وقال أيضا:
عمرو العلا ذو الندى من لا يسابقه ... مر السحاب ولا ريح تجاريه
جفانه كالجوابي للوفود إذا ... لبوا بمكة ناداهم مناديه
أو أمحلوا أخصبوا منها وقد ملئت ... قوتا لحاضره منهم وباديه
وقد قيل فيه:
قل للذي طلب السماحة والندى ... هلا مررت بآل عبد مناف
الرائشون وليس يوجد رائش ... والقائلون هلمّ للأضياف
وعن بعض الصحابة قال: رأيت رسول الله ﷺ وأبا بكر رضي الله تعالى عنه على باب بني شيبة فمر رجل وهو يقول:
يا أيها الرجل المحوّل رحله ... ألا نزلت بآل عبد الدار
هبلتك أمك، لو نزلت برحلهم ... منعوك عن عدم ومن إقتار
فالتفت رسول الله ﷺ إلى أبي بكر ﵁ فقال: أهكذا قال الشاعر؟
قال: لا والذي بعثك بالحق، ولكنه قال:
يا أيها الرجل المحول رحله ... ألا نزلت بآل عبد مناف
هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن اقراف
الخالطين غنيهم بفقيرهم ... حتى يعود فقيرهم كالكافي
فتبسم رسول الله ﷺ وقال: هكذا سمعت الرواة ينشدونه، وكان هاشم بعد أبيه عبد مناف على السقاية والرفادة، فكان يعمل الطعام للحجاج، يأكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد، ويقال لذلك الرفادة.
واتفق أنه أصاب الناس سنة جدب شديد فخرج هاشم إلى الشام، وقيل بلغه ذلك وهو بغزة من الشام، فاشترى دقيقا وكعكا وقدم به مكة في الموسم، فهشم الخبز والكعك ونحر الجزر وجعله ثريدا، وأطعم الناس حتى أشبعهم، فسمي بذلك هاشما. وكان يقال له أبو البطحاء وسيد البطحاء.
قال بعضهم: لم تزل مائدته منصوبة لا ترفع في السراء والضراء.
قال ابن الصلاح: روينا عن الإمام سهل الصعلوكي ﵁ أنه قال في قوله ﷺ: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» أراد فضل ثريد عمرو العلا، الذي عظم نفعه وقدره، وعم خيره وبره، وبقي له ولعقبه ذكره. وقد أبعد سهل في تأويل الحديث.
1 / 11