148

واعلم أن فى الألفاظ والآثار التى فى النفس ما هو مفرد وفيها ما هو مركب. والأمر فيهما متحاذ متطابق؛ فإنه كما أن المعقول المفرد ليس بحق ولا باطل، كذلك اللفظ المفرد ليس بصدق ولا كذب. وكما أن المعقول المفرد، إذا اقترن به فى الذهن معقول آخر وحمل عليه، فاعتقد أنه ذاك أو ليس، كان الاعتقاد حقا أو باطلا، فكذلك اللفظ المفرد، إذا اقترن به لفظ آخر وحمل عليه، فقيل إنه كذا أو ليس كذا، كان صدقا أو كذبا. وقد يكون الصدق والكذب على نحو آخر من التأليف أيضا سنوضحه. فالأسماء والكلم فى الألفاظ نظير المعقولات المفردة التى لا تفصيل فيها ولا تركيب، فلا صدق فى أفرادها ولا كذب. واعلم أنه إذا كان شئ معدوما فى نفسه محالا فى وجوده، ولم يكن تصوره وحده أو التلفظ بلفظه وحده يدل على صدق أو كذب، مالم يقترن به أنه موجود أو غير موجود اقترانا فى الذهن أو فى اللفظ، مثلا بأن يعتقد أن عنزايل موجود، أو يعتقد أنه غير موجود، ويقال إن عنزايل موجود ويقال إن عنزايل غير موجود، إما مطلقا بلا اشتراط زمان أو باشتراط زمان أنه كان موجودا فيه أو يكون موجودا فيه أو زمان حاضر. والذى يقال إن معنى المطلق المستعمل فى هذا الموضع هو المشترط فيه زمان حاضر أو المشترط فيه كل زمان حتى يكون معنى قولهم ((أو فى زمان)) أنه فى زمان ماض أو مستقبل، دون الذى فى زمان حاضر، فليس يعجبنى كل الإعجاب. وما أومأت إليه أقرب إلى الصواب. فلننظر الآن فى الاسم والكلمة.

الفصل الثاني (ب) فصل في تحقيق الاسم

فالاسم لفظة دالة بتواطؤ مجردة من الزمان وليس واحد من أجزائها دالا على الانفراد. وقد علمت معنى التواطؤ. وأما معنى كونه مجردا من الزمان فهو أن لا يدل على الزمان الذى لذلك المعنى من الأزمنة الثلاثة المحصلة؛ كما إذا قلت: زيد، فلم تدل على معنى قد دللت معه على زمان ذلك المعنى. ومعنى قولنا ((وليس ولا واحد من أجزائه دالا على انفراده)) معناه أنا لا نقصد فى دلالتنا بقولنا (( الإنسان )) أن ندل بواحد من أجزائه على شئ ألبتة، من حيث هو منفرد، بل نستعمله على أنه جزء دال، لا دال بانفراده، فإنه لا يوجد فى قولنا ((الإنسان)) جزء يراد به الدلالة على معنى من المعانى أصلا، حين يراد أن ندل بقولنا ((الإنسان))، وإن كان ربما أريد به الدلالة إذا استعمل لا على أنه جزء لفظة إنسان، بل على أنه لفظ مستعمل فى نفسه لم يجعل جزءا لما إنما يدل بجملته دلالة ما، وربما لم توجد له دلالة ألبتة بوجه من الوجوه وحيث توجد له دلالة فلا يكون ذلك من حيث هو جزء قولنا ((إنسان))؛ فإنه إنما يكون جزء إنسان إذا استعمل فى لفظة الإنسان من حيث يراد أن يدل بالإنسان جملته؛ فهنالك لا توجد له دلالة ألبتة بوجه من الوجوه. وقد كنا أومأنا إلى هذا فى مواضع أخرى.

وليس هذا فى مثل لفظة الإنسان فقط، بل فى الألفاظ التى هى بحسب المسموع مركبة، لكنها لا يدل بها على أنها مركبة، فهذا شأنها، كقولهم ((عبد الملك)) إذا لم يرد أن يدل به على شئ من جهة ما هو عبد الملك، بل جعل هذا اسما لذاته؛ فهنالك لا يوجد للفظة ((عبد)) من حيث هو جزء من ((عبد الملك)) دلالة على شئ ألبتة، فإنك تعلم أن الدال بلفظة ((عبدالملك)) على هذا النحو ليس يدل بالعبد فى هذا الموضع بانفراده على شئ أصلا، ولا بالملك. فهكذا يجب أن تفهم هذا الموضع.

Page 153