والمسلمون لصلاة العيدين، وللصلاة على الجنائز، وأن يلقى فيها، فحرق بالنار عن أمر أبي بكر، ولولا الغضب والحفيظة لخداع الفجاءة من جهة، ولانتشار الردة من جهة أخرى؛ لذهب أبو بكر في عقاب هذا المجرم الذي حارب الله ورسوله مذهبا آخر، قد أمر به في القرآن حيث يقول الله - عز وجل - في سورة المائدة:
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم .
ويقول الثقات من الرواة إن أبا بكر - رحمه الله - قد ندم على تحريق الفجاءة، وتحدث بندمه هذا إلى بعض من عاده من أصحاب رسول الله في مرضه الذي توفي فيه.
وأوضح دليل على ندمه سيرته فيمن كان يؤتى به من الأسرى الذين حرضوا على الردة وألحوا في التحريض، وقادوا قبائلهم لحرب المسلمين، فقد كان كلما أتي بأسير من هؤلاء عنفه، ثم قبل منه التوبة وأطلقه.
وبهذه السيرة عصم كثيرا من الدماء، وأعفى قوما أبلوا بعد وفاته في الفتوح أحسن البلاء.
وقد عاد طليحة إلى الإسلام بعد هزيمته وأقام في الشام حينا، ثم أراد العمرة فمر بالمدينة في طريقه إلى مكة، وعرفه من عرفه من المسلمين، فقالوا لأبي بكر: هذا طليحة قريبا من المدينة في طريقه إلى مكة. قال أبو بكر: وما أصنع به؟! دعوه فقد هداه الله إلى الإسلام.
وما أعرف أحدا من المرتدين كان له من حسن البلاء ما كان لطليحة، في كل المواقع الكبرى التي كانت بين المسلمين والفرس أيام عمر رحمه الله.
ومهما يكن من شيء فقد أتيح لأبي بكر بفضل هذا المزاج المعقول من الرفق في موضع الرفق، والعنف في موطن العنف، أن يقضي على الردة، ويعيد العرب إلى الإسلام طائعين أو كارهين بعد أن خرجوا منه. كل ذلك في العام الأول من خلافته، وأتيح له بعد ذلك أن يأخذ فيما كان يريد أن يبدأ به، لو لم تكفر العرب، من تحرير العرب في الشام والعراق.
8
وقد دفعت الظروف دفعا إلى فتح العراق، وما أرى أنه كان يريد البدء به، وإنما كان أهم شيء إليه أن يتم ما مهد له النبي
Unknown page