Tarikh Napoleon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Genres
كانت الفئة المفكرة في فرنسا تأخذ على نابوليون احتكاره للحرية الأدبية؛ إذ إنه خنق حرية الكلام في المجتمعات والصحف وعلى المنابر حتى قال عنه بعض رجال السياسة الأحرار: إنه كدر ضياء مشعله في الحياة وأثقل إكليله المفعم بالمجد بشبح الجلاد الظالم.
1
إننا وإن كنا معجبين بالقائد الأعظم الذي ملك أعنة الأمم بحبه كما ملكها بسيفه، إلا أننا نقف وقفة الدهشة والاستغراب أمام ذلك الضعف الذي أظهره بكم فم رجال القلم والمنبر. إننا نحترم فوق كل شيء حق الصحافة التي هي أولى السلطات المهذبة، وسلطانة الوقت الحاضر الحقيقية، والممثلة الخالدة للحكمة العلياء؛ فإنها إنما هي التي دارجت القنصل بونابرت في بدء حياته العسكرية، وهي هي التي أكملت الدفاع عن الثورة الكبرى.
عندما وضع نابوليون يده على زمام السلطة في فرنسا، بدأت الصحافة تشعر بتعب شديد، وأخذت تتلاشى رويدا رويدا بعد جهاد عشر سنوات! ثم استحالت إلى أداة في يد كثير من الأحزاب وشرعت تخدم الحكم المطلق حتى أتمت المقت والاحتقار حول الثورة التي عرفت في الماضي كيف تعززها وتجعلها محترمة.
كان السيد ده شاتوبريان قد انتخب خلفا لشينيه في المجمع العلمي الفرنسي، وكانت العادة، كما هي اليوم، أن يطري الخلف السلف؛ فحاول شاتوبريان أن يحرر نفسه من نير التقاليد، ولم يخش أن يتخذ دورا ثوريا في قلب المجمع العلمي، فيتكلم ضد الثورة الفرنسية وينزل باللائمة على الشاعر الوطني شينيه الذي أعطى فرنسا «نشيد الرحيل». إلا أن خطابه هذا لم ينج من المراقبة ومنع، ولما علم به نابوليون طلب في الحال أن يطلع عليه بنفسه، ثم إنه عندما رأى بأية كبرياء وأي عنف حاول مؤلف «أتالا»، الذي لم يكن بعد قد بلغ أوج عظمته، أن يتحيف من الحاضر ويطري الماضي غضب غضبا شديدا، وفاجأ شاتوبريان في حلقة من القوم وقال له: «أهو أنت الذي نهى بطعن كهذا؟ منذ كم يجيز المجمع العلمي لنفسه أن يكون جمعية سياسية؟ ألا فلينظم أشعارا وليبحث في أغلاط اللغة، ولا يخرج عن دائرة الفنون أو أعرف كيف أعيده إليها. أكان للسيد شاتوبريان سوء طوية أم كان مختل الشعور، فعلى الحالين لا ينجو من عقوبات أليمة! إنني أعتبرك مجرما؛ إذ إنك لترمي إلى إقلاق الراحة والتشويش والفوضى والمذابح ... أقتلة نحن أم ماذا؟ وهل أنا مختلس؟ إنني لم أسقط أحدا عن عرشه، فلقد رفعت التاج من الحمأ ووضعه الشعب على رأسي! فلنحترم مشيئة الشعب!
إن بحث المسائل الحديثة وتحليلها في الظروف الحاضرة إنما هما خلق مشاكل جديدة وإيجاد عداوة تقف في سبيل الراحة العمومية. ماذا؟ وهل ضاعت جهودي وثمار اهتمامي وعنايتي؟ فماذا يحل بكم إذن إذا دارت الدائرة غدا وفقدتموني؟ إنكم لتذبحون بعضكم بعضا وتصبح الفوضى شرا مما كانت عليه في الماضي! مسكينة أنت يا فرنسا! كم أنت بحاجة بعد إلى وصي!»
في التاسع عشر من شهر آذار عام 1811 بدأت الإمبراطورة ماري لويز تشعر بأوجاع الولادة، فخيف بادئ ذي بدء من نفاس خطر، وسأل ديبوس الشهير، الذي رأى أنه لا بد من عملية جراحية صعبة، ماذا يجب أن يعمل إذا اضطر إلى الوقوف أمام إنقاذ الأم أو إنقاذ الولد؟ فأجاب الإمبراطور بحدة: «لا تهتم بسوى الأم!» إذ إن ميول الرجل كانت قد انتصرت في قلبه على مصالح الأمير في تلك الساعة العصيبة. في اليوم العشرين منه، الساعة التاسعة صباحا، زال قلق نابوليون وتحققت آماله لأن ماري لويز وضعت ولدا ذكرا أخذه الإمبراطور بين ذراعيه في الحال وأراه إلى ضباط قصره صارخا في سكرة من سكرات الفرح: «هذا ملك روما!»
وقصف دوي المدفع في العاصمة معلنا عن الحادث السعيد الذي حقق أمنيات الإمبراطور، ثم جرت احتفالات وأعياد في جميع أنحاء فرنسا وأنحاء المدن التي استولى عليها الجيش الفرنسي كنابولي وميلان وسواهما. وفي التاسع من شهر حزيران احتفل بعماد ملك روما، في كاتدرائية نوتردام، فخفت باريس بأسرها إلى ملاقاة الإمبراطور؛ لأن الشعب أراد أن يتصفح بنفسه على جبين بطله المشرق غبطة الأب في الإمبراطور، وأن يظهر له تعلقه به وحبه إياه. وكانت الشمس جميلة والسماء صافية الأديم؛ ما جعل القوم المتحمس يقول: «إن السماء لتخدمه في كل حين!» كان عماد الولد على يد الكردينال فيش، فأعطي أسماء نابوليون: فرانسوا - شارل - جوزيف. قال السيد ده بوريين: «لقد حيا الحماس العمومي مجيء ملك روما إلى العالم؛ فما من ولد أبصر النور محاطا بمثل هذا الإكليل الباهر من المجد!»
كان البابا في سافون كما تقدم، وكان دائما مصرا على عزمه الأول، فرأى الإمبراطور أنه قريب الجوار إلى روما أو معرض لإنقاذ الإنكليز إياه، فأمر بنقله إلى فونتينبلو. إلا أن نابوليون، مع قساوته لبيوس السابع، لم يكن لينسى ما عليه من واجب الاعتناء بأسيره العظيم فأرسل إليه دينون ليخفف عنه أثقال المنفى؛ وما هي إلا بعض أيام حتى أخذ بيوس السابع يشعر بحبه واحترامه للعالم دينون، لما عرف فيه من سعة الاطلاع وحلو الحديث، فكان يطرح عليه من وقت إلى آخر أسئلة تتعلق بحملة مصر ورغب أن يطلع على الكتاب الذي ألفه عن آثار هذه البلاد. أما دينون، الذي كان يتذكر أن كتابه يحتوي على بعض صفحات أرثوذكسية لا تتفق ومبدأ الكتاب المقدس في ما يتعلق بعمر العالم، فقد خشي بادئ ذي بدء أن يجرح قداسته ما في الكتاب من المسائل العلمية التي تخالف سفر التكوين، إلا أن البابا لم يقف عند هذا التباين بين النظرية العلمية والمبدأ الموحى، ولما تبين له أن دينون يجتهد في إخفائه عنه أخذ يطمئنه بقوله: «لا فرق عندي يا بني، فكل هذا غريب مدهش؛ والحق أقول لك إنني كنت أجهل ذلك.» عند هذا أطلعه العالم الفرنسي أن قداسته قد حرمت في ذلك الوقت الكتاب الذي يمدحه وحرمت مؤلفه معه. فقال له البابا: «محروم أنت يا بني؟ حرمتك؟ إنني لشديد الأسف على ذلك، ولكنني أؤكد لك إني لم أشك في ذلك قط.»
في تلك الأثناء كانت الحرب مشتعلة في قلب إسبانيا بين الجيش الفرنسي والجيش الإنكلوإسباني، وكان المرشال سول القائد العام للجيش الفرنسي، فنادى إليه فيكتور ومورتيه وسبستياني ومشى توا إلى العدو فدحره حتى أوكانيا حيث تلاشى الجيش الإسباني عام 1809؛ وكان الوقت قد حان لإلقاء الضربة القاضية على التمرد الإسباني والوساطة الإنكليزية، فجرد الإمبراطور ثلاثمائة ألف جندي جعلهم تحت قيادة الملك جوزيف. إلا أن الذي زحف بهم إنما كان بالحقيقة القائد العام المرشال سول، الذي بالرغم من المقاومة الشديدة التي قام بها الإسبانيون، تمكن من الاستيلاء على غرناطة، وسفيل، وملاغه، ومورسي، وأوليفنزا، وباداجوز.
Unknown page