Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
ولقد ظل الأطباء (بعيدا عن هؤلاء التابعين للوحدة الوقائية) المتورطون في هذا العمل المميت - ضد أخلاقهم - متأثرين بالأساتذة العلماء (والأطباء) الذين شرعوا «علميا» الموت الرحيم «للفاسدين». بالإضافة إلى حالة الرعب والإرهاب التي كانت تمارس ضدهم، كان التهديد الحقيقي بالموت، أو على الأقل النقل إلى معسكر اعتقال، يخيم دائما على الأطباء والممرضين العاملين - أحيانا دون تفكير - في برامج الموت الرحيم.
ولكن ظهرت بعض المقاومة لبرنامج (تي4) من قبل بعض الأطباء النفسيين والممرضات في المؤسسات العلاجية التي تديرها الراهبات - كجزء من الشعب - بعد أن أبلغتها السلطات الكنسية وعائلات «المرضى الذين خضعوا للبرنامج». كان هذا الرفض الشعبي هو الذي قاد هتلر إلى التخلي رسميا عن البرنامج في أغسطس 1941. كان مركز هادامار للموت الرحيم - المصحة النفسية سابقا - قد احتفل للتو - في احتفال صاخب مليء بالخمور (كانت الكحوليات تقدم بوفرة للعاملين في مراكز الموت الرحيم) - بالمريض رقم عشرة آلاف المقتول بالغاز، وقد عرضت جثته عارية ومزينة بالورود أمام فرن الحرق.
30
دمرت غرف الغاز أو جرى تفكيكها لإرسالها للمناطق الشرقية. وليس من قبيل المصادفة أن يطبق برنامج جديد للموت الرحيم يدعى (14إف13) ابتداء من ربيع عام 1941 على المعتقلين غير القادرين على العمل في المعسكرات، تمهيدا «للتصفية النهائية لليهود» (مؤتمر وانسي، العشرين من يناير 1942). وبالفعل، جرى إعدام سبعين ألف مريض عقليا. ولم يمنع هذا الأمر البرنامج من الاستمرار عن طريق ما أسماه النازيون أنفسهم ب «الموت الرحيم الوحشي»، تاركين المبادرة للقائمين على تنفيذه. وبدلا من الخنق بالغاز، كان يحرم المرضى من أي عناية أو تدفئة وبشكل خاص من الغذاء. ويعد الحرمان من الطعام - إذا جرى تنظيمه على نحو علمي - قاتلا في غضون ثلاثة أشهر. كان يسمى «النظام الغذائي ب». وحتى نهاية الحرب، مات أكثر من ثلاثين ألف مريض عقليا، إلى جانب هؤلاء الذين تتم «تصفيتهم» أولا بأول مع زحف ألمانيا ناحية الشرق.
كانت حالة فرنسا تحت الاحتلال الألماني مختلفة تماما. في هذه المرحلة من الحرب، لم يكن مصير مرضى الاعتلال العقلي في فرنسا يهم النازيين. وعندما نقل مائة مريض عقليا من مصحات منطقة ألزاس العقلية إلى مركز إبادة هادامار في نهاية عام 1943
31 (مما يدل على استمرار برنامج تي4)، كان هذا لأن منطقة ألزاس كانت خاضعة لحكم الرايخ الألماني. أما حكومة فيشي، فلم تكن تعنيها على الإطلاق مسألة مرضى الاعتلال العقلي مثل الحكومات السابقة، فلم تهتم حتى بوضع جنحة للعدوى بالزهري، وهي القضية التي شغلت الطب الفرنسي كله في فترة ما بين الحربين، الذي طالب بإصرار بتطبيق إجراءات عنيفة ضد «وباء الزهري». وكان القانون الوحيد ذو الصلة بتحسين النسل الذي أصدرته حكومة فيشي (ظل ساريا حتى نهاية عام 2007) هو الفحص الإجباري قبل الزواج، وإن لم يكن في سلطة الطبيب بأي حال أن يعترض على الزواج.
ويبقى أنه - أثناء الاحتلال - على الرغم من انخفاض نسبة الاحتجاز (ربما بسبب انخفاض معدلات إدمان الخمور)، شهدت معدلات الوفيات قفزة ضخمة مقارنة بنسبة الوفيات المرتفعة بشكل عام. فبلغت نسبة الوفيات في إقليم السين - 1,27٪ عام 1937 - حوالي 1,68٪ عام 1941. وكان الأكثر ضعفا هم المتأثرين بها: الأطفال والمسنين. فازدادت نسبة الوفيات بينهم إلى 25٪.
32
ولوحظ هذا الارتفاع في معدلات الوفيات أيضا في المناطق المحتلة في فرنسا، بل وأيضا في بلجيكا ويوغوسلافيا واليونان.
33
Unknown page