ونظرت من النافذة فرأيت عمودا من الدخان الأسود يتصاعد في سماء بتروغراد كأنه ريشة في جو لا رياح فيه ... وقال مضيفي: لقد قلت حقا، فقد انطلق الجحيم في بتروغراد، وهذه محطة نيكولاس تحترق، كما أن فرقتين من فرق الجيش قد تمردتا.
ثم استطرد قائلا: وأرسيني لا ينتظرك فقد أمرته بعدم إخراج الزحافة اليوم، وأعتقد أننا بعد ساعات قليلة سنصبح في حالة حصار تماثل الحالة التي تعرضنا لها في عام 1905 ... أرجو أن تتولى العناية بالنساء.
وفيما كنت أنتهي من ارتداء ملابسي رأيت الخادم تدخل مندفعة وهي تصيح في ذعر: إنهم قادمون!
ونظرت من النافذة التي تطل على النهر فوجدت الشاطئ مملوءا بالناس وعلى رأسهم بعض رجال البوليس وهم يمتطون جيادهم وسيوفهم تلمع في ضوء الشمس.
واستجمع الشقيقان شجاعتهما وقالا للثوار الذين كان عددهم لا يقل عن 4000: ادخلوا في هدوء ولكن لا تحطموا أي شيء هنا ...
وسارعت إلى الشقيقين فوقفت بجانبهما، وكان الثوار يطلبون خروج عمال المصنع الذين لا يقل عددهم عن 3000 عامل للاشتراك معهم، وبينما كانت المناقشات دائرة حول هذا الموضوع وصلت سيارة ملأى بالطلبة المتحمسين، وقفز منها الزعماء في الحال ولوحوا في صدورنا بالمسدسات التي كانوا يحملونها وصاحوا: لقد جئنا إلى هنا لإخراج عمالكم ... فإذا لم يتحقق لنا ذلك حطمنا المصنع.
ونظر الشقيقان إلى بعضهما لحظة كأنهما يتشاوران ثم صاح الأكبر: خذوهم! وردوا السلاح إلى مكانه ... أو لعلكم تريدون قتل أحد!
وتدافع العمال وهم يخرجون من المصنع هاتفين صائحين وهم يلوحون بالأعلام الحمراء التي كانوا يحملونها، واتجهوا في سيرهم بحذاء نهر النيفا ... فلم يتحطم شيء ...!
هذا ما رآه شاهد عيان عندما شبت الثورة الاشتراكية ب «بتروغراد» في شهر مارس من عام 1917 ...
ومنه يمكن أن يرى القارئ أن بعض المصانع الروسية كانت في يد الأجانب منذ 40 عاما ...
Unknown page