139

واللغة عند الرواقيين هي فعل للإرادة، به ينظر إلى العالم بطريقة من شأنها أن تحصر الخبرة في صورة ثابتة؛ ومن ثم فإن تعلم استخدام ألفاظ مختلفة هو نوع من تغيير زاوية تقاطع الذات مع الحياة الجارية. إنه لا يغير الأشياء وإنما يراها رؤية جديدة أكثر واقعية ودقة، يراها في نصابها الصحيح: يقول إبكتيتوس: «لا تقولن عن أي شيء: «لقد فقدته.» بل قل: «لقد رددته.» هل مات ولدك؟ لقد «استرد»، هل ماتت زوجتك؟ لقد «استردت»، هل أخذت منك ممتلكاتك؟ ألم تسترد هذه أيضا؟»

وفي «التأملات» يقول ماركوس أوريليوس إن كلمة «الفقدان» لا تعني أكثر من «التغير»، وهو بذلك يذيب الوقع السيئ لكلمة «فقدان»: «الفقدان ليس أكثر من تغير، طبيعة العالم تفرح بالتغير، وكل ما يجري من الطبيعة إنما يجري من أجل الخير» (9-35). كذلك الشأن في كلمة «موت» أو «هلاك»: «وتهلك يجب أن تؤخذ هنا بمعنى تتغير» (10-7).

وطوال تأملاته تجد وقفات كثيرة للمراجعة اللغوية والتصويب اللفظي، وتجد استباقا مدهشا لفكر بنيامين ورف: «كل ما يوجد هو بمعنى ما «بذرة» لما يأتي بعده. فإذا كان مفهوم «البذرة» عندك محصورا فيما يوضع في الأرض، أو في الرحم، فذاك لعمري تفكير مغرق في السوقية» (4-36). «إنهم لا يعرفون ما تعنيه هذه الكلمات: «السرقة»، «البذر»، «الشراء»، «الاستجمام»، «الواجب»؛ فذاك شيء يحتاج إلى رؤية أخرى غير رؤية العين» (3-15). ويبدو أنهم أيضا لا يعرفون ما تعنيه كلمة «قدرة»: «أكثر قدرة على الإطاحة بخصمه أرضا، ولكن ليس أكثر قدرة على الود أو التواضع، أو مواجهة الأحداث، أو العفو عن زلات جيرانه» (7-52). ولا يعرفون معنى كلمة «مصاب»: «... وهل تسميه «مصابا» للإنسان، على كل حال، ذلك الذي لا يشذ عن طبيعة الإنسان؟ أو تسميه «شذوذا» عن طبيعة الإنسان ذلك الذي لا يتعارض مع أهداف طبيعته؟» (4-50)، «... كل يثمر ويؤتي أكلا في أوانها، ولا يهم إذا كان الاستخدام الشائع يقصر معنى الإثمار على الكروم وأشباهه؛ فالعقل أيضا له ثمره، العمومي والخاص؛ ثمة أشياء أخرى تنمو منه وتشارك في طبيعته» (9-10). «ستتبين هذا بوضوح شديد كلما قلت لنفسك إنني «عضو»

melos

في منظومة الكائنات العاقلة. أما إذا قلت إنني «جزء»

meros ... بتغيير الحرف الواحد

l

إلى

r ، فأنت بعد لا تحب رفاقك البشر من قلبك، وفعلك الخير لا يبهجك كغاية في ذاته، ما زلت تفعل البر بوصفه أدبا وواجبا وليس بوصفه برا بنفسك» (7-13).

وانظر إليه كيف يعالج الألم الناجم عما يظنه الناس «نحسا» أو «سوء حظ»؛ علاجا «لغويا» محضا: - كنت ذات يوم رجلا محظوظا، لا يتخلى عني الحظ في كل صغيرة وكبيرة، واليوم تخلى عني لا أعلم كيف. - «ولكن كلمة «محظوظ» تعني ذلك الرجل الذي حدد لنفسه حظا سعيدا، و«الحظ السعيد» هو نزوع النفس إلى الخير، هو الوجدانات الخيرة والأفعال الخيرة» (5-37). «تذكر إذن في كل حدث منغص هذا المبدأ: ليس هذا بالحظ السيئ، بل احتمال هذا بنبالة وكرم هو حظ سعيد» (4-49). «أسعد الحظ كله أن تغادر الناس ولم تعرف قط طعم الكذب ولا الرياء ولا الخيلاء ولا الغرور ...» (9-2). «... فلماذا لا أدعو الله أن يهبني نعمة ألا أخاف من أي شيء مما أخاف منه، وألا أتشهى ما أتشهاه، وألا أتألم من أي شيء، لا أن يجعل أي شيء من هذه الأشياء يحدث أو لا يحدث، جرب إذن أن تحول دعاءك على هذا النحو وانظر ماذا يكون» (9-40). (10) البعد السلوكي في العلاج الرواقي

Unknown page