============================================================
مقدمة المؤلف المعقولات التي جبلت عليها فطرتهم ويسمى عقلا هيولانيا (والعلم الضروري) الحاصل لهم بلا اكتساب المسمى عقلا بالملكة (وأهلهم) جعلهم أهلا، وفي نسخة الأصل، وأهله بتأويل الإنسان (للنظر والاستدلال) بالعلوم الضرورية (والارتقاء في مدارج الكمال) وذلك بأن يرتقي أولا من الضروريات إلى مشاهدة النظريات، ويسمى عقلا مستفادا، ثم تتكرر مشاهدتها مرة بعد اخرى حتى تحصل له ملكة استحضارها متى أريد بلا تجشم كسب جديد، ويسمى عقلا بالفعل وهو وإن كان متاخرا عن المستفاد في الحدوث لكنه وسيلة إليه متقدمة عليه في البقاع وقد يقال : العقل المستفاد هو أن تصير النفس الناطقة بحيث تشاهد مقولاتها بأسرها دفعة واحدة، فلا يغيب عنها شيء منها اصلا، وهذا هو الغاية القصوى في الارتقاء في قوله: (المسمى عقلا بالملكة) فإن قلت : لا شك ان بين المرتبة الأولى التي هي الاستعداد المحض، وبين المرتبة الثانية المفسرة بالعلم بالضروريات، واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات مرتبة أخرى، هي العلم بالجزثيات المحسوسة فلم لم يتعرضوا إليها، قلت: لأنها ليست من مراتب القوة النظرية بل من خواص النفس الحيوانية والغرض عد المراتب المخصوصة بالنفس الناطقة.
قوله: (حتى تحصل له ملكة استحضارها) قال بعض المحققين: وعندي أنه لا اعتبار بملكة الاستحضار في العقل بالفعل بل القدرة على الاستحضار في الجملة كافية، وإلا لم تنحصر مراتب القوة النظرية في الأربعة فإنه إذا أحضرت المعقولات مرة مثلا وذهل عنها فالنفس قادرة على استحضارها ولو بتجشم، فهذه المرتبة لولم تعد عقلا بالفعل، ولم يتحقق الإنحصار كعدم تحققه على التفسير المستفاد بالتفسير الثاني: قوله: (متقدمة عليه في البقاء) ولأن في كل منهما جهة تقدم على الآخر، وتعارض الجهتين أشار إليهما معا بقوله والارتقاء في مدارج الكمال.
قول: (وهذا هو الغاية التصوى) فان قلت: قد صرحوا بأته بعد مرتبة العقل المستفاد مرتبتان إحداهما مرتبة عين اليقين، وهي أن تصير النفس بحيث تشاهد المعقولات في المفارق المفيض إياها كما هي، والثانية مرتبة حق اليقين، وهي أن تصير النفس بحيث تتصل بالمفارق اتصالا عقليا وتلاقي ذاتها ذاته تلاقيا روحانيا، وفرقوا بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين إن مشاهدة كل ما يرى بتوسط نور النار بمثابة علم اليقين، ومعاينة جرم النار الذي يفيض ذلك النور على ما يقبل الإضاءة بمثابة عين اليقين، وتاثير النار فيما تصل إليه بمحو هويته حشى يصير نارا صرفا بمثابة حق اليقين، فما معنى قوله: وهذا هو الغاية القصوى في الارتقاء في الكمالات العلمية، لا يقال: الكلام في مراتب القوة النظرية ومرتبتا عين اليقين وحق اليقين من مرات
Page 15