صلى الله عليه وسلم
فدعوه خليفة رسول الله، وكان يرون أن عمر قد قام بالأمر بعد أبي بكر، فدعوه خليفة خليفة رسول الله، ولكن عمر لم يلبث أن فكر في هذا اللقب، ورأى أنه طويل، وأن من جاء بعده سيدعى خليفة خليفة خليفة رسول الله، ويمضي الأمر على هذا النحو فيطول ويعسر النطق به والحفظ له.
ويقال: إن المسلمين هم الذين فكروا في هذا، وأن قائلا منهم قال: نحن المؤمنون وعمر أميرنا. فدعي أمير المؤمنين، وصار هذا لقب الخلفاء من بعده.
وسواء أكان عمر هو الذي فكر في هذه المشكلة وأصاب حلها، أم كان المسلمون هم الذين كفوه هذا التفكير، فقد كان عمر أول من دعي أمير المؤمنين، وما أكثر الذين دعوا من بعده بهذا الاسم! فاستحقه أقلهم وحمله سائرهم غصبا له واستبدادا به دون أن يكون له أهلا؛ فإمرة المسلمين ليست شيئا هينا يستطيع كل من قام بأمر المسلمين أن يتلقب بها، وإنما هي تصور الأعباء الثقال، والعناء المتصل، والجهد الذي ليس فوقه جهد في إقرار العدل، ورفع الظلم، وإنصاف الضعفاء من الأقوياء، وتحقيق المساواة بين الناس، والعناية بأمر القريب والبعيد، والرفق بالمسلمين وأهل الذمة في أوقات اليسر والعسر، والقيام فيهم بالحزم كل الحزم؛ حتى لا يطمع منهم طامع فيما ليس له بحق، ولا يطمح منهم طامح إلى ما لا ينبغي له أن يبلغه، وإنصاف الناس بعد هذا كله وقبل هذا كله وفوق هذا كله من نفسه، كإنصافه بعضهم من بعض أو أشد من إنصافه بعضهم من بعض.
وقد كان عمر - رحمه الله - جديرا بإمرة المؤمنين حق جدير، وما أقل الذين شاركوه في الجدارة بإمرة المؤمنين من الخلفاء وأشباه الخلفاء!
وأما المشكلة الثانية: التي عرضت لعمر فخرج منها في يسر، فهي مشكلة التاريخ؛ كانت الكتب ترد إليه من عماله وقادته ومؤرخة بالشهور التي تكتب فيها دون أن تؤرخ بالسنين؛ لأن المسلمين لم يكونوا قد اتخذوا لأنفسهم تاريخا، فضاق عمر بذلك، واستشار أصحاب النبي في تاريخ يجعل للناس يؤرخون به، فأشير عليه بأن يتخذ العام الذي هاجر فيه النبي
صلى الله عليه وسلم
من مكة إلى المدينة بدءا للتاريخ الإسلامي، وكان اختيار هذا العام موفقا كل التوفيق، ففيه نشأت للمسلمين جماعة منظمة مستقلة يقوم النبي على أمرها بما كان الله يوحي إليه من القرآن الكريم، وما كان يلهمه من البيان للقرآن الكريم، وما كان يجتهد رأيه فيه أو يستعين عليه برأي المسلمين.
وقد نشأت هذه الجماعة ضئيلة قليلة ضيقة الرقعة محدودة السلطان، ولكن الله كثر هذه الجماعة بعد قلة، ووسع رقعتها بعد ضيق، ونشر سلطانها بعد انقباض، حتى أصبحت جزيرة العرب كلها مستظلة بلواء الإسلام أيام النبي
صلى الله عليه وسلم ، ثم زاد الله أرض المسلمين انبساطا وسلطان الإسلام انتشارا، فنظر عمر فإذا هو ليس أمير المؤمنين في المدينة وحدها، ولا في جزيرة العرب وحدها، وإنما امتدت إمرته حتى انبسطت على الشام ومصر وعلى العراق وأكثر أرض الفرس.
Unknown page