Tarikh Falasifat Islam
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Genres
واستشهد على ذلك بإسكندر السادس، لأنه لم يفعل في حياته سوى خداع الرجال. قال مكيافيلي: «فلم يكن مثله رجلا قادرا على تأكيد الأقوال وتثبيتها والوعد بالإنجاز، ولم يكن كذلك أحد مثله أقل وفاء بما وعد به، ومع ذلك فإنه فاز على الدوام في خداعه لأنه عرف طبيعة البشر، فليس من الضروري للأمير أن يتصف حقيقة بكل الفضائل التي سبق الكلام عليها، ولكن من الضروري أن يذاع عنه الاتصاف بها. وإنني أجسر فأقول إن الاتصاف بكل تلك الفضائل خطر، ولكن الظهور بالتحلي بها نافع. من الخير لك أن تظهر بالتقوى والأمانة وحب الإنسانية والدين والإخلاص، وأن تكون في الواقع كذلك، ولكن ينبغي أن تكون متنبها بحيث إذا اضطررت للتحول إلى الصفات الأخرى كان ذلك بدون مشقة.»
هذا أهم ما يراه مكيافيلي وسيلة لتأييد سلطة الأمراء، أما ابن خلدون فيخالفه أو هو يناقضه في أكثر المواضع:
يرى ابن خلدون أن إرهاف الحد مضر بالملك مفسد له، وأنه إنما يملك الأمير الرعية بالرفق واللين، فأشار بحسن الملكة والابتعاد عن العسف، وهذا قوله: «إن حسن الملكة تقوم بالرفق؛ فإن الملك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة، فتخلقوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم، وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات، ففسدت الحماية بفساد النيات، وربما أجمعوا على قتله لذلك؛ فتفسد الدولة ويخرب السياج. وإن دام أمره عليهم وقهره فسدت العصبية لما قلناه أولا، وفسد السياج من أصله بالعجز عن الحماية. وإذا كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به وأشربوا محبته واستماتوا دونه في محاربة أعدائه، فاستقام الأمر من كل جانب. وأما توابع حسن الملكة فهي النعمة عليهم والمدافعة عنهم، فالمدافعة بها تتم حقيقة الملك، وأما النعمة عليهم والإحسان لهم فمن جملة الرفق بهم والنظر لهم في معاشهم، وهي أصل كبير في التحبب إلى الرعية.»
ويرى ابن خلدون أن من علامات الملك التنافس في الخلال الحميدة قال: «إن خلال الخير هي التي تناسب السياسة والملك؛ لأن المجد له أصل ينبني عليه وتتحقق به حقيقته وهو العصبية والعشير، وفرع يتم وجوده ويكمله وهو الخلال، وإذا كان الملك غاية للعصبية فهو غاية لفروعها ومتمماتها وهي الخلال؛ لأن وجوده دون متمماته كوجود شخص مقطوع الأعضاء أو ظهوره عريانا بين الناس. وإذا كان وجود العصبية فقط من غير انتحال الخلال الحميدة نقصا في أهل البيوت والأحساب، فما ظنك بأهل الملك الذي هو غاية لكل مجد ونهاية لكل حسب؟ وأيضا فالسياسة والملك هي كفالة للخلق وخلافة لله في العباد لتنفيذ أحكامه فيهم، وأحكام الله في خلقه وعباده إنما هي بالخير ومراعاة المصالح.»
ولولا ضيق المقام لأتينا بأمثلة أخرى، على أن في كتاب الأمير كثيرا من القواعد الاجتماعية الصحيحة مثل: بحثه في الإمارات المختلطة، وكيف ينبغي للأمير أن يفعل لتمكين سلطته فيها. فإنه قرر قواعد يحكم العقل بصحتها حالا، ويرى أمثلة منها تحدث كل يوم. وأحكامه في الولايات التي امتلكت بقوة الجيش، وآراؤه في الإمارة المدنية، فإن فيها فوائد هامة وغير ذلك.
ونغتفر له بعض سقطاته متى علمنا الوسط الذي كتب فيه كتابه، وإنما أردنا المقابلة بين الرجلين لتشابهما فيما كتباه. (4) إيضاح ابن خلدون بنبذ من أسلوبه (رأيه في الفلسفة)
لمن ندخل ابن خلدون في زمرة فلاسفة الإسلام بوصف كونه فيلسوفا عقليا، فإنه لم يكن كذلك، ولكننا حذونا حذو مؤرخي الإفرنج الذين اعتبروه من أهل العبقرية في علوم الاجتماع والاقتصاد وفلسفة التاريخ، ولأنه يكمل سلسلة الفلاسفة الذين بدءوا بالكندي وانتهوا بابن رشد.
على أن ابن خلدون لم يكن بعيدا عن الفلسفة بل إنه ضرب فيها بسهم وأدرك أوائلها، ثم أعرض عنها بسبب مزاجه واتجاه عقله إلى المباحث الاجتماعية العملية، فنظر في العالم نظر الفيلسوف في النظريات، وطبق على العمران والمدنية قواعد البحث العقلي، ولما أطلق وصف المقدمة على الكتاب الأول من تاريخه النفيس كان في ذلك متواضعا، وإلا فإنه يستحق أن يوصف بحق بفلسفة التاريخ.
وإليك نبذة تعرض فيها ابن خلدون للفلسفة ووصفها بأنها فصل «في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها»، وفيها دلالة على أسلوبه وطريقة تفكيره قال:
إن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير، فوجب أن يصدع بشأنها، ويكشف عن المعتقد الحق فيها. وذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي، تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية، وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل، وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف، وهو باللسان اليوناني محب الحكمة، فبحثوا عن ذلك وشمروا له، وحوموا على إصابة الغرض منه، ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق.
Unknown page