Taqaddumiyya Muqaddima Qasira
الحركة التقدمية في أمريكا: مقدمة قصيرة جدا
Genres
في عام 1907 اجتاح ذعر مصرفي عات وول ستريت، وهدد بانهيار النظام المصرفي للبلاد. اضطر روزفلت، ممثلا في وزارة الخزانة، للسماح لمجموعة جيه بي مورجان (والتي ضمت يو إس ستيل) بالاستحواذ على شركة تينيسي للفحم والحديد، والتي تعد منافسا إقليميا لها، بثمن بخس، في مقابل إعادة الاستقرار إلى أكبر مصارف وول ستريت. هدأ الذعر المصرفي سريعا، لكن روزفلت الغاضب شجب «المجرمين ذوي الثروات الطائلة» في خطاب له ببروفينستاون بولاية ماساتشوستس في 20 أغسطس عام 1907. أصبحت تلك العبارة واحدة من بين العبارات الأكثر اقتباسا على لسانه، لكنها لم تجنبه الحرج فيما بعد، بعد أن ترك منصبه، عندما قاضت وزارة العدل شركة يو إس ستيل لاستيلائها على شركة تينيسي بموجب قوانين مكافحة الاحتكار.
وبحلول عام 1908، كان الرئيس قد قطع شوطا نحو اليسار من حيث توقف في ولايته الأولى أو حتى من موضعه في عام 1905. وفي الكونجرس، اضطر للتعامل مع أكثر عضوين محافظين من المنتمين إلى الحزب الجمهوري في ذلك العصر، وهما رئيس مجلس النواب جوزيف جي كانون من ولاية إلينوي والسيناتور نيلسون ألدريتش. عمل الاثنان معا على إعاقة تحركات روزفلت نحو الإصلاح التقدمي، على الرغم من أن دعم كل من كانون وألدريتش على مضض لمشروع قانون في عام 1909 لتعديل الدستور بحيث يسمح بوضع ضريبة دخل فيدرالية، بدون أي حماسة، ولكن فقط لإحباط تمريره الفوري؛ يعد مؤشرا على المسافة التي قطعتها البلاد نحو الإصلاح بالفعل. في واقع الأمر، أمل الاثنان أن التعديل الدستوري سيفشل التصديق عليه في النهاية من عدد كاف من الولايات. (لكن نجح التصديق عليه بحلول عام 1913.) كان ألدريتش قبل عشر سنوات قد استنكر تلك الفكرة باعتبارها «شيوعية»، وعارض كانون مطالب روزفلت بزيادة القوة البحرية، ومبادراته العديدة الخاصة بالحفاظ على الطبيعة، وأي حديث عن خفض الرسوم الجمركية، وتنظيم السكك الحديدية، وأي إجراء تقريبا يتخذه روزفلت من شأنه زيادة النفوذ الفيدرالي، لا سيما النفوذ التنفيذي، في اتجاه الأمور التنظيمية. كما عارض ألدريتش سن المزيد من التشريعات التنظيمية في مجال السكك الحديدية وكافة التدابير تقريبا التي اعتبرها «تعادي الشركات الكبرى.»
شكل 3-2: السيناتور نيلسون دبليو ألدريتش (ممثل الحزب الجمهوري عن رود آيلاند)، رئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ ورئيس اللجنة النقدية الوطنية: أبرز رجال الحرس القديم. رسم هذا البورتريه نحو عام 1905.
لم يعرقل ألدريتش إجراءات روزفلت على الدوام، على العكس من كانون؛ فقد يسر ألدريتش الخطا المضطربة لمشروع قانون الغذاء والدواء النقي عبر الكونجرس عام 1906، وكذلك في عام 1908، رعى قانون ألدريتش-فريلاند الذي تأسست بموجبه لجنة نقدية وطنية تهدف إلى إيجاد سبل تحول دون وقوع نكبات مستقبلية مثلما حدث في أزمة الذعر المصرفي العنيفة عام 1907. كان التقرير الذي أصدره ألدريتش ولجنته مناصرا على نحو قاطع لمؤسسات وول ستريت، إلا أن بعض عناصره أصبحت جزءا من قانون الاحتياطي الفيدرالي عام 1913.
تميزت ولاية روزفلت الثانية بصراعات متزايدة - على الرغم من أنها لم تكن بمآزق حرجة في جميع الأحوال - بين رئيس جمهوري نشط يزداد ميله نحو التقدمية يوما بعد يوم وبين الحرس القديم الدائم التعنت للحزب الجمهوري المتزعم للكونجرس. كتبت كاثلين دالتون، كاتبة السيرة الذاتية لروزفلت، تقول: «نادرا ما غاب عنه هدفه الأجرأ في منصبه كرئيس، وهو استخدام الحكومة الفيدرالية لحل المشكلات البشرية التي أفرزها العصر الصناعي، مع أنه سيضطر إلى الحياد عنه في ولايته الثانية بسبب أزمات دولية، وفي بضع مناسبات أخرى، نتيجة لأخطائه الشخصية.» وبقيامه بذلك، أصبح روزفلت تقدميا، وساهم في تحديد ما كانت تعنيه الحركة التقدمية على وجه التحديد.
استهل روزفلت رسالته السنوية الأخيرة للكونجرس، التي بعثها في 8 ديسمبر عام 1908، بطمأنة المشرعين (وغيرهم من المؤمنين ب «الحكومة الرشيدة») أن «الموقف المالي للبلاد في الوقت الحاضر ممتاز»، مع ذلك، انطلق في حديث طويل دافع فيه عن زيادة إخضاع الشركات للقوانين التنظيمية. قال روزفلت إن قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار يمكن أن يوجه دون تمييز نحو أي «اندماج». وما نحتاجه بدلا من ذلك هو إشراف على جميع الشركات، وبخاصة شركات السكك الحديدية، تتولاه لجنة التجارة بين الولايات. إن المساهمين بالشركات وشاحني البضائع (المزارعين وأصحاب المشروعات التجارية الصغيرة)، والموظفين يملكون جميعا مصالح مشروعة، ولا ينبغي أن يحصل أي منهم على «تقدير غير لائق أو غير مستحق.» ينبغي بالمثل إخضاع شركات الهاتف والتلغراف ل «سلطة لجنة التجارة بين الولايات»، ثم استعرض روزفلت موقفه من الاتحادات الاحتكارية والاحتكارات، والذي سيقوم بتنقيحه وإبرازه على نحو أوضح في السنوات الأربع التالية، التي صاغ فيها برنامجه «القومية الجديدة» للإصلاح الشامل. وعلى الرغم من أنه لم يكن بعد في عام 1908، فقد كانت فكرة الإشراف بواسطة جهة تنظيمية فيدرالية، بدل الملاحقات الخاصة التي تتولاها وزارة العدل، جلية بالفعل.
أكد روزفلت في الرسالة نفسها التي بعثها في ديسمبر عام 1908 تأكيدا شديدا على أن الدستور أعطى «على نحو تام ومطلق» حق الإشراف على التجارة بين الولايات للحكومة الفيدرالية. وهذا «لا يعد ضربا من المركزية، وإنما يعد فقط اعترافا بالحقيقة الجلية أن المركزية قد آن أوانها بالفعل. وإذا أردنا السيطرة على هذا النفوذ التجاري غير المسئول بما يصب في صالح عامة الناس ، فلا يوجد سوى طريقة واحدة لتحقيق هذا، وهي منح سلطة تحكم كافية للجهة السيادية الوحيدة القادرة على ممارسة هذه السلطة، ألا وهي الحكومة القومية.» وفي هذا الموضع كان روزفلت يتحدث على نحو تقدمي أصيل. إن الشركات الخاصة القادرة على أن تكون لها سلطة اقتصادية على عامة الناس، على نحو «غير مسئول» - أي دون تحمل مسئولية تجاه الأشخاص الذين تتحكم بهم - لا بد من تنظيم عملها من قبل ممثلين لهؤلاء الناس. ثم جاءت أكثر أقواله حدة: «هناك الكثير من الرجال المخلصين الذين يؤمنون الآن بالفردية المطلقة في عالم الأعمال، مثلما كان هناك الكثير من الأشخاص المخلصين في السابق الذين آمنوا بالعبودية.» وبهذا قلص روزفلت بدرجة كبيرة المسافة بين المعتقدات الأساسية للشعبويين قبل عقد سابق الخاصة بالجانب الآخر من البلاد من جهة، وبين نزعته المحافظة السابقة من جهة أخرى، وهذا يعني أن الحكومة هي الشعب وأن الحكومة، التي انتخبها الشعب وأصبحت مسئولة عنه، لا بد أن تشرف على الاتحادات الضخمة للشركات التي يقف أمامها المواطنون بلا حول أو قوة.
بعد ذلك دعا روزفلت إلى وضع تشريعات داعمة لصغار المزارعين، وصغار رجال الأعمال، وصغار المساهمين، وطالب بإنشاء صناديق الادخار البريدي «لتيسير حفظ المدخرات في أمان تام للأفراد الأكثر فقرا»؛ نظرا لأن المصارف التجارية الكبرى رأت في الحسابات الصغيرة إزعاجا كبيرا. كذلك دعم روزفلت إنشاء طرق جيدة؛ «طرق سريعة وطنية تخدم الناس بعدالة ومساواة»، وأخيرا طلب قائلا: «لا بد من منع عمالة الأطفال، وتقليص عمالة النساء، وتقليل ساعات العمل لجميع العاملين بالأعمال الصناعية.» كان من الضروري سن قانون أفضل لتحديد مسئوليات صاحب العمل - كان قانون قد أجيز في هذا الشأن في وقت سابق لكن صياغته «غير الدقيقة» سمحت للمحاكم بتجاهله - في ظل تخلف الولايات المتحدة كثيرا عن البلدان الصناعية الأوروبية في حماية العمال بهذه الطريقة، كما أنه جدد دعوته لتطبيق ثماني ساعات عمل يوميا على العمال الفيدراليين.
عكست بعض العبارات التي استخدمها روزفلت نزعته المحافظة السابقة ؛ فقد قال: «إن الوعي الطبقي» - الاحتجاجات العمالية المفرطة الحماسة - «مصيره حتما الفشل» أو سيؤدي إلى «التسبب في ضرر بالغ الأثر.» إن المجتمع يضم مجموعات متعددة من المصالح المشروعة: مصالح العمال والرأسماليين والمستهلكين، وعدم تعارضها المأمول لن يتحقق بالهجوم على المحاكم، لكن الأمور تغيرت، فقال: «لعل ما كان يعد انتهاكا للحرية قبل نصف قرن هو وسيلة الحفاظ اللازمة للحرية في الوقت الحاضر، ولعل ما كان يعد إضرارا بالممتلكات حينذاك أصبح ضروريا للتمتع بالممتلكات الآن.»
استحوذ الحديث عن الشركات والعلاقات بينها وبين العمال والمحاكم على ما يقرب من نصف رسالة روزفلت الطويلة. خصص روزفلت بقية الرسالة للحديث بصورة رئيسية عن مسائل خاصة بالحفاظ على البيئة - حماية «التربة والأنهار والغابات» بالبلاد، والحاجة إلى حماية المتنزهات والغابات الوطنية (والتوسع فيها) - والعلاقات الخارجية. كان من المستحيل إلى حد بعيد أن تخرج رسالة كهذه على لسان ماكينلي في نهاية تسعينيات القرن التاسع عشر، أو على لسان روزفلت نفسه في أول سنتين من توليه الحكم. لكنه قد تغير، وتغيرت بالمثل القضايا، والفكر المستنير، والدعم الشعبي. ستستمر فلسفة روزفلت في التطور، كما سينعكس في برنامج «القومية الجديدة» الذي كشف النقاب عنه في خطاب له بمدينة أوساواتومي بولاية كانساس عام 1910، وفي حملته الرئاسية عام 1912. لكنه تطور على نحو هائل، وكذلك الشعب الأمريكي.
Unknown page