اقرأ ذلك وتعرف صورة الرجل أو الشاب من عامة أثينا في القرن الخامس تجدها مطابقة كل المطابقة لما قرأت. هؤلاء الأشخاص كثيرون في قصص سوفوكليس، ومع أنهم يكسبون هذه القصص فائدة تاريخية فقد كانت لهم فائدة أخرى هي أنهم كانوا ينفسون عن الجمهور ويريحونه وقتا ما من تتبع القصة وما فيها من جد.
فقد رأينا في هذا الفصل الموجز ما بين سوفوكليس وأيكسولوس من وجوه التشابه والافتراق، وكل ما قدمناه ينتهي بنا إلى نتيجة واحدة هي أن الفرق بين الرجلين ليس إلا فرقا بين عصرين مختلفين لأمة واحدة، ثانيهما استمرار لأولهما وإن امتاز منه بخصال خاصة وصفات اقتضتها الاستحالة والانتقال.
5
أشرنا إلى أن حياة سوفوكليس كانت خصبة منتجة، فكثرت آثاره التمثيلية، وقد رأينا أنه قد فاز في ثمانين قصة، ويذكر المؤرخون الإسكندريون أن مجموع قصصه تبلغ ثلاثا وعشرين ومئة قصة، ويرى المحدثون أن ليس في هذا شيء من المبالغة كثير. ومهما يكن من شيء فلم يبق لنا من آثاره إلا قصص سبع أقدمها أياس، مثل فيها الشاعر قتل أياس نفسه، بعد ما أصابه من الجنون الذي مثل له قطعان الغنم والبقر كأنها جيش اليونان فأنحى عليها ضربا بالسيف. وهذه القصة على قدم عهدها، وعلى أنها تمثل الشاعر مبتدئا لم يتوثق من الفن ولم تثبت قدمه فيه، تشتمل على آيات من البلاغة خليقة بالإعجاب.
ثم مثل «أنتيجونا» وهي ما كان من دفن أنتيجونا لأخيها بولينيس برغم أمر الملك وما كان من القضاء عليها أن تدفن حية، وليس من شك في أنه قد تأثر فيها بأيسكولوس ولكنه فاقه في تصوير عواطف المرأة والتقريب بينها وبين الحقيقة.
ذلك شأنه في «إلكترا» التي تمثل ما كان من انتقام أورستيس لأبيه وقتله أمه كلوتيمنسترا، ولكن الشخص الأول في هذه القصة إنما هو إلكترا؛ لأنها هي التي كانت تشهد فجور أمها وانتصار قاتل أبيها، فتألم لذلك ويشتد حرصها على الانتقام.
وأعظم قصص سوفوكليس حظا من الجمال إنما هي «أويديبوس ملكا» وقد قدمنا تلخيص موضوعه في مقدمة «السبعة يهاجمون طيبة».
وأشدها ضعفا هي «التراكينيات» مثل فيها غيرة ديجانيرا؛ لأن زوجها هيراقل أحب غيرها، وإهداءها إليه ثوبا مسموما لبسه فمات بعد ألم شديد.
ثم مثل «فيلوكتيتيس» وهو بطل من أبطال الإلياس. كان يملك سهام هيراقل فأصابه سهم منها في ساقه وعجز اليونان عن مداواته، فتركوه في جزيرة مقفرة، ثم يحتاجون إليه فيحتالون في رده إلى معسكرهم أمام تروادة.
وآخر قصة من قصصه هي «أويديبسوس في كولونا» لعبها الممثلون بعد موته، وهي تمثل أويديبسوس بائسا يعيش من المسألة، بالقرب من أثينا، وما كان من تضييف هذه المدينة له.
Unknown page