يحتقر بعضهم بعضا، وينافقه رغم ذلك. يريدون العلو والترقي، وينبطحون رغم ذلك. ***
تذكر في نوبات غضبك أن الغضب ليس من الرجولة في شيء، وأن الرحمة واللين أكثر إنسانية وبالتالي أكثر رجولة؛ فالرحماء هم ذوو القوة والبأس والشجاعة وليس القساة ولا الساخطون؛ فكلما تحكمت في انفعالاتك كنت أقرب إلى القوة؛ فالغضب دليل ضعف شأنه شأن الجزع؛ فالغاضب والجزع كلاهما أصيب وكلاهما استسلم. ***
حين تتكدر في أي ظرف فقد نسيت عدة أشياء؛ نسيت أن كل ما يجري فبإرادة طبيعة «الكل»، وأن الإثم لا يضير إلا مرتكبه، ونسيت أن كل شيء يحدث فقد كان يحدث هكذا فيما مضى، وسيظل يحدث هكذا في المستقبل، وما ينفك يحدث الآن في كل مكان. وأن الكائن الإنساني وثيق القرابة بالجنس البشري كله، لا قرابة دم أو بذرة؛ بل مجتمع عقلي. ونسيت أيضا أن عقل كل إنسان إله ودفقة من الألوهية. وأن لا شيء ملك لنا، بل حتى طفلنا وجسدنا نفسه إنما جاء من ذلك المصدر. وأن كل شيء هو كما أراده التفكير أن يكون، وأن كلا منا لا يعيش إلا اللحظة الحاضرة، ولا يفقد إلا إياها. ***
ما من نشاط يضيره أن يتوقف ما دام قد توقف في الوقت المناسب، ولا فاعله يضيره شيئا أن هذا النشاط المعين قد توقف؛ وعلى ذلك فإذا بلغت جملة أفعاله، التي تشكل حياته، نهايتها في الوقت المناسب فلا ضير عليها من مجرد التوقف، ولا ضير على من ختم هذه السلسلة من الأفعال في الوقت المناسب. أما الوقت والأجل فتحددهما الطبيعة؛ طبيعة الإنسان أحيانا كما في الشيخوخة، وطبيعة العالم في كل الأحيان، والتي من خلال التغيير الدائم لأجزائها المكونة تبقي العالم كله صبيا وعفيا. وكل ما ينفع العالم فهو حسن وفي إبانه؛ لذا فلا بأس على الإطلاق بأن تنتهي حياة كل منا؛ فلا النهاية عيب ولا اختيار ولا هي ضد الصالح العام، بل هي خير؛ إذ تقع في التوقيت الملائم ل «الكل»، وتصب في صالحه، وتنسجم معه؛ فكذلك أيضا يمشي المرء بعون الرب إذا مضى باختياره ووجهته على طريق الرب. ***
تأمل إذن ما يجري في مثل هذا الأمر الخفي، وانظر «القوة» وهي تفعل فعلها، تماما مثلما نرى «القوة» وهي تحمل الأشياء إلى أسفل وإلى أعلى. انظر «القوة» لا بالعين، وإن لم تكن أقل وضوحا. ***
إذا نفضت عن عقلك ما يرين عليه من انطباعات الحس ومن هموم الآتي والماضي، جاعلا نفسك مثل كرة أمبدوقليس: «تامة الاستدارة تتقلب في نعيم وحدتها.» لا تبتغي إلا أن تعيش ما هو حياتك الحقة - أي الحاضر - سيكون بوسعك أن تقضي ما تبقى لك من العمر في هدوء وسكينة وسلام مع روحك الحارس. ***
أوراق،
2
البعض تبعثره الريح على الأرض،
هكذا هي أجيال البشر.
Unknown page