Tarikh Qarsana
تاريخ القرصنة في العالم
Genres
خلاصة القول: إنه حتى في مجال القرصنة الجوية التي استقر مفهومها على مدى عصور طويلة من الممارسة، فإن الدول ما تزال تجد مصاعب قانونية محددة عند اصطدامها بهذه الجريمة. إن حكومة أية دولة لها الحق في وصف أي تمرد يقوم به طاقم إحدى السفن على سلطتها، أو استيلاء أعدائها السياسيين على سفينة من سفنها عملا من أعمال القرصنة. تستخدم الدولة هنا حقها الأكيد في ملاحقة هذه الأعمال استنادا إلى قوانينها الداخلية، على أن دولا أخرى ليست ملزمة بالضرورة أن تقاسم تلك الدول وجهة نظرها، ويمكنها أن ترفض ملاحقة المتهمين.
في الفترة من السادس عشر إلى التاسع عشر من ديسمبر 1969م عقد في واشنطن مؤتمر دولي لبحث مشكلة اختطاف الطائرات، اشتركت فيه اثنتا عشرة دولة هي: أستراليا، والبرازيل، وبريطانيا، والدنمارك، وإيطاليا، وكندا، وهولندا، والنرويج، والسويد، وفرنسا، وألمانيا الاتحادية، واليابان. وجميعها أعضاء في المنظمة الدولية للطيران المدني، لم يقتصر الاهتمام بمشكلات اختطاف الطائرات المدنية على المنظمات الحكومية، وإنما تعداه ليشمل منظمات أخرى غير حكومية، كان على رأسها الهيئة الدولية للنقل الدولي المعروفة باسم إياتا
IATA
والاتحاد الدولي للطيارين المدنيين.
في منتصف شهر مارس عام 1970م عقد في جنيف - بمبادرة من الهيئة الدولية للنقل الدولي، التي تضم ثلاثا ومائة شركة طيران - مؤتمرا دوليا لبحث مسألة وقف اختطاف الطائرات، وقد جرت أعمال المؤتمر في سرية تامة، ولم تنشر قراراته. فيما يتعلق بأعمال المؤتمر أصبح من المعروف أنه على مدى العامين الأخيرين قبل انعقاده، وقعت ما يزيد عن مائة طائرة من خمس وعشرين دولة ضحية للقراصنة. بناء على ذلك أسست الهيئة الدولية للنقل الدولي لجنة خاصة لبحث قضايا اختطاف الطائرات، وكلت إليها مهمة إعداد توصيات بهذا الصدد وتقديم تصورها للهيئة، وقد بادرت الإياتا برصد جوائز تمنح للذين يساعدون في كشف قراصنة الجو، وتأمين الجو وتأمين الطائرات منهم، وشرع في استخدام الأجهزة المغناطيسية للكشف عن القنابل والأسلحة في ملابس وأمتعة المسافرين، وذلك في إطار أعمال مقاومة القرصنة.
أما مندوب الإياتا في المؤتمر، فقد أعلن أن التوصيات التي أعدتها الهيئة تستهدف التقليل إلى أقصى حد ممكن من مخاطر اختطاف الطائرات، دون أن تخلق مزيدا من المتاعب أمام الرحلات العادية، وكانت الإياتا قد وجهت فيما سبق توصيات لبعض الدول وشركات الطيران والمطارات، ولكنها كانت تحمل طابعا استشاريا فقط. وقد ارتأى المشروع التمهيدي للمعاهدة ضرورة معاملة الأشخاص المهتمين باختطاف الطائرات باعتبارهم مجرمين عاديين، بغض النظر عن الأسباب التي دفعتهم لارتكاب جريمتهم، أما الاتحاد الدولي للطيارين المدنيين فقد قدم إلى المؤتمر الذي انعقد في لندن في شهر ديسمبر عام 1969م اقتراحا بمعاقبة المتهمين بخطف الطائرات بعقوبات مشددة، تصل إلى الإعدام.
وقد أكدت صحيفة «كريستان ساينس مونيتور» الأمريكية في عددها الصادر في السابع من نوفمبر عام 1969م أن «أعضاء الوفود لدى الأمم المتحدة يدركون جيدا أنهم ليس بمقدورهم إعداد نظام ملائم للعقوبات، طالما أن المنظمة غير قادرة على تطبيقه. إن الحكومات وحدها هي التي تستطيع إدخال هذه العقوبات ضمن تشريعاتها».
على الرغم من أن هذا الحكم لا يحمل قدرا كبيرا من التفاؤل، فإنه من المثير للاهتمام أن نشير إلى بعض التدابير العملية، التي لجأت إليها إثيوبيا في نضالها الناجح ضد اختطاف الطائرات، ففي مايو عام 1969م تعرضت خمس طائرات تابعة لشركة الخطوط الإثيوبية لهجوم من قراصنة الجو، وقد أصيبت طائرتان نفاثتان تابعتان لهذه الشركة بأضرار بالغة على يد الإرهابيين في مطاري: فرانكفورت في شهر مارس، وكراتشي في شهر يوليو. واستطاع القراصنة اختطاف طائرتين أخريين من إثيوبيا، الأولى في شهر أغسطس، وتم توجيهها إلى الخرطوم، والثانية في شهر سبتمبر وتم توجيهها إلى عدن.
بعد هذه الحوادث حرصت السلطات الإثيوبية على دفع أفراد من رجال الأمن ضمن أطقم جميع طائرات الركاب، سواء على الرحلات الداخلية أو الخارجية، وقد أثبتت هذه التدابير فعاليتها عند تطبيقها. في الثاني عشر من ديسمبر عام 1969م دفع قرصانان حياتهما على محاولتهما السابعة عشرة لاختطاف طائرة، مسجلين بذلك سابقة فريدة من نوعها في تاريخ «القرصنة الجوية» القصير نسبيا، عندما سقطا ضحية أعمالهما الإجرامية. وقعت هذه الدراما على متن الطائرة الإثيوبية النفاثة من طراز «بوينج-707» العاملة على خط مدريد- روما، أسمرة-أديس أبابا. بدأت محاولة الاختطاف بالقرب من شواطئ إسبانيا، على ارتفاع حوالي عشرة آلاف متر. كان عدد المسافرين على الطائرة خمسة ومائتي راكب واثنين من الطيارين، وطاقم يبلغ عدده تسعة أفراد، بالإضافة إلى ثلاثة من رجال الأمن الإثيوبيين.
في البداية سارت الرحلة سيرا طبيعيا، ثم بغتة قفز أحد الركاب من مقعده حاملا مسدسه في يده متوجها ناحية غرفة الطيارين، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى بابها؛ إذ اندفع نحوه رجل الأمن، وانتزع منه مسدسه، وقتله برصاصتين من مسافة قريبة. في اللحظة نفسها تم انتزاع سلاح المهاجم الثاني - الذي هرع لنجدة زميله - وقتل بدوره على يد رجل الأمن الثاني. أثار إطلاق النار ذعر المسافرين - الذين ارتموا على أرضية الطائرة - ثم ما لبثوا أن استردوا هدوءهم، وعادوا إلى مقاعدهم، وقد قدمت المضيفات الشمبانيا لجميع الركاب لمساعدتهم على الشعور بالاطمئنان بعد ما عانوه من قلق واضطراب.
Unknown page