وأطاح الريح بقبعته فكان عليه أن يجري ليمسك بها. طارت من أمامه مرتين أو ثلاث مرات، وأخيرا أمسك بها بحركة عنيفة كمن يمسك دجاجة في حظيرة للدواجن.
وعاد إلى الحانة بحجة أخذ باقي نقوده، ولكنه كان يريد في الحقيقة أن يرى الانطباع الذي خلفه خروجه المفاجئ على الرجل الجالس على المقعد، ووجده يجاهد مع صاحبة الحانة: كان ظهرها إلى الحائط، بينما شفتاه المشتاقتان تنشدان قبلة من شفتيها. وصاحت به حين تركها أخيرا، مذعورة من وقع خطوات ذي الوجه الملائكي المقتربة: «أيها الشرطي البائس، أنت أيها الحقير، هذا هو الاسم الجدير بك!»
ورأى ذو الوجه الملائكي أن من المناسب لخطته أن يتدخل بلطف في الأمر، فتناول الزجاجة التي كانت صاحبة الحانة تلوح بها متوعدة، وتطلع إلى الرجل بإمعان. - «مهلا مهلا يا سيدتي! يا للسماء، يا لها من حكاية! هيا، خذي باقي النقود لك عوضا عن ذلك. لن تكسبي شيئا من الشجار، وربما تحضر الشرطة، فضلا عن أن صديقنا هذا ...» - لوسيو فاسكيز، في خدمتك.
وصاحت المرأة: لوسيو فاسكيز! بالأحرى «سوسيو باسكاس»!
1
الشرطة، دائما الشرطة. فليجربوا ويأتوا هنا. إنني لا أخاف أحدا، كما أنني لست من الهنود، أتسمعني؟ حتى يخيفني بسجن «كاسا نويفا»!
فتمتم فاسكيز وهو يبصق شيئا ابتلعه عن طريق الخطأ: إن بإمكاني أن أضعك في دار للدعارة إن أنا أحببت! - وهو كذلك يا سيدي، فلم أكن أقول أي شيء.
وكان صوت فاسكيز كريها ؛ فقد كان يتحدث بطريقة أنثوية، بعبارات قصيرة متكلفة. وكان واقعا في غرام صاحبة الحانة لقمة رأسه، ويجاهد معها ليلا ونهارا حتى تعطيه قبلة واحدة عن طيب خاطر، فقد كان هذا هو كل ما يطلبه. بيد أنها كانت ترفض دائما، على أساس أنها إذا قبلت أن تمنحه قبلة فإن ذلك يعني منحه كل شيء. ولم يفلح مع صاحبة الحانة أي شيء: الرجاءات، التهديدات، الهدايا الصغيرة، الدموع الحقيقية أو الزائفة، الأغاني الغرامية بالليل، الأكاذيب، فقد كانت عنيدة في رفضها، ولم تستسلم أبدا، ولم تسمح لنفسها أن تتأثر بهذا التزلف. وكانت تقول دائما: «فليعرف تماما أي شخص يحاول أن يطارحني الحب أنه سيخوض في سبيل ذلك أهوالا.»
ومضى ذو الوجه الملائكي يقول كأنما يحادث نفسه، وهو يحك بسبابته قرشا معدنيا دق على الحائط: «بما أننا قد سوينا أمركما، فسوف أحكي لكما قصتي. الفتاة التي تسكن في المنزل المواجه.»
وبدأ يحكي لهما أن صديقا له طلب منه أن يرى ما إذا كانت تلك الفتاة قد تسلمت خطابا أرسله لها، حين قاطعته صاحبة الحانة قائلة: إن أي شخص يرى صراحة أنك أنت الذي تسعى وراءها أيها الوغد المحظوظ!
Unknown page