============================================================
مقدمة المزلف ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) لا يجد إليه الباطل سبيلا من جهة من الجهات إلا انه خص هاتين الجهتين، لأن من يأتي شيئا يأتيه غالبا من قدامه أو من خلفه، (ولا يتطرق إليه نسخ) اي لا ينتهي حكمه بعد زمانه عليه السلام، وذلك لانقطاع الوحي وتقرر احكامه إلى يوم القيامة، (ولا تحريف في أصله) بأن تبدل كلماته عن مواضعها، كما فعلت اليهود بكلم التوراة (أو وصفه) بأن يغير مثلا إعرابه أو تشديده كما غيرت النصارى تشديد ما أنزل إليهم في الإنجيل، من قوله: ولد الله عيسى من جارية عذراع، اي جعله متولدا منها وإنما لم يتطرق إلى القرآن تحريف أصلا لقوله تعالى: وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]، (ولما توفاه) إشارة إلى مباحث الإمامة فإنها وإن كانت من فروع الدين إلا انها الحقت باصوله دفعا لخرافات أهل البدع بذاته تعالى ففهم الناقل من لفظ المعنى ما يقابل اللفظ أعني الكلام النفسي، وتوهم لذلك أن العبارات حادثة عند الشيخ فنقل كما فهم، لا ان الشيخ صرح يحدوث العبارات واعلم أن الحق أن القرآن ليس اسما للشخص الحقيقي القائم بلسان جبريل عليه السلام، أو بالله تعالى خاصة، للقطع بان كل ما يقرأ كل واحد منا هو القرآن المنقول عن النبي عليه السلام بلسان جبريل عليه السلام، ولو كان عبارة عن ذلك الشخص لكان هذا مماثلا له لا عينه، ضرورة أن الأعراض شض بسحالها فتتعدد بتعدد المحال، بل هو عبارة عن هذا الؤلف المخصوص الذي لا يختلف باختلاف المتلفظين، وكذا الكلام في كل كتاب أو شعر ينسب إلى آحد، فمراد من ادعى قدم الالفاظ أنه لم يوجد زمان لم تتحقق معه هذه الألفاظ ضرورة قيامها بذاته تعالى أزلا، وإلا فالالفاظ القائمة بتا من حيث إنها كذلك فله الحدوث ضرورة حدوث الحال بحدوث المحل، والقول بأن القائم بنا هو القراعة لا المقروء مما لا يلتفت إليه فتأمل.
قوله: (كما غيرت النصارى تشديد ما انزل إليهم في الإنجيل) قإن قيل: الإنجيل ليس بمربي بل سرياني فكيف يتصور قضية التشديد وتفييره قلت: يحتمل أن يكون لفظ ولد، مشتركا بين العربية والسريانية، وأن يكون ما ذكر نقلا بالمعنى بأن يكون معنى ولد وولد مفهومين من لفظين في الإنجيل لا يفرق بينهما إلا بوجود علامة خارجة في أحدهما وعدمها في الآخر، كما في العربي، وقد يقال: التحريف بعد نقلهم الإنجيل إلى العربي وفيه بعد.
قوله: (لقوله تعالى: وإنا له لحافظون) صحة الاستدلال بهذه الاية على ما ذكر موقوفة على أن لا تحريف فيها نفسها ففيه شائبة مضادرة ويمكن أن يقال: اتعدام التحريف في هذه الآية نفسها ثبت بتواتر نقلها عن النبي عليه السلام، الصادق المصدق بالتصديق العقلي الذي هر اظهار المعجزة على يده، والاستدلال بمنطوقها على انعدام التحريف فيما سواه، ولا يقدح فيه جواز الاستدلال عليه بالتواتر ايضا، وهو ظاهر، نعم يلزم عدم التعرض لدليل عدم التحريف في هذه الآية نفسها.
Page 26