Taammul Yawm Bacd Yawm
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
Genres
من الأمثلة على هذه الأوامر: «قم بحك أنفك.» «افتح عينيك لترى كم الساعة الآن.» «يجب أن تسجل أن عليك مهاتفة أخيك.» إننا نستطيع عدم إطاعتها أو تأجيلها. لكن كي ننجح علينا أولا أن ندرك أن هذه التطفلات ليست سوى أفكار.
في البداية سننتبه إلى هذه الأفكار في لحظة تدخلها واصطحابها ذهننا خارج موضوع التمرين. فلم نعد في موضوع التنفس أو تركيزنا على جسدنا، ولكننا بصدد «التفكير بأمر ما». هذا طبيعي، هذا ما يقوم به ذهننا طوال الوقت. عندها، ودون انزعاج سنعود إلى موضوع التمرين. لكن الأفكار ستأتينا من جديد، وسندرك ذلك فنقوم بالعودة إلى التمرين، وهكذا. إن هذه الحركية هي القاعدة الأساسية في تمارين الوعي الكامل. أفكارنا ليست هي المشكلة، وإنما المشكلة هي ألا نكون مدركين لبعثرة وهياج الذهن، وخاصة هذا الخلط بين الأفكار والحقيقة، وهذا الاستعداد لاعتبار «كل» الأفكار مهمة. وليست المشكلة أيضا في محتوى الأفكار، أو حركيتها بقدر ما هي علاقتنا بها. يجب عدم محاولة منعها أو طردها، ولكن أيضا يجب عدم اتباعها، أو الخضوع لها أو إطاعتها. علينا أن نستقبلها ونراقبها في إطار إدراك أوسع (من هنا، أهمية الرسو والثبات في اللحظة الحاضرة باستخدام النفس، والجسد والأصوات). وبكل بساطة علينا التوقف عن تغذيتها.
وبالتدرج، مع المران، سنرى بشكل أوضح أنها مجرد أفكار، وسنحدد بشكل أفضل أنها ظواهر ذهنية عابرة، وليست ثوابت دائمة. سنراها وهي تظهر، وإذا لم نقم باتباعها، سنراها وهي تختفي، ثم تظهر من جديد . إن «عيش هذه التجربة» هو أكثر أهمية من القراءة عنها والدراية بها؛ لأننا نعرف أن أفكارنا ليست سوى أفكار. لكنها حين تملأ ذهننا فإن هذه المعرفة لن تساعدنا بشيء. إن التمرين المستمر والتجربة وحدهما يستطيعان أن يساعدانا على النأي عن التفكير والتعود على ترك أفكارنا تختفي وحدها.
في حالة الوعي الكامل نستطيع أن نقرر بأنفسنا إن كنا سنتبع أفكارنا (إذا أردنا ذلك) أو سنختار أمرا آخر. يمكن أن نختار مثلا البقاء جالسين، مغمضي العينين، ونحن نتنفس هنا والآن في هذا الدفق من الأفكار التي تقول لنا: «تحرك»، «افعل»، «فكر»، «تعجل». والتي قد تنزعج وتصرخ قائلة: «ألا تظن أن عليك أن تترك هذا التمرين لتقوم بجميع الأشياء المهمة التي تنتظرك. إنك تستطيع العودة إلى التمرين لاحقا ...» ولكن لا، فقد قررنا هذه المرة ألا نستجيب لأفكارنا. سننتظر قليلا لنرى إن كان من الضروري المضي في هذه الاتجاهات. سنتنفس أيضا بعض الوقت، وسنجد أنها ليست مهمة. كم هو حسن ألا نكون عبيد أذهاننا؛ أن نحصل على القليل من الحرية.
أن نتحرر من أفكارنا «أنا أفكر، إذن أنا موجود.» هذا ما أعلنه ديكارت. لكن بول فاليري أضاف: «أنا أفكر أحيانا، وأحيانا أنا موجود.» ويستنتج الوعي الكامل منهما ما يأتي: «لا يتعلق وجودي فقط بما أنا بصدد التفكير فيه.» ولهذه الجملة معنيان؛ الأول أن وجودي ليس مرتبطا بعملية التفكير، والثاني بمعنى التعلق واللحاق بالشيء؛ أي، أنني لا أتبع طوال الوقت ما أفكر به. هذا ما نسميه «الفصل» في علم النفس المعرفي؛ إنه العمل على تخفيف هذا الخلط بين ما نفكر به وبين إدراكنا. إنه يعني أن نفهم أن أفكارنا ليست سوى أحد عناصر الإدراك وليس الإدراك كاملا؛ وألا نعتمد كليا على أفكارنا، دون أن نرفضها في نفس الوقت؛ ببساطة علينا أن ننشئ علاقة مختلفة معها.
وهكذا فإن هناك فرقا بين القول: «إنني أعيش حياة حزينة.» و«إنني بصدد التفكير أن حياتي حزينة.» حين نعتبر أفكارنا ظواهر ذهنية، سنرى بشكل أفضل أنه يسكنها كثير من الأحكام القيمية، والأفكار التلقائية، والانفعالات، التي لسنا بالضرورة موافقين عليها. إن هذه التجربة، الغريبة قليلا، الخاصة بالافتراق عن حركية العملية الذهنية، وهذا الجهد للاستعانة بالعقل ذاته كي لا نقع في مصيدته، هي بالضبط ما يقترحه الوعي الكامل. إنه يعلمنا كيف ننشئ مساحة تفكير خاصة بنا كي نصقل خبرتنا بوصفنا مراقبين خارجيين. إنه يساعد على الانتباه إلى الفرق بين الضجة المحيطة بنا في سهرة مسائية، وبين الحديث الذي نقوم به والذي يهمنا؛ أو اختيار الخروج وترك هذه الضجة والاستماع لهمسات الليل. «الدرس الخامس»
لنغمض العينين، واضعين النفس مركزا لاهتمامنا. ثم لنقم بتسجيل كيف تتحرك روحنا بسرعة، أو بالأحرى كيف تتدخل أفكارنا لتصبح مركز اهتمامنا، كالأطفال المزاجيين غريبي الأطوار. إنها الأفكار الخاصة بأشياء يجب القيام بها، أو بالصعوبة التي نواجهها للبقاء في تمريننا. وعلينا ممارسة تمرين حالة الوعي الكامل المتعلق بالأفكار، والذي يتلخص في أن نكون واعين لثرثرة روحنا التي لا يمكن كبحها، وأن نعي طاقتها الجاذبة؛ ففي لحظة ما لن نستطيع مراقبة أفكارنا وإنما سنصير داخلها، جزءا منها، مجبولين بها. من ثم، يجب العودة بهدوء إلى التنفس، والبدء من جديد بمراقبتها. وبالتدرج سيبدو لنا جليا الفرق بين: «التفكير بشيء ما»، و«إدراك أننا نفكر بشيء ما». هذا ما يمكن تسميته الوضوح، أو امتلاك قوانا العقلية. وهذا يتطلب المران المتكرر.
الفصل السادس
أن نعطي مساحة لمشاعرنا
إن هذه اللوحة عبارة عن خليط غريب، وصعب التفسير من النظام والفوضى، والذي يضع المرء في حالة مبهمة من الضيق. لا نفهم بالضبط ما يريد أن يقوله لنا الرسام. تمر فترة وجيزة من الانتظار دون أن يصبح الفهم أكثر وضوحا، لكننا نبدأ بعد ذلك في إدراك منظومة اللوحة.
Unknown page