وَقيل: إِنَّه خطاب للمحدث، وَقَوله " وَلَا حرج " لفظ خبر، وَمَعْنَاهُ الْأَمر، أَي لَا يحرج فِيهِ سامع لِكَثْرَة الْعَجَائِب، فَإِنَّهُ قد كَانَ فيهم عجائب.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه " معرفَة الرِّجَال ": سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل، مَا الْحجَّة على من أنكر الْبَحْث وتفتيش الْخَبَر؟
قَالَ: الْحجَّة عَلَيْهِم مَا رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق فِي الْجدّة، فَإِنَّهُ بلغنَا أَنه قَالَ: من عِنْده علم فِي الْجدّة؟ فَقَامَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ: أشهد أَن رَسُول الله ﷺ أَعْطَاهَا السُّدس. فَقَالَ: هَل من آخر؟ فَقَامَ مُحَمَّد بن سَلمَة فَحكى مثل مَا حكى الْمُغيرَة. فَلم يكن هَذَا من أبي بكر تُهْمَة للْمُغِيرَة، إِذْ قَالَ: هَل من آخر؟ وَلكنه أَرَادَ بِهَذَا الِاحْتِيَاط فِي الدّين والتثبيت فِي الْأَحْكَام.
وَفِي هَذَا دلَالَة أُخْرَى على من أنكر الْبَحْث فِي حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي الاسْتِئْذَان، لما حدث بِهِ عمر فَقَالَ: " لتَأْتِيني على مَا قلت بِشَاهِدين ". فَأتى حَلقَة الْأنْصَارِيّ، فَأخْبرهُم بِمَا قَالَ عمر، فَقَامَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، فَحدث عمر بِالْحَدِيثِ. فَلم يكن هَذَا من عمر لأبي مُوسَى على التَّكْذِيب، وَلكنه أَرَادَ الثَّبَات وَالْبَيَان لِئَلَّا يَأْتِي آتٍ فيدعي على رَسُول الله ﷺ مَا لم يقلهُ.
قَالَ أَبُو عبد الله: وَقد بَلغنِي عَن أبي هُرَيْرَة أَنه حدث عمر بِحَدِيث، فَطلب مِنْهُ شَاهدا، فَأتى عمر شيخ قُرَيْش فَشهد لَهُ. وَكَانَ عَليّ ﵁. إِذا حَدثهُ أحد عَن رَسُول الله ﷺ استحلفه الله: أَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله ﷺ؟
قَالَ: والاستحلاف لَعَلَّه السّكُون والطمأنينة، لقَوْله ﷺ: " من حلف بِاللَّه فليصدق، وَمن حلف لَهُ فليصدق ".
وَقَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد الْمروزِي ليحيى بن معِين: إِن هَاهُنَا من يُنكر الْبَحْث.
1 / 28