============================================================
مقدمة المؤلف وكلمة ثم على معناها الأصلي الذي هو المهلة، والمراد أنه تعالى أمرهم على السنة الرسل بالتفكر في مخلوقاته وأحوالها (والتدبر لمصنوعاته) وأطوارها، وفي قوله: (ليؤديهم) أي: التفكر والتدبر فيها مع ما في حيزه نوع تفصيل لما أجمله من مباحث الإلهيات والاستدلال عليها بالممكنات، في قوله العلي شأنه وما يعقبه (إلى العلم بوجود صانع)، لأن المخلوقات حادثة ولا بد للحادث من صانع (قديم) لا أول لوجوده إذ لو كان أيضا حادثا، لاحتاج إلى صانع آخر، فتسلسل أو دار (قيوم) قائم بنفسه مقيم لغيره، فإن ذلك لازم لكونه صانعا حقيقيا (حكيم) لظهور إتقانه في آثاره الصادرة عنه.
(واحد) في صفات الألوهية لا شريك له فيها، وإلا لاختل النظام المشاهد في العالم. (أحد ) في حد ذاته لا تركيب فيه، وإلا لكان ممكنا وحادثا (فرد) لا شفع له من صاحبة أو ولد لعدم مجانسته غيره. (صمد) سيد يقصد في الحوائج من صمده يصمده صمدا، أى قصده. (منزه عن الأشباه) المشاركة له في صفاته، (والأمثال) الموافقة إياه في حقيقة ذاته (متصف بصفات الجلال) أي العظمة، يقال: جل فلان إذا عظم قدره، وجلال الله عظمته (مبرأ عن شوائب النقص جامع لجهات الكمال) أى في الذات والصفات والأفعال: (غني) في جميع ذلك (عما سواه فلا يحتاج إلى شيء من الأشياء) فيما ذكرناه. (عالم بجميع المعلومات) لما اتي من ان المقتضي لعلمه خصوصية ذاته، والمصحح للمعلومية ذوات المفهومات، ولا شك أن نسبة ذاته إلى جميعها على السواع، فوجب عموم علمه إياها، (فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء)، أي لا يبعد ولا يغيب عنه أقل قليل، هو مثل في القلة فكيف بالزائد المشتمل عليه؟ (قادر على بمكلف، بل إنما يحصل التكليف بعد البلوغ والمرتبتان الأخريان تحصلان قبله كما هو الظاهر.
قوله: (والمراد أنه تعالى امرهم على السنة الرسل) فإن قلت : الشارح قد فسر بني آدم بنوع الإنسان، وآدم منهم، وليس مأمورا على السنة الرسل إذ الظاهر أن المراد رسل البشر، فكيف يستقيم ما ذكره؟ قلت: المراد انه تعالى أمر النوع على السنة الرسل لا كل فرد فرد، وإلا لم يستقم في بعض من سواه من الأنبياء ايضا: قوله: (فإن ذلك لازم لكونه مانعا حقيقيا) أراد بالصانع الحقيقي صانعا ليس بمصنرع لغيره، وهو القديم الواجب، فاندفع ما قيل: بل لكونه قديما غير محتاج إلى صانع آخر، كيف وكونه قديما غير محتاج إلى صانع آخر؟ إنما يستلزم القيام بنفسه لا الإقامة لغيره بالفعل، إلا آن يريد لكونه صانعا قديما.
Page 17