187

Tarikh Junun

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

في «بيان السريالية» الأول (1924)، يعرف بروتون المصطلح: «حركة لاإرادية نفسية بحتة، نستخدمها للتعبير [...] عن العمل الحقيقي للفكر. فالفكر هو من ينظمها، في غياب أي سيطرة من العقل، وخارج أي اهتمامات جمالية أو أخلاقية.» في عام 1925، كتب روبرت ديزنوس - الذي انضم إلى مجموعة السرياليين - في مجلة «الثورة السريالية» - التي تأسست عام 1924 - مقالا يهاجم فيه بقسوة الأطباء النفسيين: «أيها السادة، أعطتكم قوانين العادة الحق في قياس العقل [...] دعونا نضحك [...] نحن لا نهدف هنا إلى مناقشة قيمة علمكم، أو الوجود المشكوك فيه للأمراض العقلية. ولكن من بين مئات الأمراض المدعاة التي تضطرب فيها المادة والفكر، ومن بين مئات التصنيفات التي لا يزال مستخدما أكثرها غموضا، كم هو عدد المحاولات النبيلة التي قمتم بها للاقتراب من عالم المرضى الذين تعتبرونهم سجناء؟ [...] نحن نحتج على الحق المعطى لبعض البشر - سواء كانوا محدودي الفكر أم لا - في عقاب آخرين بالحبس المؤبد بناء على أبحاثهم في مجال التفكير. وأي حبس! ونعلم - ليس بالقدر الكافي - أن مصحات الأمراض العقلية - قبل أن تكون مصحات - إنما هي سجون مخيفة. نحن لا نقبل أن يعيق أحد التطور الحر لأي هذيان شرعي ومنطقي مثله مثل أي سلسلة من الأفكار أو الأفعال البشرية [...] فالمجانين هم ضحايا فردية للديكتاتورية الاجتماعية [...] أتستطيع سيادتك أن تتذكر صباح غد وقت الزيارة متى ستقرر أن تتحاور مع هؤلاء الرجال الذين لا تمتاز عنهم بشيء إلا السلطة؟ ولنعترف بذلك.»

ويضيف بروتون: «في رأيي، كل حالات الاحتجاز تعسفية [...] أعلم أنه إذا كنت مجنونا ومحتجزا منذ عدة أيام، فسأنتهز أي فرصة هدوء لأقتل بدم بارد أي شخص - يقع بين يدي وخاصة الطبيب. على الأقل، سأفوز بالحصول على غرفة منفصلة خاصة بي مثل المرضى المصابين بالهياج.» استشاط أطباء الأمراض العقلية غضبا. ويشبه بيير جانيه الأدب السريالي ب «اعترافات أناس مصابين بالهوس.» ويجيب بروتون: «نحن نشرف لكوننا أول من قرر الترفع عما لا يحتمل؛ ورفض الاستغلال المتنامي لبعض الأشخاص لسلطتهم، هؤلاء الأشخاص نراهم أقرب للسجانين منهم إلى الأطباء» (الطب العقلي في مواجهة السريالية). وفيما يخص مصحة الأمراض العقلية نفسها، كتب بروتون في «نادجا»: «ليس هناك داع لدخول مصحة للأمراض العقلية للتأكد من أنه ليس سوى مصنع للمجانين، كما أن الإصلاحيات هي مصانع للسارقين.» ومن جانبه، كتب أنطوان أرتو - الذي انضم لفترة إلى المجموعة السريالية: «لأن المجنون ليس سوى رجل رفض المجتمع أن يستمع إليه، بل وأراد أن يمنعه من البوح بحقائق لا تحتمل.» في عام 1928 - عام ظهور رواية «نادجا » - احتفل السرياليون بحماس بالعام الخمسين لاكتشاف الهستيريا «أكبر اكتشاف شعري في نهاية القرن التاسع عشر.» «فالهستيريا ليست ظاهرة طبية، ويمكن - بجميع الأحوال - اعتبارها وسيلة سامية للتعبير» (أراجون وبروتون - «الثورة السريالية» - الخامس عشر من مارس 1928).

وفي المقابل، أظهر السرياليون اهتماما واسعا بالتحليل النفسي، متخذين موقفا مزدوجا تجاه فرويد، الذي كان يحاول في البداية بأدب، ثم بطريقة جذرية، أن يبتعد عنهم. «وفقا لفرويد، الحلم يتنبأ بالماضي، وليس بالمستقبل.»

4 «فن الأمراض النفسية» ومجانين الأدب

بدا في هذا العصر وكأن الجنون لا بد من أن يخرج من عزلته كمرض عقلي. فلم يكن ينقص إلا أن يفسح له الفن مكانا صغيرا أيضا. كان الأمر يتطلب لتحقيق ذلك أن يصبح الطبيب النفسي الألماني بالمستشفى الجامعي بهايدلبرج - هانز برينزهورن (1886-1933) - مؤرخا في الوقت ذاته لحركة الفن. منذ زمن طويل، ومرضى الاعتلال العقلي يرسمون ويلونون، إلا أن برينزهورن شعر بانجذاب في الفترة من 1919 إلى 1921 لهذا الموضوع، وجمع ما يقرب من خمسة آلاف «تعبير عن الحالة النفسية المرضية»، ونشرها عام 1922 في عمل مليء بالرسومات أسماه (تعبيرات الجنون).

5

كانت تلك إحدى أوائل المحاولات - إن لم تكن الأولى بالفعل - لاستكشاف الحدود بين الفن والطب النفسي، وبين الجنون والتعبير الإبداعي. ولقد عرضت مجموعة برينزهورن في المعرض المفتوح بميونخ عام 1937 على يد النازيين كدليل على الفن المنحط، على النقيض مما يسمى «الفن»؛ «أي الفن الألماني ذا القيمة الخالدة.» تحمس الكثير من الفنانين لهذا الأمر أيضا: بول كيلي وماكس إرنست، وعلى طريقهم مضى باقي السرياليين. بالنسبة إلى بعض المرضى المحتجزين، كان يمكن أن يطلق على رسوماتهم أعمال حقيقية. كانت تلك هي حالة أدولف ولفي، المحتجز منذ عام 1895 بمصحة والدو للأمراض العقلية بالقرب من بيرن. بدأ راعي الماعز والمزارع هذا الرسم منذ 1899 دون أن يتلقى أي تدريب، وظل يرسم حتى موته في المصحة عام 1930، تاركا إرثا مكونا من خمسة وعشرين ألف صفحة هي سيرة ذاتية وهمية (سيرة حياة القديس أدولف)، مصحوبة بألف وستمائة رسمة ملونة وألف وخمسمائة صورة، تعد الآن مصدر فخر لمتحف الفنون الجميلة ببيرن . كان طبيبه النفسي - الطبيب والتر مورجنتهالر - هو الذي قام بالتعريف لأعماله عام 1921.

ومن فرط تأثره بالعمل الرائد لمجموعة برينزهورن، رأى فيه جان ديبوفيه «تصويرا فوريا ومباشرا لما يدور في أعماق البشر.» ولكنه رفض مصطلح الفن النفسي (فلا يوجد فن للأمراض النفسية، كما لا يوجد فن خاص بمرضى عسر الهضم أو آلام الركبة)، وأنشأ عام 1945 مصطلح «الفن الخام» (الفن الخارجي كما يسميه الأنجلوساكسونيون). وهو يختلف عن الفن الساذج أو الفن الأولي (اللذين يتغيران وفقا للمجتمع)، فهو بالنسبة إلى ديبوفيه تعبيرات «كاملة عن ثقافة فنية»، بعيدة تماما عن «الاحترافية في الفن»، ولا تقتصر فقط على مرضى الاعتلال العقلي. فعلى حد قوله، لا يوجد فن للجنون، وإنما يوجد مجانين في الفن. أما عن الجنون لدى الفنان، فهذا أمر آخر: «لا تنخدعوا بهذا الأمر، فالمجنون في هذا المجال شيء مختلف، وإلا لما أتى الفنان بجديد» (جان كوكتو). ولقد كون ديبوفيه - بعد أن زار مصحات فرنسا وسويسرا، مضيفا إليها ابتكارات منفردة - مجموعة متفردة على مستوى العالم من الإبداعات، توجد حاليا في لوزان (مجموعة الفن الخام).

وبعيدا عن استثماره في الفن، لم يكن التعبير النفسي بالرسم ليختفي، وظل تحت أعين الطبيب النفسي، الذي ربما يجد فيه رابطة للتواصل مع مريضه أو وسيلة لفك شفرة هذيانه. في عام 1950، أثناء انعقاد المؤتمر العالمي الأول للطب النفسي، نظم معرض «للفن النفسي» (ظل المصطلح كما هو) بمصحة سانت آن بمشاركة ما لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين «مريضا من العارضين».

الأمر يختلف عن العلاج بالفن - الذي يشهد طفرة هذه الأيام - وكان قد ظهر في بعض المصحات لعلاج الأمراض النفسية في النصف الثاني من القرن العشرين. فالعلاج بالفن هو وسيلة للعلاج النفسي عن طريق الفنون، وأحيانا ما كان يضاف إليها الموسيقى والرقص والمسرح. وانقسمت الآراء حول هذه الطريقة - مثلما انقسمت حول طرق أخرى جديدة أو مطورة من طرق قديمة - وكانت النتائج معتدلة. يمكن اعتبارها أيضا طريقة لتحديد بعض التشخيصات، فكل عائلة من الأمراض العقلية يكون لها «أسلوبها» الخاص. في عام 1956، نشر روبرت فولما - بعد معرض سانت آن عام 1950 - فهرسا حقيقيا لهذه اللوحات. وفي عام 1963، أنشأ المركز الدولي لتوثيق الفنون، الذي أصبح لاحقا مركز دراسة طرق التعبير. على إثر إنشاء الجمعية الدولية للأمراض النفسية التعبيرية عام 1959، أنشئت جمعية فرنسية تحمل نفس الاسم عام 1964. وتهدف الجمعيتان إلى «تكوين علاقات بين مختلف المتخصصين المهتمين بدراسة العلاقة بين التعبير والإبداع والفن وبين الأبحاث في الطب النفسي وعلم الاجتماع وعلم النفس والتحليل النفسي التي حاليا تشهد تطورا على مستوى العالم.» (واليوم أصبحت هذه الجمعية تسمى: «الجمعية الفرنسية للأمراض النفسية التعبيرية وطرق العلاج بالفن».)

Unknown page