إذن تذكر هذا؛ أن هذا المركب الهزيل، الذي هو أنت، لا بد أنه سوف يتبدد، أو أن روحك الضئيلة سوف تبيد، أو ستهاجر وتتخذ مقاما آخر. (8-26) بهجة الإنسان أن يؤدي العمل اللائق بالإنسان. والعمل اللائق بالإنسان هو الإحسان إلى جنسه الإنساني، وازدراء نزغات الحواس، وتكوين حكم سليم من الظواهر المقبولة، والتفكر في طبيعة العالم وكل ما يجري فيه. (8-27) لديك ثلاث علاقات؛ الأولى بالجسد الذي يحيط بك، والثانية بالسبب الإلهي الذي يصدر عنه كل ما يجري للبشر، والثالثة برفاقك ومعاصريك من الناس. (8-28) إما أن الألم شر للجسد؛ إذن فلتدع الجسد يقول فيه ما يراه، وإما للروح، ولكن بوسع الروح أن تحتفظ بصفائها وسكينتها وألا تقيم الألم على أنه شر؛ لأن كل رأي وحركة ورغبة ونفور هو في الداخل، حيث لا شر يمكن أن يبلغ إليه. (8-29) امح خيالاتك، بأن تقول لنفسك دوما: «بمقدوري الآن أن أحفظ روحي بعيدة عن أي رذيلة أو انفعال، أو أي اضطراب على الإطلاق، فأرى الأشياء كما هي في طبيعتها وأستخدم كلا منها بحسب قيمته.» تذكر هذه القدرة التي منحتك إياها الطبيعة. (8-30) عندما تتحدث في مجلس الشيوخ، أو إلى أي شخص كان، كن جادا مستقيما غير متحذلق. استخدم لغة واضحة تنضح بالصدق. (8-31) بلاط أوغسطس قيصر؛ الزوجة، الابنة، الأحفاد، أبناء الزوجة، الأخت، أجريبا، الأقارب، الأهل، الأصدقاء، أريوس، مايكيناس، الأطباء، العرافون؛ البلاط كله ميت، والتفت الآن إلى الباقين، غير ناظر إلى موت إنسان واحد، بل إلى موت أسرة حاكمة بأسرها، مثل آل بومبي. والتفت إلى النقش الذي تراه على أحجار القبور: «آخر سلالته.» تأمل كم اهتم السابقون بأن يتركوا وراءهم وريثا على العرش، وكيف أن واحدا لا بد من أن يكون آخر العائلة الحاكمة. هنا أيضا انظر إلى موت عائلة بأسرها. (8-32) من واجبك أن تنظم حياتك تنظيما جيدا في كل فعل مفرد، وأن تقنع إذا كان كل فعل يحقق هدفه على أفضل نحو ممكن، وليس بمكنة أحد أن يحول بينك وبين تحقيق هذا الهدف. - «ولكن عائقا خارجيا ما سوف يقف في طريقي.» - لا شيء سيقف في طريق الفعل العادل الرصين الحصيف. - «ولكن ربما أعيق أي مصدر آخر للنشاط.» - حسن، تقبل العائق كما هو، وحول جهدك بحكمة ليواجه الظرف القائم، وسرعان ما سوف يحل فعل جديد محل السابق متلائما مع هذا الوضع الذي نتحدث عنه.
15 (8-33) بلا زهو تقبل الرخاء إذا أتى، وكن مستعدا لفقدانه إذا ذهب. (8-34) إذا كنت قد رأيت يوما ما يدا مقطوعة أو قدما، أو رأسا مفصولا واقعا في مكان ما بعيدا عن بقية الجسم، فهذا مثل ما يفعله بنفسه، ما وسعه ذلك، من لا يرضى بقسمته ويعزل نفسه عن الآخرين أو يقوم بأي فعل غير اجتماعي. هبك قد فصلت نفسك عن وحدة الطبيعة - فلقد ولدت جزءا منها ولكنك الآن فصلت نفسك عنها - فثمة رغم ذلك مفارقة، وهي أن الخيار ما زال مفتوحا لك بأن تعود إلى تلك الوحدة مرة أخرى. لم يمنح الله هذه الميزة لأي جزء آخر؛ وهو أن يلتئم بالكل مرة ثانية بعد أن انفصل عنه. انظر إلى مدى النعمة التي اختص بها الإنسان؛ لقد جعله غير منفصل عن الكل، وجعله قادرا إذا انفصل أن يعود ويتحد ويسترد مكانه كجزء من الكل.
16 (8-35) مثلما أن طبيعة «الكل» هي مصدر جميع الملكات الأخرى في كل مخلوق عاقل فقد وهبتنا هذه القدرة أيضا - بنفس الطريقة التي تحول بها الطبيعة أي شيء معيق أو مضاد إلى غرضها الخاص واضعة إياه في المخطط المقدور للأشياء وجاعلة إياه جزءا منها - كذلك بوسع الكائن العاقل أن يحول كل عائق إلى مادة لاستعماله الخاص، وأن يستخدمه لمصلحة غرضه الأصلي أيا كان هذا الغرض. (8-36) لا تزعج نفسك بالتأمل في المشهد الكلي لحياتك، لا تدع فكرك يضم في آن معا كل ما أزعجك فيما مضى وكل ما يمكن أن يزعجك فيما بعد، بل اسأل نفسك في كل ظرف حاضر: «أي شيء في هذا يفوق احتمالي وينوء بي؟» ولسوف تخجل من مثل هذا الإقرار. ثم ذكر نفسك أنه لا المستقبل ولا الماضي هو ما يثقل عليك، بل الحاضر وحده، وكم يهون عبء الحاضر إذا أمكنك فقط أن تحدده وتضعه في حجمه ، وأن توبخ عقلك إذا كان يكل عن الصمود لشيء مخفف كل هذا التخفيف. (8-37) ألا تزال بانثيا أو بيرجاموس تقعد عند قبر فيروس؟ أو تجلس خابرياس أو ديوتيموس عند قبر هادريان؟ وا أسفاه. وإذا كن جالسات هناك فهل يدري الموتى بذلك؟ وإذا كانوا يدرون فهل يسرهم ذلك؟ وهل سرورهم يخلد الباكين على موتهم؟ أليس مصير هؤلاء أيضا أن يكبروا ويصيروا شيوخا وشيخات ثم يموتون؟ وماذا عسى موتاهم السابقون أن يفعلوا عندئذ؟ الأمر كله عفن وفساد في كيس من العظام. (8-38) إذا كنت ذا بصر حاد فاستعمله، ولكن، كما يقول الشاعر،
17
أضف إليه البصيرة والحكمة. (8-39) لست أرى في جبلة الكائن العاقل فضيلة مضادة للعدل، ولكني أرى فضيلة مضادة للذة؛ وهي فضيلة الاعتدال. (8-40) إذا نحيت حكمك على أي شيء يبدو مؤلما فأنت نفسك ستكون محصنا تماما من الألم. - «نفسك؟ أية نفس؟» - العقل. - «ولكني لست مجرد عقل.» - حسن، إذن دع عقلك بمعزل عن الألم، وإذا كان جزء آخر منك يتضرر فدعه يكون حكمه لنفسه.
18 (8-41) إعاقة الإدراكات الحية شيء مؤذ للطبيعة الحيوانية. وإعاقة الرغبات شيء مؤذ بالمثل للطبيعة الحيوانية (شيء آخر سيكون كذلك معيقا ومؤذيا لطبيعة النبات). يترتب على ذلك أن إعاقة العقل شيء مؤذ للطبيعة العاقلة.
الآن طبق كل هذا على نفسك؛ هل يؤثر فيك الألم أو اللذة الحسية؟ ذلك شأن الحواس، هل اعترضك عائق في سعيك إلى شيء ما؟ إذا كان سعيك حقا غير مشروط فسيكون هذا العائق بالتأكيد مؤذيا لك ككائن عاقل. أما إذا قبلت المسار المعتاد للأشياء فليس ثمة من أذى بعد ولا عائق، أترى ... لا أحد سواك سوف يعوق الوظائف القويمة للعقل؛ فلا الناس ولا الحديد ولا الطغيان ولا السب يمكن أن يمس العقل.
19
فمنذ أصبح العقل دائرة مكتملة فإنه ما يزال في وحدته دائرة مكتملة.
20 (8-42) ليس لدي ما يدعوني إلى إيلام نفسي؛ فأنا لم أتعمد حتى إيلام شخص آخر. (8-43) تختلف المباهج من شخص إلى آخر. أما أنا فبهجتي في أن أحتفظ بعقلي الموجه نقيا فلا أزدري أي إنسان أو أي شيء يحدث لإنسان، بل أنظر إلى كل شيء نظرة احتفاء وأستخدم كل شيء بحسب قيمته. (8-44) اغتنم اللحظة الحاضرة؛ فإن الذين ينصرفون عنها ابتغاء المجد بعد الموت لا يقدرون أن الأجيال التالية سيكون بها أناس يشبهون تماما أولئك الذين يبغضونهم الآن. وهؤلاء أيضا سوف يموتون. وماذا يجديك على كل حال إذا كان هؤلاء القادمون في مقبل الأيام يلهجون بهذا أو ذاك ويرون فيك هذا الرأي أو ذاك؟ (8-45) خذني وارم بي في أي مكان شئت؛ فأينما كنت فسوف أحفظ الجانب الإلهي مني سعيدا؛ أي قانعا، ما دام وجداني وفعلي يتبعان فطرته الخاصة.
Unknown page