Tarikh Cilm Adab
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Genres
ففيما ذكر من مؤلفات فيكتور هوكو كفاية لمعرفة ماهيتها ولا حاجة لذكر بقيتها.
هوامش
الخاتمة
لا ريب في أن فيكتور هوكو من أكابر الشعراء الذين نبغوا في العالم الإنساني كله في قديم الزمان وحديثه، وهو عند الفرنساويين شيخ الطريقة الرومانية، والشعر الغرامي المعروف باسم «ليريك»، كما أنه من فحول القصاصين ومؤلفي الروايات التمثيلية المشهورة باسم «درام».
غير أن الطريقة الرومانية التي كان لها المقام الأول في صناعة الأدب سقطت بظهور الطريقة الحقيقية التي أمامها إميل زولا.
وروايات فيكتور هوكو التمثيلية لم تبلغ درجة الإعجاز لا بالنظر إلى المؤلفات السابقة عليها، ولا إلى المؤلفات اللاحقة لها من هذا النوع، لعدم كشف فيكتور هوكو أسرار القلب الإنساني، وإظهار ما فيه من الإحساس الحقيقي، ومع ذلك فهو لم يزل أمام الشعر الغرامي، ومجدد أساليب النظم والنثر؛ ولذا لقبوه بأبي الشعر العصري واقتفى الشعراء أثره وسلكوا مسلكه، وكان الباعث على شهرته في العالم المتمدن كله من أوروبي وأميركي، وما يلحق بهما ثلاثة أمور: أحدها سياسي، وثانيها ديني، وثالثها علمي. نبغ فيكتور هوكو في عصر الانقلاب والتجدد وطال عمره وكثر عمله، وكان لقومه الحظ الأوفر من التقلبات السياسية والتبدلات الاجتماعية، واستوقفوا نحوهم أنظار العالم المتمدن بأسره، فكان هذا الشاعر لسان حال الأمة وترجمانها في كل انقلاب حدث فيها وتبدل طرأ عليها وغير حكومتها من ملكية مطلقة إلى جمهورية مفرطة، إلى إمبراطورية ديموقراطية، إلى ملكية مقيدة بقليل أو كثير من القيود، إلى جمهورية ثانية، إلى إمبراطورية ثانية، ثم إلى جمهورية ثالثة. فهذه التقلبات هيجت الأفكار العمومية، وكثرت الأحزاب السياسية، ودعت إلى استماع قول الشاعر الحكيم والتمثل بأشعاره في نوادي السمر الأدبية والسياسية على اختلاف الآراء وتبدل المشارب، ومتى تحدث أهل العاصمة بأمر سارت الركبان بحديثهم إلى الولايات وأطراف المملكة، ثم فشى في الممالك المجاورة، وجسمه البعد في المخيلات، فأصبح صداه في الخارج أشد من صوته في الداخل، وبعد أن استبد نابوليون الثالث بالحكم مال لأبهة الملك وعظمة السلطنة، وتفاخر بالصيت والشهرة واشتد حرصه على السمعة في البلاد الأجنبية، وانتشرت اللغة الفرنساوية على عهده في أكثر الممالك المتمدنة وصارت اللسان الرسمي المتداول بين الدول في المناسبات الديبلوماتية، وفي الاجتماعات السياسية والأدبية، وفي قصور الملوك والأمراء، وفي حفلاتهم وسهراتهم ومراقصهم، وعلى موائد ضيافتهم، وفي تحرير المراسلات والمعاهدات كما أصبحت اللسان الرسمي في نظارة الخارجية العثمانية، وفي كثير من دوائر الدولة العلية ومعاملاتها، ولم تزل إلى يومنا هذا.
فلما اقترن اسم فيكتور هوكو باسم نابوليون بسبب مدحه نابوليون الأول، وهجوه نابوليون الثالث زاد شوق الناس للاطلاع على أشعاره وقصصه في داخل فرنسا وخارجها، وراجت بضاعته في الأدب فلم يدع بابا من أبواب الشعر إلا طرقه ولا مسألة إلا بحث فيها، ثم ساعدته الظروف بالانتصار على نابوليون الثالث بعد حرب السبعين الألمانية وتشكل الجمهورية الثالثة فزاد ذلك من أهمية الشاعر، وفي انتشار شعره وبالغ رجال الجمهورية في الاحتفاء به ، والاحتفال له كاحتفال الإمبراطورية بشخص الإمبراطور.
أما السبب الثاني لشهرته فهو سهولة أشعاره ووضاحتها، وتصويرها المسائل العظيمة والأفكار الدقيقة، فأظهر بشعره فرحه وسروره بنعمة الحياة وابتهاجه بالمخلوقات، ورأى في أمنا الدنيا بقرة حلوبا تدور على أبنائها بلبن سائغ للشاربين، وتكلم على أفراح العائلة وزينة البيوت بالأولاد ولذة اجتماع الأهل على المائدة، ومحبة الوالدين وحنوهما، وحض على الإحسان للفقراء والمساكين والشفقة عليهم، وبين اعتقاده بالله الغفور الرحيم ورجاءه بتقدم نوع الإنسان في الحضارة، وبتحسن الحياة البشرية والمعيشة الإنسانية بسبب انتشار الأفكار الجديدة، وتغلب الحق رويدا رويدا على القوة، والنور على الظلمة حتى تتساوى الناس في الحقوق، ويرتفع عنهم الضغط والاستبداد، ويزول من بينهم الظلم والاستعباد، وينتشر العدل ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ...
فجميع ذلك مما يرغب الجمهور في تلاوة أشعاره، وتعليمها للأولاد ونشرها في البيوت بين النساء والبنات، بخلاف أشعار المعري التي لا يذكر فيها إلا بخل أم دفر على بنيها بالحقوق ومبادرتهم لها بالعقوق. ولا يرى بقرة فيكتور هوكو تجود إلا بسم قطيب؛ أي ممزوج بحلاوة، ومع غنى المعري وثروته لم يلتذ بالمال والبنين، ولا بشيء من زينة الحياة الدنيا وزهد في أكل اللحوم وشرب المكيفات، وعمى بصره عن مشاهدة المناظر الطبيعية والرياض النضرة، وحيث كان لفيكتور هوكو اعتقاد ثابت في الله، ورجاء كبير في حسن المستقبل، وارتقاء الإنسان إلى دار السعادة عرف وظيفة الشاعر وبين ما يترتب عليه وعلى كل عاقل مفكر في الأمر من نشر الحقائق بين قومه وأبناء لسانه، وزعم أن الشاعر ينبغي أن يكون رسولا للأمة، ونورا يسعى بين يديها ليهديها الصراط المستقيم، فكأني بالمعري يقول له:
وإخوان الفطانة في اختيال
Unknown page