عندما وصلت ساي إلى غرفتنا، تسللت بهدوء، اتجهت نحوي أولا، ثم غيرت اتجاهها، لم أستطع أن أميز ما تبحث عنه؛ فقد جلست على طرف السرير من الجهة الأخرى، وفجأة بدأت ساي بالانتحاب، اقتربت مني ومسحت على شعري بحنان، قبلت جبيني ومن ثم مضت. كان قلبي يخفق بشدة، فمنذ سنة وهي لا تكترث بي أبدا، كدت أنهض لأراها لكنني لم أرغب بمفاجآت من ساي، لم أعد أتوقع ما هي ردة فعلها، قد تعود لجنونها مجددا إن تحدثت معها، قد أخبرها أني اشتقت إليها وتجيب أني اشتقت لأرى تعاستها، وقد أخبرها أنه قد مر وقت طويل لم نلتق به، فتجيب أنني المذنب، لم أعد أتوقع إلا السلبي منها. أخذت شيئا بيدها لم أميز ما هو وخرجت من الغرفة، مشت بخطوات هادئة وهي تبكي وسمعت صوت إغلاق باب المنزل. كان الهدوء شديدا في تلك الليلة؛ لذا استطعت أن أسمع خطواتها في الحديقة.
بعد عشرين دقيقة خمنت أنها قد وصلت إلى منزلها. لكني فجأة سمعت صوت صراخ في الحديقة، كان صوت ساي، وكما لو أنها أوقعت شيئا منها وانكسر، جريت مسرعا ونظرت من النافذة فرأيتها ما زالت على باب الحديقة الخارجية، مرتمية على الأرض وهي تمسك بصورة لنا، يبدو أن تلك الصورة هي ما أخدته من الغرفة قبل قليل، كان إطار الصورة مكسورا أمامها. لم أفهم لم هي ما زالت هنا، وماذا حدث بالضبط.
بقيت أراقبها وأنا داخل المنزل، أراقب كسرها وكسري، كان ضوء الحديقة يظهر وجهها بشكل واضح، كانت الدموع تنهمر من عينيها، ومع كل دمعة كنت أشعر أن قلبي يكاد يتوقف، في كل مرة أحاول أن أخطو نحوها، أتذكر الوعد الذي وعدته لنفسي بالانسحاب من حياتها، أشعر أني سبب كل الألم الذي ألم بها في الآونة الأخيرة ولا أرغب في أن أتسبب لها بالمزيد من الآلام، كان قلبي يخبرني أن ما أقوله هو مجرد كلام لأرضي ضميري نحوها وأني لم أعد أحتمل المزيد من المشاكل لذا انسحبت، انسحبت لمصلحتي لا لمصلحتها ولكن يأبى عقلي أن يطاوعه ويخبرني أن ما أفعله هو الأفضل لكلينا. في النهاية بقيت على حالي تلك، مكتفيا بالمراقبة من بعيد، أدعو في سري أن تقودها خطاها لحضني وتعود لي.
حين همت بالنهوض من مكانها بدأ قلبي يخفق بشدة شعرت أن مصيرنا نحن الاثنين سيتحدد في الدقائق التالية وإلى الأبد، نهضت من مكانها وهي تبكي، وأخيرا اتجهت مجددا نحو باب المنزل عائدة، كانت تبكي وتنادي باسمي، شعرت بسعادة غامرة، سعادة تعادل الدموع التي تنهمر من عينيها، ركضت نحو الباب لأفتحه حتى قبل أن تقرعه أو تفتحه هي، فما دامت قد عزمت على العودة واختارتني فسأبقى متمسكا بها، رأيتها أمامي بوجهها البريء الذي أعشقه.
فتحت ذراعي لها وضممتها إلى صدري وأحكمت الضمة، همست لها: اشتقت إليك.
أجابتني: أحبك.
أعادتها عشرات المرات، في كل مرة كنت أطبع قبلة على رأسها وأخبرها أني أحبها أكثر، وأفكر بكل جميل أعطته لي، وبكل حياة أضافتها لروحي، وبكل ابتسامة وهبتها لحياتي.
فالحب بالحب، والعطاء بالعطاء، والوفاء بالوفاء، والبادئ أكرم. (تمت)
Unknown page