181

البحث الأول

في صلة هذا * الفصل (1232) بما قبله: هذا معلوم بالضرورة، فإن بعد الربيع الصيف. وقد * عرفت (1233) مما تقدم أن المراد بالصيف عند * المنجم (1234) * من (1235) حلول الشمس في السرطان إلى حلولها في الميزان، وعند * الطبيب (1236) هو الوقت الحار.

البحث الثاني:

قد عرفت أن أول كل فصل شبيه بآخر الفصل الماضي. ولما كان أول الصيف * شبيها (1237) بآخر الربيع، حصل فيه ما من شأنه أن يحصل في آخره، فلذلك قال «فيعرض فيه بعض أمراض الربيع» وقال «يعرض فيه بعض» ولم يقل «يعرض فيه ما يعرض في الربيع» أو «أكثر أمراض * الربيع (1238) ». وذلك لأن الحرارة تقوى في آخر الربيع وأول الصيف وأيضا يدوم تأثيرها فيتحلل معظم PageVW1P090B المادة البدنية بذلك فتنقص الأمراض بذلك غير أنه بسبب المشابهة يعرض بعض الأمراض الربيعية. وأما في وسط الصيف فبسبب كثرة التحليل لقوة الحر فلا يعرض فيه من أمراض الربيع ما سببه مواد رطبة كالصرع والسكتة والسعال والبحوحة * والزكام (1239) . وإن * حصلت (1240) في الوقت المذكور كان حدوثها * نادرا (1241) . وأما انبعاث الدم فيعرض في الوقت المذكور غير أن عروضه في الربيع من وجه غير الوجه الذي به يحصل في الصيف. وذلك لأن سبب حدوثه في الربيع هو غليان المادة وزيادة حجمها، وفي الصيف حدة المادة ولذعها، فتنفجر العروق PageVW5P158A السهلة * الانصداع (1242) . وكذلك الحال في الذبحة فإنها تحصل في * الصيف (1243) لكنها بطريق آخر وهو عند * صيرورة (1244) المادة صفراء، وذلك في وسط الصيف فتندفع إلى جهة الحلق ويحدث المرض المذكور، فإن الصفراء بطبعها تطلب الأعالي واللحوم الغددية قابلة لذلك لسخافتها فلذلك صارت الذبحة تحدث في الوقت المذكور عن المادة * المذكورة (1245) . وأما الوسواس والجنون فقد يعرضان في الصيف، وذلك لفرط احتراق المواد بسبب حرارة الصيف ويبسه لا كما يعرض في الربيع بسبب تحريك المادة. وكذلك ا لحال في القوابي والعلة التي ينقشر فيها الجلد أي بسبب احتراق المادة لا بسبب تحريك القوة * لدفع (1246) المادة. وأما البهق فيقل عروضه في الصيف، وذلك لتخلخل الجلد وتحليل ما يندفع إليه من المواد. وكذلك الحال في البثور والخراجات إلا أن تكون المواد المتولدة في الصيف رطبة كما إذا كان الصيف جنوبيا أو * إذا (1247) أفرط فيه في استعمال الأغذية * المرطبة (1248) .

البحث الثالث

في بيان كيفية عروض ما يخص الصيف من الأمراض: أما الحميات الدائمة فتارة يفهم منها الحميات الدموية المرضية، وتارة يفهم منها الصفراوية الدائمة أي الداخلة * في (1249) العروق لا البلغمية والسوداوية الكائنتان كذلك، وذلك لقوة الحر. وقد علمت أن كل فصل يولد ما يشاكله فمادة الحميتين المذكورتين قلما يتولد في الفصل المذكور. والمفهومان حق غير أنه إن فهم من الدائمة الأمر الأول فحدوثه في * أول (1250) الصيف، وذلك لقرب العهد بالربيع فتكون المواد الدموية كثيرة. وأما الصفراوية فأنواعها بسبب تولدها في زمان الصيف أمران: أحدهما اختصاص الفصل المذكور بتوليد الصفراء؛ وثانيهما كثرة ما يؤكل من الفواكه ولا سيما في آخره فيتولد عنها دم سريع الإجابة للغليان والعفن فيتولد ما ذكره أبقراط، غير أنه إن كانت المادة المذكورة خارجة العروق حصل منها الصفراوية الدائرة، وإن كانت داخلة العروق حصل منها الدائمة، إن كانت المادة مبثوثة في عروق البدن كله، وإن كانت في العروق القريبة من الكبد والقلب حصل منها المحرقة. وأما القيء والذرب فبسبب ميل المادة المذكورة إلى جهة العلو أو السفل فإنها إن كانت لطيفة مالت إلى جهة العلو وأوجبت القيء، وإن كانت غليظة مالت إلى جهة السفل وأوجبت الذرب ثم القيء إن كان معه إسهال سمي المجموع هيضة، وإن لم يكن معه ذلك سمي بذلك فقط. ولنبسط القول في هذه الأمراض الثلاثة فنقول: القيء. حركة من المعدة لدفع ما هو مصبوب في تجويفها، وذلك لأن المادة الحاصلة في المعدة تارة تكون مصبوبة في تجويفها وتارة تكون متشربة في خملها وتارة تكون في جرمها، ثم هذه نارة تكون مشنجة وتارة لا تكون مشنجة، فإن كانت مصبوبة في تجويفها أوجبت القيء، وإن كانت في جرمها أوجبت التهوع، وإن كانت في * خملها (1251) أوجبت الغثيان، وإن كانت مشنجة أوجبت الفواق، ثم القيء منه بحراني ومنه غير بحراني، فالبحراني كما في الحميات الصفراوية وكما في ورم تقعير الكبد عند انفجاره، وغير البحراني على نوعين، حاد مقلق وساكن، فالحاد كما في الحيضة واستعمال دواء مقيء والساكن كما في الممعودة، والمادة الموجبة له * إحدى (1252) المواد * الأربع (1253) لكن إن كان ذلك صفراء أوجبت القيء العنيف، وإن كان بلغما أوجب القيء الساكن، والسوداء قريبة من البلغم والدم قريب من الصفراء في قوة الحركة وضعفها. ومن الناس من يكون له نوائب في السوداء ويكون فيه * صلاحة (1254) ، ومن الناس من يدوم غثيانه ولم يحصل له قيء، وذلك إما لقوة الماسكة وإما لضعف كيفية ما يغثي وإما لقلة مقدار مادته، فإذا أكل شيئا سهل عليه القيء وضعيف المعدة كلما اغتذى بشيء عرض له غثيان وتقلب نفس، فإن مال ما استعمله إلى فوق خرج بالقيء، وإن انحدر إلى أسفل خرج بالإسهال، ومن العلامات المنذرة بالقيء ثقل فوق الشراسيف وتقلب نفس واختلاج الشفة * السفلى (1255) . واما الهيضة فهي حركة من المعدة لدفع ما فيها بالقيء والإسهال معا. وذلك لفساد يحصل للغذاء المستعمل فما لطف منه اندفع بالقيء وما غلظ منه * اندفع (1256) إلى أسفل وخرج بالإسهال. والفساد اللاحق للغذاء المذكور إما أن يكون من جهة الغذاء وإما أن يكون من جهة المعدة وما يطيف بها وإما أن يكون لأمر * طار (1257) . والعائد إلى الغذاء إما أن * يكون (1258) من جهة كمية وإما من جهة كيفية، والكمية هي أن تكون أكثر مما ينبغي فلا ينهضم على ما ينبغي أو أقل مما ينبغي فينفعل * من (1259) الهاضم فوق ما ينبغي * فيحترق (1260) . والكائن من جهة * الكيفية (1261) إما أن يكون في نفسه سريع القبول للفساد كاللبن الحليب والخوخ والبطيخ الأصفر وإما أن * يكون (1262) بطيء القبول * للإصلاح (1263) كالكماه واللحوم الغليظة وإما أن * يكون (1264) مفرط الحرارة كالعسل أو البرد كالقرع. وأما الكائن من جهة المعدة وما يطيف بها فمثل أن تكون ضعيفة عاجزة عن هضم ما يصل إلها من الغذاء ويحصل فيها رياح عن ذلك PageVW1P091A تحيل بين جرم المعدة وبين * الغذاء (1265) المستعمل فلا يشتمل عليه اشتمالا جيدا أو يكونالمراق مهزولا أو الكبد أو * الطحال (1266) ضعيفين. والطاري هو أن يكون قد أخذ الغذاء * عن (1267) غير شهوة صادقة أو قدم * فيه (1268) ما يجب تأخيره أو * تأخر (1269) ما يجب تقديمه أو يكون الهواء عند استعماله * حارا (1270) جدا أو استعمل عقيب أخذه حركة عنيفة. فأمثال هذه الأمور متى حصلت فسد الغذاء المسعمل، ومتى حصل ذلك قام مقام الدواء لأنه يستحيل إلى كيفية سمية فيحرك ما في البدن من المواد كما يحركها الدواء المسهل، ولذلك صار الإنسان عند حصول ذلك الأمر له يخرج من بدنه أضعاف ما يستعمله من الغذاء. والهيضة تكثر بالصبيان لسوء ترتيبهم في المآكل * والمشارب (1271) وكثرة حركاتهم عليها، ومعتاد الهيضة مضرتها له أقل من PageVW5P158B مضرة الغير معتاد لها، وكثيرا ما تحتبس مادة الهيضة وتميل عند ذلك إلى جهة البول فتحدث حرقة في مجاريه ولذعا فيها، ومن اعتراه القيام بالنهار أكثر من * الليل (1272) فالشر من جهة معدته فإنها * تنفر (1273) عن الغذاء المستعمل وتدفعه إلى أسفل. * وإذا (1274) كان بالليل * أكثر (1275) فالشر من جهة من جهة كبده بحيث أنها * (1276) ترد الغذاء النافذ إليها. وأما الذرب فهو الإسهال المزمن، وسببه إما ضعف ماسكة المعدة أو المعاء أو سدة في الماساريقا أو بقايا من أجرام الأدوية المسهلة ملتصقة بخمل المعدة. وأما الرمد فقد عرفته، وسبب عروضه في زمان الصيف حرارة المادة ولطفها وميلها إلى الأعالي. والعين عضو سخيف دائم الحركة فتقبل منها مقدارا متوفرا ويحدث فيها * رمد (1277) لا سيما وحرارة الوقت تخلخل جرم العين وتسيل المادة الحاصلة في * الدماغ (1278) . وأما وجع الأذن فالمراد به ورم يحصل حولها، وذلك لاستيلاء مادة من المواد الأربع على الدماغ غير أن أكثر ما يكون ذلك عن المادة الصفراوية، وذلك لكثرة تولدها في الفصل المذكور ثم أن الدماغ يدفعها إلى مغيضه وهو خلف الأذنين. وقد تكون المادة المذكورة غير مورمة * وهي (1279) إذا كانت خالية من * العفن (1280) . وأما قروح الفم فذلك لارتفاع الأبخرة الصفراوية إلى جهته فتنكيه وتؤذيه، وربما أوجبت فيه * قلاع (1281) ، وسنذكره. وأما عفن القروح فلاجتماع سببي العفونة فيه وهما الحرارة والرطوبة. أما الحرارة فمن جهة الفصل. وأما الرطوبة فمن جهة مادة القرحة. فإن كان الصيف مع ذلك جنوبيا أي كثير الرطوبة كان أقوى في * ذلك (1282) . وأما الحصف * فهو (1283) بثور تحدث في جلدة الرأس لمواد حادة * ترتفع (1284) إليها وتقرحها.

[commentary]

قال جالينوس: وهذا الاسم مشتق في اللغة اليونانية من اسم العرق، وذلك لأن العرق إذا كان مائلا إلى طبيعة المرار فإنه يحرق الجلد ويحدث فيه حكة وخشونة ثم * تقرحه (1285) . * والله (1286) أعلم.

22

[aphorism]

Unknown page