هذا اللقب في السلاجقة إلى سنة 547ه وسقط بسقوط دولتهم في بغداد.
وكان بنو بويه لما استفحل أمرهم يولون أمير الأمراء من عند أنفسهم، ولم يتركوا للخلفاء إلا نائبا يسمى «رئيس الرؤساء»، ثم عاد الخلفاء في أيام السلاجقة إلى تولية أمير الأمراء.
ومن يتدبر تاريخ منصب الوزارة في الدولة العباسية، يتبين له أنها كانت من جملة أسباب انحلال هذه الدولة، لأن الخلفاء سلموا مقاليد الحكومة إلى وزرائها وتقاعدوا عن أمور السياسة، فأصبحوا بتوالي الأجيال عاجزين عنها.
وأما الدول الأخرى، فالدولة الفاطمية بمصر أول وزرائها يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله سنة 363ه، والدولة الأموية في الأندلس كانت الوزارة فيها كما كانت في أيام أمويي الشام: كانت مشتركة في جماعة يعينهم الخليفة للإعانة والمشاورة، ويخصهم بالمجالسة ويختار منهم شخصا لمكان النائب المعروف بالوزير في دولة بني العباس، فيسميه الحاجب ثم سمي الوزير، وكانت هذه الرتبة عندهم كالمتوارثة في البيوت المعلومة، كما كان شأن البرامكة في بغداد. (3) وزارة التفويض
كانت الوزارة وزارتين: وزارة تفويض ووزارة تنفيذ مثل إمارة الأعمال، فوزارة التفويض أن يستوزر الخليفة رجلا يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده، فيتولى الوزير كل شيء يمضيه عن الخليفة إلا ثلاثة أشياء: (1)
Unknown page