نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا ... تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلُوا
مَعَ مَا أَمَدَّنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْعُلُومِ، كَالتَّفْسِيرِ الَّذِي بِهِ يُطَّلَعُ عَلَى فَهْمِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَعُلُومِهِ الَّتِي دَوَّنْتُهَا وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَى تَحْرِيرِهَا الْوَجِيزِ، وَالْفِقْهِ الَّذِي مَنْ جَهِلَهُ فَأَنَّى لَهُ الرِّفْعَةُ وَالتَّمْيِيزُ، وَاللُّغَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ فَهْمِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ، وَالنَّحْوِ الَّذِي يَفْتَضِحُ فَاقِدُهُ بِكَثْرَةِ الزَّلَلِ وَلَا يَصْلُحُ الْحَدِيثُ لِلَحَّانٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، الَّتِي لِبَلَاغَةِ الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ تِبْيَانٌ، وَقَدْ أَلَّفْتُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُؤَلَّفَاتٍ، وَحَرَّرْتُ فِيهَا قَوَاعِدَ وَمُهِمَّاتٍ، وَلَمْ أَكُنْ كَغَيْرِي مِمَّنْ يَدَّعِي الْحَدِيثَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَقُصَارَى أَمْرِهِ كَثْرَةُ السَّمَاعِ عَلَى كُلِّ شَيْخٍ وَعَجُوزٍ، غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يَحْتَاجُ الْمُحَدِّثُ إِلَيْهِ أَنْ يَحُوزَ، وَلَا مُكْتَرِثٍ بِالْبَحْثِ عَمَّا يَمْتَنِعُ أَوْ يَجُوزُ، ثُمَّ ظَنَّ الِانْفِرَادَ بِجَمْعِ الْكُتُبِ وَالضَّنِّ بِهَا عَلَى طُلَّابِهَا، فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا عَارِيًا عَنِ الِانْتِفَاعِ بِخِطَابِهَا.
إِنْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْمُصْطَلَحِ لَمْ يَهْتَدِ إِلَى جَوَابِهَا، أَوْ عَرَضَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ فِي دِينِهِ لَمْ يَعْرِفْ خَطَأَهَا مِنْ صَوَابِهَا، أَوْ لَوْ تَلَفَّظَ بِكَلِمَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَزِلَّ فِي إِعْرَابِهَا، فَصَارَ بِذَلِكَ ضُحْكَةً لِلنَّاظِرِينَ، وَهُزْأَةً لِلسَّاخِرِينَ، وَاللَّهُ تَعَالَى حَسْبِي وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ.
هَذَا، وَقَدْ طَالَ مَا قَيَّدْتُ فِي هَذَا الْفَنِّ فَوَائِدَ وَزَوَائِدَ، وَعَلَّقْتُ فِيهِ نَوَادِرَ وَشَوَارِدَ، وَكَانَ يَخْطُرُ بِبَالِي جَمْعُهَا فِي كِتَابٍ، وَنَظْمُهَا فِي عِقْدٍ لِيَنْتَفِعَ بِهَا الطُّلَّابُ، فَرَأَيْتُ كِتَابَ " التَّقْرِيبِ وَالتَّيْسِيرِ " لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْحَافِظِ، وَلِيِّ
1 / 24