Tafsir Ibn Kathir
تفسير ابن كثير - ت السلامة
Investigator
سامي بن محمد السلامة
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition Number
الثانية ١٤٢٠ هـ
Publication Year
١٩٩٩ م
Genres
عَظِيمَةٌ وَمَحَبَّةٌ شَدِيدَةٌ، حَيْثُ جُعِلَ الْوَحْيُ مُتَتَابِعًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا إِنَّمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مُفَرَّقًا لِيَكُونَ ذَلِكَ فِي أَبْلَغِ الْعِنَايَةِ وَالْإِكْرَامِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ، ﵀: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ، قُرْآنًا عَرَبِيًّا، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ (١) عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَأَمَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدٌ فِي عَرَبِيَّةٍ مِنْ عَرَبِيَّةِ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهَا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا (٢) .
هَذَا الْحَدِيثُ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي قَرِيبًا وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ وَمَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ مِنْهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ خُلَاصَةُ الْعَرَبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بْنِ خَلَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَا يُمْلِي فِي مَصَاحِفِنَا هَذِهِ إِلَّا غِلْمَانُ قُرَيْشٍ أَوْ غِلْمَانُ ثَقِيفٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (٣) . وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَكْتُبَ الْإِمَامَ أَقْعَدَ لَهُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي اللُّغَةِ فَاكْتُبُوهَا بِلُغَةِ مُضَرَ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ رَجُلٍ مِنْ مُضَرَ ﷺ (٤) وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزَّمَرِ: ٢٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١٩٢ -١٩٥]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النَّحْلِ: ١٠٣]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَاْعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ الْآيَةَ [فُصِّلَتْ: ٤٤]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ، ﵀، حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي سَأَلَ عَمَّنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَمَطِّخٌ بِطِيبٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَقَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاعَةً ثُمَّ فَجَأَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى أَيْ: تَعَالَ، فَجَاءَ يَعْلَى، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا هُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: "أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟ " فَذَكَرَ أَمْرَهُ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ وَغَسْلِ الطِّيبِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ (٥) مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ (٦) وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَلَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَلَا يَكَادُ، وَلَوْ ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَكَانَ أَظْهَرَ وأبين، والله أعلم.
(١) في جـ: "سفيان". (٢) صحيح البخاري برقم (٤٩٨٤) . (٣) المصاحف (ص ١٧) . (٤) المصاحف (ص ١٧) . (٥) ط، جـ: "الجماعة". (٦) صحيح البخاري برقم (٤٩٨٥)، وبرقم (١٨٤٧، ١٧٨٩) وصحيح مسلم برقم (١١٨٠) وسنن أبي داود برقم (١٨١٩، ١٨٢٠) وسنن الترمذي برقم (٨٣٦) وسنن النسائي (٥/ ١٣٠) .
1 / 23